بل أنا مسلم... مسلم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بل أنا مسلم... مسلم

أ.د/جابر قميحة

من البدهيات المعروفة تاريخيًّا أن اليهودية والمسيحية دينان مرحليان... زمانًا وقومًا وتعاليم. فلم يكن لدين منهما صفة التعميم، أو العالمية. ومن كلمات السيد المسيح عليه السلام: "إنما جئت لأهدي خراف إسرائيل الضالة".

ثم جاء الإسلام ليكون الدين الخاتم للناس كافة... دينًا عالميًّا يستجيب لحاجات البشرية في كل زمانٍ ومكان. واختار الله ـ سبحانه وتعالى ـ محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليؤدي هذه الرسالة التي بدأت بقوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (سورة العلق: 1).

وختمت بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3).

... وبين هاتين الآيتين.. وعلى مدى ثلاثة وعشرين عامًا هي مسيرة النبوة المحمدية الوضئية. أي قرابة ربع قرن من الوحي والنور والهداية، والتوجيه السديد في شتى المجالات... ربع قرن من الاتصال الحي النابض بين الأرض والسماء , فتكون رصيد ضخم من القيم الإنسانية.. اعتنقتها أمة فخرجت بها من الظلمات إلى النور.. ومن الضعف إلى القوة.. ومن الذل إلى العزة.

ولنعش مع الآيات التالية، وهي ـ بحمد الله ـ ناطقة بذاتها، لا تحتاج إلى تفسير:

ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران: 19).

ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85).

ـ (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)) (آل عمران: 67ـ 68).

- (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الزمر: 22).

ـ ومن دعاء إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)) (البقرة: 129ـ 133).

ـ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)) (القلم: 34 ـ 35).

وقد عاش المسلمون وهم يعتزون بهذا الدين، ويضحون من أجله بالنفس والولد والنفيس، وكل ما ملكت أيديهم، لقد أصبحت "الشخصية الإسلامية" ذات نسيج جديد حي قوي متين وصفه لنجاشي الحبشة جعفر بن أبي طالب، حين هاجر المسلمون إليها فارين بدينهم: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء اللجوار،ويأكل القوي مننا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلةالرحم وحسنالجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، ولم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا، وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل من الخبائث.. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا.. خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك".

إنه صوت العزة والاعتزاز الذي دفع ربعي بن شبت ـ المتكلم باسم المسلمين ـ أن يقول لرستم قائد الفرس الذي سأله: ما جاء بكم؟

"الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادةالله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه، ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدًا، حتى نفضي (نصل) إلى موعود الله، وموعود الله هو: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر (النصر) لمن بقي".

وبصوت العزة الإسلامية، واستعلاء الإيمان، يقول المغيرة بن شعبة لرستم من خطاب طويل: "... وإذا احتجت إلينا أن نمعنك (نحميك)، فكن لنا عبدًا، تؤدي الجزية عن يد، وأنت صاغر، وإلا فالسيف إن أبيت".

وليس هذا جديدًا على المسلمين، فإذا رجعنا إلى عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شهر جمادى الأولى من العام الثامن من الهجرة، رأينا جيش المسلمين يقف في ثلاثة آلاف جندي يواجه جيش الروم في مائتي ألف عند مؤتة بالشام. وأمام هذا الحشد الهائل استشعر بعض المسلمين الخوف والتردد وقالوا: «نكتب لرسول الله صلي الله عليه وسلم, فنخبره بعدد عدونا, فإما أن يمدنا بالرجال, وإما أن يأمرنا بأمره, فنمضي له".

فنهض عبدالله بن رواحة خطيب المسلمين وشاعرهم، وخطب الناس قائلاً: «يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة, ومانقاتل الناس بعدد, ولا قوة, ولا كثرة, ما نقاتلهم إلابهذا الدين الذي أكرمنا الله به, فانطلقوا, فإنما هي إحدي الحسنيين: إما ظهور, وإما شهادة» قال الناس: صدق والله ابن رواحة.. ومضوا إلي القتال.

واستشهد القادة الثلاثة: زيد بن ثابت، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحه، وتم انسحاب عبقري ولم يستشهد من المسلمين إلا اثنا عشر مسلمًا.

