الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حسن البنا»
ط (حمى "حسن البنا" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))) |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
== أولاً : المولد والأسرة == | |||
== أولاً : المولد والأسرة | |||
'''المولد :''' | '''المولد :''' | ||
ولد الإمام الشهيد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في ضحي يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان الابن الأكبر لأبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمديرية الغربية سابقاً ومحافظة كفر الشيخ حاليًا. | ولد الإمام الشهيد '''حسن أحمد عبد الرحمن البنا''' في ضحي يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان الابن الأكبر لأبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمديرية الغربية سابقاً ومحافظة كفر الشيخ حاليًا. | ||
'''أبواه وأخوته :''' | '''أبواه وأخوته :''' | ||
هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن | هو الابن الأكبر للشيخ [[أحمد عبد الرحمن البن]]ا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح ، وكان الشيخ أحمد عالمًا بالسنة ، فقد رتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة علي أبواب الفقه ، وله مؤلفات في السنة منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن " كما شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل وسمى الشرح " بلوغ الأماني من أسرار الفتح الباني " ، وقد كان الشيخ يعتبر نفسه من تلامذة الإمام محمد عبده . | ||
ووالدة الإمام الشهيد هي السيدة الفضلى : أم سعد إبراهيم صقر , والدها تاجر مواش بقرية شمشيرة , وهي أيضًا من نفس قرية والد الإمام الشهيد وهي تواجه المحمودية علي الضفة الثانية للنيل . | ووالدة الإمام الشهيد هي السيدة الفضلى : أم سعد إبراهيم صقر , والدها تاجر مواش بقرية شمشيرة , وهي أيضًا من نفس قرية والد الإمام الشهيد وهي تواجه المحمودية علي الضفة الثانية للنيل . | ||
وكانت ذكية ومدبرة وواعية , كما كانت علي جانب كبير من العناد , فإذا انتهت إلي قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه , وهي صفة ورثها – الإمام الشهيد – ابنها الأكبر كما ورث منها ملامح الوجه , ولكن العناد تحول إلي صورة سوية أصبح معه " قوة إرادة " ولم يشاركه في هذه الوراثة من إخوته سوي شقيقه عبد الباسط رحمه الله . | وكانت ذكية ومدبرة وواعية , كما كانت علي جانب كبير من العناد , فإذا انتهت إلي قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه , وهي صفة ورثها – الإمام الشهيد – ابنها الأكبر كما ورث منها ملامح الوجه , ولكن العناد تحول إلي صورة سوية أصبح معه " قوة إرادة " ولم يشاركه في هذه الوراثة من إخوته سوي شقيقه عبد الباسط رحمه الله . | ||
'''إخوته :''' | '''إخوته :''' | ||
سطر ٢٩: | سطر ٢٤: | ||
[[ملف:Elbana.gif|تصغير]] | [[ملف:Elbana.gif|تصغير]] | ||
== ثانيًا : علاقة الإمام [[البنا]] العائلية == | |||
سطر ٤٥: | سطر ٤١: | ||
وقد كان البنا مثالاً لما يجب أن يكون الابن لوالديه ، فقد كان أسعد أيامه كما يقول يوم يرضي عنه والده فهو يقول في أحد خطاباته : " فقد ورد خطابكم الكريم وإن اليوم الذي استطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً ، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم ، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم ، ذلك ما اعتقده وأقوله بإخلاص ويقين . والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير فإن هذه ضرورة لابد منها ستنفرج عما قليل ، والله إنني لأقضي ساعات طوالاً في ألم لتألم والدتي ، وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة . فهل يوفقني الله إلي هذه الأمنية " . | وقد كان البنا مثالاً لما يجب أن يكون الابن لوالديه ، فقد كان أسعد أيامه كما يقول يوم يرضي عنه والده فهو يقول في أحد خطاباته : " فقد ورد خطابكم الكريم وإن اليوم الذي استطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً ، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم ، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم ، ذلك ما اعتقده وأقوله بإخلاص ويقين . والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير فإن هذه ضرورة لابد منها ستنفرج عما قليل ، والله إنني لأقضي ساعات طوالاً في ألم لتألم والدتي ، وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة . فهل يوفقني الله إلي هذه الأمنية " . | ||
'''ب – الأسرة التي أسسها :''' | '''ب – الأسرة التي أسسها :''' | ||
سطر ٥٣: | سطر ٥٠: | ||
ومما تذكره الابنة ثناء في حق والدتها : والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة علي مصلحة نفسها وبيتها ، وقد كانت تقوم علي رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال ، فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلي الدعوة ، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين طلبت منه يأخذ كثيراً من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام ، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة , لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها ، وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها ، وفي نفس الوقت حماتها ، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في أبني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف ؟ ! ولقد كانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم ، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا ، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا . | ومما تذكره الابنة ثناء في حق والدتها : والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة علي مصلحة نفسها وبيتها ، وقد كانت تقوم علي رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال ، فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلي الدعوة ، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين طلبت منه يأخذ كثيراً من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام ، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة , لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها ، وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها ، وفي نفس الوقت حماتها ، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في أبني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف ؟ ! ولقد كانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم ، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا ، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا . | ||
'''البنا وأولاده :''' | '''البنا وأولاده :''' | ||
سطر ٥٨: | سطر ٥٦: | ||
كان البنا رب أسرة مثاليًا فلم يقصر في رعاية أبنائه والعناية بهم والاهتمام بكل شئونهم ، فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي أساسها ، وهل أكمل العلاج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته ، وتري أبنته الفاضلة ثناء " وكان عند عودته ليلاً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلي الحمام " ، وكان البنا كريماً مع أولاده وكان يعطي كل واحد منهم مصروفاً يوميًا ثلاثة قروش وكان يعطي أبنه سيف الإسلام مصروفًا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ، وكان الإمام يتابع كل ما يقرأه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية . وكان أسلوب البنا في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر فقد عرض لابنه سيف الإسلام بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم فلم يدخلها سيف قط ، وكان يتابع تصرفاتهم فعندما اشتري سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدله خيراً منها مثل قصة الأميرة ذات الهمة وسيرة عنترة بن شداد وسيف ابن ذي يزن ، وبعض روايات البطولة الإسلامية وسيرة عمر ابن عبد العزيز وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان . وتطبيقاً لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلي مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة . | كان البنا رب أسرة مثاليًا فلم يقصر في رعاية أبنائه والعناية بهم والاهتمام بكل شئونهم ، فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي أساسها ، وهل أكمل العلاج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته ، وتري أبنته الفاضلة ثناء " وكان عند عودته ليلاً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلي الحمام " ، وكان البنا كريماً مع أولاده وكان يعطي كل واحد منهم مصروفاً يوميًا ثلاثة قروش وكان يعطي أبنه سيف الإسلام مصروفًا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ، وكان الإمام يتابع كل ما يقرأه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية . وكان أسلوب البنا في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر فقد عرض لابنه سيف الإسلام بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم فلم يدخلها سيف قط ، وكان يتابع تصرفاتهم فعندما اشتري سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدله خيراً منها مثل قصة الأميرة ذات الهمة وسيرة عنترة بن شداد وسيف ابن ذي يزن ، وبعض روايات البطولة الإسلامية وسيرة عمر ابن عبد العزيز وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان . وتطبيقاً لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلي مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة . | ||
وتروي أبنته ثناء عن رعاية الإمام له فتقول : " وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد والوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " . | وتروي أبنته ثناء عن رعاية الإمام له فتقول : " وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع [[الإخوان]] في محافظات الصعيد والوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " . | ||
'''إكرام البنا لأهل زوجته :''' | '''إكرام البنا لأهل زوجته :''' | ||
سطر ٦٦: | سطر ٦٥: | ||
وكان رحمه الله يعامل خادمته كأنها من أهل البيت حيث كان للخادمة مثل أولاده سرير مستقل ودرج مستقر في دولاب واحد ، لكل واحد من أبنائه درج فيه . وكان يكلف أبنته الكبرى وفاء بتعليم الخادمة في المساء القراءة والكتابة وأن تعلمها الصلاة وكثيراً ما كان يزور الخادمة في بيت زوجها عند زواجها وبعد مدة من توقفها عن الخدمة في بيته " . | وكان رحمه الله يعامل خادمته كأنها من أهل البيت حيث كان للخادمة مثل أولاده سرير مستقل ودرج مستقر في دولاب واحد ، لكل واحد من أبنائه درج فيه . وكان يكلف أبنته الكبرى وفاء بتعليم الخادمة في المساء القراءة والكتابة وأن تعلمها الصلاة وكثيراً ما كان يزور الخادمة في بيت زوجها عند زواجها وبعد مدة من توقفها عن الخدمة في بيته " . | ||
وتقول ابنته ثناء : أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير لائقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ لأنها أختي في الإسلام ، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به علي يدي ، وكان هذا كافيًا جداً يشعرني بأنه غاضب علي وكان درسًا لي لم أنسه طوال حياتي . | '''وتقول ابنته ثناء :''' أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير لائقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ لأنها أختي في الإسلام ، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به علي يدي ، وكان هذا كافيًا جداً يشعرني بأنه غاضب علي وكان درسًا لي لم أنسه طوال حياتي . | ||
سطر ٧٣: | سطر ٧٢: | ||
=== أولاً : التكوين العلمي | === أولاً : التكوين العلمي === | ||
سطر ٨١: | سطر ٨٠: | ||
يقول عبد الرحمن البنا عن طفولة الإمام الشهيد : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا الوالد الكريم ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات ، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري ، والقسطلاني ، ونيل الأوطار ، وكان يبيحها لنا ويشجعنا علي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به ، ولكنه كان غير عادي ، كان فرق السن بيننا سنتين ، ولكنه لم يكن الفرق الحقيقي ، بل فرق إرادة إلهية أعدته لأمر عظيم ، فكان طالب علم ولكنه مستقر موهبة ومستودع منحة ربانية ، وشتان بين المنزلتين ، وفرق بعيد بين المريد والمراد ! وكنا نسمع ما يدور في مجلس الوالد الكريم من مناقشات علمية ومساجلات ، ونصغي للمناظرات بينه وبين من يحضر مجلسه من جلة العلماء ، أمثال الشيخ محمد زهران والشيخ حامد محيسن ، فنسمعهم وهم يناقشون عشرات المسائل . | يقول عبد الرحمن البنا عن طفولة الإمام الشهيد : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا الوالد الكريم ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات ، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري ، والقسطلاني ، ونيل الأوطار ، وكان يبيحها لنا ويشجعنا علي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به ، ولكنه كان غير عادي ، كان فرق السن بيننا سنتين ، ولكنه لم يكن الفرق الحقيقي ، بل فرق إرادة إلهية أعدته لأمر عظيم ، فكان طالب علم ولكنه مستقر موهبة ومستودع منحة ربانية ، وشتان بين المنزلتين ، وفرق بعيد بين المريد والمراد ! وكنا نسمع ما يدور في مجلس الوالد الكريم من مناقشات علمية ومساجلات ، ونصغي للمناظرات بينه وبين من يحضر مجلسه من جلة العلماء ، أمثال الشيخ محمد زهران والشيخ حامد محيسن ، فنسمعهم وهم يناقشون عشرات المسائل . | ||
'''وكانت مراحل دراسة الإمام الشهيد كما يلي :''' | '''وكانت مراحل دراسة الإمام الشهيد كما يلي :''' | ||
سطر ٩٣: | سطر ٩٣: | ||
=== مدرسة الرشاد | ==== مدرسة الرشاد ==== | ||
سطر ١٠١: | سطر ١٠١: | ||
حسن أجاب وفي الجواب أجادا فالله يمنحه رضا ورشادا | حسن أجاب وفي الجواب أجادا فالله يمنحه رضا ورشادا | ||
'''درجته :''' | '''درجته :''' | ||
سطر ١١٣: | سطر ١١٤: | ||
=== المدرسة الإعدادية | ==== المدرسة الإعدادية ==== | ||
سطر ١٢٣: | سطر ١٢٤: | ||
=== مدرسة المعلمين الأولية | ==== مدرسة المعلمين الأولية ==== | ||
