يا حكام المسلمين ألا تخافون الله؟؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
يا حكام المسلمين ألا تخافون الله؟؟


بقلم : الأستاذ عمر التلمساني

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد

فهذا نداء من قلب كبير، ورجل عظيم، وجهه إلى حكام المسلمين يذكِّرهم- بإخلاص وصدق- بالواجبات التي في أعناقهم وحقوق الأمة عليهم.

وتقديم النصيحة لكل المسلمين -بما فيهم الحكام- واجب شرعي فالدين النصيحة... وهي لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والحاكم في الإسلام لا يقدَّس، ولكنه إن أدى حق الله عليه يكرم ويقدر، والفرق كبير بين التقديس والتقدير.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم، وهو نبي ورئيس دولة، لا يميزه شيء عن أي شخص، والقرآن الكريم واضح في هذا، يقول الحق سبحانه: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إليّ? (فصلت: من الآية6).

دخل عليه أعرابي فأخذته هيبة الرسول، فقال صلى الله عليه وسلم "هوِّن عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد".

وكان صلى الله عليه وسلم قدوة لغيره في توكيد المساواة بين الحكام والمحكومين. من ذلك أنه كان يطوف بالبيت، فأتى السقاية فقال اسقوني فقالوا: إن هذا يخوضه الناس، ولكننا نأتيك به من البيت، فقال: لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب منه الناس.

وخرج -صلى الله عليه وسلم- أثناء مرضه الأخير بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب حتى جلس على المنبر ثم قال: "أيها الناس. من كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضًا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت منه مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخشى الشحناء من قبلي. فإنها ليست من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقًا إن كان له، أو حللني فلقيت ربي وأنا طيب النفس، ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع إلى المنبر فعاد لمقالته الأولي".

وجاء خلفاء وحكام المسلمين من بعده- صلى الله عليه وسلم- فاهتدوا بهديه، فهذا أبو بكر بعد أن بويع بالخلافة يقول من فوق المنبر: "أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني".

بل إن حكام المسلمين كانوا يشجعون المسلمين على بذل النصيحة لهم وتذكيرهم دائمًا، فهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان بينه وبين رجل كلام في شيء، فقال له الرجل اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال عمر: دعه فليقلها لي، نِعم ما قال، لا خير فيكم إن لم تقولها لنا، ولا خير فينا إذا لمن نقبلها منكم).

من هذه المنطلقات، ومن مصدر أن الأمة هي الأصل والحكام بمثابة النُّوَّاب عنها، ومن حقها أن تنصحهم بإخلاص، وأن تذكرهم وأن تردهم إلى الصواب كلما أخطأوا، من هذه المعاني كلها انطلق الأستاذ عمر- رحمه الله- يوجه نصائحه إلى حكام المسلمين جميعًا يذكرهم بحق الأمة عليهم، وضرورة أن يقوموا بقيادتها إلى طاعة الله، وضرورة إصلاحها وتربيتها تربية إسلامية صحيحة، وضرورة صيانتها من العبث والفساد.

ومن واجبات الإمام:

1- أن يدير شئون الأمة في حدود الشورى، فهي فريضة على المسلمين.
2- وأن يحفظ دينها على الأصول التي أجمع عليها السلف.
3- وإقامة العدل بين الناس جميعًا بصرف النظر عن ديانتهم أو لونهم.
4- وأن ينشر الأمن والأمان في داخل الأمة، وأن يقيم الحدود؛ لصيانة محارم الله.
5- حماية الثغور وتحصينها، وحماية الأمن الخارجي.
6- جهاد الأعداء الذين عاندوا بعد الدعوة حتى يسلموا أو يدخلوا في الذمة.
7- اختيار الأمناء في الأعمال الخاصة بالمسلمين وغيرهم.
8- أن يتابع بنفسه الأمور وأن يشرف على الأموال. وأن يحرس الملة.

وإن الذي يعرف خطر هذا الأمر هو الذي يشفق على من يتولاه. ومما يروى عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه استعمل بشر بن عاصم على صدقات هوازن، فتخلف بشر فلقيه عمر، فقال ما خلفك؟، أما لنا سمع وطاعة؟ قال بلى ولكني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول "من ولي شيئًا من أمر المسلمين أتي به يوم القيامة، حتى يوقف على جسر جهنم. فإن كان محسنًا نجا، وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفًا".

فخرج عمر كئيبًا محزونًا فلقيه أبو ذر قال مالي أراك كئيبًا محزونًا، قال: مالي لا أكون كئيبًا محزونًا، وقد سمعت بشر بن عاصم يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا، وذكر الحديث، قال أبو ذر أو ما سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا. قال: أشهد أنى سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول "من ولي أحدًا من المسلمين، أتي به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنًا نجا، وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفًا وهي سوداء مظلمة" فأي الحديثين أوجع لقلبك؟!، قال كلاهما قد أوجع قلبي، فمن يأخدها بما فيها؟ قال أبو ذر: من سلت – أي جدع أنفه –لله أنفه وألصق خده بالأرض، أما إنا لا نعلم إلا خيرًا، وعسى إن ولَّيتها من لا يعدل فيها، ألا تنجو من إثمها.

ما أخطر هذه المسئولية، وما أحرى حكام المسلمين أن يعودوا إلى الله اليوم قبل الغد.

إن عمر -رضي الله عنه- الذي أوجع قلبه هذا الحديث هو الذي كان يقول "لو عثرت بغلة على شط الفرات. لظننت أن الله سائلي عنها يوم القيامة".

جزى الله مرشدنا كل خير عن كل كلمة وجهها، وكل نصيحة تقدم بها للحاكم والمحكوم، فالهدف أعظم هدف، والغاية من أسمى الغايات، وصلاح الجميع هدف مطلوب، وغاية مرجوَّة.

?إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

(الناشر)

مقدمة المؤلف

لم يعد خافيًا على أشد الناس غباءً وأبعدهم اهتمامًا .بالشئون السياسية أن اليهود ماضون في تحقيق مخططاتهم تنفيذًا وتطبيقًا. وقد بدا واضحًا كل الوضوح أن أمريكا وروسيا تبذلان كل الجهود لمساعدة إسرائيل على تحقيق أحلامها، لا حبًا في اليهود ولكن كراهية للإسلام ورغبة في القضاء عليه، وعن طريق التمكين لإسرائيل في المنطقة بعد أن فشلت كل جهود أعداء الإسلام في النيل منه.

ولا شك أن الذي حمى دينه طوال تلك الحقب ما يزال وسيظل قادرًا على تلك الحماية برغم كل ما يبدو في الجو من غيوم وظلمات... ونحن كمسلمين نؤمن بهذا.. ونعيش عليه ونعمل له.

وليس الذي يعنينا اليوم ما ضاع من أرض المسلمين، فهذا الضياع حقيقة واقعة، وتعمل على اتساعه أمريكا وروسيا من وراء إسرائيل ومن أمامها متسترين أو معلنين... هذا لا يهمنا؛ لأن التفكير فيه ضياع للوقت وتوهين للقوى. ولكن الذي يهمنا ويعنينا ويجب أن يكون شغلنا الشاغل، هو كيف نستخلص هذه الأماكن المقدسة لا من يد اليهود فقط ولكن من يد الملاحدة والصليبيين أيضًا.

إن اليهود دائبون على تحقيق آمالهم مصممون على توسيع رقعة دولتهم من الأرض الإسلامية. إنهم نسوا أو تناسوا كيف كانت تعاملهم أوربا في القرون الوسطى. ونسوا أو تناسوا أنه لولا دولة الإسلام في تلك العصور لفنوا عن آخرهم... ولكنهم وجدوا في حماها الأمن والأمان.. ورغم ذلك فهم اليوم لا يفكرون إلا في افتراس المسلمين.

أما أنتم -حكام العرب والمسلمين- فالشقاق بينكم على وسعه، وإن حاولتم ستره بالمجاملات المكشوفة. وعجيب والله إجماع أهل الباطل على باطلهم، وتفرق أهل الحق في حقهم.

إن علاج الأمر في أيديكم، إن أردتموه... فلن تنفعكم أمريكا ولا روسيا حتى تتفرقوا شيعًا، بعضكم شرقي وبعضكم غربي.. إنه لا قوة ولا منعة ولا نصرة إلا من عند الله، ثم من شعوبكم، ولا قيام لهذه الشعوب لتحقيق أمل المسلمين إلا إذا عادت إلى دينها واصطلحت مع ربها.. ولن يتحقق هذا الخير لهذه الشعوب وأنتم تاركوها لكل عوامل الخلل والضعف والانهيار تنحرف في نفوس أبنائها وأخلاقهم وعقيدتهم.

إنكم قادرون إذا أردتم ولن يستطيع أحد أن يقف في طريقكم إذا صحت منكم العزائم.. وإلا فمن ذا الذي يحول بينكم وبين تنفيذ أحكام الله في بلادكم.. وأنتم تنادون صباح مساء أن الكلمة كلمتكم والإرادة إرادتكم؟؟.

فساد... ولا علاج

كلكم يعلم ما في أجهزة الإعلام في بلادكم من سوء ومباذل ومساس بالدين ورجاله.. فما الذي أو مَن الذي يحول بينكم وبين إصلاح هذه الأجهزة حتى تتحول من معاقل فتنة وإفساد إلى مصادر تقويم وإصلاح؟..

إنكم قادرون... ولكنكم لا تعملون... لماذا..؟... هل الأيدي التي تتولى هذه الأجهزة أقوى منكم فلا تستطيعون إرغامها على ما تريدون؟ أم أنكم تستنكرون ما في هذه الأجهزة من فساد بألسنتكم وتدعونها وما هي عليه من شر بقلوبكم وقدراتكم؟ أتظنون أن الناس لا يفهمون؟ يا للأسف!!!

ألا يدري بعضكم أن أثرياء شعوبكم يخلعون برقع الحياء والإيمان بمجرد دخولهم الطائرات فينقلبون إلى سكارى معربدين؟ إنكم تعرفون هذا تمامًا فلماذا تسكتون!! أتريدون أن تظل شعوبكم على هذا المستوى من الضعف الأخلاقي والعقيدي حتى لا تناقشكم الحساب؟!

إنه تقدير خاطئ سيودي بحكمكم؛ لأن العدو ليس عدوًا للشعوب الإسلامية، ولكنه عدو للعقيدة، وأنتم من حماتها حتى اليوم في ظاهر الحال.. وإن العدو سيقتلعكم من حكمكم يوم أن يتمكن من قهر شعوبكم.

إنه لا بقاء لحاكم ولا سلطان ولا سيادة له، ولا عزة ولا مكانة له على الصعيد العالمي إلا إذا كان شعبه قويًا عزيزًا. وعلى قدر قوة الشعب وكرامته تكون قوة الحاكم وكرامته.

إني لكم ناصح أمين.. أصلحوا حال أممكم، وعمروها بكل ما يقويها، وكفُّوا عنها كل ما ينزل بها إلى الحضيض. وهذا في أيديكم ?إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ? (الأنفال: من الآية73).

لا تظنوا بأنفسكم الضعف، ولا يهولنكم ما وصل إليه أعداؤكم من قوة مادية رهيبة، ولا تدعوا قوة عدوكم، وضعف شأنكم مدخلاً للشيطان يركب منكم مركب الخور والتخاذل.. ولينصرن الله هذا الدين على الأديان كلها. فقوله الحق، ووعده الصدق ?بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ? (الانبياء:18).

قوة الإيمان... والنصر

إن نبيكم- صلوات الله عليه وسلامه-، ومعه صحابته- رضوان الله عليهم- لم ينتصروا بكثرة العدد، ووفرة العدة.. ولكنهم انتصروا بقوة الإيمان، ورسوخ العقيدة، والتضحية بالدنيا للفوز بالآخرة.. يتصايحون في ميادين الجهاد. هبي ريح الجنة.. والله إنا لنجد ريح الجنة من وراء هذا الجبل.. وعجلنا إليك ربنا.. إنّ برك الغماد، وقوة ثمود وعاد لم تمنع أسلافكم من أن يقولوا لرسلهم جاهدوا إنا معكم مجاهدون.

أليس عجيبًا أنكم حتى اليوم، وحتى بعد كل هذه النذر، ما زلتم تفرحون بتصريح من "كارتر"، وتهللون لكلمة من "بريجنيف".. أما إن كنتم تؤمنون بصدق في هذا النفاق، وتركنون إليه فحسبنا الله ونعم الوكيل، وسوف تندمون حين لا ينفع الندم، وأما إن كنتم لا تصدقونه فليس في تصرفاتكم ما يدل لشعوبكم على أنكم متخذون لليوم الفصل عدته.

إن أمريكا لا تستطيع أن تحتل بلادكم... فروسيا لا تسمح لها بهذا مختارة، وإن روسيا لا تستطيع أن تحتلها عنوة؛ لأن أمريكا لا تسمح بهذا ولا ترضاه.. لا حبًا في سواد أعيننا – هذا إذا فرضنا أننا بلغنا من الهوان المرحلة التي لا نستطيع معها أن نحمي مقدساتنا – ولكن لأن مصالحهما تتطاحن وتتعارض عند هذا المجال.. فلم يبق إلا أن يجمع الألف مليون مسلم على إنقاذ مقدساتهم من أيدي الذين لا يستطيعون حتى الذود عن أنفسهم، ولا يوقفهم على أرجلهم المرتعشة إلا من وراءهم ممن يتظاهرون بالحرص على مصالحنا والمناداة باحترام كرامة الإنسان أو مساندة حركات التحرر والثورات!!!

