أضواء على الصالونات الثقافية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أضواء على الصالونات الثقافية

أ.د/جابر قميحة

مقدمة

د.جابر قميحة

ليس أصعب على النفس من الكتابة في هذا الموضوع المهم في هذه المساحة الضيقة من الصفحات ، لذلك اضطررت إلى الإيجاز الذي قد يبدو أحيانًا إجحافًا ، كما اعتمدت على مبدأ الانتقاء ، وقد يكون المتروك أفضل من المطروق ، وقد يرجع ذلك إلى معرفتي الميدانية بالصالونات التي عرضتها أكثر من التي تركتها .. وقد جاء الاستهلال تعريفًا "للصالون" ومكانه في اللغة والواقع .. ثم عرضت لما يمكن أن يكون تمثيلاً لأصل الصالونات وجذورها في المجالس واللقاءات ، وخصوصًا مجالس سكينة بنت الحسين ، وولادة بنت المستكفي ، ثم جاء مر الكرام ب الكويت و السعودية ، وكان أكبر الاهتمام بصالونات القاهرة لريادتها الأدبية والثقافية ، ولمعرفتي بهذه الصالونات ، ومساهماتي فيها أكثر من غيرها ، وكان أشهر هذه الصالونات ثلاثة : صالون نازلي فاضل ، وصالون مي ، وصالون العقاد .. ثم جاءت الصالونات الأخرى .

من المعروف أن كلمة "صالون" كلمة دخيلة على اللغة العربية وأصلها في الأجنبية "Salle" ، وترجمت في بنيتها العربية "صالة" ، ومعناها : غرفة ـ بهو ـ قاعة ـ حجرة واسعة .

أما كلمة"Salon" فتعطي المعاني السابقة في الفرنسية ، وتزيد عليها في المعنى : ندوة : أي اجتماع للتشاور أو التباحث ومناقشة مسائل متعددة . (1)

وتستعمل كلمة Salon" " في الإنجليزية بمعنى ـ القاعة أو البهو الواسع لغرض العرض أو الاستقبال ، أي كمعرض لعرض اللوحات أو التماثيل أو التحف والملابس وغيرها .. وتعني كذلك الاجتماع الدوري لأدباء ومفكرين ومثقفين للمناقشة في قاعة محددة من قصر خاص ، أو مبنى خصص لذلك .

أما كلمة "Saloon" فتعطي المعاني السابقة ، وتزيد عليها مسميات أخرى هي : السيارة المقفلة التي تسع من أربعة إلى سبعة ركاب ، وكذلك الحان (البار) ، أي مكان بيع الخمور وشربها . (2)

وفي فلك التعريفات السابقة تدور المراجع العربية الحديثة : فالصالون "Salon" في معجم "وهبة" يطلق على الندوة الأدبية : أي اجتماع في قصر من قصور رعاة الفنون والآداب يتآلف من الأدباء والفنانين والساسة البارزين ، يجتمعون فيه بصفة دورية لمناقشة المسائل الجارية ، والموضوعات الأدبية .. ويطلق الصالون كذلك على المعرض السنوي العام الذي يقيمه مجموعة من المصورين تجمعهم فكرة واحدة في فن التصوير

وبناء على ما ذكرناه سابقًا نخلص إلى الحقائق الآتية :

1) الكلمة في اللغات الأوروبية كلمة مستحدثة لم يكن لها وجود في القديم .

2) الكلمة دخيلة على اللغة العربية .. وإن وجد في التاريخ العربي مسميات يمكن ـ مع شيء من التجاوز ـ إطلاق كلمة "صالون" عليها ، مثل المجلس ، والمنتدى ، والندوة .. كما يمكن اعتبار الكلمة من الدخيل المعرب ، مثل : بستان ، وديوان ، ولها ما يوافقها من الوزن الصرفي ، وهو "فاعول" ، وعليه جاءت كلمات قرآنية مثل : طاغوت ، وناقور ، وكافور ..

3) وبتحديدنا هذا المصطلح في النطاق الفكري نجد أن مفهومه يأخذ دلالة من الوصف اللاحق به ، فهناك الصالون الأدبي ، والصالون السياسي ، ويأتي وصف الثقافي ليتسع ـ منفردًا ـ للتوصيفات السابقة وغيرها ، فهو أشملها جميعًا .

4) يطلق مصطلح الصالون على "المكان" ، وقد يطلق على "المجتمعين" ، ولكنه ـ في الأغلب الأعم ـ يطلق على المجتمعين في مكان معين بصفة دورية لمناقشة موضوع ما .

5) أشرنا إلى أن الكلمات التي تستخدم مرادفة "للصالون" ندوة ، ومنتدى ، وملتقى ، ولقاء ، ومجلس .

ولكن الاستعمال العرفي يجعل ثمة فروقًا بينها تكاد تكون في الدرجة لا في النوع ، فروادها أكثر ، ومكانها أكثر اتساعًا ، وقد يتغير من ندوة إلى أخرى ، وقد يكون مكانًا عامًا ، ولا التزام لدورية عقدها ، أما الصالون فمكانه ـ غالبًا كما ذكرنا ـ قاعة في قصر ، أو بيت خاص لشخصية "ذات حيثية" اجتماعية ، أو ثقافية ، أو سياسية بصفة دورية : أسبوعيًا ، أو شهريًا ، أو نصف شهري .

في تاريخنا القديم ..

وفي العصر الجاهلي ، وما تلاه من العصور كان الشعراء يقصدون الملوك والأمراء ويمدحونهم ، ويحضرون مجالسهم ، ونرى في عكاظ صالونًا ، أو مجلسًا أدبيًا في صورة مبسطة تتفق مع طبيعة العصر الجاهلي ، وهي تلك القبة من أدم (جلد) التي كانت تضرب للنابغة الذبياني ، ويقصده الشعراء يحكمونه في شعرهم ، فينقد ، ويفاضل بينهم ، ويقدم حيثيات ـ أو مبررات ـ أحكامه النقدية ، وتعلو نبرة الحوار ما بين مرحب بالحكم راض ، وما بين ناقم رافض ، وكل يدافع عن رأيه ، ويدعمه بأسانيد من اللغة والبلاغة ، وممن قصد "هذا الصالون" الأعشى (أبو بصير) وحسان بن ثابت ، والخنساء ـ أخت صخر ـ التي قالت فيه أشهر مراثيها .. (4)

وكان هناك مجلس سيف الدولة الحمداني من أشهر المجالس ، وكان المتنبي أشهر من ينشد فيه ، ولم يكن هو الشاعر الوحيد في هذا المجلس ، فقد كان يحضره آخرون من الشعراء ك أبي فراس الحمداني .

