جمال النهري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ جمال النهري

إعداد: موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

المولد والنشأة

رحلة مليئة بالعطاء قضاها رجل من رجالات الدعوة عانى خلالها عنت الظالمين وجبروت المتجبرين وعناد حكام لم يراعى آدمية الإنسان في التعامل مع معارضيهم وكأن الدنيا كلها إما أبيض أو أسود إما أن توافق الحاكم وإما أن تدخل غياهب السجون والمعتقلات وتحرم من أدنى معاملة من الإنسانية الكريمة التي كفلتها كل الشرائع.

هذا الرجل هو الأستاذ جمال النهري

ولد في عام 1934 في شارع الشرفا من حي العباسية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة الباراموني الأولية ثم العباسية الابتدائية ثم الحسينية الثانوية ثم فؤاد الأول الثانوية العامة حتى تخرج في كلية الحقوق من جامعة عين شمس.

يرى أنه كان محفوفـًا بنعمة الله في الطفولة في الدوائر الثلاث: الزمان والمكان والأشخاص؛ أما المكان فهو حي العباسية الشرقية، يتمتع ببيوت حولها حدائق، الشوارع فيها تنظف يوميًا، كان بيتهم كعادة البيوت المصرية القديمة تتمتع بنعمة الألفة والتحاب بين الأفراد بل بين أفراد البيت والجيران من أهل الحي والشارع.

أما من حيث الزمان فقد تفتحت عيناه وتفتح الوعي في صدر حياته على الحرب العالمية الثانية من عام 1938 م إلى 1945م، حيث بدأت وعنده من العمر أربع سنوات وانتهت وهو عنده أحد عشر عامـًا، وكانت بمثابة العلامة المؤثرة في الجيل كله، وبعدها بثلاث سنوات إذا بحرب فلسطين، وكانت من العلامات المميزة التي تركت بصمتها في حياته وفي حياة الجيل كله.

أما من حيث الأشخاص كان من جيرانه الشيخ حسين البيومي عضو في هيئة كبار العلماء، وكان الأستاذ جمال وهو صغير يزوره كثيرًا، وكان الشيخ حسين عليه رحمة الله جريئـًا في الحق لا يخشى في الله لومة لائم، وكان دائمـًا ما ينتقد الملك، وكانت طباعه هذه بمثابة الشيء الغريب؛ لأن النشء كان يُربَّى على الولاء للملك.

وكان من جيرانه أيضـًا المهندس أحمد عبد الفتاح وكان ثمة تواصل بين العائلتين لم ينقطع حتى الآن، وكان من الجيران أيضـًا المستشار زكي بيه البههنيهي، وكان ساعتها أي تغير يحدث في الحي يلفت الأنظار سريعـًا، فكان زكي بيه يحرسه مجموعة من الجنود فسألنا عن السبب فعلمنا أنه كان رئيس للمحكمة وكان ساعتها يتناول قضية من القضايا الهامة ساعتها وكان متهم فيها اثنين من عصابة يهودية اسمها شترن اغتالت اللورد موين

وكان اللورد في منصب وزير دولة في بريطانيا وكان يزور القاهرة فقتلوه فحكم عليهم المستشار زكي بيه البهنيهي بالإعدام فخشي عليه أن يقتل، فكانت بمثابة بصمة مبكرة عن اليهود وحكايتهم، أما أحداث الحرب العالمية الثانية فكانت محل نقاش على مائدة العائلة وكان يستمع ما يترسب في ذهنه عن هذه القضية الحرب العالمية الثانية فكان هذا هو المناخ العام الذي نشأ وترعرع فيه الأستاذ جمال.

وفي السابعة من عمره انتقل والده إلى الرفيق الأعلى فتلقى محبة غامرة من كل أهله من أمه وأخوته بحكم صغر سنه فغاص في حنانهم المتدفق الذي لم يبخلوا عليه به قط.

تعرفه على الإخوان

بدأت الحكاية بتعرفه على أخ شقيق لصديقة أخته وكان اسمه منير حسانين وكانوا يقطنون في شارع النزهة بالعباسية فكان يمر في ذهابه وإيابه على شعبة الإخوان المسلمين في حارة حجازي بالوايلي فكان يسمع عند مروره من أمام الشعبة في أوقات الصلاة بمؤذن يؤذن للصلاة في الشعبة بصوت رائع جميل أخاذ للألباب والعقول فأسره صوت المؤذن.

فقرر أن يدخل للصلاة مع هؤلاء الذين يختارون مؤذنـًا له صوت ندي فبدأ بالصلاة مع الإخوان وانتهى الأمر بعد أكثر من مرة بانضمامه للإخوان لما راق له فيهم من حسن الصحبة وحسن العشرة وهدوء الطوية وسكون البال وحب وإخاء، ومما جعل علاقته بالإخوان تزداد وثاقـًا أن زار ذات مرة مقر الشعبة الإمام البنا عليه رحمة الله.

فرأى فيه رجلاً نورانيـًا ربانيـًا، يملأ المكان بعبير الإيمان وروح القرآن، يفوح من كلامه عبق العبير المنبعث من ضوء العقيدة الصافية، تمتزج فيه الفكرة النقية بوجدان مربٍّ ربانيٍّ نَدُرَ أن يأتي الزمان بمثله، فأسر عقله وقلبه عندما عرفه تعلق به أيما تعلق وما إن جلس الإمام البنا في الشعبة في حضور الإخوان.

ومن بينهم الأستاذ جمال وكان ساعتها أصغر الحاضريين سنا إلا وقدم أحد الحاضرين من الإخوان كوبا من شربات الورد للإمام البنا عليه رحمة الله فسارع الإمام البنا بلطف وحنان بتقديم الكوب إلى أصغر الحاضرين سنا وهو الأستاذ جمال فأعطاه له بحنو بالغ أثر في أعماق قلبه حتى الكبر فلم ينسى النظرة الحانية من يد رجل رباني لطفل صغير.

