مدير مكتب الإمام أحمد ياسين يروي ذكرياته معه في الذكرى الثالثة لاستشهاده

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مدير مكتب الإمام أحمد ياسين يروي ذكرياته معه في الذكرى الثالثةلاستشهاده


بقلم :أ. حمدي الدلو

تصادف اليوم الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد الشيخ الإمام الرباني أحمد ياسين ، في هذه الذكرى العطرة أجرى المكتب الإعلامي لكتائب القسام حوار خاص مع الأستاذ "أبو صهيب" مدير مكتب الشيخ أحمد ياسن، وهو آخر المدراء الذين تولوا إدارة مكتب الشيخ لحين استشهاده، عن قرب يتحدث "أبو صهيب" للمكتب الإعلامي عن حياة الشيخ الياسين في الذكرى الثالثة لاستشهاده.

كان لا يخشى الموت مستعداً للشهادة بل كان يفرح كلما يعلم بأن العدو الصهيوني يخطط لاستهدافه، كما كان حريصاً وبشكل ليس له حدود على دعم وتفعيل العمل العسكري ويدفع في اتجاه توسيع رقعته مع التنظيمات المختلفة كي يصبح العمل العسكري عصياً على الاستئصال فهذه نظرته التي تمنى أن يحققها, هذا ما أكده "أبو صهيب" مدير مكتب الشيخ الشهيد أحمد ياسين.

ويصادف يوم الخميس الموافق 22/3/2007 م الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد الإمام الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي قضى نحبه في غارة إسرائيلية استهدفته بينما كان عائد من صلاة الفجر من مسجد المجمع الإسلامي بحي الصبرة بمدينة غزة.

وإليكم نص الحوار:

بصفتك قريب من الشيخ , صف لنا حياته وأبرز محطات حياته ؟

لقد صاحبت الشيخ الجليل رحمه الله في فترة حافلة بالأحداث والحوادث الجسام , والتي كان لها الأثر الكبير على حركتنا ودعوتنا الغراء, فمن أبرز وأخطر الحوادث استشهاد المفكر الكبير الشيخ الدكتور إبراهيم المقادمة , الشهيد القائد رياض أبو زيد , والشهيد القائد المهندس إسماعيل أبو شنب والشهيد القائد نضال فرحات والشهيد القائد صلاح شحادة بالإضافة إلى التهديدات الصهيونية المتكرر باستهداف شيخنا المجاهد رحمه الله .

فقد كانت فترة من أثمن وأغلى فترات حياتي، لأنني تعلمت منها الكثير الكثير في صحبة شيخنا الجليل رحمه الله واسكنه فسيح جناته .

ومن أبرز يأخذ اللب والأذهان , البساطة العجيبة بل المفرطة التي كان يعيشها شيخنا المجاهد رغم مكانته المرموقة على الصعيدين الفلسطيني والدولي .

فقد كانت حياته الخاصة يعلوها هذه السمة البسيطة حيث يسكن في غرفتين ومطبخ من القرميد رافضاً أن يغادرها أو يغير فيها شيئاً.

كان طعامه بسيطاً كأي بيت أو منزل متواضع بدخل متوسط.

أما حياته الشخصية فكان عنواناً للالتزام بالصلوات في المسجد ( وقد يستغرب البعض من هذه الكلمات على أن الصلاة في المسجد أمر طبيعي ) لأنه كان على الدوام في حالة صحية صعبة ويحتاج إلى متابعة حثيثة جداً وقد يتعرض إلى المرض نتيجة لخروجه للمسجد إلا أنه كان يصر على الصلاة في المسجد خاصة صلاة الفجر .

