في قافلة الإخوان المسلمين الجزء الرابع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قافلة الإخوان المسلمين
الجزء الرابع

بقلم:عباس السيسي

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

بين يدي القارئ الكريم الجزء الرابع من كتاب ( في قافلة الإخوان المسلمين) وهو مشهد جديد من سلسلة المؤامرات الدامية التي تلاحق جماعة الإخوان – تلك الجماعة التي تتصدي لحكم الفرد وتواجه الشيوعية وتحارب الصهيونية – وتقف أمام استغلال موارد المسلمين وإفقار بلادهم وإذلال شعوبهم وتدمير البنية الأساسية للمسلمين بتحطيم الخامة البشرية بإفساد الأخلاق بالمخدرات والإلحاد والإباحية ولصرفهم عن الانتباه واليقظة والتوعية لما يحاك لهم في الظلام .

مؤامرات مخططة مدبرة منذ قرار حل الجماعة في ديسمبر 1948 واغتيال الإمام حسن البنا مساء فبراير 1949 إلى المحنة العاتية بحادث المنشية مساء 26 أكتوبر 1954 إلى هذه المحنة في أغسطس 1965 والتي نؤرخ لبعض أحداثها في هذا الكتاب .

مؤامرات متتابعة للقضاء على فكر وحركة الإخوان بكل الوسائل الخسيسة المستوردة من خداع وتضليل وتعذيب وحشي رهيب . تنفيذا لا جاء في كتاب الحرب النفسية لصلاح نصر مدير المخابرات الحربية . الذي طبق علينا حرفيا ولم يراع فينا إلا ولا ذمة ودون اعتبار لأى قيمة إنسانية وأخلاقية أو شعور بحق المواطنة وحق القرابة التي تتميز بها أبناء الشعب المصري على مدي القرون , حتى انتاب الشعب المصري الخوف والفزع من البلاغات الكاذبة والاتهامات الباطلة كي يتشفي الناس بعضهم في بعض وتجسس الأفراد والأقارب حتى أصبحت تسمع في كل مكان من يهمس ويقول لك ( حاسب الحيطة لها ودان ) .

وأعلن جمال عبد الناصر في خطاب أذيع من موسكو ( عاصمة الاتحاد) السوفيتي ) في سبتمبر 1965 . أن حكومته قد اكتشفت للإخوان المسلمين تنظيما سريا مسلحا على مستوي الجمهورية , وأنه في هذه المرة لن يعفو ولن يصفح وقد اصدر أوامره باعتقال كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948 وقال في إحدي خطبه بعد ذلك أنه اعتقل في يوم وليلة 18 ثمانية عشر ألف من الإخوان المسلمين ملأ بهم جميع المعتقلات والسجون .

إلى جانب هذا الجو الملتهب المشحون بالغضب المحموم بالاعتقالات التي تجري في جوف الليل في كل مدينة وكل قرية وكل مؤسسة وما تتنافس فيه أجهزة الشرطة على اختلاف أشكالها من قبض واعتقال وإرهاب وتعذيب شاع أمره ليرهبوا به الشارع المصري كل هذا ما يسقط من ضحايا في حرب اليمن التي تستنزف من صبيحة كل يوم مليون جنيه من عرق الشعب المطحون . هذا مع تزايد صور الاستبداد والقمع السياسي والإسراف المبتذل خاصة في الحفلات والاستقبالات الشعبية والاحتفال السنوي ب[[ثورة 23 يوليو]] الخيالية الباهظة التكاليف .

تلك الصور التي عاشها الشعب المصري ظلت حبيسة في عقله وضميره يتململ بها ولا ينطقها إلا في نكتة ساخرة أو فكاهة مكتومة وفي سراديب المجالس الخاصة تسمع عن حكايات وأحداث تدور حول بعض الضباط الأحرار الذين زج بهم في السجون والمعتقلات فبعضهم حكم عليه بالإعدام وخفض إلى السجن المؤبد . ومنهم من أصبح صفيرا في بلاد نائية . ومنهم من صار في زوايا النسيان ومنهم من مات " واذكروا محاسن موتاكم " . وهكذا " من أعان ظالما سلط عليه وتدور الدائرة على كل بغي وتكبر " وتمضي جميع المحن على أبناء الدعوة الإسلامية ومنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب المحسنين .

وأسأل الله تعالي أن تكون هذه المحنة نهاية هذه المرحلة في طريق الدعوة الإسلامية ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوراثين ونمكن لهم في الأرض )

الفصل الأول

  • إلى السجن الحربي
  • بيان من جمال عبد الناصر من إذاعة موسكو
  • اتساع دائرة الاعتقالات
  • التعذيب
  • التحقيقات


إلى سجن القلعة

خرجنا من مبني المباحث العامة بالقاهرة بالحراسة المشددة وسارت بنا السيارة في شارع محمد على ومرت بين مسجدي الحسن والرفاعي وبدت لنا مئذنتي مسجد محمد على الكبير على سفح الجبل وتذكرت في الحال معركة المماليك الشهيرة التي غرر فيها محمد على باشا بأمراء المماليك . وصعدت بنا السيارة حيث توقفت أمام سجن القلعة الذي لم أشاهده من قبل كان ذلك يوم 27 أغسطس 1965 .

ونزل الحرس وسار من خلفنا حتي فتح بابا السجن وفوجئنا بوجوه نكرة غير عادية أعادت إلى أذهاننا تلك الأيام النحسات من محنة 1954 - فسلمنا ما معنا من أمانات النظارة والساعة والنقود حتي الدبلة الفضية – بل قل سلمنا الحقيبة بما فيها من ملابس وغيرها ثم نزلنا إلي أسفل حيث توجد الزنازين وأدخلوني زنزانة ثم أغلقوا علىّ بابها فوجئت بثلاثة من الإخوان شبه عرايا ينامون على بطونهم وظهورهم ملطخة بالدماء ورغم ما بهم من آثار التعذيب فقد استقبلوني بمشاعر الإخوة .. عرفت منهم بسرعة أنهم من الإخوة القدامي الذين سبق أن حكم عليهم عام 1954 بعشر سنوات سجن وقد أفرج عنهم منذ شهور ثم قبض عليهم منذ أيام بتهمة تكوين جهاز جديد للإخوان المسلمين .

وقدموا لى بعضا من طعام ألحوا على في أن أتناوله بسرعة حتي أقوي على تحمل مواقف التحقيق والتعذيب !! وقالوا لي حين ينادي على اسمك تسرع بخلع ملابسك ما عدا ما يستر العورة ثم تجري إلى مكاتب التحقيق ودعوا الله لي بالصبر والثبات .

وقد حاولت من جهتي أن أخفف عنهم وأطمئنهم بكلمات تعزيهم وتقويهم وقد أخبروني أن الذي يتولي التحقيق في سجن القلعة هو جهاز المباحث أى جهاز أمن الدولة . والذي يتولي التحقيق في السجن الحربي هو جهاز المباحث الجنائية العسكرية وكل جهة تستعمل أقسي أساليب التعذيب ليكون لها السبق في كشف المستور عن التنظيم ولقد تسبب هذا السباق المجنون فيي استشهاد ثلاثة من الإخوة في سجن القلعة وهم زكريا المشتولي ومحمد بدر القصبي وأحمد شعلان . وهم من الذين قضوا في السجن عشر سنوات كاملة في محنة 1954 وفيما نحن في الحديث ... إذا بالشاويش ينادي على اسمي فأسرعت أخلع ملابسي استعدادا للتحقيق والتعذيب وفتح باب الزنزانة ولما رآني الشاويش وأنا أخلع ملابسي التي لم تكن أكثر من قميص وبنطلون حتي قال لي ( إلبس يا ابن ... ) فعدت أرتديها وخرجت إلى حيث استلمت الأمانات التي كنت قد سلمتها من لحظات وخرجت في حراسة مع زميلي الأستاذ سيد أبو شلوع حيث ركبنا السيارة في طريقنا إلى المجهول !!

خرجت السيارة بقيادة رائد من قوات البوليس وجلسنا بين مجموعة مسلحة من قوات الأمن . واتجهت إلى العباسية وانتهت داخل ثكنات الجيش حيث وقفت أمام ( السجن الحربي ) السجن الرهيب باستيل جمال عبد الناصر وبسرعة عادت ذكريات سنة 1954 الأليمة التي لا تزال تجثم على أنفاسنا وتقلق مضاجعنا إنها أيام وليال سوداء قائمة في عهد وتاريخ حركة 23 يوليو المخادعة إنه السجن الحربي الذي بناه الإنجليز عام 1930 ليكون معتقلا للمذنبين من جنود الجيش البريطاني ممن يعسكرون في معسكرات العباسية حتي صدرت الأوامر للإنجليز بالتمركز في منطقة القنال وتسلم الجيش المصري هذا السجن وخصصه للمساجين العسكريين .

وفي عهد ناصر ولأول مرة في تاريخ مصر استقبل السجن الحربي بعض المعتقلين من رجال السياسة وزعماء الأحزاب وأنصارهم والشرفاء والمجاهدين من أبناء مصر .

فتحت بوابة السجن الرهيب . ودخل الضابط إلى المكاتب حيث أخذ توقيعا بتسلمينا .. ثم خرج وتسلمنا شاويش عرفنا فيما بعد أنه ( صفوت الروبي) ورأيت من شكله وملامحه أنه قريب الشبه من أحد إخواننا بالإسكندرية وهو حسين الروبي – وقد تحقق بعد ذلك أنه شقيقه , أخذنا إلى السجن الكبير وهو أكبر السجون الخمسة التي يحيط بها سور السجن الحربي وقام صفوت الروبي بكتابة البيانات واستلام الأمانات وأمر بتوزيع كل منا في زنزانة في الدور الثالث والغريب أن أحدا منا لم يمس بسوء عند استقبالنا على بوابة السجن مخالفا لما عهدناه من قبل عام 1954 حين يستقبل المعتقل بأبشع أنواع الإهانة .

كان الأخ الأستاذ محمد العزباوي الذي عرفني بنفسه خلسة حين توزيعنا على الزنازين أنه من إخوان طنطا وسبق أن حكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 1945 – وكان بجواري في الزنزانة وكم يكون لهذا التعارف في مثل هذه المواقف من اثر كبير على نفس الإنسان حين يجد من يشاركه نفس الشعور .

دخلت الزنزانة وأغلقت كما يغلق القبر وتذكرت حينئذ لحظة خروج الروح من جسم الإنسان في قوله تعالي ( لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) فالزنزانة ليس فيها سوي ( قصرية ) سوداء من الكاوتش رائحتها كريهة جدا.... تستعمل في البول وخلافه لا توجد بطانية ولا زمزميه ماء .. جلست على الأسفلت . انتظر شيئا مما ذكرت .. جاء المساء .... تشوقت إلى كوب من الشاي الساخن . ثم تشوقت إلى زجاجة كوكا كولا تروي ظمأى من حر شهر أغسطس لا شئ من ذلك ولا شربة ماء .. لا شئ من ذلك حتي في الأحلام , السجن الكبير الرهيب المكون من ثلاثة أدوار به 250 زنزانة لا تسمع فيه صوتا وتحسبه خاويا كأصحاب القبور وفي كل زنزانة يقبع إنسان يتنفس فقط فلا ماء ولا غذاء ولا كلام ينام على الإسفلت الأسود تارة على ظهره وتارة على جنبه الأيمن وأخري على الأيسر حين تصرخ عظامه من البرد والألم .

وتمضي ليلة وليلتان على هذا الحال وفي صباح اليوم الثالث تفتح الزانزنة على عسكري ومعه طبق يهم عالق من العدس ورغيف ويمضي .. وفي المساء يأتي نفس العسكري ومعه صفيحة كبيرة بها كمية من الماء يعطي كل معتقل كوبا واحدا ولا يزيد ..

ليلة ليلاء

وفي منتصف الليلة الثالثة ... سمعت أقدام الحارس بحذائه الغليظ تقترب وهي لحظات مخيفة . وفجأة فتح الزنزانة فوقفت كالعادة وأمرني بالخروج فهممت ألبس حذائي فمنعني فأدركت أنني مساق إلى مكاتب التحقيق وأسرعت أجري أمامه وهو يتابعني ضربا بالسوط حتى وصلت إلى المكاتب ثم أجلسني القرفصاء على الأرض أمام الحائط حتي يأتي دوري في التحقيق .. وفي هذا الوقت يقوم بعض الجنود بالمرور من خلفنا فيصفعوننا على أقفيتنا فتصطدم جبهتنا بالحائط .. أو يلسعوننا بالكرابيج ويستمر الحال على هذا المنوال حتي يطلب أحدنا للتحقيق ... في هذا نسمع صيحات الأخوة وهم يصرخون ويتأوهون من شدة التعذيب الواقع عليهم ويكون وقع ذلك على نفوسنا أليما شديدا وهو أمر مقصود لذاته ليوقعوا في نفوسنا الخوف والرعب .

وقبيل الفجر أعادوني إلى الزنزانة دون أن يجري معي أى تحقيق وكانت هذه الليلة مقدمة لبث الرعب في القلوب .. ذهبت إلى الزنزانة جوعان عطشان , ولم أعد أفكر في الشاي والكوكا كولا ... أريد قطرات من الماء أي ماء ! أصبحت أخشي من أن أسمع صوت حذاء الحارس وهو يقترب واستشعرت معني قوله تعالي ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) نعم أطعمهم من جوع ... ونحن لا نجد القوت ولا شربة ماء ... ونعيش في خوف ورعب حين نسمع صوت حذاء الجندي ( وآمنهم من خوف ) كم من الناس لم يفهموا معني هذه الآيات الكريمة إلا في مثل هذه المواقف .

مع شمس بدران

وفجأة وفي منتصف الليل كالمعتاد في أسلوب التحقيقات الحديثة فتحت الزنزانة وساقني العسكري ( زغلول) إلى حيث كنت بالأمس وجلست أمام الحائط وبيني وبين ألآخر مترين حتي لا يتيسر لأحدنا أن يتحدث مع جاره .. ولاحظت أن نظام الجلوس على الأرض في هذه المحنة يختلف عن نظام محنة 1954 حيث كان الأخ يظل واقفا ووجهه إلى الحائط من ساعتين إلى أربعة ساعات حتي يقع فاقد النطق مغشيا عليه ولا يمكن بعد ذلك من استجوابه والتحقيق معه ويعاد إلى زنزانته حتي يسترد وعيه .

بعد ثلاث ساعات من الحياة في هذا الجو الرهيب ... نودي على اسمي وعلي باب المكاتب قابلني أحد الضباط عرفت أن اسمه ( الرائد نور ) قال لي : أنت عباس السيسي : قلت نعم :

قال أنت رجل كبير السن وعارف قبل كده إيه اللي بيحصل وغير محتاج لحد يقولك ... فأنت ستدخل على سعادة الباشا ولما يسألك تقول له كل حاجة حتي لا يستعمل معاك وسائل التعذيب اللي أنت عارفها فكل اللي دخلوا قبلك قالوا كل شئ !!

ثم سألني هو أنت مركب طقم أسنان ( بدلة) عند إخواننا في الدول العربية – فقلت له نعم وأنا شديد الخوف من أن يأخذه مني فيكون من أنكر أنواع التعذيب على أشكال كثيرة لم يخطر على بال دخلت حجرة في نهايتها مكتب يجلس عليه ثلاثة من الضباط يتوسطهم ( شمس بدران )... أجلسوني على كرسي عجوز يترنح – سألني شمس بدران – من أى بلد أنت فقلت من مدينة رشيد قال شمس بدران يعني إنت من البلد التي كان قد هرب فيها ( يوسف طلعت ) عام 1954 فقلت إنني في هذا الوقت كنت معتقلا في السجن الحربي ! ولم أعرف عن موضوع هروبه أى شئ !!

قال شمس بدران : المهم أخبرنا عن صلتك ( بمجدي ) قلت لهم مجدي مين ؟!

قال شمس بدران: هو فيه غير مجدي عبد العزيز متولي

قلت : طبعا أنا أعرف مجدي

قال : وما هي درجة صلتك بمجدي ؟

قلت : إنه صديق وأحيانا يزورني .

قال : بس كده .

قلت : هو كده !

قالوا : وقد نظروا بعضهم إلى بعض ... يظهر إنك مش سالك !

وفجأة وجدتني مطروحا أرضا دخل بعض الجنود وقيدوني بالحبال وعلقوني بين مكتبين وانهالوا ضربا بالسياط بغيظ ووحشية دون أى سؤال . وأنا أصرخ بأعلي صوتي حتي جف حلقي وارتفعت درجة حرارتي – وجاء صفوت الروبي ومعه علبة كبريت وأخذ يشعل عود كبريت ويضعه بين أصابع قدمي ويشعل غيره وأنا أصرخ قائلا يا أفندم ربنا حرم التعذيب بالنار وجعل النار من عذاب الآخرة .

قال صفوت الروبي : ربنا يعذب بالنار في الآخرة وحنا نعذب بالنار في الدنيا !! طال التعذيب حتي تقيأت وفقدت وعيي ففكوا وثاقي وأعادوني إلى الزنزانة ..

وبعد ثلاثة أيام انتفخت قدماي وقرر الطبيب إنزالي إلى الدور الأرضي في الزنزانة رقم 4 ..

وذهبت إلى العيادة الموجودة في فناء السجن للغيار الطبي حيث أن الصديد قد انتشر في قدمي اليمني . مما اضطر إلى استعمال المقص دون استعمال أى نوع من المخدر سوي بعض الإخوة أمسكوا بي حتي يتم إزالة الصديد وحشو الجرح من أمبوبة الميكركروم .... الذي يتكرر يوميا . ويوم الجمعة الذي لا يتم فيه الغيار الطبي تشم رائحة كريهة تنذر بالخطر – كما حدث مع بعض الإخوة حيث انتشرت الديدان في الجروح بلا مبالاة من إدارة السجن .

ما زال فينا ألوف من أبي لهب . يؤذون أهل الهدي بغيا وعدوانا

وفي منتصف الليل كالمعتاد أخذت بنفس الأسلوب – لاستكمال التحقيق الذي بدأه شمس بدران الأسبوع الماضي .

سألني شمس بدران : عن صلة الحاج أحمد حسين التاجر بالمندرة بالإسكندرية – بالتنظيم ؟

أقسمت لهم أن الحاج أحمد حسين لا صلة له على الإطلاق بجماعة الإخوان ... ولكنني أتعامل معها في تجارة الألبان فقط ..

قال : ولماذا عقدتم في منزله لقاء مع مجدي والشاذلي ؟!

قلت : كنا عنده في المحل ودعانا لزيارته لأن المحل ضيق !!

فلما يئسوا مني علقوني واستأنفوا الضرب بعنف وضراوة وأنا أصرخ أيّوه أيّوه .. اسكت يا اسكندراني !! ثم وضعوا في فمي منديلا حتي لا أصرخ ولكن طقم الأسنان خرج مع المنديل فاتخذوني لعبا وهزوا ثم أخرجوني وعادوا بي إلى الزنزانة قبل طلوع الشمس وأنا لا استطيع أن أمشي على قدمي .. وأشفق العسكري رشاد مفراك علىّ فحملني حتي الزنزانة وقد رآه صفوت الروبي وهو يحملني فحكم بضربه 30 كرباجا وظل رشاد مفراك يصرخ ولا مجيب !! ومع هذا فقد كان يعاملني بشئ من الإنسانية .. وذات مساء وقد جاء بصفيحة الماء وأعطاني كوب كالمعتاد .. طلبت منه رجاء وإلحاح أن يعطيني كوب ماء زيادة حتي أغسل به طقم الأسنان – فقبل على شرط أنني لا أشربه فقبلت .

وفي منتصف الليل ذهبت كالمعتاد إلى مكاتب التحقيق وجلست أرضا ووجهي للحائط ... وأصوات المعذبين تدوي في أرجاء السجن تخلع نفوسنا وتدمي قوبنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفيما أنا أعيش في قلب هذه المشاهد الأسيفة الواجفة نطقت ببعض أبيان مما يشبه الشعر الذي أطلق عليها اسم أشعار سيسية لأنها لا عربية صحيحة ولا أمية صريحة :

أخي في الحربي .. أخي في المكاتب

ونحن حفاة والرؤوس حاسرة والبرد شديد قارص . والثياب مهلهلة .

والزبانية كأنهم رؤوس الشياطين في ليلة مظلمة .

أخي ونحن نجلس القرفصاء على الأرض من العشاء إلى الفجر لا حركة ولا صوت سوي آهات التعذيب وأنات الموت وحفيف الأشجار يسبح بالأسحار شاهد على حكومة الظلم ..

مع الأخ الكيمائي عبد المجيد الشاذلي

نودي علىّ فأسرعت إلى المكاتب ..... وبعد وجبة ساخنة من التعذيب أنزلوني في حالة من الإرهاق المميت .. وأدخلوا الأخ عبد المجيد الشاذلي محمولا على نقالة طبية وهو في حالة يرثي لها وعلامات التعذيب بادية على جسمه , وسألوني هل أنت أعطيت عبد المجيد الشاذلي ( مائة جنيه ) ؟ قلت : نعم أعطيته مائة جنيه للصرف منها على أسر الإخوة المعتقلين , قال شمس بدران أنت عارف إن كل جنيه بسنة سجن ؟ قلت لا أعرف !! فزاد ذلك من استفزازهم وركلوني بأقدامهم وقال شمس بدران الولد ده لازم يموت , وأعادوني للزنزانة مرة أخري .

واستمر الغيار على قدماي في نفس الوقت استمر التعذيب فعجبت كيف يتفق هذا العلاج مع وقوع التعذيب على نفس الجروح فقيل إننا نعالج حتي يمكن متابعة التعذيب من جديد .. وقرأت قول الله تعالي ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) .

الجلد هو الطبقة المتمددة التي تحمي الأنسجة الداخلية وتحافظ على السوائل الحيوية داخل الجسم وتمتلك الطبقة الداخلية قدرة دفاعية هائلة ولكل منطقة من مناطق الجسم نوع معين من الجلد يختلف في مواصفاته عن الآخر ليتلاءم مع وظيفة تلك المنطقة والجلد له وظائف عدة فهو جهاز هام لتنظيم الحرارة بما تحتويه من غدد عرقية وأعصاب متشابكة وأوعية دموية كما أنه جهاز دفاعي يستطيع تجديد وإصلاح أى تلف قد يصيب خلاياه أما بالنسبة للإحساس فهو أكبر جهاز إحساس في الجسم حيث توجد به مجموعة كبيرة من المستقبلات الحسية لاستقبال اللمس والحرارة والبرودة والضغط والألم ومن هذه المستقبلات ما هو موجود حول حويصلات الشعر وهو مسئول عن نقل الإحساس بحركة الشعر وقشعريرة الجلد قال الله تعالي ( الله أنزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )

وطلبت للتحقيق مرة أخري ولكن قد أصبحت في صورة هيكل إنسان لا أقوي على الحركة .. وفي مكتب التحقيق سألني ضابط اسمه الجنزوري عن أسماء عشرة من شباب الإخوان بالقاهرة اتفقوا معي للحضور إلى رشيد ثم يتوجهون إلى الإسكندرية لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر ؟! عند الملف المواجه لمطعم أندريا فقلت أنا لا أعلم عن هذا الموضوع أى شئ على الإطلاق .

ثم أمر بإخراجي من الغرفة دون أى تعذيب وأعادوني إلى الزنزانة ! وقد فهمت من كلام المقدم الجنزوري أن هناك خطة في القاهرة لاغتيال عبد الناصر ... ونحن في الإسكندرية لا نعرف عنها شيئا وقد قامت قوة كبيرة من رجال البوليس الحربي فحاصروا مطعم أندريا وفتشوه تفتيشا دقيقا ولم يعثروا على شئ وفي ليلة من ليالي التعذيب وأنا جالس في هذه الظروف المرعبة استمعت إلى جنود المباحث الجنائية العسكرية يتحدثون – قال أحدهم أنا تعبت من كثرة الضرب وباقي لى ساعة على انتهاء الوردية ..أنا مش عارف إيه الشغلانة اللي جات في قرعتي – وسمعت آخر يقول أنا كنت أمبارح في حفل زفاف المشير عبد الحكيم عامر وشفت الفلوس بتترمي ازاي بدون حساب – تعرف أنا عملت حكاية مش عارف حتنفع ولاّ لأ , لما شفت زجاجات الخمر النادرة مالهاش صاحب أخذت زجاجتين ووضعتهم تحت كرسي السيارة والسيارة موجودة في السجن وخايف تضيع الخمرة كنت أستمع إلى هذه الأحاديث وأنا في ذهول – قوم يشربون الخمر وقوم لا يجدون شربة ماء – والذين يشربون لخمر هم السادة والذين يحرمون الماء ويتحلّون بمكارم الأخلاق يرسفون في الأغلال ويعذبون في السجون .

إعداد مكتب تحقيقات خاص بتنظيم الإسكندرية

بعد فترة من التحقيق أمام شمس بدران تحول التحقيق إلى مكتب خاص يشرف عليه المقدم نور واليوزباشي إحسان العجاني ... وقابلني إحسان العجاني لأول مرة بابتسامة وهو يقول لى إنت ما تعرفنيش .. دا أنا دفعتك في الجيش !! فقلت له أهلا وسهلا ... والحقيقة أنني لم أسبق لى أن رأيته , واعتبرت كلامه هذا من بابا الاستدراج وقد كان كذلك بالفعل .. وبدأ المقدم نور بطلب مني أن أحدثه عن كل ما أعرفه عن تنظيم الإسكندرية .. ثم أعطاني عشرة ورقات فلوسكاب وطلب مني أن أكتب ذلك بالتفصيل , فانزويت في ركن وبعد أن كتبت ورقتين تراجعت ومزقتها وكان الحارس يرقبني فأبلغ المقدم بذلك ودخلت في محنة جديدة وعدت أكتب من جديد بحذر شديد ولم أستطع أن أكتب سوي ست صفحات بخط كبير.

استدعيت ووجدت نفسي أقف أمام مجموعة من حوالي ثلاثين من إخوان الإسكندرية يقف أمامهم اليوزباشي إحسان العجاني فقال لي ياسيسي أنت تعرف أسماء هؤلاء ؟ فبصرت بهم ولم أتعرف على كثير منهم .

فقال : دول يا سيدي تنظيم إسكندرية اللي أنت رئيسهم !!

مش تقول لهم إن دبابة واحدة من الجيش المصري تخلص على مئات زيهم ! فلم أرد عليه ولو كنت أعلم الغيب لقلت له غدا في وكسة 1967 لناظره قريب .

ثم استدعي من الطابور أحد الإخوة الذي تخرج من كلية الهندسة بالإسكندرية قريبا وكان عام 1952 شبلا من أشبال الإخوان .

قال اليوزباشي له : اضرب أستاذك عشرة صفعات على وجهه فامتنع الأخ عن ذلك بإصرار – فلكمه في وجهه وأمره أن ينفذ الأمر فأشرت للأخ أن يفعل فبدأ ينفذ بصورة خفيفة فأصر الضابط أن يضربني بقوة ففعل ذلك بعيون دامعة ..

ويوم أن سمحت الظروف بالحديث معه اعتذر لى وطلب مني برجاء إذا أشرت إلى هذه القصة ألا أذكر اسمه رحمة به !!

مع الأخ الأستاذ عبد اللطيف آدم

وقبض على الأخ عبد اللطيف آدم المدرس الأول بالثانوي – وفي التحقيق معه سألوه السؤال التقليدي عن اسم الأخ الذي أدخله جماعة الإخوان المسلمين .

ومن أدبه الجم قال : الأخ الأستاذ عباس السيسي .

وانتفض الضابط المحقق مزمجرا . يا حرس سريعا هاتوا الولد عباس السيسي وسيق الولد عباس السيسي والسوط يلاحقه حتي وقفت أمام الضابط وخلفه الأخ عبد اللطيف المسكين المهذب وقال الضابط : ( هذا هو الأستاذ عباس السيسي ) ففهمت السر في هذه العلقة الساخنة – وقلت في نفسي كان لازم يا سي عبد اللطيف تقول الأستاذ عباس – كان كفاية تقول ( السيسي) ربما هذا الاسم يشفع لك عند البهايم . ألم تتنبه أنك موجود في السلخانة والشفخانة والخانكة وأن اسمك من اليوم عيشة وعيوشة وزينب وزنوبة وابن الكلب وابن الحمار .

هون عليك الأمر لا تعبأ به .. إن الصعاب تهون بالتهوين

خرجت من الزنزانة وفي طريقي إلى الغيار الطبي وبعيدا عن العسكري الحارس قابلني الأخ عبد الرحمن عبد الصمد من إخوان الإسكندرية وقال لى كلمات سريعة أن ألأخ محمد عبد الفتاح الشريف نقل عنه أنه قال في التحقيق أن عباس السيسي طلب منه ألف جنيه لعمل مشروع تنظيم للإخوان !

عدت إلى الزنزانة أفكر في هذه المشكلة فالتحقيق يتسع كل ساعة – ولم تمض ساعة من زمن حتي فتحت الزنزانة وتكرر المشهد الأسيف حتي وجدت نفسي هذه المرة أمام شمس بدران – وبعد شئ من الحديث كمدخل للموضوع سألني : إيه حكاية الألف جنيه اللي أنت طلبتها من عبد الفتاح الشريف ؟

قلت زارني الشريف في رشيد وطلب مني مساعدة مالية للإخوة المسجونين فقلت له : يا أخي أنا كنت فاهم إنك جئت تساعدني في مشروع تجاري بعد خروجي من السجن وليس لى أى مورد أتعايش منه ! فقال أنت تحتاج قد إيه : فقلت أحتاج مبلغ ألف جنيه .. فوعدني ذلك وعاد إلى دمنهور – ومنذ هذا اليوم أى منذ ثمان سنوات لم يتحدث معي في هذا الموضوع .

ثم قال لى شمس بدران بعد أن دعاني للجلوس على كرسي الاعتراف إياه – سألني دون لف ولا دوران – إيه الحكاية إللي عرضها عليكم الشريف في إسكندرية بشأن اقتراح الشيح محمد الأودن بأنه هناك مجموعة من الضباط مستعدة لعمل انقلاب على أن يقوم الإخوان أولا باغتيال جمال عبد الناصر فقلت : لماذا يقوم الإخوان باغتيال عبد الناصر ثم يقوم الضباط بعمل انقلاب – إن المعقول أن يقوم الضباط بالأمرين معا فهم عندهم الإمكانيات القدرة علي ذلك ويتحملون كل المسئولية فأنا أعتقد أن المنسوب للشيخ الأودن غير صحيح فنظر الضباط بعضهم إلى بعض .. وأمروا الحرس بإجراء اللازم فعلقوني بعد أن ربطوا يدي وقدمي بالحبال وانهالوا علىّ ضربا بالسياط مع أقبح أنواع السب البذئ وفي هذه العلقة التي استمرت إلى قبيل الفجر فقدت وعيي وطارت أظافر أصابع اليد اليمني بفعل الضرب الفني بالكرباج وذهبوا بي وتركوني في الزنزانة على هذه الحال .

بيان من جمال عبد الناصر من إذاعة موسكو

وفي هذا لجو الكئيب من شدة الإرهاق والتعذيب والخوف والرعب وآلام هذه الجروح الدامية في جسمي وخاصة قماي التي ملئت بالصديد .. وفيما أنا أنصت إلى إذاعة القاهرة من راديو وحدة سلاح المركبات الملاصقة لمبني السجن الحربي إذ سمعت بيانا من جمال عبد الناصر أذاعه من موسكو حيث كان في زيارة هناك كانت مقدمة البيان تقول ( ضبط جهاز سري مسلح للإخوان المسلمين على مستوي الجمهورية المصرية ) وحين سمعت هذا البيان – أسرعت ساجدا على أرض الزنزانة شاكرا الله تعالي . أن عاد اسم الإخوان المسلمين عاليا مدويا على مسمع العالم من جديد بعد أن حاصروا ومنعوا أن ترتفع رايته من جديد وكان الطلبة المصريون المبعوثون في روسيا قد أقاموا حفل تكريم للرئيس جمال عبد الناصر – وفي ذا الحفل أعلن عن اكتشاف تنظيم الإخوان المسلمين وقال ( إنه في هذه المرة لن يعف ولن يصفح )!!

ولقد كان هذا الإعلان في كشف التنظيم الجديد أثره في رفع الروح المعنوية والانشراح النفسي الذي ساعد على الإصرار والاستمساك إذ كنت لا أعرف أن هذا التنظيم على مستوي الجمهورية إلا حين استمعت إلى هذا البيان فحمدت الله تعالي على أن الإخوان المسلمين في مصر على مستوي الفهم والإيمان بدعوتهم وأنهم لن يتخلوا عنها حتي يلقوا الهن تعالي

لا جناية ولا سلاح

استمرت المباحث الجنائية العسكرية تلهث باحثة عن أى نوع من الأسلحة أو المفرقعات لدي أى مجموعة أو فرد من الإخوان حتي يمكنها أن تسجل نصرا أمام عبد الناصر وحتي تجعل لهذه الاعتقالات وهذا التعذيب القاتل مبررا أمام الرأي العام المصري والعالمي وحتي لا نحاكم أمام الرأي العام على قضية تافهة هي في نظر القانون ( جنحة ) جمع أموال لمعاونة أهالي المسجونين في قضايا عام 1954 وظل الشعور عندي أن رجال المباحث لم يعثروا على ضالتهم من السلاح .

في مكاتب التحقيق أمام شمس بدران 

استدعاني شمس بدران – وسألني سؤالا واحدا :

أين السلاح الذي كان عندكم في الإسكندرية ؟

قلت : لا يمكن أن يكون عندنا في الإسكندرية سلاح عل الإطلاق !

قال : إن عبد المجيد الشاذلي كان يقوم بتدريب شباب الإخوان في الإسكندرية على السلاح في شقة في حي ( ميامي ).

قلت : لا أعلم عن ذلك شيئا . سوي انه قد طلب مني أن ابحث عن شقة كي نلتقي فيها .

قال : أنت متأكد أنه لا يوجد عندكم سلاح ؟

قلت متأكد جدا .

فأخذني إلى حجرة مجاورة وفتح الباب . ففوجئت بثلاث مدافع آلية قديمة يتخذون منها أساسا لهذه المؤامرة .. ولم أصدق على الإطلاق أن يقوم الإخوان بالإسكندرية بهذا التصرف الذي لم نتفق عليه والذي لا يفيد ولا يمكن أن تنجح خطة بهذه الأسلحة المستهلكة !!! ولكنهم للرعب الذي ملأ قلوبهم هكذا يتخيلون .

ضبط قيادة التنظيم

اتسعت دائرة القبض على كثير من الشباب – وأثناء القبض على الأخت الكبيرة الحاجة زينب الغزالي – كان في زيارتها بعض الشباب تم اعتقالهم وأثناء التحقيق معهم والاستفسار منهم عن بعض الأسماء – ذكروا اسم الأخ المهندس مرسي ... فانطلقت قوة من البوليس الحربي إلى منزله ولم يكن قد مضي على زواجه سوي أسبوع .. واقتحموا الشقة التي شاء الله تعالي أن يكون بعض قيادة التنظيم مجتمعين فيها وكان منهم الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وتم القبض على الجميع .. واشتغل التعذيب المريع حتي اعترف أحدهم على الأخ ( محمد الجزار ) وهو معيد بمؤسسة الذرة وأسرعت قوة ن البوليس الحربي واقتحموا مسكنه وعند إجراء التفتيش عثروا على ( كنبة ) من الخشب عثروا في داخلها على الأسلحة التي ذكرتها في الصفحة السابقة .

وقد علمت فيما عبد أنه على أثر اعتقال الشهيد سيد قطب ... اجتمع بعض من قيادة التنظيم وتدارسوا الموقف وعادت إلي أذهانهم صور التعذيب البشعة التي جرت على الإخوان في السجن الحربي الأخرى عام 1954 وقفز إلى ذهنهم ضرورة الدفاع عن أنفسهم تجاه ما ينتظر الإخوان من محن جديدة فلا يتركون فرصة لأعداء الدعوة أن يمتهنوا كرامتهم وبسوموهم سوء العذاب . لهذا قاموا بشراء بعض الأسلحة التي كانت الدليل التعسفي على أن الإخوان يخططون لقلب نظام الحكم !! وحين عثر رجال المباحث الجنائية العسكرية على تلك المسماة بالأسلحة فقد تغير وصف القضية من جنحة إلى جناية لقلب نظام الحكم . وهنأ الضباط بعضهم البعض – وقالوا بقت قضية بقت قضية . ومنذ تلك اللحظة استكملت المؤامرة شكلها القانوني وبرز اسم شمس بدران كبطل ومنقذ لحياة جمال عبد الناصر .

الطيار يحي حسين

كان الطيار يحي حسين عضوا في التنظيم وحين تم القبض علي بعض إخوانه والأستاذ سيد قطب ومجموعة القيادة وكانت الصحف ووسائل الإعلام لا تنشر ولا تذيع عن ذلك شيئا رغبة م الدولة أن يتم التحقيق في ذلك سرا .. وشعر الطيار يحي حسين أنه لابد أن يأتي دوره في القبض عليه وكانت الطائرة التي يقودها متوجهة إلى السودان طالبا اللجوء السياسي إلى السودان – وكان نظام الحكم في هذا الوقت غير متجاوب من حكومة مصر فقبلت منه اللجوء إلى السودان .

وأعلن الطيار يحي حسين عن مؤتمر صحفي حضره وكالات الأنباء المحلية والعالمية وكشف عن المؤامرة التي يدبرها نظام حكم جمال عبد الناصر ضد جماعة الإخوان في مصر وتحدث عن القبض عن الأستاذ سيد قطب وشقيقه الأستاذ محمد قطب وشقيقته حميدة قطب والحاجة زينب الغزالي ومئات من شباب الإخوان وتحدث عن وسائل التعذيب التي تمارسها السلطة معهم في السجن الحربي .. وعلى أثر هذا المؤتمر الصحفي انتشرت الأخبار في جميع بلاد مصر والدول العربية والأجنبية .

وبدأت الصحافة والإذاعة والتلفزيون حملة مسعورة ضد جماعة الإخوان باتهاماتهم بنية القتل ونسف الكباري وتخريب شبكات المياه والنور والسينما والمسرح – وأعادوا تمثيلية محنة 1954 وزادوا أن الإخوان سوف يقتلون السيدة أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب وكذلك أشهر كباتن الكرة في النادي الأهلي ونادي الزمالك !!

وعلى اثر هروب الأخ يحي حسين قامت المباحث بالقبض على أكثر من خمس من الطيارين زملائه بعضهم حكم عليه بالسجن وهو الأخ الطوبجي والآخرين اعتقلوا لأكثر من خمس سنوات في سجن مزرعة طره .

عودة جمال عبد الناصر من روسيا

وعند عودة جمال عبد الناصر من موسكو إلى القاهرة أعدت له حكومته استقبالا شعبيا هائلا ( مدفوع الأجر ) وكانت الهتافات المختارة المعدة من قبل ( اقتل أقتل يا جمال لا رجعية ولا إخوان ) .

وبعد أيام جاء سوكازيو رئيس جمهورية اندونيسيا – قرين عبد الناصر في عدائه للإسلام – دعاه عبد الناصر لحضور حفل شعبي كبير أقيم في إستاد القاهرة المجاور لمبني السجن الحربي – وكنا نسمع خطابه الذي قال فيه ( نحن لا نخادع نحن لا نضلل ) أخذ يرددها عدة مرات ونحن نقرأ قول الله تعالي : ( ألم تعلم بأن الله يري كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع نادية . سندع الزبانية . كلا لا تطعه واسجد واقترب )

القبض على فضيلة المرشد حسن الهضيبي

وبعد القبض على قيادة التنظيم ومئات من الإخوان في أنحاء مصر قامت قوات كبيرة من رجال المباحث بالتوجه إلى منزل فضيلة المرشد العام وتم القبض عليه وأودع السجن الحربي – وقبض معه على أولاده جميعا أحمد أسامة الهضيبي المهندس – والمستشار محمد المأمون الهضيبي بمحكمة الاستئناف – وإسماعيل حسن الهضيبي المحامي وابن عمه محمد سليمان الهضيبي وأولاد شقيقة أمين الهضيبي وكذا نجيب الهضيبي ... وابنته السيدة خالدة الهضيبي وأحضروهم إلى السجن الحربي وقد عزلوا الأستاذ المرشد في مكان على حدة بعيدا عن تواجد أحد من الإخوان . القبض على الحاجة زينب الغزالي وحميدة قطب

وفي 20 من أغسطس تم القبض على الأخت الحاجة زينب الغزالي والأخت حميدة قطب شقيقة الشهيد سيد قطب وقد دخلا في محنة من التعذيب الذي وصفته الحاجة زينب في كتابها الشهير ( أيام من حياتي ) .

وفاة مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد

وشاء الله تعالي أن يختار إلى جواره في 23 أغسطس رفعة مصطفى النحاس باشا بعد القبض على الإخوان بيومين وأتاح الموكب الكبير لتشييع جثمان الزعيم الذي عاش مريضا معزولا في بيته عشر سنوات . فتسابق الناس خلف الجنازة يهتفون للحرية وينددون بالديكتاتورية وهم يهتفون ( أشكو الظلم لسعد يا نحاس ) وهو هتاف تقليدي لإتباع حزب الوفد وعلى اثر تشييع الجنازة قام رجال المباحث بالقبض على عدد كبير من الذين اشتركوا في الجنازة وقد قبض على ( فؤاد سراج الدين ) سكرتير عام حزب الوفد وقد جئ به إلى السجن الحربي وأودع في زنزانة في الدور العلوي . ولم تكن له معاملة خاصة وكان حمزة البسيوني وبعض من الضباط يصعدون للحديث معه .

معركة بلدة كرداسة

عبى بعد كيلو مترات من شارع الهرم بالقاهرة تقع بلدة كرداسة . قرية هادئة وادعة متحابة تقع على ضفاف ترعة المنصورية وتشتهر بصناعة أنواع جميلة من الأقشمة المطرزة والجلابيب والعباءات المطرزة بالأيدي ويصنعون هذه الأنواع على الأنوال الخشبية .

وبعد غروب شمس يوم 21 من أغسطس . ذهبت مجموعة من ضباط المباحث الجنائية العسكرية يرتدون الملابس المدنية للقبض على الأخ ( سيد نزيلي ) المطلوب للتحقيق معه بالسجن الحربي وكان سيد نزيلي قد زف إلى عروسه منذ يومين . وسألوا عن سيد فأخبرتهم زوجته وشقيقه أنه غير موجود الآن بالمنزل وسوف يعود في المساء , فأصر الضباط .. على أن يأخذوا الشقيق والزوجة رهينتين حتي يعود سيد ويسلم نفسه واستعمل الضباط معهما القوة ولما كان الضباط يرتدون الملابس المدنية – فقد تبادر إلى ذهن الشقيق أنهم ربما كانوا عصابة جاءت تغتصبهم فصرخت الزوجة مستغيثة بالجيران الذين هرعوا إلى المنزل وشاهدوا الضباط وهم يجبرونهم على الخروج من المنزل فقاومهم الأهالي وأسرعوا خلفهم يقذفونهم بالحجارة حتي سقط أحدهم على الأرض مغشيا عليه ونقلته سيارة الإسعاف إلى المستشفي .

ولم يكن الأهالي يتصورون حج الهول والمصيبة التي ستنزل بهم وبعد ساعة زحفت قوات من الجيش والبوليس معهم سيارات مصفحة ومكيروفونات وأصدروا أوامر بمنع التجول وقبضوا على كل من يمشي في أزفة القرية وهم يضربونه بالكرباج وشاع الرعب والخوف والفرع في قلوب جميع أهل القرية – وأقاموا مواقع وسط القرية لتأديب الأهالي وانقلبت القرية إلي ميدان حرب واعتقلوا مجموعة كبيرة جاوزت المائتين بخلاف عدد من النساء اللواتي أخذت بطريقة لا تليق بأخلاق القرية فضلا عن أخلاق المسلمين هؤلاء جميعا سيقوا إلى السجن الحربي وهناك أوقفوهم وجها لوجه وطلبوا من كل واحد منهم أن يلطم الذي أمامه على وجهه مع تبادل الأدوار . ثم أروا كل امرأة ان تركب على ظهر رجل وقد جلس على الأرض على يديه ورجليه .. صور مخزية تولد الكراهية والحزازات في النفوس وتبقي آثارها شديدة الألم في النفوس أجيالا متوالية .

لقد منعوا الأهالي الخروج من مساكنهم ثلاثة أيام ومنعوا فتح الشابيك وإذا احتج أحد من الناس دخلوا مسكنه وحطموا ما فيه وقد مات احدهم في السجن واسمه ( صلاح رزق عبيد) واستمرت الدوريات ووسائل الإرهاب تجري على الأهالي دون رحمة . لأنهم أخذتهم الغيرة حين قاموا يدافعون عن امرأة تخطف دون ذنب أو جريرة واستمروا في السجن الحربي قرابة شهر .. بعد أن أذاعت كل الإذاعات ووكالات الأنباء العالمية ( قصة كرداسة الدامية ) .

وقد سلم الأخ سيد نزلي نفسه في نفس المساء وحوكم في قضايا الإخوان وحكم عليه بخمسة عشر عاما أشغال شاقة .. حيث وجدوا عنده خنجرا !!

مظاهرات في مدينة دمياط

في نفس الوقت الذي يتم فيه القبض على مجموعات من شباب الإخوان في جميع أنحاء مصر يحجزون في أقسام الشرطة في المراكز والمحافظات حتي يتم ترحيلهم إلى السجون- حدثني أخوة قادمون من دمياط أن أحد الضباط كان يصطحب معه إحدي الفتيات يتنزهون على شاطئ ملتقي فرع نهر النيل بدمياط مع أمواج البحر الأبيض المتوسط. لقد أثار المنظر الضباط مع الفتاة شعور أحد الصيادين فحدثت بينهما مشادة تحولت إلى معركة اشترك فيها مجموعة من الصيادين واتسعت دائرة المعركة حتي اشترك فيها كثير من أهالي دمياط الذين قذفوا المصالح الحكومية بالحجارة وتدخلت قوات الأمن وتم القبض على كثير من الأهالي وأسندت الحكومة هذه الحركة إلى جماعة الإخوان المسلمين كما أذاعت وكالات الأنباء والإذاعات العالمية تفاصيل هذا الحادث . ويلاحظ أن هذه الأحداث دليل على توتر الحكومة وشدة الحساسية تجاه أى حركة تذمر وكأنها خائفة من كل شئ ومتوقعة من الناس كل مكروه .

مع اللواء حمزة البسيوني

فتحت الزنزانة فوجدت أمامي اللواء حمزة البسيوني الذي لم أره منذ خرجت من السجن الحربي عام 1956 . بداني في الحديث قائلا :

إزيك ياسيسي – قلت : الله يسلمك

قال إحنا قلنا خلاص بقي  وانتهينا من حكاية الإخوان دي ! 

قلت : هذه إرادة الله .

قال : إنت مش كان دورك تبقي ضابط من زمان مثل زملائك ؟

قلت : هذه إرادة الله .. ثم انصرف .

أخطر قرار لرئيس الجمهورية

أصدر الرئيس جمال عبد الناصر في 26 سبتمبر 1965 قرارا بالقبض على كل من سبق اعتقاله منذ عام 1947 وما بعدها وعقب هذا القرار فتحت جميع سجون ومعتقلات مصر وملئت الأرض بالبوليس السري للبحث عن ل من سبق اعتقاله – حتي شمل كل من ينتمي إلى أى جمعية إسلامية وقد علق الدكتور إبراهيم عبيد على هذا القرار فقال : إن القرار قد جاء بالمسلمين جميعا إلى السجن .

زكريا المشتولي وعبد الفتاح إسماعيل

وفي سجن أبو زعبل حدث من أنواع التعذيب ما تشيب له الولدان والقصص والحوادث التي تحدث في سجن القلعة تفوق خيال كل المجرمين فقد قتل في سجن القلعة الإخوان الشهيدان زكريا المشتولي وعبد الفتاح إسماعيل تحت التعذيب الشنيع بتهمة أن الأخ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل أرسل لكل منهما جوالا به أسلحة – ومعروف أن عبد الفتاح إسماعيل تاجر حبوب وقد أرسل لهما جوالين من الأرز – والطغاة لا يصدقون ذلك حتي قضي كل منهما نحبه شهيدا ..

وذكرت الصحف أنهما هربا من السجن !! واحتجز أهلهما في أقسام البوليس حتي يسلم الهاربون أنفسهم .. إنه إمعان في التضليل ومن تمام الإفادة وصدق التاريخ أتّمني لو قام كل من عايش حوادث ل التعذيب في سجن أبو زعبل أو القلعة أو ليمان طره وغيرها فكتب ما رأي ليكون مجموع ذلك سجلا لهذا الواقع الأليم حتي يتم تسجيل هذه المحن من كل جوانبها .

التعذيب بالكلاب

استدعي الأخ عبد الفتاح السيد للتحقيق وهو صاحب صالون في محرم بك بالإسكندرية وقد اتهم أنه منضم إلى أسرة إخوانية – ولكنه أنكر ذلك وأصر علي الإنكار , وجئ له بكلب متوحش ومعه مدربه الخاص – وحرض المدرب الكلب على الأخ عبد الفتاح فهاجم الكلب الأخ عبد بوحشية مرعبة مفزعة وكان يعضه في مكان حساس من جسمه والأخ يفزع وصرخ ولا يستطيع الهرب وكيف يستطيع ذلك .. كنت أشاهد هذه الصورة بكل ما تم فيها من إجرام ووحشية .

أنزل بهذا الشعب كل هوان
وأعد عهود الرق للأذهان
واقتل به ما استطعت كل كرامة
وافرض عليه شريعة القرصان
أطلق زبانية الجحيم عليه من
بوليسك الحربي والأعوان
واصنع به ما شئت غير محاسب
فالقيد لم يخلق لغير جبان


إسماعيل الفيومي الحرس الخاص بجمال عبد الناصر

اهتز عبد الناصر والقصر الجمهوري والحرس الجمهوري والدولة جميعا حين ثبت لديهم أن إسماعيل الفيومي الحرس الخاص للرئيس جمال عبد الناصر والذي كان في حراسته بالأمس حين ذهب لمقابلة الملك فيصل بالباخرة عن طريق البحر الأحمر للتفاهم في قضية حرب اليمن .. كانت مفاجأة مذهلة أن يكون إسماعيل الفيومي عضوا في قضية التنظيم الجديد . وإسماعيل الفيومي هو الذي كتبت عنه الصحف أنه يجيد الرمي على الهدف تجاه الصوت في الظلام .

لقد جئ به إلى السجن الحربي فورا .. وأتصور أنه لم يطل التحقيق معه فقد أسرعوا بقتله إذ أخذه "صفوت الروبي " جلاد السجن الحربي وجاء به إلى الفسقية وأمسك رأسه بيديه وأخذ يضرب بها في حائط مبني الفسقية حتي تكسرت وتمزقت وتطاير مخه في كل اتجاه وقضي نحبه شهيدا مجيدا .

في ذمة الله ثاو في الثري
وإلى جوار الله خير رحاب
وعزاؤنا أن سوف يجمع شملنا
بعد الفراق الر يوم حساب
يارب ألهمنا وعوضنا به
صبرا وسلوانا وحسن ثواب

وفتح الحرس الجمهوري تحقيقا واسعا مع جميع أفراده للتثبت من ارتداه كل واحد منهم وقبض على أصدقاء إسماعيل الفيومي ومن له شبهة اتصال به وجئ إلى السجن الحربي بعدد منهم أذاقوهم مر العذاب والهوان وعلى أثر ذلك تم تغيير عدد كبير منهم وقاموا بتحويلهم إلى وحدات أخري

التعذيب بالنار

التعذيب بالكي بالنار والكهرباء من الوسائل الشائعة في السجون ومن الإخوة الذين عذبوا بهذه الوسائل الأخ المهندس فاروق الصاوي من مدينة مطاي محافظة المنيا والأخ المهندس طاهر عبد العزيز سالم من كفر كلا الباب مدينة طنطا وقد توفاه الله بعد خروجه من السجن بخمس سنين وكثير غيرهم لا تزال آثار التعذيب باقية على أجساده9م .

قصة الأخ محمد نصر الدين قاسم

حين بدأنا التفكير في تكوين تنظيم الإسكندرية .. التقينا بالأخ محمد ننصر الدين قاسم في منزل الأخ الأستاذ محمود عبد أبو العنين – عوض التنظيم – كي نعرض عليه فكرة تكوين تنظيم للإخوان بالإسكندرية ولما عرضنا عليه الفكرة بطريقة عرضية لم نجد منه قبولا أو استعدادا فقلنا له أن أفكارنا مطابقة لنفس أفكاره أنهينا المقابلة على رفض المشروع .

وفوجئت باستدعائي لمكاتب التحقيق – وشعور الإنسان في مثل هذه الحالة كأنما هو مطلوب للإعدام ... فهو لا يدري لماذا هو مطلوب ؟ كل منا يخشي مكن فتح جبهات أخري تسبّب مزيدا من المعتقلين .

واجهني شمس بدران بسؤال محدد ما هي صلتي بمحمد نصر الدين قاسم :

فذكرت له القصة التي حدثت بيننا وبينه وأنه قد رفض الانضمام إلى التنظيم ولم أزد على ذلك ... ولم يعلق شمس بدران أعادني إلى الزنزانة.

آية ربانية

وشاء الله تعالي أن أخرج من زنزانتي للغيار الطبي على الجروح فيوقفني العسكري الحارس أمام إحدي الزنازين في الدور الأرضي حتي يدخل دورة المياه وإذا بالأخ محمد نصر قاسم الذي شاء الله له أن ينظر من ثقب زنزانته في هذه اللحظة فيعرفني بنفسه وأنه جاء من سجن أبو زعبل أمس للتحقيق معه .. فقلت له وأنا لا أزال أنظر أمامي ولا ألتفت يمنة ولا يسرة – وحدثته عما دار بيني وبين شمس بدران – وهنا وصل الحارس الذي تابعت معه المسير إلى مكان الغيار الطبي .. ولم يمض وقت حتي شاهدت محمد نصر الدين قاسم يخرج من زنزانته في حراسة إلى شمس بدران الذي دهش حين سمع الإجابة مطابقة تماما لما ذكرت له من قبل وحكم بعد ذلك على الأستاذ محمد نصر الدين قاسم بسنة سجن مع إيقاف التنفيذ .

أول من يدخل الزنزانة

إن الحبس الانفرادي مأساة أحيانا تصل بالإنسان إلى الجنون ولولا فضل الله تعالي علينا لكان لأكثرنا مصير آخر – فالذي كان يهون علينا هذه الوحدة مع الخوف المتجدد والمصير لمجهول – هو الإيمان العميق بهذا الطريق بكل مفاجأته المتغيرة التي تتوالي على الدوام , فلا تدع لأحدنا فرصة للنوم والراحة ساعة من نهار أو ليل .. فحين تكون نائما تسمع من ينادي عليك فإذا استيقظت مذعورا يتركك وشأنك ثم تتكرر هذه الرواية حتي لا تذوق طعم النوم .

وفي منتصف أحد الليالي فتحت الزنزانة وقذفوا فيها شخصا لم أتبين شكله في الظلام وألقوا به ببطانية وفي الحال لفّ بها نفسه كأنه متعود على ذلك. وفي الصباح عرفت أن الرجل من الصعيد حين سألني أنا موجود فين ؟

فقلت له : أنت موجود في السجن الحربي .

فصرخ وهو يقول يالهوي السجن الحربي بتاع الإخوان يادي المصيبة.

وعلمت من هذا الرجل أنه باع سلاحا لواحد من الإخوان ولم تمض ساعة حتي أخذوه لم يعد .

ضيف آخر في الزنزانة

وجئ بشاب في الثامنة عشر من عمره تبدو عليه آثار التعذيب حدثني أنه من عزبة من ضواحي القاهرة وأن والده يعمل في إصلاح قطع السلاح والإنجاز فيه ومتهم بأنه باع سلاحا للإخوان المسلمين واستمر هذا الشاب معي ثلاثة أيام عرفت منه الأخبار التي تدور في الشراع المصري وشعور الجمهور نحو جماعة الإخوان وأدخل هذا الشاب على حياة الوحدة والحبس الانفرادي شعورا جديدا – فالشاب من هواة المسرح والسينما فقد أعاد سرد قصة ( رية وسكينة ) وهي القصة الشهيرة التي حدثت بجوار قسم شرطة اللبان بالإسكندرية وقد أفرج عن هذا الشاب يوم وقفة عيد الفطر المبارك .

القبض على المهندس فاروق المنشاوي

عندما بدأت حركة الاعتقالات تشتد في القاهرة رأي الأخ فاروق المنشاوي وهو عضو في التنظيم أن يهرب ومعه بعض إخوانه إلى ليبيا وفعلا وصلوا إلى مرسى مطروح في طريقهم إلى حدود ليبيا – في هذا الوقت كان البوليس قد اعتقل زميلهم الأخ المهندس محمد الصروي فاستدلوا منه على هروبهم إلى ليبيا – وقبل أن تتعرف المباحث على مكانهم قاموا باعتقال جميع زملائهم من دفعتهم في كلية الهندسة – بنين وبنات مع تفتيش منازلهم بحثا عن فاروق المنشاوي – وقامت قوة من الشرطة بمسح لجميع فنادق مرسى مطروح حتي قبضوا على فاروق ومن معه في لوكاندة الحاج عبد الحميد قطارية – والأخ فاروق المنشاوي خرج كلية الهندسة هذا العام 1965 . ووالده قاض وله صلة بدعوة الإخوان منذ تعرف على الإمام حسن البنا – وبلدهم المنشأة في صعيد مصر ... والمهندس فاروق شاب شديد الحماسة للعمل للإسلام .

مع الدكتور محمد حسين غراب

وفي طابور الغيار الطبي وفي خلسة من الحرس تعرفت بالدكتور غراب ضابط كبير في القسم الطبي بالجيش المصري وقد اختاره جمال عبد الناصر فأجري له عملية الزائدة الدودية – واكتشفت المخابرات صلته بجماعة الإخوان فاعتقلوه وعذبوه عذابا مضاعفا حتي أني رأيت العقد اللحمية منتشرة في ساقيه من شدة الضرب والتعذيب .

المستشار منير دله

كذلك في طابور الغيار الطبي شاهدت المعذبين الذين لا يسمح بالتحدث معهم رأيت المستشار منير دلة وهو شخصية كبيرة مهابة عاش مع الإمام حسن البنا وكان يلازمه كثيرا في سفرياته وكان رحمه الله ممتلئ الجسم حتي أن التعذيب قد صنع في ساقيه نتوآت كثيرة دامية – ومع هذا البلاء كان صابرا محتسبا لم يتبرم مما يحدث له رغم أنه ليس له أية صلة بالتنظيم الجديد ولم يشارك فيه بل ربما كان منهجه بعيدا عن هذا الاتجاه .