يقول الإمام الشهيد عن كيفية التحاقه بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور : " وكان هذا الطالب ( حسن البنا ) قد وفي بعهده فاستمر بحفظ القرآن الذي خرج به من مدرسة الرشاد وأضاف إليه ربعا آخر إلي سورة " يس " ، وقرر مجلس مديرية البحيرة إلغاء نظام المدارس الإعدادية وتعديلها إلي مدارس ابتدائية ، فلم بكن أمام الطالب إلا أن يختار بين أن يتقدم إلي المعهد الديني بالإسكندرية ليكون أزهريًا أو مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليختصر الطريق ويكون بعد ثلاث سنوات معلمًا ، ورجحت كفة الرأي الثاني في النهاية وجاء موعد تقديم الطلبات وتقدم بطلبه فعلاً ، ولكنه كان أما عقبتين : عقبة السن فهو ما يزال في منتصف الرابعة عشرة وأقل سن القبول في الدخول ولابد من أداء امتحان شفهي في القرآن الكريم ، ولقد كان ناظر المدرسة حينذاك ، وهو الأستاذ " بشير الدسوقي موسي " كريماً متلطفًا ، فتلطف بالطالب وتجاوز عن شرط السن وقبل منه التعهد بحفظ ربع القرآن الباقي ، وصرح له بأداء الامتحان التحريري والشفهي فأداهما بنجاح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح طالبًا بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ، وكان للإمام الشهيد في هذه الفترة نظام حياة لا يكاد يتبدل إلا في الطارئ الشديد فيقول : " كنت أمضي الأسبوع المدرسي في دمنهور ، وأعود ظهر الخميس إلي المحمودية حيث أمضي ليلة الجمعة وليلة السبت ، ثم أعود صباح السبت إلي المدرسة فأدرك الدرس الأول في موعده . وكان لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضي في هذه الفترة غير زيارة الأهل وقضاء الوقت معهم ، فقد كانت الصداقة بيني وبين الأخ أحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلي درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن الآخر طوال هذه الفترة أسبوعًا كاملاً دون لقاء ، يضاف إلي ذلك أن ليلة الجمعة في منزل الشيخ شلبي الرجٌَال بعد الحضرة ( حيث كنا نتدارس فيها كتب التصوف من الإحياء والياقوت والجواهر وغيرها ، ونسمع أحوال الأولياء ، ونذكر الله إلي الصباح ) كانت من أقدس مناهج حياتنا ، وكنت قد تقدمت في صناعة الساعات وفي صناعة التجليد أيضاً ، أقضي فترة النهار في الدكان صانعًا وفترة الليل مع الإخوان الحصافية ذاكراً . ولهذه المآرب جميعًا لم أكن أستطيع أن أتخلف عن الحضور يوم الخميس إلا لضرورة قاهرة ، وكنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ثم إلي المسجد الصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ثم إلي المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصلاة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد فالمنزل وفي الصباح إلي المدرسة ، وهكذا دواليك في ترتيب لا أذكر أنه تخلف أسبوعًا إلا لضرورة طارئة " . | يقول الإمام الشهيد عن كيفية التحاقه بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور : " وكان هذا الطالب ( حسن البنا ) قد وفي بعهده فاستمر بحفظ القرآن الذي خرج به من مدرسة الرشاد وأضاف إليه ربعا آخر إلي سورة " يس " ، وقرر مجلس مديرية البحيرة إلغاء نظام المدارس الإعدادية وتعديلها إلي مدارس ابتدائية ، فلم بكن أمام الطالب إلا أن يختار بين أن يتقدم إلي المعهد الديني بالإسكندرية ليكون أزهريًا أو مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليختصر الطريق ويكون بعد ثلاث سنوات معلمًا ، ورجحت كفة الرأي الثاني في النهاية وجاء موعد تقديم الطلبات وتقدم بطلبه فعلاً ، ولكنه كان أما عقبتين : عقبة السن فهو ما يزال في منتصف الرابعة عشرة وأقل سن القبول في الدخول ولابد من أداء امتحان شفهي في القرآن الكريم ، ولقد كان ناظر المدرسة حينذاك ، وهو الأستاذ " بشير الدسوقي موسي " كريماً متلطفًا ، فتلطف بالطالب وتجاوز عن شرط السن وقبل منه التعهد بحفظ ربع القرآن الباقي ، وصرح له بأداء الامتحان التحريري والشفهي فأداهما بنجاح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح طالبًا بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ، وكان للإمام الشهيد في هذه الفترة نظام حياة لا يكاد يتبدل إلا في الطارئ الشديد فيقول : " كنت أمضي الأسبوع المدرسي في دمنهور ، وأعود ظهر الخميس إلي المحمودية حيث أمضي ليلة الجمعة وليلة السبت ، ثم أعود صباح السبت إلي المدرسة فأدرك الدرس الأول في موعده . وكان لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضي في هذه الفترة غير زيارة الأهل وقضاء الوقت معهم ، فقد كانت الصداقة بيني وبين الأخ أحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلي درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن الآخر طوال هذه الفترة أسبوعًا كاملاً دون لقاء ، يضاف إلي ذلك أن ليلة الجمعة في منزل الشيخ شلبي الرجٌَال بعد الحضرة ( حيث كنا نتدارس فيها كتب التصوف من الإحياء والياقوت والجواهر وغيرها ، ونسمع أحوال الأولياء ، ونذكر الله إلي الصباح ) كانت من أقدس مناهج حياتنا ، وكنت قد تقدمت في صناعة الساعات وفي صناعة التجليد أيضاً ، أقضي فترة النهار في الدكان صانعًا وفترة الليل مع الإخوان الحصافية ذاكراً . ولهذه المآرب جميعًا لم أكن أستطيع أن أتخلف عن الحضور يوم الخميس إلا لضرورة قاهرة ، وكنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ثم إلي المسجد الصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ثم إلي المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصلاة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد فالمنزل وفي الصباح إلي المدرسة ، وهكذا دواليك في ترتيب لا أذكر أنه تخلف أسبوعًا إلا لضرورة طارئة " . | ||
سطر ١٣٥: | سطر ١٣٥: | ||
[[ملف:الإمام-عند-تخرجه-من-دار-العلوم.gif|تصغير|الإمام البنا في سن تخرجه من دار العلوم]] | [[ملف:الإمام-عند-تخرجه-من-دار-العلوم.gif|تصغير|الإمام البنا في سن تخرجه من دار العلوم]] | ||
==== دار العلوم ==== | |||
'''القدر يدخل البنا دار العلوم :''' | '''القدر يدخل البنا دار العلوم :''' | ||
سطر ١٤٣: | سطر ١٤٤: | ||
" وأراد الأستاذ الشيخ علي نوفل أن نذاكر معًا ، وكنت في السنة الثانية أي في السنة التي سأؤدي فيها امتحان شهادة الكفاءة للتعليم الأولي ، وكان هو مدرسًا بالملحقة للمعلمين ، فاعتذرت عن المذاكرة معه ولكنه دخل علي من باب حقوق الأخوة ووجوب معاونة الإخوان والاستماع لرأيهم ، فلم أر بداً من الإصغاء إليه " ، وكان للإمام البنا رأي في العلم تأثراً برأي الإمام الغزالي في أن العلم الواجب هم العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ثم الانصراف بعد ذلك إلي العمل ، وظل يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يريد دخول دار العلوم ، هل للاستزادة من العلم ، فالعلم موجود في الكتب وعند العلماء ، أما إذا كان للدنيا فهذا شر ما يعمل له إنسان وتغلبت عليه الفلسفة علي نفسه حتى استطاع أحد أساتذته أن يقنعه بخلاف ذلك ، يقول الإمام الشهيد : كادت هذه الفلسفة تغلب علي نفسي بل هي تغلبت فعلاً ، فلم أذاكر مع الأخ الأستاذ نوفل تذممًا ، ولكن أستاذنا الشيخ فرحات سليم – رحمه الله – وكان يحبني حبًا جمًا ويظهر عطفه علي في كل مناسبة ، وينزل من نفسي منزلة كريمة ، استطاع بلباقة ولطف أن يدفعني إلي المذاكرة بجد ، وإلي التقدم إلي دار العلوم فعلاً ، وكان من قوله : إنك الآن علي أبواب شهادة الكفاءة والعلم لا يضر ، وتقدمك في امتحان دار العلوم تجربة للامتحانات الكبيرة ، وهذه فرصة لا تعوض ، فتقدم لتحفظ لنفسك حقها ، وأنا واثق من نجاحك إن شاء الله ، ثم أمامنا بعد ذلك مجال نفكر فيه كما تشاء ولك أن ترفض أو تدخل ، وهكذا استطاع بتأثيره القوى أن يدفعني دفعًا إلي التقدم بطلبي مع المتقدمين فتقدمت ، وكان الامتحان قبل امتحان شهادة الكفاءة بفترة قليلة . | " وأراد الأستاذ الشيخ علي نوفل أن نذاكر معًا ، وكنت في السنة الثانية أي في السنة التي سأؤدي فيها امتحان شهادة الكفاءة للتعليم الأولي ، وكان هو مدرسًا بالملحقة للمعلمين ، فاعتذرت عن المذاكرة معه ولكنه دخل علي من باب حقوق الأخوة ووجوب معاونة الإخوان والاستماع لرأيهم ، فلم أر بداً من الإصغاء إليه " ، وكان للإمام البنا رأي في العلم تأثراً برأي الإمام الغزالي في أن العلم الواجب هم العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ثم الانصراف بعد ذلك إلي العمل ، وظل يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يريد دخول دار العلوم ، هل للاستزادة من العلم ، فالعلم موجود في الكتب وعند العلماء ، أما إذا كان للدنيا فهذا شر ما يعمل له إنسان وتغلبت عليه الفلسفة علي نفسه حتى استطاع أحد أساتذته أن يقنعه بخلاف ذلك ، يقول الإمام الشهيد : كادت هذه الفلسفة تغلب علي نفسي بل هي تغلبت فعلاً ، فلم أذاكر مع الأخ الأستاذ نوفل تذممًا ، ولكن أستاذنا الشيخ فرحات سليم – رحمه الله – وكان يحبني حبًا جمًا ويظهر عطفه علي في كل مناسبة ، وينزل من نفسي منزلة كريمة ، استطاع بلباقة ولطف أن يدفعني إلي المذاكرة بجد ، وإلي التقدم إلي دار العلوم فعلاً ، وكان من قوله : إنك الآن علي أبواب شهادة الكفاءة والعلم لا يضر ، وتقدمك في امتحان دار العلوم تجربة للامتحانات الكبيرة ، وهذه فرصة لا تعوض ، فتقدم لتحفظ لنفسك حقها ، وأنا واثق من نجاحك إن شاء الله ، ثم أمامنا بعد ذلك مجال نفكر فيه كما تشاء ولك أن ترفض أو تدخل ، وهكذا استطاع بتأثيره القوى أن يدفعني دفعًا إلي التقدم بطلبي مع المتقدمين فتقدمت ، وكان الامتحان قبل امتحان شهادة الكفاءة بفترة قليلة . | ||
'''دخول دار العلوم :''' | '''دخول دار العلوم :''' | ||
سطر ١٥١: | سطر ١٥٣: | ||
يقول الإمام الشهيد : " ولست أبالغ حين أقول إن التوفيق حالفني في هذا الكشف محالفة عجيبة في الوقت الذي رأيت بعض من أعرف يخونهم الحظ " سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة " لقد كان الأطباء ثلاثة ، وكنت آخر اسم في الكشف من نصيب أولهم وهو أطيبهم وأيسرهم كشفًا ، وكان الأخ علي نوفل من نصيب ثالثهم ، وهو أقساهم قلبًا وكشفا ، وبقدر ما كانت نسبة النجاح عند طبيبي عالية ، كانت نسبة الرسوب عند هذا الآخر أعلي ، فنجحت مع شكي التام في النجاح ، ورسب هو مع تأكده التام من سلامة بصره وبدنه ومع استعداده الكامل لهذا النجاح " . | يقول الإمام الشهيد : " ولست أبالغ حين أقول إن التوفيق حالفني في هذا الكشف محالفة عجيبة في الوقت الذي رأيت بعض من أعرف يخونهم الحظ " سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة " لقد كان الأطباء ثلاثة ، وكنت آخر اسم في الكشف من نصيب أولهم وهو أطيبهم وأيسرهم كشفًا ، وكان الأخ علي نوفل من نصيب ثالثهم ، وهو أقساهم قلبًا وكشفا ، وبقدر ما كانت نسبة النجاح عند طبيبي عالية ، كانت نسبة الرسوب عند هذا الآخر أعلي ، فنجحت مع شكي التام في النجاح ، ورسب هو مع تأكده التام من سلامة بصره وبدنه ومع استعداده الكامل لهذا النجاح " . | ||
'''النجاح في امتحان القبول :''' | '''النجاح في امتحان القبول :''' | ||
سطر ١٨٥: | سطر ١٨٨: | ||
== ثانيًا : التكوين الثقافي | === ثانيًا : التكوين الثقافي === | ||
[[ملف:الإمام مع صحفي.gif|تصغير|الإمام مع أحد الصحفيين]] | [[ملف:الإمام مع صحفي.gif|تصغير|الإمام مع أحد الصحفيين]] | ||
سطر ١٩٣: | سطر ١٩٦: | ||
=== مرحلة الثقافة الدينية | ==== مرحلة الثقافة الدينية ==== | ||
كانت بداية حبه للاطلاع وكثرة المطالعة في الكتب الدينية عن طريق الشيخ زهران ، فقد كان يصطحبه معه إلي مكتبته التي فيها الكثير من المؤلفات لقراءة بعض المسائل ومراجعتها ، وكثيراً ما كان يحضر لقاءات الشيخ مع أهل العلم الذين يتناولون المسائل المختلفة بالبحث والنظر والنقاش . كما كان لوالد البنا أثر كبير في ثقافته حيث كان يشجعه علي القراءة في مكتبته الخاصة ويهديه بعض الكتب مثل ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وغيرها من الكتب بل إن والده ساعده علي تكوين مكتبة خاصة به وهو في المرحلة الإعدادية ، ومن شغف البنا بالقراءة كان يترقب الشيخ حسن الكتبي يوم السوق بفارغ الصبر ليستأجر كتبًا بالأسبوع لقاء مليمات ثم يردها ليأخذ غيرها وكان من أهم الكتب وأعظمها أثراً في نفسه قصة الأميرة ذات الهمة وقصص الشجاعة والبطولة والاستمساك بالدين والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق . | كانت بداية حبه للاطلاع وكثرة المطالعة في الكتب الدينية عن طريق الشيخ زهران ، فقد كان يصطحبه معه إلي مكتبته التي فيها الكثير من المؤلفات لقراءة بعض المسائل ومراجعتها ، وكثيراً ما كان يحضر لقاءات الشيخ مع أهل العلم الذين يتناولون المسائل المختلفة بالبحث والنظر والنقاش . كما كان لوالد البنا أثر كبير في ثقافته حيث كان يشجعه علي القراءة في مكتبته الخاصة ويهديه بعض الكتب مثل ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وغيرها من الكتب بل إن والده ساعده علي تكوين مكتبة خاصة به وهو في المرحلة الإعدادية ، ومن شغف البنا بالقراءة كان يترقب الشيخ حسن الكتبي يوم السوق بفارغ الصبر ليستأجر كتبًا بالأسبوع لقاء مليمات ثم يردها ليأخذ غيرها وكان من أهم الكتب وأعظمها أثراً في نفسه قصة الأميرة ذات الهمة وقصص الشجاعة والبطولة والاستمساك بالدين والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق . | ||
سطر ٢٠٥: | سطر ٢٠٧: | ||
=== مرحلة تنوع الثقافة | ==== مرحلة تنوع الثقافة ==== | ||
سطر ٢١٢: | سطر ٢١٤: | ||
وتجلت ثقافة البنا في رسائله وكتبه ، وكثيراً ما تعرض لمواقف شتى تخلص منها بلباقته وسعة ثقافته . ففي بداية عهد الإسماعيلية تعرض له أحد المشايخ بسؤال أحرجه عن اسم والد سيدنا إبراهيم فقال البنا : إن اسمه تارخ ثم فسر له قول القائل بسؤال بأن آزر عمه وليس أباه . ويدل ذلك علي إلمام البنا بما في حواشي الكتب فضلاً عما تحتويه هذه الكتب من معلومات أساسية ، وهناك موقف للبنا يدل علي معرفته بأساليب ولغة أهل المهن المختلفة فضلاً عن إلمامه بالثقافات المختلفة فيروي لأبيه أحد خطاباته عن رحلة إلي بورسعيد قام بها مع ناظر المدرسة وبعض الزملاء فيقول : " أما الرحلة فقد أنتجت نتاجًا حسنًا بالنسبة لصلتي مع الناظر ، وقد كانت مصادفات نتج عنها تقدير الرجل ، فمن ذلك أنه بعد الغداء قام خطيبان من مدرسة بورسعيد يحيياننا ، وكان الناظر تجاهي ولم يكن أحدنا محضراً شيئاً ، فنظر إلي رأسه كالمستفهم فنظرت إليه مطمئن ، وقمت بعدها فارتجلت كلمة كان لها وقع جميل جداً في نفوس الجميع . ومن الطرائف أن أحد المحامين الأهليين كان حاضراً ونسيت عند الخطبة فقمت وعلي صدري فوطة الطعام فقال ذلك المحامي : أنزل الفوطة أولا ، فضحك القوم ، ولكنني رددت عليه تواً بقولي : علها مقصودة أن أقوم ومعي شاهد إثبات علي كرم الزملاء وأفضالهم فلا يتوجه إلي دفع الأستاذ ، فكانت هذه أطرف من الأولي ، وكذلك طلب إلي أن أتكلم في الثورة الفرنساوية بمناسبة رواية سينمائية فشرحتها بإيضاح وبسط أدهش الإخوان المتخصصين في التاريخ ، وكان الناظر ذلك يتيه سروراً . | وتجلت ثقافة البنا في رسائله وكتبه ، وكثيراً ما تعرض لمواقف شتى تخلص منها بلباقته وسعة ثقافته . ففي بداية عهد الإسماعيلية تعرض له أحد المشايخ بسؤال أحرجه عن اسم والد سيدنا إبراهيم فقال البنا : إن اسمه تارخ ثم فسر له قول القائل بسؤال بأن آزر عمه وليس أباه . ويدل ذلك علي إلمام البنا بما في حواشي الكتب فضلاً عما تحتويه هذه الكتب من معلومات أساسية ، وهناك موقف للبنا يدل علي معرفته بأساليب ولغة أهل المهن المختلفة فضلاً عن إلمامه بالثقافات المختلفة فيروي لأبيه أحد خطاباته عن رحلة إلي بورسعيد قام بها مع ناظر المدرسة وبعض الزملاء فيقول : " أما الرحلة فقد أنتجت نتاجًا حسنًا بالنسبة لصلتي مع الناظر ، وقد كانت مصادفات نتج عنها تقدير الرجل ، فمن ذلك أنه بعد الغداء قام خطيبان من مدرسة بورسعيد يحيياننا ، وكان الناظر تجاهي ولم يكن أحدنا محضراً شيئاً ، فنظر إلي رأسه كالمستفهم فنظرت إليه مطمئن ، وقمت بعدها فارتجلت كلمة كان لها وقع جميل جداً في نفوس الجميع . ومن الطرائف أن أحد المحامين الأهليين كان حاضراً ونسيت عند الخطبة فقمت وعلي صدري فوطة الطعام فقال ذلك المحامي : أنزل الفوطة أولا ، فضحك القوم ، ولكنني رددت عليه تواً بقولي : علها مقصودة أن أقوم ومعي شاهد إثبات علي كرم الزملاء وأفضالهم فلا يتوجه إلي دفع الأستاذ ، فكانت هذه أطرف من الأولي ، وكذلك طلب إلي أن أتكلم في الثورة الفرنساوية بمناسبة رواية سينمائية فشرحتها بإيضاح وبسط أدهش الإخوان المتخصصين في التاريخ ، وكان الناظر ذلك يتيه سروراً . | ||
=== جمعية الأخلاق الأدبية | == حسن البنا داعية منذ الصغر == | ||
[[ملف:Hassan-Albanna-khutbah-raya.gif|تصغير|الإمام في احدي خطبة]] | |||
=== جمعية الأخلاق الأدبية === | |||
سطر ٢٢٩: | سطر ٢٣٢: | ||
=== جمعية منع المحرمات | === جمعية منع المحرمات === | ||