علم بعد ذلك الأستاذ جمال أن أخوه الأكبر عادل له صلة بالإخوان المسلمين وبدأ مع الإخوان في الشعبة ممن كانوا أكبر منه سنا يذكر منهم الأستاذ أنور العزب ومحمود ضحى وأعلموه بدرس الثلاثاء لفضيلة المرشد الإمام حسن البنا فتحمس لحضوره وبدأ يذهب معهم للمركز العام لحضور لقاء الثلاثاء وظل يرتاد على هذا اللقاء في الأعوام من 1946م حتى 1948م وفي هذه الفترة تعرف على الأستاذ أحمد عادل كمال أحد الإخوان في الشعبة.

وما إن علم بمقتل الإمام البنا إلا وأصابته فاجعة كبيرة حيث كان ساعتها في المدرسة وعلم بذلك الخبر فرجع إلى البيت فتعجبت أمه من رجوعه مبكرا وقلقت عليه عندما رأته يبكي بكاءً شديدًا فسألته عن السبب فأبلغها بأن حسن البنا قتل وبعد هذا الأمر تأصلت فيه فكرة الإخوان ومنهجهم.

مشاهد أثرت عليه في صغره

المشهد الأول

مما ذكرناه أن أخوه الأكبر عادل كان له صلة بالإخوان وتعرف عليهم وكان في هذه الأثناء حدثٌ جلل يهز الأمة العربية والإسلامية ألا وهو حدث تقسيم فلسطين واحتلالها وإعلان دولة إسرائيل ومن المعلوم أن حسن البنا لم يهدأ له بال ولم يغمض له جفن وفلسطين تُغتصب فجيَّش الأمة وجندها لحرب اليهود في فلسطين وبدأ الإخوان في تجميع الأسلحة.

وكان أخوه الأستاذ عادل النهري قد أحضر أسلحة ليستخدمها المتطوعون في حرب فلسطين ووضعها في غرفة البادروم أسفل المنزل وشاهد ذلك الأستاذ جمال فأثر فيه تعلق أخوه بقضية العروبة والإسلام قضية فلسطين وبعد ذلك بقليل اتخذ الإخوان قرارًا بإبعاد الأسلحة عن بيت الأستاذ عادل النهري فجاء من يأخذها من البيت من الإخوان وبعد ذلك علم الأستاذ جمال أن هذه الأسلحة ضبطت في السيارة الجيب القضية المشهورة آنئذٍ.

وبعد أن خرجت الأسلحة من بيتهم وضبطت في السيارة الجيب جاءت قوة من الشرطة للمنزل لتفتيشه فلم يجدوا شيئـًا فخافت أمه عليه فأرسلت به إلى بيت أبيها ليقيم مع جده وخاله الأستاذ نجيب محفوظ الأديب الكبير بعد ذلك حتى هدأت الأوضاع.

المشهد الثاني

ومن المشاهد التي أثرت فيه في صغره أنه كان يرى المجاهدين من المتطوعين للقتال في حرب فلسطين من الشباب المصري الغيور على دينه وكان من هؤلاء الذين كان يراهم أخ أكبر لأحد أصدقاءه يدعى أحمد سامي وكان يراه يلبس ملابس شبه عسكرية وكان يحمل على ظهره حقيبة فرآه واقفا ذات يوم وعلم بعد ذلك الأستاذ جمال أنهم يتدربون في الصحراء على حمل السلاح وفنون الجهاد

توجيهية غير عادية

في عام 1951 انتقل إلى مدرسة فؤاد الأول الثانوية ليحصل على التوجيهية ثم دخل القسم العلمي وكان يأمل في كلية الطب كأخيه عادل لحبه لمهنة الطب، وكان المد الوطني في هذا الوقت على أشده، فتزعموا مظاهرة تدعوا إلى إنشاء مركز تدريب للذهاب الى القنال وكان ناظر المدرسة معروف بصرامته فاختياره من قِبَل الإدارة يتم بعناية فائقة، فكون مجموعة من الطلاب الذين يجيدون المصارعة ليستعين بهم إذا ما قامت مظاهرة وليضمن لنفسه السيطرة على المدرسة.

وكان اسمه السيد هاشم وما إن اشتعلت المظاهرة حتى قامت معركة بين المتظاهرين ومجموعة الطلاب التابعيين لمدير المدرسة وانتهت المعركة باستطاعة الطلاب إقامة المظاهرة واتجهوا إلى كلية الحقوق والهندسة في جامعة عين شمس حيث كان الأمر في الجامعة أيضا مشتعل فكانت المطالبات الشعبية تدعو إلى إقامة معسكرات لمحاربة الإنجليز في القنال.

استخدمت نفس الغرفة في بيته لتخزين الأسلحة التي ستستخدم للقتال ضد الإنجليز في السويس ونقلت الأسلحة بعد ذلك، وسافر بعدها إلى معسكر بالشرقية في عزبة أحد الإخوان، ومكثوا للتدرب على فنون القتال فيه فترة انتهت بحدوث حرائق في المعسكر وعادوا الى القاهرة قبل إتمام التدريبات ولم يستطيعوا التطوع مع القوات المحاربة ضد الانجليز، وحدث بعد رجوعهم مباشرة حريق القاهرة.

في هذه الفترة استشهد عمر شاهين وعادل غانم وأحمد المنيسي وكانوا من الشباب الذين تطوعوا للحرب في القنال، وكانوا من البارزين فيها وكانت جنازة الشهيد عمر شاهين مهيبة.

ومما يذكره أيضًا الأستاذ جمال بالمقارنة مع الحاضر المأسوف عليه على حد وصفه أن مدير جامعة القاهرة الدكتور عبد الوهاب باشا مورو توسط بشخصه لدى الإنجليز مما يكشف عن مكانته الأدبية لإخراج الأسرى من الطلبة الذين استطاع الإنجليز ان يأسروهم في منطقة القنال وأُفرج عنهم بعد ذلك.

ما بعد ثورة يوليو

الإخوان والثورة... ما قبل العاصفة

دخوله الكلية:

بعد دخوله بستة اشهر تقريبـًا حدث الانقلاب العسكري في 23 يوليو وفرح فرحة هائلة بحدوث هذا الانقلاب ويتذكر إلى الآن مشاهد ميدان العباسية مليء بالدبابات واستقبل الشعب ومن بينهم طلاب الجامعات الجنود بالأحضان.