وما أن يعود من صلاة الفجر يقرأ القرآن ثم يخلد للراحة قليلا حتى الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً , فيعود إلى المكتب الخاص بالعمل وهو مكتب متواضع يحتوي على خزانة كبيرة ( بوفيه) تحتوي على أغراضه المختلفة, ويحتوي على كراسي من الخيزران العادي وسريره الذي يشبه أسرة المستشفى, وفي الجهة المقابلة للمكتب غرفة صغيرة بها كرسي سيارة كبير وكراسي بلاستيك ومكتب خشبي متواضع وملفات يجلس بها سكرتير مكتبه, وينتظر بها الوافدين عليه أياً كانوا رغم تواضع هذه الغرفة, فهناك موقف أذكره حيث أن غرفة مكتب السكرتير جدرانها مشبعة بالرطوبة الشديدة الظاهرة بمنظر غير مناسب , فقال له أحد المرافقين (يا شيخنا نريد أن نحضر ثوب قماش فعمله فنعمله ستائر نغطي به الجدران فقال له رحمه الله :" أليس فقراء العامة أولى بهذه الفلوس من تزيين هذه الغرفة " ولم يغير فيها شيء إلى حين استشهاده , مع العلم أن أرض المكتب والغرفة من ملكه الخاص .

بعد وصوله للمكتب رحمه الله يقول للمرافقين بمساعدته على الوضوء لأنه لا يستطيع أن يتوضأ لوحده مطلقاً فيساعده على المضمضة والاستنشاق إلى نهاية الوضوء, وهو جالس على كرسيه المتحرك, ثم يوجهوه إلى جهة القبلة ليصلي صلاة الضحى وهو يقرأ من كتاب الله المستند أمامه على خشبه خاصة ويقوم بتقليب صفحات المصحف بأنفه , ويستمر بالصلاة يراجع ما أتم حفظه من القرآن, ومن ثم يبدأ بمقابلة المراجعين والمسئولين والجماهير من العامة الخاصة, ولقاءاته مع المسئولين في أجهزة الحركة ويستمر على هذه الحال إلى نهاية اليوم , رغم ما يعانيه من انتفاخ في قدميه ناتج عن جلوسه على كرسيه المتحرك لمدة طويلة , فينقله المرافقين على السرير ويستمر بلقاءاته وهو على سريره لا يكل ويمل .

في حالة تعبه الشديد كهنا نطلب منه التوقف عن العمل وأن نلغي المواعيد وأن نعتذر للوافدين فكان رحمه الله يرفض رفضاً قاطعاً ويقول :" أليس له ميعاد فيجب أن أقابله" .

ورغم هذه الانشغالات وهذا الضغط الشديد إلا أنه كان يستثمر بعض الوقت للقراءة في بعض المقالات السياسية أو الشرعية أو الكتب وبعض تراجم الصحف العبرية والعربية ومن ثم يخلد إلى النوم في ساعات متأخرة الساعة الواحدة أو يزيد ويستيقظ يومياً قبل الفجر للصلاة ومن ثم يذهب لأداء صلاة الفجر في المسجد رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.

حدثنا عن مواقف مميزة في حياة الشيخ عايشتها بصحبته ؟

هناك الكثير الكثير من المواقف المميزة في حياته رحمه الله ولكن من أبرز هذه المواقف , تأكيده المتواصل في جميع لقاءاته ومداولاته في الصحافة أو اللقاءات الخاصة على أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع أجيال صراع عقائدي وليس صراع أرض ووطن.

كانت له مواقف مميزة صلبة في استقباله أنباء استشهاد القادة العظام أمثال المقادمة وأبو شنب والشيخ صلاح شحادة .

كان يتميز برباطة الجأش وأكثر ما على وجه الغضب عند سماعه لنبأ استشهاد الشيخ القائد العام لكتائب القسام صلاح شحادة وجاءت الصحافة لتسمع رأيه فقال قولته المشهورة :" لن نكثر الحديث وسنترك للأعمال أن تتكلم عن نفسها " .

كان لا يخشى الموت مستعداً للشهادة بل فرحاً بها حيث في أحد الأيام وقد توالت الإشارات التي تشير إلى استهدافه من قبل العدو , حلقت حول المكتب طائرات الأباتشي فقلنا "له يا شيخنا الوضع في غاية الخطورة ويجب أن تغادر المكان ".