ولم يكتف البنا وأقرانه بالنشاط داخل المدرسة ، وإنما امتد نشاطه وأقرانه إلي خارج نطاق المدرسة ، فأنشأ وأصحابه جمعية منع المحرمات وكانت جمعية تأمر بالمعروف وتنهي الناس عن المنكر عن طريق إرسال خطابات إلي كل من يعرف عنه أنه ارتكب منكرا ، ويقول عنها الإمام البنا في مذكرات الدعوة والداعية : " وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم " جمعية منع المحرمات " وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشر أسبوعيا ، وكانت أعمالها موزعة علي أعضائها ، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات ، وآخر مهنته كتابة هذه الخطابات بالحبر " الزفر " وثالث مهنته طبعها ، والباقون توزيعها علي أصحابها ، وأصحابها هم الذين تصل إلي الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات علي وجهها خصوصا الصلاة ، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر ، ومن قصر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك ، ومن تحلي بالذهب وصله خطاب فيه حرمة التحلي بالذهب شرعا ، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوي الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب ، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل ، وكان من اليسير علي الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم ، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلونه لوما شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلا من هذه الكتابة ، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه ، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلي أنه صلي فريضة الظهر بين السواري وذلك مكروه وهو عالم البلد ، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات ، وأذكر أن الشيخ رحمه الله أنه دعاني حينذاك – وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته – لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ولا زالت أذكر الموضع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا ابتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم وأنهيت ذلك إلي أعضاء الجمعية فكان سرورهم عظيما . | ولم يكتف البنا وأقرانه بالنشاط داخل المدرسة ، وإنما امتد نشاطه وأقرانه إلي خارج نطاق المدرسة ، فأنشأ وأصحابه جمعية منع المحرمات وكانت جمعية تأمر بالمعروف وتنهي الناس عن المنكر عن طريق إرسال خطابات إلي كل من يعرف عنه أنه ارتكب منكرا ، ويقول عنها الإمام البنا في مذكرات الدعوة والداعية : " وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم " جمعية منع المحرمات " وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشر أسبوعيا ، وكانت أعمالها موزعة علي أعضائها ، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات ، وآخر مهنته كتابة هذه الخطابات بالحبر " الزفر " وثالث مهنته طبعها ، والباقون توزيعها علي أصحابها ، وأصحابها هم الذين تصل إلي الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات علي وجهها خصوصا الصلاة ، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر ، ومن قصر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك ، ومن تحلي بالذهب وصله خطاب فيه حرمة التحلي بالذهب شرعا ، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوي الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب ، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل ، وكان من اليسير علي الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم ، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلونه لوما شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلا من هذه الكتابة ، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه ، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلي أنه صلي فريضة الظهر بين السواري وذلك مكروه وهو عالم البلد ، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات ، وأذكر أن الشيخ رحمه الله أنه دعاني حينذاك – وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته – لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ولا زالت أذكر الموضع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا ابتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم وأنهيت ذلك إلي أعضاء الجمعية فكان سرورهم عظيما . | ||
سطر ٢٣٦: | سطر ٢٣٨: | ||
واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم ، حتى اكتشف أمرهم علي يد صاحب قهوة استدعي راقصة فوصله خطاب من الجمعية وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات ، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليه فيستلمها ولا يري من جاء بها ، ولكن المعلم كان يقظان فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة ، وعرفت الجمعية عن هذا الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات . | واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم ، حتى اكتشف أمرهم علي يد صاحب قهوة استدعي راقصة فوصله خطاب من الجمعية وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات ، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليه فيستلمها ولا يري من جاء بها ، ولكن المعلم كان يقظان فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة ، وعرفت الجمعية عن هذا الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات . | ||
=== جمعية الحصافية الخيرية === | |||
[[ملف:البنا-ومحاربة-الفساد.gif|تصغير|صورة معبرة عن نضال الإمام]] | [[ملف:البنا-ومحاربة-الفساد.gif|تصغير|صورة معبرة عن نضال الإمام]] | ||
كان ذلك إبان المرحلة الإعدادية ، ولكن بعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور تطورت معارفه وتطورت معها أهدافه في الدعوة إلي الله ، وبمشاركة زميله أحمد أفندي السكري أسسا " جمعية الحصافية الخيرية " وكان أحمد السكري رئيسا لها بحكم السن والعمل وحسن البنا سكرتيرا لها . وكانت أهداف هذه الجمعية ومجال عملها في ميادين أوسع وأشمل من الجمعيات الأولي فيقول الإمام الشهيد عن هذه الجمعية : " وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين : الميدان الأول : نشر الدعوة إلي الأخلاق الفاضلة ، ومقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية التي هبطت إلي البلد واستقرت فيها ، وكان قوامها ثلاث فتيات رأسهن مسز (وايت) ، وأخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات ، وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفتها في هذا الكفاح جمعية " الإخوان المسلمين " بعد ذلك . | كان ذلك إبان المرحلة الإعدادية ، ولكن بعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور تطورت معارفه وتطورت معها أهدافه في الدعوة إلي الله ، وبمشاركة زميله أحمد أفندي السكري أسسا " جمعية الحصافية الخيرية " وكان أحمد السكري رئيسا لها بحكم السن والعمل وحسن البنا سكرتيرا لها . وكانت أهداف هذه الجمعية ومجال عملها في ميادين أوسع وأشمل من الجمعيات الأولي فيقول الإمام الشهيد عن هذه الجمعية : " وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين : الميدان الأول : نشر الدعوة إلي الأخلاق الفاضلة ، ومقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية التي هبطت إلي البلد واستقرت فيها ، وكان قوامها ثلاث فتيات رأسهن مسز (وايت) ، وأخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات ، وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفتها في هذا الكفاح جمعية " الإخوان المسلمين " بعد ذلك . | ||
=== محاربة الفساد في القاهرة | === محاربة الفساد في القاهرة === | ||
ولما انتقل البنا إلي القاهرة عند دخوله دار العلوم وشاهد فيها مظاهر التحلل والفساد ، مما لا عهد له به في حياة الريف ، وقرأ في الصحف كثيرا مما ينافي تعاليم الإسلام ورأي جهل العامة بأحكام الدين ، ففكر في تكوين دعاة إسلاميين من زملائه في الأزهر ودار العلوم للدعوة إلي الله في المساجد والمقاهي والمجتمعات العامة ، وانطلق يدعو في المقاهي ليكون قدوة عملية لزملائه ويحكي البنا في مذكرات الدعوة والداعية كيف حاول محاربة المفاسد في المجتمع عن طريق تكوين دعاة إسلاميين فيقول : | ولما انتقل البنا إلي القاهرة عند دخوله دار العلوم وشاهد فيها مظاهر التحلل والفساد ، مما لا عهد له به في حياة الريف ، وقرأ في الصحف كثيرا مما ينافي تعاليم الإسلام ورأي جهل العامة بأحكام الدين ، ففكر في تكوين دعاة إسلاميين من زملائه في الأزهر ودار العلوم للدعوة إلي الله في المساجد والمقاهي والمجتمعات العامة ، وانطلق يدعو في المقاهي ليكون قدوة عملية لزملائه ويحكي البنا في مذكرات الدعوة والداعية كيف حاول محاربة المفاسد في المجتمع عن طريق تكوين دعاة إسلاميين فيقول : | ||
سطر ٢٥٣: | سطر ٢٥٤: | ||
=== الدعوة علي المقاهي | === الدعوة علي المقاهي === | ||
وجاء الدور العملي بعد هذا الاستعداد العلمي فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في المقاهي ، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا : إن أصحاب المقاهي لا يسمحون بذلك ويعارضون فيه لأنه يعطل أشغالهم ، وإن جمهور الجالسين علي هذه المقاهي هم قوم منصرفون إلي ما هم فيه وليس أثقل عليهم من الوعظ ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه ؟ وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه ، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه والعبرة بحسن اختيار الموضوع ، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم ، وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب وبالوقت فلا نطيل عليهم القول . | وجاء الدور العملي بعد هذا الاستعداد العلمي فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في المقاهي ، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا : إن أصحاب المقاهي لا يسمحون بذلك ويعارضون فيه لأنه يعطل أشغالهم ، وإن جمهور الجالسين علي هذه المقاهي هم قوم منصرفون إلي ما هم فيه وليس أثقل عليهم من الوعظ ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه ؟ وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه ، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه والعبرة بحسن اختيار الموضوع ، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم ، وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب وبالوقت فلا نطيل عليهم القول . | ||
سطر ٢٦٤: | سطر ٢٦٤: | ||
لقد نجحت التجربة مائة في المائة ، وعدنا إلي مقرنا في شيخون ونحن سعداء بهذا النجاح ، وعزمنا علي استمرار الكفاح في هذه الناحية . | لقد نجحت التجربة مائة في المائة ، وعدنا إلي مقرنا في شيخون ونحن سعداء بهذا النجاح ، وعزمنا علي استمرار الكفاح في هذه الناحية . | ||
=== دعوة العلماء لمهاجمة الفساد في المجتمع === | |||
وبعد الحرب العالمية الأولي وإلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا انتشر تيار الإباحية والإلحاد حتى أصبح هو التيار السائد والمهيمن علي الجامعة وعلي الحياة الأدبية والاجتماعية ، لا سيما في الطبقات الراقية . وكان لهذه الموجة رد فعل قوى في الأزهر والأوساط المعنية بالشئون الإسلامية ولكن رد هذا الفعل لم يزود عن الكتابة في بعض الصحف والمجلات واللقاءات التي لم تشف غليلا ولم ترد كيدا . وفكر الإمام الشهيد – وهو لا يزال طالبا في دار العلوم – في عمل إيجابي يرد به الكيد ، فقام بزيارة الشيخ يوسف الدجوي وكان من المشايخ العلماء المعدودين في ذلك الوقت ، وله صلات بأهل العلم والوجهاء ، وتحدث معه في جمع الجهود لعمل إيجابي يرد به الكيد عن الإسلام ، ولكن الشيخ الدجوي نصحه بأنه لا فائدة من كل ذلك وحسب الإنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البلاء وتمثل بهذا البيت من الشعر | وبعد الحرب العالمية الأولي وإلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا انتشر تيار الإباحية والإلحاد حتى أصبح هو التيار السائد والمهيمن علي الجامعة وعلي الحياة الأدبية والاجتماعية ، لا سيما في الطبقات الراقية . وكان لهذه الموجة رد فعل قوى في الأزهر والأوساط المعنية بالشئون الإسلامية ولكن رد هذا الفعل لم يزود عن الكتابة في بعض الصحف والمجلات واللقاءات التي لم تشف غليلا ولم ترد كيدا . وفكر الإمام الشهيد – وهو لا يزال طالبا في دار العلوم – في عمل إيجابي يرد به الكيد ، فقام بزيارة الشيخ يوسف الدجوي وكان من المشايخ العلماء المعدودين في ذلك الوقت ، وله صلات بأهل العلم والوجهاء ، وتحدث معه في جمع الجهود لعمل إيجابي يرد به الكيد عن الإسلام ، ولكن الشيخ الدجوي نصحه بأنه لا فائدة من كل ذلك وحسب الإنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البلاء وتمثل بهذا البيت من الشعر | ||
سطر ٢٨٠: | سطر ٢٨٠: | ||
== حسن البنا بين السلفية والصوفية == | == حسن البنا بين السلفية والصوفية == | ||
=== السلفية === | |||
=== السلفية | |||
نشأ حسن البنا في بيئة سلفية حيث كان والده أحمد عبد الرحمن البنا من علماء الحديث الذي ألزم نفسه وأهله بالتزام السنة ، واشتغل بعلم الحديث وقام بترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل واهتم بعلوم السنة وغيرها من العلوم ، وقد حمل أهله علي اقتضاء الصراط المستقيم ، يقول إبراهيم البيومي غانم في – الفكر السياسي لحسن البنا - : " ويبدوا من استقرار سيرة الشيخ أحمد أنه كان يحمل نفسه وأهله علي اقتضاء الصراط المستقيم من أداء للفرائض والتزام بالسنن النبوية . وقد كان لدي الشيخ أحمد مكتبة عظيمة أفاد منها الابن حسن الإفادة الكبيرة بالإضافة لتوجيهه الابن إلي كثرة المطالعة وحفظ القرآن ثم دفع الوالد بالابن إلي الشيخ محمد زهران ذلك العالم السلفي الذي وصفه حسن البنا بأنه " صاحب مدرسة الرشاد الدينية الرجل الذكي الألمعي ، العالم التقي ، الفطن اللقن الظريف ، الذي كان بين الناس سراجًا مشرقاً بنور العلم والفضل يضيء في كل مكان " الذي قام بتحفيظ الإمام البنا القرآن وكذلك تعليمه الإنشاء والقواعد والتطبيق والمطالعة والمحفوظات بالإضافة لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم عن طريق حفظ أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم . | نشأ حسن البنا في بيئة سلفية حيث كان والده أحمد عبد الرحمن البنا من علماء الحديث الذي ألزم نفسه وأهله بالتزام السنة ، واشتغل بعلم الحديث وقام بترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل واهتم بعلوم السنة وغيرها من العلوم ، وقد حمل أهله علي اقتضاء الصراط المستقيم ، يقول إبراهيم البيومي غانم في – الفكر السياسي لحسن البنا - : " ويبدوا من استقرار سيرة الشيخ أحمد أنه كان يحمل نفسه وأهله علي اقتضاء الصراط المستقيم من أداء للفرائض والتزام بالسنن النبوية . وقد كان لدي الشيخ أحمد مكتبة عظيمة أفاد منها الابن حسن الإفادة الكبيرة بالإضافة لتوجيهه الابن إلي كثرة المطالعة وحفظ القرآن ثم دفع الوالد بالابن إلي الشيخ محمد زهران ذلك العالم السلفي الذي وصفه حسن البنا بأنه " صاحب مدرسة الرشاد الدينية الرجل الذكي الألمعي ، العالم التقي ، الفطن اللقن الظريف ، الذي كان بين الناس سراجًا مشرقاً بنور العلم والفضل يضيء في كل مكان " الذي قام بتحفيظ الإمام البنا القرآن وكذلك تعليمه الإنشاء والقواعد والتطبيق والمطالعة والمحفوظات بالإضافة لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم عن طريق حفظ أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم . | ||
سطر ٢٩٤: | سطر ٢٩١: | ||
=== الصوفية | === الصوفية === | ||
بدأت علاقة الإمام البنا بالصوفية وهو بالمدرسة الإعدادية بالمحمودية حينما كان يواظب علي درس الشيخ زهران بين المغرب والعشاء ، فشاهد الجلسات التي كانت تعقد بعد العشاء وجذبه إليه أصواتهم المنسقة الجميلة وروحانيتهم الفياضة ، وسماحتهم مع الصبيان الصغار وتواضعهم لهم ، فواظب الصبي حسن البنا علي هذه الجلسات وتوطدت صلاته بالشباب منهم وتعرف في هذه الحلقات علي أحمد أفندي السكري . | بدأت علاقة الإمام البنا بالصوفية وهو بالمدرسة الإعدادية بالمحمودية حينما كان يواظب علي درس الشيخ زهران بين المغرب والعشاء ، فشاهد الجلسات التي كانت تعقد بعد العشاء وجذبه إليه أصواتهم المنسقة الجميلة وروحانيتهم الفياضة ، وسماحتهم مع الصبيان الصغار وتواضعهم لهم ، فواظب الصبي حسن البنا علي هذه الجلسات وتوطدت صلاته بالشباب منهم وتعرف في هذه الحلقات علي أحمد أفندي السكري . | ||
سطر ٣٢٦: | سطر ٣٢٢: | ||
[[ملف:الامام-حسن-البنا5.gif|تصغير|الإمام في احدي المظاهرات]] | [[ملف:الامام-حسن-البنا5.gif|تصغير|الإمام في احدي المظاهرات]] | ||
== البنا والحركة الوطنية == | == البنا والحركة الوطنية == | ||
" علي الرغم من انضمام البنا وهو في سن صغيرة إلي الصوفية وانشغاله بالأوراد والصلاة وزيارة الأولياء ، إلا أن ذلك لم يمنعه وهو تلميذ في الإعدادية ، وفي سن الثالثة عشر من المشاركة في الحركة الوطنية وقيادة زملائه في المظاهرات والإضرابات التي كانت تنظم في المدرسة ، بل يكتب شعرا يرثي فيه الزعيم الوطني محمد فريد ، ويهاجم في إصرار لجنة "ملنر" ولقد جمع من هذه البواكير ديوانًا كبيرا . | " علي الرغم من انضمام البنا وهو في سن صغيرة إلي الصوفية وانشغاله بالأوراد والصلاة وزيارة الأولياء ، إلا أن ذلك لم يمنعه وهو تلميذ في الإعدادية ، وفي سن الثالثة عشر من المشاركة في الحركة الوطنية وقيادة زملائه في المظاهرات والإضرابات التي كانت تنظم في المدرسة ، بل يكتب شعرا يرثي فيه الزعيم الوطني محمد فريد ، ويهاجم في إصرار لجنة "ملنر" ولقد جمع من هذه البواكير ديوانًا كبيرا . | ||