فمفتاح النصر الذي أهدته لنا عبارة القائد الشهيد, فهو الدين الذي أكرمنا الله به, وهو الإسلام . ولكن ماذا تعني العبارة «بالقتال بالدين»؟ وكيف يكون القتال به؟!! الدين هنا يعني منظومة القيم النفسية، والخلقية، والعقلية والروحية التي تصنع نسيج «شخصية المسلم», من إيمان, وصبر, وفطنة, وثبات, وعزم, وإصرار, وتضحية, وعزة, وكرامة, وإيثار, فإذا بالمسلم - حتي لو كان فردا - يصدق عليه قول الشاعر: [[عنوان وصلةعنوان وصلة]] كان من نفسه الكبيرة في جيـ

ش، وإن خِيلَ أنه إنسانُ

فبهذا الدين.. يتحول المسلم «الفرد» إلي المسلم " الحشد ".. المسلم «الجيش».. المسلم «الأمة».. وفي هذه الحال يهون العدد الضخم الكبير أمام المسلم الشامخ الكبير, فالعدد - بالمنطق الإسلامي - لا يكون له اعتبار إلا إذا تحول من عدد حسابي.. إلي عدد قيمي.

وبعد كل ما قدمنا من آيات قرآنية وشواهد من كلمات الرعيل الأول... أرى أن من حقنا أن نرفض ما قاله "الشيخ خالد الجندي" ـ في برنامج تلفازي حضره مفيد فوزي ـ وكأنه عثر على بيضة الديك: "أنا قبطي مسلم... نعم أنا قبطي مسلم"، ونظر إلى مفيد فوزي وقال له: "وأنت يا أستاذ مفيد قبطي مسلم؛ لأن قبطي أصلاً إيجبت أي مصر". ولم يعلق مفيد فوزي، بل ظهر على وجهه ما يشبه الامتعاض.

لقد سمعت هذه البدعة ـ لأول مرة من بضع سنين ـ من السيد عبد الفتاح عساكر، ونحن في ندوة في برنامج تلفازي اسمه: "بصراحة مع نشوى" الذي كانت تقدمه المذيعة نشوى الرويني. ونظرة في وجوه الحاضرين فوجدتها تفيض بالضيق والامتعاض.

إن هذه العبارة ـ أنا قبطي مسلم ـ يا أيها السيدان تعتبر تكريسًا لما يردده غلاة الأقباط عن "المصري الأصيل" و "المصري الدخيل". فاعتبروا أن الأقباط هم الأصلاء، أما المسلمون فهم الدخلاء. وللأسف رأينا مسلمًا ـ بالهوية فقط ـ هو طارق حجي يتبنى هذه الرؤية العمياء، أو هذا الرأي الكسيح، وذلك في مقال نشره في "صوت الأمة" بتاريخ .

وكنا نتمنى ألا يسقط الشيخ الأنيق الأستاذ خالد الجندي هذه السقطة، التي يرفضها الإسلام تمامًا.ثم إنها تفتح الباب لقياس فاسد مرفوض : فإذا قال الشيخ خالد :" أنا قبطي مسلم " بزعم أن كلمة " قبطي " معناها في الأصل " مصري " , فمن حقه وحق غيره – قياسا على ما سبق – أن يقول " أنا يهودي مسلم " ؛ فاليهود أصحاب دين سماوي أقدم من المسيحية , وقد عاشوا في مصر قبل الأقباط , ونبيهم موسي مصري باعتبار الميلاد .

أما تصريح الشيخ خالد ـ في البرنامج نفسه ـ بأن طاعة ولي الأمر واجبة بإطلاق، وتصريحه بأن وزير الأوقاف إنما هو فكرٌ وتجديدٌ وتطور، ومن عجب أن يصفه الشيخ خالدهنا "بالمصدر". والوصف بالمصدر ـ كما هو معروف ـ يعد أرقى أنواع الوصف كقوله: قاضٍ عدلٌ، فهي أبلغ من قولنا قاض عادل. أقول إن هذين التصريحين يتمتعان بضعف يحتاج إلى وقفة لا يتسع لها المقام.

المصدر:رابطة أدباء الشام