لماذا التباطؤ والوهن

هل يوجد ولو أبله في العالم يصدق أنكم لا تعرفون ما أعرفه بل وأكثر منه بمراحل؟ ففيم إذن هذا التباطؤ في الحركة..؟ وفيم إذن هذا الوهن في الصلات والروابط؟ وفيم إذن هذا الاجتماع وهذا الانفضاض في مؤتمرات القمة ومؤتمرات السفح والقاع بلا جدوى ولا نتيجة تحسها الشعوب التي تحكمونها؟.. والتي تحكمونها لحساب مَن؟ ألحسابكم أم لحسابها؟

علم الله ما أعانيه من مرارة وأنا أواجهكم بهذه الحقائق، وكم كنت أتمنى أن تكونوا سباقين إليها وتكفونا مؤونة التعرض لها.

ولكن الحق لابد وأن يقال، ولابد وأن يحقق، ولابد أن يكشف عنه، وإلا فما قيمة الحق وما نفعه إذا ظل مخفيًا عن الناس؟ إننا لا نتقرب إليكم، ولكننا نتقرب إلى الله؛ لأنكم مثلنا لا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًا.

لا تيأسوا، فخصومكم لا يريدون منكم أكثر من أن تيأسوا من الوصول إلى مستواهم.. وحسبهم هذا رضًا وسياسة؛ ليظلوا في عنفوانهم وتظلوا في هوانكم.

ارجعوا إلى شعوبكم.. قوّوا الروابط بينكم وبينهم.. واجعلوهم يلمسون حقًا أنكم تعملون لصالحهم.. اتركوا مظاهر البذخ والعظمة حتى لا تستثيروا الفقراء في شعوبكم وتُمكنوا للشيوعيين من تسميم أفكارهم وعقائدهم.

أصلحوا أمر شعوبكم بتنظيفها من المبادئ الهدامة، والأخلاق المعوجة والميوعة المهلكة.

انسفوا أجهزة الإعلام من جذورها، وأطيحوا بكل من فيها كبيرًا أو صغيرًا وأقيموها على أسس ربانية.

اصطلحوا على ربكم، وخذوا بأيدي شعوبكم فأدخلوها في هذا الصلح حتى يسير الحاكم والمحكوم إلى هدف واحد، وبوسيلة واحدة وبفهم واحد...

?إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ? (الرعد: من الآية11)

?فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ? (الروم:57)

انصروا الله ينصركم؟؟؟

طالما حذرنا الحكومات التي تحكم العالم الإسلامي من الأسلوب السلبي الذي تتعامل به مع الشعوب المسلمة في أخطر مراحل حياتها.

يشتغل رؤساء الحكومات في البلاد الإسلامية بالمشاكل السياسية فتفضي بهم إلى القطيعة والعداوة، ويشتغلون بالمسائل الاقتصادية فتثير بينهم التحاسد والتعالي والنفور، وطال بهم المطال في هذه الميادين عشرات السنين دون جدوى أو اتفاق.. وتمادى اليهود في التحدي والتمسك بالأرض الإسلامية إلى الحد الذي تهون معه التضحية بكل شيء في سبيل كسر هذا الصلف والغرور، وتمريغ أنفه في الرغام؛ ليعلم اليهود من هم حتى ولو كانت أمريكا وروسيا والدنيا كلها لهم ظهيرًا.

في الوقت المحزن المليء بالهموم والأحزان لا يكتفي حكام البلاد الإسلامية بالموقف السلبي من إصلاح شعوبهم، بل يتمادون في إرهاق هذه الشعوب، والعمل الدائب على النزول بها إلى مستوى أعمق من الضعف والهوان.. فهم في الوقت الذي يقفون فيه من بعضهم البعض هذا الموقف البشع، بدأوا يتمادون في الكيد لشعوبهم، سلكوا سبيل المؤامرات الدموية، فهذا يهدد بالقضاء على حياة ذاك، وهذا يرسل القتلة من شيعته؛ ليدمر حياة الآخرين.

الإعلام والتخريب

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فسياستهم الإعلامية شر على الدعوة الإسلامية من سياسة إسرائيل وأمريكا وروسيا ضد العالم الإسلامي برمته، المتحالفون معهم وغير المتحالفين. وما أظن أن مذياعًا أو تلفازًا بلغ في دولة من الدول ما بلغه عندنا في مصر، من الإساءة إلى مشاعر المسلمين بالأفلام الفاحشة والتهوين من شأن الأسرة وروابطها وعلاقاتها، ومن التمهيد للشباب بالابتعاد عن المثل والقيم.. حتى إن وزراء الإعلام لا يتورعون عن حضور حفلات هذه الأفلام والإغداق على القائمين بها المنح والمكافآت والتشجيع، وكأنهم يقولون لهم: تمادوا في غيِّكم، ولا يهمكم الشعب فنحن أصحاب السلطة.. ولا يهمكم صراخ المواطنين.

وبينما حكومات البلاد الإسلامية تعمل على إضعاف القيم الدينية، ولا تبذل جهدًا لبث روح الجهاد وتمجيده والإعداد له، نجد اليهود بكل ما يواتهم به الأمريكان من أموال وعتاد، وبكل ما يمدهم به الروس والشيوعين من رجال وخبرات يبذلون الجهود في إقامة المستوطنات والمستعمرات والمطارات في أراضي المسلمين.

وتمضي الشهور، شهر يسلمنا لشهر وعام يمنينا بعد عام، وتزداد القطيعة بين حكام الشعوب الإسلامية، وتزداد الأزمة الاقتصادية في الأمم الإسلامية عنفًا وضغطًا، يسلس من قيادنا لأعدائنا.. ويزداد اليهود تمكنًا من أرضنا واستعدادًا لمهاجمتنا والقضاء علينا.. ونحن نجري وراء السراب.

الحلول السلمية

لا يعارض عاقل في أن السعي إلى الحلول السلمية أمر يرضاه كل الناس الذين يحبون الناس، أما أن يكون الحرص على السلام نتيجة ما نرى من إضعاف روح المقاومة في الشعوب الإسلامية والتمكن القهري لليهود حتى يحققوا أمانيهم، وتصبح خططهم المعلقة على جدران الكنيست حدودًا واقعة في عالم الأرض والحدود الدولية..

أما كل هذا فشيء لا أجد له في اللغة وصفًا يمكن أن يوصف به.. وأهم وصف له في تقديري أن حكام المسلمين أصبحوا لا يعلمون البديهة السافرة التي يعرفها كل من له أبسط إلمام بالسياسة العالمية.. بديهة أن الدول لا تقيم وزنًا للقيم.. والعواطف عند التعامل مع بعضها البعض، ولكنها تنظر إلى مصالحها ولو ضحت في سبيلها بكل شيء حتى شرف الكلمة أو شرف المعاهدات.

نحن مسلمون. هذا صحيح.. والمسلم إذا وعد أوفى وإذا قال صدق، وإذا عاهد أنجز.. كل هذه أخلاق إسلامية عرفها كل العالم في عالم السياسة اليوم بعد أن كانت السيادة للمسلمين … أما القيم والعرف السياسي كما نرى ونعلم، فلم يعد لنا إلا أن نتذأَّب لهم، ومن لم يتذأب في عالم الذئاب تأكله الذئاب.

إن المسلم يجب ألا يكون خبًّا، ولا يرضى أن يخدعه الخب.. إن المسلم لا يحب أن يكون أبله يستغله البلهاء والأغبياء وغيرهم. لقد حان وقت أن يتغير حال حكام المسلمين إلى غير ما هم عليه، وإلا فهم أول ضحايا هذا التواني والتخاذل لا بيد شعوبهم، ولكن بيد أعدائهم الذين يحسنون بهم الظنون.

الداء والدواء

ورب سائل يسأل: وما العمل؟ ونقول.. لقد طالما شخصنا الداء، ووصفنا الدواء أكثر من مرات.. ولكن ما نقول يذهب مع الريح السافيات، كأن إنسانًا لم يقل، وكأن إنسانًا لم يسمع.

إن تعاليم الإسلام هي الدواء الناجع، والشفاء الأكيد لكل ما نحن فيه من ضعف سياسي، وإفلاس مالى، وانهيار خلقي، وانحراف عقيدي.

وما على حكام المسلمين إلا أن يضعوا هذا العلاج الوحيد موضع العمل والتجربة، وليَرَوا إلى مدى يبلغ الصدق فيما نقول.

إن المال في العالم الإسلامي وصل إلى مرحلة تجعل له أثره الفعال المنتج في المجال السياسي، وما كان ذلك بمجهود من أحد، ولكنه قدرُُ ربانيُُّ أمدَّهم في ساعات اليأس والإفلاس، ولو أن الأموال التي تنفق في بؤرات الفساد وكل ما يغضب الله، أو الأموال التي أنفق منها تسعة ملايين دولار لشراء لاعب، لو أنها وغيرها أنفقت في سد حاجات الدول المحتاجة لأصبحنا في استكفاء يزيد عن حاجاتنا ويمكننا من التصدير بدلاً من الاستيراد.. ولقائل أن يقول: لقد عجز حكام المسلمين عن التعاون في هذا المجال، وأصبح الغنيّ بما عنده ضنينًا.. وهذا حق.. فلم يبق إذن إلا ما يهدي إليه رب العالمين.

وعلي الحكومات الإسلامية الفقيرة أن تتخلص من كل مظاهر البذخ والإسراف، فيعيش الحكام كما يعيش أفقر فرد في أوطانهم.. ورحم الله عمر بن الخطاب يوم أن قال لبطنه، وهي تقرقر عام الرمادة،: قرقري أو لا تقرقري، فلن تطعمي زيتًا حتى يطعمه كل المسلمين..

ولو أن الشعوب الإسلامية رأت حكامها يشاطرونها شظف العيش، وضغط الظروف، لسايرتهم في هذا إلى أبعد الحدود، ولكن لا الحكام يتقشفون، ولا الشعب يحس بالتجاوب العاطفي معهم، ونظل هكذا... الحكام في واد يخافون على عروشهم، والشعوب في واد تدعو عليهم ليل نهار، وتجعل الله فيهم حسبها ونعم الوكيل.

ولن يتأتى هذا المنهج العالي الذي يجب أن يأخذ الحكام وشعوبهم به إلا إذا عقدوا صلحًا وثيقًا بينهم وبين ربهم، يطلع فيه على دخلية قلوبهم فيرى فيها إخلاصهم فيمدهم بمدد من عنده..أما أن يكتفي حكام المسلمين بالصلاة والصيام والحج ثم يسخِّرون كل جهودهم في تمكين أجهزة الإعلام من نشر السوس الذي ينخر في عظام شعوبهم على هذه الصورة المزرية البشعة، فهو أمر لن ينصلح به للحكام شأن، ولن يستقيم عنه للشعوب حال.

من يتصور أن مذيعات تأتي أسماؤهن في قضية علم بها الشعب كله ثم يظللن في أماكنهن.... صورة مغرية لكل فتاة وفتى يريدون الاستقامة.. ويسهل لهم هذا التصرف الحكومي سبيل الانحلال.. قضية وقضايا يكتب فيه الكتاب والصحف ويتحدث عنها الناس ولا أشك أن المسئولين عن هذه الأجهزة قرأوا و سمعوا... ويحيرني ما يجعل المسئولين يسكتون على هذا الشر، ويغمضون الأعين عن هذا الفساد.

ويظل الكتاب والصحفيون والسياسيون يتحدثون عن مشاكل الاقتصاد والسياسة... دون إشارة إلى واجب الحكومات في محاربة الفساد، وإقامة الأخلاق.. مع أن الاهتمام بهذه الأمور هو الذي سيؤدي حتمًا إلى القضاء على كل المشاكل في السياسة والاقتصاد أو غيرها – ولو أن كل كاتب لم يكن ببغاءً يردد كل كلمة ينطق بها هذه الرئيس أو ذاك، ولو أن كل واحد منهم انتقد حاكمًا في صدق ووضوح لنهض سوق الأخلاق والعقيدة وراج، ولبارت أسواق الملق والدهان وانهارت.

مطلوب من الحكام

مطلوب من حكام المسلمين أن يربوا في شعوبهم روح التضحية والصبر والرجولة والفداء؛ لتكون عمُدًا وجبالاً راسخات في صد أعداء أوطانهم المسلمة من التسلل إليها أو التمكين منها.

إن الدين هو الذي جعل للشرق تاريخًا ساميًا، وذكرًا عاليًا، فلنقض على السم الذي يضعف من قوى مقاومتنا.. هذا السم الذي تدسه أجهزة الإعلام حتى داخل حجرات نومنا، ولنأخذ الأمر بحزم يجبر الناس على التزام الجادة، وترك هذا الهوان.

ولكي يستجيب الشعب إلى ما يُطلب منه يجب أن يبدأ الحكام بأنفسهم في كل ما يطالبون به شعوبهم من تقشف وصبر واحتمال.. ولن يعود بنا سالف أمجادنا إلا بأن يأخذ حكام المسلمين أنفسهم بالحزم والعزم والصدق والإخلاص والبدء بأنفسهم وأهليهم وبطانتهم.. وسيرَون تجاوبًا سريعًا سيكون من شعوبهم.. سيؤدي قطعًا بتبديل الحال من وضع شائن إلى أحسن حال.