ضيف جديد

دخل علينا في الزنزانة معتقل جديد .. دخل صامتا مهموما لا يتكلم حاولت الكلام معه ولكنه أصر على الصمت مع وضوح مظاهر القلق في تصرفاته .. وبعد عدة أيام بدأ يتفتح ويتحدث معنا ثم كشف لنا عن سبب الصمت الذي كان يخيم عليه – قال إنه حين دخل علينا الزنزانة صدم صدمة قاسية حين رآنا نرتدي بدلة أوفرول حمراء اللون .. فسيق إلى ذهنه أن الموجودين في هذه الزنزانة هم الذين حكم عليهم بالإعدام وظن أنه سيكون منهم فظل مدة هذه الأيام في حالة من الاكتئاب حتي رآنا نضحك أحيانا فقلت ليس من العقول أن يضحك إنسان محكوم عليه بالإعدام ؟

والسبب في هذه الملابس الحمراء .. أن الملابس التي دخلنا بها السجن قد أصابها البلي واستهلكت ولما لم تكن لدينا ملابس غيرها فتعطفت علينا إدارة السجن بهذه ( العفريتة ) وهي في الأصل ملابس يرتديها العسكري وقت العمل .

وبعد أن اطمأن إلينا وتعرف على اسمي وبلدي أخذ يحدثني فقال إنه يتصل بقرابة بالأخ الحاج محمود شكري بالإسكندرية – وقال إن الأخ محمود قد اعتقل وحقق معه وسألوه عن الزيارة التي قام بها إلى رشيد لزيارة الحاج عباس السيسي وقد اعتقل معه ابنه عصام الطالب في كلية طب الأسنان وبعض الذين كانوا معه في هذه الزيارة!! وسألوه عن الغرض من زيارة والده لرشيد فقال لهم كان الغرض النزهة في رشيد وشراء فسيخ وسردين .

وبعد أن وصلتني هذه المعلومة الجديدة أخذت أفكر وأعد نفسي لما سوف أجيب به عن استدعائي للتحقيق .. وبعد يومين استدعيت للتحقيق ..

وأدخلوني مكتب اليوزباشي العجاتي .. وكنت في حالة من الإعياء وأمشي بصعوبة لأني ( أرج) قال : تعالي بقي ما كنت تقول كل حاجة مرة واحدة وتريحنا ؟

فقلت أقول ماذا ؟ قال هل تعرف هذه الأسماء وأخذ يذكر كل واحد باسمه فقلت أنا أعرف اسم محمود شكري فقط ! وكل هذه الأسماء لا أعرف منهم أحدا .

قال : وكيف يزورونك في بيتك ولا تعرف أسماءهم ؟ قلت لأنني لم أسألهم عن أسمائهم ومحمود شكري لم يحاول أن يعرفني بهم .

قال : وما هو الحديث الذي دار بينكم - قلت : حديث عادي وكان أكثره عن صناعة الألبان وكان منهم واحد عرفني أنه عنده محل ألبان – وبعد لحظات أدخلوا في الحجرة واحدا عليه أثار ضرب مبرح وعرفت من شكله أنه ممن الذين زاروني مع محمود شكري وهو نفسه صاحب محل الألبان .

وسألوه عني هل تعرف هذا ؟ قال : لا أعرفه فأوسعوا ضربا سألوني هل تعرفه قلت أعرفه بالشكل وأظنه هو صاحب محل الألبان ثم وجهت لكلام لهذا الأخ مباشرة وقلت له أنت بتتنكر ليه هو إحنا في هذه الزيارة عملنا جريمة ؟ هل خالفنا القانون . كانت مجرد زيارة وخلاص .

قال الأخ أنا عارف إننا لم نتحدث في شئ مخالف ولكن التعذيب خوفني وانصرف كل منا إلى زنزانته .

وفي المساء استدعوني مرة أخري وأوقفوني في مكان مظلم و أمامي حجرة فيها إضاءة عالية وبداخلها شخص أنا أراه وهو لا يراني لأني في مكان مظلم وسألوني هل هذا الشخص من الأشخاص الذين كانوا عندك في رشيد في زيارة محمود شكري فتفرست في شكله ولكني لم أعرفه وحاولت مرة أخري دون أن أتعرف عليه – فأخرجوه من الحجرة وأدخلوا شخصا آخر ولكني لم أعرفه كذلك وقد ضغطوا علىّ حتي أتذكر أشكالهم ولكن الحقيقة لم أستدل على أحد منهم وانصرف – وعرفت فيما بعد أن الشخصين المطلوب مني الاستدلال عليهما كانوا من المجموعة التي زارتني في رشيد والتحقيق اتخذ هذه الأهمية البالغة لأنهما من ضباط السلاح البحري بالإسكندرية وهنا مبلغ الخطورة والحساسية وأخيرا رحلوا المجموعة كلها إلى سجن أبو زعبل .

العسكري الحارس زغلول

شخصية فريدة في الإجرام والجنون اسمه ( زغلول) تصرفاته كلها شاذة وحين يغضب تتغير صورته أو كما يقولون سحنته حتى تراه في صورة عفريت من الجن – إنه شخص مخيف لأن تصرفاته غير مسئولة ولا أحد يسأله عنها – فهو يضرب الأخ بحقد وغيظ كأن بينه وبيننا ثأر . أو كأن أحدنا سبق أن قتل أباه أو أمه – كان يدخل الزنزانة ويأمر الأخ بأن ينهق كالحمار , أو يعمل كما يفعل القرد , أو يعمل البهلوان أو أى صورة تخطر على باله أو يطلب من الخ أن يلطم على مجه هذا فضلا عن أنه يرض أرضية الزنزانة بالماء حتى يحرم على الأخ الجلوس و يبقي طوال الوقت واقفا . أو يأمر الأخ يأن يقف ووجه لحائط الزنزانة دون أى حركة ويقوم هو بالمرور عليه ويراقبه من ثقب الزنزانة.. ودخل زنزانة دون أى حركة ويقوم هو بالمرور عليه ويراقبه من ثقب الزنزانة .. ودخل زنزانة الأخ سيد أبو شلوع المجاورة لزنزانتي قال له وأنت يا ولد بتشتغل إيه ق ل: باشتغل محام يا أفندم يبقي تأخذ عشرين كرباج على يديك ثم أخذ يضربه على وجه بقبضته ولم يتركه حتي شاهد الدم ينزف من أسنانه .

وذات مرة دخل علىّ في الزنزانة فوقفت تعظيم سلام كما تعلمنا ذلك في السجن الحربي فهجم على ّ وخنقني من رقبتي فكان لابد في هذه الحالة أن أفتح فمي على الآخر – فيبرز طقم الأسنان خارج الشفتين – فانزعج زغلول لما وجد الأسنان خرجت ولم يكن من قبل شاهد الأسنان الصناعية فقال وهو في ذهول إيه دا يا ولد . فأفهمته الموضوع فتركني وذهب وأتي باثنين من زملائه – وأخذ يكرر عملية الخنق وتتكرر عملية خروج الطقم والمجانين في غاية الإعجاب والسرور .. واكتشفت من هذه القصة أنه يمكن الاستفادة من حكاية طقم الأسنان عند اللزوم وقد كان فيما سوف أرويه بعد ذلك .

ضيف جديد في الزنزانة

ودخل على أخ معتقل جديد .. أنكر أنه من الإخوان ... تعاملت معه بحذر .. وحين كنت أقرأ ورد الصباح والمأثورات ألاحظ أنه يدندن بصوت خافت – ولكني أشفقت عليه لما أصابه من تعذيب بشع حتي أنه لا يستطيع أن يذهب إلى دورة المياه حتي يتمكن من شربة ماء – وذات مرة أسرعت ومعي قصرية البراز إلى دورة المياه فألقيت ما فيها ولم أتمكن من القيام بتنظيفها واختلست شوية ماء ذهبت بها إلى الأخ فشربها على هذه الحال .

بعد أيام اطمأن الأخ إلىّ وسألني عن سبب اعتقالي فقصصت عليه القصة وقلت في نهاية حديثي إنني متهم بقلب نظام الحكم – ثم سألته بدوري عن سبب اعتقاله فقال : إنه كان يعمل ساعيا في احدي المصالح الحكومية ثم اعتزم أن يحصل على الشهادة الإعدادية فذاكر حتي حصل عليها وعينته المصلحة في وظيفة كاتب ... وجلس على مكتب ثم بدأ ينادي على الساعي – وقد كان زميله من قبل – ويكلفه ببعض الخدمات – ولما قامت محنة الإخوان كتب هذا الساعي شكوي بأنه من الإخوان .. فقبضوا عليه وأتوا به إلى هنا بعد أن حطموا جسمه من الضرب " بالشوم".. وكان الأخ يبكي كلما تذكر زوجته وأولاده وهو يقول والله ما تركت طعاما ولا نقودا .

وبعد أن زاد اطمئنانه إلىّ – صارحني فقال والله يا أخي أنا كنت في أسرة مع الإخوان وكل ما عملناه إننا كنا نقرأ القرآن والكريم ونقرأ في سيرة بن هشام وكتاب فقه السنة ولا شئ غير ذلك – ثم سألني تري مثلي يتحكم عليه بكم ؟ قلت أنت بالكثير تأخذ سنة سجن .

قال : حرام عليك سنة كتير قوي .

قلت له : أمال أنا أعمل إيه إللي منتظر حكم الإعدام !

قال : ما هو أنت تستاهل الإعدام !

لقد ضحكت على نفسي .. بقي أنا عاوز أخفف عنك .. وأنت عاوز تعدمن ! عذرت الأخ الذي استدرك بعد ذلك واعتذر .. وشاء الله أن لا يحاكم وحول إلى المعتقل .

الدكتور علي جريشة

جاء إلى الزنزانة ضيف جديد لا أعرف اسمه ولكنه قال أنه من قرية صفط اللبن – بالطبع سألناه عن سبب اعتقاله فلم يفصح ولكنه قال إنه كان في مكاتب التحقيق ورأي شابا اسمه على جريشة وقد علقوه وأخذوا يضربونه حتي أغمي عليه وبعد أن أفاق قدموا له كوبا من الشاي .. ولكنه رفض لأنه صائم ويقول إن هذا الموقف قد أذهلني وأنساني المصيبة في وجودي في هذا السجن اللعين وكانت هذه أول مرة أسمع فيها اسم المستشار علي جريشة .

قصة في مسجد الحسين بالقاهرة

في احدي المواسم الإسلامية توجه الرئيس جمال عبد الناصر لأداء صلاة الجمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة وامتلأ ميدان المسجد الخارجي بمظاهر الاستقبال من بوابات وزينات ورجال الحرس الجمهوري وقيادات الشرطة وجنودها على جانبي الطريق واستهوت هذه المظاهر الكثير من الناس لأداء الصلاة فتوجهوا إلى أبواب المسجد وعلى كل باب يقف بعض من رجال المباحث يراقبون بدقة كل داخل من الناس ويطلبون منه إذا كان معه أية أشياء مثل مفاتيح أو مطوة أو أى شئ من هذا القبيل أن يخرجها ويتركها على هذه المنضدة وعند خروجه بعد أداء الصلاة يتسلمها – واستجاب كثير من المصلين لذلك.. وجاء رجل واخرج من حول جسمه ( مسدسا) ووضعه على المنضدة بأعصاب هادئة – ولكنه فوجئ بقوة من رجال المباحث تحيط به وتقبض عليه وتأخذه في سيارة إلى السجن الحربي وهناك بالطبع لم يتفاهموا معه إلا بأسلوب السجن الحربي وهو يصيح أن المسدس مرخص قانوني وقدم لهم الرخصة ولكن لا تفاهم وبقي في السجن عدة شهور حتي عملوا عليه التحريات وثبت لديهم أنه لا صلة له من قريب أو بعيد بالجماعة الإرهابية ( الإخوان المسلمين) .

لقاء العيد

في صباح يوم عيد الفطر المبارك . خرج الإخوة كالعادة في طابور دورة المياه وحين التقي الأخوة وعلى غير العادة قفز كل أخ لمصافحة أخيه وتهنئته بالعيد اشتعلت الأشواق وتوقدت العواطف واشتبك الإخوان في ملحمة عاطفية جارفة غير مبالين بوجود الحرس . وإذا بهذا لمشهد الحاني الرطيب المثير قد قلب المحنة إلى منحة نسي فيها الأخ تلك الجروح الغائرة والآلام والجوع والعطش والإذلال إن هذا المشهد العظيم قد دمر ما صنعه الطغاة على المخطط اللئيم والمؤامرة الدنيئة التي ترمي تزيق ود القلوب وإيغار الصدور وكراهية الأخ لأخيه بما يذروه من وسائل الشقاق والكراهية .

وإذا بالحب الرائع يضمد الجراح ويغسل القلوب ويرطب النفوس بحرارة روحية ربانية لا يقدر عليها إلا الله تعالي ( لو أنفقتما في الأرض جميعا ما ألقت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) كانت المحن المتوالية تقصد عن عمد وإصرار إلى تحطيم العلاقات الأخوية وقتل روح الحب الذي هو روح الإسلام وريحانة الدعوة وأريج طريقها وعطر أنفاسها – كانت ولا تزال تلك غاية الأفاعي وسم أعداء الإسلام فإذا بهذه السياط تغرس وتدعم آيات الحب وتوثيق روابط القلوب , وتؤكد للإخوة أن المحبة حرب أكيدة ضد الإسلام والمسلمين شاهدوها يقينا بأعينهم وبأنفسهم فزاد إيمانهم بدعوتهم وصدقها وإذا بالحب يتألق على جبين الدعوة نورا يبهر ويهزم الأعداء .

لقد وقف أعداء الدعوة أمام مشهد الحب في الله – مشهد التحام الشباب بعضهم ببعض بأشواق هائلة وعواطف متأججة وقفوا في ذهول يندبون حظهم وسوء مصير مخططهم ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )

الحلاقة

منذ قبض علينا لم تفكر إدارة السجن أن تأمر بحلق شعورنا أو ذقوننا حتي تغيرت أشكالنا ولم يعرف بعضنا بعضا .. وصدت التعليمات بأن يحلقوا شعر الرأس بالماكينة الزيرو ويتركوا شعر الذقن ..

وحلاقة الشعر محنة لأن عدة الحلاقة مجهزة على أساس أنها آلة تعذيب فهي تشد الشعر وتقتلعه من جذوره – المهم بدأ العسكري الحلاق يحلق رأس زميلي وبعد الحلاقة بدت رأسه صغيرة جدا بالنسبة لذقنه الكثيفة بالشعر والتي تركها بدون حلاقة – المنظر مثير للضحك ولكن من يستطيع ذلك !!

عيد الفطر المبارك

وجاء عبد الفطر المبارك منحة من الله تعالي . أجازة رسمية يتوقف فيها التحقيق والتعذيب وتطمئن فيها نفوس المعذبين في الأرض .

قام العساكر المتمرسون على أنواع التعذيب المختلفة بأجازة العيد وجئ بدلا منهم جدد لا خبرة لهم بالقضية وليست عندهم سابقة في فن التعذيب , وفي صباح يوم من أيام العيد المبارك وكنا ثلاثة من الإخوان في الزنزانة إذ فتح علينا عسكري الباب وأعطانا علبة خشبية فيها ثلاث تفاحات أمريكاني وحوالي نصف كيلو من اللوز والبندق والزبيب – ثم أغلق الباب وانصرف ونظر بعضنا إلى بعض في شبه ذهول – فأنا لم يكن يخطر ببالنا أن يحدث ذلك في السجن الحربي ونحن محرومون حتي من الماء !! وجميعنا خطر بباله قول الله تعالي ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ..)

أكلنا التفاح وبعضا من الأشياء الأخرى – واحتفظنا بالباقي مع كل واحد منا جزء حتي إذا خرجنا إلى دورة المياه نعطيه لإخواننا الذين نقابلهم في الدورة – ولكننا للأسف لم نتمكن لشدة الحراسة .. وبقيت هذه الأشياء معنا لعل فرصة تسمح بذلك .

وانتهت أجازة العيد وفوجئنا بالعسكري ( على الأسود ) يفتح الزنزانة ويقول واد يا سيسيى أين الصندوق الخشب ؟ حدث عندنا ارتباك وخوف وقلت لا يوجد عندنا صندوق يا أفندم . قال : الصندوق اللي كان فيه التفاح وذهب ليتأكد بنفسه من زميله الذي أعطانا الصندوق .

في هذا الوقت أسرعنا بالتهام اللوز والجوز والزبيب خوفا من أن يضبطه معنا وفيما نحن نمضغ ونبلع إذا به يفتح الباب ويهاجمنا بالضرب على وجوهنا فتنفجر هذه الأشياء في وجهه !

ثم يقول أنه يريد الصندوق الخشب حتي لا ضبط عندكم في الزنزانة فتكون داهية عليه .. فأفهمناه أننا تخلصنا من الصندوق ووضعناه في صندوق الزبالة وعرفنا بعد ذلك أصل هذه الحكاية أنه في الزنزانة القريبة منا توجد شخصية : الحاج صادق المزين وهو من كبار الإخوان في مدينة غزة في فلسطين ومقبوض عليه بتهمة تمويل جماعة الإخوان – جاء أبناؤه وهم من كبار التجار في البلاد العربية لزيارته في العيد ومعهم هدايا ثمينة للصول صفوت الروبي الذي سمح بدخول التفاح واللوز والجوز والزبيب وغير ذلك للصول صفوت – مثل الغسالة والتلفزيون والبوتاجاز تلك التي تحول إلى منزله والحاج صادق شخصية من كبار رجال غزة ومن العاملين المجاهدين لنصرة الدعوة الإسلامية وقد لاقي من التعذيب ما تقشعر من هوله الأبدان وكان يشاركنا في الذهاب إلى الغيار والعلاج الطبي وحكم عليه بالسجن عشر سنوات مع مصادرة أمواله في البنوك المصرية .

الاستحمام والملابس

الغالبية العظمي من الإخوة الذين اعتقلوا – تم اعتقالهم دون أن تتاح لهم فرصة ليأخذوا معهم ملابس داخلية – بل يقال لهم خمس دقائق فقط في قسم الشرطة ثم تعودون ولا يعودون إلى ما شاء الله – والذين أسعدهم الحظ فاستطاعوا أن يأخذوا معهم بعضا من ملابسهم فإنها توضع في مخزن الأمانات بالسجن ففي كلا الحالتين لا ملابس وبهذا صارت الملابس التي دخلنا بها ممزقة ولا تصلح حتي الأحذية قد فقدت قيمتها لأن أقدانا تشكلت تشكيلا جديدا من اثر الضرب عليها بالكرابيج السوداني .

أما الاستحمام فلم يرد في قاموس السجن الحربي – لهذا ظهرت حالات م الجرب وأصبحت أرجلنا مقحطة ) وكذا أكفنا والماء وهو سر الحياة نراه لولا نستطيع أن نقترب منه .

كالعير في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول

الشهيد محمد منيب

قبض على الأخ الأستاذ محمد منيب أمين مكتبة جامعة أسيوط وفي حالة قيام المباحث بتفتيش مسكنه عثرا عنده على رسالة من أحد أصدقائه وفي ختام الرسالة يقول له فيها ( خللي بالك من الكتاكيت) وعبثا حاول الأخ محمد أن يقنع المحقق أن كاتب الرسالة يقصد أن يقول خلي بالك من الطلبة الذين يتوافدون على المكتب ... ولكن المحقق مصر على أن هناك تنظيم يقوم الأخ محمد بالإشراف عليه ولم يتنازل عن ر أيه , واستمر الطغاة يعذبونه ثم أعادوه إلى حجرته فاقد النطق وحاول الأخ الدكتور إبراهيم عبيد أن يعمل أى شئ لإنقاذه ولكن كيف ؟ حتي لفظ أنفاسه الأخيرة شهيدا في سبيل الله ..

وفي المساء تطفا الأنوار وتدخل سيارة جيب . حيث يحملون جثة الشهيد ملفوفة في بطانية وفي سفح جبل المقطم يوارونه التراب وإنا لله وإنا إليه راجعون. ويكتبون أمام اسمه في سجل الإيراد – هارب !!

قصيدة من واقع التعذيب

قصيدة من واقع التعذيب الذي عايشته بأسلوبي الخاص

أنا لا أتحدث عن التعذيب وأهواله .. ولا عن القتل وما حوله أنا أتحدث عن مشهد رهيب رأيته .

شاب وسيم في ريعان الصبا والشباب . لا شئ يستر جسمه .

ربطوه بالحبال علقوه للعذاب – الزبانية عن يمينه وعن يساره السوط يمزق جسمه بقوة الطاغوت وسلطانه الفتي يصرخ مستنجدا ربه – ربه وحده لا شريك له .

يا فتي تكلم أين السلاح أين القنابل أين الخناجر ؟

الفتي في محراب الصلاة صلاة الجهاد يدعو ربه – ربي أخشي أن تكون ذنوبي هي سر عذابي – إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي هول هذا العذاب السوط يمزق جسمه بقوة الطاغوت وسلطانه .

يا فتي تكلم أين السلاح أين القنابل أين الخناجر ماذا قال لك وماذا قلت له ؟

الفتي لا يتكلم ...

السيجار يطفأ في جسمه وفي مكان أخجل عن ذكره .

أسياخ الحديد تحمي له أسمعها تطش في جشمه الفتي يصرخ بأعلي صوته مستنجدا ربه ربه وحده لا شريك له – الله حليم سبحانه .

يا فتي تكلم أين السلاح أين القنابل أين الخناجر ماذا قال لك وماذا قلت له ؟

الفتي لا يتكلم .

هاتو الكلب له . الكلب عقور مدرب ومعه مدرب الكلب ينهش في جسمه وفي مكان حدد له أخجل من ذكره , الدم يسيل والطغاة يقهقهون ويضحكون .

يدخل طاغوت كبير الجميع يقفون له ويعظمون يقول دعوه فكوا وثاقه الفتي سوف يتكلم .

الفتي يتكلم ... في حجرة معزولة في بيتنا والظلام يلفنا ولا أحد غيرنا قلت له – صاحب الكون يملكه ومن يملك الكون يحكمه – يحكمه وحده لا شريك له – والإنسان صنعته فهو الذي خلقه وهو الذي يرزقه وهو الذي يميته وهو الذي ينشره – والقرآن للإنسان أنزله وفصله والحكم بالقرآن مرجعه وضع الأمر في موضعه ومن لم يحكم بما أنزل الله عبد تمرد على سيده.

فقال لى – وكيف الحكم بالقرآن في دولة الطغيان شنقوا منا ستة في لحظة وكثير منا قتلوا في الليمان فتعاهدنا على الجهاد حتي ينتصر الإسلام ونحكم بالقرآن .

فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وتآمروا أن يقتلوه ظلما وبينما السوط يمزق جسمه بقوة الطاغوت وسلطانه ..

الفتي يستنجد ربه ربه وحده لا شريك له ..

أحد أحد فرد صمد لا والد ولا ولد

الطغاة يسبون الله في وجهه ... الفتي يغمغم يا رب هذا كفر لا أطيقه الفتي يغمي عليه فتقطع أنفاسه .

الملائكة – يا شهيد الحق هيا بنا – الأنبياء والشهداء في انتظارنا .

وخرجت صحف مصر المضللة عليها صورة للشهيد مكبرة – مكتوب تحتها هارب من العدالة – قتل الإنسان ما أكفره ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)

أحمد عادل كمال

الأستاذ أحمد عادل كمال من السابقين في الجماعة وعضو بارز في النظام الخاص ونشاط ملحوظ – قبض عليه واتهمه شمس بدران بأنه على رأس تنظيم جديد . وقد تفننوا في تعذيبه عذابا وصل به إلى حافة الموت وعاش في مستشفي السجن تحت التحقيق وأخيرا تأكد شمس أن أحمد عادل كمال لم يفكر في مثل هذا الأمر – وتقابلت معه حين يعالج في الغيار الطبي الذي يجمع المعذبين في الأرض .

الشهيد رفعت بكر شافع

كان من أوائل الذين استشهدوا في السجن على أيدي الزبانية الطغاة ذلك الشاب المؤمن رفعت بكر شافع وهو ابن شقيقة الشهيد سيد قطب وبلغنا نبأ استشهاده بعد فترة حيث كنا نعيش في حبس انفرادي .

أهداف ممارسة التعذيب

الهدف القريب المرئي لنا من جراء عمليات التعذيب الوحشي الرهيب الذي يجري علينا هو عملية إجهاض للمفاهيم التي ترسبت في عقولنا وأشربتها قلوبنا – وهي لقتل الآمال العظيمة التي نشدوها لإعادة مجد الإسلام بتحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي يريدون بالتعذيب والقتل أن نقلب هذه الآمال إلى وهم وخيال ويأس فالسلطة تتجسم بوحشيتها المدمرة كأنها القاضية على الدعوة والدعاة بحيث يظن الإخوان أنهم لن ينقلبوا إلى أهليهم أبدا وأنه لا ناصر لهم ولا معين . كما كان يقول طاغوطهم حمزة البسيوني – " لو جاء ربكم هنا لوضعته في الزنزانة " تعالي ربنا عما يقولون علوا كبيرا في الوقت الذي تتمزق فيه أجساد المعذبين وتنطلق أرواحهم إلى السماء وتخفت الأصوات وتخبو الشعلة وينطفيء النور ويتمزق جسم الجماعة أشتاتا خوفا وفزعا ويفر الأخ من أخيه وتتخاصم القلوب وتتنافر الأفئدة ويزرع الشك والريب والاتهامات بين الأفراد – ومن عوامل الأسي والألم أن تظل آثار ونتؤات التعذيب تترك بصماتها الحزينة حية ناطقة على الأجساد عشرا السنين شاهدة على خسة ونذالة الأحياء منهم .. والأموات على ما اقترفوه من التعذيب الوحشي البربري الذي لم يفلت منه والد ولا ولد والذي يشهد عليهم بأنهم لم يكن في قلوبهم ذرة من إيمان أو إحساس أو شعور .

كان الهدف من جهنم التعذيب هو تشتيت هذا الجمع المؤمن الذي قهرهم بإيمانه العميق ووجدته وغاظهم بحبه وفدائيته وتفوقه في كل مجالات الحياة العلمية والثقافية والأخلاقية . تم تخطي حدودهم الضيقة إلى الجهاد في فلسطين والقنال .

وتجاوز القبض والتفتيش والإهانات والإدعاءات الباطلة أقارب الإخوان حتي الدرجة الثالثة حتي أحيل إلى الاستيداع من الخدمة العسكرية أقاربهم من الضباط من مختلف الرتب – كل ذلك ليشعلوا نار الفتنة والكراهية بين الأقارب – حتي تباعدوا اتقاء المرجفين والبصاصين عملاء الظالمين – حتي امتنع بعض الأقارب من العودة إلى مصر حتي ولو في زيارة خوفا من ظلم الاتهامات .. لأول مرة في تاريخ مصر تعتقل السيدات وتحاكم ويصدر ضدهن أحكام بالسجن.. فيسقط الحياء وتداس كرامة المرأة .. ولقد بلغ بهم السفه حين أشاع هذا الرعب في كثير من البلاد العربية مثلما فعلوا في القبض على الأخ الشيخ فتحي رفاعي في الجزائر وأحضروه بطائرة خاصة إلى مصر .

كان الغرض من ممارسة التعذيب أوسع خطرا من القضاء على جماعة الإخوان – إنه في الصميم كان القضاء على الدعوة الإسلامية لأهداف بعيدة المدي سوف نكشف عن الأحداث الخطيرة المتتالية التي تقع حول مصر والوطن الإسلامي ..

ومع هذا المخطط الرهيب الكئيب .. فقد خاب ظنهم فقد اندلعت وانبثقت الدعوة في كل أرجاء الدنيا وأقبل ملايين الشباب غير هيابين ولا وجلين يدخلون في الدعوة أفواجا وصدق الله العظيم ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ) .

الفصل الثاني

  • الإخوان على شاشة التليفزيون
  • تحقيقات نيابة أمن الدولة
  • مناقشة حرة مع الأستاذ عبد السلام حامد
  • النيابة تنهي التحقيقات
  • الطوابير الشاقة


الإخوان على شاشة التلفزيون

بدأت مرحلة جديدة بعد إجراء التحقيقات بواسطة المباحث الجنائية العسكرية بدأت مرحلة التشهير بجماعة الإخوان على شاشات التليفزيون والإذاعة والصحافة .

قامت وسائل الإعلام بالتلفزيون كل مساء بتقديم واحد من الإخوان ليتحدث عن خطة الجماعة في قلب وكيف كانوا يعتزمون قتل الرئيس جمال عبد الناصر وقيادات تنظيم الحزب ونسف الكباري ومحطات توليد الكهرباء وغير ذلك من الإدعاءات الباطلة وكان أول من ظهر على الشاشة هو الأخ محمد عبد الفتاح الشريف والأخ مجدي عبد العزيز متولي والأخ عبد المجيد الشاذلي والأخ محمد عبد المعطي الجزار المعيد بمؤسسة الذرة والذي ضبط السلاح في منزله والأخ حلمي حتحوت المعيد بكلية الهندسة وكان يؤتي بالأخ قبل عرضه على الشاشة فيلقن الإجابات التي تفيد التحقيق فإذا دخل على المذيع وكان (حمدي قنديل ) وخالف الكلام المتفق عليه – يعودون به ويلقنونه درسا في التعذيب ويعود إلى المذيع مرة أخري وهكذا حتي يقول الكلام الذي يملونه عليه .

الحكومة تلغي عرض التلفزيون

ورغم أن كل أخ تحدث على الشاشة كان يعيش في خوف ورعب لما يترقبه بعد ذلك من محاسبة على كل كلمة . فقد كانت مواقف رائعة أحسها الشعب المصري بفطرته فكان الناس في المقاهي والمنتديات يصفقون إعجابا وتقدير كلما شاهدوا وسمعوا لأحد هؤلاء الأخوة وهم يتكلمون بشجاعة وقوة على أن غايتهم من هذه الحركة هو تحكيم كتاب الله تعالي في الأرض وكانت نتيجة استطلاع الرأي لتأثير هذا العرض – هو زيادة إعجاب غالبية الشعب بجماعة الإخوان لهذا أسرعت الحكومة بإلغاء هذا العرض – رغم ما ألبسوه من تزوير وتضليل .

وجاء العسكري زغلول مجاهد الحارس الشرس وفتح الزنزانة وهو يبتسم ويقول هو أنت يا واد يا سيسي كنت في الجيش – فقلت له – أيوه – فقال أمبارح كنت في إجازة في بلدنا وشفت التلفزيون وسمعت مجدي والشاذلي بيتكلموا عليك وأخذ يستظرف معي وتركني بسلام .

قفل باب التحقيق مع المباحث الجنائية

وفي مساء أحد الليالي استدعينا فردا فردا وتوجهت إلى مكتب التحقيق وهناك وجدت اليوزباشي إحسان العجاتي يقدم لى أوراق التحقيق للتوقيع عليها بالطبع لا مراجعة ولا مناقشة فوقعت له على الأوراق كما طلب وعدت إلى الزنزانة – ووجدت نفسي وقد استرحت نفسيا عقب التوقيع مهما كانت عاقبة ذلك من أحكام . فقد ظننت أن بانتهاء التحقيق سوف لا يكون بعد ذلك من تعذيب ..

نيابة أمن الدولة تبدأ التحقيق

سمعنا أن نيابة أمن الدولة العليا هي التي ستتولي التحقيق معنا في القضية رقم 121 – 1965 وبدا لنا أن تحقيق النيابة سوف يكون فيه إمكانية الدفاع وإيضاح الحقائق بكل الحرية دون ضغط أو إرهاب .. وبعد حوالي أسبوعين من التوقيع على تحقيق المباحث الجنائية – علمنا أن خياما تنصب في حوش السجن الحربي وأن رجال نيابة أمن الدولة سوف يقومون بإجراء التحقيقات مع الإخوان في مبني السجن الحربي !! فكانت صدمة شديدة فالمعروف قانونا أن المتهم يذهب إلى سراي النائب العام ويحقق معه هناك حتي لا تكون هناك مؤثرات تقع عليه من أية سلطة غير سلطة التحقيق التي لا سلطان عليها إلا سلطان الضمير والقانون وكان هذا النبأ صدمة عنيفة نتلقاها وخيبة أمل في سدنة القانون .

الخروج للتحقيق أمام نيابة الدولة.

نصبت في ساحة السجن الحربي حوالي عشرة خيام صغيرة مجهزة كل خيمة بمكتب إيديال جديد مع مستلزمات من كراسي ومروحة ودولاب للأوراق وجندي مراسلة يقف خارج الخيمة يلبي طبلات السيد وكيل النائب العام هذا فضلا عن جندي البوفيه الذي يقدم المرطبات والشاي للسيد وكيل النيابة والسكرتير فضلا عن طعام العشاء الذي تأتي به سيارة بأشهي المأكولات من أفخم مطاعم القاهرة والمعروف أن التحقيقات في السجن الحربي تبدأ ليلا وتنتهي عند الفجر .


التحقيق مع عباس السيسي

حوالي الثامنة مساء توجهت مع العسكري الحارس حيث أجلسني القرفصاء على الأرض ووجهي أمام أحد الخيام حتي لا أري أحدا غيري من الذين يأتون للتحقيق في الخيام المجاورة .

وبعد نصف ساعة نودي على المتهم عباس السيسي فدخلت الخيمة وأشار رئيس النيابة – اجلس – كان أمامه مرسي فجلست عليه ثم قال لى – أنا عبد السلام حامد رئيس نيابة في أمن الدولة – فقلت أهلا وسهلا . يا أفندم – ثم أخذ يفتح ملف أمامه مدة طويلة وهو يكتب ملاحظات في ورقة خارجية ثم بدأ يسألني عن اسمه – عمري – عملي – بلدي – ثم قال : طبعا أنت عارف انك متهم بتشكيل تنظيم سري مسلح الغرض منه قلب نظام الحكم – وعارف الكلام اللي أنت قلته في لتحقيق مع المباحث العسكرية وعارف أيضا اعترافات إخوانك في القضية ؟

فقلت: أنا فاهم إن سيادتك سوف تبدأ معي التحقيق من جديد ولن تعتمد على اعترافاتي في تحقيق المباحث الجنائية العسكرية _ لأن هذه الاعترافات أخذت بواسطة التعذيب المرير وسيادتك شايف آثار التعذيب الظاهرة على قدمي وهذه أظافر يدي اليمني طارت من التعذيب .

فقال رئيس النيابة موجها الكلام لي : ما هو انتم ما ينفعش معاكم إلا كدة !!!

وبعد أن سمعت منه هذه العبارة صدمت صدمة قاسية وشعرت أن المؤامرة مرتبة تماما ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله رب العالمين .

بدأ رئيس النيابة يسأل وأنا أجيب بقدر وحذر بعدما تبينت أن الأمور على غير ما كنت أظن أن العدالة ستكون رائد نيابة أمن الدولة .

سؤال : من هو رئيس الجهاز السري ؟

قلت : أنا إلى الآن وإلى هذه اللحظة لا أعرف من هو المسئول عن التنظيم ولا أعرف أحدا من قيادة التنظيم إطلاقا كل الذي أعرفه أن مجدي عبد العزيز متولي هو حلقة الوصل بين تنظيم الإسكندرية وتنظيم القاهرة ولا شي غير ذلك وقلت إن تنظيم الإسكندرية الخاص يتولاه عبد المجيد الشاذلي واتفقنا أن هذا التنظيم لا يدخل فيه عنصر السلاح إطلاقا – وإنما هو تنظيم سري فقط واستمرت المناقشة في أنني مصر على أن تنظيم الإسكندرية هو تنظيم سري وليس جهاز سري مسلح ورئيس النيابة مصر على أن تنظيم الإسكندرية هو جهاز سري مسلح !

وهناك اختلاف جوهري بين التنظيم السري والجهاز السري .

وحضر بعض رؤساء النيابة المشاركين في التحقيق هذه المناقشة التي حدثت . قلت : إن التنظيم السري – هو عبارة عن تنظيم الإخوان المسلمين قبل حل الجماعة وكان عبارة عن نظام الأسر الذي يتكون من خمسة إخوان على رأسهم ما يسمي نقيب الأسرة فلما صدر قرار حل الجماعة ولم يسمح بأي نشاط للإخوان فقد بقي هذا النظام قائما في الجماعة وأصبح بعد الحل اسمه " التنظيم السري " لأنه قد انقلب من العلانية إلى السرية ونحن في الإسكندرية لا نزيد على هذا الوصف .

أما الجهاز السري المسلح .. فهو شيء غير التنظيم السري – حيث تلتقي مجموعة من الإخوان لى نية الجهاد المسلح ضد هدف محدد متفق عليه وقد أعدوا لذلك ما يحتاجون من أسلحة وتعاهدوا على ذلك وهذا ما كان يسمي بالجهاز الخاص عند جماعة الإخوان للدفاع عن الإسلام ضد مخططات أعدائه .

ونحن في الإسكندرية لم يثبت أننا نفذنا واحدة من هذه النقط ولم نتفق على عمل معين ولم يضبط عندنا سلاح على الإطلاق ورغم أن هذه المناقشة واضحة جدا وبادية على وجوههم – إلا أنهم أصروا على أن تنظيم الإسكندرية عبارة عن ( جهاز سري مسلح ) ورغم أنني قرأت من قبل أن أى إنسان ولو فكر في قتل إنسان آخر ولا يضبط معه أو عنده سلاح فلا تعتبر هذه القضية جنائية ولما كنت أعلم علم اليقين أننا في الإسكندرية ليس عندنا أى نوع من السلاح فقد أصررت على أننا لسنا تنظيما أو جهازا سريا مسلحا .

قال رئيس النيابة : هل أنتم في الإسكندرية تابعون لتنظيم القاهرة ؟

قال : إننا ضبطنا عند جهاز القاهرة مجموعة من الأسلحة – وحيث أنكم جزء من تنظيم القاهرة . فإن هذا السلاح الذي ضبطناه يعتبر سلاحكم .

قلت : ولكننا لم نساهم في اى شئ مادي يدخلنا في دائرة العمل الجنائي

قال : إن عبد المجيد الشاذلي – استأجر شقة في منطقة ميامي بالإسكندرية وأحضر فيها بعض الأسلحة وقام أحد أفراد التنظيم بتدريب بعض أفراد التنظيم عليها .

قلت لا علم لى بهذه الواقعة على الإطلاق ولا معرفة لي بهذه الأسماء .

سألني عن بعض الأسماء التي رشحتها بنفسي للأخ عبد المجيد الشاذلي منهم الأخ محمد حمص والأخ عبد اللطيف آدم – قلت : أنني رشحت هذه الأسماء للعمل في نشر الدعوة .

كان التحقيق يدور في خيمة رئيس النيابة – وضباط المباحث الجنائية يمرون علينا وينظرون إلينا يذكروننا بالكرباج إن نحن حاولنا أن ننكر شيئا مما ذكرناه معهم في تحقيق المباحث الجنائية .

بالطبع في هذه الوريقات لا استطيع أن أنقل كل ما دار في تحقيق أستمر مدة خمس ليال في مناقشات مثيرة تناولت كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل الأحداث التي كانت في تحقيقات المباحث الجنائية كنت أنتهي من التحقيق في منتصف الليل أعود إلى الزنزانة فلا أجد طعاما للعشاء – وكنت أتوسل للعسكري قبل دخول الزنزانة في أن يأذن لى في شربة ماء – كنت أتيمم ثم أصلي لعشاء وأرتمي على الأرض كي أنام ولو ساعة وسرعان ما تفتح الزنزانة وينادي العسكري ولد يا سيسي يا ابن .. قم .. أقوم وأنا أرتعد ليس من الخوف ولكن من المفاجأة , ثم يقول العسكري أخر يا ابن ... وبعد أن أخرج يقول ارجع ثاني .. وكنت أظن أنني أعود إلى الزنزانة يكون عندي بعض الوقت أستطيع فيه أن أفكر في ترتيب أقوالي وتنظيم أفكاري لم ينتظرني من مواقف في التحقيق في مساء غد – ولكن كيف يكن ذلك والمؤامرة محبوكة على من كل جانب ... فإن أى تركيز لا يصلح مع جسم مكدود وعقل تائه في دوامة لا ساحل له ولا معين إلا الله تعالي – إن رئيس لنيابة – يلعب بالورق الذي أمامه – يقدم حكاية لا قيمة لها ثم يسرح في متاهات – ثم يفاجئني بسؤال قد يكون سألني عنه قبل ذلك – وأجبته عليه – ولكنه في هذه المرة يختلف الرد فيتغير وجه الحقيقة .

وكان ينتهز فرص إرهاقنا فيصول ويجول – فإذا اختلفت الإجابة فإنه بإشارة إلى لعسكري فيؤخذ المتهم إلى مكاتب التحقيق لتستقبله الزبانية فيعود ويقول ما هو مطلوب .. وكثيرا ما يسمع صوت التعذيب للقريب والبعيد .

مع سكرتير النيابة

أحيانا يخرج رئيس النيابة من الخيمة لمقابلة رئيس نيابة أمن الدولة الذي يجلس في مكتب شمس بدران لمتابعة التحقيقات فأخلوا بالسكرتير وكان رجلا صامتا أو هكذا تفرض عليه وظيفته وعرفت أن أسمه الأستاذ محمد وفيق وحاولت أن أتكلم معه فكان لزاما عليه أن يرد ولو بكلمات مختصرة وفهمت منه أن عبد المجيد الشاذلي قد حقق معه قبلي وأن مجدي سوف يحقق معه بعدي حاولت أن أعرف منه أسماء قيادة التنظيم فاعتذر بأنه لا يعرف ولكنه كان على كل حال مهذبا .

جلسة مع رؤساء النيابة

ذات مساء وبعد انتهاء فترة التحقيق اجتمع فى الخيمة حوالي أربعة من رؤساء النيابة . ووجهوا لى بعض الأسئلة كانت جميعها عن شخصية الإمام حسن البنا – وأفهموني أن هذه الأسئلة خارج نطاق التحقيق – وأخذت أرد علي أسئلتهم بكل ما أفهمه عن حسن البنا من بساطة وتواضع وقدرته على الإقناع و التأثير والتجميع وذكرت لهم بعض مواقفه الإسلامية وكيف أنه يحسن التصرف في مواجهة الأحداث دون أن يسئ إلى شخص أو حزب أو جماعة . وذكرت كيف كان سريع التأثير في الأفراد ولا يتوقف معهم على مجرد التعارف فقد كان يتابع الفرد من أول لقاء حتي يتم اندماجه في الجماعة دون التفريط في السؤال عنه في كل مراحل حياته وهذا من أسرار قوة الروح وقوة الإيمان بالدعوة . ولولا عبقرية حسن البنا التي بناها الإسلام لما بقيت هذه الجماعة تمتد جذورها في أنحاء العالم .

سيد قطب

الأستاذ الشهيد سيد قطب إبراهيم من مواليد قرية يوشي بجوار مدينة أسيوط عام 1906 وتخرج من كلية دار العلوم بالقاهرة سنة 1933 وهي نفس الكلية التي تخرج منها الإمام الشهيد حسن البنا

أفكر سيد قطب تأثير كبير في الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة فقد بدأ حياته أدبيا شاعرا وناقدا حتي نهاية الأربعينات ثم تطورت شخصيته إلى مفكر إسلامي واعتبر كل حكم غير إسلامي حكما جاهليا يجب تغييره وكان إنتاج سيد قطب الفكري والأدبي قد مر بمدرسته الأولي حيث تلقي تعليمه الأول في قريته ثم تلقي تعليمه الثانوى بالقاهرة ودخل كلية دار العلوم وانتمي إلى المدرسة الأدبية التي كان يمثلها الأستاذ عباس العقاد . والمرحلة الثانية بداـ سنة 1950 والتي أعلن فيها تخليه عن أكثر كتبه التي ظهرت له قبل ذلك وانضم بعد ذلك للإخوان المسلمين ودخل السجن ثم حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه وفي فترة السجن وضع سيد قطب أخطر كتبه وأعظمها تأثيرا في الاتجاهات الفكرية المعاصرة وخاصة تلك التي تؤمن بها الجماعات والاتجاهات الإسلامية ومن هذه الكتب تفسيره للقرآن الكريم " في ظلال القرآن"و" معالم في الطريق " وقد أسهمت هذه الكتب في تجديد الفكر الإسلامي وإشعال الحركة الإسلامية في وعقائدهم مما جعلهم يتآمرون عليه حتي دبروا هذه المحنة 1965 كما فعلوها من قبل عام 1954 وأعدموا في ساعة واحدة ستة من كبار رجالات الدعوة ومن قبل ذلك عام 1948 حيث قتلوا الإمام الشهيد حسن البنا واعتقلوا وعذبوا في كل محنة الآلاف من خبرة شباب هذه الأمة .

مناقشة حرة مع المستشار عبد السلام حامد – رئيس النيابة

بعد انتهاء التحقيق .. قال الأستاذ عبد السلام حامد : الآن أستطيع أن أذكر لك اسم رئيس التنظيم : قال : أنه الأستاذ سيد قطب ...

الحقيقة يعلم الله أنني لم أكن أتوقع ذلك . بل أنه لم يخطر ببالي كذلك ! لأنني أعرف أنه قد أفرج عنه من السجن منذ عدة شهور ثم أعرف أنه مريض وقليل الحركة أغلق الأستاذ عبد السلام حامد أوراقه وأسند ظهره إلى كرسيه ونظر إلىّ وقال : الآن قد انتهي التحقيق ولكن لى عندك بعض الأسئلة .

السؤال الأول : كيف يصل الإخوان إلى الحكم .

قلت : ليكن معلوما أولا أن الحكم ليس غاية عند الإخوان وهم يعملون للوصول إلى الحكم كوسيلة لإظهار مبادئهم وتحقيق أهدافهم وإرضاء ربهم لأن الحكم معدود من الأصول – وهم يعملون للوصول إلى الحكم بالوسائل المشروعة ولا يستعجلون الوصول إليه قبل تكوين قاعدة إسلامية عريضة تلتزم تعاليم الإسلام .

السؤال الثاني : فلماذا إذن يستعمل الإخوان السلاح في مثل هذه التنظيمات ؟

قلت : الإخوان كانوا يجمعون السلاح ويتدربون عليه . كما هو ثابت في الواقع والتاريخ حين حاربوا اليهود في فلسطين عام 1948 وحاربوا الانجليز في القنال عام 1951 وسقط منهم عشرات الشهداء على أرض فلسطين والقنال .

أما في عهد 23 يوليو فإن رجال ثورة يوليو كانوا قد ساهموا بأنفسهم في تخزينها في عزبة الأستاذ حسن العشماوي والذي كشف عن أسرارها في المحاكمات وطلب شهادة جمال عبد الناصر لذي باشر تخزينها بنفسه .

وانتهي تحقيق النيابة معي – ووقعت على الأوراق .

وأثناء نظر القضية أمام محكمة الفريق أول الدجوى . وجه لي سؤالا يقول إنك قررت أثناء التحقيق معك أمام النيابة أن الإخوان يسعون للاستيلاء على الحكم بالقوة !!

فقلت للقاضي : هذا لم يحدث مني ولم أنطق به إطلاقا !!

وكان الأستاذ عبد السلام حامد يسمع مني هذا الكلام حيث كان هو الذي يمثل الإدعاء في هذه القضية .

وهكذا كانوا يلبسون الحق بالباطل حين سألني في آخر جلسة عن كيف يصل الإخوان إلى الحكم فأثبت له أن الإخوان يسعون إلى ذلك بالوسائل المشروعة ولم أقل بالقوة !!

وهكذا أنهت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في قضية الإخوان رقم 12 – 1965 مع أكثر من ألف شخص من حوالي ثلاثة آلاف من الإخوان المعتقلين في في زنازين السجن الحربي الذين عاشوا هذه الشهور المريرة تحت أنواع التعذيب الرهيب .

قضية حسين توفيق

فى الوقت الذي تم فيه القبض على تنظيم الإخوان – كان قد تم القبض علي تنظيم على رأسه حسين توفيق – وكان لزاما أن نسجل بعض المعلومات عن هذه القضية .. في أحد أيام شهر يوليو سنة 1965 . قام رجال المباحث الجنائية العسكرية بالقبض على حسين توفيق ومعه مجموعة منهم شقيقه سعيد توفيق وابن خالته مدحت فخري ثم عبد القادر عامر وأحمد الحناوي والعقيد [[مصطفى راغب ]] وسامي عبد القادر وعبد خميس العزيز واللواء معروف الحضري والذي كان متهما أيضا في قضايا الإخوان . والعميد محمود خليل .

وقد اتهم حسين توفيق ومن معه بتدبير انقلاب ضد نظام حكم جمال عبد الناصر – ثم ضبط بعض الأسلحة عد إجراء التفتيش عليهم في مدينة الإسكندرية .

والمعروف أن حسين توفيق المتهم الأول في هذه القضية كان هو المتهم الأول في قضية مقتل أمين عثمان الذي كان الرئيس محمد أنور السادات أحد المتهمين فيها وعلى اثر الحكم في هذه القضية تمكن حسين توفيق وصديقه عبد القادر عامر من الهرب إلى سوريا وقد اتهم حسين توفيق وزميله عبد القادر عامر وآخرون في محاولة اغتيال العقيد أديب الشيشكلي رئيس جمهورية سوريا في الساعة الواحدة والنصف من ليل 11/ 12/ 1950 وصدرت ضدهما أحكام بالإعدام ثم استبدلت بالسجن المؤبد في يوليو 1957 ثم تابعت الصحف المطالبة بالعفو عنهما مع الدكتور أمين رويجة الزعيم السوري وفي عهد الرئيس شكري القوتلي صادق على قرار لجنة العفو ثم غادر حسين توفيق وحسين عامر سوريا إلى مصر حتي دبروا هذا الانقلاب كما تزعم المباحث الجنائية العسكرية .

العميد مهندس محمود خليل

فوجئت بالعميد محمود خليل متهما في قضية حسين توفيق وقد صدر عليه الحكم بالبراءة وكان العميد محمود خليل قائد كتيبة تحارب اليهود في عام 1948 وتوافد على غزة مئات المهاجرين الذين فروا من بشاعة اليهود وعدوانهم عليهم في دير ياسين واللد والرملة وكانت حياتهم بائسة إذ أن اليهود أخرجوهم من أموالهم ومتاعهم وجردوا النساء من حليهم – وقتلوا كثيرا من شبابهم أمام أعينهم _ إنها مأساة فوق التصور , في هذا الوقت فكر الإخوان المسلمين في غزة أن يتعاونوا مع أهالي لمدينة في إنقاذ إخوانهم فقرروا أن يجمعوا من كل بيت ( رغيف خبز) يقومون بتوزيعه على الفقراء المهاجرين الذي اتخذوا من المساجد ومن المقابر مأوي وأطلق الإخوان على هذه الفكرة – مشروع الرغيف.

وكان عظيما ورائعا أن يتعاون رجال القوات المسلحة في هذا المشروع فكان العميد محمود خليل يرسل لنا كل يوم سيارة محملة بمئات من الأرغفة فقد كان الجندي له تعيين يومي أربعة أرغفة - فكان يتبرع برغيف كل يوم وساعد ذلك على التعاون على البر والتقوي ومساعدة إخواننا من الهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم فرارا بدينهم ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا..)

الطوابير الشاقة

بعد انتهاء النيابة التحقيق في قضايا مئات من الإخوان . تبدأ مرحلة المحاكمات – وهذه سوف تكون في سراي المحاكم خارج السجن فإذا ذهب الإخوان إلى المحاكم بصورتهم الحالية – أجسام أضناها التعذيب وقتلها الجوع والعطش . وجوه شاحبة غاضبة وعيون زائغة – والضمادات الطبية على الجروح الغائرة فإنها شهادة تعلن عن نفسها . إذ خرج الإخوان بهذه الصورة البائسة الحزينة فإنهم سوف يعلنون على العالم عن مظاهر التعذيب المرير الذي تعرضوا له وسوف تكون فضيحة لهذا النظام تدفعه بالكذب والظلم والديكتاتورية ... فلابد إذن من إخراجهم من الزنازين التي قبروا فيها هذه الشهور الطويلة وحتي لا تتاح لهم فرصة اللقاء أو الحديث فقد ابتكروا فكرة الطوابير والوقوف بالساعات تحت أشعة الشمس الحارقة وابتداء فرح الإخوان بالخروج من الزنازين حتي يتمكنوا من اللقاء والحديث والتعارف ولم يكن الإخوان على علم بالمخطط الموضوع بعناية تحت إشراف ( صلاح نصر )

رئيس المخابرات وصاحب كتاب صدر في هذا الوقت بعنوان ( الحرب النفسية )

كانت فكرة الطوابير ترمي إلى أهداف بعيدة المدي .

فقد استقر رأي جمال عبد الناصر وأعوانه الذين يخططون معه لإبادة الإخوان .. ترحليهم إلى السجون المدنية كما ينص القانون . سوف يباعد بينهم وبين إشراف ورقابة المباحث الجنائية العسكرية لهذا فقد استقر الرأي على أن يبقي الإخوان في السجن مدي الحياة وهذه الحياة التي قدروها لا تتجاوز بضع سنين . ذلك بأنهم فكروا وقدروا أن طريقة الطوابير التي رسموها بدقة مع تجويع الإخوان – وامتهان كرامتهم بالتعذيب المستمر الذي لا يتوقف ليلا أو نهار مع الإرهاب والتخويف وتحطيم الأعصاب وعدم فتح باب الزيارات للأهل كل هذا سوف يقضي على الإخوان لموجودين بالسجن – دون أن تصدر أن تصدر عليهم الدولة أحكاما بالإعدام وتنفذ الأحكام على حبل المشنقة ودون أن يحس بهؤلاء أحد من الناس . إذا مات كل أسبوع واحد أو اثنان – فلا نعي يصدر في الصحف ولا جنازة تقام له ولا مشيعين يبكونه – فالقانون يحرم الجنازات على الذين يموتون في السجون هذه هي الحقيقة التي رسمها صلاح نصر وقام على تنفيذها بدقة بلا رحمة ولا شفقة بل بأخس الأساليب وأحطها وأنت إذا رجعت إلى ملفات الإخوان المحكوم عليهم بالمؤبد تجد مكتوب فيها ملاحظة ( يحول إلى المعتقل بعد قضاء مدة السجن ) وقد حدث ذلك فعلا مع فضيلة الشيخ الجليل الشهيد أحمد شريت كبير وعاظ أسيوط حيث قضي خمسة عشر عاما في السجن وأفرج عنه من سجن أسيوط وحول إلى معتقل سجن مزرعة طره حيث وافاه الأجل في سجن مستشفي قصر العيني بالقاهرة .

اللقاء الأول بجموع الإخوان

كان خروج الإخوة من الزنازين إلى حوش السجن الكبير استعدادا لأول طابور مفاجأة كبيرة للجميع – إن أن 80 % منهم لم يسبق لهم التعارف ولا يعرف بعضهم بعضا . وأن 70% من هذا الجمع من الشباب من كافة مراحل التعليم والموظفين والعمال وأصحاب المهن والتجار وكانت مشاعر الفرح بهذا اللقاء بادية على وجوه جميع الإخوان ومن المفارقات أن بعض الأخوة الذين انضموا إلى هذا التنظيم لم يكونوا يعرفون أنه تنظيم لجماعة الإخوان - ففي بداية انضمامهم لم يجد المسئول مبررا لمصارحتهم حتي يقطعوا شوطا في التربية ولكن المحنة فاجأتهم ومع هذا لم يتحولوا عن موقفهم من الدعوة ومن القيادة .

يبدأ الطابور اليومي السابعة صباحا يقف الإخوة في أربع صفوف على شكل مربع يقف الجميع في وضع انتباه دون أى حركة حتي الثامنة حين يأت السادة الضباط لا يستطيع أحد من الإخوة أن يطرد ذبابة أو يستند إلى أخ بجواره أكثر الأخوة يقفون حفاة بلا أحذية البرد أو الروماتيزم يصل إلى الركب وتحس بالآمة الجميع يتمنون أن يتحركوا ولو إلى الطابور القاتل – وبأمر قائد الطابور فيفتح الجميع باب السجن ويخرج الطابور وفي مقدمته الأخوة صبري عرفه الكومي ومجدي عبد العزيز متولي وظل الإخوان الكريمان في مقدمة الطابور في صبر وتحمل أكثر من عام ويستمر هذا الطابور بالخطوة السريعة حتي يقطع أكثر من خمسة وعشرين كيلو صباح كل يوم على شكل دائرة والحراس يتبادلون الجري حولنا والسياط في أيديهم – فمن يقع من الإخوة على الأرض من الإجهاد الشديد يلاحقونه بالسوط حتي ينتفض قائما ليواصل الجري أما الإخوة من كبار السن فإن الإخوة الشباب يحملونهم ويجرون بهم وسط صفوف الداخلية حتي يحمونهم من السياط الأخ الذي يسقط فاقد الوعي في حالة من الإغماء – يحمل ويوضع على الرصيف بجوار الحائط ولا يستطيع أحدنا حتي النظر إليه ولا نملك له ولنا إلا الدعاء ( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) ويستعين الإخوان بتلاوة آيات القرآن الكريم وهم يتابعون الجري .

وفي الشمس نقف انتباه كالصخر صلبا قويا الشمس حارقة والرؤوس حاسرة والعرق إلى أخمص قدميّ بيني وبين أخي ذراع فلا استند إليه ولا يستند إلىّ والمرض يقتلني والجسم محموم والبول محتبس والمغص شديد ورمش العيون حرام الكلام جريمة هكذا قالوا في الأوامر العسكرية فإذا سحابة أظلتنا لطفا من الله ورحمة علينا ضج الجهول مزمجرا يأمر الشمس أن تظل ساطعة وإذا سقط أخي إلى جواري جسدا متصلبا خشبيا فلا أملك له إلا الدعاء وأنظر إليه من طرف خفي والصلاة أديناها وقوفا بتيمم وإيماءة أداء سريا أكان ذلك جبنا أو سكينة نزلت علينا .

وكالة أبشروا

عرف عن الأخ الأستاذ محمد عبد الفتاح الشريف منذ محنة 1954 هوايته بتفسير الأحلام وتفسير الأحلام في السجون أمر ينشغل به المساجين كما عرفناه منذ دخل سيدنا يوسف بن يعقوب السجن , وكان بعض الإخوة يعرضون عليه ما يظهر لهم من رؤيا حتي يطمئنوا فبعد أن يستمع إلى مشاهدهم يقول لهم ( أبشروا) وطبعا أبشروا عندنا معناها الإفراج , وعند الظالمين معناها زوال طغيانهم وعهدهم ولا ندري كيف وصل إلى إدارة السجن نبأ وكالة أبشروا إن انتشار روح أبشروا في محيط الإخوان معناه مضاد حيوي ضد الخوف واليأس والضعف , وهو الهدف الذي يرمي غليه أعداء الدعوة الإسلامية .