سطر ٣٤٨: | سطر ٣٤٥: | ||
بل إن البنا ليشارك في الإعداد للإضراب ويواجه ضابط البوليس الذي جاء ليقبض عليه وزملائه ، ويذكره بواجبه الوطني حتى يرجع الضابط عن مهمة القبض عليهم ويطمئنهم ويؤمنهم ، فكان مما قاله البنا للضابط ليصرفه : " إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا ، لا أن يعطل عملنا ويقبض علينا ، ولا أدري كيف كانت النتيجة . إنه استجاب لهذا القول فعلا ، فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا " . | بل إن البنا ليشارك في الإعداد للإضراب ويواجه ضابط البوليس الذي جاء ليقبض عليه وزملائه ، ويذكره بواجبه الوطني حتى يرجع الضابط عن مهمة القبض عليهم ويطمئنهم ويؤمنهم ، فكان مما قاله البنا للضابط ليصرفه : " إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا ، لا أن يعطل عملنا ويقبض علينا ، ولا أدري كيف كانت النتيجة . إنه استجاب لهذا القول فعلا ، فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا " . | ||
== علاقة الإمام البنا بزعماء التيار الإسلامي المعاصرين له == | |||
[[ملف:00jy.gif|تصغير|الإمام مع الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين]] | [[ملف:00jy.gif|تصغير|الإمام مع الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين]] | ||
لقد كان للإمام البنا علاقات واسعة بكل زعماء التيار الإسلامي المعاصرين له ، وتأثر بهم وأثر فيهم ومن هؤلاء : | لقد كان للإمام البنا علاقات واسعة بكل زعماء التيار الإسلامي المعاصرين له ، وتأثر بهم وأثر فيهم ومن هؤلاء : | ||
=== 1– السيد / [[رشيد رضا]] === | |||
=== 1– السيد / رشيد رضا | |||
سطر ٣٦٢: | سطر ٣٥٨: | ||
وقد أشار البنا إلي لقاءاته المتكررة به ، وحرصه علي قراءة المنار وأثني كثيراً علي جهود رشيد رضا ومجلته ، واعتبر أنها " أسست مدرسة فكرية إسلامية تقوم علي قواعد الإصلاح الإسلامي الجليل لازالت آثارها باقية في نفوس النخبة المستنيرة من رجال الإسلام ، ووقفت للملحدين والإباحيين والجامدين بالمرصاد في مصر وغيرها من الأقطار . وقد تولي البنا تحرير مجلة المنار بعد وفاة الشيخ رشيد رضا بعدة سنوات ، واجتهد البنا أن تصدر بنفس شكلها القديم فقام باستكمال تفسير القرآن من حيث انتهي الشيخ رشيد ، وكان حريصًا علي أن يكون بنفس أسلوبه " تفسير سلفي أثري مدني عصري إرشادي اجتماعي سياسي " وقام بشرح هذا الأسلوب في أول حلقة من تفسيره ، ثم إضافة إلي التفسير قام بتحرير " فتاوى المنار " ليرد فيه علي أسئلة القراء ، وباب " موقف العالم الإسلامي السياسي " ليورد فيه أهم أخبار العالم الإسلامي ، ويعلق عليها . كما دأب علي نشر سلسلة من المقالات للشيخ رشيد رضا اعترافًا بفضله ، وتأكيداً لتعاليمه . | وقد أشار البنا إلي لقاءاته المتكررة به ، وحرصه علي قراءة المنار وأثني كثيراً علي جهود رشيد رضا ومجلته ، واعتبر أنها " أسست مدرسة فكرية إسلامية تقوم علي قواعد الإصلاح الإسلامي الجليل لازالت آثارها باقية في نفوس النخبة المستنيرة من رجال الإسلام ، ووقفت للملحدين والإباحيين والجامدين بالمرصاد في مصر وغيرها من الأقطار . وقد تولي البنا تحرير مجلة المنار بعد وفاة الشيخ رشيد رضا بعدة سنوات ، واجتهد البنا أن تصدر بنفس شكلها القديم فقام باستكمال تفسير القرآن من حيث انتهي الشيخ رشيد ، وكان حريصًا علي أن يكون بنفس أسلوبه " تفسير سلفي أثري مدني عصري إرشادي اجتماعي سياسي " وقام بشرح هذا الأسلوب في أول حلقة من تفسيره ، ثم إضافة إلي التفسير قام بتحرير " فتاوى المنار " ليرد فيه علي أسئلة القراء ، وباب " موقف العالم الإسلامي السياسي " ليورد فيه أهم أخبار العالم الإسلامي ، ويعلق عليها . كما دأب علي نشر سلسلة من المقالات للشيخ رشيد رضا اعترافًا بفضله ، وتأكيداً لتعاليمه . | ||
وقد كان البنا يعتبر جماعة الإخوان المسلمين الجماعة التي تمني الشيخ رشيد رضا أن يوجدها حيث قال : " سيكون المنار منذ هذا العام ( 1354هـ - 1935م ) لسان جماعة للدعوة إلي الإسلام وجمع كلمة المسلمين ، أنشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد . لذلك فقد كتب البنا في افتتاحية المنار بعد استأنف تحريرها يقول معلقًا علي أمنية الشيخ رشيد السابقة : " يا سبحان الله إن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رضا رحمه الله ، ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ، ولقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ، ويرجو لها خيراً كثيراً ، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليها بخطة : " من المؤلف إلي جماعة الإخوان المسلمين النافعة " ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة عبئه / وأن تتم ما بدأ به ، وأن تحقق فيها أمنية من أمانيه " . | وقد كان البنا يعتبر [[جماعة الإخوان المسلمين]] الجماعة التي تمني الشيخ رشيد رضا أن يوجدها حيث قال : " سيكون المنار منذ هذا العام ( 1354هـ - 1935م ) لسان جماعة للدعوة إلي الإسلام وجمع كلمة المسلمين ، أنشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد . لذلك فقد كتب البنا في افتتاحية المنار بعد استأنف تحريرها يقول معلقًا علي أمنية الشيخ رشيد السابقة : " يا سبحان الله إن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رضا رحمه الله ، ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ، ولقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ، ويرجو لها خيراً كثيراً ، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليها بخطة : " من المؤلف إلي جماعة الإخوان المسلمين النافعة " ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة عبئه / وأن تتم ما بدأ به ، وأن تحقق فيها أمنية من أمانيه " . | ||
ولقد ظل البنا متأثراً بالشيخ رشيد رضا حتى النهاية خاصة بمنهجه في تحرير المنار ، فعندما أصدر البنا مجلة الشهاب أكد مجدداً في افتتاحية عددها الأول علي وفائه للشيخ رشيد رضا ، وأمنيته أن تسير " الشهاب " علي أثر " المنار " وقد كان إلا أنه لم يصدر منها سوي خمسة أعداد فقط ثم أغلقت . | ولقد ظل البنا متأثراً بالشيخ رشيد رضا حتى النهاية خاصة بمنهجه في تحرير المنار ، فعندما أصدر البنا مجلة الشهاب أكد مجدداً في افتتاحية عددها الأول علي وفائه للشيخ رشيد رضا ، وأمنيته أن تسير " الشهاب " علي أثر " المنار " وقد كان إلا أنه لم يصدر منها سوي خمسة أعداد فقط ثم أغلقت . | ||
=== 2 – الشيخ / محب الدين الخطيب | === 2 – الشيخ / [[محب الدين الخطيب]] === | ||
ترجع أهمية شخصية السيد [[محب الدين الخطيب]] – وهو من أصل سوري – إلي اعتبارات عديدة تتصل بثقافته الواسعة ونشاطه الحركي المكثف ، وخاصة في ميدان عضويته وتكوين الجمعيات والأحزاب والتنظيمات العلنية والسرية في بلدان عربية مختلفة ، ومن ذلك قيامه بتأسيس حلقة دمشق الصغرى أسوة بحلقة دمشق الكبرى التي أسسها الشيخ طاهر الجزائري ، وعضويته بجمعية النهضة العربية ، وبحزب اللامركزية العثمانية ، ومشاركته في تأسيس جمعيته العربية الفتاة وغيرها ، وكان علي صلة بدائرة واسعة من الشخصيات والقيادات الفكرية والسياسية البارزة من أمثال الشيخ طاهر الجزائري ، والشيخ جمال الدين القاسمي ، ورفيق العظم ، ومحمد كرد علي ، وعبد الحميد الزهراوي ، والسيد رشيد رضا ، وغيرهم . | |||
ترجع أهمية شخصية السيد محب الدين الخطيب – وهو من أصل سوري – إلي اعتبارات عديدة تتصل بثقافته الواسعة ونشاطه الحركي المكثف ، وخاصة في ميدان عضويته وتكوين الجمعيات والأحزاب والتنظيمات العلنية والسرية في بلدان عربية مختلفة ، ومن ذلك قيامه بتأسيس حلقة دمشق الصغرى أسوة بحلقة دمشق الكبرى التي أسسها الشيخ طاهر الجزائري ، وعضويته بجمعية النهضة العربية ، وبحزب اللامركزية العثمانية ، ومشاركته في تأسيس جمعيته العربية الفتاة وغيرها ، وكان علي صلة بدائرة واسعة من الشخصيات والقيادات الفكرية والسياسية البارزة من أمثال الشيخ طاهر الجزائري ، والشيخ جمال الدين القاسمي ، ورفيق العظم ، ومحمد كرد علي ، وعبد الحميد الزهراوي ، والسيد رشيد رضا ، وغيرهم . | |||
وبعد أن استقر به المقام في مصر نشط في مجال الصحافة والنشر والدعوة للإصلاح والتحذير من المخاطر التي يتعرض لها المسلمون ، وركز علي دعوته في الإصلاح علي ناحيتين : الصحافة والتربية ، وإصلاح نظام التعليم ، وفي عام 1343هـ- 1924م أعاد تأسيس المكتبة السلفية ، وأنشأ المطبعة السلفية التي صدرت عنها مجلة الفتح ثم كان من أبرز مؤسسي جمعية الشبان المسلمين ( 1346هـ - 1927م ) . | وبعد أن استقر به المقام في مصر نشط في مجال الصحافة والنشر والدعوة للإصلاح والتحذير من المخاطر التي يتعرض لها المسلمون ، وركز علي دعوته في الإصلاح علي ناحيتين : الصحافة والتربية ، وإصلاح نظام التعليم ، وفي عام 1343هـ- 1924م أعاد تأسيس المكتبة السلفية ، وأنشأ المطبعة السلفية التي صدرت عنها مجلة الفتح ثم كان من أبرز مؤسسي جمعية الشبان المسلمين ( 1346هـ - 1927م ) . | ||
سطر ٣٧٧: | سطر ٣٧٢: | ||
=== 3 – الشيخ / يوسف الدجوي | === 3 – الشيخ / [[يوسف الدجوي]] === | ||
كان الشيخ [[يوسف الدجوي]] من كتاب مجلة الفتح ، وكان البنا يقرأ له كثيراً ويلتقي به مع باقي العلماء في المكتبة السلفية ، وكان الرجل سمح الخلق ، حلو الحديث ، صافي الروح بحكم النشأة الصوفية ، وكان بين البنا وبينه صلة روحية وعلمية حملته علي زيارته الفينة بعد الفينة ، وكان بين البنا بما في نفسه من الإصلاح وضرورة مواجهة الملحدين والإباحيين وجرائدهم ومجلاتهم بعمل إيجابي ، وظل البنا يلح عليه إلي أن استجاب وبدأ العمل فظهرت مجلة الفتح ، ثم تكونت بعدها جمعية الشبان المسلمين . | |||
=== 4 – الأستاذ / [[محمد فريد وجدي]] === | |||
= | كان الأستاذ [[محمد فريد وجدي]] ( 1295- 1373هـ = 1878- 1954م ) من رواد تجديد الفكر الإسلامي عن طريق استيعاب ونقد الفكر الغربي ، وهو صاحب مجلة الحياة ، ودائرة معارف القرن العشرين ، وله مؤلفات كثيرة أخري ، وكانت له آراء كثيرة أثارت الجدل وتعددت بشأنها وجهات النظر . وكانت للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا – والد حسن البنا – صداقة بالأستاذ محمد فريد وجدي ، فكان حسن البنا أثناء وجوده في القاهرة كثيراً ما يذهب إليه حيث كانت داره مجتمع الفضلاء من الناس يتدارسون علومًا شتى ثم يخرجون للنزهة . | ||
وحدث ذات مرة أن دارت بين البنا والأستاذ [[محمد فريد وجدي]] مناقشة حول شخصية الأرواح يقول البنا : إذا كان فريد بك يري أن الأرواح التي تستحضر هي أرواح الموتى أنفسهم ، وأري غير ذلك ، وتشعب بنا البحث في هذه الناحية وانتهينا وكل عند وجهة نظره ، وقد أفدت كثيراً من هذه المجالس حينذاك " . | |||
=== 5 – الشيخ /[[ طنطاوي جوهري]] === | |||
عمل أستاذاً بدار العلوم فترة طويلة ، وكان ذائع الصيت في مصر وفي خارج مصر ، وكثيراً ما كان يقصده العلماء من البلاد الشرقية ومن الغرب : من أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، يتلقون علي يديه علومًا معينة ، وكان يلقب " بحكيم الإسلام " وله كتب عديدة ، أهمها تفسيره للقرآن المسمي " الجواهر " بلغ 32 جزءاً تقريبًا وقيل عن علمه : " لا ينحصر في دائرة محدودة " . | عمل أستاذاً بدار العلوم فترة طويلة ، وكان ذائع الصيت في مصر وفي خارج مصر ، وكثيراً ما كان يقصده العلماء من البلاد الشرقية ومن الغرب : من أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، يتلقون علي يديه علومًا معينة ، وكان يلقب " بحكيم الإسلام " وله كتب عديدة ، أهمها تفسيره للقرآن المسمي " الجواهر " بلغ 32 جزءاً تقريبًا وقيل عن علمه : " لا ينحصر في دائرة محدودة " . | ||
وبعد اقتناع الشيخ طنطاوي جوهري بالدعوة قال له الشيخ البنا : يا سيدي الأستاذ إنك أستاذنا وأستاذ الجميع ، وأنت حكيم الإسلام ، وأراك أحق بمنصب الإرشاد لهذه الدعوة مني وهذه يدي أبايعك .. فقال الشيخ : لا يا أخي .. أنت صاحب الدعوة وأنت أقدر عليها وأنت أقدر بها ، وأنا أبايعك علي ذلك ، ومد يده فبايعه ، ولم ينكث – رحمه الله – بيعته إلي أن لقي ربه . | وبعد اقتناع الشيخ [[طنطاوي جوهري]] بالدعوة قال له الشيخ البنا : يا سيدي الأستاذ إنك أستاذنا وأستاذ الجميع ، وأنت حكيم الإسلام ، وأراك أحق بمنصب الإرشاد لهذه الدعوة مني وهذه يدي أبايعك .. فقال الشيخ : لا يا أخي .. أنت صاحب الدعوة وأنت أقدر عليها وأنت أقدر بها ، وأنا أبايعك علي ذلك ، ومد يده فبايعه ، ولم ينكث – رحمه الله – بيعته إلي أن لقي ربه . | ||
كان الشيخ طنطاوي جوهري يحاول من خلال جهوده العلمية المكثفة أن يؤكد أن الإسلام دين العقل والتجدد لا دين التسليم والتقليد ، وقد تميز منهجه في هذا الصدد " باستخدام أساليب الغرب المهاجم بعد استيعابها والاستفادة منها ، ولذلك دعا علماء المسلمين وشبابهم إلي الاستعانة علي توثيق إيمانهم بدراسة العلوم الطبيعية الحديثة ، وحثهم علي ارتياد آفاق المعرفة ، واعتبار ذلك تكليفًا شرعيًا يتم به إيمانهم ويصبحون أهلا لأن يستخلفهم الله في إصلاح الأرض وهداية أهلها . | كان الشيخ طنطاوي جوهري يحاول من خلال جهوده العلمية المكثفة أن يؤكد أن الإسلام دين العقل والتجدد لا دين التسليم والتقليد ، وقد تميز منهجه في هذا الصدد " باستخدام أساليب الغرب المهاجم بعد استيعابها والاستفادة منها ، ولذلك دعا علماء المسلمين وشبابهم إلي الاستعانة علي توثيق إيمانهم بدراسة العلوم الطبيعية الحديثة ، وحثهم علي ارتياد آفاق المعرفة ، واعتبار ذلك تكليفًا شرعيًا يتم به إيمانهم ويصبحون أهلا لأن يستخلفهم الله في إصلاح الأرض وهداية أهلها . | ||
سمع الشيخ طنطاوي جوهري عن الشيخ حسن البنا ، فذهب إليه وسأله إلام تدعو ؟ قال : أدعو إلي القرآن فقال : دع هذا اللفظ الكريم من حديثنا فإن هذا اللفظ مظلوم ظلمًا من فرقة قامت في الدولة الإسلامية مهما كانت زائفة عن الإسلام إلا وادعت أنها تدعو إلي القرآن ، فأجبني بتفاصيل ما تدعو إليه في كل ناحية من نواحي الحياة . قال : فشرح لي تفاصيل دعوته فوجدتها في حدود كتاب الله .." | سمع الشيخ [[طنطاوي جوهري]] عن الشيخ حسن البنا ، فذهب إليه وسأله إلام تدعو ؟ قال : أدعو إلي القرآن فقال : دع هذا اللفظ الكريم من حديثنا فإن هذا اللفظ مظلوم ظلمًا من فرقة قامت في الدولة الإسلامية مهما كانت زائفة عن الإسلام إلا وادعت أنها تدعو إلي القرآن ، فأجبني بتفاصيل ما تدعو إليه في كل ناحية من نواحي الحياة . قال : فشرح لي تفاصيل دعوته فوجدتها في حدود كتاب الله .." | ||
ثم عايش الشيخ طنطاوي جوهري الشاب حسن البنا فرأي فيه صفات القائد الذي يفتقده العالم الإسلامي في آرائه وفهمه لكتاب الله ، وإحاطته بالتاريخ ، وفهمه للمجتمع الذي يعيش فيه ، وذكائه ، وألمعيته ، وشخصيته الأخاذة ، ومقدرته علي جمع الناس علي دعوته ، صبره علي المكاره ، وتعففه عما في أيدي الناس ، وبذله في سبيل دعوته ، ولين جانبه ، وتواضعه بحيث لا تكاد تميزه من أتباعه . | ثم عايش الشيخ طنطاوي جوهري الشاب حسن البنا فرأي فيه صفات القائد الذي يفتقده العالم الإسلامي في آرائه وفهمه لكتاب الله ، وإحاطته بالتاريخ ، وفهمه للمجتمع الذي يعيش فيه ، وذكائه ، وألمعيته ، وشخصيته الأخاذة ، ومقدرته علي جمع الناس علي دعوته ، صبره علي المكاره ، وتعففه عما في أيدي الناس ، وبذله في سبيل دعوته ، ولين جانبه ، وتواضعه بحيث لا تكاد تميزه من أتباعه . | ||
وهكذا كانت تربط البنا بكثير من العلماء وقيادة الفكر في المجتمع صلات كثيرة ووثيقة ، تعرضنا لبعضهم علي سبيل المثال ، ونذكر منهم أيضاً الأمير شكيب أرسلان ، والشيخ مصطفي صبري المنفلوطي ، ومصطفي صادق الرافعي ، وتيمور باشا ، ومحمد إقبال ، وغيرهم ، وهذا يوضح لنا المناخ الفكري العام الذي أحاط بالإمام من خلال هؤلاء وأمثالهم ما يمكن أن يكون قد تأثر به البنا بشكل أو بآخر ، وكان له بعد ذلك أن يأخذ ويدع ، ويقبل ويرفض ، وينتقد ويصحح ، حسب فكره ومنهجه ، ودعوته . | وهكذا كانت تربط البنا بكثير من العلماء وقيادة الفكر في المجتمع صلات كثيرة ووثيقة ، تعرضنا لبعضهم علي سبيل المثال ، ونذكر منهم أيضاً الأمير شكيب أرسلان ، والشيخ مصطفي صبري المنفلوطي ، ومصطفي صادق الرافعي ، وتيمور باشا ، ومحمد إقبال ، وغيرهم ، وهذا يوضح لنا المناخ الفكري العام الذي أحاط بالإمام من خلال هؤلاء وأمثالهم ما يمكن أن يكون قد تأثر به البنا بشكل أو بآخر ، وكان له بعد ذلك أن يأخذ ويدع ، ويقبل ويرفض ، وينتقد ويصحح ، حسب فكره ومنهجه ، ودعوته . | ||