كان لأخيه حازم توجهات سياسية وعلاقات بشخصياتها وكان دائما ما يتحدث في السياسة وتفاجأ الأستاذ جمال بعد الثورة أن لأخيه صلة بعبد الحكيم عامر أحد قيادات الثورة ورجالاتها المعروفين حين جاء عبد الحكيم عامر لأخيه حازم في المنزل فرحبوا به ترحيبـًا بالغـًا كونه كما ينظر له في ذلك الوقت أحد أبطال الانقلاب.

يقول الأستاذ جمال أنه لا يعلم حقيقة الدوافع التي كانت عند أخيه فكان واضحـًا جليـًا أن أخيه حازم يحاول ان يبعده من نطاق الإخوان ويقربه من الانقلاب ورجاله، وذات مرة ذهب الأستاذ جمال بصحبة أخيه للاحتفال بالثورة في العيد في ميدان عابدين وأصعده على المنصة في عابدين وصحبه بعد الاحتفال لزيارة الصاغ عبد الحكيم عامر وزاره في معسكر حلمية الزيتون وكانت الزيارة تمتد في الوقت كثيرًا، فوجد في عبد الحكيم عامر انه رجل يُؤلف فيه السهولة والتواضع في حين انه لم يكن فيه شيئـًا مبهرًا.

مدرسة الإخوان تعطي أبناءها القدر الوفير من الثقافة فكان الأستاذ يناقش عبد الحكيم وهو حديث السن وكان يتوقع أن يسمع منه ردًا مبهرًا فلم يجد منه ذلك، واستغرب منه ذلك كونه الرجل الثاني في الانقلاب فلم يستشهد في حديثه بأي آية أو حديث أو مقولة وكان أثناءها الأستاذ جمال ابن التاسعة عشر أو العشرين من عمره.

الإخوان والثورة... ما بعد العاصفة

شابا جامعيـًا نبيهـًا:

عندما حدث خلاف بين الإخوان ورجالات الثورة في هذا الوقت اقترح على شقيقه حازم أن تقام مقابلة بين الجيل الوسيط من الإخوان وقيادات الثورة لتقريب وجهات النظر من القيادات الطلابية والعمالية الإخوانية في محاولة رأب الصدع الذي كان بين الإخوان والرجال الانقلاب فلاقى ذلك الاقتراح قبولاً من أخيه حازم فهرع الأستاذ جمال بإيجابية وحماسة إلى الأستاذ أحمد عادل كمال أحد قيادات الإخوان في الشعبة.

فحمل الفكرة الأستاذ أحمد عادل كمال إلى الإخوان ولاقت قبولاً وحضر مجموعة من الإخوان وكان بينهم الأستاذ علي صديق وعبد الفتاح ثروت وآخرين كما حددهم الإخوان وفي اليوم المحدد اجتمع الجميع في بيت شقيقه حازم وجاءت سيارة من قيادة الثورة وذهبوا إلى بيت عبد الحكيم عامر وجاء صلاح سالم ومجموعة من الضباط الآخرين وجاء بعد ذلك جمال عبد الناصر ودارت بين الحاضرين مناقشات حول التطورات التي حدثت وكانت المناقشة بحرية كاملة.

وبدأ جمال عبد الناصر بالحديث فلم يقاطعه أحد وكأنه سيد المجلس ويدير الحديث بشكل منفرد، ويذكر الأستاذ جمال مما قاله عبد الناصر للحاضرين أن الإخوان شكلوا أجهزة في القوات المسلحة والشرطة خصيصـًا لمناوأة الثورة، وذكر اسم أبو المكارم عبد الحي وكان تقريبـًا برتبة صاغ وعبد المنعم عبد الرؤوف.

وهاجمهم عبد الناصر في حديثه هجومـًا عنيفـًا واعتبر أن الاثنين السابقين ومعهم تقريبـًا صلاح شادي بأنهم من التنظيم المناوئ للثورة، في أثناء حديثه تذكر الأستاذ جمال ما قرأه في مجلة كانت اسمها (الثورة) على ما يذكر الأستاذ جمال كانت تصدر عن الثورة وكان يكتب فيها أنور السادات.

وذكر فيها أن الإخوان كان لهم تنظيم منذ عام 1946 وَ 1947 وَ 1948م وكان يرأس تنظيمهم الصاغ م ل، فما إن وضحت الفكرة الناقدة في ذهنه إلا وبادر الأستاذ جمال بمقاطعة حديث جمال عبد الناصر وأعلمه بما قرأ في المجلة وقال له أن ذلك يثبت أن تنظيم الإخوان من قبل الثورة إذن لا صحة أن هذا التنظيم مناوئ للثورة لكونه سابق للثورة في الوجود.

كان يجلس بجواره الأخ علي صديق وضغط على رجله وكأن مقاطعة عبد الناصر شيء كبير وشعر من الجميع ذلك ثم تحرك الحاضرين من الإخوان جميعهم لصلاة المغرب ولم يقم كل الحاضرين من رجال الثورة للصلاة واستمر اللقاء حتى الساعة الحادية عشر مساءً، وفي أثناء خروجه من اللقاء دار حوار بينه وبين علي صديق.

وشعر الأستاذ جمال أن عبد الناصر عنده قدر من التعالي وكأنه لا يحب أن يقاطعه أحد في حديثه أو الاعتراض على حديثه، وجاءه انطباع أن عبد الناصر غير مريح كان ذلك كإحساس داخلي وقال ساعتها الأستاذ جمال للأخ علي صديق أن عبد الناصر يكرهنا ولا يحبنا وأن لو جاءت له فرصة بأن يعصف بنا ويفتك لن يتأخر لحظة.

المحنة الأولى

في كثير من الأحيان يتسبب التفاعل الإيجابي مع المجتمع وخصوصا في المشاركة الإيجابية في القضايا السياسة المطروحة لصاحبه في كثير من المتاعب وهذا ما حدث مع الأستاذ جمال عندما كان طالبا في الكلية وخرجت مظاهرات في عام 1954م كحركة مضادة للانقلاب.

