المنهجية الإخوانية والأزهرية وحتمية التلاقي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المنهجية الإخوانية والأزهرية وحتمية التلاقي

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

  • بقلم/ محمد الصياد


أولاً: تمهيد

الامام البنا يخطب في الجامع الازهر عام 1945م


نرى أن المنهج الإخوانى يتلاقي تمام التلاقي مع المنهج الأزهري العريق ، ويتقاطع معه في ملامحه الكلية ، وخطوطه العريضة .

ودعوة الإخوان توصف بأنها دعوة ذات منهج ، وكذلك الأزهر هو مؤسسة علمية كبرى تدرس المنهج قبل أن تلقن الحواشي والمتون .

وبإمعان النظر والتأمل والاستقراء وغربلة كلا المنهجين وجدنا أن المنهج الإخوانى يتلاقى مع المنهج الأزهري في قبول الآخر ، واحترام المخالف ، وبناء الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية ، وتلقي العلوم ، وتزكية القلوب بالتصوف السني المعتبر ، وفهم العقيدة بالفهم الأشعري الذي قبلته الأمة وتلقته جيلا بعد جيل . علاوة علي صناعة الحضارة وبناء النهضة وتشييد العمران .

كذلك يتلاقي المنهجان في فهم الإسلام بكلية وشمولية وأن الإسلام منهج حياة ، دين ودولة عقيدة وأمة شريعة وأخلاق .

ولنا وقفة هنا لنجلي بعضا مما التقي فيه المنهجان واتفقت عليه الدعوتان . فيبدو من ثم أن المنهجين متكاملان ، وأن أحدهما كالمكمل للآخر والمعين له ، وأنهما ليسا بمتعارضين .

ثانياً: مداخل ومفاتيح

إن العمل –أي عمل- لا يوصف بكونه مفيدا ومثريا إلا إذا كان عملا منهجيا وممنهجا . فقضية المنهج قضية مهمة جدا في العلوم وفي الأعمال وفي عالم الفكر قاطبة .

ونري أن النهضة الأوربية الحديثة لم تقفز قفزاتها إلا بالمنهج الذي اهتدي إليه فلاسفتهم "روجر بيكون" و"فرنسيس بيكون" و"وديكارت" وغيرهم.. (1)

والمنهجية تعني "استخدام منهج علمي يتفق وطبيعة البحث في موضوع معين أو عدة موضوعات منتظمة في سياق ما يهدف الوصول إلي معرفة علمية جدة يستفيد منها الإنسان لخدمة أغراضه وطموحاته" .

والمنهجية في الحقيقة وصف يصلح للإطلاق علي الباحث باعتباره ملكة عقلية يتميز بها العلماء والباحثون المجيدون ، كما يصلح من جهة أخرى وصفا للفكر ذاته . لكن ما ينبغي ملاحظته أن إطلاق هذه الصفة علي أي نسق فكري لا يمكن أن ينفصل عن واضع هذا النسق ومعنى ذلك أن وصف بحث أو مؤلف ما بالمنهجية يتضمن بالضرورة أن صاحبه تتوفر له هذه الصفة .

وقد اختلف علماء المناهج حول المنهج واستخدامه وتساءلوا عما إذا كان ذلك أمرا يرجع إلي طبيعة العقل ذاته بمعنى أنه يمثل جزءا من طبيعة العقل أو أنه يمثل أداة لا غني عنها من أدوات العقل ؟

ويقف "ديكارت" علي رأس الاتجاه القائل بأن المنهج يعتبر أداة من أهم أدوات العقل ، فالأصل في المناهج كما يقول أنها طرق يسلك العالم منها ما يشاء ، وليس هناك من شيء يتدخل في اختياره لهذا المنهج أو ذاك إلا طبيعة المشكلات التي يعالجها ، والمادة العلمية المتوفرة لدراستها ، وعلي ذلك فإن اختلاف العلماء في آرائهم ليس سببه "أن البعض أعقل من البعض الآخر ، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة ، ولا ينظر كل منا في نفس ما ينظر فيه الآخر ، لأنه لا يكفي أن يكون للمرء عقل ، بل المهم هو أن يحسن استخدامه .. (2)