== شيوخ الإمام البنا وبعض تلاميذه == | == شيوخ الإمام البنا وبعض تلاميذه == | ||
لقد كان لنشأة حسن البنا في بيت صالح ، وتعلمه علي يد أساتذة أجلاء أثر كبير في حياته وثقافته ، نظراً لأن البنا تدرج في التعليم بدءاً من التعليم في مدرسة الرشاد الدينية حتى تخرجه في دار العلوم ، فقد أخذ عن كثير من الأساتذة وتأثر بهم ، إضافة إلي غيرهم من المشايخ في كان يحضر دروسهم ، ومن هؤلاء الأساتذة الذين أخذ عنهم حسن البنا . | لقد كان لنشأة حسن البنا في بيت صالح ، وتعلمه علي يد أساتذة أجلاء أثر كبير في حياته وثقافته ، نظراً لأن البنا تدرج في التعليم بدءاً من التعليم في مدرسة الرشاد الدينية حتى تخرجه في دار العلوم ، فقد أخذ عن كثير من الأساتذة وتأثر بهم ، إضافة إلي غيرهم من المشايخ في كان يحضر دروسهم ، ومن هؤلاء الأساتذة الذين أخذ عنهم حسن البنا . | ||
== شيوخ الإمام البنا == | === شيوخ الإمام البنا === | ||
==== 1 – والده الشيخ [[أحمد عبد الرحمن البنا]] ==== | |||
=== 1 – والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا | |||
وقد سبق التعريف بالشيخ رحمه الله . | وقد سبق التعريف بالشيخ رحمه الله . | ||
=== 2 – الشيخ محمد زهران | ==== 2 – الشيخ [[محمد زهران]] ==== | ||
الشيخ محمد زهران أحد علماء المحمودية ، اشتغل بتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم ، وكان يدرس للعامة في المسجد ويفقه السيدات في البيوت . وكان ذا همة عالية وغيرة شديدة دفعته لإنشاء مدرسة الرشاد الدينية سنة 1333هـ - 1915م لتربية النشء ، وأصدر مجلة شهرية هي مجلة " الإسعاد " التي ظل يحررها حتى سنة 1347هـ - 1928م ، وتتناول تعاليم الدين وأسراره ، وفوائد في التاريخ واللغة والأدب والشئون الاجتماعية ، وكان له أسلوب مؤثر يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين طلابه يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً ؛ فيجازيهم علي الإحسان أو الإساءة جزءاً أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة . | الشيخ محمد زهران أحد علماء المحمودية ، اشتغل بتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم ، وكان يدرس للعامة في المسجد ويفقه السيدات في البيوت . وكان ذا همة عالية وغيرة شديدة دفعته لإنشاء مدرسة الرشاد الدينية سنة 1333هـ - 1915م لتربية النشء ، وأصدر مجلة شهرية هي مجلة " الإسعاد " التي ظل يحررها حتى سنة 1347هـ - 1928م ، وتتناول تعاليم الدين وأسراره ، وفوائد في التاريخ واللغة والأدب والشئون الاجتماعية ، وكان له أسلوب مؤثر يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين طلابه يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً ؛ فيجازيهم علي الإحسان أو الإساءة جزءاً أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة . | ||
سطر ٤٣٧: | سطر ٤٢٦: | ||
=== 3- الشيخ عبد الوهاب الحصافي | ==== 3- الشيخ [[عبد الوهاب الحصافي]] ==== | ||
سطر ٤٤٥: | سطر ٤٣٤: | ||
=== 4- الشيخ محمد أبو شوشة | ==== 4- الشيخ [[محمد أبو شوشة]] ==== | ||
الشيخ محمد أبو شوشة أحد تجار المحمودية ومن صالحيها ، وكان كثيراً ما يأخذ نفسه بالجد والاجتهاد في العبادة وتذكر أمور الآخرة ، ويقص عليهم بالمسجد حكايات الصالحين وأخبارهم فكان له أثر في تربية البنا الروحية . | الشيخ محمد أبو شوشة أحد تجار المحمودية ومن صالحيها ، وكان كثيراً ما يأخذ نفسه بالجد والاجتهاد في العبادة وتذكر أمور الآخرة ، ويقص عليهم بالمسجد حكايات الصالحين وأخبارهم فكان له أثر في تربية البنا الروحية . | ||
سطر ٤٦٠: | سطر ٤٤٨: | ||
== تلاميذ الإمام البنا == | === تلاميذ الإمام البنا === | ||
بذل حسن البنا جهوداً كبيرة في سبيل نشر الدعوة وساح في أنحاء القطر المصري والتقي بكثير من الشخصيات التي آمنت بالدعوة وحملت لواء نشرها ، حتى انتشرت في ربوع القطر المصري وخارجه ، وتواصلت الأجيال التي حملت لواء الدعوة جيلاً بعد جيل حتى عصرنا هذا ، ولذلك فإننا إذا تحدثنا عن تلامذة الإمام البنا ، فإنما نتحدث عن كل من ينتمي إل الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي ، فإن هؤلاء جميعًا استوعبوا فكر حسن البنا ودعوته وجاهدوا في سبيلها وإن لم يتلقوا جميعًا منه فقد تلقوا عن تلامذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه يصعب علينا أن نشير إلي جميع تلامذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه يصعب علينا أن نشير إلي جميع تلامذة الإمام حسن البنا ، لذا فإننا سنكتب إلماحة موجزة عن بعض تلامذته من القيادات الإخوانية مثل : | |||
==== 1 – الأستاذ [[عمر التلمساني]] ==== | |||
[[ملف:الداعية-المربي-عمر-التلمساني.gif|تصغير|الأستاذ عمر التلمساني]] | [[ملف:الداعية-المربي-عمر-التلمساني.gif|تصغير|الأستاذ عمر التلمساني]] | ||
هو الداعية المربي الأستاذ عمر عبد الفتاح بن عبد القادر مصطفي التلمساني ، تولي منصب المرشد العام [[للإخوان المسلمين]] بعد وفاة المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي في نوفمبر 1973م ، ترجع أصوله إلي " تلمسان " بالجزائر ، ولد في مدينة القاهرة 1322هـ - 1904م بالغورية ، عمل بالمحاماة وعرف عنه الصلابة والقوة داخل السجون التي قضي بها أكثر من سبعة عشر عامًا حيث دخلها عام 1948م ، ثم عام 1954م ، ثم عام 1981م كما عرف بالزهد والتعفف والخشية من الله وحده دون سواه والحرص علي مرضاته ، توفي في الثالث عشر من رمضان 1406هـ الموافق 22/ 5/1986م بالمستشفي بعد معاناة مع المرض تاركًا ولدين وبنتين ....[[عمر التلمساني|لمزيد من المعلومات]] | |||
هو الداعية المربي الأستاذ عمر عبد الفتاح بن عبد القادر مصطفي التلمساني ، تولي منصب المرشد العام للإخوان المسلمين بعد وفاة المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي في نوفمبر 1973م ، ترجع أصوله إلي " تلمسان " بالجزائر ، ولد في مدينة القاهرة 1322هـ - 1904م بالغورية ، عمل بالمحاماة وعرف عنه الصلابة والقوة داخل السجون التي قضي بها أكثر من سبعة عشر عامًا حيث دخلها عام 1948م ، ثم عام 1954م ، ثم عام 1981م كما عرف بالزهد والتعفف والخشية من الله وحده دون سواه والحرص علي مرضاته ، توفي في الثالث عشر من رمضان 1406هـ الموافق 22/ 5/1986م بالمستشفي بعد معاناة مع المرض تاركًا ولدين وبنتين .[[عمر التلمساني|لمزيد من المعلومات]] | |||
==== 2 – الأستاذ [[محمد حامد أبو النصر]] ==== | |||
[[ملف:السيد-محمد-حامد-أبو-النصر-المرشد-الرابع-للإخوان-المسلمين.gif|تصغير|الأستاذ محمد حامد أبو النصر]] | [[ملف:السيد-محمد-حامد-أبو-النصر-المرشد-الرابع-للإخوان-المسلمين.gif|تصغير|الأستاذ محمد حامد أبو النصر]] | ||
هو رابع مرشد [[للإخوان المسلمين]] من مواليد 1913م بمدينة منفلوط أحد مراكز أسيوط وكان يعمل مدرسًا إلي جانب أنه من أعيان البلد , وكان جده من كبار علماء الأزهر ، تعرف علي الدعوة من خلال لقاء الإمام البنا معه عام 1934م فبايعه ولم يمر سوي يوم واحد علي تعرفه به واستمر عضواً في مكتب الإرشاد ولم يخرج منه إلا مرة واحدة في أول مكتب إرشاد شكل بعد تولية المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي , تم الحكم عليه في أحداث 1954م ، ولم يخرج إلا في عهد الرئيس أنور السادات وبعد خروجه من الأشغال الشاقة المؤبدة صدر قرار بتحديد إقامته في منزله ، وكان ذلك بسبب إرساله المأكولات والملابس والأدوية إلي إخوانه في السجن ، ظل جنديًا في الدعوة في جميع أطوارها ومراحلها حتى تولي قيادة الجماعة في عام 1986م عقب وفاة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني وتوفي رحمه الله في يناير 1996م ....[[محمد حامد أبو النصر|لمزيد من المعلومات]] | |||
=== 3 – الأستاذ كامل الشريف | ==== 3 – الأستاذ [[كامل الشريف]] ==== | ||
من قادة كتائب [[الإخوان]] في حرب [[فلسطين]] عام 1948م ، خرج من مصر عام 1954م وقام عبد الناصر بسحب الجنسية منه ، ولذلك تجنس بالجنسية الأردنية وعينه الملك حسين وزيراً للأوقاف بعد ذلك وله كتابات منها " المقاومة السرية في قناة السويس " ، و " الإخوان المسلمون في حرب فلسطين " ....[[كامل الشريف|لمزيد من المعلومات]] | |||
==== 4 – الأستاذ الشهيد [[محمد فرغلى]] ==== | |||
=== 4 – الأستاذ الشهيد [[محمد فرغلى]] | |||
[[ملف:الداعية-المجاهد-الشهيد-محمد-فرغلي.gif|تصغير|الشيخ محمد الفرغلي]] | [[ملف:الداعية-المجاهد-الشهيد-محمد-فرغلي.gif|تصغير|الشيخ محمد الفرغلي]] | ||
كان الشيخ محمد فرغلى داعية من دعاة الإسلام ومن الرعيل الأول من الإخوان المسلمين , عمل مع الشهيد حسن البنا منذ بدأ دعوته في الإسماعيلية , واختاره الإمام الشهيد لمسئوليات كبار فكان عند حسن الظن به , فكان محدثًا وموجهًا للإخوان في دروس الكتائب والمعسكرات والأسر والرحلات , كما كان رئيس الأخوان بمنطقة الإسماعيلية ولم يكن الشيخ من ذلك النوع من شيوخ الدين الذين يتعلقون بالقشور ويبحثون عن المناصب والمراكز , ولكنه كان مجاهدًا بحق وحسبه أنه ترك وظيفته وأهله , وذهب إلي فلسطين مع رجال جماعته من المجاهدين ، وحين نشبت معركة قناة السويس ترك أهله مرة أخرى واندمج بكليته في المعركة حيث قرر التصدي للإنجليز بالقوة ومقاومتهم وضربهم في أوكارهم ومعسكراتهم ، حتى أصبح هو ويوسف طلعت يحسب لهما الإنجليز وأعوانهم حسابًا شديدًا ويرصدون تحركاتهم ويرصدون جائزة كبرى لرأسه حيًا أو ميتًا ولكنهم لم يفلحون ، وكان من المبادرين إلي الجهاد في فلسطين 1948م فدخلها علي رأس قوة من مجاهدي الأخوان المسلمين ، وكان من أبرز قادة الأخوان الذين قاموا بتدريب إخوانهم الفلسطينيين وشاركوهم في اقتحام مواقع اليهود ومهاجمة مستعمراتهم الذين كانوا يتركونها دون مقاومة بفضل جرأة وإقدام هذا الشيخ وأتباعه ، ونال الشهادة في سجون عبد الناصر علي حبل المشنقة هو وإخوانه الشهداء الخمسة الذين أعدموا جميعًا يوم 7/ 12/ 1954م إرضاء لليهود والإنجليز والأمريكان والروس ، ولكن الشيخ المجاهد وقف شامخ الرأس أمام حبل المشنقة باسمًا في إقدام ، فرحًا في إيمان ، مرددًا قول من سبقوه من إخوانه وهم يمضون في طريق الشهادة وقال قولته الشهيرة : " إنني مستعد للموت ، فمرحبًا بلقاء الله " | كان الشيخ محمد فرغلى داعية من دعاة الإسلام ومن الرعيل الأول من [[الإخوان المسلمين]] , عمل مع الشهيد حسن البنا منذ بدأ دعوته في الإسماعيلية , واختاره الإمام الشهيد لمسئوليات كبار فكان عند حسن الظن به , فكان محدثًا وموجهًا للإخوان في دروس الكتائب والمعسكرات والأسر والرحلات , كما كان رئيس الأخوان بمنطقة الإسماعيلية ولم يكن الشيخ من ذلك النوع من شيوخ الدين الذين يتعلقون بالقشور ويبحثون عن المناصب والمراكز , ولكنه كان مجاهدًا بحق وحسبه أنه ترك وظيفته وأهله , وذهب إلي فلسطين مع رجال جماعته من المجاهدين ، وحين نشبت معركة قناة السويس ترك أهله مرة أخرى واندمج بكليته في المعركة حيث قرر التصدي للإنجليز بالقوة ومقاومتهم وضربهم في أوكارهم ومعسكراتهم ، حتى أصبح هو ويوسف طلعت يحسب لهما الإنجليز وأعوانهم حسابًا شديدًا ويرصدون تحركاتهم ويرصدون جائزة كبرى لرأسه حيًا أو ميتًا ولكنهم لم يفلحون ، وكان من المبادرين إلي الجهاد في فلسطين 1948م فدخلها علي رأس قوة من مجاهدي [[الأخوان المسلمين]] ، وكان من أبرز قادة [[الأخوان]] الذين قاموا بتدريب إخوانهم الفلسطينيين وشاركوهم في اقتحام مواقع اليهود ومهاجمة مستعمراتهم الذين كانوا يتركونها دون مقاومة بفضل جرأة وإقدام هذا الشيخ وأتباعه ، ونال الشهادة في سجون عبد الناصر علي حبل المشنقة هو وإخوانه الشهداء الخمسة الذين أعدموا جميعًا يوم 7/ 12/ 1954م إرضاء لليهود والإنجليز والأمريكان والروس ، ولكن الشيخ المجاهد وقف شامخ الرأس أمام حبل المشنقة باسمًا في إقدام ، فرحًا في إيمان ، مرددًا قول من سبقوه من إخوانه وهم يمضون في طريق الشهادة وقال قولته الشهيرة : " إنني مستعد للموت ، فمرحبًا بلقاء الله " | ||
وأوردت مجلة " باري ماتش" الفرنسية في عددها الصادر يوم 8/12/1954م الخبر التالي : " في الساعة السادسة من صباح أمس 7/12/1954م رفع العلم الأسود علي سجن القاهرة وسيق المحكوم عليهم بالإعدام يسيرون بأقدام عارية ، وملابس الإعدام الحمراء , وبدأ تنفيذ الأحكام في ستة من الإخوان المسلمين هم : محمود عبد اللطيف , يوسف طلعت ، هنداوى تدوير، إبراهيم الطيب ، محمد فرغلى ، عبد القادر عودة ، الساعة الثامنة ، وقد ذهب المحكوم عليهم إلي المشنقة بشجاعة منقطعة النظير ، وهم يحمدون الله علي حصولهم علي شرف الشهادة ، وقال الشيخ محمد فرغلى : " أنا علي استعداد للموت فمرحبًا بلقاء الله " ولقد عم العالم العربي والإسلامي موجة من السخط الشديد والاستنكار الغاضب ، وأعلن الحداد في بلاد الشام وغيرها علي هؤلاء الشهداء .[[محمد الفرغلي|لمزيد من المعلومات]] | وأوردت مجلة " باري ماتش" الفرنسية في عددها الصادر يوم 8/12/1954م الخبر التالي : " في الساعة السادسة من صباح أمس 7/12/1954م رفع العلم الأسود علي سجن القاهرة وسيق المحكوم عليهم بالإعدام يسيرون بأقدام عارية ، وملابس الإعدام الحمراء , وبدأ تنفيذ الأحكام في ستة من الإخوان المسلمين هم : محمود عبد اللطيف , يوسف طلعت ، هنداوى تدوير، إبراهيم الطيب ، محمد فرغلى ، عبد القادر عودة ، الساعة الثامنة ، وقد ذهب المحكوم عليهم إلي المشنقة بشجاعة منقطعة النظير ، وهم يحمدون الله علي حصولهم علي شرف الشهادة ، وقال الشيخ محمد فرغلى : " أنا علي استعداد للموت فمرحبًا بلقاء الله " ولقد عم العالم العربي والإسلامي موجة من السخط الشديد والاستنكار الغاضب ، وأعلن الحداد في بلاد الشام وغيرها علي هؤلاء الشهداء ....[[محمد الفرغلي|لمزيد من المعلومات]] | ||
==== 5 – المستشار [[عبد القادر عودة]] ==== | |||
[[ملف:القاضي-عبدالقادر-عودة.gif|تصغير|الأخ المستشار عبد القادر عودة]] | [[ملف:القاضي-عبدالقادر-عودة.gif|تصغير|الأخ المستشار عبد القادر عودة]] | ||
ارتبط المستشار عبد القادر عودة بجماعة [[الإخوان]] في أوائل الأربعينيات ، واختبر وكيلاً للجماعة في عهد المستشار الهضيبي المرشد الثاني [[للإخوان المسلمين]] ، وقاد مظاهرة 28 فبراير 1954م التي اضطرت ضباط الثورة إلي إعادة محمد نجيب إلي رئاسة الجمهورية ، وطالبت بالقصاص من [[جمال عبد الناصر]] للقتلى الذين سقطوا عند قصر النيل يوم المظاهرة ، ولم تنصرف المظاهرة إلا بأمر عبد القادر عودة ، وكان ثمن هذا الموقف أن حكم عليه جمال عبد الناصر بالإعدام عقب تمثيلية المنشية 1954م ، وأهم كتبه : " التشريع الجنائي في الإسلام " ....[[عبد القادر عودة|لمزيد من المعلومات]] | |||
==== 6 – الأستاذ [[صالح عشماوي]] ==== | |||
=== 6 – الأستاذ صالح عشماوي | |||
[[ملف:صالح-عشماوي-رائد-الصحافة-الإسلامية.gif|تصغير|الأستاذ صالح العشماوي]] | [[ملف:صالح-عشماوي-رائد-الصحافة-الإسلامية.gif|تصغير|الأستاذ صالح العشماوي]] | ||