وكانوا ينقمون على المتنبي مكانته عند سيف الدولة ، وكانت تقع في المجلس حوارات ومناورات واعتراضات ، وينقل لنا التاريخ كثيرًا منها ، ربما كان أشهرها يوم أنشد المتنبي أمام سيف الدولة ميميته المشهورة التي استهلها بقوله :

واحر قلباه ممن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم

فأخذ من في المجلس من حاسديه يتعسفون في نقده ، ويعيبون ما قال .. بل أغلب ما قال بقصد الحط من شأنه أمام الأمير .. فمثلاً عندما قال :

سيعلم الجمع من ضم مجلسنا

بأنني خير من تسعى به قدم

صرخ فيه أحدهم :

وماذا أبقيت للأمير ؟ .. بل إنهم أخذوا يردون أبياته إلى معان في أبياته السابقة ، يتهمونه فيها بالسرقة (5)

وكثيرة هي مجالس الخلفاء والأمراء والعلماء في العصرين الأموي والعباسي ، مثل تلك التي ينقلها التاريخ من مجالس عبد الملك بن مروان ، و المأمون ، و الشريف المرتضى وغيرهم ، وكثيرًا ما كانت المحاورات والمناقشات تنطلق من موضوع أو سؤال يطرحه الأمير صاحب المجلس على الحاضرين ، فيدلي كل منهم بدلوه . (6)

وفي رسالة الغفران يتخيل أبو العلاء مجالس أو صالونات في الجنة من اللغويين والنحاة في مسائل لغوية ونحوية وصرفية ونقدية حول ما يشاهدونه في الجنة ، كذلك الجدل الذي دار بين مجموعة من النحاة واللغويين حول "الإوزة" أو "الوزة" ووزنها . (7)

سكينة بنت الحسين ..

كانت سكينة بنت الحسين ـ رضي الله عنها ـ ذات جمال وعقل وعلم وحجة وعفة ، وقدرة نقدية فائقة ، وكان يقصدها الشعراء ورواة الشعر يحكمونها في الأقوال والأشعار في بيتها في المدينة : تنظر إليهم وتسمع لهم ولا يرونها ، وممن قصدها رواة الشعراء الثلاثة : نصيب ، وجميل ، والأحوص ، وتتلو عليهم من حافظتها شعرًا لكل واحد من شعرائهم ، وتنقده نقدًا بصيرًا ، مبرزة ما في شعر كل منهم من عوار .. كما قصدها الفرزدق في المدينة فواجهته بتفضيل جرير عليه .

وسمعت شعرًا لعروة بن أذينة الليثي فأخذت عليه بعض العيوب بروح فيها سخرية .

وكان لها شعر جيد منه البيتان الآتيان في رثاء زوجها الذي قاتل عبد الملك بن مروان حتى قتل :

فإن تقتلوه تقتلوا الماجد الذي

يرى الموت إلا بالسيوف حرامًا

وقبلك ما خاض الحسين منية

إلى القوم حتى أوروده حمامًا

وبعد مقتله شرعت في الخروج من العراق إلى المدينة ، فطاف بها أهل العراق ، وقالوا أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله .. فقالت : لا جزاكم الله عني خيرًا ، ولا أخلف أيتمتموني صغيرة ، وأرملتموني كبيرة ، فلا عافاكم الله من أهل بلد ، ولا أحسن عليكم الخلافة . وتوفيت بالمدينة في ربيع الأول 117 هـ .

ومما جاء في تاريخ سكينة نستخلص أنها كانت ذات شخصية قوية ناشطة تتمتع بخلق رفيع ، وعفة وتصون ، ووفاء صادق لزوجها مصعب ، حتى إنها رفضت أن تتزوج قاتله الخليفة عبد الملك بن مروان حين عرض عليها أن يتزوجها .

وكان لها رؤيتها النقدية البصيرة المبررة ، فلم تكن تصدر حكمها النقدي إلا بعد معايشة النصوص التي تحفظها أو تعرض عليها ، وتوازن بينها .

وهذه الصورة الخلقية والعقلية النفسية تجعلنا نرفض كثيرًا من الروايات التي أوردها الأصفهاني ، والتي لا تتسق مع ما تأكد من خلقها وتصونها ؛ فصاحب الأغاني لم يكن همه البحث عن الحق ، وتمحيص الحقائق ، وتوثيق التاريخ ، ولكن كان همه التسلية والتسرية والإطراب ، كما كتب صراحة في مقدمة كتابه الضخم . (8)

ولادة بنت المستكفي (ت 480 أو 484 هـ )

وفي الأندلس اشتهرت ولادة بنت المستكفي .. تولى أبوها الخلافة سبعة عشر شهرًا ، قتل بعدها ، وكان فاسدًا نهابًا ، رجل نساء وخمر ، وأكل وشرب وتخلف ، ومع ذلك اهتم بتربية ابنته ولادة ، وأحضر لها المعلمين والمثقفين .. وكانت على قسط وافر جدًا من الجمال والذكاء ، وحضور البديهة .

