فلسطين في القصة الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فلسطين في القصة الإسلامية

إذا كانت قضيةفلسطين قد أخذت حيزا واسعا في الشعر الإسلامي المعاصر الذي تابع أحداثها وصور مأساتها ودعا إلى الجهاد وحرض على الاستشهاد دونها بحيث اصبح ما قيل يشكل مجاميع كبيرة رصدت واقع المأساة والمستجدات والمتغيرات أولا بأول فان ذلك يعود إلى طبيعة الشعر فنا ينطلق بعفوية بعد أن تقذف به القريحة التي تتعرض للمحرضات المستمرة والدافعة إلى القول وهذا يختلف عن طبيعة الفن القصصي الذي يحتاج إلى شيء من الروية والمعالجة ولا يمكن في اكثر الأحوال أن يكون استجابة آنية تستطيع مواكبة الشعر إلا أن هذا لا يعني أن هذا الفن قد قصر ولكن طبيعته – كما أسلفنا – تأبى الانقياد للتحريض المباشر ولذا أصبحت الأولوية في ساحة القول للشعر وحده ؟!

ولكن هل قصرت القصة الإسلامية بأنواعها في تصوير الواقع ومتابعة الحدث والدعوة إلى المواجهة ؟؟

لقد استطاعت القصة الإسلامية أن تضع القضية في إطارها التاريخي الواسع بدءا بالمواجهة مع اليهود في أول الدعوة الإسلامية وانتهاء بالمواجهة التي تجري اليوم على أرض الإسراء وموطن الأنبياء مع رؤية مستقبلية لما سيؤول إليه الصراع و تسجيل لما عليه المقاومة في هذا الظرف العصيب فنحن – وكما هو معلوم – لا نواجه قوما لا نعرفهم أو ليس بيننا وبينهم عداء تاريخي عقدي ! إن رواية ( نور الله ) ل نجيب الكيلاني تصور الصراع الدامي الذي خاضته الدعوة الإسلامية إبان ظهورها ببساطتها وسماحتها وقوة بيانها في مواجهة اليهودية بدهائها وتاريخها ممثلة في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب يعضدهم فريق من المشركين وفريق من المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي والرواية كذلك تشير إلى سماحة الإسلام مع خصومه وتنتهي بفتح مكة إذ خضعت رؤوس العناد فيها أمام رسول الله الذي توجه إليهم قائلا : اذهبوا فانتم الطلقاء !!

وأما عبد الحميد جودة السحار فقد رجع إلى ابعد من ذلك كما في مجموعته (قصص من الكتب المقدسة ) فتحدث في أقصوصة ( أستير ) عن استخدام اليهود للمرأة كي يصلوا الى غاياتهم وفي ( سالومي ) عن دورها في تنفيذ العدوان على حياة الأنبياء ؟! (1) وليس ذلك غريبا عنهم فقد حاولت المرأة اليهودية قتل النبي صلى الله عليه وسلم بوضع السم له في شاة قدمتها له ؟!

وفي ( دم لفطير صهيون ) ل نجيب الكيلاني تتوضح جرائم اليهود بحق الإنسانية وهي الجرائم التي واكبت التاريخ فلم تتوقف في أي فترة من فتراته ولعل كتاب ( اليهود وذبائحهم من بني الإنسان) الذي استعرض هذه الجرائم تاريخيا يبقى وثيقة إدانة لا تستطيع يهود التنصل منها أو إنكارها وهي ثابتة تاريخيا منتشرة في أصقاع الأرض حيثما حل اليهود و أقاموا ، وعنها يقول الدكتور نجيب الكيلاني في كتابه ( تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية ) (2) القصة الوثائقية لون خاص من الفن القصصي إذ أنها تعتمد أساسا على وثائق مثبتة والوقائع في حد ذاتها مادة تكاد تكون علمية وجافة على الرغم من أنها ربما تكون مثيرة ومؤثرة لكنها تفتقر بالتأكيد إلى عناصر القصة الفنية ويضيف : كنت مؤمنا أن حربنا مع اليهود حرب دامية طويلة و أنها متنوعة الأسلحة ومن الأسلحة الفعالة في هذا العصر: القصة و الأدب بل الفن بصفة خاصة ولا شك أن القارئ سيشعر عقب قراءة القصة بالسخط والكراهية والغضب لما يفعله اليهود بغيرهم

وملخصها : أن مجموعة من اليهود اقدموا على ذبح القسيس البادري توما مع خادمه إبراهيم عمار للحصول على دم مسيحي لاستعماله في الفطير المقدس الذي يعده اليهود في أعيادهم.