هو رائد الصحافة الإسلامية ، الأستاذ صالح مصطفي عشماوي من مواليد القاهرة في 24/12/1910م ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير وتخرج في كلية التجارة 1932م وكان أول دفعته ، عمل بالمصرف الأهلي لمدة سنة واحدة ثم تركه لتعامله بالربا ثم عمل بالأعمال الحرة ، اتصل بدعوة الإخوان المسلمين عام 1937 وأسند إليه رئاسة تحرير مجلة " النذير " ورئاسة تحرير مجلة " الإخوان المسلمين " الأسبوعية سنة 1943 ، ورئاسة تحرير الجريدة اليومية سنة 1946م ، ورأس تحرير مجلة " المباحث القضائية " ومجلة " الدعوة " سنة 1951م وظل يعمل بها حتى عام 1954 حين تم اعتقال الإخوان المسلمين ومصادرة مؤسساتهم وتعطيل نشاطهم ، إلا أنه ظل يصدر بعض الأعداد كل فترة حتى لا تسقط الرخصة . وبعد خروج الإخوان المسلمين من السجون عام 1974م ذهب إلي الأستاذ " عمر التلمساني " المرشد الثالث للإخوان آنذاك ووضع نفسه ومجلته تحت تصرف الإخوان حيث تمت إعادة إصدارها سنة 1976م وظلت تعمل حتى عطلت وسحب ترخيصها عام 1981م ، وتدرج في دعوة الإخوان المسلمين حتى صار وكيلاً لها إبان وفاة الإمام الشهيد حسن البنا ، فتولي المسئولية أما الإخوان لمدة 30 شهراً حتى تم اختيار الأستاذ حسن الهضيبي كمرشد عام للإخوان ، واعتقل بعد حل الإخوان في 8/12/1948م أيام حكم محمود فهمي النقراشي وكذلك إبان قرارات سبتمبر 1981م في عهد الرئيس السادات ، انتقل إلي جوار ربه عمر يناهز 72 عامًا يوم الأحد 11/12/1983م تاركًا ولداً وبنين .[[صالح عشماوي|لمزيد من المعلومات]] | هو رائد الصحافة الإسلامية ، الأستاذ صالح مصطفي عشماوي من مواليد القاهرة في 24/12/1910م ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير وتخرج في كلية التجارة 1932م وكان أول دفعته ، عمل بالمصرف الأهلي لمدة سنة واحدة ثم تركه لتعامله بالربا ثم عمل بالأعمال الحرة ، اتصل بدعوة الإخوان المسلمين عام 1937 وأسند إليه رئاسة تحرير مجلة " النذير " ورئاسة تحرير مجلة " الإخوان المسلمين " الأسبوعية سنة 1943 ، ورئاسة تحرير الجريدة اليومية سنة 1946م ، ورأس تحرير مجلة " المباحث القضائية " ومجلة " الدعوة " سنة 1951م وظل يعمل بها حتى عام 1954 حين تم اعتقال الإخوان المسلمين ومصادرة مؤسساتهم وتعطيل نشاطهم ، إلا أنه ظل يصدر بعض الأعداد كل فترة حتى لا تسقط الرخصة . وبعد خروج الإخوان المسلمين من السجون عام 1974م ذهب إلي الأستاذ " عمر التلمساني " المرشد الثالث للإخوان آنذاك ووضع نفسه ومجلته تحت تصرف الإخوان حيث تمت إعادة إصدارها سنة 1976م وظلت تعمل حتى عطلت وسحب ترخيصها عام 1981م ، وتدرج في دعوة الإخوان المسلمين حتى صار وكيلاً لها إبان وفاة الإمام الشهيد حسن البنا ، فتولي المسئولية أما الإخوان لمدة 30 شهراً حتى تم اختيار الأستاذ حسن الهضيبي كمرشد عام للإخوان ، واعتقل بعد حل الإخوان في 8/12/1948م أيام حكم محمود فهمي النقراشي وكذلك إبان قرارات سبتمبر 1981م في عهد الرئيس السادات ، انتقل إلي جوار ربه عمر يناهز 72 عامًا يوم الأحد 11/12/1983م تاركًا ولداً وبنين ....[[صالح عشماوي|لمزيد من المعلومات]] | ||
=== 7 – الشيخ محمد الغزالي | ==== 7 – الشيخ [[محمد الغزالي]] ==== | ||
[[ملف:الداعية-المجاهد-الشيخ-محمد-الغزالي.gif|تصغير|الشيخ محمد الغزالي]] | [[ملف:الداعية-المجاهد-الشيخ-محمد-الغزالي.gif|تصغير|الشيخ محمد الغزالي]] | ||
هو الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي السقا ، ولد في 22/9/1917م في قرية " تكلا العنب " من " إيتاي البارود " بمحافظة البحيرة بمصر ، حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات ، وتلقي تعليمه في كتاب القرية ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ، حيث أكمل المرحلتين الابتدائية والثانوية ، ثم انتقل للقاهرة حيث درس بكلية أصول الدين سنة 1937م وحصل علي الشهادة العالمية سنة1941م وبعد تخرجه علم إمامًا وخطيبًا ، ثم تدرج في المناصب حتى صار مفتشاً في المساجد ، ثم واعظاً بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد ، ثم مديراً للتدريب فمديراً للدعوة والإرشاد ، وفي سنة 1971م أعير للمملكة العربية السعودية كأستاذ في جامعة أم القرى " بمكة المكرمة " وفي سنة 1981م عين وكيلاً للوزارة ، كما تولي رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات ، وله مؤلفات جاوزت الستين كتابًا في مواضيع شتى بالإضافة للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيها داخل مصر وخارجها ، وتم ترجمة العديد من هذه المؤلفات إلي العديد من اللغات كالإنجليزية والتركية والفارسية والأردية والإندونيسية وغيرها ، قضي في معتقل الطور سنة 1949 حوالي السنة ، وكذلك في سجن طره عام 1965م فترة أخري من الزمن ، توفي في الرياض يوم 9/3/1996م ونقل إلي المدينة المنورة حيث دفن في مقابر البقيع ، وله تسعة من الأولاد وملايين القراء والتلامذة لعلمه وفكره .[[محمد الغزالي|لمزيد من المعلومات]] | هو الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي السقا ، ولد في 22/9/1917م في قرية " تكلا العنب " من " إيتاي البارود " بمحافظة البحيرة بمصر ، حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات ، وتلقي تعليمه في كتاب القرية ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ، حيث أكمل المرحلتين الابتدائية والثانوية ، ثم انتقل للقاهرة حيث درس بكلية أصول الدين سنة 1937م وحصل علي الشهادة العالمية سنة1941م وبعد تخرجه علم إمامًا وخطيبًا ، ثم تدرج في المناصب حتى صار مفتشاً في المساجد ، ثم واعظاً بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد ، ثم مديراً للتدريب فمديراً للدعوة والإرشاد ، وفي سنة 1971م أعير للمملكة العربية السعودية كأستاذ في جامعة أم القرى " بمكة المكرمة " وفي سنة 1981م عين وكيلاً للوزارة ، كما تولي رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات ، وله مؤلفات جاوزت الستين كتابًا في مواضيع شتى بالإضافة للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيها داخل مصر وخارجها ، وتم ترجمة العديد من هذه المؤلفات إلي العديد من اللغات كالإنجليزية والتركية والفارسية والأردية والإندونيسية وغيرها ، قضي في معتقل الطور سنة 1949 حوالي السنة ، وكذلك في سجن طره عام 1965م فترة أخري من الزمن ، توفي في الرياض يوم 9/3/1996م ونقل إلي المدينة المنورة حيث دفن في مقابر البقيع ، وله تسعة من الأولاد وملايين القراء والتلامذة لعلمه وفكره ....[[محمد الغزالي|لمزيد من المعلومات]] | ||
=== 8 – الأستاذ عبد الحكيم عابدين | ==== 8 – الأستاذ [[عبد الحكيم عابدين]] ==== | ||
ولد سنة 1914م في قرية " فيدمين " مركز طامية بمحافظة الفيوم ، وكان من أوائل المنتظمين في صفوف الحركة الإسلامية ومن أوائل شعرائها . | ولد سنة 1914م في قرية " فيدمين " مركز طامية بمحافظة الفيوم ، وكان من أوائل المنتظمين في صفوف الحركة الإسلامية ومن أوائل شعرائها . | ||
سطر ٥٣٠: | سطر ٥٠٢: | ||
تخرج في كلية الآداب بالجامعة المصرية بالقاهرة ، ثم عمل أمينًا لمكتبة جامعة القاهرة ، واختاره الإمام الشهيد ليكون زوجًا لشقيقته باعتباره أول من تخرج في الجامعة ، وبايع علي أن يجعل مستقبله رهنًا بمطالب دعوة الإخوان المسلمين . | تخرج في كلية الآداب بالجامعة المصرية بالقاهرة ، ثم عمل أمينًا لمكتبة جامعة القاهرة ، واختاره الإمام الشهيد ليكون زوجًا لشقيقته باعتباره أول من تخرج في الجامعة ، وبايع علي أن يجعل مستقبله رهنًا بمطالب دعوة الإخوان المسلمين . | ||
تولي الأستاذ عابدين منصب السكرتير العام للإخوان المسلمين ، وقد اعتقل مع إخوانه حين حلت الجماعة في 8/12/1948م ، وخرج من السجن حين ألغت حكومة الوفد الأحكام العرفية سنة 1950م وسقط قرار الحل . | تولي الأستاذ عابدين منصب السكرتير العام [[للإخوان المسلمين]] ، وقد اعتقل مع إخوانه حين حلت الجماعة في 8/12/1948م ، وخرج من السجن حين ألغت حكومة الوفد الأحكام العرفية سنة 1950م وسقط قرار الحل . | ||
خرج من مصر للحج قبل حادث المنشية 1954م والتحق بالأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام – ساعتها – الذي كان يزور سوريا ورافقه في رحلته إلي سوريا ولبنان والأردن ، ولم يعد بعدها إلي مصر ، لأن الحكومة العسكرية قامت باعتقال جميع الإخوان المسلمين بمصر وزجت بهم في السجون بعد حادث المنشية المفتعل ، وبقي الأستاذ عابدين يتنقل من بلد إلي بلد وبخاصة سوريا ، ولبنان والسعودية والأردن والعراق وغيرها ، يبذل قصارى جهده لنصرة دين الله وإعزاز كلمة الإسلام . | خرج من مصر للحج قبل حادث المنشية 1954م والتحق بالأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام – ساعتها – الذي كان يزور سوريا ورافقه في رحلته إلي سوريا ولبنان والأردن ، ولم يعد بعدها إلي مصر ، لأن الحكومة العسكرية قامت باعتقال جميع الإخوان المسلمين بمصر وزجت بهم في السجون بعد حادث المنشية المفتعل ، وبقي الأستاذ عابدين يتنقل من بلد إلي بلد وبخاصة سوريا ، ولبنان والسعودية والأردن والعراق وغيرها ، يبذل قصارى جهده لنصرة دين الله وإعزاز كلمة الإسلام . | ||
اختاره سماحة الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ليكون مستشاراً للهيئة العربية العليا في بيروت تحت رئاسة سماحته ، كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ليكون مستشاراً لها . | اختاره سماحة الحاج محمد [[أمين الحسيني]] مفتي [[فلسطين]] ليكون مستشاراً للهيئة العربية العليا في بيروت تحت رئاسة سماحته ، كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ليكون مستشاراً لها . | ||
عاد إلي مصر سنة 1975م حيث مارس العمل الدعوي مع إخوانه بقيادة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني ولم يطل به المقام حيث انتقل إلي جوار ربه سنة 1977م بعد عمر حافل بالنشاط الإسلامي داخل مصر وخارجها منذ شبابه حتى آخر مراحل شيخوخته ....[[عبد الحكيم عابدين|لمزيد من المعلومات]] | |||
==== 9 – الأستاذ [[صلاح شادي]] ==== | |||
[[ملف:المجاهد-اللواء-صلاح-شادي.gif|تصغير|اللواء المجاهد صلاح شادي]] | [[ملف:المجاهد-اللواء-صلاح-شادي.gif|تصغير|اللواء المجاهد صلاح شادي]] | ||
كان رئيس نقطة بوليس صفط الملوك التابعة لمركز إيتاي البارود بحيرة عندما دعاه صديقه الأستاذ صالح أبو رقيق لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا وكانت هذه المحاضرة هي بداية التحاقه بركب الإخوان المسلمين ، ثم أصبح مسئولاً عن قسم الوحدات الذي شارك في محاربة الإنجليز . | كان رئيس نقطة بوليس صفط الملوك التابعة لمركز إيتاي البارود بحيرة عندما دعاه صديقه الأستاذ صالح أبو رقيق لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا وكانت هذه المحاضرة هي بداية التحاقه بركب الإخوان المسلمين ، ثم أصبح مسئولاً عن قسم الوحدات الذي شارك في محاربة الإنجليز . | ||
وشارك في الإعداد لثورة يوليو وعرض عليه أن يكون وزيراً للحربية في وزارة الثورة الأولي فرفض ، وقضي في سجون عبد الناصر ما يقرب من عشرين عامًا فما لانت له قناة ثم خرج من السجن ليواصل الجهاد مع إخوانه عاملاً لدين الله حتى آخر يوم في حياته حيث أسلم الروح بعد يوم عمل طويل شاركه فيه الأستاذ مصطفي مشهور حيث توفي وهو جالس بجانبه في السيارة بعد صلاة العشاء وأداء واجب العزاء في وفاة زوجة أحد إخوانه وكان ذلك في عام 1989م .[[صلاح شادي|لمزيد من المعلومات]] | وشارك في الإعداد لثورة يوليو وعرض عليه أن يكون وزيراً للحربية في وزارة الثورة الأولي فرفض ، وقضي في سجون عبد الناصر ما يقرب من عشرين عامًا فما لانت له قناة ثم خرج من السجن ليواصل الجهاد مع إخوانه عاملاً لدين الله حتى آخر يوم في حياته حيث أسلم الروح بعد يوم عمل طويل شاركه فيه الأستاذ مصطفي مشهور حيث توفي وهو جالس بجانبه في السيارة بعد صلاة العشاء وأداء واجب العزاء في وفاة زوجة أحد إخوانه وكان ذلك في عام 1989م ....[[صلاح شادي|لمزيد من المعلومات]] | ||
==== 10 – الشيخ [[السيد سابق]] ==== | |||
[[الشيخ-سيد-سابق.gif|تصغير|الشيخ سيد سابق]] | [[الشيخ-سيد-سابق.gif|تصغير|الشيخ سيد سابق]] | ||
من علماء الأزهر الشريف انضم إلي [[جماعة الإخوان المسلمين]] في بداية شبابه ، وعينه الإمام المرشد مفتيًا للنظام الخاص وكانت هذه التسمية سببًا في أن أطلقوا عليه مفتي الدماء ، كلمه الإمام الشهيد حسن البنا بوضع كتاب مبسط في فروع الفقه فكان كتابه الرائع فقه السنة الذي قدمه له الإمام البنا ، وقد اخرج للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب منها العقائد الإسلامية وإسلامنا وأوقف حياته للدعوة داخل البلاد وخارجها إلي أن لقي ربه ....[[سيد سابق|لمزيد من المعلومات]] | |||
==== 11 – الأستاذ [[عبد العزيز كامل]] ==== | |||
نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف وشئون الأزهر ، الذي جاهد وابتلي كثيراً في سبيل الدعوة ومات عليها بالرغم من بعده عن مصر ردحا طويلاً من الزمن . | |||
==== 12 – الشيخ [[أحمد حسن الباقوري]] ==== | |||
وزير الأوقاف وشئون الأزهر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ، ظل مقيماً علي عهده مع جماعة [[الإخوان المسلمين]] بالرغم من اختلافه مع الجماعة ، التقي بدعوة [[الإخوان المسلمين]] منذ بدايتها مع الإمام البنا وكان زعيمًا لطلبة الأزهر ، كما كان شاعر الإخوان ومن أقرب الشخصيات للإمام البنا ، وتدرج في جماعة الإخوان حتى وصل إلي عضو في مكتب الإرشاد ولم يسمح لنفسه أن يلقي قصيدة خارج نطاق الإخوان في ناد من النوادي ولا في حفل من الأحفال ولا في صحيفة ولا في مجلة . | |||
==== 13 – الدكتور [[يوسف القرضاوي]] ==== | |||
[[ملف:N1369970203 911951 5940.gif|تصغير|العلامة يوسف القرضاوي]] | [[ملف:N1369970203 911951 5940.gif|تصغير|العلامة يوسف القرضاوي]] | ||
ولد عام 1926م في إحدى قري محافظة الغربية بمصر ، ونشأ في أسرة متدينة رقيقة الحال يشتغل أفرادها بالزراعة ، وانتقل والده إلي رحمة الله تعالي وهو في الثانية في عمره ، فكفله عمه وأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1952- 1953م وكان ترتيبه الأول علي دفعته ثم التحق بتخصص التدريس بكلية اللغة العربية ، فحصل علي العالمية مع إجازة التدريس حائزاً المرتبة الأولي علي خمسمائة طالب من كليات الأزهر ، ثم التحق عام 1957م بمعهد البحوث والدراسات العربية العالمية التابع لجامعة الدول العربية فحصل منه علي دبلوم عال في شعبة اللغة والآداب وفي هذه الفترة نفسها التحق بقسم الدراسات العليا في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين ، ثم شرع في إعداد الدكتوراه إلا أن أحداثاً رهيبة حالت دون حصوله عليها عام 1973م بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي ، وتأثر بكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والشيخ محمد رشيد رضا . | ولد عام 1926م في إحدى قري محافظة الغربية بمصر ، ونشأ في أسرة متدينة رقيقة الحال يشتغل أفرادها بالزراعة ، وانتقل والده إلي رحمة الله تعالي وهو في الثانية في عمره ، فكفله عمه وأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1952- 1953م وكان ترتيبه الأول علي دفعته ثم التحق بتخصص التدريس بكلية اللغة العربية ، فحصل علي العالمية مع إجازة التدريس حائزاً المرتبة الأولي علي خمسمائة طالب من كليات الأزهر ، ثم التحق عام 1957م بمعهد البحوث والدراسات العربية العالمية التابع لجامعة الدول العربية فحصل منه علي دبلوم عال في شعبة اللغة والآداب وفي هذه الفترة نفسها التحق بقسم الدراسات العليا في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين ، ثم شرع في إعداد الدكتوراه إلا أن أحداثاً رهيبة حالت دون حصوله عليها عام 1973م بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي ، وتأثر بكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والشيخ محمد رشيد رضا . | ||
سطر ٥٧٦: | سطر ٥٤٤: | ||
شارك في العمل الإسلامي خطيبًا ومحاضراً وكاتبًا ومؤلفًا وداعية ومربياً .. مفكراً ومخططًا . | شارك في العمل الإسلامي خطيبًا ومحاضراً وكاتبًا ومؤلفًا وداعية ومربياً .. مفكراً ومخططًا . | ||
ترجم العديد من مؤلفاته إلي لغات العالم الإسلامي المتعددة ، وكذلك له دواوين من الشعر في معظم أغراضه ومجالاته .. أمد الله في عمره .[[يوسف القرضاوي|لمزيد من المعلومات]] | ترجم العديد من مؤلفاته إلي لغات العالم الإسلامي المتعددة ، وكذلك له دواوين من الشعر في معظم أغراضه ومجالاته .. أمد الله في عمره ....[[يوسف القرضاوي|لمزيد من المعلومات]] | ||
==== 14 – الأستاذ [[مصطفي السباعي]] ==== | |||
[[ملف:مصطفي-السباعي-العالم-المجاهد-الداعية.gif|تصغير|العالم المجاهد الداعية مصطفى السابعي]] | [[ملف:مصطفي-السباعي-العالم-المجاهد-الداعية.gif|تصغير|العالم المجاهد الداعية مصطفى السابعي]] | ||
هو مصطفي بن حسني السباعي من مواليد مدينة حمص بسوريا عام 1915م ، ونشأ في أسرة علمية وكان والده يتولي الخطابة في الجامع الكبير بحمص ، وكان يصحب أباه إلي مجالس العلم ، اشترك مصطفي السباعي في الحركة الوطنية في سوريا التي تكافح الاستعمار الفرنسي ، وهو في السادسة عشر ة من عمره فقبض عليه الفرنسيون لأول مرة 1931م بتهمة توزيع منشورات في حمص ضد السياسة الفرنسية ، ثم أفرج عنه ، وفي عام 1933م ذهب إلي مصر للدراسة في الأزهر ، واشترك سنة 1941م في المظاهرات ضد الإنجليز وكان عقابه السجن . | |||