فكان من الذين شاركوا في هذه الفعاليات وقام بنفسه في أحد مدرجات الكلية فدخل المدرج وكتب على السبورة كلمة لماوت سيتونج زعيم الصين يقول فيها "إن الجيش كالسمكة والشعب كالبحر فمهما تضخمت السمكة وكبرت فيه تجف وتموت إذا خرجت من البحر"، ثم ألقى كلمة في المدرج قوية شديدة عن هذا الحدث وذكر فيها قصه نقلها عن كتاب لعبد العزيز القوصي.

تحكي عن امرأة عاهرة اتهمت جارها بالتحرش بها في حين أن التحقيقات أثبتت أن المرأة عاهرة وأن الرجل جارها ليس فيه ما قالت وأنه رجل شريف واستشهد بهذه القصة كإسقاط على الواقع من أن رجال الثورة يهاجمون الإخوان ويتهمونهم بما ليس فيهم وأنهم بذلك أصبحوا كالمرأة العاهرة التي تتهم جارها بما ليس فيه وأن الإخوان مثل هذا الرجل البريء الطيب.

أثارت هذه الكلمة التي قالها حفيظة البركان فما إن انتهى منها إلا ووجد من ينتظره بخارج باب الكلية لاستقباله وإعلان زفافه على السجن فنقل أولاً من الكلية إلى قسم الوايلي فلم يعامل بقسوة بالمقارنة مع ما كان من تنكيل بالإخوان فيما بعد وكان نائب المأمور اسمه أنور أبو المجد شقيق كمال أبو المجد وكان على خلق رفيع ظهرت أخلاقه في كافة المعاملات داخل القسم وجاءت مجموعة أمنية نقلته إلى سجن الأجانب، ثم نقل بعدها بفترة قصيرة إلى سجن لا يعرفه، فرأى وهو راكب سيارة الترحيلات أنها سارت باتجاه ميدان العباسية ثم دخلت بعدها في صحراء كان بها السجن علم بعد ذلك أنه السجن الحربي، وكان ذلك في عام 1954م.

كان في الكلية اضطراب لأن بعض المعيدين قُبض عليهم، فقبض على د.عبد الأحد جمال الدين معيدًا بالكلية، والأستاذ الكبير محمد حلمي مراد وسمع عن ذلك وهو في الاعتقال ولم يتيقن من ذلك حيث درس له الأخير الاقتصاد وكان على خلق وتواضع جَمْ وفي السجن الحربي وجد نفسه بين مجموعة من قادة الإخوان ولم يكن من القادة أبدًا كان الاعتقال هذا في يناير من عام 1954م، وكانت المعاملة ساعتها حسنة جدًا بالمقارنة مع ما حدث بعد ذلك من المأساة التي واجهها الإخوان في سجون عبد الناصر، وكان ساعتها قائد السجن الحربي محمد نظيم.

وأثناء اعتقاله تعرف على الأستاذ حسن العشماوي وكانت بينهما صلة قرابة ما كان يعرفها إلا في السجن.

ومن مواقف السجن الإنسانية التي تربى عليها الإخوان أن قيل له أن الأستاذ أحمد حسين من الحزب المصري الاشتراكي كان في الدور الثاني من السجن وكان لا يستطيع المشي بسبب ضرب قاسي من أحمد أنور قائد الشرطة العسكرية آنذاك وكان برتبة عقيد أو اميرالاي فقرر الإخوان ومعهم الأستاذ جمال النهري عيادته كمريض وعندما صعدوا إليه وجدوه بالفعل مضروب ولا يستطيع الحركة من قساوة الضرب الذي تعرض له ثم انقضت هذه الفترة بحلوها ومرها ثم أعلموهم بالإفراج وأخرجوهم لكي يذهبوا إلى بيوتهم وكان الإفراج في مارس تقريبـًا من نفس العام.

المحنة الثانية التي طالت

لم تمض أشهر بسيطة وفي نهاية العام حدث حادث المنشية المُدبَّر وتم اعتقال الأستاذ جمال مرة أخرى ثم ذهب إلى سجن رقم أربعة وكان غاية في القسوة، وكانت فيه أول مرة يرى وجهـًا لوجه حمزة البسيوني، وكان وحشـًا أسطوريــًّا، أقيمت للأستاذ جمال عند دخوله حفلة استقبال، وكان حمزة يمر على السجن وكان اسمه سجن أربعة وقرر حمزة أن يعطيهم طريحة بمناسبة أنه يمر على السجن وفقط.

وقام بنفسه بجلدهم مرة أخرى وكان يسير ومعه كرباج يضعه تحت إبطه وكلبين وولف كبار وكان معه شاويشية السجن وكان الشاويش محمود عبد الجواد شايويش سجن أربعة والشاويش الذي كان بصحبته دائمـًا هو الشاويش أحمد أمين كان شاويشـًا للسجن الحربي بأكمله، وكانوا وحوش آدمية يمارسوا التعذيب والقتل بلا هوادة.

ويرى الأستاذ جمال النهري أن التعذيب الذي أقيم في السجن الحربي في هذه الفترة ضد الإخوان كان موجها في حقيقته لمصر كلها لكي تخضع وتمثل ذلك التعذيب في شخص الإخوان كقوة شعبية موجودة في مصر وذلك لجهادهم ضد اليهود في فلسطين والإمبراطورية الانجليزية في القنال لكي تنبطح مصر كلها على الأرض.

وكان التعذيب قبل التحقيق وأثناءه وبعده ودائمًا ما يكون بطريقة مهينة للكرامة بحيث تنتشر القصص فتكون كافية لإخضاع شعب مصر بأكمله، ومن المفارقات العجيبة أن أم الأستاذ جمال عليها رحمة الله كانت تحكي له عن ثورة 1919م فلم يسمع منها أن الإنجليز قاموا بمثل هذا التعذيب، وكان يستغرب أن الإنجليز المستعمرين لم يقوموا بالتعذيب على النحو الذي رآه من مصريين مثله، وكان يندهش كثيرًا، حيث كان الحد الأدنى الحضاري للمستعمر أعلى من الحد الأدنى الحضاري للوطني في تعامله مع أبناء جلدته وبني شعبه واحترام حقوقهم وآدميتهم وإنسانيتهم.

