عبد العظيم الديب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. عبد العظيم الديب.. العالم المحقق

توطئة

لقد فهم المسلم طريقه وحدد غاياته وهدفه، وعمل على إحياء قلبه فعمل منذ الوهلة الأولى على أن يكون " قوي الجسم, متين الخُلُق, مثقَّف الفكر, قادرًا على الكسب, سليم العقيدة, صحيح العبادة, مجاهدًا لنفسه, حريصًا على وقته, منظَّمًا في شئونه, نافعًا لغيره". غير أن كثيرا من المسلمين لم يصلوا إلى هذه الدرجة لعدم وجود من يعينهم على الحق.

والدعوة لا تتوقف عند حدود بلاد، أو زمان، لكنها نور ووهج رباني يسري أينما وجد أناسا ليعرفهم طريق الحق، غير أن هذا النور يجابه من أهل الباطل بشتى الوسائل.

ولقد تعرضت الدعوة الإسلامية منذ أن بعث الله رسوله للناس كافة لعنت الكفار، وحقد المنافقين، ولم يتوقف الحال عند ذلك بل جوبهت الدعوة من كل عصر ومصر، وظل الحال حتى مكن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده.

وتعتبر دعوة الإخوان المسلمين في القرن العشرين امتدادا لهذا الوهج والنور الرباني، ولذا قوبلت بالأذى من كل صاحب هوى، وتعرض أبناءها لكل أنواع الاضطهادات.

والعالم الجليل الدكتور عبدالعظيم محمود الديب واحدا من أبناء هذه الحركة المباركة الذي أحبها وعمل لها وتوفى بين أحضانها.

النشأة

ولد العالم الجليل في قرية كفر إبري التابعة لمركز زفتى محافظة الغربية بمصر في عام 1929م، وحفظ القرآن الكريم منذ صغره في كتّاب القرية، وهو دون العاشرة، التحق بالمدرسة الإلزامية لمدة 5 سنوات تمهيدا للالتحاق بالأزهر حيث كان لزاما على من يدخلون الأزهر أن يكونوا من حفظة القرآن، ثم أتم تعليمه في المعهد الديني الثانوي بمدينة طنطا في محافظة الغربية، أنهى دراسته الثانوية بمعهد طنطا الديني بعد 9 سنوات دراسية وهو في سن الثامنة عشرة، التحق بكليتي أصول الدين بجامعة الأزهر ودار العلوم في وقت واحد، وفي السنة النهائية علمت إدارة كلية دار العلوم أنه يدرس في كليتين في آن واحد فخيرته بين إحداهما فاختار استكمال الدراسة في كلية دار العلوم وتخرج فيها عام 1956م.

التحق بكلية التربية لمدة عام وحصل منها على الليسانس حتى يكون مؤهلا للعمل بالتدريس، حصل على الماجستير عام 1970 في تحقيق كتاب "البرهان" لإمام الحرمين الجويني، ثم حصل على الدكتوراه عام 1975عن "الإمام الجويني وعلمه ومكانته وأثره ومنزلته"، وغادر مصر متوجها إلى قطر عام 1976م؛ حيث أصبح أستاذا ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر سابقا، ومدير مركز بحوث السيرة والسنة فيها بالنيابة.

كان يمقت الخلاف، ويكره العنف، ويكف يده ولسانه، لا يجهل علي جاهل، أو يرد علي متطاول، قضي ما يقرب من عشرين عاما في التنقيب في حروف كتاب واحد كبير لإمام الحرمين الجويني هو نهاية المطلب في فقه الشافعية وهو أحد الكتب التي قام علي خدمتها.

بدأ وعيه السياسي واهتمامه بقضايا وطنه مبكرا، فقد شارك منذ التحاقه بالأزهر في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني لمصر، وقد رافق الدكتور يوسف القرضاوي على مدار سنوات حياته وتربط بينهما علاقة أخوَّة وطيدة.

العالم وصلته بالإخوان

التحق الشيخ بدعوة الإخوان في وقت مبكر، وتفاعل معها لكونها جماعة وسطية معتدلة تدعوا لشمولية الإسلام، وتربى على يد الأستاذ البهي الخولي والذي كان أحد تلامذة الإمام البنا وكان له جهد بارز في نشر الدعوة بطنطا؛

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

لقد تلاقينا منذ حوالي ثلثي قرن من الزمان، في المعهد الديني في طنطا، ونحن في مقتبل العمر، وريعان الشباب، وجمعتنا الدراسة الأزهرية، كما جمعنا الانضمام إلى دعوة الإخوان المسلمين، والتتلمذ على إمام الجماعة في طنطا الداعية الكبير الشيخ البهي الخولي، الذي كنا نلتقي عنده بعد صلاة الفجر من كلِّ أسبوع، في حلقة أطلق عليها كتيبة (الذبيح)، إشارة إلى إسماعيل عليه السلام، الذي قال له أبوه: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).