وفي صباح أول شهر رمضان المعظم والجميع صائمون - دخل الصول صفوت الروبي غاضبا ينادي – فين الشريف ؟ فخرج من الطابور يمشي بصعوبة فهو فوق الستين عاما ووقف أمامه , فسأله صفوت الروبي أنت بتاع أبشروا ؟ فلم يرد عليه – فسأله النهاردة إيه ؟ فقال الشريف أول أيام شهر رمضان المبارك فإذا بصفوت الروبي , يصفعه على وجهه صفعة واحدة . فيسقط الشريف على الأرض كتلة جامدة لا ينطق بكلمة !! ومئات الإخوان جامدون !! وينادي صفوت على الزبانية احملوه إلى المستشفي , إن ما يحدث كل لحظة فوق الاحتمال وفوق الخيال ولكن كيف يصبر الإخوان على ذلك كله ؟ لأنهم يشاهدون المدافع الرشاشة ومن خلفها الجنود في وضع الاستعداد . وليس حادث ليمان طره الذي قتل فيه من الإخوان ببعيد عن الأذهان كما أن جبل المقطم شاهد على ما تقترفه أيدي الظالمين .

استلام تعيين العشاء

عسكر الحراسة عند تسلمهم طعام المساجين من المطبخ العام يأتون به إلى مخزن السجن ثم يأخذون لأنفسهم – اللحوم والأسماك والبيض والجبن . كانوا يأكلون بشراهة تؤدي بهم إلى الإسهال وأحيانا إلى التسمم.

ذات مرة وقفت على باب الزنزانة لأتسلم تعيين من اللحوم لأربعة من زملائي .. كان الذي يقوم بعملية التوزيع العسكري ( على الأسود) وقف أمامي وقال كم واحد هنا ( فقلت أربعة يا فندم ) فإذا به يلقي في القروانة قطعة من العظم واحد- ثم يلقي قطعة من العظم ويقول اثنين – ثم يلقي قطعة من العظم ويقول ثلاثة- ثم يلقي قطعة من العظم ويقول أربعة والإخوان داخل الزانزنة كانوا يسمعون طرقة قطعة العظام في قاع القروانة , وقبل أن يغادر العسكري الأسود مكانه وقد رآني في حالة من الغيظ فيقول لي ( مش عاجبك ولاّ إيه) وأدخل على الإخوة بأربع قطع من العظام الجافة . ونضحك ونصبر ونؤمل في ( لحم طير مما يشتهون) . تعيين الكلاب أرز ولحمة وشربة وتعيين الإخوان عظم 90% ويوم السمك عيد عن العسكر لنا العظم ولهم لحما طريا . واسأل سمير ومراد ورشاد وعدلي شيخ الحرامية .

وأدمون اليهودي يأكل ويشبع والبلد بلدنا والخير خيرنا ومحرم علينا " اللي ينسي الذل يبقي جبان و لا كرامة له ولا دية ".

الحداية تخطف اللحمة

نزل الأخ عبد الرحمن عبد الصمد من الزنزانة إلى حوش السجن الكبير كي يتسلم تعيين العشاء له ولإخوانه . وبعد أن تسلم نصيبه من تعيين اللحم في ( القروانة ) وهو وعاء مكشوف وهو في طريقه للعودة سقطت على الوعاء ( حداية ) مفترسة خطفت كمية اللحمة بسرعة مذهلة وقد أذهلت المفاجأة الأخ عبد الرحمن دون أى حركة . وهكذا زادت هذه الحادثة من حرمان الإخوة من نصيبهم من الطعام .

الشهيد الأستاذ حامد شريت

الأخ الأستاذ حامد شريت هو الشقيق الأصغر للشهيد الشيخ أحمد شريت وهم من بلدة ريفا من قري مدينة أسيوط وجميع عائلة شريت من الرعيل الأول المجاهد في دعوة الإخوان المسلمون .. ورأيت الأخ حامد شريت وهو يتعثر في المشي في الطابور حيث أصابه شلل, وكأنه مرضه هذا يشفع له في أن يستريح مع أن والده كان زميلا لوالد اللواء حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وهو يعرف ذلك جيدا !! ولكن هذه الصلة لم تشفع له في مجرد إعفائه من الطابور الظالم وفي ليلة كان تعيين العسكري ( سمك روسي ) ويبدو أن الأستاذ حامد تأثر صحيا فنقل إلى المستشفي العسكري , حيث فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها .

طابور العواجيز

لما كثر سقوط الإخوان في الطابور من الإعياء جاء صفوت الروبي أثناء الطابور وقال اللي عنده خمسين سنة يأتي هنا . فخرج بعض المسنين وأمتنع البعض خوفا من مكر صفوت الروبي – فإنه ذات مرة قال إللي عاوز يكشف عند الدكتور يطلع من الصف ويأتي هنا – فكل الإخوة الذين خرجوا للكشف عند الطبيب حكم على واحد منهم بعشرة كرابيج – ولكن في هذه المرة كرر الطلب فخرج كثير من العواجيز – وتقرر لهم طابور خفيف داخل السجن – ولكن عند اللزوم تدور الدائرة على جميع الشباب والعواجيز والكرابيج لا تميز .

عند طبيب السجن

عندما يشتد المرض بأحد الإخوة يسمح له بالذهاب إلى العيادة – ومع هذا لا يصرف له العلاج المناسب – فيقوم الإخوة الذين معه في الزنزانة بالتنازل له عن جزء كبير من طعامهم اليومي مثل البيض والجبن والحلاوة والعسل الأسود والشاي ودخل العسكري فوجد عند الأخ المريض هذه الكمية من الطعام فسأله من أين جئت بها قال الأخ إخواني قد تنازلوا لى عن نصيبهم لأني مريض فقال هذا التصرف غير قانوني وحكم على واحد بأن يضرب خمسة عشر كرباجا !!

الإخوان يسرقون الكرابيج

تجرأ أحد الإخوة وسرق كرباجا تركه أحد العسكر بجواره وهو نائم وقطعة قطعا صغيرة وقذف سطح السجن .. استيقظ العسكري فلم يجد الكرباج فلم يبلغ عن الحادث وأشفق على نفسه من التعذيب الذي ينتظره ولم ينتهي الأمر عند ذلك فقد طمع الإخوان في المزيد – فقاموا بسرقة ( زقمة) وهي عبارة عن سلك كهربائي مجدول أو سلك شائك . يلف حوله قطع من قماش الملابس القديمة وهي ثقيلة في وزنها ومن يضرب بها على ظهره تسمع له صوت كالطبل , ويسمي الضرب بها ( عج) وهي مؤلمة جدا وتقطع النفس أخذوها وفي الزنزانة قطعوها ثم طرحوها فوق السطح .

الإخوان يضبطون في حالة صلاة

فجأة يدخل السجن صفوت الروبي ويطلق صفارته فيسرع الإخوان إلى حوش السجن ثم يصعد للمرور على الأدوار ليتأكد أن الجميع قد نزلوا إلى الساحة فضبط مجموعة تؤدي صلاة العصر – فأمر لكل واحد منهم بثلاثين كرباجا يعجز بعضهم بعد ذلك عن الحركة .

معركة الخبز او الجراية

قبل الخروج إلى الطوابير كنا نعيش داخل الزنازين بدون حركة وكان الخبز يأتينا فلا نكاد نأكل نصفه فلما تقررت علينا الطوابير الشاقة ازداد الإقبال على الطعام وعلى الخبز ومن هنا بدأ الإخوة يبتكرون وسائل للحصول على مزيد من أرغف الخبز. فحين تصل سيارة الخبز إلى باب السجن يطلب الشاويش بعض الإخوة لاستلام الكمية المخصصة وعند الاستلام يقوم هؤلاء بإخفاء كمية من الأرغفة بين ملابسهم فضلا عما يأكلونه من وراء حجاب .

وذات مرة ضبط العسكري على عبد الله أو على الأسود أو على قصرية هكذا كنا نسميه ضبط بعض الإخوة يسرقون الجراية فأسرعوا في التهامها فأوقفهم في طابور تكدير وه يوبخهم وحتي تستطيع أن تتصور درجة ما بلغ بالإخوان من الجهد والجوع – أن أعظم ما يقدمه الأخ لأخيه في السجن الحربي من هدايا كان هو ( الرغيف ) إما أن يسرقه أو يقتطعه من قوته إن استطاع وبهذه المناسبة كان يوزع علينا في يوم من أيام الأسبوع لكل فرد قطعة من البطيخ وكان يقف إلى جواري أخ كريم يحبني وأحبه ولما كنت لا أستطيع أن آكل سوي القطعة الحمراء حيث أن طاقم الأسنان ( البدلة) لا يغوص في أعماقها – فكان أخي الكريم يدعني آكل الجزء الممكن ويتولي هو أكل القشرة كلها !! وكان موقفه هذا غاية في الحب وآية في الإيثار جزاه الله خيرا .

مواقف في الطوابير

كان طابور العواجيز فرصة للتعارف . فالمراقبة فيه خفيفة بعض الشئ وبعض الشباب كان يحاول الهرب من الطابور الرئيسي كي يتعارف بالإخوة القدامي وقد التقيت بكثير منهم وتحدثت معهم في دعوة الإخوان وكانوا يلازمونني ويتحملون في سبيل ذلك الكثير من العنف ,وكان أحدهم قد قبض عليه من صعيد مصر متهما بإحراز قطع من السلاح وأودع معنا في السجن وفي طابور العواجيز يعرض قضيته على كل من يلقاه من الإخوة ثم يسألهم عن تصورهم لقيمة الحكم الذي يمكن أن يصدر عليه – فكان بعضهم يقدر بعشر سنوات وآخر يقدره بـ 25 سنة أى حكم بالمؤبد وكانت تلك الأحكام تفزعه .. وسار معي ذات مرة وقص عليّ قصته وسألني عن رأيي فيما أتصوره من حكم ؟فقلت له أعتقد أن الحكم سوف لا يزيد عن خمس سنوات إن شاء الله تعالي ففرح واستبشر وإذا به يبحث عني كل يوم حتي يسير بجواري يأتنس برأيي وظل يلازمني ويحول بيني وبين التعارف بإخوان جدد مما ضايقني كثيرا وفي يوم سألني عن الأحوال وهل هناك جديد في الأحكام؟ فقلت له إن الحالة تغيرت والأحكام ستكون شديد, فقال وما رأيك في قضيتي ؟ قلت له أنا شايف إن الحكم فيها لا يقل عن خمسة عشرة عاما . فتغير وجهه وانقلبت سحنته وانصرف – ولم يعد يبحث عن ويشغلني كما كان يفعل كل يوم .!!

الفصل الثالث

  • عريضة الإتهام
  • الشيخ محمد الأودن في السجن
  • أم معاذ في السجن الحربي


استلام عريضة الاتهام

كان ذلك عصر يوم 4 فبراير 1966 والسماء ممطرة إذ نودي على مجموعة من الأسماء وأنا واحد منهم خرجنا من باب السجن الكبير حيث أوقفونا أمام الخيام ثم نادوا على كل واحد باسمه وأعطوه رسالة من عدة صفحات وهي ما يسمي ( الادعاء ) وأدخلونا في إحدي الخيام وكان عددنا حوالي 36 من الإخوان يمثلون القضية الأولي بما فيهم قيادة التنظيم عدا الأستاذ سيد قطب وجاء علي عشماوي وانضم إلينا وكان يعامل معاملة خاصة .. وكان لقاء مغرما استقبل الإخوان بعضهم بعضا بشعور يفيض بالسعادة ,مما أثار الغضب في نفوس الآخرين .

وبعد أن تسلم كل منا نسخته وخرجما من الخيمة أمطرت السماء مطرا شديدا فحمدنا الله تعالي وقرآنا ممن آياته البينات ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ) وتوجهنا إلى سجن رقم -3- به 75 زنزانة مكون من دورين حبس انفرادي وأعطاني الأخ محمد عزت ملزمة من القرآن الكريم محظور وممنوع ويعاقب عليه جلست أقرأ كل كلمة في عريضة الاتهام وعرفت بعض الأمور التي كنت أجهلها وتبين أنني لا أعرف من الأسماء سوي الإخوة – سيد قطب ومجدي عبد العزيز متولي وعبد المجيد الشاذلي – ولهذا كنت حريصا على أن أطبق الاسم على الشخص وتم ذلك فيما بعد في مقابلاتنا في الحكمة .

نيابة أمن الدولة العليا

أمر إحالة إلى محكمة أمن الدولة العليا

في الجناية رقم 12 / 1965 أمن دولة عليا

نحن صلاح نصار – رئيس نيابة أمن الدولة العليا

بعد الاطلاع على القضية , وما تم فيها تحقيقات

نتهم :-

الإسم السن الوظيفة
سيد قطب إبراهيم 60 كاتب
محمد يوسف هواش 43 مراجع صرف طلبات الجمعية التعاونية للبترول
علي أحمد عبده عشماوي 28 كاتب حسابات بالشركة المصرية للأساسات
عبد الفتاح عبده عشماوي 41 قباني
أحمد عبد المجيد عبد السميع 32 موظف بوزارة الحربية
صبري عرفه إبراهيم الكومي 35 مدرس علوم بدار المعلمين بالمنصورة
مجدي عبد العزيز متولي 28 مدير إنتاج بشركة النصر لصناعة الأقلام
عبد المجيد يوسف الشاذلي 28 كيماوي بشركة مصر للحرير الصناعي
عباس حسن سعيد السيسي 47 صاحب معمل ألبان برشيد
رمبارك عبد العظيم محمود عياد 30 مدرس ثانوي علوم
ففاروق أحمد المنشاوي 23 مهندس كيماوي
ففايز محمد إسماعيل يوسف 21 خريج كلية الهندسة
ممدوح درويش مصطفي الديري 25 طالب ببكالوريوس علوم عين شمس
مأحمد أحمد عبد الرحمن 24 مهندس مناجم بالهية العامة للتصنيع
جلال الدين بكري ديساوي 25 مهندس بشركة النصر للأسمدة
محمد عبد المعطي إبراهيم الجزار 29 معيد بمؤسسة الطاقة الذرية
محمد المأمون زكريا 25 موظف بمؤسسة الطاقة الذرية
أمحمد عبد الحليم السروجي 27 معيد بقسم الطبيعة النووية بمؤسسة الطاقة الذرية
صلاح محمد خليفة 26 معيد بقسم الكيمياء النووية بمؤسسة الطاقة الذرية
السيد سعد الدين السيد شريف 25 مهندس
محمد عبد المعطي عبد الرحيم 24 رئيس قسم الزخرفة بشركة صناعة الخزف
إمام عبد اللطيف عبد الفتاح غيث 23 مهندس بشركة حلوان لصناعة الديزل
كمال عبد العزيز العرفي سلام 26 ملازم أول مهندس بالقوات
فؤاد حسن علي متولي 24 ملازم أول مهندس بالقوات المسلحة
محمد أحمد البحيري 22 مهندس كيمائي بشركة النصر
حمدي حسن صالح 28 معاون مجلس قروي أبو زعبل
مصطفي عبد العزيز الخصيري - محام بالمصانع الحربية
مرسي مصطفي مرسي - معيد بمعهد البحوث
محمد بديع عبد المجيد محمد سامي - طبيب بيطري معيد
محمد عبد المنعم شاهين - اقتصاد وعلوم سياسية
محمود أحمد فخري - طالب ثانوي
محمود عزت إبراهيم - طالب بكلية الطب
صلاح محمد عبد الحق - طالب بكلية الطب
حلمي محمد صادق حتحوت - معيد بهندسة إسكندرية
إلهام يحي عبد المجيد - مهندس
عبد المنعم عبد الرؤوف - مدرس ثانوي
محمد عبد الفتاح رزق شريف - بالمعاش
زينب الغزالي - داعية إسلامية
حميدة قطب - شقيقة سيد قطب
محي الدين هلال - بالسعودية
عشماوي سليمان - بالسعودية
مصطفي العالم - بالسعودية


العالم الجليل الشيخ محمد الأودن

وكانت مفاجأة قاسية أن يكون معنا في سجن 3 بالدور الأرض فضيلة العالم الجليل الشيخ محمد الأودن . وراعني وأزعجني أن أشاهد الشيخ الذي تجاوز الثمانين عاما – أراه محبوسا حبسا انفراديا ياليت الأمر يقف عند هذا الحد المميت القاتل بل وضعوا معه في الزنزانة التي تزيد عن مساحة القبر قليلا وليس بها منافذ للتهوية وضعوا معه كما رأيت بعيني رأسي خمسة كلاب موحشة !! انظر أو تصور وتخيل كيف يكون حال الرجل الوقور كيف يتنفس كيف يجلس كيف ينام كيف يأكل , إن الكلاب كانت تتسابق على طعامه غن كان بقي له حظ في طعام أو شراب والأعجب من ذلك ان الشيخ كان يلبس قميصا طبيا معينا فكيف يمكن لمثله أن يتحرك .

والشيخ الأود نعاك كبير من علماء الأزهر المجاهدين وأب لجيل كامل من المجاهدين في الأربعينات والخمسينات من المدنيين والعسكريين كان بيته مقصدا لكبار الضباط الوطنيين أمثال البطل الشهيد احمد عبد العزيز قائد المتطوعين في حرب فلسطين 1948 ومعروف الحضري الذي أنقذ قوات الفالوجا التي حاصرها اليهود ورشاد مهنا الوصي على عرش مصر بعد خلع الملك فاروق ومصطفى راغب كما كان يتردد عليه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر .. وكمال الدين حسين وغيرهم .

كان الشيخ يتكلم في كل مجال وخاصة مع ضباط الجيش في وجوب قيام حركة إسلامية تخرج البلاد من سيطرة الأوضاع التي كانت مفروضة داخليا وخارجيا وكان بين الشيخ وهؤلاء الضباط عهود ومواثيق على تحقيق أمله وقامت حركة الجيش في 23 يوليو 1952 وكانوا يترددون على الشيخ يأخذون برأيه وأحيانا يرفضونه .. وبدأ الشيخ يدرك ( الهوية ) الحقيقة لمن يتحكمون في الحكم .. وكان هذا الذي أراه هو جزاء سنمار !! ورأيت الأودن الشيخ ومعه الكلاب في الزنزانة بعيني – تآلفت الكلاب مع الشيخ تآلفا قويا .

الإدعاءات تتوالي

بعد أن تسلمنا ادعاء القضية الأولي التي على رأسها الأستاذ سيد قطب وحجزونا في سجن 3 والأخوات الحاجة زينب الغزالي وحميدة قطب في سجن رقم 5 والأستاذ سيد قطب في عيادة السجن الحربي .

وبدأت نيابة أمن الدولة تسلم بعض الإخوة ادعاءات جديدة – حتي بلغ عد القضايا خمس شكلت لكل مجموعة منها محكمة عسكرية .

وحسن تسلمنا الادعاء وانتقلنا إلى سجن 3 كان عندنا إحساس أننا لن نخرج إلى الطوابير – وسوف نبقي في الحبس الانفرادي – ولكن لم يمض سوي يومين فقط حتي صدرت الأوامر بالعودة إلى الطوابير بصورة أشد وأنكي – حتي أنني كنت أجري في الطابور على قدم واحدة – حيث أن الروماتزم قد استحكم في ركبتي ومع التصريح لى بالذهاب إلى الطبيب وقد شاهد بنفسه التورم في ركبتي إلا أنه لم يعطني راحة من الطابور !!

وعدت أجري على هذه الصورة التي زادت من آلامي الجسدية وآلامي النفسية ولله الأمر ومن قبل .

زوجتي أم معاذ في السجن الحربي

وفيما أنا في سجن 3 استعد للطابور الثاني بعد العصر . إذا بالحارس يأخذني إلى المكاتب من جديد تصورت دورة التحقيق والتعذيب التي انتهت باستلامي الادعاء وخشيت أن يفتح باب التحقيق في أمر جديد وشاع بين الإخوان أمر استدعائي للتحقيق فأشفقوا علىّ وعلى أنفسهم .

دخلت حجرة وجدت بها العميد سعد عبد الكريم ومعه الضابط محمد رجب واقف إلى جواره .. جلست على الأرض كالمعتاد .

س ألني العميد : أنت متزوج كم مرة ؟

قلت : متزوج واحدة فقط

قال: لكن التحريات تقول أنك متزوج أكثر من واحدة!

قلت: التحريات شئ والحقيقة والواقع شئ آخر !

قال : زوجتك بتلبس ملاية ولا بتلبس بالطو

قلت : زوجتي بتلبس بالطو

قال : لماذا تسافر زوجتك إلى الإسكندرية؟

قلت : زوجتي تسافر إلى الإسكندرية للضرورة في وحالة وفاة أحد من أهلها . أو تذهب لعلاج سمعها عند الدكتور البابلي بشارع صفية زغلول .

قال : وهل زوجتك لا تسمع ؟

قلت : إنها تسمع بصعوبة

قال الضابط محمد رجب : إذا كان واحد قريب منها تسمعه ؟

قلت : حسب ظروفها النفسية .

قال العميد : زوجتك تسافر إلى الإسكندرية بالتاكسي أو بالقطار

قلت : تسافر بالتاكسي

قال : تاكسي مين

قلت: كل تاكسيات رشيد تأخذ السيدات من منازلهن. وأهالي رشيد يعرفون بعضهم البعض .

بعد ذلك رأيت الضابط محمد رجب – يخرج مسدس ويأخذ في فكه وتنظيفه - ويوجه اهتمامه إلى نظراتي وانطباعاتي لعلي أكون على معرفة بهذا المسدس والواقع أنني بعيد كل البعد عن ظنه هذا ...

قال العميد : هل تعرف أحدا من عائلة .....

قلت: هذه العائلة معروفة في رشيد ولكن ليس لي بها أية علاقة

قال العميد : أخرج

خرجت وأجلسوني أمام الحائط كما هي العادة وبدأت أسمع الصراخ والاستغاثة ورأيت من طرف خفي بعض شباب هذه العائلة وهم يدخلون ويخرجون من المكتب .

وبعد لحظات رأيت جنديا من القوات المسلحة يخرج من المكتب في حالة صراخ مرعب حيث نزل كرباجا على عينه والضباط محمد رجب يأمر بإرساله إلى المستشفي العسكري في الحال .

وبعد ذلك عملوا مواجهة بين زوجتي وأفراد هذه العائلة فلم يتعرفوا عليها .. وبعد أن عاد العسكري من المستشفي لم يتعرف على زوجتي كذلك ..

ثم استدعي الأخ محمد عبد الفتاح الشريف وسألوه هل تعرف زوجة السيسي ؟

قال : عمري ما شفتها

سألوه هل تعرف لزوجة عباس السيسي نشاطا في الدعوة ؟

قال : ابدأ .. فأعادوه إلى السجن .

ثم سألوا عبد المجيد الشاذلي نفس الأسئلة وأجاب بنفس الإجابة . وفي مقابلة سريعة أخبرني عبد المجيد الشاذلي أنه يظن أن زوجتي مقبوض عليها في السجن وأنه قد سمع من يقول لأحد الضباط أقطعوا لها تذكرة إلى رشيد .

والقصة باختصار أن هذا الجندي المقبوض عليه جاء في زيارة من ميدان القتال في اليمن .. وأحضر معه قنبلتان وأمسي عليه الليل في دمنهور فاتجه إلى إحدي الفنادق يبيت ليلته حتي الصباح وذهب إلى صاحب الفندق وأودع عنده هذه القنابل كأمانة !!! فابلغ صاحب الفندق البوليس الذي جاء بقوات كبيرة وقبض على هذا الجندي المخبول ولما كان الجندي من قرية مواجهة لمدينة رشيد في محافظة كفر الشيخ فقد ظن ضابط المباحث الجنائية العسكرية .. أن هذا الجندي قد جاء بهذه القنابل ليسلمها إلى عباس السيسي – وحيث أن عباس السيسي مقبوض عليه في السجن فتكون زوجته هي المؤهلة لاستلام هذه القنابل !؟ وحاول العميد سعد زغلول بكل الحيل أن يصنع من هذه القصة قضية يشغل بها الرأي العام ويشحن بها نفوس الشعب ضد الإخوان ولكن الله تعالي رد كيدهم في نحورهم وأفرج عن زوجتي بعد 20 عشرين يوما وعادت إلى رشيد كما تم الإفراج عن أفراد العائلة المتهمين وكذا الجندي الذي حوكم في وحدته العسكرية.

من كتاب أيام من حياتي للحاجة زينب الغزالي

تقول الحاجة زينب الغزالي في كتابها ( أيام من حياتي ):

وبعد أيام طلبوني لمكتب المقدم رياض مرة ثانية وواجهني بسيدات لم أرهن من قبل وسألني عمن تكون زوجة السيسي من بينهن قلت لا أعرفها وإذا بهم يدخلون شابا صغير السن والعسكري خلفه بالسوط ويسألونه : أين هي زينب الغزالي ؟ فينظر الشاب ويقول لا أعرف , ولما سألوه ثانية عن زوجة عباس السيسي أجاب ثانية لا أعرف . فسألوه عمن قابله من السيدات الموجودات فأجاب لم يقابلني أحد . فأخرجوهما أدخلوه بالسوط يلسع ظهره .

ثم فوجئت بحميدة قطب تدخل وخلفها صفوت وسألاها عن زوجة السيسي قال :" لا أعرفها ".

ثم أخرجوا السيدات الأربع وأخرجوا حميدة وبقيت مع رياض .

قال : اسمعي يا بنت يا زينب . ألا تعرفين واحدا من الإخوان متزوج من أربعة ؟

قلت : لا .. أمرني أن أضع وجهي في الحائط وقام بضربي عدة كرابيج وتركني في الحجرة وخرج وبعد ساعتين عاد ومعه صفوت الروبي الذي أخذني إلى المستشفي .

قصة بعد الإفراج عن أم معاذ

حين وصلت أم معاذ إلى بيتها في رشيد بعد الإفراج عنها من السجن الحربي توافد إليها لتهنئتها والترحيب بها بعض سيدات من أهلنا وأصدقائنا وكان من الطبيعي أن يتناول الحديث كل ما حدث لها في رحلتها منذ خرجت من منزلها في رشيد إلى أن عادت إليه بعد 20 يوما من الغربة والتعذيب واستمر الحديث في شعور من الحزن والخوف الذي أضفاه صورة أم معاد من الإرهاق الشديد الذي كان يبدو عليها – وفيما الجمع يعيش في هذا الشعور كان أحد أبنائي الصغار يقف في شرفة المسكن, فشاهد سيارة الشرطة تقف تحت عند مدخل المنزل فذهب مسرعا وهو يبكي ويصيح – يا ماما العساكر طالعين عندنا , فوجم الجميع ثم أسرعت كل سيدة تحاول الهرب في أى اتجاه . فمنهن من دخلت الحمام وأخري دخلت دولاب الملابس وأخري أسرعت إلى مسكن والدي المجاور وأما أم معاذ فقد أغمي عليها لقد تصورت أن الماضي القريب سوف يعود ولم يمض عليها في بيتها ساعات غنها ذكريات أليمة مفزعة ... لقد اهتز المنزل جميعه المكون من ثمان شقق وهرول الجميع لإسعاف من أصيب بالإغماء ... وبعد هذا الذي حدث تبين أن سيارة الشرطة وقفت أمام محل شقيقي الذي يقع تحت العمارة لشراء أقمشة وتسبب هذا الحادث في وقف الزيارات كما أصبح رؤية رجال الشرطة مفزعا حين يقتربون من المنزل وبغير قصد .

الرائد فتحي محمد شريدح

ما كدت أنتهي من التحقيق في قضية أم معاذ, حتي استدعيت إلى مكاتب التحقيق مرة أخري .. ولا يتصور قيمة ما يصاب به الإنسان من قلق وفزع من المجهول الذي يتجدد في شكل مفاجآت .

ذهبت حيث وقفت ووجهي إلى الحائط أكثر من ساعة وهذه الحركة مقصودة لذاتها فهي تزيد من القلق وتوتر الأعصاب والإنهاك وضرب أخماس في أسداس ثم دخلت حجرة التحقيق أمام اليوزباشي إحسان العجاني الذي بادرني بسؤالي : ما هي صلتك بالرائد فتحي شريدح ؟

لقد فوجئت بهذا السؤال الخطير , لأن السؤال عن شخص مدني غير السؤال عن شخص ضابط في الجيش ومجرد سؤالي عنه معناه أن هذا الضابط قد دخل في مجال الشك الذي قد يغير مستقبله !!

قلت : ليس لى به صلة شخصية وإنما هو من أبناء رشيد المعروفين وأهالي رشيد جميعا متعارفون .

قال هل كان يحدث بينك وبينه لقاء .

قلت : لم يحدث بيني وبينه أى لقاء .

قال : ما ه آخر لقاء تم بينك وبينه ؟

قلت لم يحدث على الإطلاق أى لقاء بيننا

وبعد هذه الأسئلة التي أجبت عليها بالنفي أعادوني إلى زنزانتي وقد أثارني وشغلني أمر هذه الأسئلة ولم أتوقع منها خيرا والرائد فتحي محمد شريدح ... شاب من شبابا رشيد المشهود له بحسن الخلق والاستقامة والتدين وقد اشترك في حرب السويس في العدوان الثلاثي وقد أبلي بلاء حسنا وقد عين مدرسا في مدرسة الأسلحة الصغيرة ولهذا كانت له صلات طيبة بكثير من ضباط الجيش الذين ينتدبون للتدريب على الأسلحة – كما كانت معاملته لصف ضباط وجنود الوحدة على مستوي من أداء بعض الخدمات لهم وقد أدي فريضة الحج كثيرا وما كان يؤدي فريضة الصلاة في المساجد , وكان محبوبا من أبناء رشيد لما حباه الله تعالي من ذكاء وحياء وما كان يقدمه من خدمات للجنود من أبناء رشيد .

قصة داعية

عين الأخ الدكتور جمال محمود فؤاد بالوحدة الطبية بقرية ميت عاصم عام 1964 وأثناء وجوده بالوحدة جاءته امرأة مريضة في صحبة ولدها للعلاج – فقام الدكتور جمال باستقبالها ببشاشة وعامله بروح إنسانية عالية وكشف عليها بدقة واهتمام ثم صرف لها الدواء من صيدلية الوحدة وكل هذا التصرف على غير عادة زملائه من الأطباء الذين تعودوا على عدم الاهتمام بالمرضي ..ز قام الدكتور جمال بكل هذا بوازع من عقيدته الإسلامية مع كل المرضي على السواء .

وشاء الله تعالي أن يصدر قرار باعتقال الدكتور جمال محمود فؤاد عام 195 وزج به في السجن الحربي بالعباسية بالقاهرة وما أدراك ما السجن الحربي .. وفيما هو في دوامة الإرهاب .. إذا بأحد الجنود المكلفين بالحراسة والتعذيب يفتح عليه باب الزنزانة ويفاجأ هذا الجندي أن المعتقل الذي يقف للجندي ويعظمه حسب تقاليد السجن الحربي هو نفس الدكتور الذي كان يعالج والدته في الوحدة الطبية في بلدة ميت عاصم فيذهل الجندي ويقف صامتا – ثم يسأل الدكتور . أأنت الدكتور الذي حدث منه كذا وكذا في ميت عاصم ؟ قال الدكتور – نعم – أنا هو – قال الجندي إن لك علينا أفضالا كثيرة وأنا مستعد لخدمتك وتحت أمرك !

حدثنا الدكتور – فقال الواقع أنني رأيت من واجبي أن أخدم إخواني فقلت له إن جميع هؤلاء الذين يعذبون في السجن هم أهلي وإخواني وكلهم لا يقلون أهمية عني . فأرجوك تكون عامل خير وتساعد على تخفيف التعذيب ما أمكن .. وقص علينا من القصص البطولية التي قام بها هذا الجندي الشجاع – والمهم في رواية هذه القصة أن فعل الخير والكلمة الطيبة لا تضيع عند الله ولا عند الدكتور جمال محمود فؤاد – تعامل مع والدة الجندي بغطرسة وكبرياء وعدم اهتمام لاشك أن الدكتور سيكون في موقف لا يحسد عليه وسوف يبدي له الجندي موقف التعنت والسلطان .

( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) .

الفصل الرابع


مقدمة المحاكمات

جاء في جريدة الأهرام في 28 نوفمبر 1965 – قضايا الإرهاب تطرح في مجلس الأمة علم مندوب ( الأهرام) أن قضايا الإرهاب سوف تطرح في مجلس الأمة بطريق غير مباشر وذلك من خلال بحث المجلس للإجراءات الاستثنائية التي اتخذت حيال المتهمين في هذه القضايا ويبدأ مجلس الأمة بحث هذا الموضوع عندما يعرض عليه القانون الذي صدر يوم 11 نوفمبر الحالي – والذي كان الباعث لصدوره هو اتخاذ التدابير ضد أفراد جماعة " جماعة الإخوان المسلمين" الذين سبق لسلطات الضبط والتحقيق ضبطهم أو التحفظ عليهم في الفترة من مايو إلى آخر سبتمبر سنة 1965 ).

وعلم مندوب الأهرام أن رئيس مجلس الأمة وكان هو أنور السادات سيقوم في الجلسة التي تعقد صباح يوم السبت القادم – بإخطار المجلس بهذا القانون – وكان مجلس الأمة قد أخطر بالقانون فور صدوره وتم إيداعه مكتب المجلس يوم الخميس الماضي في انتظار عرضه على الأعضاء في أول جلسة بعد الافتتاح .

وجاء في آخر الكلمة ما يأتي ( على أنه بالنسبة للقانون كتشريع صدر في غيبة المجلس فإنه لا تقبل عند نظره في اللجنة أو في المجلس اقتراحات تعديل في نصوصه – كما تقضي اللائحة وإنما للمجلس أن يقره أو لا يقره !!! ( وهذا روغان من مواجهة المناقشة التي قد تفتح ما فيه من ظلم وإرغام للمجلس المزيف المصنوع على الموافقة المعروفة مسبقا ) .

تقرير اللجنة التشريعية في مجلس الأمة

قرأ التقرير الأستاذ محمد عطية إسماعيل

قدم للتقرير بنبذة عن تاريخ جماعة " الإخوان المسلمين " وجه للإخوان اتهامات باطلة وأقوالا مزيفة وقال – ولا تقيم هذه الجماعة وزنا للوطنية ولا للقرابة ولا للأسرة واتخذ مقرر اللجنة من كتاب " معالم في الطريق " وسيلة للطعن في مبادئ الإخوان ورجالهم فاتهم الإخوان بالتعاون مع الاستعمار واتصالات مشبوهة بالاستعمار البريطاني وتعاون الإخوان في أزمة مارس مع الأحزاب وتلا السيد عطية إسماعيل بعد مقدمة طويلة منشورة في جميع الصحف في 12 / 12 / 1965 – قرار رئيس الجمهورية

نص قرار رئيس الجمهورية :

1- لرئيس الجمهورية أن يستخدم الحق المخول له بمقتضي المادة الأولي من القانون رقم 119 لسنة 1964 المشار إليه بالنسبة إلى أى شخص من الأشخاص الذين سبق لسلطات الضبط والتحقيق ضبطهم أو التحفظ عليهم – وذلك في جرائم التآمر ضد أمن الدولة والجرائم المرتبطة بها والتي تم اكتشافها في الفترة ما بين أول مايو 1965 وآخر سبتمبر 1965 – وله ان يطبق في شأنهم التدابير الخاصة بوضع أموالهم وممتلكاتهم تحت الحراسة ولا يقبل الطعن بأى وجه من الوجوه فى الأوامر أو القرارات التي أصدرتها سلطات الضبط والتحقيق قبل العمل بهذا القانون .

2- لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت في قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون !!


( انظر إلى إقرار الظلم كأنه أوامر وقرارات مقدسة لا يجوز الطعن فيها ولم يعترض أحد في المجلس ولا في الصحف ولا في النقابات على هذا الظلم الصارخ الذي يقرره الدكتاتور الجبار ) .

قضية حسين توفيق

بدأت المحاكمات بعرض قضية حسين توفيق أمام محكمة عسكرية برئاسة الفريق الدجوي وانعقدت بمجلس قيادة الثورة وأحيانا كانت تتيسر لى ظروف وأنا في الزنزانة أستمع على بعد إلى مذياع للراديو في الوحدة العسكرية المجاورة إلى تعليق المذيع على وقائع جلسات المحاكمات . وقد سمعت قرار المحكمة بحجز القضية للحكم .

محاكمات الإخوان المسلمين

وتحدد يوم السبت 19 ذي الحجة 1385 الموافق 9 أبريل 1966 لمحاكمة الإخوة المتهمين في القضية الأولي وعلى رأسها " الشهيد سيد قطب "

وفي الصباح الباكر استعد الإخوة للذهاب إلى المحكمة فارتدينا الملابس التي أرسلها لنا أهلونا بإخطار من إدارة السجن الحربي وكان قد سبق أن حلقوا لنا شعرنا رؤوسنا بالماكينة الزيرو حتي نبدوا أمام الناس على هيئة " المجرمين" !

وخرجنا من الحبس الانفرادي بالدور الأرضي بالسجن الكبير إلى المكاتب في حراسة مشددة .. وجاءنا اليوزباشي إبراهيم عزت من قوة إدارة السجن الحربي وأخذ ينادي على كل باسمه ويقوم بعملية " تمام" وأخذ يتلطف معنا ببعض الكلمات . ثم جاء حمزة البسيوني فأعطاه لإتمام وانصرف .

ثم جاءت قوة من رجال الشرطة على رأسهم " لواء " وأخذوا يضعون كل اثنين معا في مقبض ( كلبش ) وكان الأستاذ سيد قطب الذي أراه في السجن لأول مرة مع الأستاذ محمد هواش في كلبش واحد وصعدنا إلى سيارات الشرطة – وجلس بين كل اثنين من الإخوان عسكري مسلح وعلى بابا السيارة عدد من الجنود المسلحين – وتتقدم هذه السيارات التي بلغت خمس قوة من بوليس النجدة والبوليس الحربي وصفارات إنذار تهئ لفتح الطريق من بعيد حتي لا تتوقف القافلة في الطريق الذي تقف على جانبيه بعض سيارات النجدة المسلحة والبوليس السري من بابا الاحتياط .... وكان زميلي في لكلبش هو الأخ مبارك عبد العظيم وكان الأستاذ سيد قطب هو أول من صعد إلى السيارة.

في مجلس قيادة الثورة

وصلت بنا السيارات إلى فناء مجلس قيادة الثورة في الجزيرة وشاهدنا قوات هائلة من رجال الشرطة يحملون المدافع الرشاشة ويكمنون في كل زاوية وكل ركن من أركان المبني الكبير وجميع الضباط مسلحون بالطبنجات وأكثرهم من الرتب الكبيرة وعلى رأسهم ضابط كبير برتبة لواء – نزلنا من السيارات فاستقبلنا رجال الصحافة والتلفزيون يأخذون لنا صورا من كل اتجاه وقد شغلنا بهذه المشاهد أكثر من مشغلتنا بالقضية .

دخلنا صالة المحكمة ففوجئنا ببعض من أهلينا قد حضروا من الصباح الباكر بتذاكر شخصية عن كل أخ واحد أو اثنين من أقاربه من الدرجة الأولي وحين شاهدونا أخذوا يتفرسون فينا ويحيونا بالابتسامات والدموع , وقد واجهناهم بالابتسامات والثبات حتي بعثت فيهم لطمأنينة ... أخذ رجال الشرطة في فك الكلبشات وأدخلونا قفص الاتهام وجلسنا حسب رقم كل فرد في قرار الاتهام وجلست الأخت الحاجة زينب والأخت حميدة قطب في نهاية العدد وظلت وسائل الإعلام في التصوير لفترة طويلة في صمت تام ولم يسمح للصحفيين بالحديث معنا على الإطلاق .

كان الجالسون في صالة المحكمة مجموعة من الأهالي رجالا ونساءا ولم يسمح بحضور الأبناء الصغار وكذا عدد من ضباط المباحث ورجال أمن الدولة والمخابرات وهم يرتدون ملابسهم المدنية .. وكنا نعرف بعضهم والباقي عرفناه من تصرفاته التي كان يتحرك ويتعامل بها مع زملائه كذا جلس في الصفوف الأولي جميع المحامين المنتدبين من المحكمة والموكلين عن الإخوان .

وفي الساعة العاشرة بدأت الجلسة بدخول هيئة المحكمة ووقف الجميع ثم قرأ الفريق أول محمد فؤاد الدجوي أمر تشكيل المحكمة التي يرأسها وتضم اللواءات علي صادق شريف عضو يمين وأحمد وحيد الدين حلمي عضو شمال وسيد جاد نائبا للأحكام .

ثم أعلنت النيابة عن تشكيلها وهي مؤلفة من الأساتذة صلاح نصار رئيس النيابة سمير ناجي وكيل النيابة ومحمد وجيه قناوي وكيل النيابة ... ثم نادي رئيس المحكمة على المتهمين ليقف كل منهم ويقول اسمه وعندما وصل إلى رقم 21 وهو الأخ " محمد عبد المعطي عبد الرحيم" وقف صلاح نصار ليعلن أنه مريض ووصل خطاب من طبيب السجن بذلك ( الأخ محمد عجز على الحضور من شدة التعذيب الذي وقع عليه حيث ضبط وهو يصلي وقت الطابور ) وقال صلاح نصار أن المتهمين الثلاثة :

محي الدين هلال وعشماوي سليمان ومصطفي العالم – متغيبون خارج البلاد وقد أعلنوا بالطرق القانونية .

ثم نادي رئيس المحكمة على المحامين المنتدبين من قبل المحكمة وقام بعض المحامين الموكلين من طرف الإخوة وأثبتوا حضورهم كذلك .

ثم نادي رئيس المحكمة على كل أخ وسأله : هل تعترض على تشكيل المجلس ؟ فقال الجميع لا نعارض في أشخاص المحكمة ولكننا نعارض في القانون حيث أننا نرفض التحاكم إلى القانون الوضعي وكان أول من قال بذلك هو الشهيد محمد يوسف هواش رحمه الله .

ثم سأل رئيس المحكمة كل أخ :

هل أنت مذنب أم غير مذنب ؟

قال جميع المتهمين ( أنا غير مذنب ) ولكن علي عشماوي هو الوحيد الذي قال ( أنا مذنب ) .

قال له الفريق أول الدجوي : أنت عارف مذنب يعني .. لا نسألك ولا تحتاج إلى دفاع ويصدر عليك الحكم طبقا للمادة المقررة ولكن لأجل العدالة نعتبر غير مذنب !! وقبل مرافعة النيابة – أعلن الفريق أول الدحوي أن المحكمة قررت محاكمة زينب الغزالي وحميدة قطب في جلسة خاصة باعتبارها سيدتين وأمر بإخراجهما من قفص الاتهام .

ثم دعا رئيس المحكمة السادة المحامين المنتدبين من المحكمة والموكلين من طرف المتهمين فقاموا وقدموا أنفسهم وسجلت أسماؤهم كالآتي وهم السادة :

1- أحمد مختار قطب عن الأستاذ سيد قطب

2- أحمد طلعت عبد العظيم عن محمد يوسف هواش - صلاح خليفةجلال بكري

3- عبد العزيز حجاج عن عبد الفتاح عبده إسماعيل

4- صلاح السهبلي عن أحمد عبد المجيدمبارك عبد العظيمكمال سلام - محمد الجزار

5- عبد الرؤوف علي عن صبري الكوميصلاح عبد الحق

6- [[حامد الأزهري]] عن صبري الكوميعباس السيسي


7- شوكت التوني عن مجدي عبد العزيز متوليعبد المجيد الشاذليممدوح الديريسيد سعد الدين الشريفإمام عبد اللطيف غيثمحمد أحمد البحيريفاروق المنشاوي .

8- عبد الرحمن النجار عن فاروق المنشاوي

9- جمال حلمي عن حلمي حتحوتفايز إسماعيل

10- أبو الوفا حمدي عن السيد سعد الدين الشريف - محمد أحمد عبد الرحمن .

11- عبده مراد عن كمال عبد العزيز سلامعاطف شاهين - جلال بكري

12- حسني علي عن سيد نزيلي - مرسي مصطفى مرسي أحمد السروجي

13- صفي الدين سالم عن عبد المنعم عبد الرؤوف – محمد عبد المعطي – فؤاد حسن علي

14- حسين أبو زيد عن زينب الغزالي

15- عبد العزيز حجاج عن إلهام بدوي

16- حسن فريد عن محمد عبد الفتاح الشريف

17- يونس حلو عن محمد عبد المعطي عبد الرحيممحمد عبد المنعم شاهين

18- على الرجال عن حلمي حتحوتحميدة قطبمحمود عزت

19- حسنين عبد الرحمن عن حميدة قطبحمدي صالحمصطفي الخضيريمأمون يحي زكريا


رؤساء نيابة أمن الدولة الذي تولوا التحقيق في القضايا

1- صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة العليا

2- عبد السلام حامد رئيس نيابة في رئاسة نيابة أمن الدولة

3- حسن جمعة وكيل نيابة

4- إسماعيل زعزوع وكيل نيابة

5- سمير ناجي وكيل نيابة

6- مصطفى طاهر وكيل نيابة

7- حسين لبيب وكيل نيابة

8- ممدوح البلتاجي وكيل نيابة

9- وجيه قناوي وكيل نيابة

10- سليمان عبد المجيد وكيل نيابة


ثم أذن رئيس المحكمة للأستاذ صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة أن يبدأـ مرافعته فوقف صلاح نصار الذي يعرف الحقيقة كل الحقيقة وعاش معنا كل أساليب التعذيب وشاهدها على أجسادنا دما وتمزيقا – وقف صلاح نصار (يلبس الحق بالباطل ) ويكيل التهم الظالمة للأستاذ سيد قطب ويؤيد حديثه بأقوال من ( ميثاق العمل الوطني ) فيقول : إن ما جاء في الميثاق ( جوهر الرسالات الدينية لا يتصادم مع حقائق الحياة ) ولكن ينتج التصادم في بعض الظروف من محاولات الرجعية أن تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم وذلك بافتعال تفسيرات للتصادم مع حكمته الإلهية ولكن جماعة الحاقدين أبت إلا أن تفسر الدين حسبما تقتضي أهدافهم فيضع قطبهم ( سيد قطب )

دستورهم " معالم في الطريق " الذي يدعو حوارييه أن ينطووا على إنفسهم وينفصلوا عن مجتمعهم ثم يدعوهم لتدمير مجتمعهم وقتل مواطنيهم ناعقا فيهم بقوله ( إننا اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم – كل ما حولنا جاهلية – تصورات الناس وعقائدهم – وعاداتهم وتقاليدهم – موارد ثقافاتهم وفنونهم وآرائهم تراثهم وقوانينهم الكثير مما تحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيرا إسلاميا كذلك من نصع هذه الجاهلية – وأن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم وأن الإسلام يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات الجاهلية وأن الإسلام منهج في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس ويزيل كل الأنظمة القائمة في صورة الجهاد بالسيف .

وتحدث رئيس النيابة عن المناقشة التي حدثت بينه وبين سيد قطب أثناء التحقيق – وذكر إجابات سيد قطب التي تتمثل في صدق العقيدة الإسلامية حين سئل سيد قطب – هل تري في القوانين القائمة ما يمنع المسلم من القايم بواجباته الدينية ؟

قال سيد قطب : أري في القرار الخاص بمنع النشاط العلني لجماعة " الإخوان المسلمين " وهي تؤدي هذه الواجبات الدينية التي ذكرتها مخالفة لأمر من أوامر الدين .

وسئل سيد قطب ولكن الثابت على ما تعرف بيقين إن حزب " الإخوان المسلمين " كان يشكل تنظيما سريا إرهابيا داخل الدولة ارتكب بواسطة أكثر من جريمة .

قال سيد قطب : الذي أعرفه شخصيا أن جماعة " الإخوان المسلمين " كان لهم تنظيم سري وأن وجوده على ما أعرف ليس هو السبب المباشر في حل الجماعة – إنما السبب هو الدسائس الأجنبية التي تآمرت وأدي ذلك لحل الإخوان .

وسئل سيد قطب : هل تري أنه كان من الممكن أن تسمح الثورة بقيام جماعة ذات تنظيم سري مسلح داخل الدولة .

قال سيد قطب : طبعا لا ترضي الدولة ولكن كان يمكن حل هذا التنظيم السري بالتراضي على أساس حل التنظيم وإبقاء الجماعة كحركة علنية .

ثم قال رئيس النيابة :

لو نظرنا بين المتهمين في هذه القضية لثبت أن نصفهم لا يزيد عمره عن الخامسة والعشرين ومن ثم كانوا أطفالا عند قيام الثورة ثم قال رئيس النيابة كلمة أثارت انتباه المحكمة والصحافة حين قال : إن بين المتهمين أربعة من الشباب العلماء معيدين في مؤسسة الذرة – وأن خسارة الدولة بعد وجودهم في القفص يساوي ما قدمته مصر من أموال في بناء السد العالي !!

وحين سمع الفريق أول الدجوي هذه الجملة من رئيس النيابة امتعض وتغيرت نظراته هو وجميع الموجودين من رجال المباحث والمخابرات وطلب الدجوي من رجال الصحافة والإعلام أن لا يكتبوا هذه العبارة التي أثارت حفيظتهم وفي نفس الوقت أراحت نفوسنا .

ثم واصل رئيس النيابة اتهامه للأستاذ سيد قطب , وقدم بعض الأسئلة وإجابات سيد قطب عليها – من كتاب معالم في الطريق .. فقد وجه رئيس النيابة إلى سيد قطب – سؤالا – حول مذلول ( الحاكمية) .

قال سيد قطب : أن تكون شريعة الله هي قاعدة التشريع

فسأله صلاح نصار : ومتي نودي بهذه العبارة فيما تعرف

قال سيد قطب : هذا تعبير قد استقيته أنا من دراستي للإسلام .

سأل سيد قطب : ألا تعرف أن هذه كلمة قالها الخوارج قديما وقال عنها الإمام على بن أبى طالب ( كلمة حق أريد بها باطل )

قال سيد قطب : أنا لا أتذكر موضعها من التاريخ ولم أكن أعنيه عندما استعملتها وأنا كنت أعني أن تكون شريعة الله هي قاعدة التشريع .

سئل سيد قطب : ألم تنقل هذه الأفكار من مؤلفات أبي الأعلى المودودي؟

أجاب سيد قطب : أنا انتفعت بكتب المودودي وغيرها من الكتب أثناء دراساتي للإسلام .

سئل سيد قطب : وما الفرق بين ما تنادي به وما ينادي به المودودي؟

قال سيد قطب : لا فرق .

وبعد هذه المناقشة الواضحة بدأت النيابة ووسائل الإعلام تتهمنا بأننا خوارج !

الجلسة الثانية للقضية الأولي

قبل أن نتوجه إلى المحكمة ونحن مجتمعون في السجن الحربي في هيئة طابور جاء اللواء حمزة البسيوني ومعه بعض الضباط – وقال لنا أنه ينصحنا بعدم الضحك أثناء جلسات المحكمة- حيث أن في ذلك إهانة واستهتار برجال القضاء وكرر هذا المعني الذي يفيد التهديد والوعيد .

وفي أثناء الجلسة الأولي لاحظنا أن رجال الصحافة يترقبون بعض المواقف غير المقصودة ( مثل أن يسند ) الأخ رأسه على كف يده) فيلتقطون له صورة – وتخرج الصحيفة ويكتب تحت الصورة ( إنه يعيش في حالة من الندم على ما قدمت يداه ) وإذا اضطر الأخ أن يخرج منديلا ليحفف عقه أو غير ذلك – فإن المصور يغتنم هذه الفرصة ويأخذ له صورة من أسفل الذقن فتظهر وكأن الأخ يبكي ..ويكتب تحت الصورة ( إنه يمسح دموع الندم) وهكذا يكذبون ويمكرون , لهذا فقد تواصي الإخوان أن لا يقعوا في هذه المطبات حتي لا يعطوا لأعدائهم فرصة التشهير وخداع الشعب الذي لا يعلم الحقيقة فمن المعروف والمعتاد أنه حين يراد عمل تحقيق صحفي لأحد المتهمين للتشهير به- فإن المتهم يخرج على المصور وهو حليق الرأس حافي القدمين وتصدر الأوامر للمتهم بأن يقف منكس الرأس يتأبط ذراعيه جندي من اليمين وآخر من الشمال .

حتي إذا خرجت الصورة في صدر المجلة أو الجريدة فإنها توحي للمشاهد أن المتهم يشعر بالحزن والندم – وحتي تبعث هذه الصورة الخوف والرعب في نفوس الناس ولا سيما إذا كان المتهم شخصية كبيرة معروفة في المجتمع .

هذا فضلا عن التوصيلات السمعية التي كانت موجودة في قفص الاتهام مما جعل الإخوة لا يتكلمون إلا في حذر وضرورة ... كما أن رجال المباحث والمخابرات كان يراقبوننا داخل القفص فإذا أعطي أحدنا ورقة ما لزميله قام واحد من رجال المباحث يطلب الورقة والاطلاع ع عليها ثم يردها أو لا يردها !! كما أنهم لم يسمحوا لنا باستلام أى شئ من أقاربنا على الإطلاق حتي الطعام .

فتنة يروج لها بعض المحامين

من حق كل محام أن يتحدث إلى موكله وهو في القفص عن بعض الأمور التي تساعده في الدافع عن موكله .. وقد حدث أن نفرا قليلا من المحامين كان يتحدث إلى موكله فيقول له إنه قد علم أن الأستاذ سيد قطب قد تراجع عن رأيه فيما جاء في كتابه (معالم في الطريق ) وهو بصدد كتابة مذكرة للمحكمة يعلن فيها عن ذلك ولقد رد الإخوان الذين استمعوا إلى هذه الفرية – أنهم يثقفون في أستاذهم ولا يصدقون عنه ذلك ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وثباتا على موقفهم وكان الغرض من هذه المقولة الكاذبة هو إثارة الشكوك والفتنة بين الإخوة وأستاذهم سيد قطب .. وقام الإخوان في الحال بإبلاغ الأستاذ سيد قطب بما حدث فهز رأسه مبتسما وهو يقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .

وتوجهنا إلى المحكمة للمرة الثانية بنفس احتياطيات الأمن الرهيبة المشدد . ووسائل الإعلام المضللة – التقينا بالأهالي بشئ من عدم الرهبة وإن كان الكلام محرما فنكتفي بالابتسامات والنظرات واختلاس بعض الاستفسارات .

وقبل أن تبدأ المحكمة في المناقشة والنظرات- طلب رئيس نيابة أمن الدولة أن تقف المحكمة دقيقة حدادا على وفاة الرئيس عبد السلام عارف رئيس جمهورية العراق – حيث توفي على أثر سقوط طائرته – وللرئيس عبد السلام عارف يد في أنه توسط لدي جمال عبد الناصر للإفراج عن الأستاذ سيد قطب من السجن عام 1964 .

قال رئيس المحكمة .. للسيد صلاح نصار رئيس النيابة أن يتم مرافعته .. وأذكر إخواني أنني أى عباس لا أستطيع أن أستوعب كل ما يقال في هذه الجلسة سواء من أقوال النيابة أو أقوال الإخوان أو دفاع المحامين فإن ذلك يحتاج إلى أجهزة تسجيل ومئات من الصفحات ولكني والحمد لله كنت قد كتبت الكثير من هذه المعلومات عقب الإفراج عني كما استعنت ببعض الصحف والمجلات فيما يطابق ما سمعته .

ومما قاله صلاح نصار في مرافعته – إن الإخوان على صلة بدولة أجنبية ! وإن مجموع المبالغ التي حصل عليها الإخوان بلغت 84 ألف و 924 جنيها !! وإن السعودية هي مصدر تمويلنا بالمال والسلاح ( كانت مصر في شقاق مع السعودية في هذا الوقت بسبب حرب اليمن) وأن كامل الشريف ( وزير الأوقاف في الأردن) والمسئول عن عمليات الإخوان الحربية ضد اليهود في مدينة غزة عام 1948وعشماوي سيلمان ومحي هلال طلبوا من فيصل ولي عهد السعودية يومئذ أن يمدهم بالمال والسلاح .

وإن الإخوان في السعودية يعملون في إذاعة الإمام البدر ويهاجمون ثورة اليمن بقيادة الرئيس السلال ( تلك الثورة التي يمولها جمال عبد الناصر بالمال والسلاح والجنود والتي كان يصرف عليها من دم المصريين مليون جنيه ذهبا في اليوم الواحد ).

ثم قال صلاح نصار – فليست المشكلة كما يشير سيد قطب في معالمه هي مشكلة تقنين الفقه الإسلامي إنما مشكلته في قلبه وحقده وفي تصميماته التي لا يقصد بها سوي إثارة الفتنة الدامية فهو يذكر أن شريعة الله ليست مطبقة : ويقول نصار ( إن شريعة الله هي شريعة الكفاية والعدل وأن طريق الإشتراكية وتكافؤ الفرص ورفض تحكم رأس المال وسيطرته على الحكم هو شريعة الله )!!

وهكذا جعل صلاح نصار كلام جمال عبد الناصر ( الميثاق الوطني ) شريعة الله ) !! ثم استطرد صلاح نصار يرمي جماعة الإخوان بأن من ورائهم الاستعمار والرجعية وقالت بعض الصحف إن الإخوان عارضوا جلاء الإنجليز عن مصر !! كما جاء ذلك في ملحق خاص بجريدة أخبار اليوم في 25/ 9/ 1965 في 8 صفحات يندد بالإخوان ويختلق قصصا كاذبة يقول تحت عنوان ( لأول مرة في تاريخ الصحافة العربية يشترك أكثر من مائة محرر في تغطية قصة صحفية واحدة كبيرة ) .

... إنها قصة الظلام والإرهاب والرجعية والخيانة والاستعمار .. قصة جماعة الإخوان – كانت البداية بسيطة ... إجماع زائع من محرري الصحف ومجلات أخبار اليوم على ضرورة مساهمتهم في كشف الخيانة كاملة للرأي العام .. كل منهم يريد أن يقدم فصلا أو قصة أو تحليلا أىّ أىّ شئ عن هذا التجمع الإرهابي الذي بدأ بسيطا عام 1928 ولم يكن ممكنا أن تتسع صفحات الجريدة اليومية أو المجلة الأسبوعية لكل قصص الظلام – وتبلور هذا الإجماع الحماسي المصطنع في ضرورة إعداد ملحق خاص كبيرا يكون سجلا تاريخنا حافلا يقدمونه للشعب . ويرسمون به الصور الحقيقة لهذه الجماعة الخائنة بلا انفعال ... أبشروا ففي كل مكان وراء التاريخ المظلم للإخوان صفحات رهيبة مليئة بطلقات النار ودوي القنابل وأنين الجرحي وبكاء الأطفال وبصمات الاستعمار ورائحة الخيانة والدماء والدمار ..)