وخلافا لما ذهب إليه "ديكارت" يري "بوانكاريه" أن المنهج ينبع من طبيعة العقل ذاته ؛ فطبيعة العقل هي التي تجعل هذا العالم ينتهج منهج التحليل المنطقي ، وتجعل هذا العالم الآخر يصطنع منهج الحدس . فاختلاف المنهجين ليس اختيارا لهذا العالم في ذاك ، وهو كذلك ليس ناشئا عن اختلاف المادة العلمية واختلاف المشكلات التي يعالجها كل منهما –كما فهم ديكارت- أنه يرجع إلي طبيعة العقل ذاته ، فبعض العقول يولد رياضيا وبعضها يولد حدسيا .. (3)


ثالثاً: مفهوم المنهج

وعلماء الإسلام هم أول من توصلوا للمنهج العلمي الرصين الذي يقوم علي الاستقراء ، والملاحظة والتجربة ، واعتبروه بديلا عن المنهج المنطقي الأرسطي ، بل انتقد شيخ الإسلام ابن تيمية المنطق الأرسطي نقدا لاذعا وأرداه . حتى جاء "جون ستيوارت مل" و"جوبلو" و"ديكارت" وغيرهم فنقدوا المنهج الأرسطي وأقاموا صرحا بديلا له .

يقول أبو فهر محمود شاكر : ولفظ "المنهج" يحتاج مني هنا إلي بعض الإبانة ، وإن كنت لا أريد به الآن ما اصطلح عليه المتكلمون ، في مثل هذا الشأن ، بل أريد به "ما قبل المنهج" ، أي الأساس الذي لا يقوم المنهج إلا عليه . فهذا الذي سميته هنا "منهجا" ينقسم إلي شطرين : شطر في تناول المادة ، وشطر في معالجة التطبيق .

فشطر المادة يتطلب ، قبل كل شيء جمعها من مظانها علي وجه الاستيعاب المتيسر ، ثم تصنيف هذا المجموع ، ثم تمحيص مفرداته تمحيصا دقيقا ، وذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية ، وبمهارة وذر ، حتى يتيسر للدارس أن يري ما هو زيف جليا واضحا ، وما هو صحيح مستبينا ظاهرا ، بلا غفلة ، وبلا هوي ، وبلا تسرع . أما شطر التطبيق فيقتضي إعادة تركيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جيدها ، باستيعاب أيضا لكل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع ، ثم علي الدارس أن يتحرى لكل حقيقة من الحقائق موضعا هو حق موضعها ، لأنّ أخفى إساءة في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها ، خليق أن يشوه عمود الصورة تشويها بالغ القبح والشناعة .

ولكن يبقى شيء هو مفروض ابتداء ، لا يصلح شيءٌ مما قلته إلا به ، بيد أن الناس قد يُخدعون عنه أو يتجاهلونه لهوي غالب علي النفس ، ألا وهو الدارس الذي يعالج "المنهج" بشطريه .. (4)

ولقد وقفت للعلامة جلال الدين السيوطي –المتوفى سنة911- علي معنى كهذا ، فقال في كتابه "التحدث بنعمة الله" ، بعد أن ساق شروط المجتهد العربية : ويكون مع ذلك حسن التصرف ، جيد الإدراك ، له ملكة وقدرة علي الاستنباط والتخريج والترجيح بما رسخ عنده من التبحر وسعة النظر والإحاطة .. (5)

فيمكننا القول بأن المنهج هو تلك الأصول والأسس التي يعتمد المذهب عليها وتقوم المؤسسة بها وتميزها عن غيرها مع ما يسبق هذا من عصر ذهني وجمد للمادة المتفرقة والأفكار الشاردة كي يخرج الفكر دقيقا محكما متينا .