ويوم أن تتم فينا كل هذه المقومات، ويوم أن يرضى الله عنا، فلن تكون النتيجة تحرير سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس فقط، ولكن ستكون النتيجة وضع اليهود في وضعهم الصحيح في فلسطين العربية المسلمة.. مواطنين يخضعون لحكام أصحاب البلاد أو ليرحلوا إلى أي أرض يشاؤون.

هل نطمع في أن يضع حكام المسلمين هذه النصائح موضع التجربة، فلا يخشون أحدًا إلا الله؟.. وأن ينصروا ربهم بالتمسك بدينهم، وهو سبحانه القائل ?إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ? (محمد: من الآية7).

حكام المسلمين متى يقبلون النصيحة؟

قبل أن تدور معركة بدر الكبرى أسر المسلمون تابعًا للمشركين وسألوه عن عددهم فقال: ألف، فضربوه. ثم سألوه مرة أخرى – وقد قدر التابع ما جره عليه صدقه، فأجاب كاذبًا أنهم أقل من ذلك، فتركوه، فتبسم الرسول - صلى الله عليه وسلم- فسأله الصحابة عما أضحكه فقال ما معناه: "عجبت لكم، إن صدقكم ضربتموه، وإن كذبكم تركتموه"، ثم أخذ التابع بأسلوب النبوة الحكيم فسأله: كم بعيرًا يذبحون كل يوم؟ قال عشرة. فتبين الرسول - صلى الله عليه وسلم- عدد المشركين.

هذا حالنا مع حكام المسلمين، والقياس مع الفارق، فلا الناس هم الناس، ولا الحال هو الحال.. أصلاً وفرعًا وحكمًا.. ولكن وجه العبرة ليس ببعيد.

قلنا لحكام العالم الإسلامي كلهم، من يوم أن قامت جماعة الإخوان المسلمين، إن علة العلل في تخلفنا وضعفنا هو الفرد.. أنتم لا تعنون به ولا بتربيته إسلاميًا، فقالوا علينا: دعاة ثورة ومؤلبو طبقة، وذقنا على أيديهم كل شر وإيذاء. ثم هاهم اليوم يتحدثون عن الفرد الذي عاقبونا من أجل الحديث عنه، ولكن مع الفارق بالطبع في النظرة والأسلوب.

قلنا لهم أن لا صلاح لهذه الأمة الإسلامية بل وغيرها، إلا على أساس من كتاب الله وسنة نبيه. فقالوا إننا رجعيون نريد العودة إلى عهود التخلف وعصور التعصب والانحطاط، وهاهم اليوم يتحدثون عن الشريعة وعن القيم الروحية... ولكن شتان ما بين جعجعة لا نرى طحنًا معها، وبين قول طبقناه عملاً على أنفسنا قبل أن نخرج به إلى الناس.

قلنا إن الشعوب الإسلامية ممزقة من الداخل والخارج، فغرهم مظهر الأمر وبهرج الحياة، وهزئوا مما نقول... وهاهم اليوم يعترفون بما نادينا به بالأمس، وأسأل الله ألا يكون قد فات الأوان، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

وقلنا لا تحاربوا إسرائيل دولاً، وأنتم على ما أنتم عليه من الفرقة والقطيعة والتمزق، ودعوا اليهود للإخوان المسلمين يحاربونهم حرب عصابات فهي أغيظ لهم وأنكى وأجدى لنا وأنفع فاتهمونا بالعمالة.. وصدّق "النقراشي" قول الإنجليز له بأنهم سيفتحون له مخازن أسلحتهم على القناة، وعارضه "إسماعيل صدقي" في مجلس الشيوخ لما يعرفه من خداع الإنجليز، وفتحت مخازن السلاح البريطاني أول أيام الحرب، وأغلقت اليوم الثاني مباشرة.. وكانت الهزيمة والفضيحة والعار..

الاتحاد الاشتراكي ... مهزلة

وقلنا: فضوا الاتحاد الاشتراكي فهو مهزلة فطالبونا بالانضواء تحت لوائه، فلما أبينا -لما نعلمه عنه من سوء حاله وفساد تصرفاته- ادعوا علينا أننا نعمل على تفريق الوحدة الوطنية، وهاهم قد أزالوا الاتحاد الاشتراكي ووصموه بأنه صنم، وإن كانت بعض معالمه ما زالت بارزة للعيان.

وهكذا كلما صدقناهم النصح كذبونا، وعادوا واعتدوا علينا بأبشع الاعتداء وألصقوا بنا أبشع التهم، تعقبونا بالبلايا بقصد إفنائنا والقضاء علينا.. وقدروا وقدر الله.. وكان الله أقوى من كل محاولة.. ? وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? (آل عمران:54)

تحذير

ونقول لهم اليوم – كما قلنا بالأمس – حذارِ من الصلح مع إسرائيل، تقرّون به أوضاعها غير المشروعة، فإنها لن ترضى منكم ولا من غيركم بغير مخططات مؤتمراتها السابقة في القرن 19 وبغير بروتوكولات صهيون، فيظنون أننا أدعياء سياسة، وجهلة تخطيط، وهاهي الأيام تكشف تمامًا عن نوايا اليهود بما لا يدع مجالاً للشك في صدق ما حدثنا الحكام عنه.. فمتى ينتهون؟

ونقول لهم – ولسنا خبراء اقتصاد ولكننا نعيش واقع الشعب المرير-، كفوا عن سياسة التصدير الواسعة، التي تلتهم كل شيء عندنا، فتزيد الغلاء غلاءً، فقالوا إن البلاد في حاجة إلى عملة صعبة، ولكنهم فتحوا باب الاستيراد على مصراعيه فزادوا الأزمة تأزمًا، وتوالى ارتفاع الأسعار في كل شيء.. فقد اتجه الناس إلى المواد الاستهلاكية.. وليست الصعوبة في العملة الصعبة.. ولكنه في النفوس التي ترضى ببذخ العيش مع الهوان، على شظف العيش مع الإنسانية الحرة الفاضلة.

ونقول لهم اليوم كما قلنا بالأمس.. حذارِ من هذه الحفلات الساهرة في الفنادق الفاخرة، ولا تستهينوا بها فإنها ستجر علينا وعليكم الكوارث الفادحة بما تخلفه في النفوس المحتاجة من حسرة وحقد، إذ ترى ما فيه من ضنك، وما عليه هذه الحفلات من سرف وإسراف وتبذير لا مبرر له إلا المباهاة والخيلاء.. ولكنهم ما يزالون على ما هم عليه، كأنهم لم يقرع آذانهم منَّا نذير.

وقلنا ونقول: لا تأمنوا جانب أمريكا أو دول الغرب، فليس الذي بيننا وبينهم استغلالاً أو استعمارّا أو استعبادًا، ولكنها العقيدة والإسلامية التي لن يكف العالم الصليبي عن مهاجمتها ومحاولة القضاء عليها بشتى الوسائل والأساليب؛ لأنها صمام الأمن للمسلمين ومانعتهم من الخضوع وحافظتهم من الزوال والذل إن شاء الله.. وهاهم يرون كيف ثار "كارتر" وغيره لعملية فدائية لم يذهب ضحيتها إلا عشرات الآحاد من اليهود الذين قتلوا الألوف من الفلسطينيين، وقد كان "كارتر" وأسلافه صامتين صمت القبور عند اغتيال الألوف من الفيلبينيين والحبشة والهند وفلسطين وغيرها، وكأنما اليهود من البشر الذين يحرم دفع إيذائهم عنا، وكأنما المسلمون من السائمة التي يحل ذبحها والتضحية بها.. فهل ما نزال نعلق النفس بالآمال حينًا هنا وحينًا هناك؟!

فلنجرب حكم الشريعة

نقول ونلح مطالبين بتطبيق كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-... ففيهما وحدهما البرء والشفاء من كل ما أصابنا من علل وأمراض وتفسخ وتمزق وضعف وانحلال وهوان وانحراف.. جربوا ذلك... جربوه مرة واحدة، فإن لم تصحوا وتبرأوا فعودوا إلى سبيلكم.

لماذا تدفن القوانين الإسلامية في أدراج مجلس الشعب؟ ولماذا تهاجم من جهات كثيرة؟ أليست الأغلبية الساحقة في مصر من المسلمين؟! إن كان هناك ما يحول بين الحكام وبين الأخذ بأحكام دينهم فليصارحوا شعوبهم، فإما عذروهم، وإما نحّوهم.

إن الحكام المسلمين الذين حاربوا الإسلام ودعاته، أنزل الله بهم من العقاب ما يستحقون، رغم ذلك فهم على ما هم عليه من مجافاه للإسلام.. لقد نكل حكام الصومال بعلماء المسلمين قتلاً وتعذيبًا.. فماذا كانت النتيجة؟ وها هي الشيوعية التي استعانوا بها على الإسلام تنكل بهم اليوم أشنع التنكيل وأبشعه – وها هي مصر بعد أن فتك حاكمها السابق بدعاة الإسلام أحط الفتك وأخسه تقاسي اليوم من آثار ذلك التشتيت ما نسأل الله أن يجنبها عواقبه. وها هي سوريا وليبيا والجزائر وتونس والعراق وغيرها تتجنى على الإسلام ودعاته وتتعقبهم بكل الشرور فماذا أفادت من ذلك؟ لا شيء إلا أنها ما تزال حيث كانت بالأمس.

الشعب فيها يكره حكامه، والحكام فيها يُنزلون البوائق بكل داعية للإسلام، ولا تزال دول المسلمين من الضعف والهوان بحيث لا تتنمر إلا في مواجهة بعضها البعض.. أسودًا على بعضهم.. نعامًا أمام غيرهم.. بلاء نزل بدول المسلمين. سببه ليس البعد عن تعاليم الله- سبحانه وتعالى- فحسب، ولكن محاربة كل ما أمر الله به والاتجاه إلى كل ما نهى عنه.

إلى أين المصير؟

إن قلتم إننا ضعاف ولابد من معين، فإن الواقع التاريخي لا يؤيدكم في قولكم.

فها هي اليابان، وهي من أفقر بلاد العالم زرعًا ومعادن، قد قفزت قفزتها دون أن يعينها أحد.. ونحن أكثر من اليابان مصادر ثروة وأغني منها موارد، ومعنا الله إذا لجأنا إليه. فلماذا لا نعتمد عليه وحده، ونترك التعلق بأوهام الاستعانة بغرب أو شرق فهم جميعًا خصومنا، ألم يئن الأوان للعودة إلى إسلامنا.. نلتزم شرعه ونطبق قوانينه؟ وإلا فإلى أين المصير إن ظللنا على حالنا؟ إن المصير على الصورة التي نحن عليها، والأساليب التي نتعامل بها قاتم ومرعب ومخيف.. فإن غيرنا وبدلنا وسلكنا السبيل إلى الله على هديه وشرعه كان المصير مشرفًا ومثمرًا بأبرك الثمرات.

فإلى المسلمين في كل الدنيا.. حكامًا ومحكومين نقول: ? تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئًا? (آل عمران: من الآية64)، فإن استجبتم كان الخير والإسعاد في ركابكم وحلكم، وإن أبيتم فسنظل نقول: ? فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّ امُسْلِمُونَ? (آل عمران: من الآية64)، وعليها نحيا وفي سبيلها نجاهد وعليها نموت ونلقى الله.

يا حكام المسلمين كونوا إخوانًا مسلمين

ندعوكم لتكونوا إخوانًا مسلمين، لا نبتغي بذلك عونًا منكم، فالله وحده هو المستعان ولا نطلب منكم نصرة، فالنصر من عند الله وحده، ولا نلتمس بكم جاهًا، فمعية الله أعزُّ جاهًا في الوجود، ولا نسعى إلى تقرب منكم، فالسلطان من لا يعرفه السلطان، ثم بعد ذلك وقبله لا ندعي لأنفسنا مكانة في الدين ليست لغيرنا فيه، ولكنا عاهدنا الله على أن ننصح وننتصح، ونعين ونعان، وندعو وندعى، ونتناهى ونَصدق الناس إذ نقول أو نعمل.

نحن لا نتهم حاكمًا في نواياه فما جعل الله ذلك إلينا، ولكننا نتناول الأعمال وحدها بالنقد أو المدح، ولما نرى في كثير من التصرفات ما يدعو إلى التقويم والإصلاح، ولما تعلمناه من صلاحية دعوة الإخوان المسلمين السلفية في إقامة المسلمين على المنهج القويم والصراط المستقيم، حرصنا على أن نسوق لكم هذا الزاد لعل فيه ما يفتح الله به عليكم، فيعم الخير عالمًا أضناه الفساد، أفرادًا وجماعات، وأممًا وقيادات.. إننا نقدم لكم هذا الزاد على أن نكون الجنود المخلصين فيه إن شئتم، أو الدعاة إليه إن أردتم، أو ضحاياه المحتسبين إن أبيتم أو تعسفتم. إننا بهذا لا نزاحم على حكم ولا نتناحر لجرِّ مغنم، إن أردنا إلا الإصلاح وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه ننيب.