فأخذ يمزح ويضحك ويقول بشكل ساخر " صحيح هناك طائرات يا سلام أين هم " .

كان حريصاً وبشكل ليس له حدود على دعم وتفعيل العمل العسكري ويدفع في اتجاه توسيع رقعته مع التنظيمات المختلفة كي يصبح العمل العسكري عصياً على الاستئصال فهذه نظرته التي تمنى أن يحققها , فقد حققها بفضل الله .

ومن أشد المواقف التي يميز بها حين اشتد عليه الخناق من قبل سلطة الفساد وتهديداتها له بالإقامة الجيرية ومحاصرتها لبعض منازل المجاهدين فكان رحمه الله صلب الموقف لا يخشى في الله لومة لائم , وعيونه تهتك سترهم بالإصرار والتحدي ويغالبهم بالحكمة التي تحافظ على كل فلسطيني أياً كان حمساوياً أو غير ذلك ولن تلين له قناة .

فجاءه العقيد والعميد والوفود المختلفة من مستويات سياسية مختلفة تطالبه بالعدول عن موقفه في دعم المقاومة والعمل الجهادي إلا أنه كان يرفض رفضاً قاطعاً رغم كل الضغوطات .

ما أبرز ملامح وصفات شخصية الشيخ ؟

من أبرز ما تميزت به شخصيته رحمه الله :

الجمع بين الحزم والمرونة فقد كان يمتلك أن يناور ويحاور إلى أقصى حد وفي نفس الوقت يملك القدرة على دعم وتفعيل العمل الجهادي المقاوم دون أن يلتفت إلى تلك المناورات الخداعة.

تميز رحمه الله بالتواضع : في بساطة بيته ومع زوجته وأولاده ومرافقيه وكل من تعامل معه ففي أحد المواقف الرائعة : كنا نركب معه في الجيب متجهين إلى مكان ما وفي عجلة من أمرنا وكان طفلاً على جانب الطريق يريد أن يسلم على الشيخ فأمر السائق أن يقف وسلم وقبله وتحدث معه بروح الدعابة.

وقد تميز شخصيته بالفكاهة الخفيفة الرائعة ، فحين كنا نأكل سوياً على مائدة واحدة ( طلعاً هو لا يستطيع أن يأكل بنفسه بل يطعمه أحد مرافقيه ) فكان يقول له هات هذه يا فلان من الطعام لا بل هذه لا بل هذه وذلك من باب الدعابة والفكاهة .

أذكر موقف آخر كنت قد انتهيت عملي وأريد أن أغادر فقلت له يا شيخنا أريد أن أمشي (أي أغادر) فقال لي :" لا مش لازم تمشي فقلت له لماذا هل تريد شيئاً فقال لي لا يجب أن تركب رُكب " أي أن أركب سيارة وهذا من باب الفكاهة والمزاح .

كان رجلاً منفقاً معطاءً بغير الحدود : أذكر أن امرأة جاءت إلينا تطلب المساعدة ولم يكن لديه رحمه الله أموالاً بسبب الظروف الصعبة وتجفيف المنابع والوضع العام الذي كان يسود فقال لي ضع يدك في جيبي وأعطها وكان هذا المال من ماله الخاص ويقول لي قولته المشهورة :" يا بني ربك بيبعت ".

كان يحمل هم العامة والخاصة والطفل والمرأة والشيخ , فقد جاءتنا امرأة صغيرة السن تشكو الفاقة وتكرر مجيئها إلينا ومنا نعطيها على الدوام فقلت له يا شيخنا لقد جاءت هذه المرأة مرات عديدة وهذا يكفي .

فقال لي رحمه الله :" يا بني لما نعطي هؤلاء الناس أفضل من أن يساومهم غيرنا فنحفظ المجتمع من الهلاك ".