ولا شك كذلك أن الإمام الشهيد حسن البنا عندما أسس دعوته كان في ذهنه منهجا واضحا أراد أن ينشره من خلال تلك الدعوة المباركة .

ولا يفوتنا أن ننوه أن الإمام البنا قد اعتمد في بداية الدعوة علي لفيف كبير من علماء الأزهر الكبار كالشيخ طنطاوي جوهري والشيخ الدجوى .. (6) ، وغيرهم من فحول الأزهر الكبار .

كذلك اعتمد الإمام البنا علي كثير من شباب الأزهر الواثب كالشيخ الغزالي والباقورى ونحوهما .. (7)

معنى ذلك أن رجال الأزهر الكبار وشبابه النابغ قد وجدوا انسجاما واتساقا بين ما سمعوه من الإمام البنا وبين تلك العلوم والمناهج التي ارتضعوها في رحاب الأزهر الشريف .


رابعاً: المنهج الأزهري

خطاب من الإمام البنا للأزهر بخصوص المنهج الثقافي

يقول شيخنا العلامة المحدث أسامة السيد الأزهري في كتابه "الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهري المنير" وهو يتحدث عن مكونات المنهج الأزهري :

  • المكون الأول : اتصال سنده رواية ودراية وتزكية .. (8)
  • المكون الثاني : العناية بتحصيل علوم الآلة .
  • المكون الثالث : الإلمام والإحاطة بمقاصد الشريعة .
  • المكون الرابع : تنزيل القرآن علي مواضعه .
  • المكون الخامس : تعظيم شأن الأمة المحمدية .
  • المكون السادس : حمل الهداية العامة .
  • المكون السابع : المكونات الكاملة للعلم .
  • المكون الثامن : الاستفادة من تراث الأمة ، والانفتاح عليه ن والتواصل معه ، والبناء عليه .. (9)

من أين يُستقي المنهج ؟

يُستقي المنهج –أيّ منهج لأي دعوة أو مذهب أو فلسفة- من أقوال وكتابات وصنائع مؤسسسيه ومبدعيه ، فالمنهج الأزهري مثلا لا يُستنبط من واحد أو اثنين من رجالات الأزهر وإنما يُستنبط من مجموع علماء الأزهر جيلا بعد جيل ، ولكي نعرف المنهجية الأزهرية يجب أن نغوص في عقلية العالم الأزهري ونعرف كيف كان يفكر وكيف كان يتعامل مع النص المقدس وكيف كان يتعامل مع العوام ، وماهية علاقته مع الحكام وهكذا ، نطبق هذه الطريقة علي مئات وربما الآلاف من عقليات العلماء التي نصل إليها من خلال كتب التراجم فتتفتح أمامنا قنوات كثيرة لمعرفة المنهج بدقة .

ومع جماعة الإخوان المسلمين ، هناك منهج واضح وهو أشبه بدستور الجماعة ، رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، ورسائل الإمام أشبه بالقضايا الكلية التي يُؤخذ منها الجزئيات والتفاصيل الدقيقة كل عصر .

يقول العلامة شيخ المحققين محمود شاكر رحمه الله : وببديهة العقل لم يكن من عملي ، ولا هو من عمل أي كاتب مبين عن نفسه ، أن يبدأ أول كل شيء فيُفيض في شرح منهجه في القراءة والكتابة –وإلا يفعل كان مقصرا تقصيرا لا يقبل منه بل يرد عليه- ثم يكتب بعد ذلك ما يكتب ليقول للناس : هذا هو منهجي ، وها أنذا قد طبقته . هذا سخْفٌ مريضٌ غير معقول ، بل عكسه هو الصحيح المعقول ، وهو أن يكتب الكاتب مطبقا منهجه ، وعلي القارئ والناقد أن يستشف المنهج ويتبينه ، محاولا استقصاء وجوهه الظاهرة والخفية ، مما يجده مطبقا فيما كتب الكاتب ، ولكن فساد حياتنا الأدبية ، هو الذي يحيل العقول أحيانا ، حتى تغفل عن أبسط القواعد البديهة في العقل الإنساني ، وكفي بهذا فسادا وبيلا ..(*) .