إذا نظرنا إلى العالم الإسلامي كله نرى فيه جماعة الإخوان المسلمين- معترفًا بها أو غير معترف- ينادون بالإسلام والعودة إلى رحابه وإعادة شرعه ونظامه. إيمانًا منهم بصدق نبيهم وزعيمهم محمد بن عبد الله-عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم-، فكل دعوتهم إجمالاً وتفصيلاً سيرة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قولاً وعملاً، فالعجيب إذن أن يضيق الحاكم المسلم، بالأخ المسلم وهو لا يضمر له شرًا، ولا يزاحمه حكمًا ولا يتربص به دائرة، وهو لا يدعو إلا إلى تطبيق شرع الله، ويعتبر نفسه جنديًا مخلصًا لكل حاكم يأخذ شعبه بشرع الله.

تساؤل.. ومساءلة

لماذا لا يباح للإخوان المسلمين في الدول الإسلامية ما يباح لغيرهم من الهيئات والجماعات وحتى الأحزاب وإلى ذلك مما يحتم التساؤل والمساءلة، (إن الدول الإسلامية تيسر لأعداء الإسلام مهمتهم وتحول بين الدعاة إلى الله وبين تبليغ رسالتهم؟؟ هل من جواب صريح وإن كان الجواب المكتوم معلومًا.

إن الله يحرم الخمر.. والله هو الذي استرعاكم عباده، فلماذا لا تنفذون حكم الله، فتمنعون الخمر في شعوبكم؟ لو كنتم في حرص الإخوان المسلمين على أخذ الناس بشرع الله لما نفذت جرعة خمر إلى حلقوم فرد من أفراد أمتكم، فكونوا إخوانًا مسلمين، تروا أن الخضوع لأمر الله وتنفيذ شرعه أشهى وأحلى وأبدع من زخرف الحكم الذي يدعم بما حرم الله.

إنكم كمسلمين تنكرون ولا شك الفحش والدعارة، فهل الرغبة في الإكثار من العملة الصعبة تعلو عندكم فوق تطهير أرضكم من نوادي الرجس، ومباءات الدنس (إن الكسب من حرام لا يبارك فيه، فهو ماحق، فالنار أولي به) لهذا أدعوكم أن تكونوا إخوانًا مسلمين؛ لتشعروا بلذة الطاعة حتى ولو أدت إلى شظف. فالأمة التي لا ترضى بالمال النجس يدعم اقتصادها أمة تقدر الشرف قبل المال، والعزة قبل الغنى، وإذا تأصلت مقومات العزة والإباء في نفس أمة فلن ترضى إلا بمعالي الأمور، ولن تسعى إلا إلى مجد مؤثل. ومن كانوا كذلك فقد وعدهم الله ألا توهن أعمالهم، وقوله الحق، ووعده الصدق: ?فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ? (الجاثـية: من الآية6) إن هذا السوء قد استفحلت أدواؤه، وحكام المسلمين كأنهم راضون، أو غير راضين ولكنهم لا يغيرون، فإن نحن دعوناكم لأن تكونوا إخوانًا مسلمين-لأن الإخوان المسلمين قد ضاقوا بهذا المنكر، ويطالبون بالتطهر منه والإقلاع عنه- ففي هذا إرضاء لربكم وفي هذا كسب لشعوبكم، وأنتم ترون رأي العين كيف تهاوت تلك العروش، وكيف يسلب الحكم من بين أيديكم وأنتم لا طاقة لكم بقوة أعدائكم المادية، فلم يبق أمامكم إلا اعتصامكم بأسباب السماء ففيها النجاة لكم والخروج بشعوبكم من هذه الوهدة التي تردت في أعماقها وهم عاجزون والأعداء من حولهم فرحون وشامتون.

ويحرم الله الربا، ولا تزال صيحات الإخوان المسلمين تحذركم من حرب الله إن لم تقلعوا عن الربا وكأنكم لا تسمعون.. وإن سمعتم فإنكم تتحدون، فهل غاب عن فطنتكم أن حرب الله لكم ماحقة لا تبقي ولا تذر وأنكم لا تقدرون على ردها ولو كان بعضكم لبعض ظهيرًا، فلو أنكم سلكتم طريق الإخوان المسلمين بها تنصركم وتأخذ بأيديكم إذا جعلتم الله غايتكم والقرآن دستوركم والرسول أسوتكم والجهاد سبيلكم.

وتظنون أن أمة تحقق أمانيها دون جهاد ودون صبر على شدائد الجهاد؟! إن الله أمركم بالصبر في مواطن الروع فإن لم تقدروا هداكم إلى المصابرة والمطاورة حتى يقضي معكم أمرًا كان مفعولاً.

إسراف مع الحاجة

إن حكام المسلمين يرون ما ينفق في حفلات الزفاف والاستقبال والتوديع بملايين الجنيهات، بينما شعوبهم في أمس الحاجة إلى كل قرش من هذه القروش. وإنكم تعلمون بهذا، فحقائقه بين أيديكم فما لكم لا تمنعون المترفين المبذرين إخوان الشياطين من هذا السفه المردي؟ إن الإخوان المسلمين يحرصون على إقامة حفلاتهم في المساجد طورًا وفي أبسط السرادقات حينًا . وإنها لأحفال ناجحة تمتزج فيها عواطف الأخوة بأحاسيس الحب والمودة، ويعم البشر كل هذه الآلاف من أعماق أعماق القلوب وتتحقق لهم السعادة النفسية، وهي ما يفتقده أولئك الذين ينفقون الآلاف في أفراحهم وأحفالهم وكل واحد من الحاضرين فيها، إما حاقد علي مايرى وإما متحسر؛ لأن غيره سبقه في الإنفاق، وإما منتقد. إننا نهيب بكم أن تكونوا في هذا إخوانًا مسلمين لا توفيرًا للمال فحسب، ولا للحد من المنافسة في التبذير فقط، ولكن لأن في هذه المظاهر التافهة -التي تنتهي بانتهاء وقتها- أنسب الفرص للشيوعية التي تنتهز هذه الأحفال فتوغر صدور الفقراء ضد الأغنياء بأن أولئك محتاجون وهؤلاء مبذرون، وليس أشد فتكًا في عوامل الخير وأبعد أثرًا للقضاء عليها في نفوس الفقراء من أن تحسوا بفاقتهم وحاجتهم في نفس الوقت الذي يرون فيه السفهاء من الأغنياء ممعنين في السفه والتبذير في استهتار واستكبار مع أن بعض ما ينفقون يكفي لدفع غائلة الحاجة عن المئات من المعوزين، أرأيتم لو أنكم سلكتم طريق الإخوان المسلمين أي خير تقدمونه لشعوبكم وأي استقرار توفرونه لحكمكم؟ إننا إذ ندعوكم للانخراط في سلك الإخوان المسلمين مع بقاء الحكم والعروش لكم، لا نريد بكم إلا الخير والاستقرار، فلسنا أعداء لكم نطمع فيما عندكم؛ لأننا لا نطمع إلا فيما عند الله وهو خير وأبقى لو كنتم تعلمون.

إن غيرنا من الأحزاب والهيئات ينازعونكم حكمكم، ويريدون سلبكم إياه.. أمَّا الإخوان المسلمين فإنهم يتمنون لكم الطمأنينة من أعماق قلوبهم؛ ليكنوا أنصارًا لكم إذ يدعونكم إلى الإصلاح فتستجيبون.

بطانتكم... والإخلاص

لقد ثبت لكم يا حكام المسلمين بما ليس فيه مجال للشك أن بطانتكم لا تخلص لكم إلا بالقدر الذي يستفيدون به من تزلفهم لكم. فإذا انقضت الحاجة إليكم انقلبوا عليكم فكانوا أشد عداءً لكم وضرًاوةً عليكم من خصومكم، وها أنتم تقرأون في الصحف عن الذين كانوا يسبحون بمجد الطغاة بالأمس هم أطول الناس لسانًا عليهم وهجومًا اليوم. فما لكم لا تحيطون أنفسكم بالبطانة التي تعينكم على الحق وتنهاكم عن الظلم وتحضكم على الخير وتحول بينكم وبين البغي والضلال؟.

إن الإخوان المسلمين لا يهتفون بحياة أحد ولا ينادون بسقوط غيره، ولكنهم يحمدون العدل، وينكرون الظلم في جرأة وصراحة ووضوح. لا يتآمرون ولا يخربون ولا يحرقون، ولست أدري لماذا لا يرضيكم إلا التملق وسوق آيات المديح، وكأنكم مبعوثو العناية الإلهية لإنقاذ البشر من كل سوء؟ أنتم تعرفون أنفسكم أكثر مما تعرفه عنكم بطانتكم، وهذا منتهى حسن الظن بكم وتمني الخير، فلماذا لا تجعلون التعامل بينكم وبين ربكم مباشرة منه تتلقون الأجر، وبه تمنعون الشر وهذا أسلم لكم وأبقى وأنفع من بطانة لا تنفع ولا تضر. إن الإخوان المسلمين -وقد أخلصوا دينهم لله ولا يرون غير حكمه حكمًا ولا غير شرعه دستورًا- ينادونكم أن تأخذوا بمبادئهم، لا تعاليًا عليكم، فالحاكم في الإسلام له وضعه، ومن حاول أن يذل السلطان العادل أذله الله.

الإخوان المسلمون يقدمون لكم دينكم؛ لأن الدين النصيحة، وهم لا يطالبون عليها أجرًا إلا من الله، وإن كانت لهم دعوة مستجابة عند الله فهم لا يدعون بها إلا لكم؛ لأن في صلاحكم صلاح المسلمين وهم من المسلمين. إن ديننا يحتم علينا أن ندعوكم كي تكونوا إخوانًا مسلمين، إننا لا نرضى لكم أن تكونوا مستبدين، ولكن بطانة السوء تزين لكم هذا الفكر. إنا نحب أن يقوم حكمكم على الشورى؛ كي لا تتحملوا الخطأ في الرأي وحدكم، ولكن بطانة السوء تغريكم بالتعالي على الشورى لتظل مستمتعة بمراكزها في ظل الاستبداد بالرأي والانفراد بالحكم، فأي الطرفين أسلم لكم وأبقى عليكم؟ هل ترون بعد هذا أن الإخوان المسلمين أعداء للحاكمين؟ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

إنكم حكام مسلمون وهذا الوضع يحتم عليكم الاهتمام بشئون المسلمين في جميع أرجاء العالم؛ لأن من لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، وقد يقف بعض حكام المسلمين مواقف لا ترضي البعض الآخر فما أسرع أن تنبري أقلام المغرضين والكارهين للإسلام والحاقدين على المسلمين، سرعان ما تنبري تهيب بكم أن تعكفوا على شعبكم ولا شأن لكم بغيركم، يتظاهرون بالغيرة على وطنهم وما بهم عليه من غيرة.. إنهم بهذه الأقلام يفتون في وحدة المسلمين عن قصد وتعمُّد؛ لأن أقلامهم لا تجيد إلا المديح الرخيص، ولا تحسن الكتابة إلا في قصص الجنس وتهييج نزوات الشباب، والإسلام يأمرهم بالكف عن هذا السقوط ولكن أنى لتعاليم الإسلام أن تصل إلى قلوبهم وقد أتخمت جيوبهم بالملايين الحرام..

إن الإخوان المسلمين ينصحون بعدم الاستماع إلى هؤلاء المفسدين وينصحون بالصبر والمصابرة والأناة والمطاولة حتى إذا ما صحت الرغبة الحقة في إصلاح ذات البين، أتى توفيق الله بالوئام على قدر.. فهل تغضبون إذا سألتكم أن تكونوا إخوانًا مسلمين؛ لتحققوا الوحدة الإسلامية، ويكون كل حاكم منكم نصيرًا لإخوانه الحكام الآخرين، فتعلوا كلمتكم ويرتفع شأنكم ويخشاكم أعداء الإسلام على الصعيد العالمي كله؟!. بادروا بإنقاذ المضطهدين من المسلمين في الدول الصليبية، قاطعوا تلك الدول، ألغوا سفارتها وقنصلياتها من أوطانكم، لا تزوروهم، لا تستقبلوهم... فإنكم إن رأيتم ما يفعل بالمسلمين في بلادهم وسكتُّم على ذلك وأنتم تستطيعون أن تقولوا أو تفعلوا شيئًا فقد تدور الدائرة عليكم.

اتقوا الله، ولا تشنوا حرب القوة ضد الإخوان المسلمين في كل وطن من أوطان المسلمين. إن حكام المسلمين الذين يكرهون الإخوان المسلمين يظلمونهم ولا يحسنون الظن بهم، ولهذا لقي الإخوان المسلمون المقاومة من حكام المسلمين.

عودة الإخوان المسلمين

هل عرف الذين أكثروا علينا في خطاباتهم من السؤال عن السبب في عدم عودة الإخوان المسلمين، وقد عادت كل الهيئات والأحزاب حتى الملحدون؟ أيها السائرون في طول الأرض وعرضها هل عرفتم السبب؟؟ إن هذا هو موقف الحكومات الإسلامية من الإخوان المسلمين فلا الحكومات بمستجيبة، ولا الإخوان بمقلعين... ولو أن غير الإخوان لقي ما لاقاه الإخوان لما توقف التخريب والتآمر عند حد.

ولكن الإخوان لهم دين يعصمهم، ورجولة تجعلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأسلوب الإسلامي المشروع.. إنهم أساة أهل الأرض، والطبيب الذي لا يضيق بمرضاه، ولا ييأس من علاجهم حتى يقضي الله أمره فيهم إما بالشفاء وإما بالانتهاء.