خيوط خطة

دعي الأستاذ سيد قطب للوقوف أمام محكمة الدجوي وكان صوته خافتا فقال له الدجوي ارفع صوتك قال : لا أستطيع أكثر من ذلك فدعاه ليقترب من المنصة قال الدجوي ما صلتك بالتنظيم السري قال : علمت أن مجموعة من الشباب تقرأ مؤلفاتي ويريدون مقابلتي فقابلتهم في منزلي وعرفت أنهم يعكفون على العبادة ومطالعة الكتب الإسلامية وكانت لهم آراء لا تتفق مع منهجي – قال الدجوي – ألم يكن من خطتهم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر قال الأستاذ لقد قلت لهم إن اغتيال جمال عبد الناصر مسألة تافهة لا تحتاج لمثل هذا التنظيم فوجمت المحكمة وساد الجلسة رهبة وصمت عميق ثم قال الدجوي ألست القائل للإخوان إن من يقتل الظالم يكون له المثوبة – بسكون الثناء وفتح الواو – بصوت عال فيه تحد وتشف فضج الإخوان في القفص بالضحك وقالوا مثوبة لا مثْوبة – ثم قال الأستاذ سيد قطب إ رسالتنا بعيدة عن هذا الأسلوب فإن مهمتنا الأصيلة هي تربية الشباب تربية إسلامية قرآنية حتي ننشي جيلا جديدا ينتمي للإسلام عقيدة وعميلا .

وبعد مناقشات استمرت أكثر من ساعة – قال الدجوي للأستاذ سيد إحنا عاو زين نعرف تفسيراتك لما جاء في كتاب " معالم في الطريق " عن مقصودك من معني ( الحاكمية لله) وهنا انتاب الإخوان شعور بالسرور حيث سوف تتاح فرصة للأستاذ سيد للإفاضة والتوضيح والبيان ولا سيما إذا أتيح للصحافة أن تنشر ذلك بصدق وأمانة ... ولكن الأستاذ سيد طلب من المحكمة أن تعطيه فرصة استراحة يستأنف بعدها الرد على السؤال وأوقفت الجلسة ودخل أعضاء المحكمة للاستراحة وترقبنا بشغف ولهفة افتتاح الجلسة حتي نسمع هذه المناقشة التاريخية .

نبأو وفاة الرائد الحاج فتحي محمد شريدح

وأثناء فترة الاستراحة كان يجلس أمامي خارج القفص شقيقي محمد حسن السيسي فسألته عن أخبار الأسرة ثم قلت له : لقد سألوني في التحقيق عن صلتي بالرائد الحاج فتحي محمد شريدح وقد قلت لهم إنه لا صلة شخصية بيني وبينه علا الإطلاق فما هو الداعي لسؤالي عنه ؟

قال شقيقي : ألا تعلم أن الرائد فتحي شريدح قد توفي إلى رحمة الله تعالي في 5 ذي الحجة 1385 الموافق 27 مارس 1966 قالت  : هذه أول مرة أعرف هذا لخبر المؤلم ! فسألته وكيف كانت وفاته وهو شاب في ريعان الصبا والصحة والفتوة – قال :: سمعت أنه في القاهرة كان يزور أحد زملائه من الضباط في منزله ... وبعد قضاء سهرة معا – خرج في طريقه إلى منزله وكان ذلك ليلا وبعد أن قاد سيارته مسافة أحس بتعب فأوقف سيارته بجانب الطريق وأسند رأسه إلى عجلة القيادة وفارق الحياة !! وشيعت الدولة جنازته عسكريا في رشيد في مشهد رهيب لم تشهده مدينة رشيد من قبل – رحم الله فتحي شريدح .... الشاب المؤمن الذي تشهد له ميادين القتال بالشجاعة والإقدام ويشهد له زملاؤه وعارفوه بالمثل الرفيعة والقيم العالية من حسن السلوك ومكارم الأخلاق . إن خسارتنا في الفقيد الكريم ليست خسارة فرد ولكن خسارة أمل .. والرجال قليل ..

واستؤنفت الجلسة ... ووقف الأستاذ سيد تلتهمه العيون وترفرف حوله الدعوات وانتظرنا أن يعيد عليه رئيس المحكمة السؤال عن ( الحاكمية لله ) ولكن يبدو أن المحكمة قد أعطيت فرصة الاستراحة فتداولت خطورة ما سوف يكون من حديث سيد قطب حول موضوع هو فارسه المجلي وما سيكون من اثر هذا الحديث على المستمعين وعلى الصحافة فضلا عن أن المحكمة وعلى رأسها الفريق أول لا يعرف كيف ينطق بكلمة ( المثوبة ) لهذا تغافل الفريق أول عن هذا السؤال وأخذ يلف ويدور حول أسئلة فرعية – فأخذ يسأله عن حكاية سفر علي عشماوي إلى السعودية .... وعن السلاح الذي خطتم لإحضاره من بلده درار بالصعيد في صناديق " الدوم" للتمويه ...,عن شكل التنظيم ومنهاجه الحركي .. ثم انتهت مناقشة الأستاذ سيد ورفعت الجلسة إلى الغد .

رؤيا للأستاذ سيد قطب

حدث الأستاذ سيد قطب الإخوان وهو في القفص – فقال – إنه رأي فيما يري النائم .. أنه كان يجلس في حجرة المكتب في منزله – فشاهد عددا كبيرا من " نحل العسل " يدخل هذه الحجرة وينشي خلايا من الطين في كل ركن من أركانها – وبدأ النحل في إنتاج كميات كبيرة من العسل مما اضطرني أن أفكر في توزيعه على الأسرة والأخوة والأصدقاء ..

تلك هي الرؤيا العظيمة التي حدثنا عنها سيد قطب .. وقد جال بخاطرنا أن تعود سورة النحل في القرآن الكريم عسانا نجد لهذه الرؤيا تأويلا . وإن كانت لا تحتاج إلى تأويل – فكانت افتتاحية السورة المباركة ( أتي أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالي عما يشركون ) ولم تمض شهور حتي تحققت الرؤيا كفلق الصبح وقضي سيد قطب شهيدا في صباح 29 أغسطس 1966 .

وتلهت المطابع ودور النشر وخاصة في لبنان والدول العربية الإسلامية في سباق لنشر جميع مؤلفات الشهيد سيد قطب وخاصة (الظلال ) ( ومعالم في الطريق ) وارتفعت أسعار هذه الكتب إلى أضعاف ثمنها واشتد الإقبال عليها .

وفي موسم الحج عام 1966 – حرص الحجاج من جميع أنحاء العالم في شراء كميات من هذه الكتب ليقدموها هدايا إلى المتعطشين من أبناء هذا الجيل المسلم وقد ساعدت المملكة العربية السعودية في تسهيل هذه الرسالة – وحمل مئات الطائرات الرائحة إلى أقطار الأرض كتب الشهيد سيد كتب ( عسلا مصفي ) فيه شفاء للناس وبهذا تحققت رؤيا الشهيد فى أبهي صورة من صدق العقيدة وجلال الروح .

الجلسة الثالثة

قال رئيس النيابة إن الجهاز السري للإخوان الإرهابيين تلقي 4000 أربعة آلاف جنيها من السعودية لتنفيذ خطة الاغتيال ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذ شئ .. وشاعت في السعودية أنباء غضب الملك فيصل على الإخوان لأنه كان يريد إبقاء الأمر سرا بينه وبين أعضاء الإخوان في السعودية وعاتبهم على إفشاء الشر وقال لهم إنه سحب عرضه ! وقال صلاح نصار في مرافعته – إن المتهم سيد قطب سئل في التحقيق عن رأيه في سعيد رمضان فاعتذر سيد قطب عن إبداء رأيه ( وكل هذا افتراء لا أساس له من الصحة ).

وقال رئيس النيابة إن سعيد رمضان يعيش في جنيف في سويسرا حياة الملوك وشرح رئيس النيابة كيف اتصل سيد قطب بالمتهمين وهو وراء القضبان ووضع لهم برنامجا تخريبيا وبرنامجا لاصطياد الشباب وبرنامجا للتدريب العسكري السري المسلح وبرنامجا للمشي على الأقدام لمسافات بلغت أحيانا 90 كيلو مترا وقال إن اتصالاته في السجن كانت تتم عن طريق شقيقته حميدة التي تزوره وتنقل سمومه إلى زينب الغزالي وغيرها من المتهمين – وقد اعترفت زينب أنها قابلت سعيد رمضان في السعودية وكانت معه حرم الشيخ البنا وقالت إن سعيد رمضان طلب منها الاتصال بسيد قطب في السجن عن طريق أخته حميدة – ومعني ذلك أن الاتصال كان بأمر من سعيد رمضان .

وواصل رئيس النيابة مرافعته حول طريقة المتهمين في اصطياد الشباب والتغرير بهم حصر معلوماتهم في نطاق كتب سيد قطب وتدريبهم في بلطيم وجمصة على المصارعة اليابانية واستعمال القنابل وقال إن سيد قطب خرج من السجن في مايو 1964 قبل أن يتم مدة العقوبة المحكوم بها عليه ووجد أموالا تأتي من الخارج وأسلحة ومجموعات كان يرأسها الوزير السابق عبد العزيز علي – وأخذ سيد قطب يجتمع بعد خروجه بقيادة التنظيم ومنهم علي عشماوي المسئول عن السلاح والمفرقعات وتنظيمات القاهرة وعبد الفتاح إسماعيل المسئول عن النواحي المالية والدينية – وأحمد عبد المجيد عبد السميع المسئول عن المعلومات و تنظيمات الصعيد – ومحمد يوسف هواش الذي عين نائبا لسيد قطب ليتعود على عمليات التخريب باعتباره من محترفي الإجرام ... وفي أبريل 1965 أشاع سيد قطب أن السلطات تسعي إلى كشف التنظيم وطلب من أعضاء سرعة التدريب على السلاح وتبين أنهم صنعوا قنابل مولوتوف وأدوات التدمير لاستعمالها في التخريب الذي تحدد له شهر يوليو 1965 وأعدوا العدة لاستلام الأسلحة المرسلة من السعودية عن طريق السودان وفي مايو طلب سيد قطب من المتهمين توجيه الضربة الحاسمة وأعدوا كشفا بأسماء المطلوب اغتيالهم وهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المخابرات ورئيس المباحث العامة والعميد شمس بدران وكشفا بالمنشآت المقرر تدميرها ومنها مطار القاهرة ومحطة كهرباء القاهرة وبعد أن سافر للتصييف في رأس البر – وفي 5 أغسطس أمر سيد قطب أن يضربوا ضربتهم . ولكن الأمن فتشته في ذلك الوقت وتركته فأرسل خطابا إلى سلطات الأمن يتهجم عليها ويشبه نفسه بالفيلسوف ( براتراند راسل ) وكان هدفه من ذلك أن تعتقله السلطات ...وشبه نفسه في خطابه هذا " براتراند راسل " يندد بسياسة دولته على رؤوس الأشهاد في المجامع الدولية وفي الصحف والإذاعات داخل انجلترا وخارجها ولكن حكومته تعامله بالاحترام الواجب لرجل الفكر – لأنه ليس رئيس عصابة للقتل والنهب وتجارة المخدرات .و" براترند راسل" لم يقدم لأمته ولا للإنسانية ما قدمته . فقال صلاح نصار وقد تناسي المتهم أن " براتراند راسل " يعارض الاستعمار والطغيان أما هو فيعارض العلم والتقدم فهو ينسب إلى الأستاذ سيد قطب أن يعارض العلم والتقدم وهذا ضد طبائع الأشياء والذي يقرأ مرافعة صلاح نصار وما فيها من زيف يدرك لأول وهلة أن القضية كلها ملفقة ولا يصدقها عقل وأنها ألفت بمهارة ومخادعة كان يتقنها صلاح نصر رئيس مخابرات عبد الناصر .

السجون ربطت القلوب ولم تفرقها :

حين بدأ الإفراج عن الإخوة الذين أمضوا مدة العقوبة المقررة من خمس سنوات إلى عشر سنوات – كانوا قد عقدوا النية والعزم على التواصي بالعمل الجاد نحو تجمع إسلامي ب يعمل على إعادة صف الجماعة بعد ضربة جمال عبد الناصر عام 1954 وكان على رأس هؤلاء الرجل الشجاع الأستاذ عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد العام وفعلا بدأ هؤلاء في تجميع أنفسهم بعد الإفراج عنهم .. وما كادت المجموعة التي أتمت عشر سنوات من 1954 حتي 1965 يفرج عنها حتي كانت محنة 1965 . فتم القبض عليهم واتهمتهم النيابة بتشكيل تنظيم داخل السجون وبالرغم من أنواع التعذيب التي صبت عليهم في سجن القلعة لم يثبت ضدهم أى اتهام !!

سيد قطب في موقف عاطفي

وقف سيد قطب في الركن الأيمن في مقدمة قفص الاتهام متجها نحو إخوانه في القضية شاخصا ببصره إليهم في صمت عميق – وقف يتملي في وجوههم المشرقة بالإيمان المفعمة بالحنان الجياشة بالحب – وقف يسبح بنظراته العميقة في مدلول هذا الجمع من الشباب غاياته نبيلة وآماله واسعة في تحقيق أهداف الإسلام في العالم وقف يشهد انفعالاتهم واندفاعاتهم للدفاع عن عقيدتهم في قوة وصدق وطهر وعفة لسان ... ويري أعداء الدعوة يفترون عليهم الكذب ويصدون عن سبيل اللهب الباطل المتبجح المدجج بقوة القهر والسلطان .

رأيت سيد قطب وهو في هذا المقام يملأ عينيه ويغذي قلبه ويشبع روحه من نعيم هذا الجو الرباني وإخوانه في موقف الحق والشهادة وكأني به بما يملك من قلب كبير يؤمل فيهم ويشفق عليهم ويستودعهم الله الذي لا تضيع عند الودائع .

كيف بدأت خيوط الكشف عن تنظيم الإخوان عام 1965

كانت حرب اليمن التي اشترك فيها الجيش المصري على أشدها وكان الرقيب أول " عبد اللطيف شاهين " من رجال قوات الصاعقة قد طلب أجازة من الوحدة العسكرية للسفر لحضور حفل زفاف احدي قريباته . وجال بخاطره أن يأخذ معه ثلاث قنابل صوتية كهدية يفجرها في الاحتفال فتحدث صوتا يشيع الفرح والسرور !!

ونزل بلدته وهي قرية اسمها ( سنفا) مركز ميت غمر محافظة الدقهلية وذهب إلى أحد أصدقائه وهو ( يوسف عطية القرش ) وطلب إيداع هذه القنابل عنده لحين يوم الاحتفال .. وكلما جاء صديق ليوسف فإنه يتطوع بإبرازها حتي يشاهدها وانتشر أمر هذه القنابل في القرية .. وبلغ أمرها إلى عمدة القرية الذي تأكد من القصة فقام بإبلاغ الأمر إلى الشرطة التي اتجهت إلى منزل يوسف القرش فلم تجده حيث كان في زيارة أحد أقاربه بالقاهرة وعثروا في محله على القنابل وأسرعوا إلى القاهرة حيث قبضوا على " يوسف القرش" وصديقه " حبيب عثمان " وهو صاحب ورشة خراطة .. وفي السجن الحربي ذاقا من أهوال التعذيب فوق طاقة البشر . واستمر التعذيب أياما تجاوزت الأسبوع حتي إذا يئس رجال المباحث العسكرية .. قاموا بإحضار زوجة حبيب عثمان أمامه وهددوه في شرفه !! فبدأ يذكر أول خيوط القبض على التنظيم وتوالي القبض على العشرات والمئات من جميع المحافظات .. وتلك هي القصة باختصار .والذي حدث من الرقيب " عبد اللطيف شاهين " هو نفس الذي حدث من الجندي من رشيد الذي جاء بالقنابل من اليمن وطلب إيداعها أمانة عند صاحب الفندق !! وتسبب في اعتقال أم معاذ .. ويلاحظ من تصرفات يوسف القرش أنه ليس له صلة بجماعة الإخوان ولكن كان سفره إلى القاهرة ووجوده عند الأخ حبيب عثمان – قدر – ومعظم النار في مستصفر الشرر .

قصة مع الأستاذ حامد الأزهري المحامي

انتدبت المحكمة الأستاذ حامد الأزهري المحامي للدفاع عن عباس السيسي . فتوجه إليه في مكتبه شقيقي محمد حسن السيسي . لوكيله في القضية كذلك ولكن الأستاذ حامد قال لشقيقي إن الحاج عباس صديقي فقد كنت معتقلا وإياه في السجن الحربي عام 1954 وسوف يكون دفاعي عنه من واقع الصداقة والمعرفة والزمالة في السجن والحق أن الأستاذ [[حامد الأزهري]] كان على هذا المستوي النبيل من حسن الخلق وقد أدي واجبه في الدفاع عني بصورة مشرفة .. والأستاذ حامد قد اعتقل عام 1954 باعتباره من أقارب العقيد يوسف صديق عضو مجلس قيادة الثورة الذي كان سببا في إنقاذ حركة 23 يوليو من الفشل إذ قام بتقديم موعد الصفر ساعة فسبق إلى اعتقال كبار قادة الجيش وهم يتأهبون للقضاء على حركة 23 يوليو ومع هذا وما له من أهمية في نجاح الحركة .. فقد اعتقله جمال عبد الناصر وحدد إقامة زوجته ف منزلها واعتقل بعض الأقارب وكان منهم الأستاذ حامد الأزهري وإليك قصته :

وظهر يوم 22 يوليو ذهب اليوزباشي زغلول عبد الرحمن إلى البكباشي يوسف صديق في معسكر الهاكستب وأخبره بأن يتحرك بعد 12 مساء ليكون في منطقة كوبري القبة قبل الواحدة بعد منتصف الليل ولكن البطل الراحل تحرك الساعة 11 مساء وليس بعد 12 كما تحدد له والسبب الحقيقي في تحركه هو رغبته في احتساء عدة كؤوس من البراندي في " بار بالميرا " الذي يغلق أبوابه في منتصف الليل وقاد بالفعل مقدمة الكتيبة 75 جنديا و 12 ضابطا ووصل منطقة" الكربة" بمصر الجديدة فأدخل اللوريات التي تحمل قواته وعدد 20 لوريا إلى شارع جانبي بالكربة واتجه إلى البار احتسي البراندي ثم عاد بسيارته إلى منطقة رئاسة الجيش بكوبري القبة بعد منتصف الليل بقليل فوجد الهدوء يسيطر على كل شبر حوله واعترته الدهشة وعند عودته لقواته في " الكربة" اكتشف أن أحد ضباطه ملازم أول محمد أحمد غنيم قد قبض على البكباشي جمال عبد الناصر وزميله الصاغ عبد الحكيم عامر اللذين يعرفهما فأفرج عنهما وقال عبد الناصر حزينا لقد فشلنا وانكشف أمرنا وقادة الملك مجتمعون الآن في رئاسة الجيش للتحرك المضاد لنا .

وفكر صديق سريعا ثم قال لعبد الناصر نهاجم رئاسة الجيش لأننا لو هربنا سيقبض علينا كالفئران قبل الفجر ولو فشلنا فسيقول التاريخ إننا حاولنا ولم ننجح لن أتراجع عن هذا القرار .

وقال عبد الناصر ولكن بقية الكتائب لم تأت هل تستطيع القيام بالمهمة كغرزة أولي حتي تصل القوات المشتركة معنا ؟

ليس هناك بديل أمامنا غير التراجع " جبنا" ولن افعل ذلك .

وأجاب عبد الناصر – على بركة الله تقدم يا يوسف.

واقتحم يوسف صديق ورجاله الجيش بعد أن سيطروا على منطقة كوبري القبة وقبض على قادة الملك مجتمعين في رئاسة الجيش ووفر بذلك مهمة القبض عليهم في بيوتهم وقد حالفه النجاح ثم ظهرت بعض وحدات المشاة يتقدمها أحرار الكتيبة ( 13 ) يقودها العقيد أحمد والصاغ صلاح نصر بعد الثانية والنصف صباحا وجاء أنور السادات في الثالثة وسيطر جمال عبد الناصر على الموقف .

ودخل يوسف صديق إلى السجن الحربي ثم لحق به العقيد أحمد شوقي وعدد كبير من الأحرار رفضوا مسايرة الأخطاء ورفضوا حكم الديكتاتورية .

كان يوسف صديق شيوعيا غير مؤمن وكان أول من قام بالثورة بشجاعة نادرة ولكنه كان مع شيوعيته يؤمن بالحرية والديمقراطية فأظهر المعارضة لخطط عبد الناصر فنسي عبد الناصر كل ما فعله يوسف صديق غدر به وبالوعود التي أقسم عليها وهي أن يحقق الحرية وينصر الديمقراطية ويعيد الدستور وينفذ الوصايا الست التي وعدت بها الثورة أول عهدها وهي ترجو تأييد الشعب لها وتحظوا حظوتها الأولي في حذر وترقب ثم تنكرت لذلك كله .

وكان الأخوة يسألونني هل وكلت عنك محاميا غير المحامي المنتدب ؟ فقلت لهم فكرت في ذلك فوجدت أن الأخ مجدي عبد العزيز متولي وهو رقم 6 في القضية والأخ عبد المجيد الشاذلي وهو رقم 7 في القضية وقد وكلا عنهما محاميا كبيرا بمبالغ كبير – وحيث أني رقم 9 في القضية فإن الدفاع عنهما سينالني منه نصيب فقالوا أنت لا زلت رشيديا !!

مع وفد من أساتذة الجامعات الأمريكية

وفي معمعة المحاكمات جاء إلى السجن الحربي بإذن من الحكومة وفد من أساتذة أخصائيين بالجامعات الأمريكية لعمل أبحاث حول الحركات الإسلامية وطلبوا مقابلة مجموعة من الشباب الجامعي الحديث عهد بجماعة " الإخوان المسلمين " وتحدثوا مع الشباب بصراحة أنهم يريدون أن يعرفوا الأسباب الحقيقية التي دفعتهم لاعتناق فكر جماعة الإخوان والانضمام إلى تنظيماتهم دون غيرها من التنظيمات مثل الإتحاد الاشتراكي – أو جمعية الشبان المسلمين أو جمعية أنصار السنة المحمدية أو الجمعية الشرعية – أو جماعة التبليغ .. وبالطبع لم تكن في مصر أحزاب سياسية في هذا الوقت وقالوا للشباب إنهم ليسوا في مقام التحقيق وأن حديثهم سيكون بصفة شخصية وسرية وأخذ كل واحد من هؤلاء الإخوة يسرد الأسباب التي شجعته للانضمام لجماعة الإخوان قال أكثرهم أنهم قد سبق أن اتصلوا ببعض الجماعات الإسلامية في مصر كما أنهم كذلك قد قابلوا بعض العلماء وناقشوهم – وبعد هذه السياحة والمعايشة والتفكير وجدوا أن أكثر هذه الجماعات ينقصها شئ هام , وهي تعلمه ولكنها تحاول أن تبرره هذا الشئ هو الشمول والتكامل فالإسلام دين شامل لأمور الدنيا والدين يدعوا أهله للأخذ بالإسلام جملة وتفصيلا – فهو وشريعة دين ودولة مصحف وسيف ولقد وجدنا الجمعيات الإسلامية تقف عند العبادة والفقه دون أن تتعداه إلى ( الجهاد ) ولكننا وجدنا أن جماعة الإخوان المسلمين " تأخذ بشمولية الإسلام .... ,تاريخهم الحركي شاهد على ذلك في ميادين الجهاد في فلسطين والقنال كما هو ظاهر في مشروعاتهم العلمية والاقتصادية والرياضية وغير ذلك – لهذا وجدنا أن مجالات دعوة الإخوان تملأ فراغ عقولنا وقلوبنا وتطلعات آمالنا في تحرير بلادنا والحكم بشريعتنا وقال بعض الشباب أنه كان قبل معرفته بهذه الجماعة كان يعيش في قلق وفراغ لا رسالة ولا هدف ولا قيمة يستشعرها في وجوده في هذه الحياة .. وبعد أن تعرف على هذه الجماعة استرد أشياء كان يفتقدها وعرف قيمته وغايته حين صحح مفهومه عن سر وجوده في هذه الحياة .

وعاد الشباب يتحدث عما دار في هذه الجلسة وقد أدرك أن غرض الأساتذة الأمريكان هو اكتشاف الأسرار والعوامل النفسية التي جذبته إلى دعوة الإخوان لكي يدرسوها ثم يخططوا بوسائل مدروسة متدرجة لإبعاد الشباب عن التيار الإسلامي وقد رصدوا الأموال الطائلة في سبيل الغوص في أعماق الشباب وصفوف الجماعة لعمل الأبحاث العلمية المختلفة في جميع مجالات الأنشطة – كي يعدوا الوسائل لإجهاضها على مستوي العالم الإسلامي الذي وقع تحت سلطاتهم والجميل أن الشباب اعتبر وجود هؤلاء الأمريكان في السجن للبحث في هذا الشأن هو اختصار للدعوة الإسلامية التي فرضت عليهم الحضور لتقصي الحقائق التي أذهلتهم والتي سوف تبقي دائما تكشف لهم عظمة هذا الإسلام .

جلسات المحكمة لمناقشة المتهمين

بعد مناقشة الأستاذ سيد قطب التي استمرت يومين بدأت المحكمة تناقش الأخ محمد هواش والتي كانت تتلخص في سطر واحد .( إذ قال سيد قطب لشقيقته حميدة قطب إذا تم القبض على فعلي الإخوان أن يتصلوا بالأخ محمد هواش ) وهذا هو الاتهام على لسان سيد قطب وربما لم يبلغ به محمد هواش الذي أصدرت عليه المحكمة حكمها بالإعدام وتم تنفيذه أما الأخ عبد الفتاح إسماعيل فإن المحكمة اعتبرته مؤسس هذا التنظيم إذ كان يجوب مدن مصر وقراها يجند الشباب للانضمام للتنظيم – وقد واجهته المحكمة ببعض تنقلاته وكان عبد الفتاح إسماعيل يجيب على أسئلة المحكمة بكل قوة وإيمان فقد وكان عميق الإيمان برسالته مشحونا بالغضب والكراهية لنظام حكم عبد الناصر . مؤمنا بفقه وحماس بدعوة الإخوان واستمرت المحكمة في مناقشة باقي الإخوة الذين كانوا على مستوي رائع من القوة والثبات والاستمساك بدعوتهم وفي مجال المناقشة مع الإخوة مجموعة الطاقة الذرية والذي اتهموا بأنهم قاموا بصناعة متفجرات وإحراز خناجر ومسدسات وتحضير زجاجات مولوتوف وأنهم قاموا بتجربة هذه الزجاجات في مناطق أبو رواش الصحراوية وقد نجحت لتجربة ... واتهمت المحكمة بعض الإخوة من قبل قيادة التنظمي بمراقبة قطار الرئيس في رحلته من القاهرة إلى الإسكندرية واشترك في عملية المراقبة الأخ ممدوح الديري كما اشترك غيره في هذه المهمة على محطات شبرا وبنها وغيرها من المحطات – وناقشت المحكمة الأخ فاروق المنشاوي فيما اتهمته النيابة بأنه قائد عمليات القاهرة التي تهدف إلى نسف محطات الكهرباء والسنترالات ومحطة قطار القاهرة .. كما تم مناقشة الأخ المهندس محمد عبد الرحمن – حين سأله الفريق الدجوي قائلا له : ألم يكن لك شعور نفسي وأنت تعمل في سيناء بعيدا عن التنظيم ؟ فقال الأخ محمد عبد الرحمن كنت اشعر أن قلبي معهم – رد رئيس المحكمة وقال له – سأقول كلامك في حقيق النيابة وبعدين أبقي أعمل قمع ! إنت قلت في التحقيق إنك لم تستعمل عقلك في كثير من الأشياء وأعلن ندمي وتوبتي قال الأخ محمد عبد الرحمن صارخا في وجه المحكمة .. أقسم بالله ما قلت هذه العبارة والنيابة هي التي كتبتها !!

وفي مناقشة الأخ المهندس جلال الدين بكري دبساوي – قال الدجوي موجها الكلام له – إمام غيث زميلك قال في تحقيق النيابة إنه في يوم 18 أغسطس قابلك مع محمد البحيري وقلتم أنه سيكون الفرح في إسكندرية والفرجة في مصر ؟! فقال الأخ جلال أنا لا أتذكر أني قلت مثل هذا الكلام .

موقف رائع للأخ المهندس صلاح خليفة

كان الأخ المهندس صلاح محمد خليفة 26 سنة معيدا بقسم الكيمياء النووية بمؤسسة الطاقة الذرية قد انضم للتنظيم عن طريق الأخ الأستاذ مبارك عبد العظيم عياد ولكن الأخ مبارك لم يعلمه أن هذا التنظيم تابع لتنظيم جماعة " الإخوان المسلمين " وقد بايع الأخ صلاح خليفة على العمل والجهاد لرفع راية الإسلام وإعزاز المسلمين .

وحين قبض عليه وأثناء التحقيق فوجئ بأنه يحقق معه على أساس أنه منضم لتنظيم تابع لجماعة الإخوان المسلمين فأراد الفريق الدجوي أن يستفيد بهذه الثغرة " العسكرية " اعتقادا منه أن الأخ صلاح يريد أن يتملص من بيعته ويعلن انفصاله عن هذا التنظيم وفي هذه الحالة يستطيع الدجوي أن يفتت صف الإخوان بالضعف والوهن !!

وحين وقف الأخ صلاح أمام منصة الفريق الدجوي – رحب به وقربه من الميكرفون – وقال موجها كلامه للأخ صلاح . لقد قرأت التقارير التي جاءتنا من المؤسسة التي تعمل بها – وقد أعجبني أنك شاب عصامي لك أبحاث علمية ناجحة قد سجلتها لك المجلات العالمية كما أن لك أبحاثا تعتز بها المؤسسة ولقد رفعت رأس مصر عاليا ونؤمل لك مستقبل زاهر – فتبسم الأخ صلاح وشكره على تقريظه هذا . ثم وجه الفريق الدجوي وهو يبتسم للأخ صلاح هل كنت تعرف المجموعة التنظيمية التي التحقت بها تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين " .

قال الأخ صلاح : حقيقة في أول الأمر لم أكن أعرف أنها تابعة " للإخوان المسلمين " قال الدجوي وما رأيك بعد أن عرفت الحقيقة وأن هذا التنظيم تابع للإخوان المسلمين " قال الأخ صلاح لم يتغير موقفي لأن الأهداف لم تتغير على الإطلاق والإنسان الذي يعمل في سبيل الله لا تهمه الأسماء متي وضحت المسميات !!!

هنا تغير وجه الفريق الدجوي وباءت خطته بالفشل ولم يزد على أن قال رفعت الجلسة ورجع مذموما مدحورا لقد كان الدجوي بهذه المقدمة ينتظر أن يقول الأخ صلاح أمام الأخوة والحضور ومن الأهالي والمحامين ورجال الإعلام أن " الإخوان المسلمين " قد غرروا به وأنه قد وقع فريسة التضليل والخداع ولكن الله تعالي قد رد كيده إلى نحره وانتصر الحق على ضلال الباطل .

موقف شجاع للأخ المهندس حلمي حتحوت

في جلسة يوم 16/4/ 1966 ناقشت المحكمة مجموعة فيهم الأخ المهندس حلمي حتحوت الذي ذاع اسمه على مستوي الجمهورية حيث أنه ظهر كثيرا على شاشة التليفزيون حين اتهم بأنه كان يدبر تفجير الكباري على مسافات بعيدة وهو صاحب فكرة استعمال طائرة موجهة بالريموت لعمليات الاغتيال – وقد تناولته الصحافة وتحدثت عنه كثيرا .

وكان أبرز الأسئلة التي وجهتها إليه المحكمة .. عن شقيقه الدكتور الصيدلي علي حتحوت الذي اتهم في قضايا الإخوان .. وقد قام بتركيب مادة ( سيانور البوتاسيوم) لتكون في متناوله شقيقه المهندس حلمي عندما يشتد به التعذيب الذي لا يقول عليه – وسأله الدجوي وأنت عاوز تموت ليه ؟

قال أموت حتي لا أتسبب في القبض على غيري ويشوف مر التعذيب وأنا صحتي ضعيفة ولا أتحمل العذاب !! وقال ولكني علمت أن أخي على أوهمني أن أعمل التركيبة ولكنه في الحقيقة لم يضع فيها المادة الفعالة خوفا على حياتي !!

قال له الفريق الدجوي : أنت مشا عاوز أدوية أو علاج ؟

قال له الأخ حلمي : متشكر ربنا معاي !! وانصرف بكل أدب وشجاعة إلى قفص الاتهام .

المحامون المنتدبون

كان أكثر المحامين المنتدبين غير مهتمين ولا متحمسين للدفاع بل إنهم لم يكلفوا أنفسهم بالاطلاع على أراق وملفات الدعوي التي تزيد عن خمسمائة صفحة بل لعلهم اكتفوا بأن تكتبه الصحافة ووسائل الإعلام المعادية بل إن بعضهم جاء ولا يعرف اسم موكله ولم يحاول أن يقابله أو يتحدث معه – بل إن بعضهم تكلم ضد موكله حين وصف جماعة الإخوان بالإرهاب ونفي إن يكون لموكله صلة بهذه الجماعة رغم أن الأخ قد اعترف باعتزاز أنه عضوا في تنظيم " الإخوان المسلمين " ونسجل هنا بعض الأمثلة من أقوال الدفاع عن موكليهم أمام الدجوي .

1- جاء في خبر نشرته جريدة الأهرام في 2/5/ 1966 أن المحامي عبده مراد قال في مرافعته عن الأخ المتهم كمال سلام ( ضابط مهندس ) " أنه لم يكن يعلم أن هذه الجماعة من الإخوان المسلمين وقد فعل ما فعل تحت تأثير استغلال الدين وكتاب معالم في الطريق وقال المحامي أن سيد قطب يقلب الأوضاع ويضلل الإفهام "!!

2- ترافع المحامي الدكتور على الرجال المنتدب للدفاع عن الأخت حميدة قطب ( شقيقة الشهيد سيد قطب ) كما جاء في جريدة الأهرام في 17/5/ 66" أن حميدة كانت موصلة بيد من يتحدثون بالرمز والكتابة ولكنها لا تفهم . تردد كالببغاء خذوها في حدود ما فهمته حتي العلم وعدم البلاغ هل تبلغ ضد شقيقها ؟" !! وأضافت الصحيفة أن المحامي قد طالب ببراءة المتهمة " ولم يجد الدكتور المحامي شيئا يدافع به عن حميدة قطب إلا أن يطفي في عقلها ويصفها بأنها ببغاء لا تفهم ولا تعقل ؟؟

3- جاء في الأهرام في 20/7/ 66 تحت عنوان كبير ما يلي :

" ثم ترافع حسين أبو زيد المحامي عن المرشد السابق حسن الهضيبي فقال إنه لم يكن يعرف شيئا عن عمليات الاغتيال والتخريب وقال إنه عند محاكمته السابقة سنة 1954 شهد ضده ثمانية أشخاص منهم سيد قطب وهذه الشهادة تجعله ف يحكم المخلوع من صفته كمرشد للإخوان .

رئيس المحكمة – كيف يتفق ذلك مع ما قرره سيد قطب من إنه أخذ صفة القيادة ووافق عليها المرشد الهضيبي ؟

المحامي : هذا كذب من رجل كاذب شهد ضد الهضيبي فهو ينسب إليه قولا ليحصل على منصب المرشد – إنه صانع الإشاعات طابخ المنشورات يريد أن يجعل لنفسه شخصية ومركزا على حساب الإساءة للغير "

4- وجاء في الأهرام 25/4/ 66 على لسان أحمد مختار قطب الذي اختارته المحكمة للدفاع عن الشهيد سيد قطب ما يلي :" أنا أعتقد أن هؤلاء المتهمين أول بالرعاية والعطف واعتقد أن المجني عليه في القضية هو رئيس الجمهورية وبعض المسئولين ولا شك أن قلب الرئيس كبير "!!

5- جاء في الأهرام ما يلي :" بدأ طلعت عبد العظيم المحامي مرافعته عن المتهم الثاني هواش ( رحمه الله ) بحمد الله على أن السلطات قبضت علي المتهمين قبل أن يتورطوا في مأساة ".!!

6- ويترافع صفي الدين سالم المحامي عن المتهم الثالث على عبده عشماوي فقال إنه ينفرد بوضع خاص ( شاهد ملك حيث اعترف على التنظيم ) ذلك الوضع الذي دفعه لأن يمثل أمامكم ويقول إنه مذنب .. وقال المحامي عن المتهم أرشد العدالة وأرشد أجهزة الأمن عن كل شئ وكفر عن جريمته "!!!

7- في جريدة الأهرام 27/4/66 – وفي بداية الجلسة بدأ الأستاذ عبد الرؤوف علي المحامي مرافعته عن المتهم " صبري عرفه الكومي " عضو قيادة التنظيم قائلا : لاشك أن أفكار جماعة الإخوان المسلمين تمثل نوعا من ألوان التخلف عن مجاراة العصر والمفاداه بتلك الآراء يجذبنا إلى الماضي ويتعذر علينا الخطو إلى الأمام ودعوة تلك الجماعة – مجردة عن البريق الديني الذي يستر حقيقة مضمونها – دعوة تؤكد قدرية وحتمية الفوارق بين الطبقات فعلي سطح المجتمع تطفوا طبقة الدسم تنعم بكل خير – وتشفي طبقات الشعب العاملة بالعوز والضنك انتظارا للثواب جزاء صبرها ومكافأة لها على إذعانها واستسلامها وإعادة إحياء شعارات تلك الجماعة أيام التحول الذي يجري في مصر لنقل الطبقات الكادحة إلى مستوي إنساني لائق لا تغيب دلالته على أحد إذ المقصود به وقف الزحف والتطور باسم الدين والحق الذي يجب أن يقال – وأنتم قائلوها في حلمكم – إن تلك الرؤوس أحوج ما تكون إلى توعية عقلية وتبصير منهجي وتنوير عقائدي حتي تزول الغشاوة عن البصائر والعقول فتدرك الحق وسيلة والهدف السليم والسبيل إليه ".!!!

8- " وترافع أبو الوفا حمدي مدافعا عن الأخ مجدي عبد العزيز متولي عضو قيادة التنظيم " فقال : أنه ضحية تصيدوه ليفعل شيئا ضد طبيعته وروحه إنني أناشد المحكمة مراعاة سنه وشبابه ومستقبله "!!


وبعد فإن التعليق على ما جاء على لسان السادة المحامين الموكل بهم الدفاع عن الإخوة المتهمين انقلب إلى الدفاع عن الحكومة بوجه سافر يتنافي مع أبسط قواعد وأصول المهنة التي أقسموا على التزام حق الدفاع الشريف عن المتهم الذي أصبح أمانة في ضمائرهم ولكن الكثير منهم انحاز بلا حياء ولا خوف من الله إلى جانب الظلم والطغيان .

مع الأستاذ شوكت التوني المحامي

تقدم الأستاذ شوكت التوني للدفاع عن الإخوة الكيماوي مجدي عبد العزيز متولي والكيماوي عبد المجيد الشاذلي .. فتناول في دفاعه أولا النواحي القانونية – ثم عرج على الناحية السياسية وقال موجها كلامه للمحكمة إنه قد لاحظ اعترافات أكثر المتهمين أنهم كانوا يعانون من فراغا دينيا وباعتبارهم مسلمين أصلا فقد بحثوا عن جماعة إسلامية تغذي فيهم روح الإسلام وتتبني تربيتهم إسلاميا .. وكان من واجب رئيس الدولة والحكومة أن تغطي هذا الفراغ بالعمل على نشر الفكر الإسلامي الصحيح والسماح للجماعات الإسلامية بالنشاط حتي يجد هذا الشباب المجال الإسلامي الذي يقوي عقيدته ويغذي مشاعره الإسلامية .

وقبل أن يتم الأستاذ شوكت التوني مرافعته هاج الفريق أول الدجوي قائلا : هل أنت تريد أن توجه رئيس الدول ؟!

رد عليه الأستاذ شوكت التوني بحدة – قائلا له أنا طول عمري أوجه كلامي إلى الملوك والرؤساء أنا طول حياتي لم أحن رأسي لأحد !!

وفي الحال أوقف الدجوي الجلسة وزلف وزملاءه إلى حجرة المداولة بعد أن ساد القاعة صمت عميق .

اعتقال الأستاذ شوكت التوني المحامي

لم يكد يصل الأستاذ شوكت إلى منزله – حتي كان قرار الاعتقال قد صدر – وأخذ بالحراسة المشددة من بين أهله وأسرته إلى معتقل مزرعة طره واستقبله المعتقلون استقبالا حارا – وقد كانت فرصة استمع له الإخوان عن مجريات المحاكمات الظالمة التي تجري في ساحات القضاء العسكري على أشرف شباب مصر الذي أعادوا لها اليقظة والحياة ... وبقي الأستاذ شوكت في المعتقل عددا من السنين وبهذا تخلف الأستاذ شوكت عن أداء رسالة في الدفاع عن الإخوان وكان لمعايشته الطويلة مع الإخوان أثرها العظيم في نفسه – حتي أنه أصدر كتابا بعد الإفراج عنه ( محاكمات الدجوي ) .

موقف في ختام آخر جلسة للدجوي

كانت السيدة الفاضلة والدة الأخ المهندس حلمي حتحوت تحضر جلسات المحاكمة وكان لها ابن آخر أيضا في قضايا وهو الدكتور الصيدلي على حتحوت وليس لها أبناء سواهما وكانت السيدة الفاضلة والدة الأخ الضابط المهندس فؤاد حسن علي تحضر الجلسات أيضا وليس لها من أبناء غير هذا الابن فهو وحيد والديه وكانت شديدة التأثر لظروف ابنها.

ويبدو أن الفريق الدجوي وبطانته يبحثون عن حيلة يكسبون بها موقف يهزمون به مشاعر الإخوان . فأراد أن يستغل عاطفة الأمهات للتأثير على الأبناء إرضاء لعاطفة الأمومة – فظن أنه يستطيع بهذا الأسلوب أن يكسب اعترافا من الإخوة بأن الإخوان قد غرروا بهما – ويختتم بذلك آخر جلسة وتخرج الصحافة على العالم بهذا التصريح كختام مسرحي لأخر فصل في المسرحية .

وقبل أن تنتهي الجلسة الأخيرة دخل الفريق الدجوي وجميع هيئة المحكمة إلى حجرة الاستراحة – وبعد فترة اقترب محام من المنتدبين ومعه حاجب المحكمة وأخذا يتوددان من الأخوين حلمي وفؤاد ويطلبا منهما أنه في حالة عودة المحكمة للانعقاد يقومان يتحدثان أمام الدجوي بأنهما قد تورطا في الدخول في هذا التنظيم الذي لم يكونا على علم بأهدافه وأنهما يطلبان من لمحكمة الرأفة ! وطلب ذلك منهما برجاء وإلحاح ... ولكنهما قابلا كلامه هذا بالرفض الصريح وأنهما والحمد لله بكامل قواهما العقلية . وأن كل ما يحدث ضد جماعة الإخوان ما هو إلا مؤامرة وتلفيق وحاول الحاجب أن يقول أن المحكمة تنظر إليكما بالذات بعين الرأفة وكل المطلوب أن تقولا هذه الكلمات !!

ودخل الدجوي قاعة المحكمة تراود نفسه لعل واحدا منهما أو يطلب الكلام وكل الإخوة يشهدون الانفعالات الشديدة على وجوههم وفجأة وقف الأخ المهندس الكيمائي عبد المجيد الشاذلي لعله كان يريد شيئا وحين تبين للدجوي أنه ليس أحد المطلوبين للحديث ثار عليه أمرا له بالجلوس في غضب شديد .

وانتصر الإيمان والثبات – وحكم عليهما بالسجن المؤبد وللدعوة البقاء والخلود .

وبعد أن اختتمت المحكمة آخر جلساتها في انتظار إصدار الأحكام – أحب أن نلفت الأنظار إلى جنوح المحكمة عن العدل أو شئ من العدل حيث أصبح واضحا أن هذه الكلمات هي مجرد ستار أعده المبطلون لحرب الإسلام والتشهير بأبنائه لو أردنا أن نكشف الغطاء عن الأسرار الخفية وراء هذه المحاكمات الصورية وإن شئت قلت الهزلية لاحتجنا إلى مجلدات وسوف تكشف الأيام والسنين والأحداث ما وراء هذه المحاكمات من أغراض وأهداف سياسية محلية وعالمية لطمس معالم الدعوة الإسلامية وتحطيم جماعة الإخوان وتمهيد الطريق أمام الأعداء القادمين .

ولنأخذ من صحيفة الجمهورية القاهرية من عددها الصادر بتاريخ 19 / 4/ 66 إحصائية عن وقائع جلسة الدائرة الأولي لمحكمة أمن الدولة التي يرأسها الفريق أول محمد فؤاد الدجوي والتي انعقدت في اليوم السابق 18 / 4/ 66 لمتابعة نظر قضية " قيادة التنظيم السري للإخوان المسلمين ":

1- بلغت مدة الجلسة من غير الاستراحات ساعتين وأربعين دقيقة .

2- تمت مناقشة ثمانية عشر متهما في هذه الجلسة .

3- كان متوسط نصيب المتهم الواحد عشر دقائق ونصف منها ست دقائق لرئيس المحكمة وأربع دقائق ونصف للمتهم !! هكذا قالت جريدة الجمهورية .

4- يستقطع من ذلك الزمن الذي يستغرقه دخول المتهم إلى القفص وخروج المتهم التالي منه !!

فإذا علمنا أن مناقشة الأخ عبد الفتاح الشريف – وهو احد المتهمين الذين ناقشتهم المحكمة في هذه الجلسة بلغت أربعين دقيقة فماذا يكون نصيب الفرد الواحد من بقية المتهمين ؟؟ ولعل كلمات رئيس المحكمة للأخ عبد الفتاح الشريف في بدء محاكمته تعطينا صورة طبيعة هذه السرعة الفائقة – فقد قالت الأهرام في 19/4/66 ما يلي :

ونودي على المتهم عبد الفتاح الشريف ( 57) سنة وكيل تفتيش نزع الملكية بطنطا – رئيس المحكمة – يا عبد الفتاح أنت عاوز لك يوم لوحدك وأللا على آيه ...

عبد الفتاح الشريف – قصتي طويلة

رئيس المحكمة – لا بيتهيألك ..


هيئة العفو الدولية

بيان للصحف بتاريخ 15 / 4 1966

تعلن الهيئة ما يلي :

أن المستر ( بيتر آرثر) عضو البرلمان البريطاني عن دائرة ( أول رجيس وتبتون) وعضو المجلس التنفيذي البريطاني للهيئة العالمية لرعاية المسجونين السياسيين قد عاد من القاهرة حيث قام بمهمة استطلاعية بشأن محاكمة ثلاثة وأربعين عضوا من جماعة الإخوان المسلمين المتهمين بأنهم حاولوا الاعتداء على الرئيس ناصر .

وقد قام المستر آرثر بمهمته بصفته رقيبا غير رسمي للهيئة العالمية لرعاية المسجونين السياسيين وذلك لأن الهيئة سبقت أن قدمت طلبا رسميا للحصول على تأشيرة للأستاذ المحامي نيقولاس جاكوب ولكن هذا الطلب لم يصل عنه جواب للآن .

وقد قد المستر آرثر تقريرا أبرز فيه النقاط الآتية :

قانون استثنائي للاعتقالات دون محاكمة . والمحاكمات السياسية

بمقتضي قانون خاص صدر بتاريخ 24 مارس 1964 منحت حكومة الجمهورية العربية المتحدة لرئيسها سلطة اعتقال الأشخاص بدون محاكمة بسبب الاتهامات السياسية وهؤلاء المعتقلين السياسيين يحاكمون بواسطة محاكم تتشكل من أعضاء يعينهم الرئيس بصفة استثنائية – وفي العمل فإن هذه المحاكم أخذت صفة محاكمة عسكرية وليس لسلطتها أى حدود سوي أن الرئيس الذي شكلها هو الذي له حق التصديق على أحكامها .

المتهمون يعلنون وقوع التعذيب عليهم والمحكمة ترفض سماع ذلك .

أثناء نظر إحدي القضايا أمام تلك المحكمة في شهر يناير 1966 – وأثناء نظر قضيتين ثانيتين في شهر فبراير 1966 تمسك المتهمون بوقوع تعذيب عليهم لانتزاع الاعترافات منهم وقد وجه هذا الاتهام إلى سلطات التحقيق من جانب السيد قطب وهو المتهم الرئيسي في القضية الحالية ولكن رئيس المحكمة بادر فورا إلى إسكات المتهم الرئيسي في القضية الحالية ولكن رئيس المحكمة بادر فورا إلى إسكات المتهم رافضا أن يسمع منه الأدلة على هذه المسألة – معلنا بأن المتهمين يكذبون - .

السيد قطب وإخوانه حرموا من حق اختيار المحامين للدفاع عنهم .

إن السيد قطب وزملائه المتهمين من الإخوان المسلمين لم يسمح لهم بحرية اختيار المحامين للدفاع عنهم وفي شهر فبراير توجه اثنان من المحامين السودانيين إلى القاهرة للدفاع عن بعض هؤلاء المتهمين ولقد صدر قرار من مؤتمر المحامين العرب الذي عقد في شهر نوفمبر 1965 أيدته نقابة المحامين المصرية وأدمج في التشريع المصري وبمقتضي هذا القرار يتمتع المحامون السودانيون بحق الترافع أمام الأسباب وبدون أن يسمح لهما بمقابلة المتهمين الموكلين لهما .

منع الجمهور والصحافة من حضور الجلسات وفرض رقابة على أنباء المحاكمات ..

إن الصحافة والجمهور قد منعوا من حضور الجلسات منذ أن تمسك المتهمون بوجود التعذيب في الجلسة لأول مرة وتبعا لذلك فإن أنباء المحاكمات كانت تخضع لرقابة الجهات الحكومية – وأن مستر آرثر نفسه قد عجز عن الحضور إلى الجلسات وإن كان من الإنصاف القول بأنه قد تلقي دعوة ليبقي في القاهرة انتظارا لبحث طلبه (!!).

وبدون أى حكم من جانبنا بشأن براءة المتهمين أو إدانتهم فإن الهيئة العالمية لرعاية المسجونين السياسيين تعلن أسفها العميق لكون الظروف التي أحاطت بتلك المحاكمات لا يمكن إلا أن تؤيد الادعاء بوجود التعذيب وبأنها تلقي الشك على حياد القضاء المصري .

الهيئة تدعو الحكومة المصرية لإقامة محاكمات عادلة حرصا على سمعتها الدولية

وإن الهيئة العالمية لرعاية المسجونين السياسيين تدعو الحكومة المصرية إلى احترام الحقوق الإنسانية الأولية للمتهمين السياسيين وإلى ضرورة إقامة محاكمات عادلة حرصا على سمعتها الدولي .

تقرير هيئة العفو الدولية عن محاكمات الإخوان المسلمين

سجل تقرير هيئة العفو الذي وزعته على الصحف العالمية ما يلي :

أولا : إن الهيئة العالمية طلبت تأشيره دخول لمحام دولي لحضور المحاكمات بصفة مراقب – ولكن السلطات لمصرية لم تقبل إعطاءه تأشيرة لدخول مصر .

ثانيا : إن الهيئة العالمية اضطرت لإيفاد أحد أعضائها وهو عضو بالبرلمان البريطاني إلى مصر بصفة رقيبا غير رسمي نظرا لرفض السلطات المصرية دخول مراقب رسمي .

ثالثا : إن محاكمات الإخوان المسلمين فرض عليها قانون استثنائي صدر بعد وقوع الاعتقالات بأثر رجعي .

رابعا : المحاكم التي حاكمت المعتقلين من الإخوان المسلمين أخذت صفة محاكم عسكرية ليس لسلطاتها أى حدود .

خامسا : إن المحاكم العسكرية رفضت سماع أقوال المتهمين عن التعذيب الذي وقع عليهم كما رفضت استماع أدلة أو شهود لإثبات وقوع التعذيب .

سادسا : الأستاذ سيدق طب وزملاؤه من الإخوان المسلمين حرموا من حقهم الشرعي والطبيعي في اختيار محامين للدفاع عنهم .

سابعا: إن السلطات المصرية طردت المحامين السودانيين الذين ذهبوا للقاهرة بقصد الدفاع عن الإخوان المسلمين وأبعدتهم من مصر بدون مبرر.

ثامنا: إن السلطات المصرية خالفت قرارات مؤتمر المحامين العرب الذي شاركت فيه نقابة المحامين بالجمهورية العربية المتحدة ووافقت على قراره بإعطاء المحامين العرب الحق في المرافعة عن المتهمين السياسيين أمام القضاء المصري.

تاسعا: إن السلطات المصرية منعت الجمهور والصحافة من حضور الجلسات وفرضت الرقابة على أنباء المحاكمات والجلسات .

عاشرا : الهيئة نبهت السلطات المصرية إلى ضرورة إقامة محاكمات عادلة حرصا على سمعة القضاء المصري .

اعتقال الرائد زغلول عبد الرحمن الضبع

كنت قبل أن أعتقل في أغسطس 1965 قد قرأت في الصحف أن هناك ضابطا اسمع زغلول عبد الرحمن ( ولعله من الذين اشتركوا في ليلة 23 يوليو مع جمال عبد الناصر ) هذا الضابط قد انقلب ضد نظام الحكم في مصر – وعقد مؤتمرا صحفيا في مدينة ( شتورا) في لبنان كشف فيه عن عورات حركة يوليو في مصر .

وتمضي الأيام ونحن في السجن الحربي ونسمع أن هذا الضابط قد تم اعتقاله في الخارج وجئ به في طائرة مخدرا في صندوق – ولما وصل إلى سجن المخابرات في القاهرة فتح الصندوق بحضور جمال عبد الناصر ولما أفاق زغلول عبد الرحمن فوجئ بالرئيس جمال عبد الناصر في مواجهته – فظن نفسه في حلم – حتي إذا تحقق الحلم إلى واقع أصيب الرائد زغلول عبد الرحمن بالجنون – وبقي يعالج وهو في السجن الحربي .

والآن أنقل عن جريدة الوفد في العدد 22 شوال 1407 – 18 يونيو 1987 هذه الواقعة تحت عنوان صفحة من مذكرات صحفي في قلب مأساة 5 يونيو 1967:

... قال وهو يقدم لى كأسا من الشاي أفرغه من " ترموس" كبير : أنا " سلامه" الرائد بالمخابرات العامة ... ووضع يده على صدره ومضي يقدم نفسه لى فقال :" أنا الذي اختطفت من عواصم أوربا , أعداء الثورة وشحنتهم جوا إلى القاهرة ولما سأله مثل من ؟ ذكر عدة أسناء ثم قال : وكان آخرهم زغلول عبد الرحمن الضبع . الذي اختطفته ليلا من أحد شوارع روما – وراح يروي لي الكيفية التي اختطفه بها بأن ظل يراقبه عدة أيام – وذات ليلة بينما كان في طريقه إلى منزله ضربه بعصا غليظة خاصة على رأسه فأغمي عليه ثم حمله ومساعده إلى سيارته – حيث قام بتخديره وأنزله في مكتب الملحق العسكري بسفارة مصر بروما – وفيها حقنة بمخدر يظل مفعوله سبع ساعات من بعدها جدد الحقنة ثم شحنه في صندوق دبلوماسي كبير إلى القاهرة – وفي سجن المخابرات قام عبد الناصر بفتح الصندوق وكان زغلول لا يزال في غيبوبته التي فاجأته في روما – وما أن فتح عينيه حتي فوجئ بعبد الناصر أمامه فسقط مغشيا عليه ثم أعيد إلى وعيه ليدرك أنه لم يعد في روما , وإنما في السجن بالقاهرة ووجها لوجه مع عبد الناصر ..)

فانظر إلى الأموال التي سخرت للقبض علي زغلول في إيطاليا وإحضاره إلى مصر ليتشفي فيه زميله في الكفاح جمال عبد الناصر فهذا إرهاب حكومي سافر تدفع الأمة ثمنه الباهظ من حريتها وكرامتها .

أهالي كمشيش في السجن الحربي

وفي صباح أحد الأيام والطابور يجري كالمعتاد والزبانية الغلاظ من خلفنا بالسياط ... إذا بمجموعة من الناس فوق الثلاثين أكثرهم من الفلاحين وبعضهم من الشباب والوجهاء – ومن خلفهم الجنود يلهبون زهورهم بالسياط – واللواء حمزة البسيوني على صهوة جواده يأمرهم بالمزيد من التعذيب ولما كانوا لم يتعودوا على الجري السريع كما تعودنا نحن فإنهم كانوا يتساقطون على الأرض من شدة الإعياء وفيما كنا نجري لمحنا أن الأستاذ عبد الله الفقي المحامي الذي كان معنا بالأمس يدافع عن الدكتور [[محمد بديع سامي|محمد بديع سامي]] – رأيناه يجري بينهم في صورة مؤسفة لا تتحمل ! وقد تبادر إلى ذهن الإخوان أن المحكمة قد أصدرت أمرا بالقبض على بعض المحامين كما حدث مع الأستاذ شوكت التوني ولكننا قد تبينا فيما بعد أنه قد صدر قرار من المشير عبد الحكيم عامر بالقبض على عائلة " صلاح الفقي " وبعض أهالي كمشيش من أعمال محافظة .. على أثر قتل " مصطفى حسين " وهو عضو بارز في الإتحاد الاشتراكي حزب الحكومة وقد علمنا أنه أثناء القبض على عائلة صلاح الفقي وأنصارهم قد حدثت في بلدهم أهوال من الرعب استبيحت منازلهم وأموالهم وأهينت كرامتهم بصورة لم يسبق لها مثيل كما أن قوة المباحث العسكرية وبعض الجنود حراسة في السجن الحربي قد ارتدوا الملابس المدنية الخاصة بالإخوان المعتقلين وشاركوا في هذه الحملة البربرية وهم يحملون المسدسات والمدافع الرشاشة .

وقامت إدارة السجن بتوزيعهم في زنزانات حبس انفرادي ومنعوا من الذهاب إلى الحمامات وكان الإخوان يقومون بمساعدتهم في النظافة وقد لاقينا من العذاب في هذه المهمة شقاء وبلاء لأن درجة البرودة في هذا الوقت كادت تكون تحت الصفر فكانت أصابع أيدينا وأرجلنا تتورم ولكننا نقدر الظروف البائسة التي كان يعيش فيها القوم الذين استمروا في الحبس الانفرادي أكثر من خمسة أشهر حتي أن بعضهم أصابه الجنون .... مما اض1طرت إدارة السجن – بأن طلبت من الأخ حلمي حتحوت أن يعيش بعض الأيام مع ( صلاح الفقي ) في زنزانته يحدثه عن معان الإيمان والصبر !!