خامساً: المنهج الإخوانى

تتقاطع جماعة الإخوان في منهجها مع المنهج الأزهري في مجمله وفحواه . وإن فارقته في جزئيات وتفاصيل دقيقة فلأن الأزهر مدرسة علمية كبرى لتدريس العلوم الشرعية أولا وآخرا أي أن الأزهر يقف في مرحلة التنظير المجرد للعلوم ، ولا يدخل في مهامه تطبيقها علي أرض الواقع ، في حين أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سياسية دعوية إسلامية ، من مهامها تطبيق تلك التنظيرات المجردة التي تقررها المدارس العلمية الكبرى –الأزهر أنموذج- في فهم الإسلام الكلي الشمولي ، وفي العدالة الاجتماعية وهداية البشرية ونحوها من معان سامية لا محل لها من الإعراب إن هي ظلت في مرحلة التنظير العلمي والتلقين الشفهي في الأروقة والمحاريب .

وتتجلي العلاقة بين المنهجين –الإخوانى الأزهري- إذا لمحنا أن رجالات الإخوان في الصدر الأول كانوا من الأزاهرة الشيوخ والشباب وأن الإمام البنا اعتمد عليهم اعتمادا كليا كما ذكرنا آنفا . والإمام البنا نفسه رجل من تلك المدرسة الأزهرية في الفهم ، فقد تعلم هو علي علماء الأزهر –وكذلك والده- ، ونهل من منهلهم وورد مواردهم العذبة الرائقة .

وكأن الإمام الشهيد يتمثل بقول شوقي :

ما ضـرني أن ليـس أُفقك مطلعي  :::: وعلي كواكـبه تعلمـت السُّـرى .. (10)

وكان الإمام البنا رحمه الله يتملكه الحنين إلي الجامع الأزهر ، ويشعر فيه براحة وطمأنينة لا مثيل لها ، ويحس بعبق التاريخ ، وعظمة الدين ، وإطلالة الحضارة ، ويقظة النهضة ، تشع من ذلك المكان ، وكان البنا يؤمن أن الأزهر إذا ما أخذ وضعه وتهيأت له أحواله لكان شعلة البدء لحضارة عالمية قيمية أخلاقية ، ولنهضة سامية تطل علي الإنسانية من جديد كما أظلتها في عهدها القديم ، لذلك فكان دائم الترداد عليه ، سيما إذا أراد أن يخلو بفكره ، ويتعبد لربه . بل إن البنا كان متعلق القلب بالأزهر منذ صغره ، فكان من البدهي أن يعتمد علي رجال الأزهر وكان من البدهي كذلك أن يعقد الآمال الكبرى علي تلك المؤسسة ، ولذا وافق الفكرُ الفكرَ ، وتعاضد المنهجان .

يقول الدكتور رءوف شلبي : اعتكف الطالب حسن البنا في الجامع الأزهر أسبوعا أول عهده بدخول القاهرة . وفي هذا الأسبوع وفي القبلة القديمة بالضبط حط الطالب رحاله ثم تعرف علي بعض زملائه ونووا جميعا سنة الاعتكاف في الأزهر أسبوعا تبركا بالأزهر وتيمنا به ، واستعدوا لامتحان دخول كلية دار العلوم .

ومن بركات الأزهر الشريف ومن فضل الله تبارك وتعالي علي الطالب حسن البنا ليطمئنه ويسكن من روعه هيأ له أسباب الرضا والهدوء ففي ليلة امتحان النحو والصرف رأي فيما يري النائم : أنه يركب زورقا لطيفا مع بعض العلماء الأجلاء وكان المركب يسير بهم الهوينا في نسيم عليل رخاء فوق صفحة النيل الجميلة الزرقاء ، ثم تقدم أحد هؤلاء الأفاضل وكان في زي علماء الصعيد وقال له : أين شرح الألفية لابن عقيل ؟ يقول الإمام الشهيد : فقلت : ها هو ذا. فقال : تعال نراجع بعض الموضوعات . يقول : وأخذت أراجع حتى استيقظت منشرحا مسرورا وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات ، فكان ذلك تيسيرا من الله تبارك وتعالي .. (11)

فلك أن تتأمل في هذا الموقف وأن تفهمه في سياقه لتري كم كان هذا الفتي الذي يسمي حسن البنا كم كان محبا للأزهر ، متأثرا به في صغره ، فلا يخلو ذلك من مقدمة مهمة سوف نبني عليها في تلاقي المنهجين .