وكان لجمالها أثر كبير جدًا في تجميع الكبراء والعظماء حولها ، وتهافتهم على مجلسها ، وكانت تجلس فيه لهؤلاء ، وتحاضرهم ، وتحاورهم وتجادلهم .. وفي هذا المجلس كان يحضر ابن زيدون ، و ابن عبدوس ، وابن القلاس وغيرهم من الكبراء ، ولم تعقد ولادة هذه المجالس إلا بعد أن مات أبوها ،، وخلا لها الجو ، ولم يعد ثمة مسيطر عليها يتحكم فيها .. وقد انقسم الناس بشأنها قسمين ، فقال بعضهم : إنها ـ على الرغم من مخالطتها الرجال ، ومجالستهم في جو من الإغراء الذي كان يحيط بها .. وفي ذلك يقول ابن بسام أنها كانت "تخلط ذلك بعلو نصاب ، وكرم أنساب ، وطهارة أثواب" .. وقال فريق آخر أنه لم يكن لها تصاون يطابق شرفها ، فخرجت على المألوف ، وحطمت التقاليد ، واستهترت بالعرف الشائع الذي يصون العربيات عن التبذل ، وخصوصًا بنات الخلفاء .

ولا شك أن ولادة استهدفت بكثير من الأخبار والمبالغات ، ولكن تبقى حقيقتان لا تحتملان الخلاف وهما : أنها كانت مصدر إلهام ل ابن زيدون بأرقى وأرق وأخلد شعره .. وأنها كانت صاحبة "صالون" شد الأنظار وشغل الناس ، وكتب الأدب والتاريخ . (9)

الصالونات المعاصرة في الكويت والسعودية

عشت في الكويت أربع سنوات في بداية السبعينيات أؤدي رسالتي التعليمية ، وكنت أحضر بعض "الديوانيات" ، وخصوصًا ديوانية الأستاذ عبد الله العقيل ، والديوانية تعقد مساء كل خميس ، وهي تشبه الصالون الأدبي ، ولكنها كانت تتسع لكل المسائل والموضوعات بما فيها أعمال التجارة ، وعقد الصفقات ، ولكن النادي الأدبي في الكويت كان يقوم بمهام أدبية ونقدية جليلة ، ويصدر مجلة شهرية باسم "البيان" ، وكان من أظهر القائمين على أمرها : خليفة الوقيان ، و خالد سعود الزيد ، و سليمان الشطي .

وفي المملكة العربية السعودية تقوم الأندية الثقافية والأدبية في المدن الكبرى بالمملكة ، وقد كان لي الشرف في المساهمة في أنشطة نادي المنطقة الشرقية بالدمام بمحاضرات ، وأمسيات شعرية وندوات ، ومداخلات ، وكتابة بحوث في (دارين) مجلة النادي .

وفي المملكة عدد من الصالونات الأدبية من أشهرها وأنشطها صالون الاثنينية الذي يعقد مساء كل اثنين ، ابتداء من 8/11/1982 في مدينة جدة ،وقد أنشأه ورعاه الأستاذ عبد المقصود خوجة ، وقد استضافت الاثنينية عددًا من المفكرين والأدباء والشعراء والكتاب من العالمين العربي والإسلامي ، كما أنها قامت وتقوم بتكريم عدد كبير من الأدباء والمفكرين في الاثنينية ، ومن هؤلاء الأستاذ عبد القدوس الأنصاري ، والشاعر طاهر زمخشري ، ومعالي الشيخ عبد الله بلخير ، والأستاذ محمد حسن زيدان ، والأستاذ حسين عرب ، والأستاذ عزيز ضياء ، والأستاذ محمود عارف ، والأستاذ عبد العزيز الرفاعي ، والشاعر عمر أبو ريشة وغيرهم .. وتقوم الاثنينية بطبع ما يدور في الصالون من محاورات وشعر ونثر . وقد قدر لي أن أطلع على المجلد الأول ويقع في أكثر من 500 صفحة من الورق الفاخر .

صالونات القاهرة

صالون نازلي فاضل (ت 1914)

هي بنت مصطفى فاضل باشا الملقب ب أبي الأحرار ، وكانت ذات عقل وفكر وثقافة واسعة ، فقد نشأت نشأة حسنة ، وتلقت من العلوم والآداب الكثير ، وثقفت الحديث من العلوم ، وأحوال البلاد والتمدن ، وكثيرًا من العلوم السياسية والاجتماعية ، وساعدها على ذلك عدد من العوامل هي :

الأول : أنها كانت تتقن أربع لغات هي الفرنسية ، والإنجليزية ، والعربية ، والتركية .

والثاني : إقامتها المتعددة في عدد من العواصم الأوروبية مع زوجها الذي كان وزيرًا في الدولة العثمانية ، وسفيرًا لها في هذه العواصم .

والثالث : معرفتها الواسعة بكثير من العظماء والكبار في مصر والخارج ، وتقديرهم لها ، حتى إن السلطان عبد الحميد منحها وسام "شفقت" من الدرجة الأولى .

وفي أواخر القرن التاسع عشر كان لها صالونها الثقافي ، ويعد أقدم صالون في العصر الحديث .. وكان كما يقول أنور الجندي ـ عملاً جريئًا في هذه الفترة أن تفتح سيدة ناديها لتستقبل الرجال الأعلام والوزراء والكبار ، وأن تدير الحديث ، وتعرض القضايا ، فيكون الرأي الأغلب فيها وفق اتجاه الحضارة ، لا وفق حاجة الأمة . (10)

وممن كان يقصد هذا الصالون : الشيخ محمد عبده ، و قاسم أمين ، و سعد زغلول ، وولي الدين يكن ، وسليم سركيس .. وكان أغلب ما يثار في هذا الصالون : موضوعات دينية ، وسياسية ، واجتماعية .. كما كان يقصده بعض الأجانب .

وعن صاحبة الصالون كتب سليم سركيس ".. حضرت من مجالس الأميرة نازلي اجتماعًا كانت فيه مناظرة للروائي الإنجليزي "المستر هال كاين" ، فسمعتها تجيد اللغة الإنجليزية إجادة لا محل لها للمزيد ، وسمعت لها حجة قوية ، ولسانًا جريئًا في الحق ، والدفاع عن الشرق والشرقيين ، وكان لها اليد الطولى ، والرأي المتبع في المشروعات العمومية والخيرية ، وفي كل إعانة مصرية للدولة العثمانية.

وقل من نبغ من رجال مصر إلا ويذكر لها مآثرها ، أو يعترف لها بنصيحة نافعة ، وكانت متمسكة بالإسلام ، فقد قالت : "إننا ـ نحن المسلمين ـ لا نجاح لنا إلا بالتمسك ب الإسلام " . (11)

والصالون لم يكن يهتم بالأدب اهتمامه بالموضوعات السياسية والدينية والاجتماعية والعلمية ، كما كان لصاحبته مساهمات في الأنشطة الاجتماعية .