إننا لا نبيت على حقد ولا ننطوي على سوء، ولكننا ندعو بالخير والهداية للمسلمين وغير المسلمين، للحاكمين وغير الحاكمين، نسأل الله أن يهديهم سواء السبيل. إن الإخوان المسلمين يحبون أن يروا حكام المسلمين حيث يريد الله لهم وبهم، يحملون مسئولية الحكم مراعين فيها جانب الله عاملين ليوم لا ينفع فيه حكم ولا سلطان ولا جند ولا أعوان ولا تاج ولا صولجان ولا هيلمان إلا من أتى الله بحجة واضحة وبرهان. ?فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ? (غافر:44).

العيب على حكام المسلمين

إنه لا عيب على إسرائيل فيما تفعل فينا؛ لأنها شعب يريد أن يثبت وجوده على الصعيد العالمي بكافة الوسائل ومختلف الأساليب، ما يجوز منها وما لا يجوز، كما أنه لا عيب على الولايات المتحدة ولا روسيا ولا العالم الصليبي كله فيما يفعل مع المسلمين. إنهم أعداؤنا ويعلمون أن صحوتنا خطر عليهم، فهم يدافعون عن وجودهم، ومن الناحية المنطقية فموقفهم متعادل، ومن الناحية السياسية فالأسلوب "الميكافيللي" لا يزال مأخوذًا به في المعاملات الدولية باعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة مهما كان وصفها، قطعًا لا عيب عليهم إذا ابتعدنا عن الموازين التي اندثرت في هذا العصر الحضاري، موازين العدالة والحق والإنصاف والقوانين. ولا يجب أن نقيس أمورنا مع هؤلاء الناس بهذه المعايير، ولا يصح أن نخاطبهم بهذه اللغة التي أصبحوا يعتبرونها بالية لا تساوي الحبر الذي يكتبون به... إنهم يعرفون كل هذا ولا أقول ينكرونه بل يؤيدونه. وما يزال حكام البلاد العربية يتعاملون مع الولايات المتحدة في مودة وصفاء؟؟ ألسنا جميعًا نقضي أوقات الصيف بين ربوع هاتيك البلاد مبذرين ومسرفين وسفهاء؟؟ أي عيب عليهم إذن، ونحن العائبون، ونحن المفرطون، ونحن الخائنون لشعوبنا المسلمة. إنه لولا موقف مصر واحتفاظها بدينها إلى اليوم لكان الحال أشد سوءًا مما عليه الآن. إن أملنا بعد الله في مصر.

إن رئيس دولتنا يقول إن ملايين المسلمين في شتى أنحاء العالم يحكمون على إسرائيل من واقع مسلكها نحو القدس، ويقول إن الإجراءات التي اتخذتها حكومة "بيجن" حول القدس خرق واضح للقرار 242 و"كامب ديفيد" واتفاقيات "جنيف"، وإنه يعتبر الإجراءات التي تتخذها إسرئيل من جانب واحد باطلة. كل هذا نعلمه ونحن لا نطالبه بثورة أعصاب تعقبها قرارات قد تكون خطيرة الأبعاد، ولا نطالبه بأن تزحف الجيوش المصرية إلى تل أبيب لتُلقي بإسرائيل إلى البحر، كما كان يقول مغرور أجوف من قبل، ولكننا نطالبه أن يشعر الشعب المصري -إن لم يكن العالم الإسلامي كله- بأنه لن يكتفي بهذه التصريحات وأن لها ما وراءها.

وإنه مما يبعث على الاطمئنان أنه في الإمكان أن تهدد إسرائيل تهديدًا حقيقيًا له خطورته عليها في نظرها. أن تصدر القرارات تلو القرارات بالقضاء على هذه التميع واللامبالاة وعدم الشعور بالمسئولية الذي يسود كل ناحية في مصر. إن الوقت ليس وقت فوازير رمضان ولا وقت أين تذهب هذا المساء وليس وقت التنافس في رفع الفوائد الربوية، وليس وقت الترفيه عن الشعب بتوفير كل ما يرفه عن نفسه ويسري عنها، وإنه ليس وقت تعيين عدد من وكلاء الوزارات كل يوم، وليس وقت التخلي عن القيم والأخلاقيات، وليس وقت التخلي عن تطبيق الشريعة الإسلامية التي لن تستقيم لمصر حال بدونها. وإنه ليس وقت المجاملات الكلامية وفي النفس ما فيها، وإنه ليس وقت الأحزاب يكيد بعضها لبعض على حساب المصلحة الكبرى، وإنه ليس وقت التنافس على اكتساب أصوات الناخبين هنا وهناك، إنه وقت أمر واحد لا ثاني له.. وقت جمع الأمة كلها على كلمة الله، فمن شارك في هذه الخطوة الميمونة المباركة فهو مع ربه لمصلحة وطنه، ومن أبى فعليه وزر ما يفعل، ولن يصلح الله عمل المفسدين.

لم يبق إلا الموقف الحاسم

لقد حدد السيد رئيس جمهورية مصر العربية، الموقف من الجانب النظري فقد قرأنا لسيادته في صحف 13 أغسطس 1980م رسالته إلى "بيجن"، وفيها أن قرار القدس خرق واضح لـ"كامب ديفيد" وقرار مجلس الأمن واتفاقية "جنيف"، كما مرَّ بك في صدر هذه الكلمة، كما قال إنه اتفق مع المفاوضين- وأظنه يقصد أمريكا وإسرائيل في كامب ديفيد- ألا يلجأ أحد إلى فرض أمر واقع على الآخر. ولسنا ندري هل كان هذا الاتفاق مكتوبًا، وموقعًا عليه أم كان شفويًا؟؟ ليس هذا بالأمر المهم، إنما المهم أن كل ما قلناه عن عدم الثقة بإسرائيل ومن يناصرها كان يجب أن يكون الأساس الذي يدور عليه كل كلام مع قوم لا عهد لهم ولا ميثاق، حتى ولو كان عندهم شيء من الوفاء افتراضًا، فإن الله –سبحانه- قد قطع في خلق هؤلاء الناس بقول واضح صريح، وهو أنهم أشد الناس عداوةً للمسلمين، لا يشاركهم في هذا القدر وهذه الضغينة إلا الذين أشركوا وكثير ما هم، أيًّا كانت العقيدة التي يتظاهرون بانتحالها. فماذا بقي لدى المفاوض المصري إلا الموقف الحاسم الذي يضع الأمور في نصابها حتى يطمئن الجميع؟؟. إن كل ما مر بك في هذه الكلمات يقطع قطعًا كليًا ثابت الدلالة نصًا وروحًا بأن كل شيء بيننا وبين إسرائيل قد انتهى، وكأنه لم يكن، وأن نبدأ في النظر إلى موقفنا من أول وجديد، إن لم يكن قد تم تخطيط لمواجهة هذا الأمر الذي ما أظنه إلا كان متوقعًا عند الجميع.

إن كل ما أكتبه في هذا الموضوع ينطلق من منبع عقيدي لا يخامرني فيه شك، إنني أقرر حقائق لصالح أمتي، بعيدًا كل البعد عن أي تفكير في خصومة؛ لأن الذي يدعو إلى الله يجب أن يتبرأ من مخاصمة الناس، ولا أريد به إحراجًا، فمن يحرج الناس لا ينجو من إحراج الله له، ولا أتهم؛ لأن الأصل مصاحبة البراءة حتى يتضح العكس على مثل الشمس، ولا أتهم هذا؛ لأنني مأمور شرعًا ألا أفتش في قلوب الناس... إن التفاوض مع إسرائيل- وهي على ما هي عليه من أول الأمر إلى اليوم- إجراء أنكرتُه وأُنكره، وسأظل على إنكاره إبراءً لذمتي أمام الله، بأبداء النصيحة للمسلمين عامتهم وخاصتهم، حكامهم ومحكوميهم.

أيها المسلمون في كل بقاع الأرض، عودوا إلى دينكم تَعد إليكم حقوقكم، ولا يخشى المخطئون شيئًا، فإن الله يغفر الذنوب جميعًا، بشرط العودة والإنابة إليه، واستدامة موجبات المغفرة ?قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ*وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ*أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ*أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ?(الزمر:53-58)

يا حكام المسلمين... انتصفوا... لأنفسكم!

?وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ?

هل ظلمتنا إسرائيل أم نحن الذين ظلمنا أنفسنا وشعوبنا وأوطاننا وعقيدتنا؟. ألم يكن اليهود شراذم مبعثرة في أرجاء الأرض لا دولة لها فعادت دولة من ثلاثة ملايين نسمة تقريبًا، تتجنى وتستبد وتتحكم وتتآمر في دول إسلامية تحيط بها لا يقل تعدادها عن المائة مليون نسمة، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، كرهوا الموت في سبيل العزة فقذف الله في قلوبهم الوهن، حتى تداعى الصهاينة عليهم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها؟.

ضعوا أنفسكم موضع إسرائيل، ثم احكموا عليها من هذا الموقع، كانوا ضعافًا فقووا أنفسهم، مبعثرين فوحدوا كلمتهم على بعد ما بينهم من آفاق، ثم صمموا وصح منهم العزم فأقاموا دولة في أرض مسلمة على الرغم من ألف مليون مسلم، ماذا في هذا الذي فعلوا؟ أليست مهارة؟ وإرادة؟ وتصميمًا انتهى بهم إلى تنفيذ ما حققوا به آمالهم، وأخرجوا إلى عالم اليقظة أحلامهم؟.

لم تشتمونهم، والموقف بيننا وبينهم أكبر من الشتم، وأنكى من السباب؟ ألم تقولوا يوم أن كان فيكم بقية من رمق: إنها إسرائيل المزعومة؟ وإنكم ستلقون بهم إلى البحر؟ وإنهم لا يأخذون (غلوة)، لأن في أيديكم أقوى قوة ضاربة في الشرق؟ ألم تقولوا إنكم ستصلون العصر في تل أبيب؟ وسيغني مغنوكم من فوق مسارحها؟ ما لها إسرائيل؟ وحدت كلماتها، وجمعت أمرها، ولمت شعثها، فأقامت دولة. وماذا كنتم أنتم؟ كنتم خلافة تجمع أمركم فتصدرون عن صوت واحد ورأى واحد، ثم ضحك الصليب والمطرقة والنجل على ذقونكم، وسخروا من أحوالكم وياليتكم اكتفيتم بهذا، بل إنكم في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تدجج نفسها بالسلاح والتدريب والمران أقبلتم أنتم على اللهو والمجون والمظاهر الكذابة، والسفه المردي، ثم انقلبتم يضرب بعضكم وجوه بعض فحلَّ عليكم غضب الله، ثم أصبحتم سخرية العالم. يومًا تشاتمون ويومًا تتعانقون،وحينًا تتبادلون التهم والخيانات، ويومًا يشيد بعضكم بشجاعة وإخلاص ووفاء بعض. مشتوم اليوم ممدوح الغد، وملعون اليوم حبيب الغد ومتهم اليوم برئ الغد؟.

إلى هذا الدرك نزلتم، وإلى هذا المستوي صعدت إسرائيل؟ فهل هي المخطئة وأنتم أهل الحجة والصواب؟ ماذا جرى؟ هل خدرتم قوى المادة وصرتم صرعى في سبات المخدرين أم فاجأتكم قوتها فابتسمتم في حيرة التائهين؟ لقد وصلتم إلى مرحلة من القطيعة والخلاف حتى الخطأ لم تستطيعوا الاتفاق عليه، إن استحال توحيدكم في الصواب.

إذا اتخذ أحدكم خطوة يراها تقرب من حل الأزمة نسبتم إليه الخيانة. ورميتموه بالجهل ثم لا تمضي الأسابيع حتى تسلكوا نفس السبيل الذي أنكرتموه عليه بالأمس، صحيحًا كان ذلك السبيل أو غير صحيح، صدقوني.. إنكم بتصرفاتكم هذه قد كفيتم إسرائيل كل الشرور، وأصبحتم أنتم علة الإسلام والمسلمين لا إسرائيل، بعد أن ارتميتم في أحضان دول الكفر والإلحاد والصليب والتبشير.

طريق النجاة

تعالوا نلم شتات الأنباء التي طالعتنا بها الصحف في الأسابيع الأخيرة، ولترَوا أنه لا نجاة لكم إلا بالاعتصام بدينكم. والتعلق بتوجيهاته وأحكامه، إنكم أغنى الأمم مالاً وبشرًا، فإن اتحدتم علوتم على هامة الدهر، وإن بقيتم على ما أنتم عليه، فستذهب حكوماتكم في الذاهبين، ولا يبقى منكم إلا عبرة الدهر التي تقرءونها عن عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم لوط. إنَّ وجه العجب فيكم أنكم تعرفون الذي أكتبه تمام المعرفة بل وأكثر مما أعرف، فماذا دهاكم؟ ومن بسوء تدبيره وخبيث قصده رماكم؟ أفيقوا يرحمكم الله.

فعروشكم ونظم حكمكم باقية إن اصطلحتم مع الله. أما المسلمون الذين يؤمنون بربهم، ويثقون في صدق موعده، فلن ييأسوا من لحظة يرضى الله فيها عنهم. فيكشف الغمة ?حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ? (يوسف:110).