ومنهج الإخوان المسلمين يتجلي في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا .

يقول أحد الباحثين : تعتبر رسائل الشيخ حسن البنا -والذي يسمى بأدبيات الإخوان بالإمام الشهيد، ويوصف بالمجدد- أهم مفردات منهج الإخوان المسلمين وعمدة نظامهم الأساسي، وما تزال فعالة في نهج الحركة وفكرها.

وتربو على عشرين رسالة، تناولت مواضيع مختلفة في أوقات ومناسبات مختلفة، وتشتمل على آراء ومواقف دينية، وسياسية، واقتصادية، وتنظيمية وغيرها. كما إن إحداها تضمنت عشرين أصلاً احتفى الإخوان بها احتفاء خاصاً من حيث شرحها وتعليمها والالتزام بها.

صور من رسائل البنا

أهم ما في رسائل البنا هو إعطاء دعوته صفة الشمولية تبعاً لطبيعة الدين الذي تنتمي إليه، فالإسلام دين ودولة، وسيف وقرآن. والوطنية حدودها أرض الإسلام والقومية تحدها تعاليم الإسلام .

فالبنا يقول في رسالة المؤتمر الخامس للإخوان: "نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة... فالإسلام عقيدة وعبادة, ووطن وجنسية, ودين ودولة, وروحانية وعمل, ومصحف وسيف".

وبناء على شمولية الإسلام يقرر البنا أن دعوة الإخوان المسلمين :

1. دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

2. وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

3. وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

4. وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

5. وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

6. ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

7. وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه.

8. وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

فدعوة حسن البنا برغم طابعها الإصلاحي ومضمونها التبشيري مثقلة بهم استعادة الحكم الإسلامي، ويقول البنا في هذا إن الإخوان "لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله".

وابتداء من نقطة الحكم تخوض حركة الإخوان صراعها السياسي مع الأنظمة القائمة، وتوسلت لتحقيق ذلك إضافة لأهدافها الأخرى، شكلاً تنظيمياً خاصاً، اختارت له الصيغة الدولية (أي تنظيم يمتد في أكثر من دولة في العالم) وعملت بفاعلية على مستوى العالم العربي في بعض المراحل السياسية وتركت أثرا واضحاً في بعض دول العالم الإسلامي، مما جعلها موضع خصومة أكثر من نظام عربي وإسلامي، وموضع اتهام وإساءة، وتعرضت للمنع والحظر وبخاصة التنظيم المركزي في مصر، وتعرض عناصرها أكثر من مرة للملاحقة والسجن والإعدام أحياناً.

الأصول العشرون

في رسالة التعاليم يتحدث حسن البنا عن أركان بيعة الإخوان ويحصرها في عشرة أركان، أهمها "الفهم" أي فهم الإسلام ويقول موجهاً قوله للفرد الإخواني بأنه يريد من الفهم أن يفهم الإسلام في حدود الأصول العشرين، ثم يوجزها.

وأولى الإخوان هذه الأصول عناية خاصة، وجعلوها دستور دعوتهم، وشرحها الكثيرون من قادتهم التربويين ومشايخهم الفاعلين، وأبرز شرح كان للشيخ محمد الغزالي في كتابه "دستور الوحدة الثقافية".

