شهادة أبو الحسن الندوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

شهادة أبو الحسن الندوي

(( أبو الحسن الندوي ))

العلامة أبى الحسن على الحسنى الندوي- رحمه الله - الذي قال في تقديمه لكتاب (مذكرات الدعوة والداعية) للإمام الشهيد:

"إن الذي عرف الشرق العربي الإسلامي في فجر القرن العشرين، وعرف بصفة خاصة، وعرف ما أصيب به هذا الجزء الحساس الرئيسي من جسم العالم الإسلامي من ضعف في العقيدة والعاطفة، والأخلاق والاجتماع، والإرادة والعزم، والقلب والجسم، وعرف الرواسب التي تركها حكم المماليك وحكم الأتراك وحكم الأسرة الخديوية، وما زاد إليها الحكم الأجنبي الإنكليزي، وما جلبته المدنية الإفرنجية المادية والتعليم العصري اللاديني، والسياسة الحزبية النفعية.

وما زاد هذا الطين بلة من ضعف العلماء وخضوعهم للمادة والسلطة، وتنازل أكثرهم عن منصب الإمامة والتوجيه، وانسحابهم عن ميدان الدعوة والإرشاد، والكفاح والجهاد، واستسلامهم (للأمر الواقع) وخفوت صوت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، زد إلى ذلك كله نشاط دعاة الفساد والهدم، والخلاعة والمجون، والإلحاد والزندقة، وتزعم الصحف والمجلات واسعة الانتشار، قوية التأثير، للدعوات المفسدة، والحركات الهدامة، والاستخفاف بالدين وقيمه، والأخلاق وأسسها، وما آل إليه الأمر ووصلت إليه الأقطار العربية بصفة عامة، والقطر المصري بصفة خاصة من التبذل والإسفاف، والضعف والانحطاط، والثورة والفوضى، والانهيار الخلقي، والروحي في الثلث الأول من هذا القرن الميلادي، ورأى كل ذلك مجسما مصورا في أعداد (الأهرام) و (المقطم) و (الهلال) و (المصور)، وفى كتب كان يصدرها أدباء مصر وكتابها المفضلون المحببون عند الشباب، ورأى ذلك مجسما مصورا في أعياد مصر ومهرجاناتها، وحفلاتها وسهراتها، واستمع إلى الشباب الجامعي في نواديهم ومجالسهم، وزار الإسكندرية وشواطئها ومصايفها، ورافق فرق الكشافة والرياضة والمباراة، ودخل دور السينما، ورأى الأفلام الأجنبية والمحلية، واطلع على الروايات التي تصدرها المكتبة العربية في مصر بين حين وآخر، ويتهافت عليها الشباب بنهامة وجشع، وعاش متصلا بالحياة والشعب، وتتبع الحوادث ولم يعش في برج عاجي وفي عالم الأحلام والأوهام، وعرف رزية الإسلام والمسلمين، ونكبة الدعوة الإسلامية في هذا الجزء الذي كان يجب أن يكون زعيما للعالم العربي كله، وزعيما للعالم الإسلامي عن طريقه، وقد بقى قرونا كنانة الإسلام ومصدر العلم والعرفان، وأسعف العالم العربي وأنجده، بل أنقذه في فترات دقيقة عصيبة في التاريخ الإسلامي، ولا يزال يحتضن الأزهر الشريف اكبر مركز ثقافي إسلامي وأقدمه.

إن كل من عرف ذلك عن كثب لا عن كتب وعاش متصلا به، عرف فضل هذه الشخصية التي قفزت إلى الوجود، وفاجأت مصر ثم العالم العربي والإسلامي كله بدعوتها وتربيتها وجهادها، وقوتها الفذة التي جمع الله فيها مواهب وطاقات، قد تبدو متناقضة في عين كثير من علماء النفس والأخلاق، ومن المؤرخين والناقدين: هي العقل الهائل النير، والفهم المشرق الواسع، والعاطفة القوية الجياشة، والقلب المبارك الفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسان الذرب البليغ، والزهد والقناعة- دون عنت- في الحياة الفردية، والحرص وبعد الهمة- دونما كلل- في سبيل نشر الدعوة والمبدأ، والنفس الولوعة الطموح، والهمة السامقة الوثابة، والنظر النافذ البعيد، والإباء والخيرة على الدعوة، والتواضع في كل ما يخص النفس.. تواضعا يكاد يجمع الشهادة عارفوه، حتى لكأنه- كما حدثنا كثير منهم- مثل رفيف الضياء: لا ثقل ولا ظل ولا غشاوة.

وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية، لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيرا وأكثر إنتاجا منها منذ قرون، وفي تكوين حركة إسلامية يندر أن تجد- في دنيا العرب خاصة - حركة أوسع نطاقا وأعظم نشاطا، وأكبر نفوذا، وأعظم تغلغلا في أحشاء المجتمع، وأكثر استحواذا على النفوس منها.

وقد تجلت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها- في ناحيتين خاصتين لا يشاركه فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين.

أولاهما: شغفه بدعوته وإيمانه واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يجرى الله على أيديهم الخير الكثير.

والناحية الثانية: تأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه، ونجاحه، المدهش في التربية والإنتاج: فقد كان منشئ جيل، ومربى شعب، وصاحب مدرسة علمية فكرية خلقية، وقد أثر في ميول من اتصل به من المتعلمين والعاملين، وفى أذواقهم، وفى مناهج تفكيرهم، وأساليب بيانهم ولغتهم وخطاباتهم، تأثيرا بقى على مر السنين والأحداث، ولا يزال شعارا وسمة يعرفون بها على اختلاف المكان والزمان ".