أحمد ياسين قمر فلسطين المضيء نحو الفجر القادم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد ياسين قمر فلسطين المضيء نحو الفجر القادم


بقلم: عبد الملك المخلافي

"أملي أن يرضى الله عني"، نال الرجل المُقعد العاجز أمله، فرضي الله عنه عندما ختم حياة حافلة بالعطاء والجهاد، شهيداً مصداقاً لقوله تعالى "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

وبقينا نحن أبناء الأمة، رجالها ونساؤها، شيوخها وشبابها، غير العاجزين وغير المقعدين؛ خارج رضا الله، وخارج رضا أوطاننا وأولادنا وضمائرنا عنا، إلا من رحم ربي، فاختط طريق العمل من أجل الأمة، من قضى نحبه ومن ينتظر، ومن لم يبدلوا تبديلاً.

هل لقاموس اللغة من معنى واحد؟ أم أنّ رجلاً مثل الشيخ أحمد ياسين استطاع أن يغيِّر معنى قاموس اللغة؟ أليس الرجل عاجزاً ومقعداً؛ إلا من قلب مؤمن بالله والوطن، وعقل مسخر للوطن والعمل في سبيله؟

وأليس 22 حاكماً والآلاف من القادة وأبناء النخبة، سلطة ومعارضة، إسلاميين وقوميين ويساريين ووطنيين، يملؤون الوطن ضجيجاً وحركة بالحق أو بالباطل، ولهم أجساد سليمة غير مقعدة أو عاجزة، ومع ذلك، إلا القلة؛ هم العجزة الحقيقيون؟

من العاجز والمقعد؟ الشيخ ياسين، مقعد الجسد، سليم الإرادة؛ أم الحكام المدججون بالأسلحة والمليارات والجيوش وآبار النفط، العاجزة إرادتهم، والمقعدة حركتهم، إلا من الركوع لغير الله والخضوع للأعداء؟

رغم الحزن والألم والفاجعة لفقدان الشهيد العظيم أحمد ياسين؛ ليس لنا إلا أن نهنئه، فقد نال رضا ربه، ونال الشهادة، ولم يمت كالبعير في فراشه.

وما يستوجب أن نحزن عليه؛ هو حال أمتنا، وهو حال كل واحد منا. أمة فقد حكامها حتى القدرة على الشجب والاستنكار، حتى الشجب والاستنكار الذي سخرنا منه طويلاً، وكان تعبيراً عن عجز عربي في الزمن الرديء الذي غاب عنه الفعل؛ ما عدنا نسمعه من سنوات ربما، وافتقدناه على مدى ما يزيد عن عام، منذ حقق المشروع الصهيوني والاستعماري الجديد، نصره باحتلال العراق، بتواطؤ حكام المذلة والعار، رغم المجازر ية.

يُقتل أبناء فلسطين بالعشرات، كل يوم، وقد تعبنا من الفرجة على مناظر المجازر الصهيونية على شاشات التليفزيون، وتعبنا من إصدار بيانات الشجب، فحُوِّلت قنواتنا إلى برامج التسلية والتعري، وأوقفنا البيانات التي كان يخرجها موظفون بيروقراطيون من أدراج مكاتبهم لكل مناسبة، دون أن تحمل روحاً أو شعوراً، فقد تعب الموظفون.

ولهذا، كنا، جميعاً، من سهّل قتل هذا الشيخ المجاهد، فما كان العدو ليُقدم على خطوة كهذه؛ لو كان وجد من يردعه في جرائمه السابقة، فلا يحق لهؤلاء الحكام أن يتباكوا على الشيخ ياسين، فهم من مكن العدو من قتله. وهل الدم الفلسطيني إلا جرحاً نازفاً في الجسد العربي، لم يتوقف عن النزيف أبداً، ودم الشيخ ياسين امتداد لهذا الجرح النازف.

وحدها المقاومة في فلسطين وفي لبنان وفي العراق؛ كانت تردّ على الجرائم. ومع إيماننا أنّ الدم سينتصر على السيف في النهاية، ولكن أين السيوف التي أُنفق عليها من لقمة عيشنا وتعليمنا وصحتنا ومستقبل أطفالنا؟ أهي مهيأة لنا أم للعدو؟

وحدها المقاومة ستردّ على الجريمة الصهيونية، على هذا الإرهاب، وتلك الوحشية والهيمنة التي يمارسها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، في وطننا.