ولقد رأينا الأستاذ عبد الله الفقي المحامي يخرج من زنزانته شبه عار يصرخ يريد جرعة من الماء وقد تحدث بعض الجنود عما فعلوه وما شاهدوه من جرائم يندي لها جبين الجيش المصري إلى البد ( وما كان ربك نسيا ) ( وإن ربك لبالمرصاد) وقد سجلت المحاكم هذه القضية أحماما وحيثيات تدين الحكومة بالخزي والعار !!

دوائر المحاكم العسكرية التي شكلت الإخوان

الدائرة الأولي : رئاسة / الفريق أول محمد فؤاد الدجوي

برئاسة / الفريق على جمال الدين وبعد وفاته تمت برئاسة عميد بحري أحمد صلاح بدر .

الدائرة الثالثة : برئاسة / اللواء طلعت حسن .

الدائرة الرابعة : برئاسة/ اللواء حسن التميمي .

الدائرة الخامسة : برئاسة الفريق أول محمد فؤاد الدجوي – والتي حاكمت فضيلة المرشد العام .

الوزير عبد العزيز علي

جاء ذكر الوزير عبد العزيز علي الذي كان وزيرا سابقا في حكومة جمال عبد الناصر وعبد العزيز علي – من رجالات الحزب الوطني " حزب مصطفي كامل " وكان هو الذي شكل تنظيم اليد السوداء التي قتلت بعض كبار ضباط الجيش الانجليزي – وحين بدأ الإخوان في تنظيم صفوفهم اختاروا شخصية كبيرة كشخصية الوزير عبد العزيز علي كمستشار لحركة الدعوة في هذه الفترة قبل خروج الأستاذ سيد قطب من السجن عام 1964 . وبالفعل قابله الأخ المهندس مجدي عبد العزيز متولي والأخ الأستاذ أحمد عبد المجيد كشكول وغيرهم كي يتفاهموا معه بشأن تنظيم الإخوان الجديد وتناول الجميع الحديث في الموضوع وفي نهاية الجلسة طلب منهم – كشفا بأسماء ومؤهلات ومعلومات عن الإخوان المرشحين للعمل في هذا التنظيم وكان هذا الطلب من الوزير سببا مباشرا لتردد الإخوان في العمل معه إذ اعتبروا في هذا الطلب خطأ حركيا قبل وضع لائحة وتنظيم الأولويات – ثم انقطعوا عن الاتصال به نهائيا حين خرج الأستاذ سيد قطب .

وقد ثبت في التحقيق في جلسات المحاكمة مدي إخلاص الرجل للدعوة والتزامه بها وقد مدح الإخوان وأثني على جهادهم وأيد موقفهم أمام القضاء ولم يتأثر إطلاقا بما سبق من تفكير بعض الذين تقابل معهم – فكان موقفه مثالا رائعا في الوفاء للدعوة ومكارم الأخلاق .

الحكومة تأمر بإحراق كتب الشهيد قطب

صدرت التعليمات لأجهزة المباحث على اختلاف تخصصاتها وكذا وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الشئون الاجتماعية والمكتبات العامة والخاصة بعدم التعامل مع كتب جماعة الإخوان المسلمين وكتب الشهيد سيد قطب بوجه خاص – وتولت المباحث ورجال الشرطة ضبط هذه الكتب في جميع المصالح خاصة المساجد – وقد جمعوها من أنحاء مصر ثم قاموا بتخزينها في سجن القلعة واستعملوها كوقود في شئون ا مطابخ السجون – دون الشعور بأى حرج أو خجل فأشاعوا على المسلمين ثروة لا تقدر بمال واثبتوا وشهدوا على أنفسهم بالعماية والجهل – ونشروا الفزع والرعب في نفوس الناس حتي لم يبق في بيت من بيوتهم كتابا للشهيد سيد قطب والإخوان المسلمين – في نفس الوقت الذي دارت فيه مطابع لبنان لتعيد طباعة كتابي ( معالم على الطريق و( في ظلال القرآن ) كالغيث المنهمر الذي تتطلع إليه نفوس ملايين المسلمين على اتساع المعمورة ( ويأبي الله إلا أن يتم نوره )

الإخوان المسلمون يحلمون بقيادة العالم

الضباط المعتقلون في السجن الحربي على ذمة قضية المشير عبد الحكيم عامر يسمح لهم بالزيارات والأطعمة – لهذا فإنهم يلقون بفضلات ما يتبقي في صفائح " الزبالة" ويذهب بعض الإخوة ينقبون عشاهم يعثرون على ما يفيد – والتقط أحد الإخوة صفحة من مجلة القوات المسلحة وكان رئيس التحرير هو الأستاذ حلمي سلام – وقرأ عنوان غلاف المجلة وكان " الإخوان المسلمين يحلمون بقيادة العالم ) كان العنوان مثيرا – الإخوان المسلمون المعتقلون في السجن الحربي المحاصرون من كل جانب الذين يسقطون صرعي التعذيب ويتسولون الطعام والشراب وتنزف أجسامهم دماء وصديدا – هؤلاء المعذبون في الأرض الممتهنون من حثالة البشر المتمردين على الله .

هل هؤلاء الغرباء المعزولون عن مطلع الشمس وضوء القمر المقهورون بالحديد والنار المجبرون على الاعتراف بالباطل على أوهام وأضاليل الحاكم الديكتاتور الذي خان الله ورسوله وكتابه وتمرد على قانون السماء !!

هل هؤلاء الذين تشن عليهم وسائل الإعلام بكل أنواعها من صحافة وإذاعة وتلفزيون ومسرح – تشن عليهم أفحش الأكاذيب وأقذر الألفاظ وظلم الاتهامات وتستعين بالنفوس الضعيفة والوسائل الخسيسة لتنال من قدسية دعوتهم وطهارة نفوسهم هل هؤلاء يحلمون بقيادة العالم ؟!

نعم . ما أشبه الليلة بالبارحة – ورسول الله صلي الله عليه وسلم مهاجر من مكة إلى المدينة وعيون قريش تمسح الأرض والجبال والوديان تبحث عنه ثم يقول في ثقة وإيمان لسراقة بن مالك الذي يطمع في مائة بعير لو جاء " بمحمد " يقول صلي الله عليه وسلم هل لك في سواري كسري يا سراقة ؟! وقد كان ولبس سراقة سواري كسري في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ! وصدق الله العظيم في قوله تعالي ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ) .

لقد كان الإخوان في السجن الحربي في محنتهم المريرة في حاجة إلى نفخة ربانية تلطف من هذا البلاء وتبدد من هذا الظلام وتنعش منهم القلوب والأرواح ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما )

عودة إلى الطوابير القاتلة

بدأت المحاكم العسكرية الخمسة التي تحاكم الإخوان تنهي أعمالها – وفي انتظار صدور الحكام عادت إدارة السجن إلى محنة الطوابير التي جاء ذكرها ي الصفحات السابقة ولكنها في هذه الفترة جاءت مع فصل الشتاء والبرد القارص الشديد الذي حرك أمراض الروماتزم التي كانت تصرخ في المفاصل كما تسبب في تجميد الأطراف – وأكثر الإخوة يقفون على الأرض حفاة بعد أن تمزقت أحذيتهم أو تغير تشكيل أقدامهم من التعذيب .

وفي احدي دوامة الطابور داخل السجن الكبير كانت هناك صورة لجمال عبد الناصر مرسومة بالزيت على أحد الجدران – ووقف طابور الإخوان أمام هذه الصورة – وطلب منهم أن يعملوا للصور " تعظيم سلام" وأما هذا الإرهاب كان الإخوان ينفذون هذا الأمر مكرهين .. وذات مرة وجدنا الأخ الأستاذ سيد أبو شلوع يقوم بالبصق على صورة جمال عبد الناصر !!

والمشهد مذهل حقا قد يؤدي إلى مذبحة – ولكن الله تعالي سلم فإن العسكري الذي كان يشرف على الطابور كان في غيبوبة فلم يدرك ما حدث ! وحمدنا الله تعالي أن مرت هذه الحادثة بسلام .

الإخوة الفلسطينيون

ومن الجدير بالذكر أنه كان يوجد معنا في الطوابير .. بعض الإخوة الكرام من فلسطين وهم الإخوة الدكتور عبد الرحمن بارود – والأستاذ هاني بسيسو ( رحمه الله ) والأخ خالد كردية والأخ زكي كردية . وقد صدرت ضدهم بعض الأحكام وأبلوا بلاء حسنا كما كان هناك بعض الإخوة الكرام من السودان الشقيق .

الشيخ المجاهد عبد الحليم سعفان

ولا تعجب أن تري الأخ الشيخ عبد الحليم سعفان العالم الجليل وهو شيخ كبير السن " فاقد البصر" وقد عاش معنا في السجن الحربي في هذا الجو الكئيب المشحون بالألم والغضب دون أن يكون للأسباب المتقدمة مبررا للإفراج عنه – ونذكر بالتقدير جهد وشعور الأخوين الكريمين صالح السعداوي والعشيري سليمان حيث قاما بخدمته ورعايته حال وجوده في السجن الحربي .

جندي حارس شجاع

كان العسكري _ محمد غنيم) قبل أن يجند للعمل كحارس في السجن الحربي يعمل ( راعي ) غنم وقد شاهد كيف يعامل البشر في السجن الحربي معاملة الحيوان – بينما هو كان يعامل الحيوانات معاملة إنسانية فلا يحرمهم من الماء والغذاء وحرية الحركة . وقد أمر مشددا أن يعامل هؤلاء البشر معاملة لا تليق بالحيوان – فحدثه ضميره أن ينحاز إلي الإنسانية في معاملته للإخوان وقال لهم إنني غير راضي عن هذه المعاملة الوحشية ويتمني لو مات قبل أن يري هذا البلاء – لهذا طلب من الإخوان أنه سوف يضرب الأخ بالسوط على الأرض وليس علي جسده وعلى الأخ أن يصرخ ويتأوه حتي يسمعه الشاويش أو الضابط – وطلب من الإخوان أن يتعاونوا معه كأن لا صلة بينه وبينهم – ولكن طبيعة الإجرام المتأصلة في زملائه الجنود اكتشفت هذه الحيلة وأبلغوا عنه الصول صفوت – فكان مصير العسكري غنيم اشد وأنكي من مصير الإخوان – وبعد أن عذبوه عذابا نكرا وضعوه في زنزانة حبس انفرادي معنا في نفس السجن – ليكون في ذلك عبرة لزملائه ومع كل هذا بقي الجندي غنيم على موقفه قويا شجاعا – لم تؤثر هذه المحنة في نفسه وكان الإخوان يختلسون الفرص ليشعروه بتقديرهم وحبهم له .

قضية للإخوان في السويس

وصل إلى السجن الحربي مجموعة من الشيوخ والشباب كانوا يؤدون الصلاة في مساجد السويس وأكثرهم ينتمي لجماعة شباب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم – والجمعية الشرعية – وتتخلص هذه القضية في أن الأخ الحاج صقر سليمان وهو صاحب محجر في مدينة السويس – ذهب لأداء فريضة الحج وهناك في مكة المكرمة تقابل مع الأخ الدكتور سعيد رمضان الذي أعطاه شريطا سجل عليه حديث يحث فيه الإخوان على العمل والجهاد لإسقاط حكومة جمال عبد الناصر وحين عاد الأخ الحاج صقر إلى مصر قبض عليه وعلى من له به أية صلة وكان منهم أخ كحريم اسمه أمين محمد على عرفة – وقدموا للمحاكمة وحكم على الأخ صقر بعشر سنوات سجن .

فهذه القضية ملفقة كباقي القضايا لأن تزييف الأشرطة أمر معروف يتقنه الجميع وغير معقول فكيف يحمل صقر هذا الشريط وكيف وصل إلى المباحث بهذه السرعة لكن التلفيق صار صناعة وحرفة متقنة – وكان من السهل نقل الحديث شفويا إلى من يراد توصيلة إليهم ومن هم الإخوان الذين وجه إليهم الحديث إنها أمور مبكية مضحكة .

الحكم في قضية خطاب السيد خطاب

صدرت أمس الأربعاء 7 من سبتمبر 1966 الأحكام في القضية المعروفة بقضية خطاب السيد خطاب وسعيد رمضان والتي نظرت في فبراير 1966 أمام الدائرة الثانية أمن الدولة العليا . وكانت الأحكام في جلسة برئاسة نائب الأحكام العقيد بحري كمال عبد الرحيم وحضور ممثل الاتهام الأستاذ حسن جمعه وكيل أول نيابة أمن الدولة وهذا نص الأحكام :

سعيد محمد رمضان – هارب – غابيا – الأشغال الشاقة المؤبدة

كامل إسماعيل الشريف – هارب - غابيا – الأشغال الشاقة المؤبدة

خطاب السيد خطاب – الأشغال الشاقة المؤبدة

محمد فؤاد إبراهيم – الأشغال الشاقة 8 سنوات .

مصطفي محمود مساهل – براءة .

• تعريف بالإخوة الذين جاء ذكرهم في الإدعاء


1- الدكتور سعيد رمضان : وهو زوج كريمة الإمام الشهيد حسن البنا داعية إسلامي معروف عالميا – هاجر خارج مصر منذ اعتقل الإخوان في يناير 1954 – تجول في كثير من دول العالم وشارك في مؤتمرات كثيرة – صاحب مجلة المسلمون – ومقيم في سويسرا .

2- الأستاذ كامل الشريف : قائد قوات " الإخوان المسلمين " في حرب فلسطين وله كتب في ذلك – وهو بعد خروجه من مصر – أصبح وزيرا للأوقاف في الحكومة الأردنية – ومقيم بالأردن .

3- خطاب السيد خطاب : 49 سنة صاحب محل تجارة أثاث مستعمل ومقيم رقم 17 شارع الأدرياتيك بالإبراهيمية بالإسكندرية – اشترك في حرب العصابات مع الإخوان ضد القوات البريطانية في القتال 1951 .

4- الشيخ مصطفي محمود مساهل : 43 سنة مأذون شرعي – منطقة كوم الشقافة – وبعد صدور الحكم على الأخوين خطاب السيد خطاب ومحمد فؤاد إبراهيم – تم ترحليهما إلى سجن ليمان طره .


الحكم على الأستاذ مصطفى أمين

صدر الحكم في القضية المتهم فيها الأستاذ مصطفى أمين – بالسجن المؤبد – وتم ترحيله كذلك إلى سجن ليمان طره – ولا شك أن لمثل هذه القضايا أسرار وأغوار لا يعرفها إلا قليل من أولي الألباب- ولعل أكثرها قد انكشف عنها الغطاء بعد رحيل جمال عبد الناصر – ولعل القصة التي سوف أرويها الآن نقلا عن جريدة الوفد 5 نوفمبر 1987 احدي هذه الأسرار التي رشحت الأستاذ مصطفى أمين لهذا الحكم الجائر - وإن كنت قد قرأت هذا العنوان يومئذ على الصفحة الأولي في جريدة الأخبار .

وانتهت أسطورة السفاح ولكن ذيولها لم تخمد وبقيت تعمل كالنار تحت الرماد حتي انعكست آثارها في أخطر القرارات في تاريخ مصر السياسي . وربما لا يعلم الجيل الجديد من شبابا مصر أن قصة السفاح كانت إحدي قصتين اتخذ منها جمال عبد الناصر ذريعة لتأميم الصحافة .. فعندما اندلعت حكاية السفاح ( قصة حدثت في مصر دوخت رجال الشرطة ) كان عبد الناصر يقوم بجولة في دول شبه القارة الهندية – وبدأ زيارته لباكستان في اليوم التالي لمقتل السفاح - فخرجت صحيفة " الأخبار" وهي تحمل في صدر صفحتها الأولي مانشيت باللون الأحمر من كلمتين " مصرع السفاح" وتحته باللون الأسود يقول " جمال عبد الناصر في باكستان " وتصادف أن مخرج الصحيفة نسي أن أ يضع خطا فاصلا بين السطرين كما تقتضي الأصول الفنية – فكانت قراءة السطرين محلا للتأويلات والإيحاءات التي أسرها جمال عبد الناصر في نفسه – ولم يكشف عنها إلا بعد أن اتخذ قراره الخطير بتأميم الصحف .

إعلان الأحكام في القضية الأول ( سيد قطب )

وبعد فترة من المحاكمة وفي صباح يوم الأحد 21 من أغسطس 1866 – ذهبنا وحولنا قوات ضخمة من رجال الشرطة والبوليس الحربي إلى قاعة المحاكمات بمجلس قيادة الثورة وهناك كانت الحراسات العنيفة المدججة بالمدافع الرشاشة وعدد كبير من الضباط على مختلف الرتب – دخلنا قاعة المحكمة المعتادة ولكننا لم نجد أحد من الأهالي فالصالة خالية إلا من رجال المخابرات وأمن الدولة والحراسة وجلسنا في قفص الاتهام يتحدث بعضنا مع بعض في انتظار دخول هيئة المحكمة كما كنا نتوقع وما أعددنا أنفسنا له من مواجهة الأحكام ولكننا قد فوجئنا أنه قد أعدت صالة آخري لصدور الأحكام ملئت برجال الإعلام المحلية والعالمية المجهزين بآلات التصوير التيلفزيونية . فضلا عن مناظر قوات الأمن المقصودة بها الإرهاب – حتي إذا جاء وقت إعلان الأحكام – جاء ضابط كبير ونادي على الأستاذ سيد قطب وخرج معه إلى صالة الأحكام التي تبعد عن صالة المحكمة حوالي 20 مترا بحيث لا نسمع ما يدور فيها .. وبعد لحظات دخل علينا ضابط نقيب ودموعه تترقرق في عينه ففهمنا أن الأستاذ سيد قد حكم عليه بالإعدام – وعاد الضابط الكبير ينادي على أفراد قيادة التنظيم فردا بعد الآخر حيث قرأ عليهم نائب الأحكام أحكام الإعدام- وهم

1- سيد قطب

2- محمد يوسف هواش

3-علي أحمد عشماوي

4- عبد الفتاح إسماعيل

6- أحمد عبد المجيد عبد السميع

6- صبري عرفه الكومي

7-مجدي عبد العزيز متولي .

كما أصدرت المحكمة حكمها بنفس الطريقة .. بالشغال الشاقة المؤبدة على 25 متهما وبالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما على سبعة متهمين من بينهم الأخت حميدة قطب .

كانت لأحكام الإعدام صدمة أليمة شديدة على نفوسنا جميعا – فلم يفكر أحدنا في مصيره على الإطلاق – كان كل تفكيرنا في إخواننا أعضاء قيادة التنظيم الذين صدر عليهم الحكم بالإعدام.

خرجنا بعد صدور الأحكام حيث وضع كل واحد من أعضاء القيادة في سيارة خاصة توجهت به إلى السجن الحربي ولم نرهم أو نتحدث إليهم – لقد خرجنا ومن حولنا الضباط الذين لم يستطيعوا إخفاء دموعهم وحزنهم في صمت رهيب- خرجنا من المحكمة نردد الهتافات الإسلامية بقوة وحماسة " الله أكبر ولله الحمد " " الله غايتنا " " الرسول زعيمنا " " القرآن دستورنا" " الجهاد سبيلنا " "الموت في سبيل الله أسمي أمانينا " ورجال الصحافة والإعلام يتابعوننا بالتصوير .

وتوجهت بنا سيارات الشرطة تتقدمها سيارات النجدة والبوليس الحربي – وفتحت جميع نقط المرور دون توقف حتي وصلنا إلى الإخوان في الزنازين في تلهف لمعرفة الأحكام – فكنا نتصرف في الأمر بذكاء . مثلا جاء العسكري رشاد ومعه اثنان من الإخوة يحملون بطانية فيها ( الجراية ) لتوزيعها علينا – فقلت تصور يا امباشي رشاد إنني حكم علىّ بـ 15 سنة والأستاذ سيد وزملاءه حكم عليهم بالإعدام والباقي بالسجن المؤبد وعم الحزن جميع الإخوان .. كما اشتعل العالم العربي والإسلامي بالغضب وقامت المسيرات تندد بهذه الأحكام الظالمة – وأبرق رؤساء الدول والهيئات إلى جمال عبد الناصر لتخفيف الحكم على الإخوة المحكوم عليهم بالإعدام .

عزل الإخوان بعضهم عن بعض وشددت الحراسات وتوالت المحاكم في إصدار الأحكام على باقي الإخوة حتي بلغ الإخوة الذين صدر ضدهم أحكام 350 ثلاثمائة وخمسون – ثم قامت إدارة السجن بسحب ملابسنا لمدنية واستبدلوها بملابس خاصة بالمسجونين أما الإخوة الذين لم تصدر ضدهم أحكام فقد بدأ في ترحيلهم إلى المعتقلات – في الوقت الذي صدرت فيه الصحف تقول إن الذين لم تصدر ضدهم أحكام قد أفرج عنهم في الحال إلى بلادهم ! وقد ظلوا معتقلين حتي أفرج عنهم بعد وفاة جمال عبد الناصر عام 1970.

الإخوة المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة

1- عبد المجيد الشاذليمبارك عبد العظيم عياد – 3 – فاروق المنشاوي – 4- فايز إسماعيل – 5 – ممدوح الديري -6- محمد أحمد عبد الرحمنمحمد عبد المعطي الجزارمحمد المأمون زكريا – 9 – أحمد عبد الحليم السروجي – 10- سيد سعد الدين الشريف– 11- إمام عبد اللطيف غيث – 12 – كمال عبد العزيز سلام – 13 – فؤاد حسن علي – 14 محمد أحمد البحيري – 15 – حمدي حسن صالح – 16 مصطفي الخضيري – 17 السيد نزيلي عويضة – 18 – مرسي مصطفي مرسي – 19 حلمي صادق حتحوت – 20 – عبد المنعم عرفات – 21 – محمد عبد الفتاح الشريف – 22 – زينب الغزالي الجبيلي – 23 محي الدين هلال – 24 – عشماوي سليمان – 25 – مصطفي العالم – والثلاثة هاربون في السعودية .

الإخوة المحكوم عليهم بخمسة عشر عاما أشغال شاقة

1- عبد المنعم شاهين -2- [[محمد بديع|محمد بديع سامي]] – 3- صلاح خليفة – 4- محمد عبد المعطي عبد الرحيم – 5- عباس حسن السيسي -6- جلال بكري ديساوي – 7- الهام عبد الحميد بدوي .

الهيئة التي نطقت بالأحكام

اللواء أحمد وحيد الدين حلمي عضو اليسار في محكمة الفريق الدجوي في الدائرة الأولي التي أصدرت هذه الأحكام – نائبا عن رئيسها والرائد عز الدين رياض نائب الأحكام والأستاذ حسن جمعة رئيس النيابة المنتدب – حيث عقدت الجلسة في مبني مجلس قيادة الثورة في الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد 21 من أغسطس 1966 وهو نفس الموعد الذي بدأ فيه اعتقال الإخوان في 21 أغسطس 1965 !!

موقف مع الصول صفوت الروبي

حين وصلنا ووقفنا في ساحة السجن الحربي في انتظار توزيعنا إلى الزنازين جاءت الحاجة السيدة زينب الغزالي من المحكمة بعد أن استمعت إلى الحكم الصادر ضدها وحين مرت علينا ونحن وقوف - نظرت إلينا وهي تصيح – زينب الغزالي خمسة وعشرون سنة الله أكبر ولله الحمد . فكان لهذا الموقف العظيم أثرها البالغ في نفوسنا .

ثم قرأ صفوت الروبي الأحكام التي تسلمها في الأوراق الرسمية كل باسمه وبالحكم الذي صدر ضده حتي إذا قال عباس السيسي – 15 سنة – قال : خمسة عشرة سنة فقط :

...فقلت له .. لما يخلصوا ال15 سنة أبقي أجددهم – وشاء الله تعالي أن يخيب ظنهم ولم أستكمل عشر سنوات !

يوم التنفيذ قبيل فجر يوم الاثنين 13 جمادي الأول 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966

شعر الإخوان بحركة داخل السجن الكبير – فوقفوا خلف الأبواب يرقبون من فتحاتها ما يدور داخل السجن – فشاهدوا اللواء حمزة البسيوني والصول صفوت الروبي وبعض الحراس وجميعهم مسلحون – وقد توجهوا إلى زنزانة الأخ الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وأخرجوه – ثم توجهوا إلى زنزانة الأخ محمد يوسف هواش وأخرجوه – واصطحبوهما في حراسة مشددة إلى سجن الاستئناف – ودخل الشك والقلق في نفوسنا وفي الصباح شاع الخبر أنه قد تم التنفيذ الإعدام في الشهيد سيد قطب والشهيد عبد الفتاح إسماعيل والشهيد محمد هواش – عليهم رحمة الله ورضوانه .

وفيما نحن في طابور الصباح – دخل علينا من سجن 3 باقي الإخوة من قيادة التنظيم وقد صدر قرار جمهوري بتخفيف حكم الإعدام الذي صدر ضدهم إلى أحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة .

وهم الإخوة مجدي عبد العزيز متوليوأحمد عبد المجيد عبد السميع وصبري عرفة الكومي – أما علي عشماوي ( شاهد ملك) فقد وضعوه في سجن خاص .

آخر كلمات الشهيد سيد قطب

حينما كنا في الطريق إلى سماع الأحكام في مبني مجلس قيادة الثورة جلسنا في السيارة نستمع إلى حديث مختصر من الأستاذ سيد قطب حيث قال : إننا مستعدون بكل اطمئنان إلى ما يقدره الله لنا , ولا يريد الله لنا إلا الخير , ولعلنا لا نلتقي فلا تجزعوا – وعلينا أن نستفيد من أخطائنا حتي يتداركها الجيل القادم وقال الواقع أننا لم نكن في هذه المحنة المفاجئة على مستوي المسؤولية وقوة التحمل المرجوة فننصرف في المستقبل إلى المستوي المأمول – أقول لكم هذا حتي لا نخدع أنفسنا وقد أدينا واجبنا بإخلاص وهذا كل ما يعنينا حتي علم الله صدق اتجاهنا إليه وإخلاصنا لدعوته – وهذا كله رغم أننا لم نتسبب في هذه المحنة ولكن فعل الله كله حكمة.

موقف مع الشهيد سيد قطب

وقبل تنفيذ حكم الإعدام – حاولت الحكومة في اللحظات الأخيرة أن تخدع أو تهزم صلابة عقيدة سيد قطب . فأوفدوا إليه شقيقته حميدة قطب تعرض عليه بأن يقول كلمات للرئيس عبد الناصر يلتمس فيه تخفيف الحكم .. فقال لها هل هذا الكلام من عندك إشفاقا على أم هو طلب من الحكومة ؟ قالت : بل هو طلب من الحكومة .. قال لها : أترضين أن أكذب على الله كي أرضي الحكومة ؟ وإذا كان الله تعالي قد أراد لى الشهادة 0 فهل يجوز أن أرد على الله تعالي هذا الفضل !!

ورفض الشهيد سيد قطب رجاء الحكومة ولبي نداء ربه شهيدا راضيا مرضيا ماذا فعلتم يا طغاة غير أنكم قتلتموه شهيدا فرفعتم فوق قبره علما .

وبعد تنفيذ حكم الإعدام الظالم – خرجت الصحافة المصرية – بهذا النبأ في ركن من الأركان أى تعليق وكان في السماء ( في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ) وأذاعت وكالات الأنباء هذا النبأ الحزين مع تعليقات مستفيضة عن حياة الشهيد سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل وعن مظاهرات الاحتجاج التي عمت الوطن العرب والإسلامي ودعت الجماعات الإسلامية بإقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء .

نــــــداء إلى ملوك ورؤساء العالمين العربي والإسلامي من العلماء والكتاب بالمغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كانت فجيعة الأمة الإسلامية بإعدام الداعية الإسلامي الشهيد سيد قطب ذات أثر بالغ سيبقي على مر السنين وأحدثت في نفس كل مسلم جرحا داميا لن يندمل مهما تطاولت الأيام ..

وأنه لمن الوفاء للحق والتاريخ أن نسجل شعور الحزن والآسي العميق الذي شعرنا به كما شعر به كل عربي وكل مسلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي بسبب عدم استجابة السلطات الحاكمة في الجمهورية العربية المتحدة للنداءات العديدة الصادرة عن قلوب مؤمنة مخلصة مجردة من أى هوي شخصي , أو غرض حزبي تلك النداءات التي كان الغرض منها إنقاذ حياة مفكر إسلامي فذ وكاتب عبقري مجدد ومجاهد صادق مخلص .

وإننا وقد وقعت الواقعة ولقي السيد قطب ربه شهيدا محتسبا لنتوجه بندائنا هذا إلى سائر المسلمين في جميع أقطارهم وأوطانهم , وفي طليعتهم ملوكهم ورؤساؤهم وحكامهم وعلمائهم وزعماؤهم وهيئاتهم وأحزابهم وذوو الرأى فيهم مهبين بهم بإلحاح المؤمن الواثق أن يبادروا لبذل كل ما يمكنهم من جهد لتخفيف أم هذه الصدمة الفاجعة بسعيهم بكل الوسائل المستطاعة لاتخاذ التدابير التي تطمئن المسلمين قاطبة على مصير النخبة المعتقلة من دعاة الفكرة الإسلامية وأنصارها في الجمهورية العربية المتحدة .

وأول هذه التدابير أن يطلق سراح الكاتب الإسلامي المبدع والمؤلف العالم المشهور الأستاذ محمد قطب شقيق الشهيد سيد قطب وإخوانه المعتقلين وعلى رأسهم الشيخ الجليل الأستاذ حسن الهضيبي والعالم الفاضل الوقور الشيخ محمد الأودن الذي جاوز عمره السبعين والكاتب الكبير الأستاذ محمد محمود شاكر والمجاهد المؤمن الأستاذ صالح أبو رقيق وكذلك المعتقلات من السيدات الفضليات والآنسات الكريمات على رأسهن شقيقتا الشهيد سيد قطب , حميدة وأمينة , والسيدة زينب الغزالي ..

وإنه لما يملأ النفوس بالتفجيع والألم مصير أسر المعتقلين المحرومة من عائلها ومن موارد رزقها والتي تضم عشرات الألوف من نساء وأطفال وعجزه وشيوخ وإن أقل ما يفرضه علينا ديننا – إذا لم نستطيع أن نمد لهم أيدينا بالعون والمساعدة عملا بواجب التضامن الإسلامي – أن نهيب بالحاكمين في مصر ونناشد قلوبهم وضمائرهم ومشاعرهم الإنسانية طالبين منهم أن يسارعوا لإسعاف هذه الأسر وإنقاذها من براثن الجوع والتشرد والبؤس . وأن يؤمنوا الحياة الكريمة لأفرادها .

ولنا كبير الأمل في أن يتقبل الجميع نداءنا ويستجيبوا له مشكورين واثقين بأن الباعث الوحيد لنا على تقديمه إنما هو تعلقنا بشعب مصر المسلم العربي وتقديرنا لهذه الجماعة المؤمنة التي أبلت البلاء الحسن في ميادين النضال والاستشهاد في حرب فلسطين وفي معارك الفدائيين في القنال والتي كانت دائما في مقدمة المبادرين لمناصرة الكفاح الشعبي ف بجميع الأقطار العربية والإسلامية الأمر الذي لمسناه بأنفسنا في تأييدها الأخوي للحركات الوطنية في أقطار أفريقيا الشمالية .

وإننا بهذا نؤدي واجبا إسلاميا مقدسا تفرضه ظروف العالم العربي والإسلامي الذي يمر اليوم بفترات عصبية تجعله في أمس الحاجة إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف وتأليف القلوب ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .

أسماء وصفات موقعي هذا النداء

- محمد حسن الوزاني : الأمين العام لحزب الدستور الديمقراطي

- محمد رشيد ملين : رئيس حزب الأحرار

- دكتور عبد اللطيف بن جلون: رئيس الفريق النيابي للإتحاد الوطني للقوات الشعبية

- محمد الفاسي : وزير التربية الوطنية سابقا

- عبد العزيز بن عبد الله : أستاذ بدار الحديث وجامعة محمد الخامس

- الحاج محمد بن العربي بنونة: عضو مجلس رابطة علماء المغرب ورئيس جميعة أصدقاء تطوان

- محمد الحجوي الثعالبي : الكاتب العام لجامعة القرويين

- سعيد أعراب : من كتاب المغرب .

- عبد الكريم غلاب : مدير جريدة العلم

- أحمد بن عبد النبي : شيخ الجامعة بمدينة سلا

- مريم حكم : دبلوم دراسات عليا

- فاطمة الحصار : رئيسة جمعية الهلال السلاوي وعضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال .

- ربيعة الإدريسي: عضو القيادة العامة للجمعية المغربية للمرشدات وليسانس العلوم السياسية

- محمد الجواد الصقلي : عميد كلية الشريعة بفاس

- محمد حدو أمزيان : أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان

- محسن الزهراوي :: أستاذ بكلية اللغة العربية بمراكش .

- المهدي حاتم : أستاذ بكلية اللغة العربية بمراكش

- علال الفاسي : رئيس الاستقلال

- عبد الكريم بم جلون: نقيب المحامين بفاس ورئيس هيئة المحامين بالمغرب

- أبو بكر القادري : رئيس جمعيات شباب النهضة الإسلامية

- الدكتور المهدي بن عبود : أستاذ جامعي وسفير سابق

- محمد الناصر الكتاني : أستاذ بدار الحديث وجامعة محمد الخامس .

- محمد بن بوجيدة: المحامي بفاس

- الدكتور عبد السلام الهراس : أستاذ بجامعة محمد الخامس وعضو الأمانة العامة لرباطة علماء المغرب .

- محمد التطواني : من علماء سلا

- عبد السلام الفاسي : رئيس جامعة القرويين

- قدور الوطاسي : من علماء القرويين

- عبد الكريم الفلوس : قائد عام لكشفية الحسنية المغربية ومحام بالرباط

- حبيبة البورقادي : أستاذة بالمركز الجامعي للبحث العلمي وخريجة القرويين.

- عزيز العلوي : رئيسة جمعية الانبعاث بمكناس

- عبد الجليل الحلو]] : الكاتب العام لكلية الحقوق

- الفاروقي الرحالي : عميد كلية اللغة العربية بمراكش .

- أحمد بن تاويت : أستاذ بكلية أصول الدين بنطوان

- العربي الشامي : أستاذ بكلية الشريعة بفاس

- عبد الكريم الخطيب : رئيس الحركة الشعبية

- مصطفي النجار : من علماء سلا

- محمد بوستة : نقسي هيئة المحامين بالرباط

- محمد إبراهيم الكتاني : الأستاذ بكلية الحقوق

- المهدي بن إدريس العمراوي: من علماء القرويين بفاس

- أحمد بن تاويت : عضو الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب

- محمد المكي الناصري : صاحب جريدة الشعب وأستاذ بجامعة محمد الخامس

- محمد الحمداوي : مدير معهد الأميرة عائشة بالدار البيضاء

- الطاهر السباعي : مدير جريدة النضال

- ربيعة بن شقرون: خزانة بثانوية الأميرة آمنة

- لطيفة الفلوس  : محامية بالرباط والقائدة العامة للجمعية المغربية للمرشدات وأستاذة مساعدة بكلية الحقوق

- محمد بن أحماه : عضو المجلس الوطني بفاس وعضو مجلس النواب

- أبو بكر جسوس : أستاذ بكلية الشريعة بفاس

- التهامي الواني: عميد كلية أصول الدين بتطوان

- عبد السلام جبران : كلية اللغة العربية بمراكش .


فيلا حمزة البسيوني

من المعروف أن اللواء حمزة البسيوني – غير متزوج .

ولهذا فهو مقيم ليل نهار في مبني خاص بالسجن الحربي يحيط به شتي مزروعات الفواكه ومختلف أنواع الطيور ويقوم على هذه الضيعة خدم من الجنود وتستغل إمكانيات السجن من تموين وخلافه بلا حساب .

وحين اعتقل الإخوان في السجن الحربي – ومنهم الأطباء والمهندسون والحرفيون – وجدها حمزة البسيوني فرصة ليقيم لنفسه ( فيلا ) عظيمة تواجه مكاتب السجن – وشرع في استغلال كافة المهندسين المدنيين والمعماريين والحرفيين من بنائين ونجارين لبناء هذا المسكن الرائع ... واستمر الإخوان وعلى رأسهم الأخ الأستاذ الدكتور المهندس حلمي حتحوت يعملون بكل جهدهم لينعم حمزة البسيوني ويتمتع باستراحة خاص .

وكان الإخوة وهم يقومون بعملية البناء والإنشاء – يدعون الله تعالي من كل قلوبهم أن لا يمكن الطاغية حمزة البسيوني من دخولها وقد استجاب الله دعاءهم فقام الإخوة بعد حرب يونيو بهدمها . وذلك بأمر من القائد الجديد للسجن الحربي انظر ص 173 .

أسماء الإخوة الذين حكمت عليهم الدوائر العسكرية من الدائرة الثانية إلى الدائرة السادسة

الإخوة المحكوم عليهم بالسجن المؤبد

فضيلة الشيخ عبد الستار فتح الله – الحاجة زينب الغزالي – فضيلة الشيخ عبد الستار نوير – فضيلة الشيخ فتحي رفاعي – المهندس يوسف مصطفي ندا – غيابي – فضيلة الشيخ عشماوي سليمان – الطيار يحي حسين – غيابي – الحاج إسماعيل عبد العال – الحاج صقر سليمان – الحاج محي الدين جلال – غيابي- الأخ عبد الرحيم الزيادي – الأخ خطاب السيد خطاب – الأخ حامد الزقم – الأخ شعبان الشناويماهر البدراوي – الحاج عبد الستار فيبع .

الإخوة المحكوم عليهم بخمسة عشر عاما

كمال الفرماويمنصور عبد الظاهر – الطيار ضياء الطوبجي - الشيخ نصر عبد الفتاح نصر – الأخ عبد العزيز طلبه – الأخ جابر رزق جابر – المستشار علي جريشةمحمد هلال سالمعز العرب شاهينسيد إسماعيل أبو شلوعمحمد بدير زينهالسباعي الروكيعبد الحميد راجحيحي بياص- فاروق الصاوي – الشهيد محمد عوادعبد الله أبو سن ( ليبي ) الشيخ حافظ خليل أيوبعبد الغني حسن موسي – الشهيد إسماعيل الفيوميمحمد فهمي الشناويحسين قرقشزكريا التوابتيمحمد حسب النبيمحمد الشرقاويإبراهيم شريفأحمد سلامإبراهيم شرفعبد القوي بدرطه بهيجعثمان عرفةأبو المعاطي السيد ابو الحسنطه البدجيأبو الفتوح عويضةمحمد متولي حامدمحمد جمعة متوليأحمد النجارعوض عبد العال .

الإخوة المحكوم عليهم بعشر سنوات

الصياد الصياد بـ 12 سنة – جلال الشرقاويالسيد مرسي فساكهعبد العزيز الرفاعيسامي الصعيديمحمد السعيد على سعدعبد المقصود العزبعبد الله فتح الدينأحمد توفيق الكنزيعبد الكريم الطويلحبيب عثمانرشدي حبلصإمام سميرعبد المنعم خليفة الحنفيإبراهيم منير – الأخت حميدة قطبمحمد مندوه العزباويتوفيق عبد الباري- أحمد كيوانوهبه الفيشاويعبد المنعم دحروج – الشيخ محمد الخطيبمحمد إبراهيم بدرمحمد علي العريشيمحمد حلمي منصورأحمد محمد ضاهرأحمد أبو القاسمعطية متولي القرش .

الإخوة المحكوم عليهم بثمان سنوات سجن

مسعود المسيحيعبد الحميد شفيقأحمد محمد الزفتاويعبد العزيز عبد القادرمحمد صالح المسلمانيأمين أحمد سعدعبد المجيد محمد عبد المجيدعبد الرحمن محمد عبد الصمدمحمد إبراهيم سلامأحمد حامد إدريسالسيد مصطفي عوضعبد الحميد عفيفيأمين محمد على عرفةمحمد فؤاد إبراهيم .

الإخوة المحكوم عليهم بسبع سنوات

عبد الرحمن داوود ( فلسطيني) – محمد السنوسيمحمد عبد رب الرسول الخروبيمحمد إبراهيم بكيرمعروف الحضري ( لواء سابق بالجيش ) .

الإخوة المحكوم عليهم بخمس سنوات

الحاج صادق لمزين ( فلسطيني ) – هاني بسيسو( فلسطين) نصر محمد مكاويالمحمدي فرجعبد القادر محمود دعبسمحمد صدقي عبد العزيز عطيةعبده محمد عبده _ عبد العزيز شعلانعبد الفتاح الجنديعبد العظيم سلطانمحمد إبراهيم سالم – السيد عبد المجيد فرج .

الإخوة المحكوم عليهم بثلاث سنوات

الأستاذ حسن الهضيبيالمرشد العام للإخوان المسلمينإسماعيل حسن الهضيبي – [[جمال هاشم – أبو النصر الفارمحمد هدايةحسين عليوهمجدي عبد الحقسالم شاهينعبد اللطيف شاهينعلي محمد الصعيديزكي كرديه ( فلسطين ) خالد كردية ( فلسطيني) محمد شمس الدين الشناويأحمد طاهر إمارةركوه مكاويعبد الحميد فرغليمحمد حسين غرابمحمد علي موسيمحمد محمد سليم عبودحامد موسيعبد الحميد عثمان الجمليونس سالم يونسمحمد عبد الرحمن الشندويليزكي الشنديمحمد السيد عبد الحيمحمود عبد المجيد سلام - محمد علي حسن عليكمال محمد يونسكامل محمد حنفييحي نعمة الله قطبالعشري سليمانمحمد عامريوسف محمد قتهعلى عبده إسماعيلصالح السعداويمحمد عبد الجليل سعفانمحمود عبد الرحيم يوسف عبيهالسيد أحمد الناديسالم على إمام البهنساويأحمد الطربانيدسوقي شملول – الشيخ عدس جوده نمرهمحمود زارعرشوان السيد رشوانأحمد ديبهأحمد صبيحإبراهيم صبيحعبد المنعم عبد الحليم قابيلمحمد هلال إبراهيم عبد العزيزحسن عكوشيمحمود أبو العنينعبد الحليم الديبعبد اللطيف آدممحمد داوود حمصمحمد سلمان .

الإخوة المحكوم عليهم بأقل من ثلاث سنوات

محمد حلمي مؤمن ( سنتين ) عبد العزيز إبراهيم جلال ( سنتين) – محمد المأمون الهضيبي ( سنة واحدة) – محمد عبد الحليم السوداني ( سنة واحدة) . الشيخ محمد الأودن ( سنة) وعمره سبعون عاما .

يلاحظ أنني لم أكتب قرين كل اسم من أسماء الإخوة الكرام – بيان عن اسم بلده أو صفته أو وظيفة عمله – لعدم توفر هذه البيانات عن أكثرهم وهم من أكثر بلاد مصر وفيهم علماء من الأزهر الشريف – ومهندسون وأطباء وصيادلة وكيمائيون – ومدرسون ومعيدون وضباط وتجار ومهنيون .

كما أن هناك مئات من الإخوة لم تصدر ضدهم أحكام ولكنهم استمروا في المعتقلات فترة من الزمن جاوزت خمس سنوات وقد أفرج عنهم بعد وفاة جمال عبد الناصر !!

الرؤيا الأولي

الرؤيا في السجن من الظواهر الملازمة للمسجون والمعتقل وهي من نعم الله تعالي على النفس البشرية التي تعيش في هذا الجو الكئيب تتطلع إلى نسمات الخلاص والحرية وبعد نبأ استشهاد الإخوة الأحباب انتابت الإخوة موجة من الحزن لفقد إخوانهم وفي احدي الليالي الحزينة رأيت فيما يري النائم :

مئذنة تنزل من السماء على أرض سيناء مشتعلة ملتهبة بالنيران ؟! وكانت هذه الرؤيا قبل حرب سيناء في 5 يونيو 1967

الرؤيا الثانية

رأيتني أقف على شاطئ ترعة عميقة غزيرة الماء .. ورأيت على شاطئها خضرة من النباتات والمزروعات المثمرة – ويمتد في وسط الترعة على الماء شريط سكة حديد على امتداد الترعة – وأذهلني كيف يمكن أن يحدث هذا .. وكيف يمكن للقطار أن يسير على الماء ؟ وفيما أنا مستغرق فى هذا التفكير إذا بي أسمع صفارة قطار قادم من بعيد وإذا بالقطار قادم يمر فوق شريط السكة الحديد وقد زين بسعف النخل الأخضر والزهور – وكتب في مقدمته ( الله أكبر ولله الحمد )!!

الرؤيا الثالثة

رأيت نفسي مع مجموعة من شباب الإخوان نجلس في مركب شراعي يقف على أرض يابسة – وفي مقدمة هذا المركب الشراعي حمار يجرها على الأرض – وتعجبت وإخواني لهذه الصورة الشاذة التي لم تحدث من قبل – وفيما نحن في دهشة إذا بالسماء تمطر مطر غزيرا وإذا بالمركب ترتفع وتستوي فوق الماء – ثم نتعاون ونرفع الحمار من الغرق ونضعه معنا في المركب وتتجه المركب إلى بر السلامة والأمان !!

أول زيارة للأهالي بالسجن الحربي

بعد تنفيذ أحكام الإعدام اشتدت حملات الشرطة في المحافظات لإرهاب الأهالي وحاصرت قوات الشرطة جميع مباني السفارات والقنصليات والمصالح الحكومية ودور السينما والمسارح والمصانع فضلا عن مبني الإذاعة والتلفزيون – كما تطايرت إشاعات متنوعة بأن الحكومة صنعت معركة في السجن الحربي مع الإخوان " كتلك التي اصطنعوها مع الإخوان في ليمان طره عام 1956 وقتلوا منهم 26 من شباب الإخوان ".

اضطرت الحكومة لفتح باب الزيارات للأهالي تحاشيا لما قد تحدثه هذه الإشاعات من اضطرابات – وعلى هذا طلبت منا إدارة السجن بأن يكتب كل واحد رسالة إلى أهله يخبرهم بموعد حضورهم للزيارة في السجن الحربي وكان ذلك في شهر أكتوبر 1966 .

وجاء ذلك اليوم الذي احتشد فيه الأهالي خارج أسوار السجن الحربي في شكل مظاهرة صاخبة من الرجال والنساء والأطفال تحاصرهم قوات من رجال الشرطة والبوليس الحربي – وكان الإخوة يخرجون على أفواج يقفون خلف حواجز خشبية عليها سلك ثم يحضر أهلوهم ليشاهدوهم مجرد مشاهدة فإن الجلبة والضوضاء لا تساعد على الكلام حتي أنني رأيت الزوار في حالة من القلق زادت الأمور ضيقا وحزنا وأستطيع أن أقول أن هذه الزيارات مأساة لنا ولأهلنا !؟

موقف الأخ محمد عبد العزيز عطية

كان الأخ محمد عبد العزيز وهو ابن المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد العام والذي كان قد حكم عليه بالإعدام وخفف عنه الحكم إلى المؤبد عام 1954 . وقد حكم على الأخ محمد بالسجن 5 سنوات وساءت صحته حتي كاد جسمه يتوقف عن الحركة كأنما قد أصيب بالشلل - وكان يقوم بخدمته بعض الإخوة الموجودين معه في الزنزانة... وخرج إلى مكان الزيارة معتمدا على سواعد إخوانه .. حتي شاهد أهله صاح فيهم قائلا إن إدارة السجن تذيق الإخوان مر العذاب بكل أنواع ووسائل التعذيب وتحرمهم من الطعام والشراب والدواء وحدثهم بصوت مسموع عن كل ما يحدث من تعذيب وإهانات في السجن الحربي – وكل هذا حدث في وجود الصول صفوت الروبي وفي مواجهته – مما أزعج أهل الأخ محمد عبد العزيز عطية وأشفقوا عليه .. وأنهي صفوت الروبي الزيارة وأعاد الأخ محمد عبد العزيز إلى زنزانته.. وقال له صفوت الروبي هل تظن أنك قلت لهم حاجة جديدة كل الناس في العالم يعرفون ما يحدث في السجن الحربي – وأنا لا أعرف ماذا أعمل معك دا أنت ميت جاهز خليك لما تموت لوحدك ولا تتحسبش علينا بني آدم . ومنع صفوت الروبي على الإخوة أن يساعدوه – ولكن الإخوان كانوا يتحايلون لمساعدته .

وقد عايش الأخ محمد في مستشفي سجن ليمان طره فضيلة الأستاذ المرشد العام مدة طويلة فسعد بمجاورته والإيناس به .. حتي تم الإفراج عنه . وبعدها استرد صحته وعافيته وعاد إلى الإسكندرية حيث يعيش والده الأستاذ الكبير عبد العزيز عطية رحمه الله وقام بافتتاح " مكتبة الثقافة بأول شارع الرصافة في محرم بك ثم باعها وعمل مديرا لإحدى الفنادق بالقاهرة ثم غادرها إلى الخارج .

الفصل الخامس


شمس بدران وزيرا للحربية

بعد أن تمت محاكمات الإخوان وصدرت عليهم الأحكام بالسجن .. يعتبر شمس بدران قد أنهي مهمته التي نذر نفسه لها وهي تلفيق مؤامرة للقضاء على " جماعة الإخوان المسلمين " التي قدمها بين يدي جمال عبد الناصر دليلا للإخلاص والولاء ... ولما كان جمال عبد الناصر يعلم يقينا أن العقيد شمس بدران هو قطب الرحي في دولة المشير عبد الحكيم عامر كما أنه قد أحاط نفسه بمجموعة من الضباط التي أطلق عليها ( المجموعة الشمسية ) نسبة إلى شمس بدران – وأن هؤلاء جميعا يشكلون جبهة ضد جمال عبد الناصر .

لهذا فكر جمال عبد الناصر في أن يخلع شمس بدران من القوات المسلحة حتي يقطع صلته الرسمية بالجيش كما فعل ذلك من قبل حين تم اختيار العقيد رشاد مهنا عضوا في لجنة الوصاية على العرش على اثر عزل الملك فارق وبذلك تخلص من كيانه المؤثر على كثير من ضباط الجيش ... وبعد فترة من الزمن أفتعل له تهمة قضي عليه فيها السجن المؤبد – ولما كان في حالة شمس بدران لا يستطيع مع وجود المشير عبد الحكيم عامر أن يفتعل تهمة ما – فقد هداه التكتيك الذي يحسن صناعته في مثل هذه الأمور – أن يرقيه فيسند إليه رئاسة وزارة الدفاع " وبذلك فقد أعطاه ( شلوتا إلى أعلي ) وبهذه الترقية أبعد شمس بدران عن مركز إصدار الأوامر وقطع أواصر المنافع والمصالح الشخصية التي كانت وسيلة جذب للضباط ,وأراد الله تعالي أن يستدرج الطغاة من حيث لا يعلمون – فإن عبد الناصر يريد أن يتخلص من شمس بدران بتعيينه وزيرا للحربية ليقضي الله أمرا كان مفعولا – فيتسبب شمس بدران في أبشع هزيمة للجيوش العربية في يوم 5 يونيو 1967 ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ( وما كان ربك نسيا) حتي رشحه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر رئيسا للجمهورية ليلة قرار التنحي في يوم 8 يونيو 1967 ظنا منهما أنه يستطيع أن يفرض نفوذه على الجميع وينقذ البلد من الدمار واندلاع حرب أهلية ولم تمضي 20 ساعة حتي فوجئ بعودة جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم – ثم قدم شمس بدران إلى محكمة الثورة بصفته قائد المؤامرة ضد الرئيس السادات وهي المؤامرة التي سقطت قبل أن تبدأ وحكم عليه فيها بالسجن المؤبد – وفي 23 يوليو 1974 أفرج الرئيس أنور السادات عن شمس بدران بعد 8 سنوات من الحكم عليه بالمؤبد قضاها في سجن ليمان طره ( مع الإخوان المسجونين ) !؟ وكان الإفراج بمناسبة أعياد الجيش بانتصاره في حرب أكتوبر 1973 – وبعدها بشهر واحد خرج شمس بدران من مصر للإقامة في لندن بجواز سفر دبلوماسي صالحا لمدة عشر سنوات باعتباره وزيرا سابقا مع منحه معاش وزير .

محاضرات التوعية !!

بدأت إدارة السجن بوحي من العقيد صلاح نصر مدير المخابرات الحربية وصاحب كتاب الحرب النفسية في دعوة بعض الأساتذة من رجال الأزهر والجامعات لإلقاء عدة محاضرات على الإخوان سموها محاضرات توعية ولكن اسمها الحقيقي هو " غسيل مخ" .

وأعدت إدارة السجن ( صالة ) مفروشة بألواح خشبية يجلس عليها المساجين وأمامهم جهزت منصة يجلس عليها المحاضر والضباط .

وأول الذين انتدبتهم إدارة السجن لإلقاء أول محاضرة .. كان فضيلة الدكتور الشيخ محمد فتح الله بن بدران الأستاذ بالأزهر – وهو يتصل بالقرابة للعقيد شمس بدران – ويبدو أن الشيخ بدران أعطي وعدا بأنه في إمكانه تغيير فكر هذه المجموعة من الشباب – لهذا أعطوه كل الإمكانيات فكان هو الأساس الموجه والمواظب .. وزامله في المهمة الدكتور وصفي وهو دكتور بيطري ورئيس لجنة الفكر الديني في الإتحاد الاشتراكي كذا حضر اللقاء الشيخ السبكي عضو هيئة كبار العلماء .. ومن كلماته لنا في المحاضرة ( إنتم عاو زين إيه من الحكومة ... الحكومة عاملة لكم جيش وعاملة لكم بوليس ) كما حضر لإلقاء محاضرات الأستاذ عبد المغني سعيد وكيل وزارة القوي العاملة ... كما حضر كذلك الأستاذ الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة وكان حديثه موضوعيا وكان المحاضر يدخل صالة المحاضر يصاحب اللواء حمزة البسيوني والصول صفوت الروبي – ويتحدث المحاضر فيما يحلو له وعلي الإخوة الاستماع في صمت وهدوء والمحاضر لا يري أمامه سوي شخوص يرتدون ملابس السجن الزرقاء يجلسون على الأرض القرفصاء – وربما لا يعرف السيد المحاضر نوعية هؤلاء ولا درجاتهم العلمية والاجتماعية .

واستمرت هذه المحاضرات عدة شهور على هذا الحال .. مما كان ييسر للإخوان شيئا من الراحة بعيدا عن قسوة الطوابير وحرارة الشمس ومرارة الإذلال.

وبالطبع لست بمستطيع تسجيل نوعية تلك الأحاديث ولا بعض ما كان يدور فيها أحيانا من مناقشات فإن ذلك غير مستطاع لعدم توفر الإمكانات . فإن ذلك غير مستطاع لعدم توفر الإمكانات فإن أكبر جريكة في السجن أن يضبط في حوزتك ورقة وجزء من قلم .. ساعتئذ لا تدري ما سيكون من شأنك وكل ما تقرأه في هذه المذكرات هو ما احتفظت به الذاكرة عقب الإفراج من السجن وما استعنت به الصحف والكتب .

موقف مع الأخ عبد المجيد الشاذلي

ذات يوم يبدو أن اللواء حمزة البسيوني قد عقد العزم على عمل إثارة ليصطاد في الماء العكر كما يقولون – وكانت المحاضرة ليلا لفضيلة الشيخ بدران ( الذي كانت تذاع له أحاديث الصباح في الإذاعة في هذه الأيام ) وأثناء المحاضرة جاء وقت صلاة المغرب فوافق اللواء حمزة البسيوني على أن نؤدي صلاة المغرب في مسجد السجن ( لأول مرة ) وخرجنا من الصالة إلى المسجد .. وبقي حمزة البسيوني خارج المسجد يراقب الإخوة الذين تخلفوا عن أداء الصلاة خلف الشيخ بدران – ظنا منه أن هؤلاء الإخوة لا يجيزون الصلاة خلف ( علماء السلطة ) وبعد عودتنا إلى الصالة – دعا اللواء حمزة البسيوني الأخ عبد المجيد الشاذلي بطريقة عنيفة وأمر الصول صفوت بأن ينفذ فيه حكم الإعدام !! وخرج عبد المجيد الشاذلي بقدم ثابتة وغادرنا إلى حيث لا ندري .

ثم توقف حمزة البسيوني خطيبا – إنه كان من رأيه شخصيا إعدام جميع الإخوان حتي لا يبقي منهم أحد ولكن صاحب القلب الكبير ( يقصد عبد الناصر ) رفض اقتراحه وقال إنه هو المحقق وهو القاضي وهو المنفذ .. وقال إنه سيبقي هنا عشر سنين وهو مع الجهاد الجديد على موعد .. وأخذ يهدد ويتوعد .... وبعد أيام عاد الأخ عبد المجيد الشاذلي وقال أنهم أودعوه زنزانة حبسا انفراديا بسجن 4 ... وإنما أرادوا به إرهابا لباقي الإخوة .

زيارة سارتر وعشيقته لمصر

وفي جو هذه المحاضرات المحاطة بالإرهاب – زار سارتر وعشيقته مصر بدعوة من جريدة الأهرام التي أعدت له برنامج ندوات وزيارات ورحبت بهما على صفحات الجرائد – وأحاطهما المخدوعون والمضللون من أبناء الشعب بحفاوة بالغة . ومع هذا التكريم المدلل فإنه لم يمسح شيئا من الحقد الأسود على المسلمين – فما أن غادرت عشيقته ( سيمون دوبوتوار) مع سارتر الإباحي الوجودي أرض مصر إلى إسرائيل حتي قلبا للعرب ظهر المجن وأظهرا ما تحفي صدورهما من حقد وبغضاء للعرب والمسلمين وقاما بحملة مغرضة ضد مصر والدول العربية على مسمع ومرأي من الجميع ..!! ( إنهم إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبي قلوبهم وأكثرهم فاسقون ).

الامتحان الرهيب بعد المحاضرات

وفي أول يونيو 1967 – وفي إحدي المحاضرات أعلن الدكتور الشيخ فتح الله بن بدران أنه بعد هذه الجولة الواسعة من المحاضرات – قد تقرر أن يعقد لنا امتحانا فيما سبق أن سمعناه من محاضرات ودروس كي يكون اختبارا لمدي استيعابنا واستفادتنا منها وسيكون غدا هو أول في هذا المجال .