ولا شك أنه ترك بصمات واضحة على رجال السياسية والفكر والدين .. وإن كنا نرى أن الأستاذ أنور الجندي ـ رحمه الله ـ قد جنح للمبالغة في تقييم هذا الصالون حين قال "ولعله ـ في هذا الصالون ـ وضعت سياسات مصر ، فقد وجه سعد زغلول منه إلى هذا المكان الذي تصدره في زعامة البلاد بعد ثورة 1919 ، واتخذ محمد عبده مكان الصدارة في الدعوة الدينية" (12)

صالون مي زيادة (1889 ـ 1931)

اسمها : ماري إلياس زخورة زيادة ، ولدت في مدينة الناصرة ب فلسطين في 11 من فبراير 1889 .. انتقلت مع والديها إلى لبنان ، وتعلمت في مدرسة للراهبات .. وأثناء الحرب العالمية الأولى انتقلت مع أبويها إلى مصر ، وكتبت في مجلة الزهور والهلال والمقتطف ، وكانت أكثر كتاباتها في جريدة المحروسة التي آلت ملكيتها إلى أبيها .

وزيادة على اللغة العربية كانت تتقن الفرنسية والإنجليزية ، والإيطالية والألمانية ، وغيرت اسمها إلى "مي زيادة" أو "مي" فقط .. وهذا هو الاسم الذي استقرت عليه بعد أن كانت تكتب من قبل بأسماء مستعارة .

وتعددت إبداعاتها ، فزيادة على الشعر الذي كانت تنظمه بالفرنسية ، وبابها الثابت الذي كانت تنشره في صحيفة المحروسة تحت عنوان "يوميات فتاة" صدر لها من الكتب : باحثة البادية ، وعائشة التيمورية ، وكلمات وإرشادات ، وظلمات وأشعة ، وسوانح فتاة ، وبين المد والجزر ، والصحائف والرسائل ، ووردة اليازجي ، والحب في العذاب ، ورجوع الموجة ، وابتسامات ودموع ، ولها كتاب لم ينشر اسمه "ليالي العصفورية" .

وأهم من كل أولئك أنها أقامت في بيتها صالونًا أدبيًا كل يوم ثلاثاء ، وقد غطت شهرته على شهرة جوانبها الإبداعية الكتابية ، واستمر هذا الصالون الأدبي عشرين عامًا ، من سنة 1911 حتى سنة 1931 .

وأرى أن من أهم الدوافع والبواعث وراء إقامة "مي" لصالونها هذا ما يأتي :

1) ثقافتها الواسعة التي كان وراءها عدد من اللغات ، وموهبتها الفطرية ، ورهافة حسها الفني والأدبي ، مما ينطق بقدرة إيجابية على العطاء يعجز مالكها عن اختزانها .

2) الحرص على إثبات الوجود الذاتي في المجتمع المصري ، وهي الفلسطينية اللبنانية ، وقد رأت أن للبنانيات وللبنانيين النازلين بمصر نشاط ريادي في مجالات الصحافة والفن المسرحي والسينمائي ، والشعري والأدبي ، فلتسر على الدرب ، وليكن لها القدح المعلي في منفذ جديد هو "الصالون الأدبي" ، وهي تملك من المسوغات والقدرات العقلية والثقافية والجمالية ما يؤهلها للقيام بهذا العمل .

3) الحرص على الاستفادة والإفادة أدبيًا وثقافيًا من الشخصيات التي تقصد صالونها ، فقد كانوا يمثلون القمم الأدبية والفكرية في مصر .. ومن هؤلاء : مصطفى عبد الرازق ، و عباس العقاد و أحمد لطفي السيد ، و عبد العزيز فهمي ، و أحمد شوقي ، و ولي الدين يكن ، و إسماعيل صبري ، و خليل مطران ، و أنطون الجميل ، وغيرهم ..

وجمالها الفائق جعل كل هؤلاء ـ أو جلهم ـ يتعشقها ، ويكتب فيها وعنها ، فقد كانت ـ كما وصفها نقولا يوسف ـ بعد وفاتها بعشرين سنة ".. في رونق الشباب والمجد ، آنسة أنيقة في الملبس ، ساحرة الأنوثة ، خفيفة الروح ، غضة ، بضة ، شرقية السمات ، سوداء العينين والشعر .. ومن عينيها يشع ذكاء نادر ، وحزن مكبوت .. وأما ابتسامتها فتنفذ إلى القلوب ، وحديثها المقرون بصوت حار رخيم كانت ترسله في أدب ولباقة ، ومجاملة ، فيظن محدثها أنه هو وحده من استأثر بقلبها" (15)

وهذه العبارة الأخيرة تبرز طبيعتها ـ لا أقول في الشعور- ولكن أقول : في "الإشعار" ، فقد كانت توهم كل من يقصدها بأنه "حبيبها الوحيد الأثير، حتى مصطفى صادق الرافعي ، الذي كان مصابًا بآفة مزمنة وهي الصمم . (16)

فكل هؤلاء الكبار أحبوها ، ولكن من الصعب ، بل من المستحيل تعيين من منهم شغل قلبها دون غيره .. وتمضي السنين لنكتشف أن قلبها لم يتسع إلا لواحد فقط هو "جبران خليل جبران " (1883 ـ 1931 ) رئيس الرابطة القلمية في المهجر الشمالي (أمريكا الشمالية) ، لم ير أحدهما الآخر .. تحابا على الغيب بالمراسلة ، وتواصلت بينهما الرسائل تحمل قطعًا رفيعة من الأدب ، وشحنات متوهجة من الحب الرومانسي الوضيء ، وكان موته بعد أبيها وأمها ثالثة القواصم في حياتها .