تفعل بنا موسكو ما تفعل، وإلى اليوم، ثم تطلع علينا الصحف المصرية بكاتب يقول بعد عودته من موسكو، إن موسكو تحرص على تحسين علاقتها مع القاهرة. وإن الاتحاد السوفيتي أعد أسبوعًا لتأييد فلسطين؟ أستحلفكم– بالله– هل هذا كلام يكتب لأناس يظن أن برءوسهم عقولاً؟ وأن في عقولهم تفكيرًا سليمًا؟ وإذا كان ما فعلته بالأمس، وتفعله اليوم موسكو معنا ،هو تحسينًا للعلاقات، فكيف وأين يكون تسويء العلاقات بل تحطيمها؟ وماذا يتصور هذا الكاتب أن الرأي العام المصري يظن به؟ أم إنه بهذا الذي يكتب يستهين بهذا الرأي العام الذي احتضنه وليدًا ونشأه كاتبًا.

وتزف إلينا الصحف المصرية أيضًا بشرى اجتماع أساتذة الجامعات الإسرائيلية يطالبون "بيجن" بتغيير سياسته المتشددة، ويعلنون حركتهم لتأييد السلام!! أيّ سلام؟؟ سلام التهامهم لفلسطين! أم سلام مذبحة دير ياسين! أم سلام تضامنهم مع "بيجن" إذا جد الجد، وذر قرن الخطر؟ لماذا نحاول أن نبثط همم الشعوب الإسلامية بمثل هذه المسكنات التي لا تزيد الداء إلا استفحالاً، ولا تزيد التراخي إلا تراخيًا.

وفي نفس الصحف نقرأ أن وكالة الأنباء التونسية أكدت أن إسرائيل أصبحت معزولة سياسيًا؛ نتيجة تشبثها بالأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967 صحيح. هل حقًا أصبحت إسرائيل معزولةً سياسيًا في فرنسا أو غيرها حتى في بعض البلاد الإسلامية؟ لماذا هذا الإلحاح في تصوير الوضع بلون وردي يحملنا على التحليق في أحلام لا وجود لها في الدعاية الإسرائيلية الماكرة؟ يجب أن يشحن العالم الإسلامي دعائيًا بكل أنواع النقمة على هذه الدولة التي اغتصبت فلسطين وشتت شمل المسلمين.

ونقرأ في صحف مصر أيضًا أن "بيجين" يواصل سياسة التعنت وأن "كارتر" متفائل بإمكانية السلام، فكر في الخبرين ثم اخرج بالنتيجة التي يرتاح إليها كل عقل سليم. إنني أكره التشاؤم حتى في أشد أوقات الاستبداد عنفًا وقسوة. ولكنني لا أتفاءل لكلمة تصدر من ظالم، أو معين على ظلم، إني أتفاءل هنا إذا التزمت أوامر ربي. ولا أقف عند حد التفاؤل ولكني أذهب إلى أبعد آفاق اليقين.

ثم أقرأ هذا الخبر الخبيث الماكر في أخبار الخميس 27 إبريل سنة 1978 "مسئول يشيد بموقف سوريا وتوطيد علاقتها بأمريكا" سوريا المرتمية بكيانها في أحضان الاتحاد السوفيتي وتتجه حيث يوجهها، وسوريا هذه.. اعلموا يا من تظنون القطيعة بين سوريا وأمريكا، اعلموا أن سوريا هذه عدوتكم موطنة علاقاتها تمامًا مع أمريكا. هل وراء نشر هذا الخبر إلا الحيرة والبلبة؟ وإشاعة الاضطراب في إلهائنا إلى الحد الذي نلغي فيه عقولنا. ونحطم جهودنا؛ لنعيش في دوامات الدعاية الماكرة، والأخبار المحطمة.

حقائق مرة!

ثم تصدمنا الحقائق المرة التي لا نريد أن نتفهمها، ونعمل في ظلها ونعيش في أحداثها، حين تقول الصحف إن إسرائيل تبني مستوطنة في شمال سيناء وأخري في الجولان، وأنها تفتح مستوطنة جديدة في الضفة الغربية لنهر الأردن. هل تفعل إسرائيل ذلك عابثة؟؟ هل تنفق أموالها اليوم في إقامة المستوطنات لتتركها في الغد لمصر أو سوريا أو الأردن؟؟ هل هذه هي سياسة الدولة التي تريد إعادة الحق لأصحابه؟ هل إسرائيل بهذا التحدي والعناد تنوي التخلي عن الأراضي التي احتلتها سنة 1967؟. لماذا نتعلق بموقف لهذا الحاكم أو ذلك؟ أو هو الواقع الأليم الذي تصر إسرائيل على المضي فيه؟؟ إني لا أحب المغامرات. ولا أقول لحكام المسلمين ألقوا بشعوبكم في أتون حروب لا يعلم مغبتها إلا الله.

ولكني أقول وأكرر ولا أكلّ ولا أملّ من القول والتكرار، أن دَعُوا الأمور كما هي ولا تعطوا إسرائيل اعترافًا بجعل وجودها في فلسطين مشروعًا، لا تعقدوا صلحًا ولا معاهدة تعطيها ذرة من تراب أرض فلسطين، ثم اعكفوا متضامنين على تقوية شعوبكم وإعدادها لليوم الفاصل، وعودوا وشعوبَكم إلى الله، فإن استحال التضامن من الجميع فليكن مع البعض، وثقوا أن إسرائيل لا طاقة لها بكم ولو أعانتها أمريكا وروسيا... فليس في حكم المنطق والواقع والمقدر والمفهوم أن يحكم ثلاثة ملايين يهودي مائة مليون مسلم!! إن حياتهم ستصبح جحيمًا إذا صح العزم على مقاطعتهم، والحيلولة بينهم وبين أن يلتقطوا أنفاسهم. إن دوام الحال من المحال ?وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ? (آل عمران: من الآية140). ولن يبقى القوي على قوته أبد الدهر. ولكن الحق هو الحق وسيظل الحق حقًا حتى يهيئ الله من الرجال المؤمنين من يحقه ويظهره وينصره، ويجعله سيد العلاقات ?كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ? (المجادلة:21)

هذه الحكومة يجب أن تستقيل... أو تُقال؟

في كل دول العالم الدستورية تتطاحن الأحزاب بمختلف الوسائل، سليمها وسقيمها، وتتنافس من أجل غرض واحد، هو الوصول إلى الحكم؛ لتنفذ برنامجها الذي تراه خير منهاج لخير الوطن. ولو أنهم استوحَوا برامجهم من مصدر واحد، لا يقوم التطاحن بينهم إلا في الحرص على تنفيذ هذا البرنامج الوحيد بينهم، لا يهمهم من يحكم، ولكن يهمهم أول ما يهمهم كيف يحكم؟!، ملتزمًا هذا المصدر الوحيد. وكلهم في هذا له تكأة واحدة، هي احترام الدستور والمحافظة عليه. وحتى الدول التي تتخذ الدستور شعارًا لحكم الفرد، لا تجد ما تلوح به أمام جماهير شعبها، إلا حماية ذلك الدستور الشكلي الوهمي المتداعى. وأي مساس بهذا الدستور– في الأمم الواعية– مدعاة إلى الإطاحة بالحكومة التي تعتدي عليه، ويبارزها في هذا العداء حتى أنصارها. فالجميع ينزلون دستورهم منزلة الإكبار والاحترام..

إلا الإخوان المسلمين..

فإنهم لم يبتدعوا منهاجًا، ولم يأتوا للناس بدستور صاغوه من بنات فؤادهم، ولم يستعينوا في وضعه بفقه "بلجيكي"، ولم يشكلوا لجنة لتضع هذا الدستور، ولكنهم تقدموا للناس في يقين المسلم، وثقة المستبصر فيما يفعل وفيما يقول وقالوا للناس جميعًا (القرآن دستورنا) وكان أكبر الظن عندي، أن المشتغلين من المسلمين بالسياسة، سوف يرحبون قبل غيرهم بهذا الدستور الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحاط بها، ولم يدع مشكلة أيًّا كان وضعها إلا قدم لها الحل الناجح الكامل البديع، ولكن الظن في أولئك وهؤلاء الساسة المسلمين، أن تنكروا له، وحاربوا الإخوان في ندائهم هذا أبشع حرب رآها الناس بين بشر وبشر. وقد كان من الممكن أن يتقبل الساسة هذا الدستور في ترحاب، ويعملوا به، ويحاربوا الإسلام مثلاً؛ لأنهم لم يحرصوا على الدقة في التزام هذا الدستور، ولكن كانت الحرب التي أعلنها محترفو السياسة موجهة إلى هذا الدستور في صميمه، مما يقطع بأن الحرب لم تكن ضد الإخوان أنفسهم، قدر ما كانت ضد المنهاج الذي بشر به الإخوان المسلمون. وهكذا ضاعت على الأمة المسلمة، سنوات من أعز سنوات الحياة في مواقف الأزمات، وكانت النتيجة ما ترى من تخاذل وفقر وهزائم وانتكاس. والسبب في ذلك حرص الساسة على النفوذ الذي تهيئه لهم الدساتير الوضعية بما في نسيجها من ثقوب وثغرات تحقق لهم ما يريدون.

وسعد الناس واستبشروا خيرًا، عندما صدر الدستور الحالي معلنًا أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتقنين في مصر، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، لا أريد أن أتعرض هنا لمكانة اللغة في خطب الرسميين وأحاديثهم، ولا عند المذيعين والمذيعات، فذلك أمر يسخر منه العامة والخاصة، عندما يسمعون محافظًا أو وزيرًا يرفع المجرور، وينصب الفاعل، ويجر المفعول.. ما علينا!! وقال الناس الحمد لله الذي هدى المسئولين فينا إلى هذا النص العظيم. وظهر للناس كلهم أن الإخوان المسلمين، كانوا أصدق الناس وأبعدهم نظرًا عندما طالبوا بالقرآن دستورًا لهذا الوطن الكريم، وأنهم كانوا على الحق كل الحق في ذاك النداء.

لماذا نطالب بهذا؟

وكم يؤسفني أن تجرني هذه المقدمة بعيدًا عن الأصل الذي من أجله عنيت بالمطالبة باستقالة الحكومة القائمة طوعًا أو تنحيتها كرهًا، ووجوب أن يفُض مجلس الشعب نفسه أو أن يُفض بقرار جمهوري؛ ذلك لأنهما خالفا الدستور في أهم نصوصه التي كان يجب أن يكونوا هم أول المحافظين عليها والمدافعين عنها، أليس الدستور يقول بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتقنين في هذا البلد المسلم؟؟ إني لست من رجال التقنين، ولا من فقهاء التشريع، ولا حتى عالمًا دستوريًا، حتى أتقدم بهذا الطلب إلى الجهات المختصة، إنما أنا مجرد مواطن عادي.. عادي، ولكن مسلم له بعض الإلمام بدينه، يمكنه أن يتناول الأشياء من خلال تعاليم دينه، فما تمشَّى معها فهو حسن جميل، وما خالفها فهو سيئ قبيح، وبذلك لا ألجأ في طلب الاستقالة أو الإقالة، ولا في طلب الفض أو الانفضاض، إلى مؤلفات العلماء الذين تخصصوا في هذا النوع من البحوث؛ لأن الأمر في نظري أوضح من أن يحتاج إلى شيء من هذا القبيل، لمن كان له فهم أو لب سليم.

وإذا كانت إرادة الله سبحانه وتعالى اقتضت لحكمة لا يعلمها إلا هو، أن ينص الدستور القائم على أن المصدرية الرئيسية- للتقنين في هذا البلد- لا تكون إلا للشريعة الإسلامية، فمعنى هذا أولاً وأخيرًا أن أي تقنين في هذا البلد لابد أن يستمد مبادئه نصًا وروحًا من شرع الله الكريم، فإن لم يوجد فيه ما يستمد منه، وهذا مستحيل، لجأ المقنن إلى غير هذا المصدر الرئيسي، يستمد منه.

فهل حصل أن الوزارة القائمة فيما تقدمه من مشاريع قوانين، أو هل حصل أن مجلس الشعب فيما يقره من قوانين، لجئوا إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ليستمدوا من نصوصها القطعية الثبوت القطعية الدلالة، القطعية الثبوت الظنية الدلالة، أو الظنية الثبوت القطعية الدلالة، أو الظنية الثبوت الظنية الدلالة ليعتمدوا عليها في التشريع والتقنين؟؟ في مدى علمي.. لا. وهنا نسأل: هل اتبعت الوزارة ومجلس الشعب هذا الطريق ونفذتاه، أم أنهم يستلهمون تقنينهم من هنا ومن هناك. من التقاليد مرة، ومن القوانين غير الإسلامية مرة، ومن الاجتهادات مرة ، المصيبة حينًا والمخطئة أحيانًا؟ وهل مثل هذا التصرف يعتبر احترامًا لدستور البلد، أو انقضاضًا عليه؟ فإن رأي أحد ألا مخالفة للدستور في مثل هذا التصرف، فإني أقول له يفتح الله، وشرع الله عند غيرك.

أما إن كان في هذا التصرف مخالفة صريحة للدستور، وهذا ما أومن به، فما جزاء من يفعل ذلك، إلا أن يطبق عليه حكم الدستور، الخاص بمن يعتدي عليه ويخالف نصوصه. وأخف جزاء في هذا المجال الاستقالة أو الإقالة بالنسبة للوزارة، والفض أو الانفضاض بالنسبة لمجلس الشعب. والعلة واضحة أن الحارس مكلف بحماية ما جيء به من أجل حراسته، فإن لم يقم بالحراسة حق القيام، وتسرب المساس بالمحروس من عدة نواح كان الجزاء الحق تنحية الحارس فورًا؛ لأنه لم يؤد للمهمة التي أسندت إليه حقها. والبقاء بعد ذلك في العمل مخالفة صارخة. تضاف إلى غيرها من التصرفات غير الدستورية. وإذا خالفت الوزارة الدستور، من أين تكتسب صفتها وتستحق بقاءها؟؟ وإذا لم يرع النواب جانب الدستور، فمن أين يتحلون بصفاتهم؟؟ أليس الوضع عجيبًا وغريبًا لما احتواه من مخالفات أوجبت متناقضات؟؟.