كان موجعا بقضية فلسطين وعبر عنها بقوله:

"هي القضية التي ملكت عليّ شعوري وعواطفي وسَرَت مع الدماء في عروقي حتى آخر لحظات عمري"، فقد شارك بجهده في حرب فلسطين عام 1948م، كما شارك علماء الأمة وقادة الحركات الإسلامية في إصدار بيان في الاثنين 2 جمادى الآخرة 1422هـ الموافق 21 أغسطس 2001م تحت شعار: "أقصانا لا هيكلهم" للتضامن والمناصرة مع أهل فلسطين، وفي 26 رجب 1428 هـ الموافق 9 أغسطس 2007م اصدر مع لفيف كبير من علماء الأمة نداء لفك الحصار الخانق عن شعب غزة وعن العالقين في رفح.

جهوده

اشتهر العلامة عبد العظيم الديب بملازمته لكتب ومؤلفات الإمام الجويني رحمه الله تعالى، واعتنى بها عناية كبيرة حتى يصح له بلا منازع أن يُلقب بـ"صاحب إمام الحرمين"، فلقد اختار الدكتور الديب منذ وعى طريقاً للعلم وعرة وصعبة لا يقدم عليها إلا الأفذاذ من أولي الهمم العالية؛

فاختار طريق التحقيق العلمي الحقيقي، واختار معه الفهم والوعي لما يحقق وينشر من علم بخلاف كثير من الذين ينشرون الكتب ويحققونها ولم يفهموها، ولو أنه اكتفى بذلك لكفاه، ولكن أبت عليه همته وعلو نفسه إلا أن يختار أن يلازم ويصاحب كتب إمام من أئمة الدين يصعب على كثير من أهل العلم قراءة كتبه بله فهمها وتحقيقها؛

ومكانة إمام الحرمين بين أئمة الدين في غنى عن التنويه بها، فأخرج رحمه الله تعالى كتاب "البرهان" في أصول الفقه لإمام الحرمين، ومن قرأ مقدمة الكتاب ناله العجب من معاناة محققه العظيمة لإخراج الكتاب، ومن قرأ الكتاب ففهمه وفهم كلام المحقق علم الفرق بين التحقيق والادعاء.

يقول الدكتور القرضاوي:

جَهَد د. الديب جُهده حتى جمع من الكتاب عشرين نسخة صورها من مكتبات العالم في القاهرة والإسكندرية وسوهاج من مصر، ودمشق وحلب من سوريا، والسلطان أحمد وآيا صوفيا من تركيا، ولكن لم توجد منه نسخة كاملة، وبلغ عدد مجلداتها (44)، وعدد أوراقها (10336) ونسخت بخط اليد في (14590) صفحة"،

"بالإضافة إلى المختصرات والنصوص المساعدة، وهي تسع نسخ، بلغ عدد مجلداتها (15) وعدد أوراقها (3750) تقريبا". وبين أن الدكتور الديب ينتمي إلى مدرسة في التحقيق متميزة، شيوخها الكبار: آل شاكر: أحمد ومحمود، وعبد السلام هارون، والسيد أحمد صقر رحمهم الله وأمثالهم.

الدكتور العلامة عبدالعظيم الديب

وكتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) تم في تسعة عشر مجلدا موسوعة المذهب الشافعي لإمام الحرمين، دليل صبره على البحث العلمي، ومضاء عزمه، امضي في تحقيقه ما يزيد على عشرين عاما، وبذل له من المال والجهد، وسهر الليالي الطوال ما تضيق به همم الرجال، أخرجه في غاية الضبط والإتقان، وهو ديوان فقهي قل نظيره.

ومن جهده أيضا كتاب (الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم) وهو من أعظم ما ألف في السياسة الشرعية، أخرجه رحمه الله إخراجا علميا محققاً، مثالياً.

وكتاب (الدرة المضيئة فيما فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية) ينشر لأول مرة عن نسخة وحيدة نادرة.ورسالة الدكتوراه بعنوان (فقه إمام الحرمين).

وكان العلامة عضواً في لجنة جائزة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني الوقفية العالمية لسنوات طويلة، ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر ومدير مركز بحوث السيرة والسنة بها بالنيابة وعضو لجنة إحياء التراث بوزارة الأوقاف.

ومن مؤلفاته أيضا إمام الحرمين أبوالمعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني ، حياته وعصره آثاره وفكره، وفقه إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجويني ، خصائصه أثره منزلته، الندوة الألفية لإمام الحرمين الجويني، والغزالي وأصول الفقه، والمنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي من إصدارات كتاب الأمة.

هؤلاء قالوا

قال عن نفسه:

"إنه امرؤ يخشى أن يطلع على الناس بشيء فيه نقص أو خلل، أو بشيء لا طائل من ورائه، فيكون قد أضاع منهم وقتا أو جهدا، فيلقى الله بعد ذلك مسئولا عنه".