وتأسيسًا على ما قرأنا وعرفنا من طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين مي والآخرين نرفض ما ذهب إليه "محمد طاهر الجبلاوي " من أن العقاد ومي كانا في موقف الحبيبين الندين يتبادلان العاطفة ، وكل منهما على صعيده ، لا يلتقي بالآخر إلا على حذر" .. ونرى "الجبلاوي" نفسه نقض حكمه "بالتبادل العاطفي" بعد الأسطر السابقة مباشرة بقوله "كان يداعبها فتقبل منه المداعبة البرئية ، فإذا تعدى هذه الحدود أشارت إليه ليقف عند حدوده" . (17)

ونحن لم نطلع على رسائل مي "للعقاد" ، ولكننا قرأنا رسائله إليها ، ورأيناه فيها "يقف عند حدوده" ، وكلها مشغولة ـ إلى درجة التشبع ـ بمسائل متعددة في الأدب والنقد ، لا الحب والمحبين ، والألفة والألاف . (18)

وعن الصالون وصاحبته كتب سليم سركيس : مساء كل ثلاثاء يتحول منزل إلياس أفندي زيادة صاحب جريدة المحروسة إلى منزل فخم في باريس ، وتتحول الفتاة السورية التي لا تزال في العقد الثاني من عمرها إلى مدام دي ستايل ، ومدام ريكاميه ، وعائشة الباعونية ، وولادة بنت المستكفي ، ووردة اليازجي في شخص ومدارك الآنسة مي ، ويتحول مجلسها إلى فرع من سوق عكاظ ، وفرع من الفروع الأكاديمية ، وتروج المباحث العلمية والفلسفية والأدبية . (19)

ورواد الصالون من كبار الشعراء والأدباء والصحفيين والعلماء كانوا يتبادلون الحوار بينهم في شتى المسائل ، لساعات طويلة ، ولم يقتصر دور مي على إدارة الجلسة ، بل كانت ـ زيادة على ذلك ـ تدلى برأيها في كل ما يثار .

وكان لصالون مي آثار واضحة في حركة الأدب والنقد والمجتمع ، لعل من أهمها

1) كان التنافس على حب مي والظفر بقلبها سببًا من الأسباب التي أوقدت نار المعارك الأدبية بين بعض الأدباء حرصًا على إبراز قدرته في التصدي والتفوق والغلبة حتى يرتفع شأنهم في عين المحبوبة كفرسان العصور الوسطى ، ولا ينسى التاريخ الأدبي تلك الحرب البشعة التي شنها الرافعي على العقاد في سلسلة مقالات نشرت في صحيفة (العصور) ثم جمعت بعد ذلك في كتاب باسم (على السفود) وعلى الغلاف رسم جسد سلك في سفود (أي سيخ من أسياخ الكباب) ، وضع على نار موقدة ، وتحتها كتب هذان البيتان :

وللسفـود نار لـو تلقــت

بجاحمها حديدًا ظن محما

وتشوى الصخر تتركه رمادًا

فكيف وقد رميتك فيه لحما ؟ (20)

2) وكان هذا الصالون وصاحبته منبع إلهام للأدباء والشعراء ، فهو الذي فجر طاقة مصطفى صادق الرافعي فقدم للعربية أشهر كتبه مثل : السحاب الأحمر ، ورسائل الأحزان ، وأوراق الورد .. كما كان وراء كثير من القصائد الغزلية ـ أو ذات الطابع الغزلي ـ التي نظمها العقاد ، وولي الدين يكن ، و إسماعيل صبري ، وقد قال في إحدى قصائده :

روحي على بعض دور الحي هائمة

كظامئ الطير تواق إلى الماء

إن لم أمتـع بمي ناظـري غـدًا

أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء (21)

3) أحدث الصالون في الساحة الثقافية والأدبية المصرية ما يشبه الصدمة الكهربية : فبرزت أسماء لم تكن معروفة ، وازداد المشهورون شهرة ، وترسخ الأسلوب السليم لأدب الحوار والجدل ، ومناقشة موضوعات متعددة فتحت العيون على نوعيات ومصادر ثقافية جديدة ، وفتح عيون المرأة المصرية لإثبات وجودها ، والتطلع لتحقيق مزيد من حقوقها . وعلى درب هذا الصالون انتشرت الصالونات الأدبية والثقافية بعد ذلك في القاهرة و الإسكندرية ، وبعض العواصم المصرية ، وإن اختلفت الأسماء ما بين صالون ، ومنتدى ، وندوة ، ولقاء ، وملتقى .

بين صالونين :

وأخيرًا علينا أن ندرك أن ثمة فروقًا بين صالوني نازلي فاضل ومي زيادة لعل أهمها :

1) كان أغلب رواد الصالون الأول من الساسة والمصلحين والزعماء ، أما رواد الثاني فأغلبهم من الشعراء والأدباء .

2) غلبت على الأول الموضوعات السياسية والعلمية والاجتماعية ، وغلبت على الثاني الشعر والموضوعات الشعرية والأدبية والنقدية .

3) كان الأول صالونًا أرستقراطيًا ، أو أقرب إلى الأرستقراطية . أما الثاني فكان أقل رسمية وأرستقراطية ، وأكثر التزامًا بميعاد محدد هو مساء الثلاثاء من كل أسبوع .

صالـون العـقـاد (1889 ـ 1964 )

لا يختلف اثنان في أن العقاد كان ذا عقلية موسوعية متعددة المعارف ، منهومة بالقراءة ، وربما كان هو آخر الموسوعيين في الفكر العربي ، أو المصري على الأقل .. لذلك كان غزير العطاء في شتى المجالات والمعارف الإنسانية من أدب ، وسياسية ، وتاريخ ، ونقد ، وفلسفة ، حتى أربت كتبه على المائة ، هذا غير آلاف من الفصول والمقالات ، وعدد من دواوين الشعر .

وكان صالون العقاد مصدرًا آخر من مصادر العطاء على مدى عقدين من الزمان .. يعقد صباح كل جمعة ويمتد لعدة ساعات في مسكنه ب مصر الجديدة .. حضره كثير من الشخصيات العربية ، وكثير من تلاميذه ومريديه ، وهو الذي لم ينل من الشهادات الدراسية إلا الشهادة الابتدائية .. ومن رواد هذا الصالون محمد خليفة التونسي ، و أحمد إبراهيم الشريف ، و محمد طاهر الجبلاوي ، و عبد الفتاح الديدي ، و أنيس منصور ، و أحمد حمدي إمام ، و عبد الحي دياب ، و طاهر الطناحي ، و عبد الرحمن صدقي ، و نظمي لوقا ، و صوفي عبد الله ، و العوضي الوكيل .