لا نعوِّل على حكام سيُلعنون في كل صفحات التاريخ، عندما يُدوِّن ما جرى في هذا الزمن الرديء. ولكن نعوِّل على أمة لن ترضى أن تهون على نفسها وعلى الناس.

أمة الشهادة التي أنجبت أعظم الرجال، ليس آخرهم الشهيد أحمد ياسين.

الأمة التي تقاوم، منذ قرنين، كما لم تقاوم أية أمة. ولازالت تقاوم، حتى عندما سكتت مقاومة كل الأمم؛ تقاوم الظلم والعنصرية والصهيونية والاستعمار والاستسلام. حيث لن يهنأ الصهاينة بجريمتهم، وسيلقى الإرهابي شارون وعصابته الغازية مصيرهم المحتوم بيد المقاومة التي لن تتوقف باستشهاد الشيخ أحمد ياسين.

نعوِّل على جماهير الأمة لا حكامها، الذين طعنوا أمانيها دائماً، وسهّلوا لأعدائها استباحتها. فهل تنتفض الجماهير في كل قطر عربي؛ إن هذه لحظة اختبار.

لقد استباح تتار العصر الجدد بغداد، واستباح النازيون الجدد الدماء والأعراض، وارتكبوا أبشع الجرائم في فلسطين. فيجب أن يكون الرد العربي بمستوى ما نواجهه. والرد العربي المأمول هو خروج الشعب العربي إلى الشوارع، من صنعاء إلى دمشق، ومن قطر والقاهرة، إلى الرباط ونواكشوط، يوجه رسالة لحكامه أولاً؛ أنّ عليهم الاختيار بين شعوبهم وكرامتهم؛ وبين الذل والخنوع والاستسلام والتبعية والخزي والعار في الدنيا والآخرة.

ويوجه رسالة إلى العالم أنّ هناك أمة حية واحدة، عليهم أن يختاروا بين صداقتهم لها، وانحيازهم للحق والعدل، وبين الانحياز المتفاوت أو الصمت على النازيين والإرهابيين الجدد، وخسران صداقة هذه الأمة التي عمرها آلاف السنين، باقية على كل هذه الأرض.

فيا أيها العربي، ماذا تبقى لكي تعبر عن موقفك، ولو باللسان والتظاهر؟!

بعد أيام؛ سيعقد الحكام مؤتمر قمتهم. لا نأمل منهم الكثير أو القليل، إلا إذا استطاعت حركة الجماهير أن تجبرهم على أن يستعيدوا شيئاً من نخوتهم ورجولتهم وكرامتهم التي لو كانت تخصهم، فليذهبوا وما يمثلون إلى الجحيم، ولكنهم متحكمون بنا وبمقدراتنا، وباسمنا يستسلمون، وبكرامة أمتنا يعبثون.

ليست جريمة اغتيال الشهيد أحمد ياسين مناسبة للتباكي، ولكن لنكرر أنّ ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، وأنّ المقاومة الطريق الوحيد للانتصار، وأنّ معركة الكرامة في فلسطين؛ هي معركة استرداد الجماهير إرادتها المسلوبة، وحقها في القرار، وفي أن يكون حكامها تعبيراً عنها، لا عن مصالحهم وارتباطهم بالأعداء.

أما الشهيد أحمد ياسين؛ فله شرف أنه أحد الرجال العظام الذين حولوا أفتك أسلحة الإبادة إلى سلاح للاغتيال الفردي، الطيران والصواريخ وغيرها لم تعد سوى مسدس للاغتيالات الفردية، تخيب في الكثير من الأحيان، وحوّل الأجساد الاستشهادية، مجرد الأجساد الضعيفة، إلى سلاح فتاك يفتك بالعشرات.

أليس هذا شرفاً لا يدانيه شرف؟ أو ليس هذا التحول بُشرى بالنصر القادم لأمتنا عندما تصير صياغة الحياة في الأرض العربي وفقاً لأمانيها، ونحرِّر فلسطين والقدس، ونستعيد السيادة العربية على كل شبر من وطننا؟

للشهيد الرحمة، فقد أكرمه الله بالعلو في الحياة، والعلو في الممات شهيداً، وللجبناء الخزي والعار، وللأمة النصر.

وسيبقى وجه الشهيد ياسين قمر فلسطين المنير، كما هي وجوه الشهداء في أمتنا، ونجوم أمتنا وأقمارها التي تضيء لها الطريق نحو الفجر القادم بإذن الله.