مَثـُلَ الأستاذ جمال النهري أمام دائرة اللواء صلاح حتاته قائد سلاح المشاه بتهمة قائد فصيلة الدور المنوط به أنه سيقوم مع الفصيلة باغتيالات في منطقة العباسية وعلامة البداية لقيام التنظيم المسلح بالاغتيالات عند إطلاق النار على عبد الناصر في ميدان المنشية.

وقال الأستاذ جمال:

"أليس من الغريب أن أكون قائد فصيلة وليس عندي أسلحة أو حتى يقال عني ذلك! ولا أثر لمخططات ولا أسماء بالذين سأقوم باغتيالهم وكيف يكون ذلك وساعة البدء بدأت كما يدعون وليس عندي أي شيء من ذلك كله، في حين أنه لم يمسك عندي قطعة سلاح من بعد معسكر الشرقية في التوجيهية 1951م"، وبعد التحقيقات لم يثبت عليه أي شيء.

أحضر له أهله محامي كبير السن متلجلج يستجدي المحكمة بأن تخفف الحكم عليه، فتضايق منه ومن أسلوبه فأبلغ الأستاذ جمال قاضي المحكمة أنه يرفض مرافعة المحامي وأنه سيدافع عن نفسه دون محامي، في شعور منه بأنه صاحب حق لا يصح له أن يستجدي من أغتصب حقه.

داخل السجن

انتقل من السجن الحربي إلى سجن القلعة، وما أدراك ما سجن القلعة؟! كان أشد سوءً من سابقه، يذكر الأستاذ جمال دون تسمية الاخ (م - ع) أنهما كانا في زنزانة واحدة، وكان ذلك في آخر نوفمبر، وكانت زنازين القلعة مظلمة جدًا، يقيمان بها بالملابس الداخلية، وكانت الزنزانة مليئة بالماء المسكوب على الأرض كي لا يستطيعوا الإقامة بها إقامة كريمة، ناهيك عن الحرمان من الطعام وغيره.

وكانوا عندما يأخذونهم لتحقيق دائمـًا ما يكون بالليل، تعرض الأخ (م – ع) لتعذيب شديد (الطريحة) ومن شدتها قال: "إن جمال النهري أحضر لي سلاح ثم أخذه مني"، فاستداروا بعد ذلك للأستاذ جمال ليوجعوه ضربـًا مبرحـًا، وعكفوا على تعذيبه، فما كان منه إلا أن قال لهم: "لو قتلتموني لن أستطيع أن اقول لكم عن السلاح؛ لأني ليس عندي سلاح".

كان أخوه حازم يحاول أن يجد طريقـًا لإخراجه عن طريق صلته الوثيقة بعبد الحكيم عامر، وآتت هذه الصلة آكلها قليلاً فاستطاعت هذه الصلة أن تنقله إلى مستشقى السجن حيث كانت أحسن حالاً من السجن فانتقل من سجن القلعة إليها، وكانت تسمى (الشفخانه) جلس في الشفخانة في زنازنة منفرده، المعاملة أفضل قليلاً وكان في الصف المواجه له مجموعة المحكوم عليهم بالإعدام.

وهم: الشيخ فرغلي، وإبراهيم الطيب، حيث كان يراهم أثناء الذهاب إلى الحمام، وكان زبانية السجن يمنعون مقابلتهم، وكان الأستاذ إبراهيم الطيب كان لا يستطيع أن يسير على قدمية وعلم بعد ذلك عنهم أنهم كانوا يطفئوا السجائر في مناطق حساسه في أجسادهم العارية، ولكي يظهر النظام الغاشم أمام عدسات الكاميرا على أنه الملاك الطاهر فإذا بهم يطلبون من الأستاذ جمال النهري البدلة التي كان يرتديها ليلبسها الأستاذ إبراهيم الطيب أثناء خروجه من السجن للمثول أمام المحكمة حتى إذا ما صوره الصحفيون يكون في ملابس مهندمة غير التي مزقت من التعذيب، فإن لهما قامة متقاربة.

رحِّلوا بعد ذلك إلى سجن طرة، وكانت تأتي له زيارات من أخيه عن طريق علي شفيق صفوت السكرتير العسكري لعبد الحكيم عامر، وكان إذا جاءه أخوه كانت بمثابة (طاقة القدر فتحت له) على حد تعبيره، ومما يذكره الأستاذ جمال النهري عن علي شفيق أنه من عادته ممارسة التحقيق في السجن بالبوكس والشلوت.

أما عن حمزة البسيوني، الذي كان يعتبر نفسه أنه إله السجن الحربي، يستأسد فيه على المظلومين المسلبوين من حريتهم وكل قواهم لا يعبأ بأيهم مريض أو جريح أو من منهم يفضي تعذيبه له إلى الموت كان يقف أمام علي شفيق وأكنه شيء لا يذكر، يذكر له الأستاذ جمال أنه في إحدى زيارات أخيه له، وكان يأتي بصحبة أخيه علي شفيق رآه جالس على مكتب حمزة البسيوني ويعطي ظهره إلى حمزة من دون اكتراث به ولا اعتبار ولا احترام للرتب العسكرية.

وفي الليمان كانوا يتعمدوا الاستهزاء بهم والسخرية منهم فأحضروا لهم ملابس مهلهلة، وكانت أرجلهم مقيدة بحديد ثلاثة كيلو يدخلون بها في دورات المياه، وكانوا يقومون ببرشمة الحديد (إحكام إغلاقه) في أرجلهم، كي يصعب عليهم فكه، ومن اللطائف التي يذكرها أن كان معه في الزنزانة د.علي شهوان عليه رحمة الله وكان يُحسن تلاوة القرآن، وكان يدعو ويقرأ القرآن ويخفف عنهم ما هم فيه.