والقصة تصور الحقد اليهودي متمثلا في أشخاص الحاخامات الذين اشرفوا مباشرة على الذبح وتمت العملية بإشرافهم وتخطيطهم كما تتحدث عن انكشاف أمرهم ودخولهم السجن إبان حكم محمد علي باشا لمصر وسيطرته على الشام ، كما تتحدث عن التدخل اليهودي العالمي لستر هذه الفضيحة التي اطلعت عليها قناصل الدول في دمشق .

وتخطو بنا القصة الإسلامية سنوات فنقف في ( مشرد بلا خطيئة ) للدكتور محمد عبده يماني مع أسرة فلسطينية تسكن في عين كارم تجاورها أسرة يهودية مهاجرة هي أسرة حاييم التي لم تظهر أي عداء حتى إذا وقعت نكبة /1948 م /انكشفت خفايا ( حاييم ) الذي لم يكن اقل عداوة من رجال العصابات فقضى أبو إبراهيم ورحلت أسرته إلى القدس ثم إلى عمان وامتدت يد حاييم لتنهب كل ما تركه الجار النازح ….

ويكبر إبراهيم وتشاء الأقدار أن يقع يوري ابن حاييم في الأسر بعد معركة الكرامة ويستدل على إبراهيم بواسطة وشم في يده ويحاول أن يستعطفه مذكرا بماضي الطفولة ويقترب منه وهو يستل سكينا يخبئها تحت إبطه ليطعن بها إبراهيم الذي عاجله بطلقات ترديه قتيلا ولم يستطع الغدر اليهودي الذي استغل التسامح العربي أن ينجح في هذه المرة ؟!

وتلاحق القصة الإسلامية شتى المنحنيات التي تمر بها القضية الفلسطينية ففي أقصوصة ( الأرض ) 3) لمحمود مفلح من مجموعته ( القارب ) تصوير لإصرار الفلسطينيين على تحرير الأرض ولو بشكل فردي مهما كلف ذلك من تضحيات . وتوضح أقصوصة ( الفستان والرصاص ) (4)هذا التوجه إذ ينخرط الكبار والصغار والرجال والنساء في المقاومة ويجدون أنها الطريق الصحيح الذي يقود إلى التحرير مع عظم التضحيات وشدة المعاناة فهذا مجاهد فلسطيني تتحرك عاطفة الأبوة في حناياه ويحلم أن يتيسر له شراء ثوب جديد لابنته ويتحقق الحلم ويعود إليها فرحا ولكن فرحته تكبر اكثر حين يفاجأ بأنها انخرطت مع خالها في العمل الجهادي وأصبحت تحمل مسدسا تدفع فيه عن نفسها لترد عنها وعن قومها أنياب الذئاب البشرية المتربصة الشرهة إلى القتل والدماء وينقل محمد جاد البنا في أقصوصة أخرى عنوانها ( المخيم والبحر ) (5) صورة أخرى فيحدثنا عن الشيخ أمين الذي يعيش في مدينته الساحلية ويهاجم مع عدد من شباب المدينة قوات الاحتلال الأمر الذي اذهل المعتدين ولم يستطيعوا أن يعرفوا الذي يكيل لهم الصاع صاعين ولكن استشهاد الشيخ مع مجموعة من شباب المدينة يكشف السر الذي طالما أعيا المحتلين وفي نفس الاتجاه ينقل محمد السيد في أقصوصة (العودة )(6) من مجموعته ( شاطئ الرؤى الخضر ) معاناة مهاجر فلسطيني ترك أبناءه وزوجه وذهب ليعمل مع ابنه الأكبر في بيروت وفي أثناء العودة وعند أحد الحواجز تمتد يد الإجرام فتنهب ما كسبه الأب وتقتل ابنه فلا يجد الأب المفجوع بدا من العودة إلى الثأر بعد أن وصل إلى مشارف قريته .

