عبد الله رمضان في فلسطينياته

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد الله رمضان في فلسطينياته

كتبه: أ.د/ جابر قميحة

عبد الله رمضان عرفته شعرا قبل أن أعرفه شاعرا . كنت أكتب دراسة عن الشهادة والشهداء , ودراسة أخرى عنوانها

" الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة في قلوب الشعراء" نشرت في مجلة *القدس*, وأخذت مكانها *فصلا * في كتابي *أدبيات الأقصي والدم الفلسطيني*.

وشد نظري وإعجابي وأنا أجمع مادة الدراسة قصيدة منشورة بإحدي الصحف لعبد الله رمضان عنوانها *الكل باطل*, فكتبت عنها في دراستي بالحرف الواحد:

  • .. وهذه القصيدة تتميز في أدائها التعبيري بقوة الإيحاء, والتدفق الموسيقي العالي, وجاء روي اللام الساكنة كأنه طلقات المدافع, وتتلاحق الإدانات تتري في شكل أحكام سريعة متتالية لا يفصل بينها إلا الروي القوي المتفجر الصاخ:

الكل باطل

والكل قاتل

والكل في بئر الخيانة والرذائل

ومع ذلك لم يستسلم الشاعر للحزن, ولم يتسرب إلي نفسه اليأس, فهو يري أن الأمل معقود بالأطفال الذين يجابهون العدو الغاشم بحجارتهم, وبعزيمتهم تتحقق من جديد أمجاد أسلافنا الأبطال العظام:

الكل راحل

والصبح داخل

بدم الشهيد يسيل ما بين المداخل

وبقلبه المحروق في لهب القنابل

وبصدره المخروق من رشاش سافل

الليل زائل

بدم الثكالي والأرامل

من حفنة الأحجار تقذفها الأنامل

هذا ما كتبته من عامين أو يزيد عن هذه القصيدة التي وضعت الكبار والقادة العرب المفرطين المتقاعدين في قفص *التجريم*, وأشهد أنها من أقوي قصائد الإدانة *في الشعر العربي* فلم يعد لهؤلاء إلا الخطب والتصريحات, والشجب في المحافل.

ويقابل ذلك *صمت الجحافل والقنابل*, ومن ثم تأتي صرخة الشاعر منتوجا طبيعيا لانفعاله بهذه الحال المنكودة, وهو يخاطب بها العروبة وفلسطين والقدس:

لا تنكري جبن المقاتل

فالجبن قاتل

والقتل هائل

والهول حائل

والكل باطل

لا تسمعي قولا لعاهل

فدماؤهم ثلج, ونخوتهم دخائل

وسلاحهم شجب, وثورتهم تخاذل

لا تسمعي قولا لقائل

فالقول قاتل

ومن فضول القول أن نذكر القارئ بأن *القدس* كانت وما زالت هي قطب الرحي في *فلسطينيات* الشعراء: شيبهم وكهولهم وشبابهم, وأعني القدس بمفهومها الواسع الممتد, القدس التي تحتضن المسجد الأقصي, أرض المسري والنبوات, والجهاد والسلام, نذكر في هذه السياقة ميمية شوقي التي يقول فيها:

أسري بك الله ليلا إذ ملائكه

والرسل في المسجد الأقصي علي قدم

ومن قصيدة يوسف العظم:

يا قدس يا محراب يا مسجد

يا درة الأكوان , يا فرقد

تبارك القدس وما حولها

وصخرة القدس بنا تهتف

ومن قصيدة لمحمود مفلح:

يا قدس يا بلد الإسراء يا لغة

كالجمر يتقنها من كابد الشجنا

ومن قصيدة الشاعر حلمي الزواتي:

يا قدس يا ألق الطفولة ناعسا

الحلم بات علي هضابك باكيا

ومن قصيدة للشاعر عمر بهاء الدين الأميري:

ما العيد والقدس في الأغلال رازحة

وفي الخليل ملمات وتشريد

وليرجع القارئ إلي ما كتبناه عن شعر الشباب, ولكل شاعر مما ذكرنا نهجه الفني في تعامله مع القدس, وهذا لا ينفي طبعا ما بين هؤلاء الشعراء من ملامح وسمات مشتركة موضوعيا وفنيا.