وخرجنا وتقابلنا وتدارسنا عما سيكون من وراء هذا الامتحان من كشف الأفكار وتصنيف الإخوة إلى نوعيات واتجاهات وبث الفتنة والتشكيك – ولكننا على كل حال تواصينا فيما بيننا على أن تكون مناقشاتنا حكيمة وهادئة وأن يبعد عن عوامل التحدي والإثارة – لما نعلم بأنهم يقصدون ذلك ويهدفون إليه وتواصينا بالآية الكريمة ( استعينوا بالله واصبروا )

وفي الصباح توجهنا إلى صالة المحاضرات كالمعتاد فوجدنا حراسات مشددة حول العنبر ورأينا على المنصة جهاز تسجيل والنوافذ مغلقة - وبعد لحظات دخل اللواء حمزة البسيوني والصول صفوت الروبي ثم جاء الشيخ بدران وساد اللقاء صمت رهيب وكإن على رؤوسنا الطير – ثم تكلم الشيخ فقال إن الحكومة تعمل جهدها لإنقاذكم وهي تأمل أن تكونوا ذخرا لهذا الوطن وجندا تجاهدون في سبيل الله في فلسطين فقد كان في زيارة إلى مدينة غزة وتعذر عليه أن يدخل إلى أرض فلسطين التي يحتلها بنو صهيون وبعد أن استطرد في بعض المعاني – ثم بدأ يسأل عما بداله – ثم نادي على الأخ المهندس الكيمائي مجدي عبد العزيز متولي – وهو عضو في قيادة التنظيم الذي سبق الحكم عليه بالإعدام ومن الذين لا يخافون في الله أحدا فسأله قائلا : ما رأيك في شرعية هذه الحكومة ؟

سؤال كله استفزاز ورغبة في إشعال فتنة !! تكهرب الجو ومراجل النفوس تغلي وأرهفنا الآذان لما سوف ينطق به الأخ مجدي. دعاؤنا وقلوبنا معه .. ثم قال مجد بتوفيق من الله تعالي – موجها كلامه إلى المنصة : عمل الحكومة كفر والظلم صارخ وشاهد !! كان الشيخ يتوقع أن يقول الأخ مجدي إن هذه الحكومة كافرة . ولكنه قال عمل الحكومة كفر .. فنظر إليه حمزة البسيوني متعجبا وقال له : الحكومة بتعمل كل حاجة كويسة أمال بتقول عملها كفر إزاي – هات لما مثلا : قال مجدي : الأمثلة كثيرة : إباحة الخمر والتعامل بالربا والاختلاط المفضوح. وأعجب من ذلك لو أن زوجا دخل منزله فوجد زوجته في أحضان رجل أجنبي . وهم الزوج بقتله . فعاجله الأجنبي فقتله . فإن جريمة الزنا تسقط – لأن الزوج هو الشخص الوحيد الذي من حقه أن يرفع دعوي الاتهام وقد مات وبهذا تسقط الدعوي .

فنظر سيادة اللواء إلى الصول صفوت الروبي يسأله صحيح الكلام ده يا صفوت ؟!! وكأن الصول صفوت أصبح من كبار العلماء في حضرة الشيخ بدران ونحمد الله تعالي أن الإخوان انضبطوا ولم ينفجروا من الضحك!

وتوالت الأسئلة المثيرة ولكن الإخوة كانوا على مستوي من الوعي الذي استطاعوا أن يفوتوا عليهم المؤامرة – وخرجنا إلى الزنازين ومضي اليوم الأول بسلام .

نذير حرب يونيو

وفيما نحن في هذا الجو ما بين الطوابير والامتحان والامتهان إذا بالجو السياسي ينقلب فجأة وبغير مقدمات – روسيا الشيوعية حليفة جمال عبد الناصر تخبره بأن إسرائيل تحشد قواتها وأسلحتها على حدود سوريا العربية استعدادا للغزو المسلح – بثور رئيس مصر ويعلن التعبئة العامة – وتحشد القوات المصرية المسلحة في قلب سيناء وعلى قرب من حدود إسرائيل – وسائل الإعلام تمهد للحرب ... وسأنقل للقارئ الكريم هذه العبارات من كتاب ( حياة في السلام والحرب ) لمؤلفه ( بريان أوركهارت) قد عمل في هيئة الأمم المتحدة في مناصب رفيعة .

حرب الأيام الستة

الشرق الأوسط العدد 3276 الثلاثاء 17 يناير 1987 يناقش أوركهات موضوع حرب يونيو 1967 في الشرق الأوسط من منظور عمله في الأمم المتحدة ويشير إلى جهود يوثانت لإقناع مصر بالعدول عن طلب سحب قوات الأمم المتحدة من غزة وشرم الشيخ ويقول إن رايكه قائد الأمم المتحدة في سيناء تلقي مساء 16 مايو ( أيار ) 1967 برقية في مقره في غزة من قائد الجيش المصري الفريق فوزي جاء فيها :

" من أجل السلامة التامة لجميع جنود الأمم المتحدة الذين لهم نقاط مراقبة على حدودنا ... نرجو أن يصدر أوامرك بسحب جميع أولئك الجنود فورا ".

وقد رد رايكه على ذلك البرقية بقوله إنه لا يملك سلطة اتخاذ قرار في مثل تلك المسألة الخطيرة وأحال طلب الفريق فوزي على نيويورك ويقول أوركهات " إن مصر كررت طلبها بسحب قوات الأمم المتحدة وأبلغت به سفراء الدول المشاركة في تلك القوات وعندما وصل طلب مصر الرسمي بهذا المعني يوم 18 مايو إلى مقر الأمم المتحدة قام يوثانت بمشاورة ممثلي الدول المساهمة في القوة الدولية " وكان واضحا أن أغلبية الدول الأعضاء تمانع ممثلي في عقد جلسة للجمعية العامة على أساس أن حقوق مصر ليست عرضة للشك " ويضيف " أوركهات أن يوثانث أبلغ ممثلي الدول المساهمة في قوات الطوارئ الدولية بأنه إذا ألح عبد الناصر في طلبه - فإنه سيكون مضطرا للموافقة على سحب القوات من الأراضي المصرية " وشارك الجميع يوثاني تخوفه من عواقب القرار المصري ".

يقول " أوركهات " إن جمال عبد الناصر تعرض منذ تأسيس قوات الطوارئ الدولية عام 1956 , إلى انتقادات متكررة وسخرية من بعض البلدان العربية وإسرائيل بسبب " اختبائه " وراء قوات الطوارئ في سيناء بدلا من مواجهة إسرائيل – ويضيف أنه في مايو ( أيار ) 1967 أثارت تلميحات إسرائيلية خلال حملة انتخابات إلى إمكانية شن حملة ضد سوريا وردود فعل متسم بالخوف في دمشق فقرر عبد الناصر بثقة لا محل لها أوحت بها جزئيا أسلحته السوفيتية الجديدة أن يواجه إسرائيل ...".

يشير " أوركهات " إلى أنه شخصيا صاغ يوم 17 مايو ( أيار ) 1967 مسودة نداء اقترح أن يوجهه يوثانت إلى عبد الناصر موضحا أن مراقبي الأمم المتحدة العسكريين" لم يستطيعوا العثور على أدلة على وجود حشود قوات إسرائيلية ضد سورية .... حاثا إياه على إعادة النظر في قراره بشأن قوات الطوارئ الدولية" ويقول أن يوثانت كان قد تلقي تحذيرا من القاهرة بأن أى نداء موجه إلى عبد الناصر سيقابل بصد حازم ولذلك قرر يوثانت عدم إرسال تلك المناشدة ويعرب " أوركهات " عن اعتقاده بأن مركز يوثانت التاريخي كان سيكون أقوي لو أنه أرسل تلك المناشدة على أى حال .

بعدئذ قرر يوثانت الذهاب إلى القاهرة – وأعلن عبد الناصر – بينما كان يوثانت في طريقه إلى مصر – " عن إغلاق مضيق تيران " ويشير " اوركهارت" إلى أن إسرائيل كانت قد أعلنت قبل مدة طويلة بأنها ستعتبر إغلاق مضيق تيران سببا للحرب .

يلوم " أوركهارت " الشرق والغرب على عدم بذلها جودا كافية للحيلولة دون وقوع حرب 1967.."

اعتقالات لشيوخ ونساء وشباب فلسطين

كانت مفاجأة قاسية لم تخطر على بال – أن نري في السجن الحربي أكثر من مائة من شيوخ ونساء وشباب فلسطين – في طابور بالخطوة السريعة تلاحقهم السياط في صورة مبكية مفزعة تراهم في صورة الأسري المعوزين المذعورين – لقد زرفنا الدموع الساخنة على حال هذه الأمة المنكوبة التعسة - هكذا يفعل بالنساء والشيوخ – إنها مناظر مخزية لا يطيقها بشر – لقد تبلد شعور الجبناء حتي فقدوا الإحساس والخجل والحياء ثم مضوا بهؤلاء التعساء فحشروهم في عنبر الرجال مع النساء يالها من كارثة ومأساة تقع من مسلمين في دنيا العرب .

لقد ازدحم السجن الحربي حتي وجدناهم يفكرون في بناء عنابر جديدة تتسع لما قد يعتقلونه من الأبرياء !! الذين تآمر عليهم الأعداء والأصدقاء !!

الملك حسين يسلم نفسه

وفي لقاء المحاضرة يوم 3 يونيو 1967 والمنصة يجلس عليها اللواء حمزة البسيوني والشيخ محمد فتح الله ولد بدران ( كما كان يسمي نفسه ) يوجه أسئلة الامتحان – في هذا الوقت يدخل الصول صفوت الروبي وفي يده ورقة أعطاها اللواء حمزة البسيوني وبعد أن قرأها نظر إلينا صائحا يرفع في يده ورقة هذا تلغراف جاء من الأردن يقول إن الملك حسين ملك الأردن سيصل إلى القاهرة ليسلم نفسه للرئيس جمال عبد الناصر يا أولاد الكلب .. وأخذ في تهديدنا ويقول الملك حسين جاء يسلم نفسه وأنتم يا أولا الكلب لا قيمة لكم !!

طبعا نحن مسجونون لا قيمة لنا : فإذا يهمه من أمرنا ونحن لا قدرة ولا حيلة لنا !! وبعد انتهاء المحاضرة عدنا إلى الزنازين ونحن نتعجب من هذا التحول في سياسة الملك حسين وبالرجوع إلى ما كتبه الأستاذ أحمد سعيد مدير صوت العرب حيث يقول : ( .... ويشهد الله أني حذرت محمد فايق وزير الإعلام فأحالني إلى سامي شرف الذي أكد التعليمات بالفرقعة ( البلاف ) فكررت عليه خطورة هذا التوجيه الإعلامي وعواقبه الوخيمة إذا لم يتأكد الانتصار ولكنه أجابني يومها بأن مفاوضات على وشك أن تبدأ على أساس من الأمر الواقع الذي نجحت مصر في فرضه على أمريكا وإسرائيل وأن جميع الجيوب المضادة في الوطن العربي تحتاج إلى بعض الضغط الإعلامي لترتمي في أحضان مصر وعبد الناصر – وعدت أحذره من تصعيد درجة الشحن الجماهيري ولكنه حسم كلامه على طريقته دائما عندما كان يختلف معي أو مع غيري بقوله ( دي تعليمات الريس وأنا مجرد سكرتير وطبعا الريس لا يمكن أن يكون قرر لك التعليمات إلا إذا كانت التقارير التي عنده تؤكد ضرورة الشحن الجماهيري المطلوب .. أنت يا أحمد صانع سياسة أم داعية سياسية ؟؟ وقد كان ما أرادت الرئاسة في تلك الأيام إذ انحصر دوري كمسئول إعلامي في إعطاء الجماهير الجرعة المطلوبة والمفهوم المرجو – حتى اشتعلت المنطقة كلها بهدير ناصري عارم وأسرع الملك حسين – رغم شدة خلافنا معه في تلك الأيام – يضع نفسه والأردن تحت قيادة عبد الناصر ..).

كان الجو السياسي ملتهبا وقوات الجيش المصري تزحف إلى أرض سيناء والأناشيد الوطنية الحماسية تدوي في وسائل الإعلام – وأحمد سعيد يشعلها نارا ولهيبا وإدارة التعبئة المعنوية ترسل إلى الميدان بصور مشاهير الفن من الراقصات والمغنيات ليلهبوا عواطف الجنود بالقوة والحماسة وعاش الشعب والشعوب العربية فرحة الانتصار بالوهم والخيال الذي قدمته لهم وسائل الإعلام .

5 يونيو 1967 أو حرب الأيام الستة

انتهي طابور صباح يوم 5 يونيو .. وتهيأنا لحضور المحاضرة ... وفيما نحن في ساحة السجن . إذا سمعنا ضجة كبيرة وهياج – ودخل علينا الصول صفوت ومعه مجموعة من ضباط الصف يحملون المدافع الرشاشة وهم يصيحون فينا – إجري كل واحد يدخل الزنزانة بسرعة .. وأسرع الإخوان كل إلى زنزانته وأغلقت علينا الزنازين في الوقت الذي نسمع فيه أصوات قنابل تنفجر على الأرض وتهزها هزا عنيفا في نفس اللحظة شاهدنا طائرات صغيرة تغير فوق مبني السجن الحربي وأسرعت قوة حراسة السجن ترتدي ملابس الميدان .

ترددنا في الحكم على ما نسمع ونري – هل ما يحدث هو الحرب المتوقعة بين مصر وإسرائيل- أم هو انقلاب ضد نظام عبد الناصر ؟ فإذا كانت هي الحرب فكيف ونحن لم نسمع سوي صوت قنابل تنسف ما على الأرض – ولم نسمع طلقات أسلحة الدفاع الجوي التي لابد أن تشترك في المعركة ضد طائرات العدو ؟!

ولكن ولأول مرة سمحوا لنا بأن نستمع إلى الإذاعة التي أمدونا بها وكانت تذيع بصوت أحمد سعيد .. أنباء الانتصارات الباهرة كلما أسقط جنود مصر عشرات القاذفات الإسرائيلية واحتلال مواقع متقدمة نحو إسرائيل – حين ذاك أدركنا أنها الحرب – ولكننا في الحقيقة لم نشعر بالفارق النفسي بين الحرب المعلنة علينا في السجن الحربي والحرب المعلنة من إسرائيل إذ أن مشاعرنا قد اكتسبت نفس الشعور لفرط ما عودونا عليه من مآس وأحزان .

وكان العكس هو الصحيح . إذ أن الطغاة والظالمين هم الذين أصابهم الهلع والفزع والرعب ونراهم يتخبطون يتقاذفون من الهلع الذي أصابهم فجأة وهم يتربعون على قمة السلطان .

لقد قصدوا أن يسمعونا الإذاعة وهي تذيع أنباء الانتصارات وإسقاط طائرات العدو بهذه الأعداد الهائلة .. نكاية في الإخوان !!

في نفس الوقت سمعنا في نشرة الأخبار ... أنه تقرر عزل اللواء حمزة البسيوني ومعه لواءات آخرون من قواد أسلحة الجيش وكان لهذا النبأ ضجة وفرقعة هائلة فى نفوس الإخوان وغيرهم من المعتقلين وخاصة عائلة الفقي وأهال كمشيش ..وجاء حمزة البسيوني مسرعا من خارج السجن ليحصل على حاجياته ومتعلقاته قبل أن تتسلم إدارة السجن القرار ولكنه حال دخوله من بوابه السجن – منع من الدخول وعاد مذموما مدحورا – من حيث أتي غير مأسوف عليه .

قيادة جديدة للسجن

وفي اليوم التالي وفي طابور الصباح حضر القائد الجديد واستعرض الطابور ثم قام بالمرور على مرافق السجن ومعه بعض الضباط الذين ساهموا في عهد حمزة البسيوني وبعد أن تم التسليم والتسلم ... أمر القائد الجديد بالقبض على هؤلاء الضباط وإيداعهم في سجن رقم 3 – توطئه لمحاكمتهم – وسمعنا بعد ذلك أن السجن الحربي أخذ يستقبل الجديد من الضباط من مختلف الرتب حتي امتلأ بهم الدور العلوي .

ولم تغرب شمس هذا اليوم حتي توجه قائد السجن ومعه مجموعة من الإخوان إلى حيث سكن ومزرعة وفيلا حمزة البسيوني وطلب منه أن يقوموا بهدم ذلك كله فسارع الإخوان بنشاط وحيوية إلى تحطيم ذلك وهم يرددون ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ).

استقالة الرئيس عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر

شاع عندنا نبأ استقالة جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر – وتكليف زكريا محي الدين وزير الداخلية السابق وعضو مجلس قيادة الثورة – برئاسة الجمهورية لحين تحديد الموقف وأذاع الرئيس جمال عبد الناصر كلمة بهذا المعني في الإذاعة والتلفزيون بصورة تكاد تكون باكية . أعدوا لها إعداد فنيا مثيرا .. أثارت الجماهير التي خرجت في الشوارع في 9, 10 يونيو تهتف بعودة جمال عبد الناصر وترفض تنازله .. واحتشدت الجماهير أمام منزله في منشية البكري حتي منتصف الليل تؤكد إصرارها على ذلك كما شارك في هذا المهرجان جنود من قوات الجيش ورجال المباحث يرتدون الملابس المدنية – واجتمع مجلس الشعب برئاسة السادات ورفض قبول تنازل جمال عبد الناصر . وقام وفد من أعضاء المجلس يبلغ القرار لسيادة الرئيس.

قصة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعمرو بن العاص

يوري التاريخ حين حدث خلاف بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان أن وافقا على تشكيل لجنة محايدة للتحكيم تفصل بين الطرفين المتنازعين – واجتمعت اللجنة المكونة من عمرو بن العاص عن معاوية بن أبي سفيان وأبي موسي الأشعري عن بن أبي طالب واتفقت اللجنة على أن يقوما في اللقاء العام الذي سوف تشهده جماهير المسلمين لإعلان الحكم " فيعزل كل منهما صاحبه " وفي اللقاء العام وقف أبو موسي الأشعري ونادي بعزل على بن أبي طالب وقام بعده عمرو بن العاص ونادي بتثبيت معاوية بن أبي سفيان وثار أبو موسي لهذا الخداع وشتم عمرا وشتمه عمرو واشتعلت الفتنة .

والذي حدث في هذه الواقعة هو الذي حدث في واقعة عبد الناصر وعبد الحكيم عامر إذ أن الاثنين جمالا وعبد الحكيم قبلا التنازل برضاهما درا للفتنة واختار زكريا محي الدين رئيسا للدولة حتي تحدد الأمور وقبل عبد الحكيم عامر التناول ومضي وفي نفس الوقت أعطيت الفرصة لجمال عبد الناصر ليلقي بيانه على الشعب إذاعيا وتلفزيونيا .. فقامت الجماهير ترفض تنازل جمال عبد الناصر وبهذا عزلت الجماهير عبد الحكيم عامر وثبتت جمال عبد الناصر .. وهكذا قالوا !!

شعورنا في السجن عقب استقالة عبد الناصر

قد يتصور البعض أنا حين سمعنا نبأ استقالة جمال عبد الناصر – قد شملنا شعور بالفرح – ولكن الحقيقة أننا جميعا كنا في حالة من الذهول فلا يري علينا جديدا سوي أننا لأول مرة كنا نتحرك بشئ من الحرية فننزل درجات السلم ونصعد إلى الدور العلوي بلا قيود .

وربما يعود ذلك إلى هزيمة نفسية في قيادة السجن وانشغالهم بالوافدين الجدد من كبار الضباط المقبوض عليهم وإيداعهم في سجن 23 .. لقد كان الصول صفوت الذي لم يقبض عليه بعد يبدو عليه الحزن والاكتئاب ويتحاش الحضور إلينا حتي لا نراه على هذه الصورة البائسة – كما بلغنا أنه كان يفكر في الانتحار حين علم أنه سوف يصدر قرار بالإفراج عن جميع " الإخوان المسلمين " فكان يقول " عملوها الكبار ووقع فيها الصغار " يقصد نفسه لأنه من الصغار .

قصة مما حدث في 5 يونيو من المقال السابق لأحمد سعيد

يقول أحمد سعيد .. لهذا قصة تمثل في حجم الثقة المفرطة التي كانت في أعماق القيادة أيامها والتي على أساسها أعطتنا التعليمات بمضاعفة جرعات شحن الجماهير بنصر تحقق دون معركة .. فقبل الحرب بيوم واحد حضر إلى مصر وفد عسكري عراقي على مستوي عال لتهنئة عبد الناصر بالانتصار الوهمي الذي أحرزناه – فأخذهم المشير في طائرة إلى شبه جزيرة سيناء في نفس الوقت الذي كانت فيها طائرات إسرائيل قد بدأت في قصف مطاراتنا العسكرية والمدنية والأمر الذي جعل طائرة المشير وضيوفه العراقيين تبقي معلقة في الجو نحو الساعتين تبحث عن مطار آمن تهبط فيه – ولك أن تتخيل الحالة النفسية لقائد مفرط في الثقة بنفسه يفاجأ بعجز طائرته عن الهبوط في مطار من مطارته بسبب عدوان إسرائيل كاسح وشامل _ إن الذين شهدوا أحداث 5 يونيو في مبني القيادة العامة يذكرون أن المشير دخل غرفة القيادة أصفر الوجه زائغ البصر مشتت الفكر منهك النفس – وإذ بادره عبد الناصر بما حدث تقاذف الاثنان عبارات حادة اضطر على أثرها عبد الناصر – وهو دائما الأكثر ثباتا وتماسكا – إلى أن يقول للمشير : طيب شوف إللي ح تقدر تعمله اعمله وأنا موجود في البيت إذا احتجت لحاجة .."!!

الرحيل من السجن الحربي إلى سجن ليمان طره

واضح من التطورات التي تحدث أمامنا في السجن أنه لا مقام لنا هنا – فقد عاد السجن إلى أصله .. فهو في الأصل كان سجنا للعسكريين وليس للمدنيين الغرباء .. وهاهم العسكريون من مختلف الرتب يتزاحمون في سجن 3 وجاء يوم السبت 9 من ربيع الأول 13 الموافق 17 من يونيو 1967 – أن نودي على الإخوان في ساحة السجن الكبير وكانت هذه المرة الأولي التي يسمح لنا باللقاء والحديث معا ثم أخذوا منا ملابس السجن وسلمونا ملا بسنا المدنية التي كانت محجوزة في الأمانات ثم نقلونا ونودي علينا لاستلام الأمانات النقدية التي أودعناها عند دخولنا السجن عام 1965 وعند استلامنا النقود وجدناها ناقصة وكان الصول صفوت يطلب منا في رجاء أن نتنازل عن هذا العجز وكان الموقف لا يحتمل المناقشة – وبخصوص الساعات التي فقدت فقد عملت بها محاضر لعرضها على مدير السجن .. وكان موقفا رائعا وكريما حين قام الإخوة بتوزيع نصيب من نقودهم على إخوانهم الذين دخلوا السجن في ظروف لم تمكنهم من إحضار نقود معهم كي يسجلوها في أماناتهم عند دخولهم السجن ليمان طره وبعد الانتهاء من هذه الإجراءات أصبحنا متأهبين للرحيل .

صلاة العشاء في جماعة

وحين جاء وقت صلاة العشاء – وقف أحد الإخوة ورفع الأذان – وكان ذلك يحدث لأول مرة منذ دخلنا باستيل عبد الناصر – وأقيمت الصلاة وكان الإمام مصطفى الخضيري الذي كانت تلاوته في القرآن الكريم موحيه بكل مشاعر الموقف الجليل حتي قام واقفا من الركعة الأخيرة رفع يديه إلى السماء وأخذ يقنت بالدعاء على الظالمين الذين يسمعوننا بأذانهم في الدور العلوي من سجن 3 .

فقال في دعائه ونحن نؤمن من خلفه( آمين بأصوات كالرعد تتجاوب معها أطباق السماء ) اللهم انتقم ممن ظلمنا . اللهم شتت شملهم اللهم فرق جمعهم اللهم اجعل بأسهم بينهم شديدا , واستمر في الدعاء حتي شفي ما في صدورنا وأحسسنا كأنما قد تقرر الإفراج عنا ونحن مغادرون إلى منازلنا .

وفي تمام الساعة الثانية عشر مساء وقد نامت القاهرة – وصلت سيارات الشرطة بالحراسات المدججة بالسلاح – وصعدنا إليها .. ثم انطلقت صفارات سيارات النجدة في مقدمة الحملة التي نخمر شوارع القاهرة إلى ليمان طره وحولها وعلى جوانب الطريق قوات الأمن وأجهزة الاتصال ... حتي وصلنا إلى سجن ليمان طره الذي كان قد استعد لاستقبالنا في حالة من الطوارئ والاستعداد الشنيع .

الفصل السادس


داخل سجن ليمان طره

وصلنا سجن ليمان طره بعد منتصف الليل . كان جميع ضباط السجن في انتظارنا أنزلونا من السيارات وأدخلونا ساحة السجن – وزعونا حسب المدد الزمنية المحكوم بها علينا . أمرونا أن نخلع ملابسنا المدينة – وأعطونا ملابس السجن الزرقاء ولكنها ممزقة وفي غاية القذارة ( وهو أمر مقصود في ذاته ) وقاموا باستلام الأمانات من ملابس ونقود .. ثم ذهبوا وأدخلونا في عنبر أرضي اسمه ( عنبر الإيراد ) على شكل مستطيل مكون من ضلعين تفصل بينهما صالة عرضها 5 أمتار غير مغطاه ودورة مياه وكان عدد الزنازين حوالي 25 زنزانة – وزعونا على الزنازين فوجدناها عفنة ورائحتها كريهة ووجدناها لكل واحد بطانية قذرة حتي البرش متآكل من الرطوبة .

كان أهم ما يشغلنا هو النوم – الجميع ناموا واستيقظنا بصعوبة لصلاة الفجر – ثم تابعنا النوم – وفي الصباح جئ لنا بطعام الإفطار - كانت الأواني جديدة وكان الطعام بصارة – أرغفة الخبر لا بأس بها كميات الطعام كافية – كان الطعام في العشاء من الخضار والأرز وقطعة من اللحم الكندوز والجبن القريش والعسل الأسود أحيانا في الإطار والفول المدمس الذي لا يخلو من السوس في وجبة الإفطار .

أما نظام الحياة اليومية – فإن الإخوان يخرجون في الصباح على دفعات قليلة أى أن كل ستة زنازين يدخلون دورة المياه لمدة نصف ساعة ثم يدخلون الزنازين وتخرج مجموعة أخري وهكذا ويتكرر ذلك في المساء وها هو النظام اليومي وغير مسموح بالخروج بعد ذلك بأى حال من الأحوال- وكل زنزانة يعيش فيها ستة أفراد على الأقل فأحيانا يكون العدد ثمانية أفراد ويصعب عليهم النوم والراحة – ويوجد في كل زنزانة جردل مياه وجردل للبول والبراز وناهيك عن الروائح الكريهة وغير مسموح لأحد أن يكون معه – مخدة – أو منديل – أو أكثر من غيار واحد داخلي لهذا كثرت الحشرات مثل القمل والبق – ولا يستنكر الإخوان مثل هذه الحشرات فقد أصبحت عادة مألوفة منذ كنا في السجن الحربي – حتي أن عادات الإخوان أنفسهم قد تلاءمت مع الأوضاع الجديدة ( مكره أخاك لا بطل ) .

ترحيل الأحكام البسيطة إلى سجن القناطر

حين ازدحم بنا عنبر الإيراد في سجن ليمان طره حيث كان يسكن في كل زنزانة ثمانية من الإخوان ونكاد نختنق . رأت إدارة السجن بعد حوالي ستة شهور تحويل الإخوان المحكوم عليهم من خمس سنوات إلى عشر سنوات إلى سجن القناطر كما رحلت السيدة الحاجة زينب الغزالي والأخت حميدة قطب إلى سجن القناطر أما الإخوة المحكوم عليهم بثلاث سنوات فقد تم ترحيلهم ابتداء من الحربي إلى سجن القناطر .

زيارة مدير السجن لعنبر الإيراد

خرجنا من الزنازين ووقفنا صفين ثم جاء العميد عبد الله عمارة مدير السجن ومن خلفه مجموعة من الضباط ... جاء كي يتعرف على أسماء الإخوة الذين سبق أ سمعوا عنهم أثناء المحاكمات ولعله جاء ليتعرف على الإخوة مجدي عبد العزيز متولي وحلمي صادق حتحوت حيث كان والد كل منهم لواء سابقا في البوليس ... وحين بدأ يتعرف على كل منا باسمه – كان بعضنا يجيبه عن اسمه وعمله السابق وكان الأكثر منا من الشباب لا يجيبه بشئ بل يقابله بصمت ويلوي وجهه عنه – وقد كان لهذا الأسلوب من الإخوة أثره السيئ الذي قابله المدير بأن أمر ضباطه بأن يشددوا المعاملة وينقلوا بعض الشباب إلى عنبر التأديب مما تسبب في حالات من ضيق النفس والاستغاثة .

لقد كان أسلوب التعامل مع مدير السجن مبنيا على تصور عند الشباب باعتبارنا أن هؤلاء من الجندي إلى المدير – هم عملاء للطاغوت وكانت هذه النظرة مستحكمة على أثر ما رأيناه من تعذيب بشع في السجن الحربي وما أجمع عليه الضباط من معاملتنا معاملة لا تليق بالحيوان ( دخلت امرأة النار في قطة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) ساوي الإخوان في المعاملة بين كل من يعمل تحت سلطان جمال عبد الناصر وتولدت في نفوسهم الكراهية والبغض لكل من ينتمي إليهم وهي نظرة سببت كثيرا من المتاعب بل ربما أكدت لهؤلاء الضباط تلك التهم الباطلة التي ألصقوها بنا ظلما وعدوانا – بل ربما أن بعض هؤلاء كانوا متعاطفين معنا فلما عاملناهم بهذا الأسلوب انقلبوا علينا .

كيف نعمل على تغيير المعاملة إلى أحسن

يجب أن تقدم حسن الظن في التعامل ويكون سوء الظن احتياطي فإني أعتقد أن التعامل مع المسئولين كلهم على أساس أنهم عملاء للطاغوت . معناه أننا نضطرهم للانحياز إلى الطاغوت عمليا ولا سيما أنهم لهم سلطان التحكم فينا فكل ما يصيبنا من إيذاء ومرض وضعف كل هذا في مصلحة جمال عبد الناصر فإن تكتيكة المعروف هو إفناء أبناء الدعوة الإسلامية ورجالها .

والسجن الذي نعيش فيه سجن الإيراد قد بني من عهد محمد على باشا وعرض جدار الزنزانة لا يقل عن 60 سنتيمتر - والرطوبة واضحة على الجدار في شكل واضح وبعض الإخوة قد تأثروا بحيث أن عظامهم أصبحت تصرخ من الروماتزم ولكنهم مع هذا يصرون على ألا يتقدموا بأية شكوي إلى مسئول تأكيدا لنظرتهم الخاصة فإذا أضفنا أن الضابط المسئول عن العنبر هو النقيب " موسي عطا الله " وهو مسيحي فإن النظرة ستكون مركبة !!

وكان هذا الضابط يقوم كل يوم بالمرور حيث يفتح له الشاوش الزنزانة ويقول لهم الضابط " صباح الخير " فيرد عليه بعضهم إحراجا وهم نائمون لا يتحركون ! وكان في هذه الزنزانة أحد الإخوة قد أصيب بالروماتزم الشديد .. فهبت إليهم وقلت للأخ المريض – لماذا لا تقدم شكوي لضابط العنبر حتي يأذن لك " بمرتبة" تنام عليها تحميك من هذا البلاء ! قال وكيف أفعل ذلك وأنت تعرف رأينا ؟ قلت له وكيف تصبر على هذا المرض حتي تموت وتريح منك أعداء الدعوة ! إنك بهذا تقتل نفسك وتخسر الدعوة رجلا من رجالها وقلت له : أنا أطلب منك طلبا واحدا – أنه حين يأتي الضابط كعادته كل يوم ويلقي عليك تحية الصباح – أرجو أن ترد عليه بابتسامة وتحاول أن تقف مجرد محاولة – وأنا أؤكد لك أنه سوف يقول لك – لا تقف أستريح – وسيقول لك هل أنت مريض – في هذه الحالة تحدثه بما تشكو منه – وأنا على يقين أنه سوف يساعدك .

وفعلا حدث ما اتفقنا عليه – وعند دخول الضابط رد عليه التحية بشئ من الاحترام ولما أردا أن يقوم أقسم عليه أن يظل راقدا ثم سأله , وفي الحال نادي على الأمباشي " ديهوم " ومره أن يسرع ويأتي بمرتبة للأخ فلان .. وفعلا تم ذلك ونام الأخ مستريحا .. وكسبنا حقوقنا .. وهو في الواقع حق من حقوقنا المشروعة !!

قصة مع الطبيب

قصدت إدارة المخابرات بالتضامن مع مباحث أمن الدولة – أن يكون الضباط والأطباء وبعض الجنود من غير المسلمين ذلك حتي يطمئنوا أنه لن يتم التعاون بينهم على الإطلاق وظلت هذه السياسة مطبقة في عنبر الإيراد .

ومن المعتاد أن الأخ إذا أراد أن يبلغ عيادة فإن مندوب العيادة يذهب به إلى المستشفي للكشف عليه – ولكن خوفا من أن يتصل بأحد – فإن أحد الأطباء ينتقل إلينا كل يوم لإجراء الكشف الطبي وكان هذا الضابط مسيحيا وكان يتعامل بغير أسلوب الطب فكان مثلا يقوم بالكشف على الأخ في مكان حساس دون مراعاة للذوق والإنسانية وكان الكثير لا يتوجه إليه للأسباب سالفة الذكر .

ولكني كذلك وجدت أن إحجام الإخوة عن العلاج ليس من صالحنا ولكنه من مصلحة غيرنا وذات يوم كتبت أورنيك عيادة – وتوجهت إلى الطبيب وكان قد اتخذ له مساعدا من الإخوان الأطباء وكان هو الأخ الدكتور محمد بديع سامي وهو طبيب بيطري – فلما وقفت أمام طبيب السجن – أعطيت الأورنيك للطبيب البيطري – فقال له هو من الدكتور ؟ فقلت يا سيد أنا أجاي أكشف عند الطبيب البيطري وليس الطبيب البشري ! فأسرع الأخ محمد بديع وقال له : أصل المريض " السيسي" تبعي أنا لأن السيسي من فصيلة الحيوان !! فضحك الدكتور البشري بصوت عال – ثم قلت له حضرتك عارف إن الموجودين في السجن كلهم ثقافات عالية – وسيادتك خريج كلية الطب وهي من أرقي الكليات في التعامل الإنساني .. ولكن سيادتك بتعاملنا معاملة لا تليق برجال الطب . فمثلا أحيانا يأتيك أحد المرضي في مكان حساس فتكشف عليه بدون ستارة – ولأجل هذا فإن الكثير يفضل أن يعيش بمرضه ولا يتعرض لهذه الصورة المؤذية .. وما كدت أنهي حديثي معه حتي نادي على الأمباشي " ديهوم " وأمره أن يذهب إلى المستشفي ويأتي ( ببرفان ) وبسرعة جاء بهذا الساتر – وحدثني أحد الإخوان أنه اضطر للذهاب إلى المستشفي لعمل حقنة شرجية – فدخل عليه هذا الطبيب وهو نائم على البلاط في العيادة وتجري له الحقنة الشرجية فصرخ الطبيب في وجه التمرجي وقال له ( دول أولاد ناس يا .. !

الحراسة في عنبر الإيراد

كانت الحراسة المفروضة على عنبر الإيراد ليلا في غاية الشذوذ والغرابة- وضعت حراسة مسلحة فوق العنبر وهو من دون واحد وفي سقف كل زنزانة فتحة تهوية – والحارس يصرخ على الدوام ( واحد تمام ) اثنين تمام) وهكذا كما توضع حراسة مسلحة داخل العنبر – مع أن لوائح السجن لا تسمح بوجود سلاح داخل عنابر السجون – كما أنه غير مسموح بدخول اى إنسان سوي مدير السجن وقائد العنبر والطبيب المباشر – وأحيانا يأتي السيد ( وكيل النائب العام ) ويسأل الإخوان عن الأشياء التي تضايقهم ويكرر هذا الكلام ولكن الإخوان ينظرون إليه ولا يسألونه شيئا .. ولا زال هذا هو أسلوب التعامل مع أعوان الظالم !!

حملة تفتيشية في الزنازين

التفتيش على الزنازين من الأوامر المستديمة في جميع السجون – فإن المسجون في حاجة إلى بعض الممنوعات مثل المخدرات عند المسجون العادي ومثل الورق والأقلام والخطابات عند المسجون السياسي .. وتقوم حملة من ضابط ومعه مجموعة صف الضباط والجنود بالتفتيش فجأة عساها تحصل على شيء من المنوعات – وكان من أهم الممنوعات عند الإخوان هو أجزاء القرآن الكريم – وإذا ضبط عند أحدنا صفحات من كتاب الله فإن هذا الأخ يحبس في زنزانة انفراديا لمدة أسبوع . كذا إذا ضبط عنده أى رسالة واردة أو مرسلة ..

ماذا كان يحدث داخل الزنازين

كنا في السجن الحربي في شغل شاغل بالطوابير الشاقة والمحاضرات الموجهة لم يكن لدينا من الوقت ما يسمح لنا بالمناقشات وكانت الإخوة وروح الحب والمودة تكسونا جميعا- حتي إذا وصلنا إلى سجن ليمان طره لم تعد هناك طوابير على الإطلاق ولم يسمح لنا بالخروج من الزنزانة لأكثر من نصف ساعة صباحا ونصف ساعة مساء . وكانت فرصة عظيمة لراحة الأبدان وتلاوة وحفظ آيات من كتاب الله تعالي وزيادة في التعارف ثم تطور الأمر بعد إلى مناقشات في الخطأ والصواب وأهدافها ووسائل العمل على تحقيق الأهداف وقد تبين من خلال المناقشات أن الكثير من الشباب لم يتعرفوا على دعوة الإخوان إلا على لسان بعض الدعاة من الإخوان – فإنهم لم يطلعوا على رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ولم يتفهموها بعمق ولم يعايشوا حركة الدعوة إلا سماعا أو يسمعونه من شخص منتسب للجماعة – وأكثر ما قرؤوه كان كتاب معالم في الطريق وبعضا من كتاب في ظلال القرآن الكريك للأستاذ سيد قطب أو كتاب ( جاهلية القرن العشرين ) للأستاذ محمد قطب وبعض الكتب للأستاذ أبي الأعلى المودودي .

وكانت النتيجة أن بدأت تظهر بعض المناقشات والخلافات في الفهم بين بعض أبناء الجيل الجديد والجيل القديم ولكنها غير معلنة وإن بدت بعض النفوس تتغير –ولم أكثر نايدرك أن بعض أن بعض هؤلاء الإخوة جاهلي – وقد اختلف في تحديد معني الجاهلية !!! أهي مثل الجاهلية قبل الإسلام ؟ أم هي جاهلية بمعني هي جاهلية قبل الإسلام !!

وبدأ السلوك يتغير بحيث ينطبق مع تفكيرهم وتبلورت العلاقات حتي تفصح عن مضمون ما يتقدون فإن التصرفات التي كانت تحديث تبعا لهذا الفكر كثيرة – ولكن الحمد لله اعتصم الإخوان

موقف مع جماعة حسين توفيق

تجدر الإشارة إلى أن مجموعة " حسين توفيق " الذين حكم عليهم بالسجن – رحلوا معنا في عنبر الإيراد مضافا إليهم " علي عشماوي " حيث رفض الإخوان وجوده معهم كما رفض هو كذلك أن يعيش مع الإخوان وجاء شهر رمضان المبارك – وجاء مدير السجن للمرور كالمعتاد – فتجمهر حوله حسين توفيق ومن معه – وطلبوا من المدير أن ينقلهم إلى عنبر آخر بعيدا عن الإخوان فسألهم المدير عن السبب لهذا الطلب قالوا : لأن الإخوان بيكرفوهم ؟!

فنظر مدير السجن إلى بعضهم وفي يده السيجار يدخن في نهار شهر رمضان فقال لهم المدير إن تصرفكم بالتدخين أمامهم في نهار شهر رمضان أمر يثير الاشمئزاز وتركهم وانصرف .

السماح بفتح باب الزيارات وكتابة الخطابات

حين وصلنا من السجن الحربي إلى سجن ليمان طره – أرسل السجن خطابات إلى أسرة كل واحد منا – يطلب الحضور إلى السجن لاستلام أمانات عائلهم أو ابنهم – وفي الموعد حضر الأهالي ظانين أنهم سوف يشاهدون والدهم أو أخاهم المسجون – ولكن إدارة السجن أنكرت وجودنا وقامت بتسليمهم ( الحقائب وفيها كل متعلقات الأخ ) ووقعوا بالاستلام وعادوا إلى بلادهم مستيقنين أن عائلهم قد مات !!

وفجأة طلبت منا إدارة السجن أن نقوم بكتابة خطابات لأهلنا – على أن يكون من صفحة واحدة ونكتبه بالقلم الرصاص وحين وصل الخطاب إلى أسرتي لم يصدقوا أنني حي أرزق وكانت فرحة عظيمة .. ثم أرسلنا رسالة أخري بتحديد يوم 21 ذي الحجة 1387 – 20 من مارس 1968 – للزيارة – وفي هذا اليوم جاء الأهالي فرحين يحملون الكثير من أنواع الأطعمة – أما إدارة السجن فقد رفضت أن تعطينا ملابس نظيفة نخرج بها لمقابلة أهلنا – وتعمدت أن يرانا أهلنا على هذا الصورة المؤذية نكاية بنا ولكي تبقي هذه الصورة لاصقة بذاكرة أهلنا وأبنائنا ولكن ما الحيلة ونحن على مأدبة اللئام – خرجنا لاستقبال الأهل في صالة الزيارات وأشكالنا مختلفة حتي أننا لم نتعرف على أهلنا إلا بصعوبة – ثلاث سنوات غيرت من الأشكال والأحجام وخاصة مع الأطفال كان الأطفال في دهشة واستغراب – وجلسنا في حالة من العصبية فالرقابة تحيط بنا والمناظر فيها رهبة – الأسئلة كثيرة والإجابة تحتاج إلى وقت طويل – كل له حكاية وحكايتي أنا اكبر . وانتهت الزيارة وخرج الزوار وعدنا إلى الحجرات نجتر الذكريات كل منا يجلس صامتا يراجع من ما سمعه وما رأه ويعيد الشريط مرة ومرات إنه شريط طويل من متاعب وآلام وأحداث مع رجال المباحث ومتاعب من الأهل وسخرية من المجتمع ومرض الأولاد - وأزمات في العمل – ثم تداخل الإخوان فيما بينهم يسأل كل واحد أخاه عن أحوال أسرته وظروفهم فكانت متشابهة في كثير من الأحوال في المتاعب والأهوال .

أمر بفتح الكانتين

منذ اعتقالنا في أغسطس 1965 لم يسمح لنا بأى طعام سوي الطعام القانوني الذي تفرضه قوانين السجون .. وبعد ثلاث سنوات تقريبا سمح لنا بالتعامل مع الكانتين فنشتري الجبنة والصابون والحلاوة الطحينية والبسكويت ومنظفات الأسنان والعيش الفينو وغير ذلك مثل ( السجاير ) التى لا نستعملها ولكنها في السجن ( بدل النقود ) نقضي بها بعض مصالحنا – ولكل واحد أن يفتح له حسابا بخمسة جنيهات في الشهر – وبدأ الأهالي يرسلون لنا حوالات مالية – وبدأ الإخوان ينظمون عملية التكافل لمن لا تصله أية مبالغ مالية ولكن عملية التكافل لا تتم بين الأفراد ولكن الجماعة هي التي تجمع الأموال وتقوم هي بالتوزيع على كل بمعرفتها حتي لا يكون لأى أخ فضل شخصي على أى أخ وإنما يكون الفضل دائما للدعوة – وعلى هذا الأساس كانت تصدر توجيهات للإخوان بعدم الإسراف في المطالب الشخصية حتي لا يحدث تفاوت في ميزان الإخوة وكان تقديم الهدايا نوعا من توطيد معان الحب – وحين فتحت الزيارات الخاصة التي لا يسمح بها إلا كل 6 أشهر مرة وإحدى وهي الزيارة التي يسمح فيها بالجلوس مع الزائرين في حجرة يشرف عليها أحد الضباط – ويأذن كتابي من الإدارة العامة لمصلحة السجون – وفي هذه الزيارات يستحضر الأهالى معهم كميات من الأطعمة المختلفة التي تكفي لعدد الموجود معه في الزنزانة أو أكثر ويظهر في هذه الزيارات روح الإخوة الفذة من الحب والإيثار يهز مشاعر كل الموجودين من الإخوان وغير الإخوان – ولعل هذا السلوك هو أروع ما سجلته دعوة الإخوان من انتصارات على أمراض النفس البشرية ( وإنه لحب الخير لشديد ) ولكنه في رحاب الدعوة يصبح حبه لأخيه أشد من حبه الخير لنفسه .

كما أن هناك نوعا من الزيارات كل شهر وبدون من إدارة السجون ويتم من وراء حاجز من السلك على بعد متر من الزائر – وهذه الزيارة غير مرغوب فيها إلا عند الضرورة إذ أنها تترك آثارا نفسية عند الزوار وخاصة الأطفال منهم وتعود أهمية الزيارات إلى أنها تنقل إلينا الأخبار والأحداث والتطورات السياسية التي تدور في المحيط الداخلي والمحيط الدولي – كذا ما يتناقله المجتمع المصري عن حركة الإخوان - فنحن نعيش في السجن ولم يسمح لنا لآن بالاطلاع على الصحف إطلاقا .. إلا ما يتعمد الأهالي بإرساله من خلال ما يحفظونه به الطعام الذي يأتينا في الزيارات – وأحيانا يمنع الضباط ذلك .

متاعب الزيارات

قبل أن تفتح لنا أبواب الزيارات كنا نعيش في عالم مقطوع الصلة بالعالم الخارجي ولم يكن يشغلنا سوي هذا الجحيم المتصل الذي لا يدع فرصة للتفكير خارج هذه الحدود وكان الواحد منا لا يتصور أن أهله يعيشون أسوأ مما نعيش نحن فيه فإنهم على الأقل يتمتعون بالحرية وتعاطف الناس معهم فضلا من احتضان أهلهم وحسن رعايتهم لهم .

ولكن حين بدأت الزيارات التي استقبلناها بشغف وأشواق .. بدأت تري الأخ حين يعود من الزيارة تراه في صورة من لكآبة والحزن وحين تجلس إليه لتعرف السبب في ذلك – فإنك تسمع من كل قصة حزينة وأخري دامية وأخري مفجعة – فهذا الأخ خلف من ورائه زوجة وأربعة أطفال لا مصدر لهم من رزق بعد والدهم فتقوم أمهم المجاهدة من الصباح الباكر إلى السوق تتاجر في الحبوب وتعو إليهم في المساء ويوم زيارة زوجها في السجن تأتي إليه ومعها من الطعام والفاكهة بما يطمئن فؤاده على أولاده وهذه أم أخري تضطر أن تبيع أثاث من المنزل حتي بلغ بها الجهد فباعت بعض ملابس زوجها – وتقول زوجة أخري أنها أنها اضطرت أن تودع أحد أبنائها في الملجأ – وتعزي أخري زوجها في وفاة ابنهما لما غاب عن والده أكثر من زيارة وعاش والده في قلق .. فصارحته أنه قد غرق في الترعة – فتنقلب الزيارة إلى بكاء ونحيب .

وتقول زوجة أخري أنه لما طال الغياب وانقطع المدد اضطرت أن تذهب هي وأولادها إلى منزل أهل زوجها وكانت تعيش عندهم كخادمة – وكم خرج أخ إلى الزيارة وكان يتوقع أن يكون الزائر هو شقيقه – فتكون المفاجأة أن شقيقه هذا قد انتقل إلى رحمة الله من عام أو يزيد – وقد يسأل الأخ عن تجارته فيفاجأ أن شريكه قد خان الأمانة وظن أن شريكه المسجون لن يعود أبدا .

وكم من أحداث مفزعة قد وقعت لبعض الإخوة . علموا بها أثناء الزيارة ولكنهم لم يبحوا بها حرصا على مشاعر إخوانهم – وكم من معادن عظيمة في شعب مصر قامت بأدوار رائعة وعظيمة في وقت الشدة – مواقف مشرفة – فمن أصحاب الفضل من كان يمتنع عن استلام إيجار السكن لحين خروج الوالد من السجن ومن الناس من كان يرسل في جوف الليل الأرز والغلال الذي يكفي احتياجات الأسرة ومنهم من كان يرسل زكاة ماله ومن الناس من كان يتكفل بالدواء لعلاج المريض من الأبناء . ومن المدرسين من كان يتطوع لإعطاء دروس مجانية لتقوية البناء ومن الأطباء من كان يمتنع عن أخذ قيمة العلاج ومن الناس من كان يرسل أنباء الأخ المسجون لزيارة والدهم في السجن على نفقته لخاصة ومنهم من كان يبعث بزوجته إلى منزل وأسرة الأخ المسجون لتسري عنهم وتقوم ببعض الواجبات نحوهم .

وهناك الكثير من مآثر عظيمة تنبعث من قلوب المؤمنين – وقد ذكرت بعضها في كتاب ( حكايات عن الإخوان )

الاحتفال بعيد الفطر بالسجن

بعد أن وفقنا الله تعالي بصيام وقيام شهر رمضان المبارك – جاء العيد – وسمح لنا بصلاة العيد في جماعة – وفرشنا صالة العنبر بالبطاطين وصلي بنا وخطبنا أحد الإخوة وبعد الصلاة تعانق الإخوان بصورة تتخللها الدموع والأشواق الهائلة التي أذهلت رجال الإدارة وبعد الصلاة قدمت إدارة السجن وجبة لا بأس بها من اللحوم والأرز والشوربة على غير عادتها ثم جاء مدير السجون مع مدير سجن ليمان طره وبعض الضباط مهنئين إيانا بعيد الفطر المبارك وبعد ذلك دخلنا الزنازين وسار البرنامج اليومي كما هو وقد سبق يوم عبد الفطر أن أعدوا لنا الحمام حيث وضعوا فيه حواجز تفصل بين الإخوان عند الاستحمام وهذا على غير العادة في السجون حيث يستحم الجميع معا عرايا تماما – وبالطبع كانت المياه ساخنة لأن الوقت كان شتاء وكنا نقوم بغسيل الملابس الخاصة في وقت الاستحمام .

زوجات يطلبن الطلاق .

بعض الإخوة الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد .. لم يكن قد مضي على زواجهم أكثر من شهور أو عدة أسابيع .. لهذا لم تكن العلاقات الأسرية قد توطدت بين الزوجين فلما صدرت الأحكام بهذه المدد الطويلة فقد أحدثت صدمة قاسية وقلبت الشعور بالفرح والسعادة إلى تصورات مستقبلية مظلمة وكيف تستطيع زوجة في ريعان الصبا أن تضحي بمستقبل طويل تكون فيه قد فقدت ربيه حياتها وأعظم خصائصها فإذا هي مؤمنة صابرة – فكيف تقبل أسرتها وخاصة أمها هذا الوضع الذي تراه مظلما لمدة قدرها ربع قرن !! وفي مثل هذه الظروف لا يتذوقون قول الله تعالي ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) ( فعسي الله أن يأت بالفرج أو أمر من عنده ) .

ولا تنسي العوامل الخارجية التي توسوس بها مباحث أمن الدولة إلى أسر الإخوة أثناء مجيئهم للزيارة وانتظارهم خارج السجن للإذن لهم بالدخول – إن عملاء المباحث العامة يزيدون النار اشتعالا حين يقولون للزوجة وأهلها ( هو فيه واحد عاقل يرضي تبقي بنته على ذمة واحد إرهابي محكوم عليه بالسجن 25 سنة) وهكذا كانت تدبر هذه المكائد الخسيسة ليطلقوا الزوجة من زوجها – كما أن القانون يعطي للزوجة في مثل هذه الحالة الحق في طلب الطلاق ومن المواقف الصعبة التي واجهت بعض الإخوة – أن يستدعي الأخ إلى مكتب مدير السجن . فيفاجأ عند دخوله بوجود زوجته وأهلها ووجود المأذون الشرعي ... وتطلب الزوجة الطلاق من زوجها ؟ ويجد الزوج نفسه في موقف أليم حزين – فيوافق على الطلاق – ويعود الأخ إلينا ونجلس معه نواسيه – لعل الله تعالي يبدله خيرا منها ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )

محنة تأييد جمال عبد الناصر

كما سبق أن ذكرت أن عملاء المباحث يشيعون بين الأهالي أثناء حضورهم للزيارات أكاذيب كثيرة الغرض منها عمل بلبلة في صفوف الإخوان داخل السجن – فيقولون للأهالي .. إن الحكومة تسعي للإفراج عن الإخوان المسجونين ولكن هؤلاء الإخوان " مخهم مقفول " إنهم متعصبون ضد الدولة الحكومة تطلب من كل أخ أن يكتب رسالة خطية يعرب فيها عن تأييده للرئيس جمال عبد الناصر !! وبعد ذلك يصدر قرار بالإفراج عنه ويعود إلى أولاده .

يصدق الأهالي هذه الأكاذيب ويدخلون الزيارة وعندهم أمل أن يستجيب لكتابه هذا التأييد ويقدمون بين يدي هذا الرجاء المتاعب والمشاكل والآلام والأمراض والفقر الذي يعيشون فيه يقولون له – اكتب هذا التأييد واخرج لأولادك – وبعدين نعمل دعوة للناس أحسن ما أنت قاعد في السجن بلا فائدة وخللي اللي في القلب في القلب وربنا رب قلوب .

حاول بعض الأهالي بكل وسائل الإغراء أن يحصلوا على موافقة من كثير من الإخوان دون جدوي واستطاع الإخوان أن يوضحوا للأهالي أهداف المباحث من كتابة خطاب التأييد وأنه لم يحدث على الإطلاق أن كتب أحد مثل هذا الخطاب وأفرج عنه – بل إنهم يستملونه بعد ذلك عميلا لهم يأتيهم بأخبار الإخوان ويوقع الفتنة بينهم – ولما صارت الزيارات التي تتم بعد ذلك تنقلب إلى مناقشات حول هذا الموضوع – كان الإخوان يختصرون الحديث حول هذا الموضوع ويوهمونهم أنهم سوف يفكرون في ذلك – وهذا حتي لا تنقلب الزيارة إلى معركة – وعلى كل حال كما يقولون ( إن العيار الذي لا يصيب فإنه يدوش ) فلم تمض عدة شهور حتي بدأ بعض الذين تأثروا بهذه الأكاذيب ينحازون نحو كتابة خطابات تأييد لجمال عبد الناصر حين يستجيبون لمطالب المباحث في كتابة التقارير عن نشاط كل أخ مع إخوانه في السجن .. وبدأت مع هذه المجموعة التي لم تزد عن ثلاثة تصرفات وكلمات مخالفة للآداب الإخوانية ...

ثم تطورت إلى اعتزال لمشاعرنا وعدم الاشتراك في نشاطنا .. وسرعان ما حدد الإخوان موقفهم منهم فلم يعطوهم من نفوسهم إلا ما تسمح به أخلاقنا الإسلامية .

وحدث أن اقترب أحدهم من أحد الإخوة الذي ظن أنه سهل الاستجابة وسأله لماذا لا تكتب خطابا لتأييد جمال عبد الناصر ؟

فقال له الأخ الكريم لقد حكم على بالسجن المؤبد لأنني أدعو إلى تطبيق شريعة الله فإذا أنا كتبت تأييدا لجمال عبد الناصر الذي يعارض تطبيق الشريعة ويحارب بضراوة الذين يعملون في سبيل الله – وأخرج ما يسمي بالميثاق الذي يدرس في المدارس والجامعات ويستشهد بنصوصه في المحافل والمؤتمر والدارسات بل ويمتحن الطالب في حفظه كما تحفظ آيات القرآن الكريم .. إذا أنا كتبت بعد كل هذه تأييدا لجمال عبد الناصر فكأني قد تخليت عن تأييدي لجماعة الإخوان التي تجاهد في سبيل تحكيم كتاب الله .

فأى الفريقين أهدي سبيلا وأحق بالتأييد والإتباع ؟!

زيارة سلكية من رشيد

وذات يوم دعيت للزيارة وكانت من خلف الأسلاك فوجدت في انتظاري الحاج عبد الحميد أبو سعده ومعه ابني معاذ ولم يتجاوز عمره عشر سنوات وبعد التحية والسلام وإبداء العواطف والأسئلة المعتادة. بدأت مرحلة الكلام عن كتابة تأييد لجمال عبد الناصر مع بعض الحواشي المتكررة عن ظروف الأولاد والأسرة وأنهم ف حاجه شديدة لوجودك معهم .وفى الواقع ان كلامهم صحيح فكل أسره فى حاجه الى عائلها.ولكن هذا الموقف الذى نعيش فيه إنما هو دفاع عن الدعوة.ووجهت كلامى الى الحاج عبد الحميد أبو سعده رحمه الله وقلت له ألا تريدون أن يكون واحد من أبناء رشيد يمثلهم فى الدفاع عن الدعوة الإسلامية فى هذه المحنة . قال : إن أكثر أهالي رشيد ليسوا معنا بل إنهم يخافون أن من الحديث معنا . قلت لهم : دعونا من أهالي رشيد. ألا ترضون أن يكون من عائلة السيسي فرد واحد يمثلهم في الدفاع عن الدعوة الإسلامية ! فقالوا يا أخي وما يدريك ما يحدث من بعض عائلة السيسي الذين تنكروا لنا ! قلت: ألا ترضون أن أكون أنا وأسرتي الصغيرة أوفياء لدعوتهم الإسلامية .. قال : أنت عارف حال الأسرة وظروفها . قلت ( كل نفس بما كسبت رهينة ) ( إن مع العسر يسرا ) فعادوا من الزيارة وهم يائسون من الاستجابة لتأييد جمال عبد الناصر ولا أنسي الأخ عبد الفتاح هلش الشهير بتوحه الذي كان يزروني في السجن ويبدي مشاعر طيبة وتأييدا للدعوة – رحمه الله رحمة واسعة .

صدمة جديدة

كان لشقيق زوجتي المعلم جمعة أحمد السيسي شأن كبير في الوقوف معي ومساندتي في كل المحن التي مرت بي منذ أول اعتقال 1948 ثم 1954 ثم 1965 – كان يقوم برعاية أسرتي ويؤدي كل الواجبات والخدمات والسفريات والزيارات حتي أنه تولي تصريف شئوني التجارية – كل هذا كان يؤديه بلا ملل ولا ضجر ولا منة – فضلا عن مشاغله في تجارته وعمله الخاص الذي كان يأخذ منه وقتا وجهدا كبيرا .

كان في زيارتي في السجن وتحدث معي ببشاشة ومحبة ... وبعد أسبوع من هذا اللقاء اختاره الله تعالي فمات فجأة بالسكتة القلبية ... وكانت صدمة شديدة قاسية وقعت على أهلنا وفقد أبناؤه أعز من يحنو عليهم في هذه الدنيا كما فقدت زوجتي وأولادها هذا القلب الكبير – ولم تمض شهور حتي لحق به شقيقة الأكبر الصالح الحاج محمد أحمد السيسي رحمهما الله وأجزل لهما المثوبة .

