عزائي في بنت الإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عزائي في بنت الإسلام

أ.د/جابر قميحة

شعرت ــ والله ــ بالأسى لوفاة سليلة البيت المسلم ، وربة البيت المسلم السيدة المصون زوجة أستاذي محمود الجميعي ، هذه العظيمة التى آمنت بالله حق إيمانه ، وتحلت بالصبر في غياب زوجها على مدى عشر سنوات وراء الأسوار الغاشمة . وما كان صبرها إلا استجابة لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران (200) .

وقوله تعالى : ( ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة 155 ــ 157 .

وكأنما صدق عليك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خير ما يكنزه الرجل المرأة الصالحة ، إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته )[ رواه أحمد . (

كما أني أرثيك اعترافا بفضل زوجك الحبيب المجاهد في الله : محمود الجميعي ، الذي قلت ومازلت أقول فيه ، اعترافا بأستاذيته لي :

الأخ الحاج محمود إبراهيم الجميعي علم من أعلام الإخوان في المطرية دقهلية ، وهو داعية بسلوكه وخلقه ، قبل أن يكون داعية بالمواعظ ، والكلمات ، كان يعمل تاجرًا في الأدوات المنزلية ، وله دكان قبالة دكان البقالة الكبير الذي يملكه والده ، فقد كان من أكبر تجار المطرية.

كنا قرابة ثمانية طلاب من إخوان المنزلة ، في مدرسة أحمد ماهر الثانوية بالمطرية، وبعد انتهاء اليوم الدراسي من كل خميس نذهب إلى دكان الأخ محمود، ونمكث ساعة في لقاء إيماني مثمر، وكان هادئ الصوت، كأن حديثَه همس، ولكن إذا جالسته تحس أنه قد ملأ قلبك بحلاوة الإيمان، ونور اليقين .

كما أنه يؤكد مقولاته بوقائع من الحياة رآها أو عاشها، مثال ذلك وهويتحدث عن قوله ـ تعالى ـ على لسان إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء: 80) قال : عرضت أبي على طبيب مشهور في القاهرة، وبعد فحصه، وكتابة تذكرة الدواء (الروشتة) قال الطبيب: والدك لازم يغير جو.. خذه لحديقة الحيوان.. امش معه في شوارع القاهرة .

قال الأخ محمود: وكان يوم الثلاثاء، فصحبته إلى المركز العام ؛ ليحضر حديث الثلاثاء . وكانت أول مرة يستمع فيها للإمام الشهيد. وبعدها دار بيننا الحوار الآتي :

ـ إن شاء الله غدا سأصحبك ـ يا والدي العزيز ـ إلى حديقة الحيوان . وبعدها أصحبك إلى الأهرام.

ـ لا يا ولدي.. خلاص أنا الوقتي كويس جدًّا.. الشيخ حسن البنا شبَّعني ، والحمد لله.

وكنا ـ نحن طلبة المنزلة ـ حريصين كل الحرص على حضور جلسة الخميس ، ففي كل جلسة نشعر بأننا شحنا بشحنة إيمانية جديدة .

لقد مضى أكثر من نصف قرن على هذه الجلسات ، ومع ذلك ما زال في حافظتي كثير من كلماته كأني اسمعها هذه الساعة . ومنها:

ـ يا إخوان نحن بالدعوة كل شيء ، ومن غير الدعوة لا شيء .

ـ حتى نؤمن بقيمة جماعة الإخوان علينا ألا نبحث عما قدمه الإخوان للمجتمع المصري، فهو يمكن حصره وعدّه ، ولكن علينا أن نتصور مصر " بلا إخوان " ... في هذه الحال ستكون مصر " مكشوفة " من غير حصن ، ستكون مرعى لجماعات التبشير ، والإلحاد ، والإباحية .

- الذين يكرهوننا تجدهم في أعماقهم يقدروننا. وقد سعدت بالأمس عندما سمعت واحدًا من عامة الناس يقول لصاحبه " لقد تعاملت مع فلان وزملائه في الشركة، فوجدتهم متعاونين متحابين زي الإخوان المسلمين " .

ـ علينا أن نتعلم التواضع من الإمام حسن البنا : إذا زار إحدى شُعَب البلاد النائية، عرض عليه كل واحد من أعيان البلد أن يبيت في منزله، فيرد الدعوة في أدب ، ويؤثر أن يبيت في الشعبة كأحد الإخوان .

وكان في تعامله مع الآخرين يصدق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" . فما رأيته جادل بائعًا في السعر الذي يطلبه، ولا يخاطب البائع إلا بـ " يا عمي ". بل إن بعضهم ـ كباعة الفاكهة ، والسمك ، والطيور ـ كان يخفض له السعر بعد أن يحدده ، ويعلنه به ، وذلك لذوقه وإنسانيته ، كما سمعت من أحد باعة الفاكهة .

وفي سنة 1965م حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة الاشتراك مع مجموعة لقلب نظام الحكم، وقضى مدة الحكم صابرًا، شاكرًا مستسلمًا لقضاء الله. يرحمه الله .

وما أراك يا سليلة البيت المسلم ، وربة البيت المسلم إلا والسعادة تغمر روحك المنطلقة إلى جوار الله ، وأنت تلتقين بزوجك الحبيب ، وندعو الله أن ينزلكما منزل صدق مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء وحسن أولئك رفيقا

المصدر:رابطة أدباء الشام