بعد فترة احتجز في عنبر الملاحظة ثم بدءوا بعدها الذهاب إلى الجبل فكان يبعد الجبل عن السجن مسافة كبيرة، فكانوا يكسرون الحجارة هناك، وعليهم أن يملئوا خمس عربات من القطار من الساعة السابعة صباحًا حتى الساعة الثالثة والنصف عصرًا يكون ذلك كل يوم، واستمروا على هذا الحال فترة طويلة.

ومن الأشياء التي يذكرها في هذا المقام أنَّ الضباط لا يحبون أن تكون معنوياتهم مرتفعه وأحب جلاديهم أن يخصوهم بمعاملة سيئة أكثر فأرسلوهم إلى عنبر الجبل، ويعتبر هذا العنبر من أسوأ العنابر، وكان فيه المذنبين الكبار المحكوم عليهم بالمؤبد ومتهمين بجرائم قتل،ظنـًا منهم أن ذلك سيضايق الإخوان وأنهم لن يستطيعوا التعامل مع المجرمين الكبار فما مرت الأيام إلا وأحب المجرمين الكبار الإخوان وبدءوا يصلون مع الإخوان في الصلوات وليس هذا فحسب بل تطوع المذنبين الكبار كما يسمونهم بأن يحملوا الحجارة في الجبل بدلاً عن الإخوان وتخفيفـًا عليهم فسبحان مقلب القلوب.

وفي إحدى الزيارات لأخيه، كان معه مصطفى عامر شقيق عبد الحكيم عامر وكانت بمثابة كلمة السر يأتي معهم الأكل وغيره من الخيرات.

وفي مشهد لشخصية أنت تعلمون الحكم عليها أنه كان في الليمان نائب قائد المأمور العميد عطوة حنفي وكان يحضر الزيارة مع أهل الأستاذ جمال النهري وكان يُحضر أهله له الحلوى والأكل، فدار حديث بين عطوة حنفي ومصطفى عامر يقول له: "أنا لما كنت قائد سجن قنا كنت بخلي الشاويشيه يجمعوا عقارب من الجبل ويتركها على المذنبين في الزنازين بالليل ده اللي سلوكهم مش عاجبني" .

وكأنه يرسل لإدارة السجن رسالة بفعل ذلك بالإخوان في حين أن الإخوان في هذه الأثناء ما بين مريض وجريح ومقعد ومختل عقله ومن ينتظر الموت بإعدام أو من شدة الأذى الذي أصابه وكانت ظهورهم مقطعة مربعات بكل ما تحمله الكلمة من معاني لدرجة أن الأطباء كانوا يستغربون من بقائهم أحياء رغم هذا التعذيب، قال مصطفى عامر لحازم النهري: "شوف ابن الكلب بيقول إيه" .

ثم قال عطوة حنفي لمصطفى عامر أنه نظم قصيدة مدح في عبد الحكيم عامر سيعطيها له في المرة القادمة من الزيارة.

ومما يؤكد طبيعة شخصية قائد مأمور السجن أن قال الأستاذ جمال لأخيه أنه يريد ليف للاستحمام به فاشترى له أخوه ليف الاستحمام وأحضرها للأستاذ جمال نائب مأمور السجن بنفسه.

وعندما ماتت أخته عواطف وهو لا يزال في السجن أخرجه عبد الحكيم عامر للعزاء ورجع مرة أخرى تحت حراسة مشددة بالمدافع الرشاشة.

في سجن القلعة المشهور بأنه أشد عنفـًا من السجن الحربي وكان للمحققين أسماء تنكرية فكانوا يسمون أنفسهم بلبل وشفشق، ثم جاء ميعاد المثول أمام المحكمة وكان متهمـًا كما ذكرنا أنه نائب قائد الفصيلة وأن عبد الرحمن البنان هو قائد الفصيلة ولم يضبط عندهما أي شيء كما أسلفنا، فطلب منه أخوه حازم أن يلتزم الهدوء في المحكمة.

لم تمض المحاكمة على الشكل الهادئ لأن الأستاذ جمال لم يستطع أن يتمالك أعصابه وهو يدافع عن نفسه فاشتط غضبـًا دفاعـًا فكرة الإخوان وهاجم مصطفى أمين لأنه كان يهاجم الإخوان في جريدة الأخبار فهاجمه في المحاكمة.

وكما رأينا استطاعت الواسطة أن تعطيه امتيازات خففت قليلاً من معاناته ومن ذلك أنه أعطي درجة طبية حيث جاءه د.عزمي وكان مهذبـًا وقال: "إن حالته لا تصلح لصعود الجبل"، وأعطي بتلك الشهادة درجة طبية بعد ثمانية أشهر من المعاناة في الجبل، وبسبب هذه الدرجة جعلته زميل للأستاذ حسن دوح وكان الأستاذ حسن حاصل على هذه الدرجة الطبية باستحقاق؛

لأنه كان يعيش بكلية واحدة وكانت على ما يرام، كانت خدمته هو والأستاذ حسن دوح في قسم المغسل غسيل الملابس فكانوا يأخذون مقابل خدمتهم ثلاثة جنيهات كوبونات لكي يصرفونها في الكانتين الخاص بالسجن لشراء حلوى أو مربى أو غيره، فقرروا أن يعطوا المساجين الكوبونات في مقابل أن يغسلوا نصيبهم من الغسيل، لكي يتسنى لهم الحديث مع بعضهم في أمور شتى.

اشترى زنزانة متميزة في الدور الرابع وكان حبس انفرادي فاشتراها مقابل أن أعطى من اشتراها منه كل الكوبونات، الكوبون الواحد بثلاثة جنيهات لشهر بأكمله، وكانت توزع رشوة على إدارة السجن، وانتقل إليها، وكان من حسن الأقدار أن كانت الزنزانة بجوار زنزانة الأستاذ منير الدلة، فكانا يلتقيان بالليل كل من شرفة زنزانته يقف هو على الجردل والبطاطين ليطال النافذة ليتحدث مع الأستاذ منير الدلة للاستفادة منه ومن علمه، فكان موسوعة في الفقه والتفسير والأدب الفرنسي، وكان يتحدث معه كل ليلة وأفاد منه الكثير.