الإخوان المسلمون يطالبون باحترام الدستور، ولأن الله يريد بعباده السر، ألهم طائفة من أبناء هذا البلد المسلم، أن يطالبوا بإقامة شرع الله فيما بين الناس، وإلا لأثم الجميع، سواء على فرض العين أو فرض الكفاية. إن الإخوان المسلمين، الذين طالبوا بتطبيق شرع الله منذ قيامهم بدعوتهم، هم الذين يطالبون اليوم باحترام النص الذي يؤازرهم اليوم في منهاجهم. ولئن جاء هذا النص الدستوري ليعلن اعترافًا صحيحًا، بأن الإخوان المسلمين كانوا ولا يزالون على حق في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أن هذا النص وحده لا يكفي في جدية الأمر. بل المطلوب فعلاً أن يخرج هذا النصر الذي كتب بكلمات صامتة، على أوراق ميتة إلى عالم التطبيق والتنفيذ؛ ليؤمن الشعب أن الذين وضعوا هذا النص في الدستور، إنما يعنون ما يقولون، ويحترمون ما يكتبون، أو أنهم يقولون ما لا يفعلون، أو يفعلون ما لا يقولون. يجب تطبيق هذا النص فورًا. وآية احترام الدستور اليوم، أن تنحي عن الحكم وزارة تجافي الدستور في تصرفاتها، ويجب أن يحل مجلس الشعب فورًا، لأنه تخلي عن أول واجبات وجوده، واجب تنفيذ الدستور قولاً وعملاً، وكيف يا ترى يجد النواب أنفسهم عندما يحاسبهم ربهم على ما أدوا من وفاء نحو دستور يقرر الشريعة الإسلامية مصدرًا للتقنين عن طريقهم، ثم هم لا ينفذون هذا النص، بل ويعطلونه بإقرارهم لقوانين لا تستند إلى هذا النص الواضح الصريح.

يا أيتها الحكومة، يا أيها النواب، هل تروننا تجنينا عليكم في مطالبتكم بمغادرة كرسي الحكم وإخلاء دار الشعب؟؟ أم أننا في ذلك محقون؟؟ هل تروننا تجاوزنا عن اللياقة والمجاملة في هذا الطلب؟؟ أم أننا موفون بعهدنا مع الله حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما معناه "الدين النصيحة" قالوا لمن يا رسول الله، قال: "لعامة المسلمين وخاصتهم وأولي الأمر منهم". لا تنظروا إلى ما قدمناه نظرة غضب، فليس بيننا وبينكم إلا عاطفة المسلم الذي يجب أن يرى حكامه ونوابه حماة شرع الله، وحراس دينه، والمضحون بكل شيء في المحافظة على عقيدتهم. أنتم وزراء دولة قال رئيس جمهوريتها إنه مسلم ويرأس دولة إسلامية. ترى ماذا حققتم له من هذا القرار؟؟ هل حلتم بسلطتكم دون البغي والفجور الذي يجري علنا في كباريهات شارع الرجس شارع الهرم وفي غيره مما هو كائن في كل مكان من أرجاء هذا الوطن؟؟ وتلك من الكبائر !! هل منعتم التليفزيون وهو جهاز خاضع لسلطتكم وتحت إشرافكم، من عرض تلك المساخر والموبقات التي أفسدت كل شيء. وضج منها الكتاب في صحفهم المرة بعد المرة؟؟ وتلك كبيرة من الكبائر !! هل حاسبتم نظار المدارس الذين يحتمون على الشباب المسلم حلق لحاهم، وعلى الفتيات التنكر لأزيائهم المحتشمة التي تصفها بعض العجائز بأنها كأكفان الموتى؟؟ تلك مناهضة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- !! أنا لا أتعرض للماديات من لحم وغذاء وملبس ومسكن؛ لأنى أومن بأنها كلها على الإطلاق مشاكل يمكن أن تزول فور تطبيقكم لنص الدستور وبدأتم بأنفسكم كما كان يفعل عمر بن الخطاب في مثل هذه المواقف المحرجة !! هل طبقتم التعليم الديني في معاهد العلم بدءها ومنتهاها، تطبيقًا عمليًا منتجًا لشاب يريد أن يرى شرع الله مطبقًا بين جنبات هذا الوداى الأمين؟؟ هل أحسنت الرقاب على الأجهزة الحكومية، حتى في تطبيها لهذه القوانين الوضعية؟! هل خرجتم إلى الشعب في سمت التقى والورع والزهد والتقشف ومشاركته متاعبه وآلامه، حتى يراكم على ما يحب لكم، فيقتدي بكم؟؟ وهل وهل وهل إلى آخر هذه الهلات التي لا تنتهي، نتيجة لما أنتم عليه من عدم تطبيق هذا النص الواضح الصريح؟؟؟.

أين ما أعددتموه من قوانين

وأنتم أيها النواب، هل تروننا تجرأنا على ما لا يصح لمواطن أن يتجرأ عليه، مع أمثالكم من حضرًات النواب الكرام؟؟ هل تسمحون لنا – متفضلين أو كارهين – أن نسألكم أين ما أعددتموه من قوانين لمحاربة الربا كبرى الجرائم الاقتصادية في شرع الله؟؟ هل أرضيتم ربكم، وأسعدتم شعبكم في إصدار قانون بتحريم الربا أيها النواب الكرام العظام؟! ألا تعلمون حساب يوم تقفون فيه بين يدي الله فيسألكم فلا تحيرون جوابًا.. والعقوبة ساعئتذ معروفة غير مجهولة !! ألا تخشون الله وحسابه وعقابه؟!! هل أسقطتم وزارة من الوزارات التي لم تخرج هذا النص إلى عالم الواقع والتطبيق؟! هل طالبتم بوزارة تستجيب إلى هذا النص راضية تخشي الله فيه قبل أن تخشى أي شيء آخر؟! هل أجمعتم – كما عودتمونا في اجتماعاتكم المرموقة – في المطالبة بإسعاد الشعب المسلم في أخذه بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام في سياساته واقتصادياته واجتماعياته وأخلاقياته وحربه وسلمه وعقيدته؟! ما لكم ونحن نعرف أن الكثيرين منكم عاهدوا الناخبين في دور الدعاية الانتخابية بالمطالبة بتطبيق شرع الله !! أين ذهبت هذه العهود وتلك المواثيق؟! ليس هذا خطأكم ولكنه خطأ الشعب الذي ينتخبكم، ثم لا توفون بما عاهدتموه عليه؟! أي قوة تخشون؟!.

إن الشعب هو الذي يأتي بكم وليست الحكومة !1 وفي قدرة هذا الشعب – مستعينًا بالله – ألا يأتي بكم أبدًا . وسوف يبلغ النضح العقيدي بنخابي هذه الأمة المسلمة إلى المستوي الذي يملي فيه إرادته فيطاع ولو كان أعداء الشريعة الإسلامية بعضهم لبعض ظهيرًا نحن لا نحاسبكم على مواقفكم على هذه المعاهدة أو تلك من الناحية السياسية أو الاقتصادية ، ولكننا نحاسبكم على تخليكم عن التمسك بهذا النص وعدم مطالبتكم بتطبيقه ولا شك أن تضييعكم لهذا النص يجعل تضييعكم لما سواه أدني وأقرب.

إن واديكم أيها النواب لن يضيق بأكثر من مائة مليون نسمة لو أحسن استثماره، وليست أزمات اليوم نتيجة كثيرة السكان، ولكنها النتيجة المحتومة لأهل القرى الذين لم يتقوا الله ولم يطيعوا أمره ولم ينفذوا تعاليمه. وأخذتم بشرع الله وألزمتم الحكومة بتطبيقه لفتح عليكم بركات وأرزاقًا واسعة من السموات والأرض؛ لأن هذا وعد الله ووعده حق وقوله صدق لمن أخلص في صلته بالله ولكنا لما عصيناه حلت بنا الأزمات من كل جانب واتسع الخرق على الراقع، أليس كذلك أيها السادة؟! فهل أنتم مغيرون حتى يغير صاحب الإرادة والمشيئة؟! حقا إننا لا نملك لكم ضرًا ولا نفعًا ولكننا نملك أن نقول صادقين وأن ننصح مخلصين. فاعملوا لأنكم في دار العمل. فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، يوم لا ينفع المقصرين معذرتهم والحساب عسير.

ليتنا نملك أكثر من الكلمة

ليتنا نملك أكثر من الكلمة إذن لقومناكم غير خارجين على القوانين ولا متخطين لنصوص الدستور؛ لأن مفهوم المخالفة لتطبيق شريعة الله هو وجوب العمل على تطبيق شرع الله بعد ما رأينا الصمت العميق إزاء تطبيق هذا النص وما نجم عنه من قوانين لا علاقة لها بصراط الله المستقيم. إن من حقنا أن نهيب بالحكومة أولاً؛ وذلك في صالحها، وبكم ثانيًا؛ وهذا في صالحكم وبالشعب المسلم ثالثًا؛ وهذا في مصلحته، أن تبدءوا من اليوم وفورًا على جعل شريعة الله مصدرًا للتقنين حتى تشعر الأمة بأن هذا النص تقرر لا ليقرأ ولا ليعطل ولا ليكون مسكنًا مؤقتا ولكن ليكون نصًا عاملاً منفذًا تتوالى من وراء تطبيقه الخيرات تترى فيحمد الناس لكم هذا الصنيع، إننا لا نطالبكم بهذا تحديًا فالمسلم لا يتحدى المسلم، ولكن نطالبكم به تنفيذا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك ذرة من إيمان" وها نحن ننفذ كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المطالبة بتغيير هذا المنكر بلساننا وكلمتنا وقلمنا. نعم إن عدم تحويل نص تطبيق الشريعة الإسلامية إلى حيز العمل منكر نحن مطالبون شرعًا بتغييره وها نحن فعلنا وسنفعل وسنظل نفعل خشية التقصير في جنب الله الذي لا نخشى في هذا الوجود سواه.

نريد حكومة تحترم دينها

وما أخالني في حاجة إلى ذكر الأسباب التي حملتني أصلاً، على هذا المطلب الذي أتمني أن أجاب إليه. إني أريد حكومة تحترم أول ماتحترم تعاليم دينها الذي نص الدستور على أنه مصدر التشريع الرئيسي لكل قوانين هذا البلد المسلم، ولن يكون احترامها له إلا عملاً واقعيًا يراه كل مواطن رأي العين. وأريد مجلس الشعب يطالب الحكومة أن تبرز هذا النص، إصلاحات شاملة يحس بها من بعثوا بهم إلى مجلس الشعب فإن لم تستجيب لهم أسقطوها، وسيعيدهم الشعب نوابًا مرة أخري لأنهم رأوا أنخ صدقوا ما عاهدوهم عليه، حتى ولو أدي هذا النداء إلى معاناة الدعاية الانتخابية مرة ومرة ومرة، حتى تؤمن الحكومة أنه لا مناص لها من الاستجابة إلى مطالب الشعب، أو أن تلغي مجلس الشعب، وتحكم حكما متسلطا برأيه وحده. وما أظن أن هذا ممكن مرة أخري، فقد شبت الأمة عن الطوق، وبلغ منها الشعب السعي، فما عاد أحد يستطيع أن يعيده إلى عهد المتعقلات والتفلفيقات، فقد مضي هذا الوضع إلى غير رجعة إن شاء الله.

إننا نريد أن تستعيد الأمة مكانتها وقوتها وهيبتها ومكانتها بين شعوب العالم عزيز منيعة مسموعة الرأي وفي نفس الوقت أعتقد أن الأمة كلها ستقف إلى جانب هذا الرأي الذي ليس وراءه سعي إلى حكم، ولا مكائد حزبية، ولا مطالب دنيوية تافهة، أيًا كان نوعها. إنه الرأي الذي بدا واضحًا في أول استفتاء أجري بهذا الخصوص فقد كانت الأغلبية الساحقة في ذلك الاستفتاء أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد، الذي تستقي منه كل القوانين التي تصدر لمصلحة هذه الأمة المسلمة. وما كانت الأمة يوم أن أبدت رأيها في هذا الصدد، على هذه الصورة تريد نصا لا يعمل، أو تريد مادة في الدستور لا تعدو أن تكون صورة لا روح فيها ولا حياة. إن الأمة متمسكة بأن تحيا دينها، وأن تستمتع بشريعتها ن ليقينها أن لا سبيل للجد سواه بل ليست الأمة وحدها صاحبة هذا الرأي بل إن السلطات كلها تنفيذية وتشريعية وإعلامية وقضائية، تتمنى الوصول إلى هذه النتيجة المشرقة الزاهية، فمن أحسن من الإسلام دينًا ?وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ? (المائدة: من الآية50).

يا حكام المسلمين: إسرائيل ليست غافلة.. ولا تريد سلامًا!!