وفي قصيدة للشاعر عبد الله رمضان عنوانها *تصمتين*, وبعيدا عن التصريح والمباشرية, يخاطب الشاعر فلسطين, أو القدس دون إفصاح موظفا الأسلوب الدرامي الذي يمزج بين القص والوصف, ويستهل القصيدة بتكثيف رمزي لحاضرها المر الذي تعيشه:

تصمتين الآن يأسا تصمتين

بعدما صدع واديك الأنين

بعد ما عشت زمانا قاسيا

لم يزل يحبو بأثقال السنين

ليس يقوي أن يسير

دربه درب عسير

وهذا التضبيب الفني الجميل, ومنه ستر اسم المخاطب يدفع القارئ بشوق إلي مواصلة اصطحاب الشاعر الذي ارتد برؤيته الشعرية, نافذا إلي الماضي, مستخدما ومكررا القالب الحكائي الشعبي المأثور *كان يا ما كان* متحولا إلي الأسلوب الملحمي (EPIC) بلسان الراوي لمشهود معيش حيث كان نهر وشجر, وطيور ونسيم, وزهر وليمون وزيتون علي مدخل القرية في وداع الذاهبين, وانتظار العائدين.

وفي رومانسية آسرة يجعل الشاعر من القدس بنتا عربية ترتدي تاج إباء, وتعيش نقية لا ترضي بالدنية, وهي تناجي السحر, وتعانق ظلال النخيل, وتحتضن الغزلان التي تأوي إليها, وبابتسامة الرضا تحيي الكون والشمس والزهر.

ثم نزلت عليها, وركضت حول حماها عصبة الشيطان, فسلبت طهرها, وعر ت ظهرها, فما كان منها إلا أن:

صرخت في كل واد ربما

هب للنجدة من يحمي الحمى

قاومت واستأسدت في خدرها

عادت الصرخة تشكو الصمما

وتلاشت في السكون

ومتاهات السنين

تصمتين الآن يأسا تصمتين

بعد ما صدع واديك الأنين

تصمتين..

بهذا انتهت هذه القصيدة *المقدسية* بضبابها, وعبيرها الغامض, وهي من جيد شعر الشاعر.

وقد يأخذ عليه بعضهم أنه أنهاها بخاتمة سوداوية, خلت من الاستشراف الآمل, ولكنه في نظري نقد في غير محله لأن الشاعر في رؤيته الفنية كان صادقا مع نفسه, صادقا مع واقع الأرض والأمة, بعيدا عن التسجيلية التقريرية, وكلها نقاط تحسب للشاعر في ميزان الفن.

فالخاتمة وهي آخر ما يرسب في نفس المتلقي لكي تؤدي وظيفتها الموضوعية والفنية, يجب أن تكون بريئة من الافتعال والقلق, أي تكون نهاية طبيعية للاسترسال الشعوري في تجربة شعرية ناضجة, وبهذا المنطق الفني يستوي أن تكون خاتمة القصيدة سوداوية حزينة, أو استشرافية مبتسمة, وهذا التفريق يضع أيدينا أيضا علي حقيقة نقدية أخري, مؤداها أنه لا تلازم بين السوداوية والانهزامية.

هذا وللشاعر في قصائد أخري خواتيم تتدفق بالتطلع الآمل, منها خاتمة قصيدته *رسالة إلي العيون الجريحة* وفيها يقول:

أيتها العيون

لا تغلقي الجفون

وغلبي اليقين

مازال في الحياة مؤمنون

وسوف يظهرون بعد حين

عما قريب...