وكان الصالون مفتوحًا بلا تقييد موضوعي ، بمعنى أن المسائل التي تتناول تكون بنت ساعتها ، وقد تكون ساعات الصالون كلها مستغرقة في إجابة سؤال واحد .. إلا أن فارس الصالون وقمته وقاضيه الوحيد هو العقاد نفسه ، فحججه هي الأقوى ، وشواهده جاهزة دائمة دامغة ، ومريدوه يثقون بعلمه وثقافته وعظمته ، وهذا لا يعني أنه كان المتكلم الوحيد ، فالباب مفتوح لمن يريد الكلام ، وفرق كبير بين المتكلم الوحيد ، والقاضي الوحيد .

وهناك تنويعات موضوعية وفكرية فيما يدور .. فلسفة .. أدب .. تاريخ .. سياسة .. نقد .. وكان أوفى ما كتب عن الصالون هو كتاب " أنيس منصور " في صالون العقاد كانت لنا أيام ، وقد جاء الكتاب في قرابة سبعمائة صفحة .. وكتب لأنيس منصور شهرة واسعة . ولا يستطيع باحث أن يكتب عن صالون العقاد دون الرجوع إلى هذا الكتاب ، فمنه يستطيع القارئ أن يستخلص كثيرًا من التضاريس الفكرية للعقاد ، وعاداته ، وتقاليده ، ومنهجه في المناقشة والجدل .. ونجتزئ بالسطور الآتية لنتبين مصداقية هذا الحكم :

"كان من عادة الأستاذ أن يقول لنا وهو شديد الاقتناع ، وعظيم الاطمئنان إلى كل النتائج التي وصل إليها بالعقل والتحليل والمنطق : ألم أقل لكم ذلك ؟ لقد أثبتت الأيام صحة ما ذهبت إليه . جاءك كلامي يا مولانا ؟ !

فقد كان من بين الحاضرين من يحب أن يعرف رأي الأستاذ في سير الحرب بين ألمانيا وأوروبا ، وكان يحب أن يستمع إلى تعليقه على الأحداث . وكان الأستاذ يحب ذلك أيضًا . فنحن نعلم أن له رأيًا معروفًا ، فهو يعتقد : أن الحرب سوف تنتهي بهزيمة هتلر وموسيليني . تمامًا كما انتهت بهزيمة نابليون قبل ذلك . ولنفس الأسباب . فهو يرى أن نابليون مثل هتلر : كلاهما يحارب ويهدم ويقتل ، ولا يبشر بعقيدة أو دين ..." (22)

لقد دخل العقاد التاريخ بمؤلفاته المتعددة الموضوعات التي كان لها منهج واضح يعتمد على أسس عقلية ، وثقافة موسوعية واسعة المدى ، كما دخل التاريخ كذلك بصالونه الذي يعتبر كتابًا ناطقًا معبرًا عن تضاريسه النفسية وملامحه الشخصية ووجهته العاطفية في الحياة ، ورأيه في الناس والزعامات والقادة ، والمذاهب على اختلاف أنواعها .

وكل ما سبق كان عرضًا لصالونات نساء ورجال فارقوا الحياة وتركوا بصماتهم واضحة في الفكر والمجتمع والأدب والعلوم الإنسانية . ولم يبق علينا إلا أن نتعرف على صالونات الأحياء ... بعضها لا كلها :

صالون تيمور

في شارع الهرم بالجيزة يقوم صالون أدبي ثقافي شهير هو صالون الدكتور أحمد تيمور الأستاذ بكلية طب الأزهر ، وزميل أبحاث جامعة Tufts الأمريكية ، والخبير في مجمع اللغة العربية . وهو شاعر صدر له عدد من الدواوين منها : فلسطين يا وجع العالمين ، وأيام الرسالة السبعة ، والعصافير في زيها القاهري ، وفي وصف أمريكا . زيادة على كتب علمية مشهور منها : دليل طبي للصحة والشباب .

والصالون ثقافي أدبي ، بدأ سنة 1987 ، وهو نصف شهري ، يعقد مساء الأربعاء الأول والثالث في العاشرة مساء ، وقد يمتد إلى الثانية صباحًا ، ومن أهم أهدافه المعلنة هدفان : الأول : تحقيق التنوير بمفهومه الأصيل السديد الذي يسترفد الماضي والحاضر . الثاني : الاعتماد على التجريب الداخلي ، وإشباع الأنواع الأدبية والثقافية المظلومة التي لا تنال من الآخرين كثيرًا من الاهتمام .

وقد رأيت بنفسي مصداقية العمل الناشط في هذا الصالون والمتابعة الجادة لتحقيق الأهداف المعلنة في صورة عملية حقيقية .

ويستضيف الصالون في الأمسية علمًا من أعلام الشعر أو الأدب والنقد أو الثقافة السياسية أو الاقتصادية أو العلمية التجريبية متحدثًا عن مشواره وتجاربه في حياته ومع تخصصه . ومن الموضوعات التي عالجها الصالون : مكان الشعر في مجتمعات التقنية ـ الحداثة وما بعد الحداثة ـ الصحافة الحزبية ـ الدراما التلفازية ـ العولمة ـ الاستنساخ . وأحيانًا يقدم في الصالون لوحات تشكيلية ، ومعزوفات موسيقية ، ومشاهد تمثيلية .