وكان من لطف الأقدار به أيضـًا أن أتاحت له الدرجة الطبية فرصة أن يذهب إلى المستشفى للكشف الدوري عليه، فكان على صلة طيبة بالشاويش، فاتفقا مع الشاويش على أن يتركهما ليزورا الأستاذ سيد قطب مقابل مبلغ من المال على أن تكون الزيارة مرة في الأسبوع، فاستمتعا غاية الاستمتاع واستمعا إلى أجمل الأحاديث من هذا الأديب العلم، فكان رقيق الحاشية غاية في اللطف، ومن الجميل اللطيف أن أعاد الأستاذ سيد قطب للأستاذ جمال تعريف نجيب محفوظ (خال الأخير) وقال له: "لو قُدِّر لك أن تخرج سترى نجيب محفوظ أعظم أديب في مصر وربما في العالم"، ونصحه بلقاء الأستاذ نجيب محفوظ والتعرف عليه عن قرب والتعلم منه.

بعد ذلك استطاعت الواسطة أن تنقله إلى السجن الحربي وفيه جلس أسبوعين ورأى السحنة البغيضة لحمزة البسيوني وقالوا له: "أين كنت؟"، فقال لهم أنه كان في السجن الكبير، فعلموا أنه كذب عليهم ثم انتقل من سجن أربعة منه إلى الشفخانة وكان تمهيد أن يرسل إلى المستشفى العسكري وفيها الرفاهية مقارنة مع ما سبق، فكان بها عنبر للمعتقلين معزول، يتمتع فيه المعتقل بمميزات لم تكن لغيره، من زيارة يوميه، ولبس ملكي، وحسن معاملة وطعام وشراب وغيره.

كان المعتقلين من الإخوان في العنبر الكبير المقابل للعنبر الذي كان فيه، فابلغوه بأنه غير مسموح له أن يتواصل معهم، وكان غير مسموح أيضـًا لأطباء المستشفى العسكري العام أن يكشفوا عليهم إلا طبيب واحد اسمه الدكتور محمد شفيق.

في شهر يونيو من عام 1957م كان في المستشفى العسكري العام، جاءه ضابط للتحقيق، فقال له:

"إيه معلوماتك عن ما حدث في ليمان طرة؟"، وأبلغه المحقق بأنه حدث تمرد من الإخوان وضُرب عليهم بالنار، فقال له: "لا علم لي بشيء أنا بين المستشفى العسكري ومستشفى السجن ليس عندي ما أقوله".

أفرج عنه في 1957م على أساس الحالة الطبية، بسعي من أخيه الدكتور عادل، حيث أصبح طبيبـًا في القوات المسلحة فاستخرج له كمسيون طبي يشرح حالته الصحية المتردية ليفرج عنه، كان ذلك المسعى عن طريق مكتب اللواء عبد الحكيم عامر حتى نجحت مساعيه وتوجت بخروج أخيه.

ما بين المحنة الثانية والمحنة الثالثة ثم الهجرة

بعد هذه الفترة ظل الأستاذ جمال لسنوات يعمل أعمال بسيطة، فتح محل صغير ولكن المشروع لم ينجح، وحاول من عام 1957م أن يهاجر خارج مصر إلى أي دولة من الدول وبمساعدة مكتب اللواء عبد الحكيم عامر ولكن لم تفلح محاولاته، ومن النصائح التي قدمها له الأستاذ منير الدلة بأن قال له: "انك لو عملت بالصحافة سيكون هذا شيء جيد لك"، فحاول أن يعمل في مهنة الصحافة في جريدة روزاليوسف باستخدام الواسطة أيضـًا ولكنها لم تفلح أيضـًا.

المحنة الثالثة

عندما قيل أن ثمة مؤامرة على الأستاذ سيد قطب وبدأت اعتقالات 1965م بإعلان عبد الناصر في مؤتمر للشبيبة الشيوعية في موسكو باعتقال كل من سبق اعتقاله واعتقل الإخوان واعتقل الأستاذ جمال مع من اعتقل وحاول قبلها أخوه منع اعتقاله بالواسطة ولم يستطع فتم اعتقاله ووضع في قسم ثاني الجيزة عند كوبري الجلاء جلس فيه ثلاثة أو أربعة أيام ومما يذكره أنهم رتبوا عند انتقالهم أن يقف شباب الإتحاد الاشتراكي عند مفترقات الشوارع يقولون بالهتاف: "اقتل اقتل يا جمال".

ثم ذهبوا بهم إلى سجن طرة بزنزاناتها الرديئة، ثم انتقل بعد ذلك إلى سجن أبو زعبل وكان ساعتها سجن جديد سجنوا به على حسب التصنيف القديم كلُّ حسب عدد سنوات السجن وأفرج عنهم بعد ذلك بعامين تقريبـًا، وكانوا يعانون من سوء الزنزانة وضيقها، كما منع عنهم المصاحف والزيارات والطعام والكتب ثم خرج.

بعد النكسة حاول السفر مرة أخرى إلى أي دولة فقالوا له: " لابد من موافقة أربع جهات أمنية"، في هذه الأثناء كان أفول نجم المشير عبد الحكيم عامر ومجموعته، وكان أخو زوجته ضياء الدين داوود وابن عم زوجته حسن طلعت ومجموعتهما هي التي بدأ نجمها بالصعود في دهاليز الحكم فكانت مجموعتهم هي التي طردت مجموعة المشير فكرر المحاولة في السفر بعد تغير الظروف فقيل له: "لا بد من موافقة رئاسة الجمهورية"، فحاول عن طريق مجموعتهم أن يستخرجوا له الموافقة واستطاعوا أن يستخرجوها له موافقة بالسفر إلى الكويت.

في الكويت

عقد زواجه قبل النكسة بأيام ثم سافر بعدها هو وزوجته إلى الكويت، أول ما نزل في بيت صديق قديم لأخيه حازم اسمه عز الدين عبد القوي وأكرم ضيافته هو وزوجته، وبدأ بعدها بمقابلة بعض الإخوان مثل الأستاذ عبد الحليم محمد أحمد وحسن العشماوي، وكان ساعتها مستشار وزير الداخلية الكويتي، أما عن عمله هناك انتقل فيه من عمل لآخر، بدأ بأن عمل في مكتب الدكتور جمال عطية ثم في مدرسة خاصة ثم محررًا في مجلة المجتمع الكويتية.