ويكاد القاص الفلسطيني محمد السيد لا يترك شريحة من شرائح المجتمع الفلسطيني إلا ويصور بطولاتها ومقاومتها ومعاناتها ففي ( خط اللقاء )(7) يلتقي مع العامل العربي الذي يعمل في مصفاة حيفا في مرحلة من مراحل الصراع العربي اليهودي على أرض فلسطين وفي أقصوصة ( العملاق ) (8) يتحدث عن بطولة طفل فلسطيني استطاع أن ينقذ رجلا بعد مذبح قام بها اليهود معرضا حياته للخطر

و كأنه يستشف أستار المستقبل في دور يقوم به أطفال فلسطين وفتيانها ؟!! وأما أقصوصة ( رحلة مع الموت ) (9) فتصور الشوق إلى الوطن بعد أن طال الانتظار وكيف أن هذا الشوق يدفع بصاحبه إلى الموت أحيانا وهذا ما حدث لفلسطيني يعيش في قرية قريبة من حدود فلسطين المحتلة يهيئ نفسه للعودة لكن أمله يخيب فتقتاده دورية إسرائيلية . ومع وجود كل هذه البطولات والتضحيات والمعاناة فإن (أبو كليب ) (10) يمثل نموذجا للمتساقطين الذين لا يكاد يخلو منهم مجتمع يكشفون ستر قومهم و يكونون عينا للعدو طمعا في مال أو جاه أو ضنا بأنفسهم عن مواطن الفداء وظنا أن العدو الذي سيطر ببطشه يحميهم فيرتبط بقاؤهم ببقائه ولكن ( أبو كليب ) الذي خان قومه وأصبح جاسوسا عليهم يكون أول المتضررين حيث يهجم جنود العدو على قريته فيقتلون ابنه ؟

ومع تدفق الدماء واشتداد عود الانتفاضة كانت القصة الإسلامية تواكب الأحداث حتى كأنه أصبح لكل حدث قصة أو قصص فقد كتب عبد الله الطنطاوي عشر قصص في عشرة كتب يرويها عن ألسنة الذين شاهدوها (11) فكان منها ( منصور لم يمت – القدس لا تؤمن بالدموع –السياج – ذبيح القدس – رحلة إلى جبل النار – وغيرها )

وهذه القصص كما يقول الناقد محمد حسن بريغش ليست خيالا من خيالات الأدباء وإنما هي تسجيل بالكلمة الأدبية المبدعة لوقائع الجهاد المشرف لأطفال الحجارة ولهذا نرى أسماء المدن والقرى و الأحياء والمستوطنات و أسماء العرب واليهود تتكرر فيها وتعطيها البعد الإنساني الراسخ المرتبط بالأرض المقدسة الذي استعصى رغم تآمر العالم مع اليهود على التغيير وفقدان أصالته وحقيقته ولون أرضه ورائحة زيتونه وليمونه وبرتقاله و قداسته و أنها تحي في نفوس الشباب الذكريات الماجدة وتثبت في ذاكرتهم هذه الأسماء لمدنهم وقراهم وأحيائهم وأبطالهم وأعدائهم حتى لا تمحى بفعل التضليل والتزوير والإلهاء لقد أصبح أطفال الحجارة عنوانا لجهاد أبناء فلسطين وجيل المستقبل ضد الاحتلال اليهودي وتأتي مجموعة ( عندما تتكلم الدماء ) (12) وكأنها تسجيل آني لما يجري على أرض فلسطين من وقائع الجهاد في الأرض المباركة وكانت عناوين أقاصيصها تحمل إيحاءات ودلالات على الوقائع التي تحملها الأحداث من مثل : لن يعيشوا بسلام – حيث يقف الشاب حمدان وهو ينتظر إلى شذاذ الآفاق القادمين إلى الأرض المحتلة وهو يضغط على أسنانه ويضم كفيه بعصبية : يسرقون أرضنا ويستبيحون قريتنا ونقف هكذا نتفرج ؟!