الوحدة الوطنية من الأهداف التي سعى الشيخ لتحقيقها ما الدور الذي لعبه الشيخ في توحيد البيت الفلسطيني ؟

لقد كان للشيخ رحمه الله الفضل الأول في توحيد وترتيب البيت الفلسطيني من خلال المبادرات التي كان يطلقها على الصعيد الداخلي وخاصة في المؤتمرات الصحفية التي يركز فيها بشكل مستمر على الوحدة ووحدة العمل وترتيب البيت الفلسطيني على أسس صحيحة لما تحمله شخصيته الكريمة من سمات اعتبارية على الصعيدين الدولي والمحلي .

فكان على تواصل مستمر مع أطراف مختلفة لتذليل العقبات أمام الوفاق الداخلي وكان له الفضل الكبير في إنجاح العديد من الاتفاقات الداخلية لتخفيف الاحتقان, رغم أن البعض كان ينظر إليها على أنها تهاون في الحقوق, فكان رحمه الله يرفض مبدأ الانتقام ورد المثل بالمِثل وذلك من باب الحرص على نظافة يد الحركة الإسلامية .

مما كان له الأثر الكبير في ترتيب البيت الفلسطيني في اتفاق القاهرة وتهيئة الوضع الداخلي إلى وحدة فلسطينية كما نرى اليوم .

ارتبط اسم الجهاد في فلسطين بشخص الشيخ رحمه الله خارج فلسطين , كيف نجح الشيخ النهوض بالجهاد داخل فلسطين بالرغم من كثرة العوائق ؟

أما في مضمار الجهاد والمقاومة فلا يسعنا الحديث في هذه العجالة عن دور شيخنا المجاهد شيخ الانتفاضتين في إذكاء روح الجهاد والمقاومة ومن ثم انطلاقة هذه الروح إلى الميدان لترسم لوحة صارخة من ملاحم الجهاد التي قضت وأرقت مضاجع أعداء هذا الشعب العظيم في جميع أنحاء العالم وأذاقت العدو الصهيوني ألواناً من العذاب .

فكان رحمه الله شديد الحرص على تفعيل العمل العسكري الجهادي بكل الإمكانيات ليصل إلى خط اللاعودة والاستعصاء على الاجتثاث , فكان على تواصل مستمر مع قيادات العمل الجهادي في أشد وأحلك الظروف يقضي الليالي مختبئاً هنا وهناك رغم ظروفه الصحيحة الصعبة للمتابعة , والسهر على العمل والإرشاد .

كان حريصاً رحمه الله على مد جسور العمل الجهادي مع التنظيمات المختلفة وذلك ليصبح الجهاد الفلسطيني ظاهرة يصعب إدانتها والسيطرة عليها فيعقد اللقاءات مع العديد من قيادات ومسئولي التنظيمات العسكرية المختلفة ليدفع في اتجاه العمل والحركة والمقاومة لمواجهة خط الاستسلام والقضاء على ظاهرة التطبيع والمعايشة مع العدو .

رغم كل ما كان يحيط به رحمه الله من استهداف داخلي وإقليمي يعد عليه أنفاسه .

حرصت حماس على تشكيل حكومة الوحدة , وقدمت التنازلات في سبيل إنجاحها هذا الحرص نابع من وصايا الشيخ لا سيما وأن آخر ما أوصى به الشيخ الحركة إنجاز التفاهم بين الفصائل الفلسطينية ؟

كان للشيخ رحمه الله دوراً مهماً في إنجاح حكومة الوحدة الوطنية حيث اهتمامه المسبق بإعداد مبادرة فلسطينية فلسطينية تتحدث عن العمل السياسي وتركز على العمل المرحلي ومنطق الهدنة مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 م وكان يصدر الانتهاء من إعدادها هو وإخوانه قبل استشهاده بأيام .

ومن ثم حمل إخوانه هذه الأفكار حتى توصلنا إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية فقد كان رحمه الله يتميز برؤية ثاقبة , حيث كان إخوانه من القادة إذا حز بهم أمر أو أُشكل عليهم شيء عادوا إليه فوجدوا عنده الحل اليسير والبلسم الشافي والمنطق السليم والحجة القوية .

رحم الله شيخنا وأدخله فسيح جناته ونحن على الدرب بإذن الله سائرون ..