مع المستشار الدكتور علي جريشة

حين بدأت الزيارات وكان في الاستطاعة أن يعرف المجتمع أخبارنا وكنا كذلك نعرف الكثير ما يدور حولنا – وكان لوجود الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى أمين في السجن أهمية كبيرة في أن يكتب من وراء حجاب باسم مستعار في كثير من الصحف والمجلات العربية والأجنبية كما كان يستعين في زياراته الخاصة أو زيارات من يثق بهم من المساجين العاديين الذين كانوا يقومون بخدمته في توصيل رسائل أو معلومات لشخصيات كبيرة من أصدقائه .. وكان الأمل في الإفراج يواجه من كبار القوم بقولهم إن أى مسئول أو قريب من شخص جمال عبد الناصر – لا تواتيه الشجاعة أن يفاتح جمال عبد الناصر في أى طلب للإفراج عن أحد ولو كان " ابنه" بل الذي يتجرأ في الحديث معه في هذا الشأن يكون مصيره الطرد !!

وسمحت ظروف الزيارات للمستشار علي جريشة أن يطلب من أرته أن يرفعوا قضية على وزارة العدل – حيث الوزارة أرغمته على الاستقالة دون مبرر قانوني - وإنما كان ذلك بتوجيه من المباحث العامة – وبالفعل تم الاتصال بأحد المحامين المشهورين الذي كتب مذكرة ورفع قضية بتوكيل من زوجته .

وسرعان ما وصل الأمر إلى إدارة المباحث العامة التي أسرعت بعمل اللازم الذي ترتب عليه نقل المستشار جريشة من سجن ليمان طره – إلى سجن قنا العمومي – وذلك كي يصعب على أهله ومحاميه الاتصال به ويصعب عليه متابعة القضية – وفي سجن قنا استقبله الإخوان القدامي المسجونون من عام 1954 وكانوا في حاجة ملحة ليعرفوا الكثير عن تنظيم الإخوان 1965 وكل ما دار من أحداث وتحقيقات ومحاكمات الإخوان مما لم تكتبه الصحف من حقائق .

تصرفات للإخوة الشباب .

كان لزاما وأنا أكتب هذه الصفحات أن أسجل هنا بعض المشاهد التي عشتها – أقصد من ذلك التنبيه على الأخطاء رغبة في تجنبها فيمثل هذه المواقف التي تكاد نعيش فيها على فترات – ولكي تكون من وسائل التربية اللازمة مادمنا نتعرض لها رغم أنها بعيد عن توجهاتنا – فإن وجهتنا هي الدعوة إلى الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة.

إنه حين رسخ في أذهان بعض الشباب أن كل من يساعد جمال عبد الناصر في حربه للدعوة الإسلامية – فهو في نظرهم مؤيد للطاغوت – وقد ترتب على هذا التصور مشاكل ومتاعب لا حصر لها فالمعروف أن سلطة العسكري السجان داخل عنبر السجن قوية ومهابة – فهو الذي يتحكم في فتح الزنازين وغلقها - والتفتيش في أى وقت داخل الزنزانة على الأشياء الممنوعة وإعطاء فرصة من الوقت أطول أو أقصر في دورة المياه – وأشياء كثيرة – هذه بعض سلطة السجان فما بالك بسلطة الضابط ثم سلطة مدير السجن .

فكيف تصورك حين يدخل على الإخوان في الزنزانة – العميد مدير السجن .

فكيف تصورك حين يدخل على الإخوان في الزنزانة – العميد مدير السجن ومعه عقيد أركان حرب السجن ومعه قائد العنبر – تدخل تلك الرتب العسكرية الكبيرة على الإخوان في الزنزانة فلا يتحرك منهم بالوقوف لتحيتهم من باب التحية والاحترام – بل من باب الدعوة والذوق وجذب قلوبهم وتصحيح نظرتهم التي أشاعتها وسائل الإعلام عن .. وفضلا عن أن جميع هؤلاء هم من خريجي الجامعات أو طلاب بها .. يتكلم معهم السيد العميد فلا ينظرون إليه وكأنه غير موجود معهم حتي أن باقي الضباط يخرجون يضربون كفا بكف اندهاشا وذهولا من هذا التصرف العجيب !!

ويكون لهذا التصرف رد فعل في نفوس الضباط أقله – أنهم يقفون أماما أى مصلحة أو خير يمكن أن نستفيد منه – ثم يكفي أن يحضروا إلينا ليستفسروا عن احتياجاتنا – أليس من واجبنا أن نبذر في قلوبهم بعض الحقائق عن آداب دعوتنا وذلك بحسن استقبالهم واحترامهم .. وكيف يكون ذلك الاستقبال السئ من أخلاقنا وقد تعلمنا غير ذلك ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .

كان طبيب السجن قد أعطي أحد الإخوة تصريحا بطابور شمس – أى يخرج من الزنزانة ويجلس في الشمس لمدة نصف ساعة ثم يعود للزنزانة – وبقي الأخ جالسا في الشمس – في الوقت الذي كان مرور قائد العنبر اليوزباشي موسي عطا الله – ولما اقترب من الأخ ظل جالسا ولم يتحرك واقفا احتراما للضابط : فسأله الضابط من الذي أخرجك من الزنزانة في هذا الوقت قال أنا معي تصريح من الطبيب بذلك . فأغلظ عليه الضابط القول وأمر الحارس أن يلغي التصريح وأدخله الزنزانة ... وفي هذه الحالة – وقف الأخ مرغما – وعاد إلى الزنزانة – بينما لو أنه أبدي شيئا من الاحترام. لما سأله الضابط ولما أحرجه – وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم من قال ( لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه , قالوا يا رسول الله وكيف يذل المؤمن نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يطيق )!!

هذا السلوك حدث في سجن ليمان طره – بينما كنا في السجن الحربي – حينما يدخل علينا الجندي السجان تقف ونعمل له تعظيم سلام . بالطبع أننا كنا مكرهين على ذلك – أما في حالة سجن ليمان طره فإننا إن وقفنا للضباط وغير الضباط فإننا نفعل ذلك من مكارم الأخلاق .. أو بمعني آخر نفعله دعوة) فإن معاملتنا الحسنة سوف تكون رسولا إلى قلوبهم ويفكرون في قضيتنا ويدركون بعد ذلك مدي الظلم الذي يقع علينا – أما هذا الأسلوب الشاذ الذي نواجههم به فإنه أسلوب منفر ويرسخ في أذهانهم أن هذا الأسلوب أمر طبيعي في تكويننا وأخلاقنا وأن الاتهامات التي يتهمنا بها عبد الناصر وجماعته اتهامات صحيحة وبذلك نؤكد على أنفسنا اتهامات باطلة يترتب عليها سوء المعاملة وتحمل أنفسنا مالا تطيق.

إن في يقيننا أن بعض الضباط يعاملوننا معاملة جافة وأحيانا قاسية – كل ذلك خوفا من تقارير المباحث والمخابرات – وبعضهم يؤكد لك ذلك وهو ناقم على هذه الأوضاع ولقد رأينا وعايشنا بعض هؤلاء والإخوة الذين سبقونا إلى السجن عام 1954 استطاعوا أن يدخلوا قلوب بعض الضباط بحسن الأخلاق وبعضهم قدم للإخوان خدمات كريمة في مواقف إنسانية وأسماء هؤلاء الكرام محفورة بالاحترام والتقدير والعرفان في ذاكرة الإخوان وقلوبهم لا يمكن أن ننسي أو تمحي .

إن الذي جعل الحقيقة علقما ... لم يخل من أهل الحقيقة جيلا

إن مخاصمة نظام بعينه لا يعني مخاصمة كل المتعاونين معه – إن مخاصمة هؤلاء جملة – هو في نفس الوقت مساعدة هذا النظام على البقاء .. إن جميع الذين تورطوا أو عاونوا في جريمة ضرب جماعة " الإخوان المسلمين " ليس في مصلحتهم عودة هذه الجماعة حتي لا ينتقموا منه في المستقبل فهو لهذا يتشبث بالدفاع عن النظام الذي يحميه من الإخوان – وأما فقه الإخوان في هذا الموضوع فهو مبني على ما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم فتح مكة وكان فيها أشد الناس عداوة لرسول الله صلي الله عليه وسلم والإسلام ... فقال كلماته الخالدة وهو في قمة النصر ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ( اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ) .

موقف مع علي عشماوي

كان هناك وعد من العقيد شمس بدران لعلي عشماوي ( كشاهد ملك) بالإفراج عنه بعد صدور الأحكام ... وبقي علي عشماوي يعيش في هذا الحلم اللذيذ . وفجأة كانت حرب 5 يونيو 1967 وكانت الهزيمة المنكرة ( وجئ بالعقيد شمس بدران نفسه سجينا في سجن طره ) وجاء علي عشماوي معنا في السجن مع مجموعة ( حسين توفيق ) وذات يوم قابل بعض الإخوة وتحدث معهم في طلب عودته إلى صف الجماعة وتناسي الماضي الأسيف الذي أساء فيه إلى نفسه وإلى جماعته – وحاول أن يقنع الإخوة بندمه وتوبته على ما حدث منه – وقال إنه يريد أن يكفر عن الماضي .. بأن يكون عينا لنا عند المباحث العامة التي تثق فيه – ثم يعطينا كل المعلومات التي تخدمنا في هذه الظروف – لكن الإخوان تدبروا أمرهم جيدا وتذكروا الماضي ومآسيه وكيف أنه تسبب في محنة تاريخية لا تزال والأجيال القادمة تصطلي بنارها – وقالوا إننا لسنا في حاجة إلى معلوماته عن المباحث العامة التي لفظته بعد أن أدي لها ما لم تحلم به ظلما وعدوانا ونحن لا نستعين بالظالمين على الظالمين – وكيف نقبل عودة علي عشماوي نجانا الله منه – إن مجرد حديثه معنا خطأ يثير الشبهة بل يثير الفتنة .

مظاهرات تندد بأحكام سلاح الطيران

اندلعت في مدينة المنصور مظاهرات صاخبة تندد بالأحكام المظهرية التي صدرت ضد ضباط سلاح الطيران الذين اتهموا بالإهمال الجسيم في حرب الأيام الستة – وحملوهم مسئولية النكسة ليخرج الحاكم من فداحة المصيبة ويلقي بمسئولية الهزيمة على غيره – ويمتص بالمحاكمة غضب الشعب الثائر ضد الحكومة الشعب الذي صدم بأخطر صدمة في حياته – ثم ها هو ذا الحاكم يضحك على الأمة بما يسميه محاكم وهي في الحقيقة تمثيلية جديدة على مسرح المهازل .

لقد تجاوزت مظاهرات المنصورة حدودها حتي اندلعت إلى الجامعة الإسكندرية فقامت كلية الهندسة كما هو عهدها في كل الأزمات الوطنية – فتحدوا الحاكم الظالم جمال عبد الناصر حين أشعلوها ثورة ضد تمثيلية أحكام سلاح الطيران وحين جاءهم مدير الأمن العام – قاموا باعتقاله داخل الكلية – مما دفع رجال الشرطة إلى اقتحام الكلية بإطلاق النار فخرج الطلاب إلى شوارع المدينة في مظاهرات صاخبة يهتفون ضد نظام الحكم وكادت هذه الثورة تشتعل في جميع البلاد – لولا لطف الله تعالي فأنزل من السماء حتي الصباح بعد أن قتل بعض الطلاب والأهالي .

وأصدر جمال عبد الناصر بما يسمي بيان 30 مارس الذي أخذت الصحافة ووسائل الإعلام تهلل له دون أن يحقق نتيجة تذكر ... وإنما هو شئ كالعادة تمتص به غضب الشعب وفي هذه الظروف ضاعفت إدارة السجن من الحراسة ... وكانت الأمطار الغزيرة تسقط على جنود الحراسة المعينين فوق أسطح العنبر ولا شئ يسترهم ويحميهم من المطر ونحن المساجين رغم كل ذلك نائمون تحت البطاطين وعلينا حراسة مشددة – والجنود وهم في هذه الحالة البائسة يقولون بصوت عال كلاما يخرج من الملة !!

زيارة وكيل النائب العام للسجن

من لوائح السجون أن يقوم وكيل النائب العام على فترات بالمرور على السجون للتفتيش على تنفيذ اللوائح الخاصة بمعاملة المساجين من حيث إعطائهم حقوقهم المقررة وعدم حرمانهم من الزيارات ومراجعة شئونهم الصحية وعدم استعمال القسوة في معاملتهم من الزيارات ومراجعة شئونهم الصحية وعدم استعمال القسوة في معاملتهم وذكرت في الصفحات السابقة أن وكيل النائب العام حين كان يحضر إلينا ويسألنا عن طلباتنا كان الإخوة يتغاضون عن الرد عليه فكان ينصرف ويكتب في التقرير أنه لا مخالفة . بينما الأمور التي نعيشها كلها مخالفة وذات يوم من شهر نوفمبر 1968 – جاء وكيل النائب العام إلى العنبر وكنا داخل الزنزانات ولما أحسسنا بوجوده – قمت بنفسي أطرق على الباب أطلب مقابلة وكيل النائب العام وكان معه قائد العنبر وبعض من الضباط – وأخرجوني وقابلت وكيل النائب وقلت له : سيادتك جئت هنا أكثر من مرة تسألنا هل أحد منكم يشكو من شئ ؟! فالسؤال يكون عن أشياء غامضة على سيادتكم – ولكن سيادتكم تري بنفسك أن وجودنا في هذا العنبر القاتل استمر عاما ونصف العام – مع أن اللائحة تنص على أن تكون وجودنا فيه لا يزيد عن أسبوع فقط لحين توزيعنا على العنابر العامة ولهذا سمي هذا العنبر ( عنبر استقبال ) وشكوت له عن الرطوبة والرخام وعدم خروجنا من الزنازين إلا واحدة في كل نهار ونحن محرومون من الشمس والعناية الصحية – وقام وكيل النائب العام بالمرور على الإخوة في الزنازين وتأكد مما رأي وسمع من عامة الإخوان والضباط من حوله يسمعون ويكظمون .. وانتهت الزيارة وأغلقت علينا الزنازين .

قرار بنقل مجموعة من ليمان طره إلى سجن قنا العمومي

أعلن أن غدا هو أول أيام شهر رمضان المبارك عام 13 الموافق 21 نوفمبر 1968 واستبشر الإخوان بمطلع شهر الصوم وأعدوا لذلك طعام السحور .. وبعد السحور أدينا صلاة الفجر ونام الجميع – حتي استيقظنا على ضجة كبيرة في الخارج – فظننا أنها حملة تفتيشية كالمعتاد ولكننا سمعنا الضابط ينادي على بعض الأسماء ويطلب من كل من سمع اسمه أن يخرج ومعه كل حاجياته ..

وأخذنا نضرب أخماسا في أسداسا حتي تسربت إلينا إشاعات أننا سنذهب إلى سجن قنا – ووقفنا كل الإخوة :

مجدي عبد العزيزعبد المجيد الشاذليعباس السيسي – الشيخ محمد الخطيب – الشيخ فتحي رفاعيجابر رزقسيد نزيليمحمود عزت إبراهيم – إمام سميريحي بياضفاروق الصاويمرسي مصطفي مرسيمحمد عبد المجيدعبد الرحمن بارودأحمد حامدبدير زينهمحمد إبراهيم سالمعوض عبد العالعبد الكريم الطويلإمام غيثحسين قرقشمصطفي الخضيري – الشيخ نصر عبد الفتاح نصرأحمد عبد المجيد كشلول.

وتحركت بنا سيارة السجن تتقدمها سيارة بوليس النجدة مع الحراسة المشددة في طريقها إلى محطة سكة حديد القاهرة وصلت السيارات إلى المحطة ... وحين وصل القطار الذي سيقوم إلى محطة قنا لم يكن قد تم حجز عربة خاصة بنا في القطار – مما اضطر الضابط المسئول إلى توزيعنا في الدرجة الثانية بين الركاب الذين رحبوا بنا بحرارة شديدة وقد أمر الضابط الجنود بفك القيود الحديدية من أيدينا – وأصبحنا في حرية تامة مكفولة بأخلاقنا الإسلامية – ومع هذه الحرية لم يسمح الأخ لنفسه أن يتحرك بغير إذن محافظا على شرف الكلمة وكرامة الدعوة مما كان له وقع طيب جدا في نفوس الضباط والحرس مما أشادوا به .. وفي القطار سمح لنا بكتابة خطابات لأهلنا أخطرناهم بأمر نقلنا من سجن ليمان طره إلى سجن قنا العمومي – كما أنه بعض الأهالي تسلموا هذه الخطابات وسلموها بأنفسهم إلى الأهل والأقارب, لقد تناولنا طعام الإفطار في أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك في القطار . قدم لنا الأهالي الأطعمة والمشروبات بحب وسخاء وكانت مجاملاتهم لنا سخية أشعرتنا بعظمة أخلاق الشعب المصري الكريم وفي طريق القطار إلى قنا كان الركاب يودعوننا ثم نستقبل غيرهم بنفس الشعور الطيب الكريم .. حتي وصل القطار إلى محطة قنا في منتصف الليل وسط حراسة مشددة من قوات الأمن . وركبنا السيارات إلى سجن قنا ..

في سجن قنا العمومي

وصلنا سجن قنا والزنازين مغلقة على عموم المساجين منهم حوالي 306 من الإخوان القدامي الذين صدرت ضدهم أحكام عام 1954 .. وزعنا على الزنازين فوجدنا كل زنزانة مجهزة بالبطاطين النظيفة ولمبات الإنارة الكهربائية في الدور العلوي من السجن – ووجدنا طعام السحور جاهزا وطبقا كبيرا من الأرز باللبن- كان الإخوة القدامي قد أعدوا كل ذلك تكريما لإخوانهم القادمين من القاهرة ... لأول نظرة كان الفرق كبيرا جدا بين الحال في سجن ليمان طره وسجن قنا.

وفي الصباح كان اللقاء بيننا وبين الإخواة القدامي بحذر حيث كان اللقاء ممنوعا ولكن بعد أيام أمكننا اللقاء والتعارف ... وفيما يلي أسماء الإخوة الذين وجدناهم حال وصولنا :

1- السيد محمد حامد أبو النصر منفلوط

2- فضيلة الشيخ أحمد شريت أسيوط

3- الحاج أحمد حسنين قليوب

4- محمد مهدي عاكف القاهرة

5- محمد العدوي المنصورة

6- أحمد إمام طنطا

7- محمد رسمي سلامه القاهرة

8- محمد شاكر خليل القاهرة

9- عباس عبد السميع القاهرة

10- أحمد حسين القاهرة

11- عبد السميع عفيفي القاهرة

12- حسن عبد المنعم القاهرة

13- أحمد عبيد القاهرة

14- فتحي هاشم القاهرة

15- على نويتو القاهرة

16- على عبد العزيز القاهرة

17- محمود ابو ريه القاهرة

18- محمد الشناوي القاهرة

19- عبد الرءوف أبو الوفا القاهرة

20- محمد كمال السنانيري القاهرة

21- صلاح شادي القاهرة

22- محمد سليم مصطفي إسكندرية

23- مصطفي طرطور إسماعيلية

24- الشيخ حسن عليان القليوبية

25- عبد المنعم مكاوي كفر الشيخ

26- حسين عبد الرحيم إسكندرية

27- عبد المنعم سليم جباره الشرقية

28- أبو الفتوح عفيفي المنوفية

29- صابر عبد السميع الشرقية

30- سعد سرور السويس

31- نصر جاد إسماعيلية

32- أحمد البس طنطا

33- محمد دسوقي بقنينه دمنهور

34- مالك نار القاهرة

35- بدر عبد اللطيف القاهرة

36- على شهوان الشرقية

37- على فيروزي إسكندرية


وهؤلاء الإخوة الكرام هم البقية الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد 25 سنة ما عدا فضيلة الشيخ أحمد شريت وقد حكم عليه بالسجن 15 خمسة عشر عاما قضاها ورحل إلى معتقل سجن مزرعة طره حيث توفي في قصر العيني رحمه الله تعالي وهؤلاء الإخوة قد استقر بهم المقام في سجن قنا بعد تنقلات في سجن ليمان طره وسجن أبو زعبل ومعتقل سجن الواحات وسجن المحاريق – وبعضهم قد مضي نحبه قبل أن يتم مدة السجن .

صلاة الجمعة معا

وافقت إدارة السجن على أن يؤدي صلاة الجمعة الإخوان القدامي والإخوان الجدد في فناء السجن – على أن يكون القدامي في الصفوف الأولي والجدد في الصفوف الخلفية – وقد تمت الصلاة لى هذه الصورة دون أن يسمح لنا بالحديث معا .

ثم جاء العيد المبارك فأدينا صلاة العيد في جماعة وتبادلنا السلام والتحية بالأحضان مع الأخوة جميعا دون تفرقة وبعد ذل بدأ التشدد في عدم المقابلات يخف حتي كان العيد الأكبر عيد التضحية أكثر انفراجا وحرية ... فأقام لنا الإخوة القدامي حفل غذاء كبير تناولناه معا في جماعات داخل الحجرات وقام الإخوة القدامي بعملية الطهو على أحسن ما يكون وكان يشمل كمية من اللحوم والخضار والمتبلات والفاكهة التي يقدمها هو في كل عيد السيد محمد حامد أبو النصر عضو مكتب الإرشاد العام .. وبعد تناول الغذاء- يقوم الإخوة بعمل زيارات بعضهم لبعض وبعد صلاة العصر تقام حفلات ترفيهية صغيرة على شكل تمثيليات قصيرة – تبادل الإخوان حضورها في مجموعات صغيرة لضيق المكان – وتستمر أيام العيد المبارك في مثل هذه الحفلات – ومن ابرز ما كان يدور في هذه الحفلات – تلك الأديبات من " الزجل " الذي كان يؤلفه الأخ الأستاذ سعد سرور وهو صاحب كتاب (خواطر مسجون ) – ويقوم بتلحينها والغناء بها الأخ أحمد حسين الذي اشتهر بصوته الجميل – ومن أشهر هذه الأبيات ( محلاها هي الزنزانة ... مزنوقة ولكن سايعانا ).

الرياضة في سجن قنا

سمحت إدارة السجن للإخوان بمباشرة أنواع الرياضة البدينة ... فتحددت مواعيد بعد العصر .. لمباريات كرة القدم بين فريقين من الإخوان وكذا كرة السلة – وكذا الكرة الطائرة أما طابور الجري فيقوم به كل أخ على انفراد وكان الإخوان الأستاذ محمد عاكف خريج كلية التربية الرياضية والأخ عباس عبد السميع كابتن فريق السكة الحديد لفريق كرة القدم كانا يباشران الإشراف على التدريب والمسابقات الرياضية – كما كانت تقام مباريات دورية بين فريق الإخوان في سجن قنا وفريق احدي المدارس الثانوية التي تطلب من إدارة السجن السماح لفريقها بعمل مباراة بينها وبين فريق السجناء – وفي مثل هذه المباريات لم يتجاوز الإخوان لوائح السجن .

الإخوان الفنانون

أقام الإخوة الفنانون مرسما في احدي حجرات الدور الذي يسكن فيه الإخوان .. وباشروا فيه هوايتهم الفنية في رسم المناظر والمشاهد الفنية على لوح من الخشب أو القماش وبمساحات مختلفة – وكانوا يعرضونها للبيع وتكون الحصيلة لصالح خدمات الإخوان – كما كانوا يقدمون بعض اللوحات كهدايا لبعض الزوار من قيادات السجون – وكان يقوم بالإشراف على هذا المرسم الإخوة الأستاذ علي نويتو والأستاذ رسمي سلامة – والأستاذ فتحي هاشم .

الزيارات في سجن قنا

توالت الزيارات العامة كل شهر والزيارات الخاصة كل ستة شهور .. وعموم الزيارات مريحة وفيها فسحة من الوقت – وفي كل زيارة تسمع من الأخبار الجديد مما يدور في الأوساط الحاكمة أحيانا فيها مبشرات وكثيرا ما تكون منغصات ومع هذا فإننا نستقبل كل ذلك برضا واطمئنان واثقين من فرج الله تعالي . والزيارات في سجن قنا تحمل الزوار مشقات هائلة فمن جاء من الإسكندرية يقطع السفر إلى قنا في اثنتي عشرة ساعة ليقضي في الزيارة الخاصة من نصف إلى ساعة ... ثم يضطر للعودة أو المبيت في الفندق للراحة من عناء السفر ولا سيما إذا كان في الزيارة بعض الأطفال وبعض الزوار يمرضون حال العودة .

الخلافات الفقهية

لم تكد تستقر بنا الحياة في هدوء ووئام بين دعوات للشاي والطعام وخاصة طعام الكشري – حتي ظهرت على سطح هذا الجو اللطيف- مظاهر خلافات الشباب الجديد لهم بعض الأفكار المخالفة لفكر الإخوان القدامي ( في الحكم على عقيدة الحاكم) ويستنبطون من فقه بعض العلماء ما يؤيدون به اتجاههم- وقد شابههم من الإخوة القدامي واحد فقط .. وقد حاول فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد شريت وهو كبير وعاظ أسيوط وعضو مكتب الإرشاد العام وكذلك الأخ اللواء صلاح شادي رحمهما الله أن يناقشوا معهم هذه القضية على ضوء فكر الإخوان المسلمين في رسائل الإمام حسن البنا – وما جاء في بيانات الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام التي كانت ترد إلينا تباعا من محبسه في مستشفي سجن مزرعة طره – والتي صدر بها بعد ذلك كتابه المشهور (دعاة لا قضاة) الذي يرد به على فكر التكفير.

وفي خطاب ورد من الأستاذ حسن الهضيبي يقول فيها ( إنه لا يعلم أن للأستاذ سيد قطب فكرا يغاير فكر الإخوان المسلمين الذي يتفق مع الكتاب والسنة ) وفي خطاب آخر ورد من الأستاذ المرشد يوضح فيه ( حكم الإسلام في الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ) ثم توالت رسائل الأستاذ توضح وتبين وجهة نظر الإسلام في كل هذه الأمر الخلافية – ويتم قراءة هذه الرسائل على جميع الإخوان في لقاء عام .

فصل مجوعة من الإخوان في معتقل وسجن مزرعة طره

وفيما نحن نعيش في هذه الدوامة من المشاحنات الفكرية التي عكرت جو الأخوة والحب في الله تعالي .. إذ وردت رسالة من فضيلة المرشد يقرر فيها فصل مجموعة من الإخوان بأسمائهم من جماعة الإخوان المسلمين لانحراف فكرهم عن فكر جماعة الإخوان لأن هذا الانحراف يهدد الجماعة بالدمار ... فكان لقرار الفصل هذا صدي عنيف على الجميع لأنه لا أحد يرضي أن يفترق الإخوة شيعا .

ثم وردت رسالة حاسمة من فضيلة الأستاذ المرشد يهدد فيها بقوله ( إن لم يستقيم الإخوان ومنهاجهم. فإنه سوف يصدر قرارا بفصلهم جميعا ) وبدأ الجو مشحونا بالغضب والكآبة وأخذ الجميع يفكرون بحكمة وروية – حتي استقر الرأي على تجديد البيعة لفضيلة المرشد .. وتم اجتماع أدي فيها الجميع البيعة لفضيلة المرشد العام وشرح الله صدور بعضهم لفكر الجماعة وبقيت مجموعة على فكرها فيما بينها بدون إثارة متاعب غير أن مظاهر هذا الفكر بقيت واضحة في سلوكهم حين تجد مواقف معينة .

كتاب في ظلال القرآن الكريم

وصلت لإدارة السجن رسالة عبارة عن صندوق من الكتب خاص بمكتبة السجن وفي حالة تفريغ هذا الصندوق – كان من ضمن محتوياته ( كتاب في ظلال القرآن ) للشهيد سيد قطب رحمه الله – إنها مفاجأة خطيرة – إن جميع كتب الشهيد سيد قطب غير مصرح بتداولها في مصر – إن الحكومة تقوم بالبحث عنها في جميع مكتبات المدارس والمساجد والمكتبات العامة فكيف تسمح بتداولها في مؤسساتها وخاصة في السجون – والمعتقلات – التي يعيش فيها أصحاب الدعوة الإسلامية التي ينتمي إليها الشهيد سيد قطب . لقد خشي الإخوان في قنا ألا ينتفعوا بهذه الكتب فقاموا بتوزيعها إلى ملازم صغيرة وقاموا بتجليدها من جديد وأعطوها عناوين غير عنوان (في ظلال القرآن ) حتي يموهوا على إدارة السجن – وعاشت هذه الكتب بين يدي الإخوان يطالعونها ويستفيدون منها وهكذا تدخل كتب سيد قطب عرين الطغاة بأيديهم ومن حيث لا يشعرون ... ( وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكري للبشر )

موقف للإيمان للمهندس محمد سليم مصطفى رحمه الله

لست في حاجة إلى الحديث عن شخصية الأخ المهندس محمد سليم مصطفى ( الريس ) كما كان يخاطبه الإخوان – إنه شخصية فذة في تجرده وصبره وإنكاره لذاته . هو شجاع لا يعرف الخوف دءوب لا يعرف الملل هكذا يعرفه الإخوان جميعا – لقد ترك في كل قلب عاطفة من الحب والتقدير والاحترام كان رحمه الله تسند إليه المتاعب والمصاعب أو قل كان هو يسبق إليها ويسندها إلى نفسه كان مما يسند إليه أمانة حفظ الأوراق الخاصة بنشاط الإخوة في سجن قنا وهذه .

الأوراق لو ضبطت فهي في قانون السجن جريكة يترتب عليها انقلاب في أوضاعنا ومعاملتنا في السجن وفي صباح ذات يوم والزنازين لا تزال مغلقة حضرت من القاهرة قوة من مباحث السجون للتفتيش على الممنوعات – ولما كانت الأوراق التي يحتفظ بها الأخ محمد سليم في حجرة المخزن المغلقة على الممنوعات . وهو لا يستطيع أن يخرج من زنزانته المغلقة أيضا . حتي يتمكن من التخلص منها ومعلوم أن المباحث تبدأ بالتفتيش على حجرة المخزن التي تحتوي على جميع حقائب وأمتعة الإخوان فإن جميع الإخوان قد أصيبوا بالقلق والوجوم خوفا من أن تقع هذه الأوراق في أيدي رجال المباحث الذي يرأسهم ضابط كبير – والإخوان في الزنزانة التي يسكن معهم فيها الأخ محمد سليم .

يشفقون على أنفسهم وعلى الأخ محمد سليم من المصير ولكن الأخ محمد سليم يجلس هادئا ساكنا كالعادة حتي إذا رأي ما تنفعل به خواطر إخوانه نظر إليهم وهو يقول ( إن الأمر كله لله والدعوة دعوته والإخوان جنوده ويختار لنا ما يشاء ) ثم صمت حتي جاءت قوة المباحث وتوجهوا إلى المخزن وفتحوه واختاروا خمس حقائب من بين أكثر من خمسين – وفتشوا هذه الحقائب بدقة بالغة ثم انصرفوا للتفتيش على باقي زنازين الإخوان .. وشاء الله تعالي أن يختار الضابط احدي الحقائب التي تلاصق حقيبة الأخ محمد سليم وصدق الله ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ( فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين )

سيد قطب الشهيد الأعزل

شاء الله تعالي أن يصدر في السنين الأخيرة بعد عام 1974 كتاب بعنوان ( سيد قطب الشهيد الأعزل ) لمؤلفه الأستاذ محمد علي قطب وهو المحامي الذي كان يترافع عن الشهيد أمام محكمة الدجوي – وقام الأستاذ محمد قطب شقيق الشهيد سيد قطب بكتابة مقدمة هذا الكتاب وقد رأيت أن أسجلها طلبا للفائدة بقول .

إن ما دار من لغط في محيط الإخوان حول كتابات الشهيد سيد قطب . وما قيل من كونها مخالفة لفكر الإخوان أو جديد عليه فإني أحب في هذا المجال أن أثبت مجموعة من الحقائق أحس بأنني مطالب أمام الله بتوضيحها حتي لا يكون في الأمر شبهة – إن كتابات سيد قطب . قد تركزت حول موضوع معين – وهو بيان المعني الحقيقي " لا إله إلا الله " شعرا منه بأن كثيرا من الناس لا يدركون هذا المعني على حقيقته , وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان كما وردت في الكتاب والسنة شعورا منه بأن كثيرا من هذه المواصفات قد أهمل أو غفل الناس عنه – ولكنه مع ذلك حرص حرصا شديدا على أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصودا به إصدار أحكام على الناس وإنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة ليتبينوا هم أنفسهم إن كانوا مستقيمين على طريق الله كما ينبغي أم أنهم بعيدون عن هذا الطريق فينبغي عليهم أن يعودوا إليه – ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول " إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك وهذا أمر ليس في أيدينا ولذلك فنحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة " دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم أما بالنسبة لقضية " لمفاصلة " فقد بين كلامه أنها المفاصلة الشعورية التي لابد أن تنشأ تلقائيا في حسن المسلم الملتزم تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام ولكنها ليست المفاصلة الحسية المادية فنحن نعيش في هذا المجتمع وندعوه إلى حقيقة الإسلام ولا نعتزله وإلا كيف ندعوه ؟

تلك خلاصة كتابات سيد قطب ولي على هذه الخلاصة تعقيبان – الأول : هو تأكدي الكامل – بإذن الله – من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف الكتاب والسنة اللذين تقوم عليها دعوة الإخوان المسلمين .

والثاني – هو تأكدي الكامل – أيضا – من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف أفكار الإمام حسن البنا – مؤسس هذه الجماعة ولا ما يخالف أقواله وهو الذي نص في رسالة التعاليم في البند العشرين على " أن المسلم الذي لا يجوز تكفيره هو الذي نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها وأدي الفرائض .. وذلك فضلا عن كون كتابات سيد قطب كما أسلفت لم يقصد بها إصدار الحكام على الناس – وإنما قصده منها كما كان قصد الإمام بها إصدار الأحكام على الناس – وإنما قصده منها كما كان قصد الإمام الشهيد بالضبط , هو بيان حقيقة الإسلام ومواصفات المسلم كما وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله ع عليه وسلم .

أداء الشهادة لله – فإننا لا ندري متي نلقي الله – ولا ينبغي لنا أن نلقاه وقد كتمنا الشهادة – والله الموفق إلى سواء السبيل .

محمد قطب


مع الضابط النقيب السماديسي

قيل له إنه قد تقرر نقله من سجن القاهرة إلى سجن قنا العمومي – فغضب وحاول إلغاء قرار النقل – ولكنه علم أن هناك في سجن قنا مجموعة مساجين من جماعة الإخوان انشرح صدره ووافق على قرار النقل رغبة منه في تقديم مساعدات تخفف عن الإخوان محنتهم وحين وصل إلى سجن قنا – وقام بالمرور على عنبر سكن الإخوان تعرف بهم – وقدم لهم تيسيرات وخدمات وخفف من وطأة التفتيش المستمر بلا مبرر كما كان يتساهل في مدة الزيارة وعدد الزوار – وغير ذلك من الأمور التي كان يشدد فيها مأمور السجن – وكان يتغاضي عن بعض تلك المخالفات والممنوعات فينصح بإعدامها – كان يفعل ذلك بروح الوالد دون أن يخالف نظام ولوائح السجن – بل كان يطبقها بروح من الإنسانية والعدالة دون النظر إلى خصومة الدولة لجماعة الإخوان وبهذه الأخلاق الفاضلة ظلت سيرته حية في قلوبنا .

مع فضيلة الشيخ مصطفى مكي

كان فضيلة الشيخ مصطفى مكي رحمه الله قد سبق إلى دعوة الإخوان في موطنه مدينة مطوبس ونهض بالدعوة الإسلامية بروح شفافة ملكت من الناس عقولهم وقلوبهم حتي أحبوه ولازموه وعاش في قنا عالما وواعظا يعايش الناس ويحل مشاكلهم وتدعوه مصلحة السجون في قنا لزيارة السجن وإلقاء دروس ومواعظ على المساجين – وفي أول الأمر كانت إدارة السجن تجمع له المساجين فى الصالة السفلي ليتحدث إليهم – ولم تسمح للمساجين الإخوان بالمشاركة .. ولكن الميكرفون كان ينقل لنا الحديث وكان الحديث موجها في الحقيقة إلى الإخوان حيث كان حديثه عن الإيمان والصبر والمصابرة واستعمل كثيرا من مصطلحات وأفكار الجماعة – وبعد أيام توجه بعض الإخوان إلى مأمور السجن محتجين على التفرقة في معاملة المساجين وحرمان الإخوان من حضور لقاء فضيلة الشيخ مصطفى مكي وقالوا إنهم لم يتوقعوا أن يعاملوا في أخص خصائصهم الإسلامية بالحرمان وهو يحافظ على مشاعر الإخوان – وبعد ذلك تكررت زيارات فضيلة الشيخ مصطفى مكي وجلس الإخوان معه أكثر من لقاء ممتع ومفيد رحمه الله وأحسن مثواه وجزاه الله خير جزاء ما قدم .

في صالون الحلاقة بالسجن

هذه أول مرة منذ اعتقلت أدخل صالون حلاقة وأجلس وجها لوجه أمام المرآة – لقد رأست شكلي فجأة فلم أصدق أن هذا الشكل هو عباس السيسي - هناك تغيير كبير بين الأصل والصورة – فالصورة مغايرة فقد عملت المحنة عملها في ثلاث سنوات من التعذيب والامتهان وكان مستوي الحلاقة قذرا لا تليق بالإنسان – وإن كان مستواها أرقي بعض الشئ من الحلاقة في السجن الحربي وسجن ليمان طره – لهذا استطاع الإخوان إحضار عدة حلاقة من خارج السجن وقام بعض الإخوان تطوعا بالحلاقة – وكانت أجرة الحلاقة في صالون السجن ثلاث سجاير .

ومن الطرائف أن حديثا دار بيني وبين " المزين الحلاق " حين كنت أجلس على كرسي الصالون – فسألته السؤال التقليدي – عن التهمة التي حوكم بسببها بالمؤبد – فقال : إنه كان له قريب سافر من القاهرة إلى الإسكندرية – وفي طريقه خرج عليه بعض اللصوص وسرقوا منه نقوده وقتلوه مع أحد أصدقائه – قال : فذهبت المنطقة أبحث عن القاتل فلما عرفته تربصت له وقتلته ثم قال :

والله لقد قتلته لله لا أريد من أحد جزاء ولا شكرا ؟! ) ولم أستغرب هذا التصرف فإن في جنوب مصر حوادث وحكايات لا تخطر على بال ولا يصدقها العقل .

لماذا عمليات التفتيش المستمر على المساجين

لا يكاد يمر أسبوع نفاجأ بالتفتيش – تفتح الزنزانة ويقف الضابط على الباب ويقوم الحارس بالدخول ويرفع البطاطين " البرش " ويبحث عن فجوات في أرض الزنزانة ثم يبحث عن أوراق وأقلام وأمواس حلاقة ومستلزماتها – ثم يبحث عن سخان كهربائي وفتحتان ( فيشة ) في الحائط وغير ذلك من الممنوعات – وهناك من الممنوعات ما يسمي ( توتو) وهي عبارة عن علبة سمك سالمون من الصفيح كبيرة توضع فيه علبة سمك سالمون صغيرة يصنع من العلبتين بعد وضع فتيل من القطن فوق خزان من الجاز – وابور يستعمله الإخوان في الطبخ – ورغم أنه بعد استيلاء الضابط على هذه الممنوعات – فإن الإخوان يعودون إلى تجديدها وصناعة غيرها وإدارة السجن تعلم ذلك جيدا – ولكنها مصرة عل مواصلة التفتيش ... وقد قالوا لنا عن السر في ذلك .. هو الخوف من أن يجد المسجون عنده وقت فراغ فيكون مدعاة إلى التفكير على مستوي أعلا من ( التوتو ) أو " السخان الكهربائي " لهذا فغن كثر التفتيش تشغله بالحذر وتقطع وقته في الفرعيات – فلا يفكر في الهرب أو ما شابه ذلك ؟!

تأويل الكلمات إلى اتهامات

الخطابات التي تصل إلى الإخوان من أهليهم ... لا تسلم لهم إلا بعد مراجعتها من إدارة السجن والتوقيع عليها من الضباط المسئول بالاطلاع .ودعيت لمقابلة الضابط المسئول عن مراجعة تلك الرسائل – فقرأ على ما جاء في رسالة بعث بها إلى أبناء شقيقي وهم أطفال أكبرهم لا يزيد عن عشر سنوات قالوا في الرسالة إنهم كانوا فريق لكرة القدم – وقاموا بتوزيع المواقف – فلان حارس مرمي – وفلان ونج يمين وفلا ونج الشمال وفلان وفلان قلب الهجوم – المهم أن الضابط قال : إن هذا الخطاب يرمز إلى تكوين تنظيم !! وأخذ الموضوع مأخذ الجد!! وأما أنا فقد صدمت بشدة لهذا التصور وهذا التفكير الذي يمكن فعلا أن يصدق من مثل هذه العقليات التي تعيش في دوامة التنظيمات والمؤامرت المزعومة – ولكني تحكمت في أعصابي وفي كلماتي حتي لا ينقلب الموقف إلى تصلب ومعاندة ولا سيما أن هذه التصورات رسخت في أذهانهم ولها سوابق مع الشهيد محمد عواد أمين مكتبة جامعة أسيوط إذ أرسل له صديق رسالة يقول فيها مما يقول ( خللي بالك من الكتاكيت) وكانت كلمات قيلت في وقت ( السلم ) ولكنها حين كانت المحنة فسرت على غير المقصود وكانت الشهادة .

لهذا فإن المدلولات تتغير حسب الظروف والأحداث – وحسب النفوس والأخلاق ولكن كيف يفهم الأطفال مثل هذه المعاني فهم بعيدون عن الصورة التي أعيش فيها فهم من حيث أرادوا أن يدخلوا على شيئا من السرور – أدخلوني في موقف يغب عن أذهانهم وقدرة أفكارهم الطفولية وقد أسعفني الله بتوفيقه حتي انتهت هذه المشكلة بسلام !!

السيد محمد حامد أبو النصر

تعرفت عليه أول مرة زار مدينة رشيد عام 1936 .. من السابقين الذين بايعوا الإمام الشهيد حسن البنا عام 1934 – وله في ذلك قصة – يحدثنا فيقول : إن الأستاذ البنا جاء زائرا إلى بلدته , منفلوط بصعيد مصر – ولم يكن له حظ حضور الحفل الذي أقيم له والاستماع إليه – ولما عاد من سفره سمع من الناس ثناء على حديثه – فاشتاق إلى التعرف على الأستاذ البنا ودعوته لزيارة منفلوط مرة أخري – حتي علم ذات يوم أن الأستاذ في زيارة في أسيوط ونزل ضيفا على جمعية الشبان المسلمين . فتحدث إلى الأستاذ البنا تليفونيا وعرفه بنفسه ودعاه لزيارة منفلوط واستضافته في قصره فشكره الأستاذ وقال للسيد حامد: هل الأرض طيبة ؟ قال السيد محمد طيبة وتنتظر البذور ! فقبل فضيلة المرشد الدعوة وحدد الموعد . وهناك في منفلوط استقبله السيد محمد في قصره أحسن استقبال . وأعد حفل شاي دعا إليه كبار منفلوط وأعيانها وقدم إليهم الأستاذ حسن البنا الذي رحب بهم كما رحبوا به .. وتحدث إليهم فضيلة المرشد حديثا مستفيضا عن شمول الدعوة الإسلامية وحملهم بأسلوب جميل مسئولية المشاركة في النهوض بأعباء الدعوة إلى الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة حتي يعود للإسلام سالف مجده .

وبعد أن انتهي الحفل وانصرف المدعوون – توجه الأستاذ المرشد إلى الاستراحة فجلس مع السيد محمد جلسة خاصة . طلب السيد محمد من الأستاذ أن يبسط يده حتي يبايعه – ثم قام فأحضر المصحف الشريف فأقسم عليه قسم البيعة حين سأله الأستاذ لعلك تعرف علي ما تبايع ؟ قال السيد محمد أبايع على الموت في سبيل الله واندهش الأستاذ حسن البنا حيث لم يمض على تعارفهما إلا يوم أو بعض يوم – كان ذلك عام 1934 وفي عام 1987 كان الأخ الكبير السيد محمد حامد أبو النصر هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وفيا لبيعته – ثبت الله قدمه وأيده بنصر من عنده حتي تبلغ الدعوة أهدافها .

فلسفة التفتيش المستمر على الزنازين

تواظب إدارة السجن على مباغتة الإخوان حال وجودهم في الزنازين وغالبا ما يتم هذا الأمر صباحا – أحيانا يقوم بعملية التفتيش ضابط من قسم مباحث السجون بالقاهرة ويعتبر هذا من أخطر وأشد إجراءات التفتيش وأحيانا يتم بواسطة الضابط النوبتجي للسجن وأحيانا يقوم به شاويش السجن – والتفتيش بالنسبة لمساجين الإخوان يهدف إلى البحث عن رسائل متداولة بين الإخوان في الداخل والإخوان في الخارج في أمور تنظيمية أو حركية وهذا هو أخطر ما يعرض الإخوان للمسئولية التي يترتب عليها التحقيق أو العقاب – ثم يتناول التفتيش تحطيم الأشياء الممنوعة مثل ( السخان الكهربائي ) أو ( أدوات الحلاقة ) ( التوتو) وهو وابور صناعة إخوانية يعمل بالكيروسين وقد انتشر في جميع السجون منذ اخترعه الإخوان .

وكان من أهم الممنوعات عند الإخوان – هو أجزاء القرآن الكريم وإذا ضبط عند أحدنا صفحات من كتاب الله – فإن هذا الأخ يحبس في زنزانة انفرادية لمدة أسبوع .

ورغم أن التفتيش يقضي على كل هذه الأشياء فلا تمضي فترة وجيزة حتي يعاود الإخوان الحصول عليها بطريقتهم الخاصة يتكرر التفتيش ويتكرر التحطيم حتي وجهنا سؤالا ذات مرة إلى أحد الضباط – حين قلنا له ما الجدوي من هذه الحركة التي تتكرر دون أن يتم القضاء عليها :

قال : إن الغرض من هذه الحركة هوة إشغال عقول المساجين بأمور حياتهم الخاصة فأنتم تظلون مشغولين بالبحث عن هذه الأشياء في جهد وحذر ونحن تقوم بتحطيمها : وبهذا نستقطب تفكيركم ونباعد بين الفراغ الذي قد يسوقكم في التفكير في أعمال ضد أمن الدولة – فبحركة التفتيش الدائمة نعطل عندكم مساحة التفكير المضاد ..!!

قتل الشهيد المهندس فاروق المنشاوي

ولد الأخ المهندس فاروق المنشاوي في بلدة منشأة بصعيد مصر وكان والده قاضيا فاضلا وله صلة وثيقة بجامعة الإخوان – ولهذا فقد نشأ فاروق نشأة إسلامية منذ طفولته – وتابع حركته ونشاطه في صفوف الجماعة بقوة وحماس حتي اشترك في تنظيم 1960 وقبض عليه مع إخوانه وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد ورحل إلى سجن ليمان طره – وحين نقل الإخوان من عنبر الإيراد الذي سبق أن تحدثنا عنه إلى دور في احدي العنابر ذات الأدوار الثلاثة – وأعطيت للإخوة كغيرهم فرصة للرياضة في فناء السجن – وحدثت لقاءات بينهم وبين المساجين من اتجاهات وأفكار أخري مناوئة لفكر الإخوان – فضلا عن أن أخلاقهم وسلوكهم يغاير ما تربي عليه شباب الدعوة كما لا يغفل الإخوان أن في هذه التشكيلات عملاء للمخابرات – وأكثر هذا الخليط كان لا ينسجم مع الإخوان حقدا عليهم وعلى تنظيمهم وترابطهم وتآخيهم – وكان الأخ فاروق يتحدث معهم ويناقشهم ويفصح لهم عن مكنون نفسه وعداوته لنظام جمال عبد الناصر كما لو كان يتحدث مع مجموعة من الإخوان متجاهلا الخلاف الجوهري بيننا وبينهم وكان العملاء ينقلون حديث الأخ فاروق مع أهوائهم الملوثة إلى إدارة السجن فالمخابرات .

وتم تدبير مؤامرة لتصفية فاروق المنشاوي بأن أودعوه عنبر التأديب في حبس انفرادي في عزلة تامة بعيدا عن إخوانه وأصبح الأخ فاروق يعيش في عنبر مع المجرمين العتاة – وأثناء خروج الأخ فاروق من الزنزانة إلى دورة المياه وهي مدة لا تزيد عن عشرة دقائق – جاءه مجرم فتحت عليه الزنزانة فجأة يطلب من الأخ فاروق " سيجارة " فاعتذر له فاروق بأنه لا يدخن ولكن المجرم ألح وأصر بأن يعطيه " سيجارة " وطال النقاش بينهما فهجم المجرم العاتية على الأخ فاروق وطرحه أرضا واستل سكينا؟ وطعنه عدة طعنات قاتلة – ونقل فاروق إلى مستشفي السجن وظل ينزف إلى أن قال لمن حوله " أرجو أن تحولوا وجهي إلى القبلة " لقد أيقن الشهيد أنه ملاق ربه ولفظ أنفاسه الطاهرة .

وجاءت النيابة ليعترف الجاني الأثيم بما فعلت يداه وقيل إنه ذكر أسماء الذين حرضوه على جريمته .. وعاد المجرم إلى زنزانته أغلقها عليه بلا طعام ولا شراب ... حتي مات .. وماتت معه أسرار هذه القضية التي راح ضحيتها شاب من أكرم وأنبل شباب الدعوة الإسلامية ..

وأدي الإخوان في جميع السجون صلاة الغائب على روحه الطاهرة وأغلقت إدارة السجن الزنازين على الإخوان مدة أسبوعين لا يسمحون لهم بالخروج إلا فترات قصيرة في أعداد قليلة خوفا من رد فعل يتحول إلى كارثة – وكظم الإخوان غيظهم حتي لا تتكرر مأساة طره 1956 التي راح ضحيتها 26 شهيدا من خير شباب مصر

ويتساءل الإخوان – من الذي أدخل سكينا لهذا المجرم في عنبر التأديب وهو عنبر لا يسمح فيه بأي شئ سوي الطعام والماء والهواء وبدور التفتيش عليه بشدة ودقة في كل وقت وثم كيف تفتح زنزانة المجرم بينما الأخ الشهيد فاروق قد خرج من زنزانته إن في ذلك مخالفة صريحة للوائح والقوانين – ثم أين محضر التحقيق ؟!

ولكن لا تسل ؟ ومن تسل ؟ إننا نعيش كالأيتام على مأدبة اللئام وتمضي الأيام وتدور الدائرة على أكابرهم وسلط الله بعضهم على بعض في خيانات كان لها في العالمين دوي ( وما كان ربك نسيا) .

المصاهرة بين الإخوان داخل السجن

حين بدأت المباحث تحرض الزوجات حديثات العهد بالزواج بطلب الطلاق من أزواجهن بحجة أن الزوج محكوم عليه بالسجن المؤبد وليس من مصلحة الزوجة الشابة أن تنتظر حتي يخرج زوجها من السجن وهو رجل على باب القبر وتكون هي قد فقدت شبابها وقد استجابت بعض الزوجات لهذا الخداع .

وأمام خطة المباحث العامة للهدم والتفريق بين الأزواج . تقدم الشباب من السجون إلى خطبة بنات وشقيقات إخوانهم المسجونين وبعد أن أخطروا عائلاتهم وتم الإنفاق - أقام الإخوان حفلات عقد القرآن في جلسات ترفيهية بالغناء والأناشيد وتوزيع الحلوي والمشروبات وإرسال برقيات التهاني وكانت العائلات تأتي مع الزوجات في مهرجان عائلي جميل لزيارة الزوج وتقدم التهاني وكاني توفيق الله تعالي هو أجمل رد على مناورات خصوم الدعوة ( ويأبي الله إلا يتم نوره )

كيف كان التعامل مع الإخوان القدامي في حرب 67

حدثنا الإخوان القدامي في سجن قنا عن الفترة التي سبقت حرب 1967 وما بعدها فقالوا لقد وضعونا في زنازين الدور في حبس انفرادي ومنعوا الاتصال الشخصي بيننا .. كما عزلونا عن الاتصال بباقي المساجين كما حرمونا من التعامل مع الكانتين وإرسال واستقبال الرسائل البريدية من أهلنا كما منعوا الزيارات بكل أشكالها – وكان مأمور السجن يدخل علينا شامتا ويقول بأعلي صوته " سوف ندخل تل أبيب " " الجيش المصري أقوي جيش في الشرق الأوسط " كان مأمور السجن يطلق الرصاص من مسدسه من شدة الفرح والاستعلاء في الأرض وكان الإخوان يعتصمون بالصبر مع الإيمان بأن الله تعالي لن يخذلهم وكان السجناء من غير الإخوان – متعاطفين يتوسلون بكل وسيلة لمساعدة الإخوان في محنتهم – كانوا يكتبون رسائل بريدية خارجية إلى أهالي الإخوان يشرحون لهم ما يحدث لأبنائهم- كما كانوا يتلقون رسائل من أهالي الإخوان يسلمونها لهم حتي إذا قرأوها أتلفوها في الحال – كان الأهالي يرسلون مع بعض زوارهم بعض الضروريات والأطعمة فيسلموها للإخوة بوسائل لا تنكشف .

ظل المأمور على غروره وكبرئايه يتوعد الإخوان لما سيكون حالهم بعد انتصار عبد الناصر في حرب يونيو – وكأنه كان يعد للإخوان مذبحة لا تبقي ولا تذر ولم يمهله القدر في غروره حتي كانت هزيمة عبد الناصر أمام اليهود في ليلة وضحاها كأشنع ما تكون الهزيمة – واستيقظ سيادة المأمور على الخديعة والوهم .

بدأ ومن معه يتخاذلون ولم يعودوا يدخلون السجن ويواجهون الإخوان الذين حرموهم من أبسط قواعد الإنسانية – ليتهم لم يفعلوا بالإخوان ما يسود له الجبين ليتهم لم يتطرفوا في إهانة الإخوان والتشفي فيهم .. ولكن القوم أسرفوا في الإهانة وتمادوا في غيهم يعمهون .. حتي كانت هزيمة العار فبدأوا يتراجعون ويندمون وتتكشف لهم الحقائق – فأعادوا الحقوق المسلوبة وليتها كانت تستحق أو تسمي حقوقا فهي لعاعة من سقط الدنيا .... لقد تحدثوا وقالوا الكثير من معان الندم وتحدثوا عن الهزيمة بمرارة – حتي قالوا إن هذه الهزيمة كانت جزاء وفاقا لما حل بالإخوان من ظلم فادح في ظلام فادح دون ذنب أو جريرة ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) .

الفصل السابع


عبد الناصر مات

كان ذلك صباح يوم 19 سبتمبر 1970 . حين صعد أحد الإخوة إلى نافذة الزنزانة يراقب حركة دخول ضباط السجن خوفا من حملة تفتيش مفاجئة – فإذا به يسمع الإذاعة وهي تذيع آيات من القرآن الكريم في غير موعد التلاوة الرسمي – ثم يشاهد رجال الحرس يقفون بجوار بعضهم البعض وهم يبكون في غم وحزن وكذلك كان الضباط يفعلون .. فقال الأخ لنا أنه يري أمورا غريبة ويسمع القرآن وكأني برجل دولة قد مات . وبعد لحظات قذف نفسه علينا وهو يقول ( عبد الناصر مات ) وما كان ينتهي من كلماته حتي توالت الطرقات على جدران الزنزانة تنبئ عن أمر خطير قد حدث – حدث عندنا صمت ووجوم حتي قال أحدنا ونحن مشدوهون – أنا لا أصدق بموت عبد الناصر يواري التراب أمامي !! وتحدث الإخوان في دهشة إنهم شاهدوا صور عبد الناصر وهو يجلس في المؤتمر الذي انعقد بالقاهرة أمس بشأن تصفية معركة أيلول الأسود بين الملك حسين وجيش تحرير فلسطين وكان عبد الناصر في صحة وعافية وفتوة كما كان يقابل الملوك والرؤساء ويقوم بتوديعهم في المطار .. إن موت جمال عبد الناصر فجأة قد بلبل العقول والأفكار !!

ازدادت الحركة في حوش السجن وعلا الصوت البكاء والنحيب كما سمعنا مثل ذلك في عنابر السجن بين المساجين ويكاد يكون 95% من أبناء الصعيد .. وبقيت الزنازين مغلقة بعد موعدها بأكثر من ساعتين .. كما أعلنت حالة الطوارئ في السجن وزادت الحراسة وقيدت الحركة .

وأصدرت قيادة الإخوان تنبيهات سريعة بأن لا يغادر الإخوان الزنازين لأن الموقف بالنسبة لنا دقيق وخطير – وأن نكون على يقظة فلا يحدث منا ما يكون في نظر غيرنا صورة من الاستفزاز لمشاعر الآخرين فيسبب ذلك فتنة يدبرها الأعداء في مثل هذا الظرف الذي يغيب فيه العقل والحكمة وخاصة أننا نعيش مع قوم متعصبين لجمال عبد الناصر الذي ولد في بلدة ( بني مر ) وهي من أعمال محافظة أسيوط .

ووفق الله تعالي الإخوان إلى تخطي هذه المحنة بكل هدوء وحكمة يعيشون في عبرة وتذكر جلال الموت الذي يستوي أمامه الناس جميعا – كما أن الإخوان امتنعوا عن إقامة حفلات الزواج بالنسبة لما يتم بين أهليهم أو إقامة أى مظهر من مظاهر الفرح التي كانت تمر بهم – واستمر هذا الحال أكثر من شهرين وبدأ ينفرج تدريجيا مع انفراج التغيير السياسي الذي طرأ علي شعب مصر باختيار السيد محمد أنور السادات رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس الراحل عبد الناصر - كما ودعت جماهير هائلة جثمان جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخير في مشهد مثير حزين .

ومضت الأيام وعادت الحياة سيرها الطبيعي – وأدرك الناس أن جمال عبد الناصر ( بشر) يسري عليه قانون البشر – ولعلهم يقرأون قول الله تعالي مخاطبا أمثال جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ( ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نري معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وصل عنكم ما كنتم تزعمون ) .

وعلى أثر وفاة جمال عبد الناصر بدأت مرحلة جديدة في حياة الإخوان داخل السجون وخارج السجون وبدأت الصحافة تنبش الماضي الأليم بشئ من الصرامة والوضوح وبدأ جو من الانفراج في المعاملة داخل السجن بعد هذا الجو المغلق القاتم المتربص .