وقال د. القرضاوي عنه:

إن الراحل رحمه الله نذر حياته للعلم وتعليمه ونشره وخدمة تراث الأمة، وحقَّق كتباً في الفقه وأصوله تعتبر علامات بارزة في فنِّ التحقيق، كلُّها من تراث إمام الحرمين الجويني رحمه الله.

وأضاف أن

د. الديب عاش حياته في قطر أستاذا جامعيا، تخرَّجت الأجيال على يديه، وأحبَّه تلاميذه حبًّا جمًّا، طلاَّبا وطالبات. لأنه كان يعتبر التعليم رسالة، ولا يعتبره مجرَّد وظيفة، وعاش حياته بعيدا عن أضواء الإعلام، رغم إلحاح الإعلاميين عليه، ولقي ربه خالصا مخلصا غير مشوب بشائبات الدنيا، بل أخلص دينه لله، وأخلصه الله لدينه. نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.

عرفت فيه الحماس والغيرة لما يؤمن به.. لا يضن بجهد ولا وقت ولا نفس ولا نفيس في سبيل ما يؤمن به، مدافعا عنه.

ويقول د. عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان:

مدرسة علمية في أدائه، وأفكاره، مدرسة علمية في تأليفه، وتحقيقاته، وكتاباته، مخلص لما يتفرغ له من أعمال علمية، يهمه الإتقان، والضبط، يبذل له وقته كله، ولا يضن في الإنفاق عليه. هذه هي مفتاح شخصيته، يتحراها ويجد الباحث لمسائها في كل أعماله رحمه الله تعالى.

وأعرب الدكتور عمر عبيد حسنة مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون لإسلامية عن حزنه العميق لوفاة الدكتور عبدالعظيم الديب، مؤكدًا أن الأمة فقدت علمًا من أعلام الدعوة والفكر الثقافة الإسلامية.

وقال الدكتور عمر عبيد حسنة:

رحم الله أخانا وشيخنا الكبير عبدالعظيم الديب عاش كبيراً ومات كبيراً فلقد كان كبيراً في علمه، ذكرنا بالرواد الكبار في تاريخنا العلمي والثقافي، لقد كان كبيراً في عزمه على اقتحام المشروعات الصعاب وشجاعاً في إقدامه على العمل والتحقيق لموسوعات فقهية تنوء بها عزائم الرجال.

يقول عنه الأستاذ عبدالسلام البسيوني:

وأذكر حين كنت في إسلام ويب أن فضيلته استحق مبلغًا عن كونه مستشارًا فكريًّا للشبكة، وطلبت منه رقم حسابه في البنك.. وحاولت جهدي أن أصل إليه فأبي.. حتى اضطررت أن أتصل بأحد الأحباب في المصرف لأعرف رقم حسابه، ثم لأودع المبلغ باسمه.. كل ذلك وهو مستحٍ خجِل، يؤنبني من طرف خفي، ويلومني.

كتاب نهاية المطلب للديب

ولقد عرفته رحمه الله حليما ضابطا نفسه.. شهدت أحد الناس يتطاول عليه بشكل مفاجئ ويسيء إساءات بالغة، والشيخ الحليم بين الاندهاش والاستغفار والحلم.. وما حرك الموقف إلا انفعال من بعض الموجودين، غاروا علي الشيخ، وحموا له.

تعلمنا منه إجلال العلماء، وتقديم العذر، وترك الخلاف، واحترام الاختلاف الراشد، وتعلمنا منه تقدير جهد الناس، وعدم التفريط في الوقت، وتعلمنا عدم التسليم بما تقوله الميكروفونات، ولا الإذاعات ووسائل الإعلام، لأنها دائما تتحدث بصوت مالك السلطة لا صاحب الحقيقة، وأن هذه الحقيقة كثيرًا ما تطمر تحت أثقال وأوزار من التعمية والإيهام والليّ والمخادعة، وتغيير الجلود والأشكال.

وفاته

توفي الدكتور الديب صباح الأربعاء 20 من محرم 1431هـ الموافق 6 من يناير 2010م ،وقد وافته المنية في مستشفى حمد العام، بعد جهاد طويل في خدمة دينه ومعاناة طويلة مع المرض الذي ألم به منذ سنين.

وكان الدكتور القرضاوي قد أمّ المصلين على جثمان الدكتور الديب في مسجد مقبرة مسيمير، كما شارك في تشييعه إلى مثواه الأخير، كما شارك في تشييع الجنازة الشيخ عبد المعز عبد الستار والذي تربطه بالشيخ الديب علاقة إخوة منذ الإمام البنا وعلاقة مصاهرة، وحشد من العلماء والدعاة من محبي الدكتور الديب وتلاميذه.

للمزيد عن الإخوان في الغربية

من أعلام الإخوان في الغربية

ملفات ومقالات متعلقة

الغربية وثورة 25 يناير