وتؤكد الأصول في مطلعها على شمولية الإسلام لمظاهر الحياة وللدين والدنيا وللحكم والعقيدة، وتقرر مرجعية القرآن الكريم وفهمه وفق قواعد اللغة العربية، ومرجعية السنة وأنه يرجع في فهم السنة إلى رجال الحديث الثقات، بما يؤكد انتماء الإخوان للمذهب السني.

وتتناول الأصول بعض القواعد لضبط التفكير والممارسة الدينية في محاولة للتوازن ما بين التصوف وبين النزعات السلفية، فنجدها تخوض في مسألة الرؤى (الأحلام) وأنها ليست من أدلة الأحكام الشرعية، وكذلك تذهب إلى أن التمائم والرقى والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب, وكل ما ليس عليه دليل من آية أو حديث أو رقية مأثورة تجب محاربته.

وتعطي الأصول لرأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه سلطة اختيار وإقرار الأحكام وفق الظروف والعرف والعادات فيما لا نص فيه وتذهب إلى أن كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. وأن لكل مسلم أن يتبع إماما من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين, ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره، وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا. وتتناول أيضاً بعض مسائل الاعتقاد، مثل الإيمان بالآيات المتشابهة من غير تعطيل ولا تأويل وموقفهم المناهض للبدع في الدين، وغير ذلك مما يتفق مع النهج السلفي بالإجمال وقد يختلف مع بعض التيارات السلفية في التفاصيل.

وأبرز ما في الأصول هو الموقف من مسألة التكفير حيث يقول الأصل ما قبل الأخير: "ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض -برأي أو بمعصية- إلا إن أقر بكلمة الكفر, أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة, أو كذب صريح القرآن, أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال, أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر" .. (12)


سادساً: حتمية التلاقي

الجامع الأزهر قديماً

هل بالفعل ثمة توافق منهجي بين التيارين ، التيار الإخواني والتيار الأزهري ؟ وهل يمكننا أن نستشف الخطوط العريضة بين الجانبين من خلال تلك الأصول التي وقفنا عليها عند كليهما ؟!

فمن مكونات المنهج الأزهري ، العناية بتحصيل علوم الآلة ، ونجد عند البنا رسالة كاملة تسمي برسالة التعليم / رسائل الإمام الشهيد 363 ، ط/ العلمية للتراث / ، وكذلك ألمح الإمام بل صرح بأهمية العلم والتعليم لنهضة الأمة ولبسط حضارتها ولصبغة الأمم بصبغة الإسلام .

لكن إذا كان الأزهر كمؤسسة علمية –دينية فقهية- من الطراز الأول فمن البدهي أن يهتم بعلوم الآلة كالمنطق والنحو والصرف وما أشبه ، لكن لا ينبغي أن ننسي أن جماعة الإخوان المسلمين ليست هيئة علمية لتدريس النحو والمنطق ، بل إنها دعوة ربانية تحث المسلمين أن يكون منهم النحوي البارع والمنطقي السديد ، فأصل المنهج بين المدرستين الاهتمام بالعلم الذي يخدم أركان المنهج وباقي أسسه ونظرته الكلية الشاملة ، لكن ثمة خلاف طفيف بين المنهجين في ماهية العلم الذي ينبغي أن يدرس ؟!

فالأزهر يري أن البداية بعلوم الآلة لطلبته ولرواده ، والإخوان يرون أن البداية بعلوم الآلة كذلك للمشتغلين بالعلوم الشرعية ، أما المشتغلون بغيرها فينبغي أن يهتموا بعلوم الآلة لتلك العلوم كالطب والفلك ونحوه ، ويمكننا أن نجمع بين المنهجين من هذا المنظور فتأمل .

كذلك نري أمرا مهما ، وهو أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية إصلاحية نهضوية وليست جماعة فقهية مذهبية علي غرار المدرسة السلفية أو الظاهرية ولذلك فهي تتخذ الأزهر مرجعا في الأمور الفقهية والإفتائية ، عن طريق رجالها الذين تربوا في الأزهر وتجرعوا من علومه ، وملكوا ناصية العلوم ، كالباقورى وسيد سابق والغزالي والقرضاوي وكثير من العلماء الأفذاذ .