ويحضر الصالون عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين وأساتذة الجامعة والفنانين التشكيليين منهم د. أحمد يوسف القرعي ، و حمدي الكنيسي ، ودكتور نادر الطويل ، و فؤاد قنديل ، و محمد حجي ، و محمود الهندي ، وإسماعيل إمام ، وغيرهم . وما زال الصالون يقدم عطاءاته بانتظام ، وتقدم مطرد

صالون الوسطية

هو الصالون الذي أقامه ويرعاه أستاذ عالم جليل فاضل هو الدكتور عبد الحميد إبراهيم أستاذ الأدب والنقد في الجامعات المصرية والعربية .. وقد قام هذا الصالون انبثاقًا من "جماعة الوسطية" التي دعا إليها وشكلها ورعاها الدكتور عبد الحميد .. ويتسم هذا الصالون بملامح أربعة فارقة : الأول : أنه قام على "نظرية" يتبناها ، ويشرح أبعادها ويدعو إليها .. هي نظرية "الوسطية" ، وهي تنطلق من مرتكزاتنا الإسلامية والعربية الأصيلة ، وهي تعني ـ في إيجاز مقطر ـ التزام حد الاعتدال والموضوعية ، وتجنب الغلو والتطرف في شتى مجالات الحياة فكرًا وتعبدًا ، وسياسة ، واقتصادًا ، وأدبًا ونقدًا وسلوكًا . وقد شرح الأستاذ أبعاد هذه النظرية في كتاب ضخم من تسعة أجزاء .

والملمح الثاني : صدور مجلة فصلية عن الصالون باسم (التأصيل) ثم غير اسمها إلى "مجلة الوسطية" .

والملمح الثالث : إصدار عدد من الكتب باسم (إصدارات الوسطية) وهي كتب صغيرة للشباب تشرح أبعاد الوسطية والأصالة .

والملمح الرابع : رصد جوائز مالية متجددة لبحوث يكتبها الشباب حول ما يتبناه الصالون من قيم ومبادئ .

والصالون يقام في منزل راعيه بمدينة نصر ب القاهرة في مساء السبت الأول من كل شهر ، ولما كثر رواده انتقل إلى متحف محمد محمود خليل ب الجيزة .

ومن الموضوعات التي أثيرت من قبل ، ونوقشت في الصالون : ما يسمى بقصيدة النثر : وقفة وتقييم ـ الفنون التشكيلية بين الأصالة والمعاصرة ـ البحث عن هوية ـ مصر والعالم العربي ـ الحضارة العربية بين الثبات والتغير ـ الوسطية العربية : حاضرها ومستقبلها .

ومن طموحات راعي الصالون : أن يعقد الصالون أسبوعيًا ، وتوسيع القاعدة بإنشاء صالونات في الأقاليم تتبنى الأصالة والوسطية . ومن حضور هذا الصالون شخصيات عربية وإسلامية منهم : د. عبد الولي الشميري ، ودكتور عبد العزيز حمودة ، والشاعر عبد المنعم عواد يوسف ، والدكتورة ثريا العسيلي ، والدكتور سيد قطب ، ومصطفى أغا ويعقوب شيحا ، والشاعر محمد يونس .

صالون الرابطة الإسلامية :

وهو من أقدم الصالونات في القاهرة ، فعمره يتجاوز الثلاثين عامًا ، وقد توالى على رياسته ، ورعايته الدكتور أحمد الشرباصي ، فالأستاذ قاسم مظهر ، ثم الأستاذ أحمد يوسف ، ثم الأستاذ ربيع الغزالي ، ثم الأستاذ إبراهيم إمام ، ثم الفنان الشاعر محمد وجدي شبانة ، وهؤلاء جميعًا توفاهم الله ، واختير لرياسة الصالون الأستاذ الشاعر محمد يونس .

ومقر الصالون 4 شارع صبري أبو علم بالقاهرة ، ويعقد في مساء الأحد من كل أسبوع ، وقد أعطى الأستاذ محمد يونس وما زال يعطي هذا الصالون دفقات طيبة من الشباب والحيوية والحماسة والتجديد .

ونلاحظ ـ بمعايشتنا لأنشطة هذا الصالون ـ

1 ـ الاهتمام بالشعر أكثر من الأجناس الأدبية الآخرى .

2 ـ الاهتمام بصفة أخص ـ بالشعر الإسلامي ، وشعر المقاومة والجهاد .

3 ـ الاهتمام بالشعراء الشباب وتشجيعهم .

4 ـ بجانب شعر الفصحى وسع الصالون شعر العامية ، وأحيانًا يقدم في الصالون قطعا موسيقية ومشاهد تمثيلية .

ومن رواد الصالون الناقد الكبير محمد شرشر ، والناقد الشاعر مصطفى عبد الوهاب .. ومن الشعراء : مدحت قاسم ، وعلى محسب ، وخميس عطية ، وسيد علي ، وصلاح عفيفي ، و الشيخ أمين الديب .

صـالـون الفـجـر

صالون أدبي أقامه بعض الأدباء الشباب في سبتمبر سنة 1977 انشقاقًا من ندوة "القباني" الأدبية التي كانت تقام بكازينو الجزيرة بالمنيل بالقاهرة منذ الستينيات . ومن مؤسسي صالون الفجر الأساتذة أحمد سويلم ، وعبد العال الحمامصي ومحمد أبو دومة ، ومحمد مستجاب ، ومحمد السيد عيد ، وإدريس علي ، وغيرهم ، والتحق بالصالون بعد ذلك أساتذة جامعيون ، وشخصيات أكاديمية منهم د. مرعي مدكور ، د. مدحت الجيار ، د. شاكر عبد الحميد ، د. شمس الدين الحجاجي .

كما يحضر الصالون عدد كبير من خارج القاهرة للمشاركة في أنشطة الصالون مثل الأساتذة : حجاج الباي ، وفنجري التايه ، وسمير الفيل ، ومحمد العتر . وتتمثل أنشطة الصالون فيما يأتي :

1) الورشة الأدبية التي يقدم فيها الأديب الشاب عمله الجديد ، فيناقشه الحاضرون بكل صراحة وأمانه ، دون حرج أو مجاملة . ودون تهاون أو تطرف .

2) إصدار مطبوعات الفجر في الكتب الأولى (الإبداع الأول للشبان) مثل القاصين إدريس علي ، وحسن نور ، وليلى محمد علي وعزت زايد وآخرين ، كما نشرت كتبًا للأعضاء ـ الذين صدرت لهم كتب من قبل ، مثل د. يسري العزب ، ونجدي إبراهيم ، ومنتصر ثابت (من الفيوم ) .. وبلغت إصدرات الصالون من الكتب تسعة عشر كتابًا حتى كتابة هذه السطور .