وكان الأستاذ حسن دوح ساعتها تقريبًا مديرًا لتحريرها، ثم انتقل إلى مجلة البلاغ مجلة إسلامية أيضـًا وانتقل معه كذلك الأستاذ حسن دوح وصار مدير تحريرها في فترة من الفترات، ثم أصبح الأستاذ جمال مدير تحرير مجلة البلاغ بعد ذلك بفترة قصيرة، ثم تحولت بعد ذلك إلى مجلة أسبوعية مرموقة وكان يشرف عليها الأستاذ محي الدين عطية واستطاعوا أن يجعلوا من المجلة أنموذجـًا طيبـًا يحذو الناس حذوه.

كتاباته في مجلة البلاغ والسفير المصري بالكويت

ومن أبرز ما كان من مواقف حدثت معه أثناء عمله مديرًا لتحرير مجلة البلاغ أن بدأ بنشر مجموعة مقالات عن الخيانة في مصر وكتب في مقالاته أن حسن الشافعي نائب رئيس الجمهورية قال أن نكسة 1967م كان فيها خيانة وكتب سلسة من خمس مقالات عن الخيانة وبعد الحلقة الثانية من السلسة اتصل به السفير المصري في الكويت عز العرب أمين طلب حضوره، في حين أن زيارة السفارات في أيامها كانت غير مرغوبة من المصريين لأنها كانت مكان امني ليس دبلوماسي، وأثناء الزيارة كان عنده الأستاذ أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي.

كان صيته على خير، استهل الجلسة د.أحمد زكي بمدح الإخوان، وقال له السفير بعد ذلك أن المقالات فيها إساءة لمصر فرد عليه قائلاً: "إن نائب رئيس الجمهورية سبقه بالحديث عن ذلك"، فطلب منه السفير أن يكف عن الكتابة فخرج من عنده ولم يَعِدُه بالكف عن كتابتها، ويبدوا أن الكلام كان قويـًا فجاءه أمر بالترحيل كان وراءه السفير حيث علم بعد ذلك أن السفير المصري اتصل بوزير كويتي ووشى عنده فأمر الأخير بترحيله، ثم تنقل في أكثر من دولة من دول الخليج وذهب إلى الإمارات ولم يستطيع أن يحصل على إقامة واستطاع أبو بدر أحد أصدقاءه الكويتيين أن يحصل له على إقامة لمدة شهر في مدينة جدة بالسعودية.

في السعودية وملاحقات السفير المصري بالكويت له

صعب عليه الأمر داخل السعودية من استخراج إقامة كاملة لأن السفير المصري في الكويت أخاف السلطات السعودية منه ووشى عندهم ثم تدخل د.توفيق الشاوي في السعودية بعلاقاته وحصل له على تأشيرة الذهاب إلى الرياض وتمكن هناك أن يحصل على إقامة ليست كاملة وعمل مع د.محمود الشاوي وَ د.توفيق الشاوي مدير العلاقات العامة في مؤسسة الإيمان التي تصدر عنها سلسلة منارات الرياض.

ثم انتقل بعد ذلك إلى رئاسة الدعوة والإرشاد التي كان يرأسها الشيخ عبد العزيز بن باز وخاطبوه ليؤسس لهم مجلة للأبحاث وأسس لهم مجلة البحوث الإسلامية لنشر فتاوى هيئة كبار العلماء وأعطوه ساعتها إقامة ولا يستطيع أن يغادر المملكة واستطاع بعدها أن يحصل على إقامة بدخول وخروج بعد عامين من الإقامة هناك، وأبلغه بعض المصريين هناك أن السفير المصري بالكويت كان منتميـًا لأحد الأجهزة الأمنية فكتب تقريرًا للسلطات السعودية بأنه عنصر خطر.

وبعد مرور ستة أعوام من تأسيس مجلة البحوث الإسلامية انتهت مدة الدكتور عثمان الصالح رئيس التحرير وجاء آخر فلم يستطع أن يتوافق معه الأستاذ جمال في العمل ثم ترك العمل، وإذا بالدكتور محمد سليم العوا يأتي له بعمل فقدمه لمكتب التربية العرب وعمل عندهم مشرفا على مجلة كانت عندهم وأسند إليه تطويرها كان اسمها مجلة رسالة الخليج العربي، وكان مدير عام المكتب د.محمد الأحمد الرشيد رجل يعلم عنه أنه واسع الأفق متميز لا يميز بين جنسية وأخرى، ثم ظل يعمل بها حتى عودته إلى القاهرة.

العودة إلى القاهرة

عاد إلى القاهرة وعمل فيها مدير لمكتب اتحاد البنوك الإسلامية مع السفير فؤاد الخطيب لمدة عام ونصف تقريبـًا ثم مارس نشاطـًا صحفيـًا متواضعـًا في جريدة الأسبوع وجريدة آفاق عربية.

لا يزال الأستاذ جمال النهري معطاءً لدعوته من وقته وجهده وماله لنشر الفكرة الإسلامية الحضارية بين أبناء هذا الوطن الكريم الذي نضحي له بالغالي والنفيس فجزاه الله خيرًا على ما قدم.

ألبوم صوره

ألبوم صور الأستاذ جمال النهري


إضغط علي الصورة لتظهر بحجمها الكامل

 

جمال النهري

جمال-النهري

جمال النهري

جمال-النهري-شابا

جمال النهري

الأستاذ-جمال-النهري-أحد-الرعيل-الاول-للإخوان

جمال النهري

جمال-النهري-ووالده


للمزيد عن حادثة المنشية ومحكمة الشعب

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

ترجمة لبعض المتهمون في القضية

.

تابع ترجمة لبعض المتهمون في القضية

أحداث في صور

وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان وجمال عبد الناصر

للمزيد عن تنظيم 1965م

وصلات داخلية

كتب متعلقة

مقالات متعلقة

ترجمة المتهمون في القضية

متعلقات أخري

تابع متعلقات أخري

وصلات خارجية

وصلات فيديو

.