فإذا دققت النظر وأمعنته في منهج هؤلاء لم تجده إلا وقد وافق علماء الأزهر .

ومن مكونات المنهج الأزهري ، "تنزيل القرآن علي مواضعه" ، فلا ينطلق إلي آية نزلت في الكافرين فينزلها علي المؤمنين ، ولا آية نزلت في المؤمنين فينزلها علي الكافرين ولا ينطلق لآية نزلت في أمر عام فينزلها علي خاص ، ولا لآية نزلت في خاص فينزلها علي عام .. (13) ، ونجد نفس الأمر عند الإمام البنا رحمه الله في أصوله .

وأبرز ما في الأصول في هذا الإطار هو الموقف من مسألة التكفير حيث يقول الأصل ما قبل الأخير: "ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض -برأي أو بمعصية- إلا إن أقر بكلمة الكفر, أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة, أو كذب صريح القرآن, أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال, أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر" ، وهذا مرجعه للمكون الذي معنا .

ومن مكونات المنهج الأزهري "حمل الهداية العامة" ، وهذا موجود في المنهج الإخواني –وإن كان بعبارات مختلفة- ، كأنها دعوة ربانية عالمية ، شمولية كلية ، فهذا كله يصب في مكون حمل الهداية العامة للبشرية كلها .

فهذا المنهج الإخواني الأزهري تجده واحدا عند الغزالي في "دستور الوحدة الثقافية" ، وفي مؤلفات القرضاوي النهضوية وعند محمد عمارة وعند عمر التلمساني ، بل عند جمعة أمين في أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين .

وخلاصة القول أن المنهج الإخواني لا يختلف في أصوله العظمى وخطوطه الكلية وملامحه العامة مع المنهج الأزهري . وأن رجالات الإخوان كانوا من أبناء الأزهر والقائمين عليه ، وأنهم تربوا علي موائد العلم في المائدة الأزهرية . فلا غرو أن يكون المنهج واحدا .


الهوامش

(1) المنطق ومناهج البحث ، د/ حسن الشافعي ، د/ السيد رزق حجر ص93 ، ط/دار الهاني 2010م .

(2) المرجع السابق 122 .

(3) المرجع السابق 123 .

(4) أباطيل وأسمار لمحمود شاكر 19 ، ط3/ الخانجى 2005م .

(5) التحدث بنعمة الله لجلال الدين السيوطي ص210 ، ط/الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003م .

(6) مذكرات الدعوة والداعية للإمام البنا ص48 ، ط1/دار الدعوة 2001م .

(7) الباقوري ثائر تحت العمامة ، نعم الباز ، ص40 وما بعدها ، ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988م .

(8) انظر تفصيل هذا المكون في "معجم الشيوخ" ، لشيخنا العلامة أسامة السيد الأزهري ، ص4 وما بعدها ، ط1/ صفا فروقشين ماليزيا / توزيع الوابل الصيب بالقاهرة .

(9) الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهري المنير للعلامة أسامة السيد الأزهري ص6 ، ط1/ كلام للبحوث والإعلام ، مدينة العلم دبي 2009م / الوابل الصيب القاهرة .

(10) ديوان شوقي 1/142 ، ط/مصر د.ت .

(11) الشيخ حسن البنا ومدرسته الإخوان المسلمون" للدكتور رءوف شلبي ، 65 ، ط/ دار الأنصار د.ت .

(12) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F163655E-3844-4497-800E-94AA096F1303.htm

(13) انظر : الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهري المنير للعلامة أسامة السيد الأزهري ص4 ، ط/ الإمارات .

(*) رسالة في الطريق إلي ثقافتنامحمود محمد شاكر ، ص20 ، ط2/ الخانجى 2006م .


للمزيد عن علاقة الإخوان بالأزهر الشريف

وصلات داخلية

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة بالأزهر

أحداث في صور

وصلات فيديو