3) إصدار مجلة باسم "الفجر" ، وصدر العدد الأول في الثمانينيات من 16 صفحة بطريقة "الماستر" .. وصدر العدد الثاني مطبوعًا طباعة فاخرة في أكثر من مائة صفحة سنة 1998 ، وتوالى صدور الأعداد ، عددًا كل شهرين حتى بلغت عشرة ثم كان التوقف لضيق ذات اليد .. وإن بدأ أعضاء الصالون يعدون العدة لإصدار العدد الحادي عشر بجهودهم الذاتية كالعادة .

والصالون يرأسه ، ويرعاه الأستاذ الجامعي الشاعر الناقد الدكتور يسري العزب ، ويعقد مساء كل جمعة ، بنادي الجيزة الرياضي على شاطئ النيل .

ومن محامد هذا الصالون أنه يستقبل الأشقاء العرب من الأدباء والنقاد والمثقفين ، ويقيم لقاءات معهم / ومن هؤلاء : الشاعر والناقد البحريني الدكتور علوي الهاشمي ، الشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان ، والقاص الناقد الكويتي الدكتور سليمان الشطي ، والشاعر التونسي المنصف المزغني ، والشعراء الفلسطينيون آمال الشرقاوي ، ومصطفى الأغا ، وعبد البديع عراق . كما اتسعت مجلة الفجر لنشر إبداعات كثير منهم .

صالون مِشخَص

وهو صالون كان يقيمه الأخ السعودي الأستاذ الأديب عبد الحميد مشخص ابتداءً من أوائل السبعينيات في مسكنه بالدقي بالجيزة ، وكان يعقد مساء كل يوم جمعة بعيد المغرب ، ويستمر قرابة أربع ساعات ، وقد كنت حريصًا على حضور هذا الصالون الذي كان من رواده الأساتذة طاهر أبو فاشا ، والشاعر عبد العليم عيسى رحمها الله ، والشاعر محمد التهامي ، والأديب أحمد حمدي إمام ، والأستاذ محمد منير عبد اللطيف صاحب مكتبة الملك فيصل ، وكثير من "العقاديين" .

وكان راعي الصالون موسوعة في تاريخ المملكة وتفاصيل حياة الملك عبد العزيز . وقد زار هذا الصالون عدد من الأدباء والشعراء العرب والسعوديين ، منهم الأساتذة حسين قاضي ، ومحمود عارف ، وعبد العزيز الربيع .

وكان الصالون يعتمد على النقاش الحر ، دون التقيد بموضوع معد سلفًا . وكثيرًا ما كان الأستاذ طاهر أبو فاشا يمتعنا بشعره الخاص "الذي لم ينشر" والذي يمثل أيام "شقاوته" في سني الطلب .

وأكرر القول أن الساحة الأدبية والثقافية فيها من الصالونات أكثر مما ذكرته بكثير : في القاهرة والإسكندرية والمنصورة .. وغيرها ، وقد يكون لنا معها وقفة أو وقفات في المستقبل القريب إن شاء الله .

المراجع والهوامش :

(1)Dictionnaire Moderne : Elias P.612 . Le caire 1973 .

(2) The Americam Heritage Dictioary p. 1086 (Boston u.s.a)

(3) مجدي وهبة : معجم مصطلحات الأدب 495 (مكتبة لبنان بيروت 1974 .

(4) انظر الأغاني للأصفهاني 30/3789 ـ 3827 (دار الشعب : القاهرة . د . ت ) .

(5(5) انظر هامش "العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب لليازجي" 495 وما بعدها .

(6) انظر الأغاني 21/7388 .

(7) انظر رسالة الغفران للمعري 283 (تحقيق بنت الشاطئ ـ دار المعارف ـ القاهرة .

(8) انظر الأغاني 16/5922 ـ 5961 . وعمر رضا كحاله : أعلام النساء 2/202 ـ 224 .

(9) انظر : أعلام النساء السابق 5/287 ـ 290 . وشرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ل ابن نباته المصري : صـ 8 ، صـ 287 ، (المكتبة التجارية . القاهرة 1950 ـ و على عبد العظيم في تقديمه ل ديوان ابن زيدون ، 29 ـ 32 (دار نهضة مصر 1977 ) .

(10) انظر : أنور الجندي : أضواء على الأدب العربي المعاصر 265 .font>

(11) انظر كحالة : أعلام النساء 5/159 .

(12) أنور الجندي السابق 266 .

(13) قد يرجع عدم نشره إلى أنه يصور معاناتها في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بالعصفورية ب لبنان بعد أن أصيبت باكتئاب شديد إثر موت والدها ووالدتها عام 1930 . ثم جبران خليل جبران 1931 . وقد كانت تحبه على الغيب دون أن تراه ، وتواصلت بينهما المراسلات .

(1(14) صافيناز كاظم : صـ 9 من تقديمها لكتابي مي : باحثة البادية ، وعائشة التيمورية ـ وهما في غلاف واحد (دار الهلال القاهرة ـ يونيو 1999 ) .

(15) عن أميرة خواسك : رائدات الأدب النسائي في مصر 86 (الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001) .

(16) ل أنيس منصور كلام مفصل في طبيعة هذه العاطفة عند الرافعي . انظر : 515 ـ 516 من كتابه عاشوا في حياتي . (الهيئة المصرية 2002) .

(17) في صحبة العقاد 142 (مكتبة الأنجلو المصرية . القاهرة ـ 1964 ) .

(18) ارجع إلى : أنيس منصور : في صالون العقاد كانت لنا أيام 416 ـ 467 (دار الشروق ط 1 ـ القاهرة 1983 ) .

(19) أنور الجندي : مرجع سبق 167 .

(20) ارجع إلى كتاب على السفود ، والرافعي لم يكتب عليه اسمه صراحة .

(21) أميرة خواسك : مرجع سبق 88 .

(22) أنيس منصور : في صالون العقاد كانت لنا أfont>يام 140

المصدر:رابطة أدباء الشام