يجب أن نفعل شيئا .. يجب أن نتحرك ، وأقصوصة ( لا يقهرون )( 13) وهي تصور بطولات الشباب المجاهد الذي يزرع الخوف في قلوب المعتدين و( الهدية ) (14) تتحدث عن مشاعر سجين مجاهد وأما ( عذاب وعذاب ) (15) فتلتقي مع أقصوصة محمد السيد المسماة ( أبو كليب ) في تصويرها لنهاية أحد المتعاملين مع العدو في كشف خطط المجاهدين والدلالة عليهم فينتهي كالخرقة البالية بعد أن نبذه اليهود وتبرأ منه أبناء جلدته .. وهكذا تتوالى أقاصيص هذه المجموعة كل أقصوصة تصور حدثا : مأساة في منتصف الليل – المهندس يحيى عياش – قتلوا الرضيع –أقسى من الحجر – مسح العار –رد الكتائب ) حتى ليخال قارئ هذه المجموعة حين تقع عيناه على عناوين أقاصيصها أنه يعرف هذه الوقائع لأنه رأى مثلها أو سمع عنها و إذا هي بطولات جديدة فلكل بطولة لون ولكل تضحية طعم وقد برز فيها جانب التمسك بالعقيدة وحب الجهاد ومعاني الفضيلة والبذل والإيثار والترابط والأخوة والإقدام والثبات والعزيمة والإصرار على مواصلة الجهاد ورفض كل أنواع الاستسلام (16) .

ويسابق فوزي صالح في روايته ( كنوز قارون ) الزمن ليثبت للذين يظنون خيرا بيهود أنهم مخطئون فيمزج الواقع بالتاريخ ويوظفه ليبين مدى عداء اليهود وخستهم وانهم لا عهد لهم ولا ذمة وان مستقبل معاهدات السلام معهم هو النقض وعدم الوفاء لأنهم نشؤوا على الغدر وقد سبرت الرواية أغوار المستقبل بما يحمله من صراع فكري وسياسي واجتماعي من خلال رؤية صادقة تعتمد على حقائق العلم وثوابت الحياة وتجارب التاريخ .. ومما يحمد للفن القصي – أنه عاش مع القضية ولم يتعاطف معها فقد فهو يسير مع مواكب شهدائها ويتلون بدماء ضحاياها .

وقد شارك غيره من فنون الأدب فظهرت روايات وقصص اقتصرت في معالجتها على القضية الفلسطينية أو أحد جوانبها وعادت بها إلى خفايا اليهود وغدرهم وحقدهم على بني الإنسان من غيرهم . وقد وجدنا هذا متمثلا في قتلهم الأنبياء كما صورته قصص ( عبد الحميد جودة السحار ) وفي عداوتهم للإسلام منذ بزوغه كما في ( نور الله ) لنجيب الكيلاني وفي خستهم ولؤمهم وتآمرهم على الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها كما أبرزته قصة مشرد بلا خطيئة لمحمد عبده يماني و (كنوز قارون ) لفوزي صالح ) وهناك عشرات الأقاصيص في عدد كبير من المجاميع القصصية عالجت جوانب معينة بقدر ما تستطيع الأقصوصة معالجته … كما وجدنا في مجموعة محمد السيد ( شاطئ الرؤى الخضر ) وقصصه في المجموعة المشتركة ( خط اللقاء ) ومحمد جاد البنا ( الفستان والرصاص ) ومحمود مفلح ( القارب ) وعبد الناصر محمد مغنم ( عندما تتكلم الدماء ) وحفلت المكتبة القصصية الإسلامية بعشرات أخر منذ أن برز الغدر الصهيوني على أرض فلسطين وحتى يومنا هذا ….

المراجع:

(1)دليل مكتبة الأسرة المسلمة ص 452 – 453

(2) تجربتي الشخصية في القصة الإسلامية ص 55 وما بعدها

(3)أقصوصة الأرض ص 35

(4) أقصوصة الفستان والرصاص صفحة 37

(5) أقصوصة المخيم والبحر ص 61

(6) أقصوصة العودة ص 25

(7) خط اللقاء ص 41

(8) العملاق ص 61

(9) رحلة مع الموت ص 85

(10) أبو كليب ص 10

(11) سلسلة أطفال الحجارة (1_10)

(12) لعبد الناصر محمد مغنم

(13) أقصوصة لا يقهرون ص 12

(14) أقصوصة الهدية ص 19

(15) أقصوصة عذاب وعذاب ص 26

(16) مجلة المجتمع الكويتية العدد 1207