الصراع على السلطة بما يسمي حركة 15 مارس 1971

بدأنا نراقب التطورات السياسية السريعة المتلاحقة على مسرح السياسة والحكم كنا في إشفاق وقلق أن يسبق إلى السلطة المتربصون من الشيوعيين والناصريين الذين لا يزال بعضهم في سدة الحكم حتي كان أول الغيث قرارا من رئيس الجمهورية محمد أنور السادات بإقالة " علي صبري " وجاء القرار في الصفحة الأولي من جريدة الأهرام في 2 مارس 1971 – وفي يوم 13 قدم ( شعراوي جمعة) وزير الداخلية استقالته تضامنا مع علي صبري ثم توالت بعد ذلك استقالات كثير من الوزراء " وتأزم الموقف وأجري السادات اتصالاته مع اللواء ... " الليثي ناصف" قائد الحرس الجمهوري وقبل الساعة الواحدة ظهرا دعا الفريق أول محمد فوزي قائد القوات المسلحة إلى اجتماع عاجل في مكتبه بعد أن قال لصادق همسا " لقد قدمت استقالتي اليوم " , " الوزراء كلهم استقالوا " وظن الفريق محمد أحمد صادق إن الفريق محمد فوزي سيعلن خبر هذه الاستقالة ولكنه تجاهلها وطلب من القادة معاونة البلد للتخلص من السادات الذي سيبيع مصر للأمريكان ثم استدار لصادق يسأل عن أمر القيادة الذي وقعه في 21 من أبريل بتحريك المدرعات والمشاه الميكانيكية... وتدخل صادق في حسم وتحدث بصوت مرتفع مع فوزي " طلبا منه العودة إلى بيته طلبا للراحة ما دام قد قدم استقالته – ثم أمسك بمقص ومزق أسلاك تليفونات وزير الحربية المستقبل وأمر القادة بالانصراف واتصل الفريق صادق تليفونيا بالسادات وأبلغه بما حدث طلبا منه أن يطمئن إلى ابتعاد القوات المسلحة عن أى صراع سياسي بل وإلي حماية القوات المسلحة الشرعية الدستورية في البلاد "

وتشكلت محكمة أطلق عليها " محكمة الثورة " ترأسها المرحوم حافظ بدوي رئيس البرلمان بعد 15 مايو والقبض على رئيسه السابق الدكتور لبيب شقير – وكان حسن التهامي عضو يمين .. وفي 9 ديسمبر 1971 صدرت الأحكام بسجن الفريق محمد فوزيوعلي صبري وسامي شرف محمد فايق وشعراوي جمعة ولبيب شقير وغيرهم .

دخول الامتحان من أجل الزيارات

في موسم أداء امتحانات شهادات الإعدادية والثانوية العامة – ينتهز الإخوة في سجن قنا وغيرها من السجون البعيدة عن القاهرة فيتقدمون بملئ استمارات دخول الامتحان ولما كان غالبية الإخوان حاصلين على شهادات جامعية فقد تقدموا لامتحان ولما كان غالبية الإخوان حاصلين على شهادات جامعية فقد تقدموا لامتحان الشهادة الإعدادية الأزهرية – مما يتيح لهم أداء هذا الامتحان في لجنة خاصة تعقد في سجن ليمان طره بالقاهرة . وبهذا يتيسر للأهالي زيارتهم – بدلا من زيارتهم الشاقة إلى مدينة قنا التي نادرا ما يفكر الأهالي من الوجه البحري بزيارتها إلا على فترات زمنية طويلة .

ورحلنا " حوالي عشرين " من الإخوان من قنا إلى القاهرة بالدرجة الأولي بالقطار بحراسة قوة من البوليس على رأسها ضابط برتبة عقيد وفي القطار أمر بفك القيود التي خرجنا بها من السجن . ثم سمح لنا بحرية محدودة للتنقل .ز وحين نزلنا من القطار في محطة القاهرة أعاد القيود الحديدية .. حتي وصلنا بسيارات السجن إلى بوابة سجن ليمان طره – وقال للضابط النوبتجي في سجن ليمان طره وهو يتم إجراءات تسليمنا له :( أنا فخور أني أسلم لك مجموعة من الرجال الملتزمين بأحسن الأخلاق ) ثم سل علينا ودعنا وانصرف . ونزلنا في عنبر بالدور الأرضي على أن نذهب إلى لجنة الامتحان صبيحة كل يوم . وفي أول يوم في الامتحان استقبلنا أعضاء اللجنة من علماء الأزهر الشريف استقبالا عاطفيا كريما وأبدوا نحونا مشاعر طيبة وقد أدهشتهم أن أكثر من 80% منا يحفظون القرآن كله حفظا جيدا – وكان على رأسنا المستشار الدكتور علي جريشة وفي آخر يوم في الامتحان أقاموا لنا حفل شاس إذ أحضروا معهم كمية من الفطائر والحلويات وشكرناهم على مشاعرهم الإسلامية التي أثلجت صدورنا وزادت من إيماننا بقدسية وعظمة دعوتنا . وقد ودعناهم وودعونا بعواطف حارة جزاهم الله خيرا ... وظهرت نتيجة الامتحان للجميع بدرجات عالية ونجاح وتوفيق .

المسجون أوري اليهودي

كانت مفاجأة أن وجدنا من عداد المساجين – المسجون أووري اليهودي – الذي كان معنا في السجن الحربي فى محنة 1954 – وجدناه يقضي مدة السجن المؤبد – وجدناه له صلة وثيقة بكل المساجين ويعيش معهم كصديق – وعجبنا كيف لم يتم الإفراج عنه مثل كثير من زملائه وقد قضي في السجن 18 سنة - لاشك أن أووري أو اليهود في هذا لوقت محرم عليهم السفر إلى مصر ومعرفة أخبارها ويصعب عليهم التجسس على المواقع والخرائط والمستحدثات .. لهذا فإن المسجون أووري يمكنه أن يقوم بتلك المهمة بسهولة حيث هو يعيش وسط مجموعات متنوعة من أنحاء مصر كما يسمع أخبار المسجونين السياسيين ويطالع الصحف . ويسمح له بالزيارة قانونا ويبلغ في الزيارة عن كل ما قرأ وما رأي وسمع لعل هذا من الأسباب التي من أجلها يضحي أووري ببقائه إلى الآن داخل السجن ومثل هذا ليس بالكثير على قوم يريدون أن يقيموا دولة من النيل إلى الفرات!

من سجن ليمان طره إلى سجن مزرعة طره السياسي

بعد أن أدينا الامتحان كان لزاما أن يتم ترحيلنا إلى سجن قنا العمومي – ولكن قد سبق أن صدر قرار بنقل جميع الإخوان من سجن ليمان طره وسجن قنا إلى سجن مزرعة طره ا السياسي الذي يبعد حوالي عشرة كيلو مترات شمال سجن الليمان .

وبالفعل تم ترحيلنا إلى هناك فوجدناه سجن يقع في صحراء بعيدا عن العمران وهو سجن مكون من دور واحد أرضي وتحيط به أرض فضاء فسيحة . ومكون من عدة عنابر وبعض الزنازين – وينفصل عنه بسور سجن تابع خاص بالشخصيات من ذوي الحيثيات السابقة وبه بعض الإمكانيات مثل الثلاجات والتلفزيون والراديو .

حين وصولنا إلى سجن المزرعة كان في انتظارنا قائد السجن المقدم" عبد العال سلومة" وله في تاريخ جماعة الإخوان سجل حافل بالمؤامرات والمآسي وكان معه معاونوه من الضباط وغيرهم –كما استقبلنا الإخوة استقبالا أخويا حارا متدفقا وبعد أن قدموا لنا التحية من المأكولات الشهية – قاموا بتوزيعنا على العنابر حيث وجدنا في كل عنبر حوالي 30 سرير كل سرير مكون من دورين وهذا العنبر قد يتسع في وقت الشدة التي كانت في أول المحنة لأكثر من مائة وخمسين شخصيا ينامون على الأرض جنبا إلى جنب في ضيق شديد . والحمد لله أن دورة المياه منفصلة عن العنابر في مكان بعيد ومجهزة بأحواض وأماكن شرعية للاستحمام . ويوجد حجرة مخصصة للحلاقة يقوم بها بعض الإخوة الذين تخصصوا في هذه المهنة لمساعدة إخوانهم . والحلاقة هذه المرة حرة ونظيفة وبلا مقابل – والطعام والخبز يأتينا من المطبخ والمخبز وكل الأصناف مقبولة ونظيفة – كما يوجد كنتين تتوفر فيه الاحتياجات من سكر وشاي والمعلبات والسجائر التي هي العملة المتداولة لقضاء مصالحنا مع الفئات الأخري حيث أن غالبية الإخوان لا يدخنون. أما المغسل فإن الإخوان لهم يوم معين في الأسبوع ينتدبون بعضهم ليقوم بعملية الغسيل – وكل الملابس مرقمة بحيث يعرف كل أخ ملابسه بسهولة – والصحف اليومية والمجلات تأتينا تأتينا بالنظام – والرسائل بيننا وبين أهلينا متداولة بعد مراجعتها من الضابط المختص . كذا كان يسمح لنا بإرسال كروت المعايدة بأعداد مناسبة كذا البرقيات .

كما كانت الزيارات ميسرة سواء الزيارات الخصوصية تلك التي يسمح فيها بمقابلة الأخ لأسرته في جلسة معا ربما تزيد عن نصف ساعة وهي تتم كل ستة شهور أو يزارة سلكية وهي التي يفصل فيها السلك بين الزائر والمزور وتكون عادة مرة واحدة في الشهر .

الحاج محمد الشناوي المشرف على الزيارات

كلفت إدارة السجن الأخ الحاج محمد الشناوي الضابط السابق بسلاح الطيران والذي عليه بالإعدام وخفف الحكم إل السجن المؤبد في أحكام 1954 – وكان يقوم بالمساعدة في تنظيم عمليات الزيارات – حيث يقوم بتبليغ الإخوان عن حضور أهليهم ليستعدوا للخروج للزيارة كما يقوم باستقبال الزوار والترحيب بهم – وأثناء الزيارة يقوم باستلام ما يحضرونه معهم من مأكولات وملابس وغير ذلك . بعد قيام أحد الضباط بالتفتيش عليها وخلوها من الممنوعات الغير مسموح بدخولها . ثم يرسلها مع مندوبين من الإخوة حيث توضع بجوار سرير الأخ لحين عودته من الزيارة وكذلك الأهالي حيث كان لطيفا معهم يحفف كثيرا من متاعبهم ويطمئنهم على أحوال الإخوان في حياتهم داخل السجن . كما خطي بثقة رجال الإدارة لما تميز به من أمانة في التعامل مع الجميع واحترام القوانين المعمول بها في السجن .

قضية تنظيم أحمد سيف الإسلام حسن البنا

كان من سياسة جمال عبد الناصر التقرب من الجماهير التودد إلى جماعة الإخوان ... ففي فبراير 1953 زار جمال عبد الناصر بصحبة الرئيس محمد نجيب قبر الشهيد حسن البنا ... وبعد أن أزاح جمال عبد الناصر بالرئيس محمد نجيب كرر زيارة قبر الشهيد مرة أخري عام 1954 – حتي لا يسند فضل الزيارة إلى اللواء نجيب – وكان جمال حريضا على صلة مباشرة بمنزل أسرة الشهيد حسن البنا وكان يعرض عليهم خدماته – وكانت الأسرة تكتفي بأن تشكره , وفي عام 1954 تحرج جمال عبد الناصر من القبض على أحمد سيف الإسلام ولكنه حال دون قبوله فى أى وظيفة في القضاء أو النيابة وبعث بالشيخ بالباقوري والشيخ سيد سابق يرغبونه في وظيفة في وزارة الأوقاف . أن المؤتمر الإسلامي ولكنه كان يرفض ... وكان يسافر كثيرا إلى خارج الجمهورية- مما أثار شكك جمال عبد الناصر .. مما كان سببا في أن المخابرات لفقت له تهمة ( قلب نظام الحكم بالقوة وكذا تنظيم مالي لمساعدة أسر الإخوان المسجونين والمعتقلين ) وبهذا صدرت أحكام ضد الإخوة منهم :

1- الأستاذ أحمد سيق الإسلام حسن البنا .

2- دكتور سعيد رمضان .

3- أحمد أنس الحجاجي.

4- د. محمد حسن حفني ( زوج شقيقة سيف الإسلام )

5- ضاحي عبد الباقي.

6- دكتور عبد الله رشوان .

7- عثمان إبراهيم .

8- محمد أحمد علي .

9- أحمد السيد صالح – محام.

10- مصطفي عبد الرحمن – ترزي .

11- الحاج علي عامر – عامل رخام .

12- حسن صبيح – كاتب قضائي .

13- عبد المنعم صبيح .

14- عبد الكريم حجاج – صيدلي .


وقد صدرت ضدهم أحكام مختلفة . أما الأخ الأستاذ أحمد أنس الحجاجي وكان سكرتيرا خاص للشهيد حسن البنا فقد توفي بمستشفي القصر العيني حال سجنه رحمه الله وأحسن مثواه .

الفصل الثامن


حرب 10 رمضان 1393هـ 6 أكتوبر 1973

كان الرئيس محمد أنور السادات يتحدث في خطبة وتصريحاته قد قرب يوم الحسم الذي يعني تحرير أرض سيناء من هزيمة 5 يونيو 1967 والذي يعني بعدها أن يعم الرخاء والرفاهية شعب مصر الذي يعيش في حالة من الفقر والجوع والمرض . ولما لم يتحقق هذا الرجاء ويأتي ذلك اليوم المسمي بيوم الحسم , بدأ الشعب يتململ والنكات الشعبية هي وسيلة في التعبير عن احتاجاته وتجاوز المر إلى إندلاع المظاهرات داخل الجامعات تندد بالأوضاع وتسخر من يوم الحسم الذي طال الحديث عنه .

وبعد شهور وفيما نحن نعيش في حياتنا اليومية الروتينية التي لا تغيرها سوي الزيارات التي تأتينا بالجديد من حوادث وأخبار وحكايات وأخبار وحكايات وما قد يصل إل السجن من معتقلين أو مسجونين جدد من صفوف عليه القوم من حكايات سابقين يتآمرون على نظام حكم السادات .

إذ انطلقت الإذاعات ووسائل الإعلام تعلن عن نبأ اقتحام رجال الجيش المصري " لخط بارليف الساتر الترابي " الذي أقامه اليهود على ضفاف الشاطئ الشرقي لقتال السويس ليحميهم من تقدم الجيش المصري إلى أرض سيناء وتقول الأنباء أن قوات الجيش المصري قد عبرت القناة على عدد من الكباري أقيمت على طرفي القناة عبرت عليها القوارب المطاطية التي أسرعت بجنود الاقتحام – ونقلت وسائل الإعلام أن الجنود اقتحموا خط بارليف واحتلوا المواقع والدشم ورفعوا العلم المصري على أعلا تبة في الميدان . وأن هذه المعركة " سميث معركة بدر " وأن شعار المعركة ( الله أكبر) كان يدوي كالرعد يحفز الهمم ويقوي العزائم ويلهب المشاعر ويبشر بالنصر .. وكانت هذه الأنباء السارة هي المفاجأة الكبري التي أنعشتنا وشغلتنا أياما وأسابيع ونحن نتابع أخبارها وصداها في أنحاء العالم . وكنا نستمع إلى الإذاعة وكانت تتحري الصدق والأمانة في نشرتها الإخبارية عن أنباء المعارك ( آخذة درسا قاسيا مما كان من إذاعة صوت العرب بصوت أحمد سعيد في المبالغة عن انتصارات وهمية وتموية الحقائق حتي انكشف الغطاء عن أكبر هزيمة في تاريخ العرب ) وظللنا نتابع أخبار المعركة حتي وصل الجيش المصري إلى المشايق .. فتدخلت أمريكا ودول أوربا لوقف القتال وإنقاذ جيش إسرائيل من هزيمة ساحقة وتوجت مصر انتصارها بجلسة تاريخية في مجلس الشعب حضرها الرئيس محمد أنور السادات بصحبة قواد الجيش الظافر الذي رد الاعتبار والكرامة للشعب المصري .

وبعد هذا الانتصار بدأت مشاعر الإخوان وأملهم في مرحلة جديدة من الانفراج السياسي الذي يفتح الأمل في الإفراج عن المسجونين السياسيين وفي مقدمتهم المسجونون من جماعة الإخوان المسلمين . وفي هذا الجو بلغ إلى فضيلة المرشد تطلع الإخوان إلى الإفراج فأرسل رسالة إلينا فحواها ( أيها الإخوان إذا كان مبلغ همنا هو الإفراج عن الإخوان كأفراد ... فلماذا إذن أدخلنا السجون ؟! لقد دخلنا السجون من أجل الدعوة ! فالأصل عندنا هو الإفراج عن الدعوة أولا وقبل كل شئ فالإفراج عن الدعوة يعني ضمنا الإفراج عن الإخوان ) .

وبدأت الصحافة تطالب بالإفراج عن المسجونين السياسيين ... ولم تمض أسابيع حتي أفرج عن الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ مصطفى أمين وآخرين وبدأت الزيارات تحمل لنا أخبارا وبشريات عن قرب موعد الإفراج .

جلسة تاريخية مع السيد محمد أبو النصر

بعد أن تواترت أنباء عن قرب الإفراج عن الإخوان فوجئنا ذات يوم عصرا – بدعوتنا لحضور لقاء مع العقيد فؤاد علام المسئول عن نشاط جماعة الإخوان في إدارة المباحث العامة بالقاهرة – وفي فناء السجن أعدوا كراسيا لجلوسنا . وكانت أمامنا منصة جلس عليها العقيد فؤاد علام والمقدم عبد العال سلومة وبعض الضباط – وتحدث فؤاد علام حديثا مستفيضا عن أسباب القبض علينا وتطورات الموقف من تحقيقات ومحاكمات ومعتقلات وسجون ثم تحدث عن الظروف التي جدت على الساحة بعد موت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتولي محمد أنور السادات السلطة حتي كانت حرب 6 أكتوبر 1973 ثم الانفراج السياسي وجو الحرية القائم في مصر . ثم عرج على الجديد من تطورات وموقف الحركة الإسلامية من روح الاعتدال والحكمة وتقدير الظروف .

وبعد أن ألقي كلمته وأراد أن ينصرف – قام الأخ الكبير السيد محمد حامد أبو النصر واستأذن في كلمة- فسمح له – فحمد الله تعالي وأثني علي نبيه صلي الله عليه وسلم – ووجه كلته إلي العقيد فؤاد علام قائلا إنه يستغرب من قوله أن روح الاعتدال وحسن سلوكهم ليس أمرا جديدا على الإخوان سواء كانوا في السجن أو خارج السجن . إنه سلوك في الأصل محدد بمنهج الدعوة وأخلاق وتعاملات الإسلام وليس للسجن أى تأثير في ذلك وكان الأولي أن تقول إن إدارة السجن هي التي تحولت إلى نوع من الآدمية والإنسانية بعض الشئ ... وأما أشخاص الإخوان فهم ثابتون على عقيدتهم وبيعتهم لخدمة الإسلام في أى مكان وأى زمان ولا يعتبرون هذه السنين التي بلغت عشرين عاما خسارة بل هي ربح في ميزان حسناتنا يوم القيامة . وأنه لا يزيد في عمرنا ولا ينقص أى قرار تتخذه الدولة سواء لنا أو علينا ما دمنا نؤمن بقول ربنا عزوجل ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وأحب أن أصارحك بأن ما جري علينا وعلى عموم إخواننا من تعذيب وتشريد وتغفر للمسئ إساءته والله تعالي علمنا ( فمن عفي وأصلح فأجره على الله ) .

ولقد لاقت هذه الكلمات المؤمنة عند الإخوان استحسانا وعقد العقيد صمتا واستأذنا وغادرنا مع صحبه .

قرار بالإفراج عن السيد محمد حامد أبو النصر

ولم تمض أيام حتي فوجئنا بقرار الإفراج عن السيد محمد حامد أبو النصر فقام الإخوان جميعا وأحاطوا به مسلمين ومودعين والدموع تجري في مآفيهم حتي أوصلوه إلى باب السجن ملوحين له بالتحية والتقدير والحزن لفراقه .

تحديد إقامة السيد محمد حامد أبو النصر في منزله

وما كاد " أبو النصر " يهنأ بروح الحرية المحدودة التي خطي بها بعد مدة السجن الشاقة الطويلة حتي صدر قرار بتحديد إقامته في منزله والسبب في ذلك – أنه أرسل إلى إخوانه في السجن زيارة من مأكولات وملابس وأدوية واشتبه الضابط الذي قام بالتفتيش على هذه الأشياء في الشخص الذي جاء بهذه حين رآه قد وضع في جيبه فقام بتفتيشه فعثر معه على مبلغ من المال - أدعي الضابط أنه حاول تهريبه داخل السجن . وعمل بذلك محضرا وعلي أساس هذا المحضر صدر قرار بتحديد إقامة السيد محمد في منزله.

مفاجأة المغص الكلوي

وفي مساء أحد الأيام شعرت بمغص كلوي شديد ... وقام طبيب السجن بتحويلي إلى مستشفي سجن طره لعمل إشاعة على الكلي . فقامت سيارة شرطة بحراسة مشددة بقيادة ضابط وزاملنا للعلاج احد الإخوة الذين خرجوا على الصف وأيدوا نظام جمال عبد الناصر – وكان يتودد كثير إلى الضابط الذي كان يتأفف من الحديث معه ويشعره بالإهمال في نفس الوقت كان يبدي نحوي شعورا طيبا مع أنني كنت أعامله كضابط دون تملق وأضع نفسي في ظروفي بعزة واحترام.

أما الآخر فكان يظن أنه أصبح من أنصار النظام وأن الضابط سيأخذ له تعظيم سلام .

ومن يهن – يهن الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام .

الإفراج عن الأخ الشهيد كمال السنانيري

صدر قرار بالإفراج عن الأخ كمال السنانيري الذي حكم عليه في قضايا عام 1954بالسجن المؤبد وكنت حياته في السجن صورة فريدة متميزة عن سائر إخوانه – فكان يعيش حياة الجفاف والكفاف فلا يلبس إلا ملابس السجن الخشنة لا يزيد عليها على الإطلاق في فصل الشتاء مما سبب له ذلك بعض الأمراض كما أنه لا يأكل إلا الطعام المقرر في السجن فإذا كان الطعام قد برد فأنه يحاول أن يوقد عليه ليسخنه وكان كثير العبادة والزهد ... حتي قضي نحبه بالتعذيب الشنيع في محنة 1981 حين اعتقل أنور السادات 1500 عضو من جميع التشكيلات الحزبية والإسلامية والقبطية في سجن ليمان طره وودع الإخوان أخاهم وداعا روحيا عاطفيا للغاية بعد أن قضي في السجون عشرين عاما مؤمنا محتسبا حتي منحه الله تعالي شرف الشهادة بالموت في سبيل الإسلام ( وربك يخلق ما يشاء ويختار) ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)

حقيقة شعور الإخوان

كان شعور عامة الإخوان في السجن أن موعد الإفراج عنهم بات وشيكا ومع هذا لم يتغير منهجهم اليومي في المعيشة والتعامل فهم مؤمنون بأن الأمور تجري بالمقادير فليس لها ضابط من عرف أو قانون وخاصة مثل القضايا السياسية وبالأخص في شأن جماعة الإخوان المسلمين الذين قضوا في السجون إلى الآن عشرين عاما منذ عام 1954 مخالفين بذلك كل القواعد والقوانين .

ولعل السنين الطويلة التي قطعوها في السجون تحت الضغوط الشديدة المتنوعة جعلتهم يعيشون فيها ويتعاملون معها بقدر وحذر فهي ليست ثابتة ولا مقنعة ولعل ذلك من أهم الأسباب التي أعانتهم على الصبر والتحمل وعدم إدخال عوامل وهمية في مسيرتهم جاعلين نصب أعينهم قول الله تعالي ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .

يوم الإفراج الصغير

نعم إنه يوم الإفراج الصغير – لأن يوم الإفراج الكبير هو يوم الإفراج عن الدعوة الإسلامية وانطلاقها من القيود وتخطي جميع السدود إلى آفاق العالم الحر تبشر بالدعوة – دعوة الحق والقوة والحرية ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) .

وفي عصر يوم الخميس 11 من ربيع الأول 1394 هـ الموافق 4 من أبريل 1974 بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم – صدر قرار بالإفراج عن الإخوة المسجونين الذين قضوا نصف مدة العقوبة المقررة عليهم .

وتجمهر الإخوان يستمعون إلى الضابط وهو يعلن عن أسماء الإخوة المسجونين الذين قضوا نصف مدة العقوبة المقررة عليهم .

وتجمهر الإخوان جميعا يستمعون إلى أحد الضباط وهو يعلن عن أسماء الإخوة الذين ينطبق عليهم شروط الإفراج وكان عددهم سبعين وطلب منهم إعداد أنفسهم لمغادرة السجن في الحال – وفي لحظات كان الجميع في انتظار السيارات التي ستنقلهم إلى مبني مباحث أمن الدولة – وتجمع الإخوان المغادرون والباقون من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد ولم ينطبق عليهم قرار الإفراج بنصف مدة العقوبة - الجميع يودع بعضهم بعضا في مشهد عاطفي مهيب تنساب فيه الدموع وترتفع فيه خالص الدعوات والشكر لله رب العالمين أن يثبت الله القلوب على دعوته . وكان الإخوة الباقون أشد حماسهم وعواطفهم النبيلة نحو إخوانهم وكم كان جميلا منهم أن زودوا إخوانهم المفرج عنهم ببعض النقود التي تعينهم حتي السفر إلى أهليهم بخير وحملتنا السيارات إلى مبني مباحث أمن الدولة – حيث كان في انتظارنا العقيد فؤاد علام المسئول عن النشاط الديني – فتحدث معنا بعض الوقت – كلاما تقليديا فيه شئ من الاعتذار وشئ من التوديع والنصيحة والإنذار ثم أخلوا سبيلنا أحرار بلا حراسة وانطلق كل منا حيث أهله وعشيرته .

أبرقت إلى والدي رحمه الله في رشيد أعلمه بأمر الإفراج وأخذت القطار إلى الإسكندرية فوصلتها يوم الجمعة وقمت بزيارة شقيقتي في أبو قير ووصلت إلى رشيد وزرت والدي ثم ذهبت إلى منزلي ... وكان استقبالا رائها وأديت الجمعة شاكرا لله تعالي عظيم وكريم آلائه .

استقبال أهالي مدينة رشيد

سري نبأ الإفراج في مدينة رشيد فأسرع الكثير من أهالي رشيد وأبنائها الكرام إلى منزلي للتهنئة بالإفراج في صورة مبهجة جاوزت كل تصوراتي فقد كنت أظن أن الخوف والرعب مسيطرا على عقول الناس وقلوبهم – فإذا بالواقع القديم قد بدأ يتبدد ويزول وإذا بالشباب يقبل في شوق وحب وحرارة . وإذا بالذين كانوا أطفالا عام 1965 صاروا شبابا عام 1974 وإذا بالأحداث والحروب قد غيرت الكثير من التصورات والمفاهيم وإذا بالاتهامات الباطلة في حق جماعة الإخوان ينكشف عنها الغطاء ويشرق عليها النور فيبدد كذبها وباطلها ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) وكانت جلسات ولقاءات وأحاديث تمتد أحيانا إلى قسط من الليل بين زائر ومستفسر وكانت فرصة للبيان والتوضيح وتصحيح الاتهامات الباطلة التي انفردت بها وسائل الإعلام المضللة .. وفتح باب هذا الاستقبال الكريم الفرصة للتعرف والتزاور الذي تولدت من خلاله المفاهيم الجديدة النابعة من الإسلام الصحيح والتي تكونت بها لبنات الجيل الجديد في رشيد وبدأت استأنف حركة الدعوة الإسلامية على أسس ثابتة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة والتابعين مستهديا بقول الله تعالي ( وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وآخذا في طريقي العبرة من كل الأحداث والمواقف والعقبات التي عشناها في طريقنا إلى تحقيق أهداف الدعوة الإسلامية .

وقد تناولت بعد الإفراج عني في 4 أبريل 1974 بعض الممارسات الدعوية التي سلكتها مع إخواني من الجيل الجديد في كتاب ( من المذبحة إلى ساحة الدعوة) التي صدرت الطبعة الولي منه في 11 ربيع الأول 1398 – 18 فبراير 1978 وكنت أتمني أن أواصل الكتابة تحت عنوان ( في قافلة الإخوان المسلمون) ولكنها إلى هذا الجزء الرابع أكون قد قطعت مرحلة محددة التاريخ ومع هذا فإن الدعوة وحركتها وجهادها وتاريخها لا ولن ينقطع إلى يوم القيامة لأنها دعوة الحق والمجد والخلود .

( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)

الفصل التاسع


يثير السجن الحربي في النفوس – بمجرد ذكر اسمه – أبشع الذكريات وأكثرها إثارة للرعب والألم والتخلص من هذه المؤسسة العقابية سيئة السمعة كريهة الرائحة إنما هو خلاص من وصمة عار .. من نقطة سوداء شوهت تاريخ مصر الحديث – فعلي مدار ثلاثين سنة تقريبا والحديث لم ينقطع عما ارتكب خلف أسواره وما حدث في ظلمات زنازينه من اغتيال للحريات وانتهاك للأعراض والحرمات وتلفيق التهم للأبرياء وتمزيق للأجساد بلا ذنب ولا جريرة – اشترك في ذلك كله الذين جمعت بينهم صفات مشتركة في مقدمتها مرض السعار والتعطش إلى الدم والتلذذ بمذاقه والاستمتاع بخطوط الألم وهي تنحفر بعمق على وجوه وأجساد الآخرين .

وقد كان القضاء المصري بكل ما اشتهر به وعرف عنه من عدل ونزاهة وبكل ما يمثله في حياتنا من ضمانا وبكل ما يضيفه عليها من أمان وطمأنينة هو أسبق الجميع إلى المطالبة بهدم " باستيل مصر الرهيب" الشهير بالسجن الحربي .. كان القاضي من فوق منصته المقدسة والعالية – أسبق من فكر المفكرين . وفلسفة الفلاسفة – وأفلام الكتاب إلى المطالبة بالخلاص من هذه الوصمة وإزالة هذه العقبة السوداء من على أرض الوطن .

وذلك في حكم شهير أصدرته محكمة جنوب القاهرة الابتدائية في 30 مارس 1975 برئاسة المستشار محمود عبد الحافظ هريدي . وعضوية القاضيين محمود منصور وأحمد السعيد عابد – في الدعوي التي حملت رقم 12 لسنة 1974 مدني كلي جنوب القاهرة والتي عرفت بقضية تعذيب المستشار علي جريشة واشتهرت فيما بعد – بقضية السجن الحربي وقد ضمنت المحكمة حيثيات حكمه التاريخي هذه السطور التي سيظل التاريخ محتفظا بها في أنصع صفحاته بياضا وبأكثر حرقة نورا وإشراقا :" ومراعاة للشعور الوطني وردا لاعتبار الشعب المصري الكريم تناشد المحكمة السيد رئيس الجمهورية بأن يأمر بهدم وإزالة مبني السجن الحربي الذي سيظل – ما بقي قائما – شاهدا على إذلال الشعب وتعذيب أبنائه ومشيرا وقبرا لذكريات بقضية أليمة مؤسفة حزينة وأن يأمر بإقامة منشآت اجتماعية وثقافية فوق أرضه ".

ومما قالته المحكمة في حيثياتها:

وحيث أنه قد ظهرت حقيقة الإنسان وكنهه وعنصره وقدره وقيمته فماذا فعل تابعوا المدعي عليه بالمدعي كإنسان كمجرد إنسان ؟ عذبوه بوحشية فأوسعوه ضربا حتي شوهوا وجهه واختلطت معالمه واختفت ملامحه حتي عز علي جاره وصديقه التعرف عليه إلا بعد التفرس فيه وإطالة النظر إليه ... مزقوا جسده بالسياط حتي أثخنوه جراحا أسالوا دمه حتي استحال قيحا وصديدا .. أذلوه حسا ومعني حتي أعجزوه أن يقف على قدميه وأرغموه على أن يزحف على أربع وكان غاية الهزء والازدراء والتفنن في القسوة والتعذيب وإلحاق الإهانة والهوان به أن يطلبوا منه أن ينبح كالكلاب .. علقوا جسده وألهبوه بالسياط على جروحه وقذفوه بأقذر وأفحش ألفاظ السباب .

وحيث أن هذا ما علموه به كمجرد إنسان ولما كان المعدي أكثر من مجرد إنسان .. فهو ممن أتاهم الله حكما وعلما وله من تكوينه وثقافته وعلمه ما أهله لتولي المدعي عليهم لم يهدروا هذه الحصانات فحسب ولم يكتفوا بانتهاكها وبل اتخذوا منها ذريعة ليضاعفوا له العذاب وبالغوا في الزراية به يقصد اتخاذه آلة أوهاب كل من يسوقه قدره إلى السجن الحربي . بل جعلوه عرضا مرعبا وصوره مفزعة مثيرة يخيفون بها المنكوبين ويرهبونهم بها ويتوعدنهم بمصير كمصيره مشيرين إليه أن انظروا كيف نقدر حتي بالقضاة .

وهكذا بدلا من أن تكون الحصانات ضمانا له كما هو المقصود بها جعلوها سببا للاستبداد ودافعا مثيرا ملؤه الحقد للزراية والفتك به .

وحيث أنه لا يبرر ما حدث للمدعي أنه كان مسجونا لاتهامه في جريمة ودون النظر أنه لا يبرر ما حدث للمدعي أنه كان مسجونا لاتهامه في جريمة ودون النظر أو التعرض لموضوع اتهامه ومحاكمته فإن وفوق أى مكان يكون فإن أخطأ أو انحرف وجبت محاكمته وحقت عليه العقوبة ولكن دون إخلال أو حط من كرامته .

وحيث أنه بالنسبة للضرر فبعد ما تقدم من عرض لوقائع التعذيب والنيل من كرامة المدعي وما قساه من آلام وأوجاع وذل ومهانة وما تخلف بجسده من آثار أثبتتها الكشوف الطبية والصور الفوتغرافية بالإضافة إلى ما تخلف في نفسه وما وقر في ذاكرته من مآسي وأهوال ما سيظل يلازمه طوال حياته ولم يسمع إلا بالموت فإن الضرر ظاهر ناطق صارخ.

ثمة عنصر آخر من عناصر الضرر الأدبي .. أمر يزيد من ألام المدعي ويعكر عليه صفوة حياته ذلك أن أحد ممن عذبوه أو ساهم في تعذيبه وإذلاله لم يسأل أو يعاقب على ما اقترفه من أخطاء وجرائم في حقه مما يؤثر على نفسيه المدعي من عدة وجوه .

1- فهو يعيش في وطن وهو يشعر بأنه هين عليه ولا كرامة له فيه .

2- يعيش على اعتقاد بأن تعذيبه كان كأنه أمر مباح إن لم يكن أمرا مطلوبا .

3- ما يحس به من أنه يعيش في دولة كان القانون فيها قاصرا على أنه يحميه وقت الاعتداء عليه وما زال قاصرا .

4- يعيش متحسرا فزعا موهوما مما أصابه في ماضيه غير آمن ولا مطمئن على غده طالما أن جلاده لم يلق عقابه وما زال ينعم ويرتع .

5- وأقصي وأخطر وأفدح من هذا كله .. ما قد يخلقه عدم محاكمة المعتدين من فجوة بينه وبين وطنه وما يولده في نفسه من سخط عليه .. فيبادله جفاء بجفاء ذلك أن اعتزاز المواطن بالوطن – مرده اعتزاز الوطن المواطن رغم أن الوطن برئ من الجلادين وأفعالهم . وأنه والمدعي كلاهما مجني عليه .

وثيقة تاريخية

لذلك أجانب المحكمة المدعي إلى ما طلبه , وقضيت له بالتعويض المادي الذي لا يزيل ما ترسب في نفسه وما تخلف على جسده من آثار التعذيب إلا أنها سجلت في البدندين ثالثا ورابعا من حكمها التاريخي ما يلي :

إن القضاء وهو ضمير الأمة ووجدانها يعلن براءة البلاد من كل من ساهم في إذلال الشعب وتعذيب أفراده بصورة أو بأخري .

حيثيات الحكم في قضية تعويض أهالي كمشيش

قالت هذه الحيثيات كما نشرتها جريدة الوفد :

" إن محكمة الجنايات تسجل للتاريخ أن الفترة التي جرت فيها أحداث هذه القضية المثيرة هي أسوأ ما مرت بها مصر طيلة تاريخها القديم والحديث ..!!

ففيها ذبحت الحريات وديست كرامة الإنسان المصري .. وإن المحكمة .. وهي تسجل هذه الفظائع ينتابها الأسي العميق والألم الشديد من كثرة ما أصاب الإنسان المصري في هذه الحقبة من الزمان من إهدار لحريته وذبح لإنسانيته – وقتل لمقوماته كافة وحريته ورجولته وأمنه وأمانة وعرضه .." وإن المحكمة تسجل للتاريخ أيضا وقلبها ينفطر أن ما حدث في هذه القضية لم يحدث مثله حتي في شريعة الغاب ولا البربرية الأولي . ,أن المباحث العسكرية الجنائية أمرت الرجال بالتسمي بأسماء النساء !! ووضعت ألجمة الخيل في فم رب العائلة كبير الأسرة ولطمت الرؤوس والوجوه فيه بالأيدي وركلتها بالأقدام ... وهتكت أ‘راض الرجال أمام بعضهم البعض !! وجئ بنسائهم وهددوا بهتك أعراضهن على مرأي ومسمع منهم ودربت الكلاب على وطئ الرجال ..!! وتم ذلك بالفعل في المتهم الأولي . وهو رب العائلة وإخوته وأمرت بإخراج جثة والدتهم وكانت حديثة الدفن , للتمثيل بها أمام الناس والتشهير بهم وإذلالهم أما أهليهم .

وتسجل المحكمة أن المخلوق الذي ينسي ربه ونبيه ,ويأمر الابن بصفع أبيه هو مخلوق وضيع ...وتافه ومهين ..!! وضاعت الكلمات .

20 ألف جنيه تعويضا لمواطنين عن اعتقالهم وتعذيبهما في عهد جمال عبد الناصر

أصدرت محكمة جنوب القاهرة حكمها بإلزام الحكومة بدفع عشرة آلاف جنيه لكل من المواطن محمد عبد المجيد أبو ستين ومواطن آخر من جماعة الإخوان المسلمين تعويضا لهما لما لحقهما من أضرار مادية وأدبية من جراء اعتقالهما وتعذيبهما في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قالت المحكمة إن زبانية السجون والمعتقلات في عهد عبد الناصر انتهكوا كافة القيم واللوائح والدساتير السماوية والوضعية وتخلوا عن كافة القيم الخلقية والمواثيق السماوية والدولية والمبادئ الإنسانية وقد قام هؤلاء الزبانية دون أن يكون هناك قانون بحكم تصرفاتهم ولا حائل يقف في سبيل تحقيق رغبتهم وإن إرادتهم هي القانون .

صدر الحكم برئاسة المستشار فتحي صالح عبد القوي وعضوية المستشارين عادل عز الدين وأحمد السعيد .

المواطن عبد الحفيظ هاشم 28 عاما في مستشفي الخانكة

المواطن عبد الحفيظ هاشم دخل \مستشفي الخانكة في عهد حكم الطاغوت جمال عبد الناصر وكانت تهمته تهمة سياسية – وبقي في المستشفي ثمانية وعشرين عاما حيث خرج من المستشفي في شهر يناير 1983 حيث دخل المستشفي عام 1956 تقريبا في قضية رقم 1888 لعام 1956 – الذي تم بسببها صدور قرار النائب العام في ذلك الوقت قبل 28 عاما بإيداع عبد الحفيظ مستشفي الأمراض العقلية – وقدر الله وما شاء فعل – إذ عاد عبد الحفيظ إلى منزله وفي نفس يوم خروجه من المستشفي وبعد وصوله إلى منزله بدقائق ( توفاه الله تعالي ).. وهذه القضية والحقيقة الواقعة بعض الذي كان يحدث في مصر وما خفي كان أعظم .

من منجزات ثورة 23 يوليو في مصر – إلغاء المحاكم الشرعية من ملامح ذكريات يرويها الشيخ أحمد حسن الباقوري

يقول الشيخ الباقوري أنه قد كلف من الرئيس عبد الناصر أن يسافر على رأس الوفد المصري إلى الأردن لحضور مؤتمر خريجي الجامعات .

" وقد نزلنا في فندق أمبسادور في عمان وكان الوفد يضم حوالي 40 عضوا تخرجوا في العلوم والآداب من مختلف الجامعات المصرية – ويطيب في هذه) الكلمات أن أثني على جلالة الملك حسين الذي ألقي كلمة الافتتاح في أسلوب رفيع وحكمة عالية . وكنا ما نلتقي لنتحدث في مختلف الشئون العامة .

وقد فوجئت وأنا في عمان بعد أيام من انعقاد جلسات المؤتمر بقرار الحكومة مصر تلغي به المحاكم الشرعية وقد أثار عجبي ودهشتي أنني رأيت في بعض الصحف المصرية صورة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج ومعه الشيخ حسن مأمون مفتي الجمهورية يوقعان في سجل الزيارات في مجلس الوزراء بمناسبة إلغاء المحاكم الشرعية كما قالت هذه الصحف !!

وقد حاولت أن أستنكر قرار إلغاء المحاكم الشرعي . إذ رجعت بي الذاكرة إلى ما كان قد ذكره لى عبد الناصر من أنه يفكر في أن يستبدل بمجلس البرلمان المجلس الوطني الكبير فحاولت أن أبعث باستنكاري لهذا القرار ولكن السيد فؤاد جلال ناقشني في ذلك طويلا ذاكرا أن هذا الاستنكار لا يفيد شيئا مع تأييد شيخ الأزهر والمفتي لهذا القرار قلت له هذا حق .

ولما عدت من رحلتي الطويلة قابلت جمال عبد الناصر وقلت له إني عتبت عليك أشد العتب حين ألغيت المحاكم الشرعية وأنا في مؤتمر الخريجين في المملكة الهاشمية الشقيقة ففتحت للناس باب للإشاعات التي كانت تزعم أنك تعاند الإسلام وتتربص به الدوائر على نحو ما فعل أتاتورك في تركيا .

فقال : لقد وافق هذه الخطوة شيخان من شيوخ الإسلام الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر والشيخ حسن مأمون مفتي الجمهورية وقد نشرت الصحف صورتهما يوقعان على دفتر الزيارات في مجلس الوزراء فليس في وسع أحد أن يزعم أن في هذه الخطوة خروجا على الإسلام أو تربصا به – إلا إذا كان الشيخان المذكوران يتربصان بالإسلام والمسلمين .

أخطر اعترافات الشيخ أحمد حسن الباقوري

عبد الناصر يحكم بالنظام الهتلري ويستعين بالمخابرات النازية البطانة والمخابرات النازية .

وقد كانت بطانة عبد الناصر من أسوأ البطانات في الأرض إلا قليلا ممن عصم الله – فكانوا يحرصون على استغلال قربهم منه إما رجاء لخيره وإما اتقاء لشره وهم مع ذلك قليل جد قليل.

ولقد كان من أشد ما ابتلاه الله به – أخذه بالنظام الهتلري في حكم الشعب واستعانته برجال المخابرات النازية الذين حاولوا أن يصنعوا مصرا ما كانوا يصنعونه بألمانيا في عهد هتلر وأشهد أن عبد الناصر بدا حياته السياسية زعيما متزن الرأي عميق الفكر محبوبا من الجماهير ولو أنه سار على هذا الطريق لبلغت مصر به أكرم الغايات ولكنه انحرف عن سواء السبيل وكان المظهر الصارخ يتجلي في أمور أحدهما – حرصه على الاستبداد بالرأي الذي أفقده أفضل زملائه من رجال الثورة وهم لا يقلون عنه حبا لمصر .

وثانيهما – إيثار سوء الظن بالناس سواء في الإسراف في التجسس عليهم بكل الوسائل التي كشف عنها العلم ولجأ إليها الحرص على سلطان الحكم بأى ثمن ومن أية طريق .. ولم ينفعه ذلك شيئا بل زاده بعدا عن الشعب وزاد الشعب إصرارا على سوء الظن به وخيبة الأمل فيه .

عبد الناصر المفتري عليه والمفتري علينا والشهيد سيد قطب

بقلم الأستاذ أنيس منصور

اللهم اجعل دمي لعنة عليه إلى يوم القيامة ... اللهم إني على دينك , وفي سبيلك وأموت عليه ... الله هذا الطاغوت تكبر وتجبر اللهم رحمتك وجنتك يا أرحم الراحمين وإنا لله وإنا إليه راجعون .

لقد كان رحمه الله طويلا شاحبا – يتساند على جلاديه .. لم يكن خائفا وإنما كان مريضا .. لم خائرا وإنما كان شيخا لم يكن ثقيل الخطي وإنما كان علما وقرآنا لم يكن بشرا كان جبلا من الإيمان والصبر واليقين .

بحثت عن يدي ألطم بها خدي . لم أجدها . ما الذي انتابني ما الذي أصابني فأري سيد قطب العالم الجليل والشهيد الكريم صديقي في حب الأستاذ العقاد والإعجاب به أحد الأنوار الكاشفة للإيمان والغضب النبيل من أجل الله وفي سبيله .. هل هو الذي وقفناه به ؟ فكل شئ لونه أحم ... الجدران – الأرض الوجوه الجامدة ... هل انفتحت جهنم جديدة حمراء باردة .. هل حمراء ملتهبة ولكن الأعصاب هربت ... نزعوها جعلوها حبالا يتدلي منها سيد قطب ؟! هل هو عندما دخل .. نزل ... مشي ..ز سحب أرواحنا . فأصبحنا أشباحا موتي وهو الحي الحقيقي.... هل هذا الجسم الهزيل الشاحب قد جمع كل قواه وقوانا وحشجها في ضجرته تزلزل بها المكان : لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ... لبيك اللهم لبيك ... اللهم إن الموت حق ... وإنك أنت الحق لبيك اللهم لبيك .

هل كان هذا صوته .. أو صوت الجدران والأبواب والنوافذ . هل استولي على حناجرنا هل قفزت إلى قلبه قلوبنا – وانضمت إلى صدره صدورنا وبحثت عن رأسي فلم أجده ذراعي أمدها أسحبه بعيدا عن الحبل هل رأيت دموع في عينيه أما أنها دموعي .. هل سمعت عويلا حولي .. كل حقا ما حدث لا حول ولا قوة إلا بالله لم يشفع له علمه العظيم ... لم تشفع له شيخوخته الحكيمة ... لم يشفع له مرضه .

ومن بعد ألوف غيره من الأبرياء في السجون وغرف التعذيب وهتك الأعراض للأمهات والبنات أمام الأزواج والآباء .

إنه المسرح الرسمي للرعب الأكبر كلاب وكرابيج ومسامير وجرادل البول والبراز تيجانا على رؤوس المؤمنين بالله الكافرين بالطاغية .

ولا إله إلا الله.... والله أكبر ورسوله الأكرم دينه الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله .


الرأي الأول والأخير ..... عهد عبد الناصر

بقلم د. فاروق عبد السلام

ومن المخضرمين الرواد ومن الرعيل الأول في ذلك المجال الأستاذ الدكتور " عبد الحميد متولي " الذي يقول باللفظ الواحد في كتابه " نظرات في أنظمة الحكم في الدول النامية " صفحة ( 640) – " على أن مما يقضي به الإنصاف أن نذكر أن ذلك الفساد تمتد جذوره كما قدمنا إلى الوراء : إلى عهد عبد الناصر ومراكز القوي حيث ساد الاستبداد إلى الحد الذي يوصف بنظام حكم الإرهاب كما كان شأن ستالين وروبسير ونيرون حيث لم تكن توجد لدينا أية رقابة على تصرفات رجال الحكم ..."

ويروي نفس الرأي أيضا في نفس الكتاب في صفحة والدكتور عبد الحميد متولي ليس من الإخوان المسلمين ولم يكن إقطاعيا – فهو لا يصدر في رأيه عن ثأر قديم أو موقف شخصي معاد لحركة يوليو ورجال 23 يوليو وإنما هو عالم يطبق أصول علمه وقضي من عمره قرابة نصف قرن وما زال يبحث ويؤلف ويدرس ويكتب من دساتير العالم ونظمه السياسية وهو لا يلقي الكلام على عواهنه وإنما يزن أحكامه بميزان علمي متخصص ويذكر شهادته عن عبد الناصر وحكمه ثلاث مرات في نفس الكتاب الواحد فعبد الناصر في نزره وفي ذمة التاريخ وفي حكم أمثاله وأقرانه من علماء القانون الدستوري والنظم السياسية لا يختلف .

عن نيرون وروبسبير وستالين !!

حديث هام مع الفريق أول مرتجي عن شمس بدران

قدم الفريق أول مرتجي ثلاث حقائق على درجة كبيرة من الأهمية :

الأولي ما ذكره نقلا عن الرئيس جمال عبد الناصر من أنه كان يستعد للدخول في معركة ضد إسرائيل عام 1965 " ولكن بعد أن غررنا في اليمن ضاع الأمل ".

س- والسؤال للفريق أول مرتجي – هل ممكن سيادتك توضح لنا العلاقة بين الرئيس عبد الناصر والسيد الوزير شمس بدران ... وهل كان ولاء شمس بدران للرئيس عبد الناصر ؟ أم للمشير عامر ؟

ج- الواقع أنه كانت توجد مجموعة شبكات – كلها تتجسس على بعضها في القوات المسلحة شبكة تتبع المخابرات العامة – وشبكة تتبع المخابرات الحربية – وشبكة تتبع شمس بدران وشبكات تتبع سامي شرف , وهناك استقطاب لبعض القادة على المستوي الأكبر, في تصوري أن شمس بدران في البداية كان ولاءه للرئيس الراحل وكان يطمئن لوجوده في القوات المسلحة على اعتبار أنه يكون عينه هناك . بعد فترة من الزمن شعر أن ولاء شمس بدران بدأ يتحول نحو المشير .. وطبعا كان شمس يلعب على الحبلين . خصوصا بعد أن تواجدت الحساسية بين عبد الناصر والمشير في عام 1962 بعد الانفصال فاستغلها على الجانبين . وأذكر أني قلت للسيد الرئيس في إحدي المقابلات : أنتم الذين أعطيتم لشمس بدران كل هذه الهيبة وكل هذا السلطان .. لدرجة أنكم في استقبالات أى زوار في المطار كنا نكون واقفين صفا مع الوزراء وهو الذي يسير بجانبكم وهو يضع يده في جيبه – طبعا لما تعطي هذه السلطة لواحد صغير لازم يشعر بأنه كبير وينفرد بما يقدر على الانفراد به وهذا أيضا من ضمن الأخطاء التي حدثت إننا سلمنا سلطات كبيرة جدا لأفراد رتبتهم صغيرة. مثل السكرتيرين العسكرين, ومثل مديري المكاتب , وكانت هذه الأشياء من الأمور التي أثرت تأثيرا كبيرا جدا على الضبط والربط داخل القوات المسلحة إذ أن القائد لم يكن يقدر على ممارسة سلطانه على ضباطه خوفا من وجود التجسس على أكثر من مستوي وعلى وجود الضباط الصغار في مراكز حساسة يمكن أن يفتنوا عليه - ولهذا تحول ضباطنا أو معظمهم إلى الناحية السلبية وفقدوا الناحية الإيجابية – يعني لو تذكروا بعض ما كان يقال في الجيش من نكت وما إليها " مش عاوزين يا عم تجيلي ضربة شمس " وما إلى ذلك من نكات .

إن الجيش يبني على احترام الرتب .. واحترام الرتب هنا كان في بعض الأوقات قد فقد قيمته ولم يكن الضابط يقوم لأى رتبة كبيرة .. إنما كان يقوم بمدي صداقته بفلان أو مدي رضا علان عنه .. وهذا كله كان المنظر على المستوي بالنسبة لشمس – هل شمس كان يصلح ليكون وزيرا للحربية في هذا السن وبالقدرات التي كان يعرفها الجميع .. ولكن الحقيقة أن شمس استطاع أنه أحد يستغل بعض المناسبات مثل موضوع الإخوان وأظهر نفسه أنه أحد حماة النظام وهكذا انهارت كل القيم داخل النظام تماما.. كما انهارت القيادة في ساحة المعركة.

جرائم مراكز القوي

ويشير الباحث إلى أخطر جرائم التجسس وانتهاك حقوق المواطنين وحرمات حياتهم الخاصة التي وقعت ف يعهد مراكز القوي الذين استولوا على مواقع السلطة في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر وقام الرئيس الراحل أنور السادات بالقضاء عليهم وأمر بوقف كافة أعمال التجسس والتصنت على الأسرار الشخصية والعائلية كان يتم بصورة بشعة ورديئة في عهد مراكز القوى وكانوا يقومون بالتجسس والتصنت وتسجيل كل ما يدور فى مكاتب الضحايا ومساكنهم،وحتى غرف نومهم.لدرجة أن أحد رؤساء محاكم أمن الدولة التى نظرت هذه الجرائم البشعة يروى أن بعض الضباط الذين كانوا مكلفين بعمليات التصنت كان يترك الجهاز ليسجل،ويذهب بنفسه ليشاهد بعينه ما يحدث فى غرف نوم الضحايا!!!ويستدل الباحث بذلك وغيره على مدى انتهاك حرمات الناس. والاستخفاف بالمبادئ والقيم والقوانين،وهتك أعراض ألمواطنين فى عهد ضباط يوليو!!...

استجواب صلاح نصر

صفحة أخرى من صفحات كتاب وزير العدل الأسبق عصام الدين حسونة ...والسطور التى أتقلها من تحقيق جرى مع السيد "صلاح نصر بمكتب النائب العام فى السابعة من مساء يوم 3 أكتوبر 67.

س:الم يطلب منك السيد المشير (عبد الحكيم عامر ) اى سموم؟

ج:لا...بتاتا وأنا أقول صراحة أن المشير رجل مؤمن ولا يمكن أن يطلب سموما أو ينتحر،أما عن السموم التى طلبتها مرارا من المسئول عن الكيمياء فى جهاز المخابرات كانت بالاسم سيانور البوتاسيوم وحقن(حقن الهلوسة) وهذه ليست مادة سامه ولكننا كنا نجرى عليها تجارب عمليات الاستجواب وذلك تحت أشراف أطباء.

س:قرر المسئول عن الكيمياء انه تلقى أمرا من رئيسه بناء على طلب مد ير مكتبك وجيه عبد الله بان يسلم إلى وجيه عينات سموم فسلمه 600 مللى من ماده الاكونتين ومثلها من مادة الديجتوكسين وكان طلب وجيه بناء على أمرك فى 9/4/67 وقد قرر وجيه انه سلمها لك شخصيا وكانت والمادتان معبأتان فى الفجوات المعدة لوضع حبات الريتالين فى اتلشريط1الخاص بذلك. وقد اجمع هؤلاء الشهود على هذه المعلومات وأكد وجيه انه سلم العينات لك شخصيا.

ج:انا قلت أنى طلبت سموما كثيرة للأغراض التى ذكرتها وان وجيه قد سلمنى هذه المادة فى غلاف مغلق.

س:هل طلبت منه سموما بالاسم أو مقادير معينة؟

ج:لم أطلب سموما بمقادير معينة ولكن طلبت كمية من سيانور البوتاسيوم او سيانيد البوتاسيوم وهذه كانت لأعمال لا استطيع ان أفصح عنها.

س:هل تذكر انك طلبت سموما بعد هذه المرة؟

ج:طلبت قبل ذلك كثيرا ولم اطلب بعدها.وإذا طلب أسماء الأشخاص الذين كانوا سيستخدمون هذه المواد فممكن بعد اذن السيد الرئيس.

س:هل أوامرك تصدر كتابة أم شفويا؟

ج:عملنا فى المخابرات اغلبه شفوى ماعدا التقارير والتقديرات السياسية وما شابهها.

س:وهل تصدر لك الأوامر كتابة أم شفويا؟

ج:بعضها كتابة وبعضها شفويا.وهناك بعض الأوامر الخطيرة صادرة بتوقيع السيد الرئيس قد تمس المصلحة العليا للدولة لو وقعت فى ايدى غير أمينة بل تكشف عن أسرار خطيرة من سياسة الدولة.

اعترافات(1)

وتولت المباحث الجنائية العسكرية باعتبارها"السلاح القوى فى الداخل" مسئوليات القبض والاعتقال والتعذيب ضد الإخوان المسلمين ... وضباط مدرسة المشاة وقضية وتوفيق حسين توفيق وقضية دار التحرير للطبع والنشر وقضية مصطفى أغا وقضية مصطفى أمين وكلها وقعت عام 1965.....ثم حادث كمشيش التى انبثقت منها لجنة تصفية الإقطاع....

أما المشير نفسه فكان هو الأخر سباقا للانغماس فى الميادين العامة بعيدا عن مسئولياته فى القوات المسلحة والتى تركها لشمس وأعوانه ومريديه....فكان رئيسا للجنة الاقتصادية العليا ورئيسا للجنة السد العالى ورئيسا للجنة تصفية الإقطاع ورئيسا لاتحاد كرة القدم بالإضافة إلى منصبه كنائب أول لرئيس الجمهورية.

قضية الإخوان

ويظهر جانب من شخصية شمس بدران الطاغية فى تعامله مع قضية الإخوان المسلمين عام 1965...وكيف كانت تعليماته بالتعذيب حتى الموت ٍٍتصدر منه شخصيا إلى زبانيته... رياض إبراهيم وحسن كفافي وصفوت الروبي ليقوموا بجرائمهم الجائرة ..


ويدافع شمس عن نفسه بعد الإفراج عنه في حديث للكاتب السياسي جلال كشك نشرته مجلة الحوادث اللبنانية ..

أبدا ده أنا كنت عضو في الجماعة عام 1944 واسمي موجود في سجلاتها .

وتثبت محاضر التحقيق في قضايا التعذيب أمام محكمة الجنايات عام 1975 كذب شمس بدران وشذوذه وأنه أصدر تعليماته لصفوت الروبي (أحد زبانية التعذيب ) بتحطيم رأس المعتقل الإخواني محمد عواد وهو مشرف على الموت ... فضربه الروبي بعصا حديديه على رأسه فيفتت عظام الجمجمة ويلقي المعتقل حتفه بأمر من الوزير شمس .

وتكشف اعترافات حسين مختار المتهم السابع في المؤامرة كذب شمس بدران في وقائع التعذيب عندما يقول أن حمزة البسيوني قائد السجن الحربي ألقي بمسئولية التعذيب على شمس بدران .

قال حسين مختار بالنص :" لما لقيت حمزة البسيوني في بيت المشير تضايقت لإني كنت أعرف أنه قائد السجن الحربي ولما كلمته عن التعذيب اللي حصل للإخوان المسلمين وغير الإخوان قاللي البسيوني " والله يا حسين أنا ماليش دخل باللي حصل .. الوزير شمس كان بيأمر وإحنا بنفذ ".