سوف يظهرون

وقصيدة *رسالة إلي العيون الجريحة* تدور في فلك القصيدة السابقة *تصمتين*, وفيها جسد الشاعر معاناة الأمة أمام سيول الدم, ومواكب الشهداء, والضحايا, والفقراء, ولكن يستبد بها الشوق والحنين لعيش شريف, وبقاء كريم, وهنا يبرز الشاعر أثر العامل الروحي في إحياء مواتها, ومد خلودها, وتثبيت أقدامها:

وتحرثين كبد السماء بالدعاء

ليذهب البلاء

لتمطر السماء

فينزل الماء الذي يثبت الأقدام والإباء

ويغسل القلوب والعقول والعيون

ولكنها مازالت تتطلع للأفق البعيد أملا في تحقيق الخلاص والحرية *بالخيل العاديات .. في الصبح أو في الليل .. وحامل اللواء .. والقائد المقدام في أوائل الصفوف*.

وتفيق هذه الأمة من حلمها المستغرق علي صوت الحجر يصارع الصاروخ والقنابل, وهذه الآليات الضعيفة البريئة تقف في مواجهة جيش عدواني غاشم:

وقائد أصابه السعار

يخلف الخراب والدمار

ويقتل الكبار

ويأكل الصغار

ويشرب الدماء والأنهار

وشرب *شارون* وعصابته الدماء والأنهار يكاد يكون حقيقة لا يعروها خيال, فالصهاينة منهومون دائما بإراقة دماء الأطفال, وهم *يسحبون* بتقنية حديثة مياه الآبار الفلسطينية, ويتطلعون دائما إلي مياه الأنهار السورية واللبنانية والأردنية, بل إنهم سرقوا التربة اللبنانية, فقبل انسحابهم من جنوب لبنان جرفوا التربة الخصبة السوداء, وشحنوها في عشرات من اللوريات إلي إسرائيل, ليفرشوا بها تربة الأرض التي احتلوها, فتكون أكثر خصوبة.

وهذه الصورة القريبة من الواقع تقودنا إلي حكم نقدي صحيح مؤداه أن تفوق الصورة لا يعتمد علي الإبعاد في الخيال, بقدر اعتماده علي الصدق الفني, وخلق الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر دون تزييف, ولعل أشهر مثال لمصداقية هذا الحكم النقدي قول *ذي الر مة*:

عشية مالي حيلة غير أنني

بلقط الحصى والخط في الترب مولع

أخط وأمحو الخط ثم أعيده

بكفي والغربان في الدار وقع

ويقدم الشاعر صورة إبداعية مبتكرة للكبار والقادة *الكلاميين* المثبطين الذين جنوا علي القضية جناية فادحة, ومنهم قادة وزعماء, وعلماء أو متعالمون يؤدون دورهم الخياني المرسوم لهم في مسرحهم الملعون, فهم شاجبون, منكرون, لكنهم قاعدون:

ولا يقدمون أو يؤخرون

بل يؤخرون

والمسرح الملعون ملعون وإن صلي وصام

المسرح الملعون ملعون إلي يوم القيام

ولكن الشاعر كما أشرت آنفا لم يستسلم لليأس والقنوط, فما زال يعقد الأمل في الخلاص علي أيدي المؤمنين بالله والحق والحرية, وقد يحاول الطغاة, والمتاجرون بالقضية إغفال هؤلاء, وسحب الأضواء بعيدا عنهم, ولكن هذا لا يلغي وجودهم, ويظل الشاعر مسكونا بيقين راسخ بأنه:

ما زال في الحياة مؤمنون

وسوف يظهرون بعد حين

عما قريب..

سوف يظهرون

ولا يرقي إلي هذا المستوي قصيدة للشاعر بعنوان *هي القدس* تبدو فيها رؤية الشاعر مسطحة ضيقة, وكأنه حريص علي الرصد الحسابي لمسميات حسية متعددة, لا تربط بينها وشيجة شعورية, فالقدس زقزقة طير, وليل, ونجم, وبدر, وبحر, وورد, وفل, وزنبقات, وياسمين. كما نري في مطلع القصيدة:

هي القدس تسبيحة في السحر

وزقزقة الطير فوق الشجر

هي الليل يعشقه السامرون

ونجم رشيق يحب السهر

هي البدر يحرسه العاشقون

ويرعاه بالفكر من يد كر

والإغراق في هذا التشكيل الحسي كان علي حساب العبق الروحي, والأصالة الدينية والتاريخية التي تتمتع بها القدس, وهو ما يشد المسلمين, ويستغرق مشاعرهم, وحتي لو غضضنا النظر عن هذا الجانب الروحي الذي يمثل نخاع شخصية القدس, وحاسبنا الشاعر بالمعيار الحسي البحت, فقدنا في جزئيات الصورة ما يشي بجدارتها موضوعيا وفنيا للقدس علي سبيل الحسم, وذلك لانعدام *الخصوصية* فيها, مما يجعل المعروض عاما يصدق علي أية مدينة في الشرق وفي الغرب.

وغير ذلك نري التنافر واضحا بين واقع القدس, وأغلب هذه الصور الجزئية المتلاحقة, فالبيتان الثاني والثالث قد يصلحان للحديث عن بادية بني عامر حيث العشق والحب العذري والسامريون, والعاشقون, لا القدس أرض المسرى والجهاد والصلاة, والدم والدموع.

وحاول الشاعر في الأبيات الخمسة الأخيرة أن يسخر من الحكام والقادة الأدعياء الذين يدعي كل منهم أنه *صلاح الدين* في عصرنا هذا, وأنه علي يديه سيكون تخليص فلسطين, فإذا به *صلاح* عابث مستكين, فرط في الدين والأرض:

وباع الجواد الأصيل المغير

بسوق الحمير لكي يستقر

وهي سخرية ساذجة يتلقاها القارئ خارج الشعور, دون أن تثير فيه خالجة واحدة, وزيادة علي غثاثة الصور, يواجهنا هبوط الصياغة, وتعسف الأداء لتستقيم له القافية, وكذلك التزيد الذي يعد حشوا مثل إيراده *كل الزهر* بعد ذكر الورد والفل والياسمين والزنبقات, كما تقترب الصياغة من لغة الحديث العادي الدارج في البيت التالي:

ويبحث عما يسد البطون

وعما يسد الأمور الأخر

ولعل الشاعر يوافقني علي أن شاعريته أعلي من مستوي هذه المنظومة, وهي من الشعر الخليلي علي بحر المتقارب, ومن السهل أن نخلص إلي أن الشاعر في شعر التفعيلة, أبرع منه في الشعر الخليلي *ذي الشطرين* بكثير.

ونختم هذه الدراسة الموجزة عن *فلسطينيات* عبد الله رمضان بالحديث عن موقف الشاعر من التراث العربي والإسلامي, ومنهجه الفني في توظيف هذا التراث, وابتداء نلاحظ ندرة توظيف التراث اللغوي, فقول شاعرنا:

لا تنكري عطل الجيوش من القنابل

اقتباس واضح من قول الشاعر العربي القديم:

لا تنكري عطل الكريم من الغني

فالسيل حرب للمكان العالي

ولكنه يكثر من توظيف الأحداث والشخصيات لتعضيد المضمون الفكري, وإثراء أبعاد القضية, واستثارة مشاعر المتلقي, فهو له ارتباط بهذا التراث المستدعى علي نحو من الأنحاء, وعلي اختلاف درجة التأثر.

وفي هذا المجال نري الشاعر يلجأ إلي التلبيس أو الصهر التراثي المركز للوقائع والشخصيات, وإلغاء الحدود والفضاءات الزمانية, مع التنويع المكاني, كما نري في قوله من قصيدته *الكل باطل*:

يا قدس يا تاج الأوائل

هذا صلاح الدين من بوابة الأسباط داخل

وأبو عبيدة خلفه الآلاف في نابلس نازل

هذا هو القسام تسبقه الزلازل

فهؤلاء القادة الثلاثة الذين يفصل بين الواحد منهم والآخر أكثر من خمسة قرون يجمعهم وحدة العمل والوسيلة وهي الجهاد, ووحدة الهدف, وهو تحرير أرض العروبة والإسلام, وخصوصا القدس, ومن ثم كان التحديد الزمني هنا لا مبرر ولا قيمة له, وهذا الدمج التراثي بمفرداته المتواترة المتلاحقة يكرس التأثير في اللاحقين في قوة وديمومة, كما يظهر من قول الشاعر بعد ذلك مباشرة:

تتجسد الآمال في طفل مقاتل

تتعانق الأحلام في بنت تنازل

تتداخل الأيام في حجر مناضل

ومن هذا القبيل: التلبيس والدمج بين *نقفور* ملك الروم في عهد هارون الرشيد, والرئيس الأمريكي *بوش* مع استدعاء الطوابع النازية والفاشية. يقول الشاعر:

نقفور كلب الروم ينبح

نقفور كلب الروم يذبح

وكلابه البوشية العمياء تمدح

نقفور يشرب من دمانا

نقفور يسبح

وكلابه البوشية الفاشية النازية الرعناء تسرح

وفي فلسطينيات الشاعر نراه يستدعي شخصيتين في قصائد كاملة, شخصيتين كان لهما التأثير الكبير في مسيرة التاريخ العربي والإسلامي, ولا خلاف عليهما:

الأول: هو المعتصم: رمز النجدة والإنقاذ.

والثاني: صلاح الدين الأيوبي رمز التحرير والتخليص.

فالأول هو صاحب الصيحة المشهورة *لبيك لبيك أمة الله*, حينما صرخت بعد أن لطمها ملك الروم *وامعتصماه*.

والثاني: هو صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس بعد أن هزم الصليبيين هزيمة نكراء في معركة *حطين*.

ويتعامل الشاعر مع هاتين الشخصيتين بطريقة *الثنائية الضدية الكاملة*, فصلاح الدين *صلاحان* يقفان علي طرفي نقيض: صلاح الدين التاريخي *المستدعى*, وصلاح الدين الحاضر المدعي, الأول هو الأصيل بصفاته المعروفة علي مدي التاريخ, وهي الصفات التي أهلته للقيادة, وقادته إلي تحقيق النصر, والثاني هو الزعيم الدعي, الذي يدعي, ويدعي حواريوه أنه صلاح الدين الجديد, الذي سيحرر القدس, ويحقق النصر, وعنه يقول الشاعر:

طلبنا صلاحا من الصالحين

فخاب الرجاء وضاع العمر

صلاح بأوطاننا مستكين

ينام مع الجند وقت السحر

صلاح يقهقه والغاصبون

يحيطون مسجده بالشرر

وباع الجواد الأصيل المغير

بسوق الحمير لكي يستقر

وكذلك يواجهنا الشاعر بالمعتصم الحقيقي تستنجد به النساء المسلمات:

يا معتصم

ما عاد ثم سوي الدماء

تروي تراب الأنبياء

أفما رأيت?!

أشلاؤنا في كل شارع

في كل جامع

في كل بيت

تتناثر الأشلاء والأشياء والأسماء

وبعدها في قصيدة *رسالة ثانية إلي المعتصم* يوجه الشاعر خطابه إلي معتصم حاضرنا المهزوم, الزعيم المسخ الذي يوهم نفسه, ويوهمه حواريوه أنه معتصم العصر الذي سينتصر لأعراضنا المنتهكة, وكرامتنا المهدرة, فإذا به يعيش الرفاهية والملاذ الحرام, ولا يبالي, فيصرخ فيه الشاعر:

يا معتصم ...

إن كنت تشرب في كئوس من ذهب

ماء نمير

فجماجم الأطفال كاسات بها دمنا الطهور

إن كنت تأكل لحم طير أو بعير

فلحومنا فوق القدور

إن كنت ترفل في الحرير

فكساؤنا نار تمور

وفي تضاعيف الرسالتين اللتين وجههما الشاعر إلي المعتصم نلتقي صورا تراثية جزئية, وإشارات إلي وقائع تاريخية في بعضها تفصيل, وفي كل أولئك نلمح بصمات للشاعر *أمل دنقل*, ولكن هذه البصمات لا تسلب

شاعرنا أصالته, وشخصيته الفنية . وفقه الله

المصدر: [رابطة أدباء الشام]