كما أن حكومة مصر تؤكد رغبتها في السلام يومًا يعد يوم بما تقيمه من كل مقومات ومظاهر السلام في البناء والزراعة على ضفاف القنال وسيناء وغيرها إثباتًا لاحترام توقيعها على وثيقتي "كامب ديفيد" و"معاهدة السلام" وحسن ظن مفرط منها بأن إسرائيل تحترم بدورها توقيعها، كذلك إسرائيل تثبت بكل المقومات والتصرفات تصميها على المضي في مطامعها دون احترام لأي شيء يحترمه الناس في هذا الوجود، اطمئنانا إلى أن كل قوي العالم المادية أمريكية وروسية لن تجرؤ على تغيير مما تفعله إسرائيل في جرأة وتصميم واحتقار لكل شيء يحترمه الناس في هذا الوجود.

هذا هو الوضع الماثل أمام أنظار مصر وإسرائيل والحلفاء والشرفاء والأعداء والألداء، وما تزال صحافتنا وأجهزة الإعلام تتحدث عن العهود والمواثيق والأخلاقيات والحقوق وما تزال تطنطن فرحة بما يصدر من تصريحات حينًا هنا وحينًا هناك. وكان الأجدر بكل من في مصر شعبًا وحكومة ومجلس شعب وأجهزة إعلام أن يعبئوا الشعور العام في مصر استعدادًا للموقف الفاصل الذي لا موقف لنا سواه، بل والذي لا اختيار لنا في الرضاء بغيره إذا ما أردنا أن نعيش كرامًا. هذه الحملة المكثفة لتحديد النسل – ولنا اعتراض عليها – لو أن جزءًا من هذه الحملات الدعائية المركزة يبذل في سبيل تعبئة الرأي العام ضد ما يحاك للإسلام في شخص مصر لكان الموقف غير الموقف. لقد قلنا ولا نزال نقول إننا مقدرون تمام التقدير لأوضاع مصر والعالم المعادي لها باعتبارها حصن الإسلام حتى اليوم. وأن التغيير أمامه صعاب غاية في الخطورة. نحن نعلم هذا علم اليقين، ولكن ما كان المضطر مخيرًا في ركوب الصعب وهو عالم بخطورته ولكن:

وإذا لم يكن من الموت بد

فمن العجز أن تموت جبانًا

نعم من الخير أن نموت تحت قرع القنا وهدير المدافع أباة أعزة من أن نعيش أذلة تحت صلف المستهينين بنا.

مزاعم صحافتنا العجيبة

فإسرائيل لا تحارب معركة خاسرة بتصرفاتها هذه ولكنها واثقة تمامًا من النصر مادام هذا هو موقف حكام المسلمين من شعوبهم وإزاء بعضهم البعض. ها هي ذي صحف الأربعاء 13 أغسطس 1980 تطالعنا بأن الحزب الديموقراطي الذي ينتسب إليه الرجل النبيل "جيمى كارتر" وهو بحكم انتسابه لهذا الحزب ووصوله إلى الرئاسة عن طريق هذا الحزب وبرامجه ملزم باحترام هذا البرنامج بل ملزم بتنفيذه حرفًا حرفًا رغم مغالطات صحافتنا الذكية بأن تصرفات "كارتر" شيء وتنفيذ برامج حزبه شيء آخر. ولست أدري أين يوجد هذا الأبله المصري الذي يصدق مزاعم صحافتنا الوطنية التي تبحث وتحافظ على مصلحة هذا الوطن الذي تتحدث باسمه هذه الصحافة العجيبة !!

قرأنا في صحف الأربعاء 13 أغسطس1980 أن الرابطة القومية للأمريكيين تعلن رفض..رفض ماذا؟؟ رفض برنامج الحزب الديموقراطي الذي يشترك أعضاؤه في المفاوضات بين مصر وإسرائيل. لماذا ترفض تلك الرابطة برنامج حرب كارتر؟؟ ترفضه لأن فيه بندا حول الشرق الأوسط.. وماذا في هذا البند الذي ترفضه تلك الرابطة؟؟ فيه أن هذا البند متحيز ويعبر فقط عن مصالح ومطالب دولة إسرائيل ويتجاهل مصالح الولايات المتحدة والدول العربية على السواء.

واعتقادي أن مصالح الولايات المتحدة أقحمت إقحاما في هذا الرفض تغطيه لموقفها ضد مصالح المسلمين جميعًا. واضطهادها للمسلمين في كل مكان يؤكد هذا.. ففي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة البعثية في سوريا سحق المسلمين تدعمها أمريكا بالمال والعتاد وكذلك موقفها مع كل دولة تحارب الإسلام حتى ولو كانت الدولة شيوعية مثل ليبيا والجزائر ومن إليها من تلك الدول فهل معنى ذلك أن بقية أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكية ليسوا من أنصار إسرائيل؟ جائز فهل يجوز في عقل مهما بلغت تفاهته أن عضوًا واحدًا في حزب ما، يقهر كل أعضائه على ما لا يريدون فيقبلون أن يقروا ببند في برنامج حزبهم هم ليسوا عنه راضين؟ ياللسخف وياللاستهانة بعقول القارئين. وإمعانًا في الكناية بمصر والإمعان في تأييد إسرائيل، أن مؤتمر الحزب الديموقراطي الأمريكي وضع قاعدة جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهي وجوب تقديم المرشحين فيه بتعهد مكتوب بالتزام مبادئ هذا الحزب التي قامت على التأييد المطلق لإسرائيل والانتقاص الكامل لحقوق المسلمين أينما وجدوا.

(هل ندري ماذا تقول تلك الرابطة الأمريكية عن برنامج الحزب الذي يضم "كارتر" بين أعضائه وتؤيد ترشيحه لرئاسة الولايات المتحدة الثانية، تقول هي التي تقول – لا نحن الإخوان المسلمين أعداء السلام، الجاهلين بالأوضاع السياسية – وافتح أذنيك جيدا، تقول: إن هذه القاعدة الجديدة ستصبح سارية المفعول على الفور. ومن المتوقع أن يقدم كارتر تعهده المكتوب واعتراضاته اليوم. لماذا كل هذا؟؟ قدر كما تشاء فالناس أحرار فيما يقدرون ولكن تقديري الذي لا يخالجنى فيه شك أن هذا التوتر القائم الآن في هذه المنطقة والذي خلقه "بيجين" خلفًا، له نتيجة هي الصدام المسلح بين مصر وإسرائيل، اللهم إلا إذا استجابت مصر لتعنت إسرائيل. وهذا ما لا أظنه يقع أبدًا من المفاوض المصري الذي قدم لإسرائيل ما لا يستطيع سواه أن يقدمه (سيقع هذا الصدام وموقف الولايات المتحدة محدد منذ اليوم بهذا البند الجديد الذي تحيز تحيزًا كاملاً منكرًا لمصالح إسرائيل ومنكر إنكارًا مكشوفًا لمصالح المسلمين ثم تكون النتيجة التي تحلم بها إسرائيل برافان أمريكا وروسيا ومن في فلكهما. ولكنهم نسوا أن هذا الموقف السلبي الماثل أمام الناس ليس عدمًا إلى الأعماق ولكنه التيفود الماحق إذا ما وضعت جرثومته في جسد المريض والسليم على السوء. ستعرف تلك الجبهة المعادية للمسلمين أن لحمهم مر لا يمكن ابتلاعه.

ولا تكتفي الرابطة بما تقدم بل تضيف إليه أن برنامج الحزب الديمقراطي الذي يدعو لفوز مرشحة كارتر شريكنا الفعال في المفاوضات الدائرة بيننا وبين إسرائيل والذي يملك 99% من أوراق اللعبة لعبة المفاوضات. بل نضيف إلى هذا أن برنامج هذا الحزب يتناقض تمامًا مع القيم الأمريكية.. أية قيم؟؟ وهل ما تزال هناك قيم تُنعى ويُبكى عليها حول حقوق الإنسان؟؟ أي إنسان؟؟ الذي يذبح ويعذب بين سمع "كارتر" وبصره في أفغانستان، وسوريا، وأريتريا، والهند، وغيرها، أليس كذلك؟؟ ويتجاهل حقوق الفلسطينين في تقرير المصير مما يضع الولايات المتحدة في موقف يتسم بالنفاق؟؟ الأمريكان هم الذين يقولون هذا عن أمريكا. الأمريكان الذين لم يصبهم من مستر كارتر وسائر رؤساء الولايات المتحدة إلا هضم حقوقنا المشروعة وتركها نهبًا مباحًا لإسرائيل صنيعتهم وربيبتهم وخازوقهم الذي دقوه في قلب الوطن الإسلامي.

ولكن ليثقوا جميعًا أن القوي القادر لن يرضى عن الظلم وسيأتي بإذن الله اليوم القريب أو البعيد جدًا، ويستعيد أصحاب الحقوق حقوقهم ?وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ? (الشعراء: من الآية227).

شاهد على أهله

(ويمضي هؤلاء الأمريكان في تشريح سياسة حكومتهم فيقولون إنه من الناحية الاستراتيجية فإن الإمدادت الضخمة من الأسلحة الأمريكية لإسرائيل تخدم السياسة التوسعية الإسرائيلية وتصنع ضغطا هائلا على الدول العربية بحيث تضطر إلى السعي لطلب الأسلحة من الاتحاد السوفيتي مما يعطي روسيا الدول العربية ما تحتاجه من الأسلحة الهجومية التي تغمر بها أمريكا إسرائيل؟؟ أم أنها حتى إذا أعطتهم الأسلحة الدفاعية فإنما تعطيهم منها القدر أليسير، بشروط تقصم الظهور ومن مخلفات الحرب الثانية، حتى هؤلاء المتباكون الناقدون لحكوماتهم يعز عليهم ألا يسخروا من عقولنا، فلا خير على من بالت عليه الثعالب، وختم هؤلاء المتباكون كلامهم أنه لا توجد دولة في العالم نامية أو غير نامية رأسمالية أو شيوعية من العالم الأول أو الثاني أو الثالث يمكن أن توافق على هذه المساندة المتميزة التقليدية لإسرائيل التي تحدث بشكل روتيني كل أربع سنوات للحصول على أصوات اليهود.

أستحلف كل ذي ضمير به بقية من إحساس بالقيم، هل مثل هؤلاء الناس يمكن أن يوثق بهم أو يطمأن إليهم، وإذا كان الذي يحمل الناس على المر ما هو أمر منه..فما أعتقد أن هناك ما هو أمر ولا أضيع من الموقف الذي وضعتنا فيه أمريكا مع إسرائيل عامدة متعمدة مخططة.ليس هذا تحمسًا ضد أحد، أو كراهية لأحد،ولكنه الواقع المرير الذي نعيش فيه،ولا يريد المفاوض المصري أن يتخذ موقفًا حاسمًا فيه.هذا الذي تفعله إسرائيل في عرقلة المفاوضات،التي لم تقبلها من أول الأمر ولا تزال عند موقفها حتى اليوم والغد..

هذه العرقلة التي اعترف العالم كله أن إسرائيل هي التي تختلق لها الأسباب، ما الداعي لأن تتصل بنا الولايات المتحدة لحل أزمتها؟؟ هل تريد منا تنازلا جديدا؟ هل تريد منا الترخيص و التساهل في احترام ما رضيناه مكرهين، والإكراه مبطل لكل التصرفات؟ لماذا لا تتصل الولايات المتحدة بإسرائيل وحدها لإرغامها على تغيير موقفها المتعنت؟؟ أتدري لماذا؟؟ إليك الجواب إن أمريكا تقر تصرف إسرائيل في اعتبار القدس عاصمة لها إلى الأبد.. أتسألني من أين جئت بهذا القول العجيب؟؟ جوابي..

من رئيس الحزب الديمقراطي الذي ينتسب إليه مستر كارتر الشريك الثالث في المفاوضات الجارية بين مصر وإسرائيل، جاء في تصريح له قرأناه في أهرام الخميس 14 أغسطس سنة 1980 أن برنامج الحزب الخاص بالشرق الأوسط والذي يدعو إلى أن تكون القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل لا يغير موقف حكومة كارتر فيما يتعلق بوضع القدس، هل فهمت موقف الولايات المتحدة بوضوح من قضية القدس؟ إن لم تفهم فلا جعل الله أحدًا يفهم شيئًا بالمرة". وأزيدك إيضاحًا ففي نفس هذا الحديث في جريدة الأهرام تعليق رئيس الحزب الديمقراطي الذي ينتسب إليه السيد كارتر. إن الجزء الذي يدعو في البرنامج إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو أمر لم يبت فيه حتى اليوم من وجهة نظر الولايات المتحدة.

هذه هي الأخطار الفادحة التي جرتنا إليها المفاوضات مع أناس لا عهد لهم ولا وفاء، وأنهم لا يحترمون إلا الأمر الواقع الذي تقرره القوة الغاشمة. لقد قلنا وحذرنا من أول يوم رغم كل الاستفتاءات وموافقة مجلس الشعب ولكن لم يسمع لنا في هذا المجال نصح ولا كلام، ثم يأتي بعد ذلك كارتر ليعلن أن الوضع النهائي للقدس تقرره المفاوضات من الأطراف المعنية وكأنه لم تكن حتى اليوم مفاوضات ولا معاهدات ولا كلام عن القدس. والله أعلم بمصير مفاوضات أحد طرفيها أمريكا وإسرائيل.. يا لمضيعة الآمال..