التقي مصطفي السباعي في مصر بالأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وانضم إلي الجماعة ، واختير ليكون أول مراقب لجماعة الإخوان المسلمين بسوريا سنة 1945م ، واشترك في حرب فلسطين وقاد إخوان سوريا في المعركة ، حصل مصطفي السباعي علي درجة الدكتوراه وعين أستاذاً في كلية الحقوق في الجامعة السورية ، وعندما طلب من الحكومة السورية سنة 1952 السماح بمشاركة الإخوان في سوريا أن ينضموا إلي إخوانهم في مصر في كفاحهم ضد الإنجليز ، صدر الأمر باعتقاله وحل الإخوان في سوريا ، واستمر في الدعوة والكفاح حتى مرض ثماني سنوات وتوفي رحمه الله في يوم 3/10/1964م وترك مؤلفات كثيرة منها : شرح قانون الأحوال الشخصية ، المرأة بين الفقه والقانون وغيرهما ....[[مصطفى السباعي|لمزيد من المعلومات]] | |||
=== 15 – الأستاذ [[مصطفى مشهور]] === | |||
[[ملف:M.mashhor07.gif|تصغير|الأستاذ مصطفي مشهور]] | [[ملف:M.mashhor07.gif|تصغير|الأستاذ مصطفي مشهور]] | ||
هو خامس مرشد الإخوان المسلمين ولد عام 1920م وتخرج في كلية العلوم وعمل بالأرصاد الجوية , وانضم لجماعة الإخوان المسلمين وكان ضمن قيادة النظام الخاص في الجامعة الذي قام بالعديد من الأعمال الوطنية البطولية ومنها قضية السيارة الجيب عام 1948م وحكم عليه بثلاث سنوات , وفي عام 1954م قبض عليه وحوكم بالأشغال الشاقة فلم يخرج إلا في عهد الرئيس المصري أنور السادات أوائل السبعينات , ومع إفراج العمل السياسي في هذا العهد شارك مع بقية الإخوان في إعادة الحركة الإخونية للمجتمع , كما كان له دور بارز في إقامة التنظيم العالي للإخوان المسلمين , وفي فترة المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر كان نائبًا له حتى وفاته ثم تولى القيادة والإرشاد للجماعة منذ يناير 1996م وحتى توفاه الله في 10 رمضان 1423هـ ....[[مصطفى مشهور|لمزيد من المعلومات]]. | |||
=== 16 – الأستاذ [[عمر بهاء الدين الأميري]] " الشاعر والأديب " === | |||
[[ملف:18083.gif|تصغير|الشاعر الأديب عمر بهاء الدين الأميري]] | [[ملف:18083.gif|تصغير|الشاعر الأديب عمر بهاء الدين الأميري]] | ||
كان الأستاذ عمر الأميري من أوائل من التحقوا بحركة [[الإخوان في سوريا]] مع الأستاذ [[محمد المبارك]] والأستاذ الشيخ [[محمد الحامد]] والشيخ [[عبد الفتاح أبو غدة]] وغيرهم ، وبذل جهوداً طيبة لدعم الحركة وأسهم في توجيه شبابها وكان وثيق الصلة بالإمام البنا وبعده الهضيبي يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في الأمور . | |||
للأستاذ الأميري أسلوبه في علاج المشكلات ومواجهة التحديات فهو يؤثر الحكمة واللين والمهادنة مع أصحاب السلطة لإزالة البغض من نفوسهم وعدم استثارة حفائظهم وترغيبهم في الإحسان إلي شعوبهم ، وعندما كان سفيراً لسوريا في باكستان وفي زياراته لمصر في أوائل الخمسينيات كان يجتمع بطلبة البعوث الإسلامية ليعطيهم توجيهاته ونصائحه فيما يتعلق بالعمل الإسلامي وكان يركز علي المؤامرة علي الإسلام وسبب ضياع دولة الخلافة وانقسام المسلمين علي أنفسهم والاستعانة بأعدائهم علي إخوانهم ، بالإضافة إلي تأخر المسلمين علميًا عن ركب الحضارة وانغماسهم في الشهوات وتكالب الأمم عليهم ، وكان يثني علي حركة الإخوان المسلمين ومؤسسها ويري أنها الحركة التي تتوافر فيها مواصفات النهوض بالأمة من كبوتها ، كما يوصي الشباب المتحمس بعدم التعجل والاعتماد علي التربية لإعداد الرجال ....[[عمر بهاء الدين الأميري|لمزيد من المعلومات]] | |||
=== 17 – الأستاذ [[محمد محمود الصواف]] === | |||
[[ملف:الداعية-المجاهد-محمد-محمود-الصواف-.gif|تصغير|الداعية المجاهد محمد محمود الصواف]] | [[ملف:الداعية-المجاهد-محمد-محمود-الصواف-.gif|تصغير|الداعية المجاهد محمد محمود الصواف]] | ||
كان من أعلام الإسلام ليس في العراق وحدها بل في العالم الإسلامي كله ، صدع بكلمة الحق واستنهض الهمم لإنقاذ فلسطين بعد قرار التقسيم سنة 47 ، وأنشأ جمعية " إنقاذ فلسطين " وسارع إلي الجهاد ، يعد الكتائب ويجهز المجاهدين ويجمع الأموال لدعمهم ، وأسهم وتلامذته في العراق بإسقاط معاهدة ( جبر – بيفن ) الاستعمارية ، وظل يساند المجاهدين في كل مكان حتى غادر العراق مطارداً من الطاغية عبد الكريم قاسم وأعوانه الذين أهدروا دمه ، ولجأ إلي سوريا ثم إلي المملكة العربية السعودية التي آوته وآزرته كما كان له جولات دعوية في أفريقيا وجنوب آسيا لقيت دعمًا كبيرا من الملك فيصل آل سعود أحيا بها روح التضامن الإسلامي ، وكانت له مواقف بطولية أمام تجبر الطغاة والمستعمرين ، ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة العراق وكان أول كتاب صدر له كتاب " صرخة مؤمنة إلي الشباب والشابات " يلهب فيه الحماس ويحرك المشاعر ويدعوهم فيه إلي الحق والخير والالتزام بالإسلام عقيدة شرعية ، وكانت له مواقفه المساندة للثورة الجزائرية مع أخوية الورتلاني والإبراهيمي ودعاهما لزيارة العراق ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة بالعراق إلا وزارها ودعا جماهيرها إلي منهج الإسلام وطريق الدعوة ، كما زار معظم الأقطار ينشر دعوة الإسلام ، وفي السنوات العشر الأخيرة من عمره أعطي وقته وجهده للجهاد الأفغاني يناصره ويسانده ويصلح بين فئات المجاهدين ليمنع الفتن التي يكيدها أعداء الإسلام ويخطب ويبكي الحضور ويملأ القلوب إيمانًا وعزيمة ....[[محمد محمود الصواف|لمزيد من المعلومات]] | |||
كان من أعلام الإسلام ليس في العراق وحدها بل في العالم الإسلامي كله ، صدع بكلمة الحق واستنهض الهمم لإنقاذ فلسطين بعد قرار التقسيم سنة 47 ، وأنشأ جمعية " إنقاذ فلسطين " وسارع إلي الجهاد ، يعد الكتائب ويجهز المجاهدين ويجمع الأموال لدعمهم ، وأسهم وتلامذته في العراق بإسقاط معاهدة ( جبر – بيفن ) الاستعمارية ، وظل يساند المجاهدين في كل مكان حتى غادر العراق مطارداً من الطاغية عبد الكريم قاسم وأعوانه الذين أهدروا دمه ، ولجأ إلي سوريا ثم إلي المملكة العربية السعودية التي آوته وآزرته كما كان له جولات دعوية في أفريقيا وجنوب آسيا لقيت دعمًا كبيرا من الملك فيصل آل سعود أحيا بها روح التضامن الإسلامي ، وكانت له مواقف بطولية أمام تجبر الطغاة والمستعمرين ، ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة العراق وكان أول كتاب صدر له كتاب " صرخة مؤمنة إلي الشباب والشابات " يلهب فيه الحماس ويحرك المشاعر ويدعوهم فيه إلي الحق والخير والالتزام بالإسلام عقيدة شرعية ، وكانت له مواقفه المساندة للثورة الجزائرية مع أخوية الورتلاني والإبراهيمي ودعاهما لزيارة العراق ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة بالعراق إلا وزارها ودعا جماهيرها إلي منهج الإسلام وطريق الدعوة ، كما زار معظم الأقطار ينشر دعوة الإسلام ، وفي السنوات العشر الأخيرة من عمره أعطي وقته وجهده للجهاد الأفغاني يناصره ويسانده ويصلح بين فئات المجاهدين ليمنع الفتن التي يكيدها أعداء الإسلام ويخطب ويبكي الحضور ويملأ القلوب إيمانًا وعزيمة .[[محمد محمود الصواف|لمزيد من المعلومات | |||
مراجعة ١٥:٢٤، ١٢ مارس ٢٠١٠
أولاً : المولد والأسرة
المولد :
ولد الإمام الشهيد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في ضحي يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان الابن الأكبر لأبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمديرية الغربية سابقاً ومحافظة كفر الشيخ حاليًا.
أبواه وأخوته :
هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح ، وكان الشيخ أحمد عالمًا بالسنة ، فقد رتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة علي أبواب الفقه ، وله مؤلفات في السنة منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن " كما شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل وسمى الشرح " بلوغ الأماني من أسرار الفتح الباني " ، وقد كان الشيخ يعتبر نفسه من تلامذة الإمام محمد عبده .
ووالدة الإمام الشهيد هي السيدة الفضلى : أم سعد إبراهيم صقر , والدها تاجر مواش بقرية شمشيرة , وهي أيضًا من نفس قرية والد الإمام الشهيد وهي تواجه المحمودية علي الضفة الثانية للنيل .
وكانت ذكية ومدبرة وواعية , كما كانت علي جانب كبير من العناد , فإذا انتهت إلي قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه , وهي صفة ورثها – الإمام الشهيد – ابنها الأكبر كما ورث منها ملامح الوجه , ولكن العناد تحول إلي صورة سوية أصبح معه " قوة إرادة " ولم يشاركه في هذه الوراثة من إخوته سوي شقيقه عبد الباسط رحمه الله .
إخوته :
عبد الرحمن الذي أسس جمعية الحضارة الإسلامية في القاهرة التي اندمجت في الإخوان عند انتقال الإمام البنا إلي القاهرة وأصبح من الأعضاء البارزين في الإخوان .
وفاطمة ( حرم الأستاذ عبد الحكيم عابدين ) , ومحمد توفي في مارس 1990م شعبان 1410هـ , وعبد الباسط ( وكان ضابطًا بالبوليس ورافق الإمام الشهيد حتى قبيل أيام من اغتياله ، واستقال من خدمة البوليس وعمل بالسعودية وتوفى بها ودفن بالبقيع بناء علي وصيته رحمه الله ) , وزينب التي توفيت وهي لم تتجاوز السنة من عمرها , والأستاذ أحمد جمال الدين ( الكاتب المعروف والمصنف والمشهور باسم جمال البنا ) , وفوزية ( حرم الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي الذي كان مع الإمام الشهيد ليلة الاستشهاد وأصابه رشاش من رصاصات القتلة وتوفى سنة 1989 رحمه الله ) .
وقد ولد كل هؤلاء الأولاد والبنات في بيت واحد وفي غرفة واحدة كان يطلق عليها " غرفة الدكة " أو " مسقط الرؤوس العظيمة " .
ثانيًا : علاقة الإمام البنا العائلية
أ – الأسرة التي نشأ فيها وترعرع :
كان الإمام الشهيد حسن البنا هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ثم تلاه عبد الرحمن ثم فاطمة ثم محمد فعبد الباسط فزينب التي توفيت بعد عام تقريبًا من ميلادها , فجمال ثم الأخت الصغرى فوزية , وقد أحاط الأب وكذلك الأم ابنها حسن برعاية كاملة حتى أن الأم " تتمسك بأن يتم حسن تعليمه علي أعلي مستوى , وعندما ضاقت موارد الأسرة باعت ( كردانها ) الذهبي , وفي مرحلة لاحقة ولاستكمال التعليم أيضًا باعت سواريها وكانت مضفرة ثقيلة من الذهب البندقي- كما يقولون – أي أنها من الذهب الخالص عيار 24 " وعندما تجاوز الابن مرحلة الطفولة قام بمعاونة أبيه في إصلاح الساعات وقضاء بعض الأعمال نيابة عن الوالد , وكان والد الإمام الشهيد يكلفه بقضاء العديد من المصالح وتسوية بعض المشكلات بالبلد ( المحمودية ) بعد أن مضي علي انتقاله إلي القاهرة قرابة عامين , وظل والده يتعلق بهذه الأعمال حتى عام 1933م " وبعد تعيين الإمام بالإسماعيلية ظل يعاون أباه ولكن بطريقة أخري , فقد كان يمد أباه بربع أو ثلث مرتبه فضلاً عن استضافته لبعض إخوته , وذلك عندما ضاقت أحوال والده المادية يقول جمال البنا : " عندما بدأت الضائقة الاقتصادية تطبق عليه ( والد الإمام البنا ) أعانه ابنه الأكبر – الإمام الشهيد – بمبلغ أربعة أو خمسة جنيهات فضلاً عن أنه استقدم إليه بعض أشقائه لمدد طويلة " .
ولم تقتصر مساعدة الإمام الشهيد لوالديه علي المساعدة المالية بل ساعد أيضًا فر تربية إخوته من الناحية الخلقية ومن الناحية العلمية . ولم يكتف بالاهتمام بمن يعيش معه من إخوته بل كان يقدم النصيحة للأب للعناية ببقية الأخوة فهو يقول في أحد خطاباته لوالده : " أما جمال فهو مسرور كل السرور وقد أدخلته مدرسة أولية فهو يتعلم بها ويحبه أساتذتها ويكرمونه جداً ، أما فاطمة فأنا أوصيها كلما سنحت الفرصة الوصايا التهذيبية وسأشرع معها في القراءة والكتابة بحول الله وقوته . وعبد الباسط كذلك أهتم بتهذيبه جداً ، وبالجملة فآمل بعون الله أن أوفق إلي أرشادهم خير الإرشاد إلي ما ينفعهم في المعاش والعبادة ولهم درسان في الأسبوع بعد العشاء يحفظون فيها الحديث ، وكم يكون سروركم عظيمًا إذ سمعتم جمال الدين وهو يقرأ الأحاديث التي حفظها بتجويد وإتقان مثلاً " يامعاذ أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ولتبك علي خطيئتك " وحديث " صل من قطعك وأحسن إلي من أساء إليك وقل الحق ولو علي نفسك " الخ ، وكذلك الجميع ، ولنا جدول منظم يشمل الرياضة والمذاكرة والسمر والطعام ، فاطمئنوا من هذه الوجهة كل الاطمئنان .
وزارنا بعض الإخوان المدرسين والموظفين فكان لتلك الزيارات أثر في نفس عبد الباسط جعله يتعلم كيف يتأدب ويقابل الناس وهكذا ، وقد فصلت لكل منهما جلبيتين من الياباني وضمنت عليها النظافة وعدم السير بالحفاء ودوام الصلاة والنظام والغسل ونحو ذلك فأصبح يسران الناظرين ، وأسأل الله التوفيق والإعانة ، والذي أرجوه أن تأدبوا محمداً وفوزية كما أؤدب أنا عبد الباسط وجمال " .
وقد أرشد البنا والده لطريقة تحبب النظام إلي الأولاد وتجعل النظام هو سمت كل أعمالهم فيقول في خطاب لوالده " سيدي الوالد ... الآن عرفت أن الأولاد إذا شعروا بالنظام في المنزل نظموا كل أعمالهم ، ولذلك أرجو أن تنظموا المنزل نظامًا حسنًا ، فمثلاً تجعلون الصالة لسفرة الأكل وحجرة للجلوس والمذاكرة وحجرة لنومكم وحجرة لنوم محمد وعبد الرحمن وتضبطوا مواعيد الطعام والنوم بقدر الإمكان " .
ولا يفعل البنا ذلك علي سبيل التفضل علي والديه بل يري أن ذلك حقهم ، ويري أن من حقهم متابعة كل تصرفاته المادية حتى أنه في خطاب من خطاباته يشرح له مصروفاته خلال ثلاثة أشهر ما تم صرفه وما تم استدانته من الأصدقاء ، ويتوقع منهم ألا يتقبلوا بعض التصرفات فيقدم لهم عذره عن هذه التصرفات ومبرراته لفعلها ويطلب من والده بعد شرح ظروفه أن يسكن غضب والدته عليه ويرضيها عنه بحكمته " .
وقد كان البنا مثالاً لما يجب أن يكون الابن لوالديه ، فقد كان أسعد أيامه كما يقول يوم يرضي عنه والده فهو يقول في أحد خطاباته : " فقد ورد خطابكم الكريم وإن اليوم الذي استطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً ، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم ، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم ، ذلك ما اعتقده وأقوله بإخلاص ويقين . والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير فإن هذه ضرورة لابد منها ستنفرج عما قليل ، والله إنني لأقضي ساعات طوالاً في ألم لتألم والدتي ، وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة . فهل يوفقني الله إلي هذه الأمنية " .
ب – الأسرة التي أسسها :
زواج الإمام البنا :
كان ممن استجاب للدعوة من أهل الإسماعيلية أسرة كريمة من أسرها تدعي أسرة الصولي ، وهم تجار من متوسطي الحال ، وكانت هذه الأسرة من الأسر المتدينة بطبيعتها ومن يربون أولادهم علي الدين ، وكانت والدة ا؟لأستاذ تزور هذه الأسرة ، فسمعت في إحدى ليالي زيارتها صوتًا جميلاً يتلو القرآن فسألت عن مصدر ذلك الصوت فقيل لها إنها فلانة تصلي ، فلما رجعت الأم إلي منزلها أخبرت نجلها بما كان في زيارتها وأومأت إلي أن مثل هذه الفتاة الصالحة جديرة أن تكون زوجة له ، وكان ما أشارت به ، فقد تزوجها فكانت أم أبنائه وهي التي رافقته في السراء والضراء وكانت خير عون في دعوته حتى لقي ربه شهيداً مظلومًا .
ومما تذكره الابنة ثناء في حق والدتها : والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة علي مصلحة نفسها وبيتها ، وقد كانت تقوم علي رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال ، فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلي الدعوة ، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين طلبت منه يأخذ كثيراً من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام ، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة , لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها ، وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها ، وفي نفس الوقت حماتها ، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في أبني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف ؟ ! ولقد كانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم ، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا ، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا .
البنا وأولاده :
كان البنا رب أسرة مثاليًا فلم يقصر في رعاية أبنائه والعناية بهم والاهتمام بكل شئونهم ، فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي أساسها ، وهل أكمل العلاج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته ، وتري أبنته الفاضلة ثناء " وكان عند عودته ليلاً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلي الحمام " ، وكان البنا كريماً مع أولاده وكان يعطي كل واحد منهم مصروفاً يوميًا ثلاثة قروش وكان يعطي أبنه سيف الإسلام مصروفًا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ، وكان الإمام يتابع كل ما يقرأه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية . وكان أسلوب البنا في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر فقد عرض لابنه سيف الإسلام بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم فلم يدخلها سيف قط ، وكان يتابع تصرفاتهم فعندما اشتري سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدله خيراً منها مثل قصة الأميرة ذات الهمة وسيرة عنترة بن شداد وسيف ابن ذي يزن ، وبعض روايات البطولة الإسلامية وسيرة عمر ابن عبد العزيز وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان . وتطبيقاً لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلي مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة .
وتروي أبنته ثناء عن رعاية الإمام له فتقول : " وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد والوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " .
إكرام البنا لأهل زوجته :
عندما تزوج الإمام البنا حرص علي أن يتعرف علي كل أهل زوجته وأقاربها ، وكل من له صلة رحم بها ، وكان يزورهم جميعًا وكثيراً ما كان يفاجئ زوجته بأنه قد زار قريبها فلان اليوم .
وكان رحمه الله يعامل خادمته كأنها من أهل البيت حيث كان للخادمة مثل أولاده سرير مستقل ودرج مستقر في دولاب واحد ، لكل واحد من أبنائه درج فيه . وكان يكلف أبنته الكبرى وفاء بتعليم الخادمة في المساء القراءة والكتابة وأن تعلمها الصلاة وكثيراً ما كان يزور الخادمة في بيت زوجها عند زواجها وبعد مدة من توقفها عن الخدمة في بيته " .
وتقول ابنته ثناء : أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير لائقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ لأنها أختي في الإسلام ، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به علي يدي ، وكان هذا كافيًا جداً يشعرني بأنه غاضب علي وكان درسًا لي لم أنسه طوال حياتي .
التكوين العلمي والثقافي
أولاً : التكوين العلمي
بدأ الإمام الشهيد دراسته بالقرآن الكريم والثقافة الإسلامية فقد تطابقت إرادة والديه علي هذه البداية .
فقد أراد له أبوه رحمه الله أن ينشأ نشأة إسلامية حقيقية وأصر علي أن يحفظ القرآن ، واستكمل له الكثير من جوانب الثقافة الإسلامية في سن مبكرة ، ثم عهد به إلي الشيخ ( محمد زهران ) الذي كان أيضًا شيخه الأول وكان الشيخ زهران كفيفًا .
يقول عبد الرحمن البنا عن طفولة الإمام الشهيد : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا الوالد الكريم ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات ، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري ، والقسطلاني ، ونيل الأوطار ، وكان يبيحها لنا ويشجعنا علي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به ، ولكنه كان غير عادي ، كان فرق السن بيننا سنتين ، ولكنه لم يكن الفرق الحقيقي ، بل فرق إرادة إلهية أعدته لأمر عظيم ، فكان طالب علم ولكنه مستقر موهبة ومستودع منحة ربانية ، وشتان بين المنزلتين ، وفرق بعيد بين المريد والمراد ! وكنا نسمع ما يدور في مجلس الوالد الكريم من مناقشات علمية ومساجلات ، ونصغي للمناظرات بينه وبين من يحضر مجلسه من جلة العلماء ، أمثال الشيخ محمد زهران والشيخ حامد محيسن ، فنسمعهم وهم يناقشون عشرات المسائل .
وكانت مراحل دراسة الإمام الشهيد كما يلي :
1 – مدرسة الرشاد الدينية .
2 – المدرسة الإعدادية .
3 – مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور .
4 – دار العلوم بالقاهرة .
مدرسة الرشاد
وكانت مدرسة الرشاد هي أول مدرسة التحق بها الإمام الشهيد حيث التحق بهذه المدرسة وسنه حوالي ثمانية أعوام واستمر لمدة أربع سنوات ، وكانت هي الأساس والقاعدة الصلبة التي استند عليها في تجاوز مراحل تعليمه اللاحقة بجدارة وتوفيق ونجابة ، وقد تحدث الإمام الشهيد عن هذه المدرسة وهو يتكلم عن مؤسسها الشيخ محمد زهران فقال : " وأنشأ مع ذلك مدرسة الرشاد الدينية سنة 1915م تقريبًا لتعليم النشء علي صورة كتاتيب الإعانة الأهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف ، ولكنها في منهج المعاهد الرائعة التي تعتبر دار علم ومعهد تربية علي السواء ، ممتازة في مادتها وطريقتها وتشتمل مواد الدراسة فيها – زيادة علي المواد المعروفة في أمثالها حينذاك – علي الأحاديث النبوية حفظًا وفهما ، فكان علي التلاميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثاً جديداً يشرح لهم حتى يفقهوه ، ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن يدرسوه ، فلا ينتهي العام إلا وقد حصلوا ثروة لا بأس بها من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأذكر أن معظم ما أحفظ من الأحاديث بنصه هو مما علق بالذهن منذ ذلك الحين ، كما كانت تشتمل كذلك علي الإنشاء والقواعد والتطبيق ، وطرف من الأدب في المطالعة أو الإملاء ، ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو النثر ، ولم يكن شيء من هذه المواد معروفًا في الكتاتيب المماثلة .
وقال الإمام الشهيد عن شيخه : " وكان للرجل أسلوب في التدريب والتربية مؤثر منتج ، رغم أنه لم يدرس علوم التربية ولم يتلق قواعد علم النفس ، فكان يعتمد أكثر ما يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين تلامذته ، وكان يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً مشربًا بإشعارهم الثقة بهم والاعتماد عليهم ، ويجازيهم علي الإحسان أو الإساءة جزاء أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان ، كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة ، وكثيراً ما يكون في صورة نكتة لاذعة أو دعوة صالحة أو بيت من الشعر – إذ كان الأستاذ يقرضه علي قلة – ولا أزال أذكر بيتا من الشعر كان مكافأة علي إجابة في التطبيق أعجبته فأمرني أن أكتب تحت درجة الموضوع :
حسن أجاب وفي الجواب أجادا فالله يمنحه رضا ورشادا
درجته :
يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتي يا غارة الله
ولقد ذهبت مثلاً وأطلقت علي هذا الزميل اسمًا فكنا كثيراً ما نناديه إذا أردنا أن نغيظه " يا غارة الله " ، وإنما كان الأستاذ يوصي بكراسة بأن يكتب بنفسه ما يمليه عليه لأنه رحمه الله كان كفيفاً ولكن في بصيرته نور كثير عن المبصرين ولعلي أدركت منذ تلك اللحظة – وإن لم أشعر بهذا الإدراك – أثر التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين التلميذ والأستاذ ، فلقد كنا نحب أستاذنا حبًا جمًا رغم ما كان يكلفنا به من مرهقات الأعمال "
وكذلك استفاد الإمام البنا من شيخه حب الاطلاع والقراءة ومجالسة العلماء والانتفاع بعلمهم فيقول الإمام البنا :
" ولعلي أفدت منه – رحمه الله – مع تلك العاطفة الروحية حب الاطلاع وكثرة القراءة ، إذ كثيراً ما كان يصطحبني إلي مكتبته وفيها الكثير من المؤلفات النافعة لأراجع له وأقرأ عليه ما يحتاج إليه من مسائل ، وكثيراً ما يكون معه بعض جلسائه من أهل العلم فيتناولون الموضوع بالبحث والنظر والنقاش وأنا أسمع " .
المدرسة الإعدادية
" تغير الحال في مدرسة الرشاد المباركة لما تركها مؤسسها الشيخ محمد زهران ، وعهد بها إلي غيره من العرفاء الذين ليسوا مثل الشيخ في صفاته وجلاله ، وبالرغم من أن الإمام الشهيد لم يتم حفظ القرآن ، ولم يحقق رغبة والده الشيخ أحمد عبد الرحمن فهو لم يتجاوز بعد سورة الإسراء ابتداء من البقرة ، وبالرغم من إلحاح الوالد علي إتمام حفظ القرآن إلا أن الإمام الشهيد صارحه فجأة وفي تصميم عجيب أنه لم يعد يطيق أن يستمر بهذه الكتاتيب ، وأنه لابد أن يلتحق بالمدرسة الإعدادية فوافق الوالد بعد عنت شديد بشرط أن يتم الإمام الشهيد حفظ القرآن من منزله " .
" وما حاء أول أسبوع حتى كان الغلام ( حسن البنا ) طالبًا بالمدرسة الإعدادية يقسم وقته بين الدرس نهاراً وتعلم حرفة الساعات التي ألم بها بعد الانصراف من المدرسة إلي العشاء ، ويستذكر هذه الدروس بعد ذلك إلي النوم ويحفظ حصة من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح حتى يذهب إلي المدرسة " .
وقد شارك الإمام الشهيد أثناء دراسته بالمدرسة الإعدادية في جمعية منع المحرمات ، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة جمعية الأخلاق الأدبية وكانت تحت إشراف أحد أساتذة المدرسة ، واستمر الإمام البنا في هذه المدرسة لمدة سنتين حتى ألغيت المدارس الإعدادية واستبدلت بنظام المدارس الابتدائية .
مدرسة المعلمين الأولية
يقول الإمام الشهيد عن كيفية التحاقه بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور : " وكان هذا الطالب ( حسن البنا ) قد وفي بعهده فاستمر بحفظ القرآن الذي خرج به من مدرسة الرشاد وأضاف إليه ربعا آخر إلي سورة " يس " ، وقرر مجلس مديرية البحيرة إلغاء نظام المدارس الإعدادية وتعديلها إلي مدارس ابتدائية ، فلم بكن أمام الطالب إلا أن يختار بين أن يتقدم إلي المعهد الديني بالإسكندرية ليكون أزهريًا أو مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليختصر الطريق ويكون بعد ثلاث سنوات معلمًا ، ورجحت كفة الرأي الثاني في النهاية وجاء موعد تقديم الطلبات وتقدم بطلبه فعلاً ، ولكنه كان أما عقبتين : عقبة السن فهو ما يزال في منتصف الرابعة عشرة وأقل سن القبول في الدخول ولابد من أداء امتحان شفهي في القرآن الكريم ، ولقد كان ناظر المدرسة حينذاك ، وهو الأستاذ " بشير الدسوقي موسي " كريماً متلطفًا ، فتلطف بالطالب وتجاوز عن شرط السن وقبل منه التعهد بحفظ ربع القرآن الباقي ، وصرح له بأداء الامتحان التحريري والشفهي فأداهما بنجاح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح طالبًا بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ، وكان للإمام الشهيد في هذه الفترة نظام حياة لا يكاد يتبدل إلا في الطارئ الشديد فيقول : " كنت أمضي الأسبوع المدرسي في دمنهور ، وأعود ظهر الخميس إلي المحمودية حيث أمضي ليلة الجمعة وليلة السبت ، ثم أعود صباح السبت إلي المدرسة فأدرك الدرس الأول في موعده . وكان لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضي في هذه الفترة غير زيارة الأهل وقضاء الوقت معهم ، فقد كانت الصداقة بيني وبين الأخ أحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلي درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن الآخر طوال هذه الفترة أسبوعًا كاملاً دون لقاء ، يضاف إلي ذلك أن ليلة الجمعة في منزل الشيخ شلبي الرجٌَال بعد الحضرة ( حيث كنا نتدارس فيها كتب التصوف من الإحياء والياقوت والجواهر وغيرها ، ونسمع أحوال الأولياء ، ونذكر الله إلي الصباح ) كانت من أقدس مناهج حياتنا ، وكنت قد تقدمت في صناعة الساعات وفي صناعة التجليد أيضاً ، أقضي فترة النهار في الدكان صانعًا وفترة الليل مع الإخوان الحصافية ذاكراً . ولهذه المآرب جميعًا لم أكن أستطيع أن أتخلف عن الحضور يوم الخميس إلا لضرورة قاهرة ، وكنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ثم إلي المسجد الصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ثم إلي المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصلاة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد فالمنزل وفي الصباح إلي المدرسة ، وهكذا دواليك في ترتيب لا أذكر أنه تخلف أسبوعًا إلا لضرورة طارئة " .
وكانت هذه المرحلة مرحلة تحول في حياة الإمام البنا من الناحية العلمية والثقافية " فقد كانت أيام مدرسة المعلمين في سنواتها الثلاث أيام استغراق في التصوف والتعبد ، ولكنها مع ذلك لم تخل من إقبال علي الدروس وتحصيل العلم خارج حدود المناهج المدرسية ، ومرد ذلك إلي أمرين ، أولهما : مكتبة الوالد وتشجيعه له بالقراءة وإهدائه إياه كتبا كان لها أبلغ الأثر في نفسه ومن أمثلتها : ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وقد صارت له – بناء علي هذا التوجيه وما تولد منه من شغف بالمطالعة وإقبال عليها – مكتبة خاصة فيها مجلات قديمة وكتب متنوعة " .
أما الأمر الثاني : فهو تشجيع المدرسين المخلصين للإمام الشهيد وصلته الروحية بهم أمثال الأستاذ عبد العزيز عطية ناظر مدرسة المعلمين حينذاك والأستاذ فرحات سليم ، والأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو علام والأستاذ الحاج علي سليمان والأستاذ الشيخ البسيوني . ومن الأمثلة أن الأستاذ عبد العزيز عطية ذات مرة اختبر الطلاب في مادة التربية العملية اختبار شهريًا وأعجبته إجابة الإمام الشهيد فكتب علي ورقته : أحسنت جداً ولو كان هناك زيادة علي النهاية لأعطيتك . وحجز الورقة بيده عند التوزيع ثم طلب الإمام الشهيد وسلمه ورقته وزوده بكثير من عبارات النصح والتشجيع والحث علي القراءة والدرس والمطالعة ، كما اختصه بتصحيح بعض " بروفات " كتابه " المعلم " في التربية الذي يطبع إذ ذاك بمطبعة المستقبل بدمنهور .
وأدي الإمام الشهيد امتحان كفاءة التعليم فكان الأول في المدرسة والخامس في القطر ، وكانت هذه النتيجة مفاجأة للإمام الشهيد وكان نجاحه في دخول دار العلوم مفاجأة ثانية ، وكانت مفاجأة ثالثة – كما يقول هو - : " أن مجلس مديرية البحيرة قرر تعييني فعلاً مدرسًا بمدرسة خربتا الأولية ، ودعيت إلي تسليم عملي عقب الإجازة الصيفية مباشرة ، فكان علي – بناء علي هذا – أن أختار بين الوظيفة أو العودة إلي طلب العلم بدار العلوم ولكني في النهاية فضلت أن أستمر في سلك التعلم ، وأن أشد الرحال إلي القاهرة ، حيث دار العلوم .
دار العلوم
القدر يدخل البنا دار العلوم :
نظراً لما كان عليه الإمام الشهيد من علي غزير عرض عليه بعض زملائه المذاكرة معًا للتقدم إلي دار العلوم العليا ، ويقول الإمام الشهيد في ذلك : " هذه الثروة العلمية وجهت نظر بعض إخواننا الذين كانوا يعدون أنفسهم للتقدم إلي دار العلوم العليا في ذلك الوقت من مدرسي المدرسة الأولية الملحقة بالمعلمين إلي أن يعرضوا علي أن نذاكر معًا ونتقدم معًا إلي دار العلوم العليا وكانت دار العلوم حينئذ قسمين : القسم التجهيزي ، وهذا يتقدم إليه من شاء من طلاب الأزهر ومدارس المعلمين ، والقسم العالي المؤقت ويتقدم إليه من شاء كذلك من هؤلاء الطلاب ، ويكونون غالبًا قد حصلوا علي الشهادة الثانوية الأزهرية ، وكان القسم العالي هذا لم يبق للتقدم إليه إلا هذا العام ( عام 23-24 الدراسي ) ثم يلغي ليحل محله القسم العالي الذي يستمد من التجهيزي وكثرة الإقبال علي القسم العالي المؤقت علي اعتبار أنها الفرصة الوحيدة لمن يريدون اللحاق به .
" وأراد الأستاذ الشيخ علي نوفل أن نذاكر معًا ، وكنت في السنة الثانية أي في السنة التي سأؤدي فيها امتحان شهادة الكفاءة للتعليم الأولي ، وكان هو مدرسًا بالملحقة للمعلمين ، فاعتذرت عن المذاكرة معه ولكنه دخل علي من باب حقوق الأخوة ووجوب معاونة الإخوان والاستماع لرأيهم ، فلم أر بداً من الإصغاء إليه " ، وكان للإمام البنا رأي في العلم تأثراً برأي الإمام الغزالي في أن العلم الواجب هم العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ثم الانصراف بعد ذلك إلي العمل ، وظل يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يريد دخول دار العلوم ، هل للاستزادة من العلم ، فالعلم موجود في الكتب وعند العلماء ، أما إذا كان للدنيا فهذا شر ما يعمل له إنسان وتغلبت عليه الفلسفة علي نفسه حتى استطاع أحد أساتذته أن يقنعه بخلاف ذلك ، يقول الإمام الشهيد : كادت هذه الفلسفة تغلب علي نفسي بل هي تغلبت فعلاً ، فلم أذاكر مع الأخ الأستاذ نوفل تذممًا ، ولكن أستاذنا الشيخ فرحات سليم – رحمه الله – وكان يحبني حبًا جمًا ويظهر عطفه علي في كل مناسبة ، وينزل من نفسي منزلة كريمة ، استطاع بلباقة ولطف أن يدفعني إلي المذاكرة بجد ، وإلي التقدم إلي دار العلوم فعلاً ، وكان من قوله : إنك الآن علي أبواب شهادة الكفاءة والعلم لا يضر ، وتقدمك في امتحان دار العلوم تجربة للامتحانات الكبيرة ، وهذه فرصة لا تعوض ، فتقدم لتحفظ لنفسك حقها ، وأنا واثق من نجاحك إن شاء الله ، ثم أمامنا بعد ذلك مجال نفكر فيه كما تشاء ولك أن ترفض أو تدخل ، وهكذا استطاع بتأثيره القوى أن يدفعني دفعًا إلي التقدم بطلبي مع المتقدمين فتقدمت ، وكان الامتحان قبل امتحان شهادة الكفاءة بفترة قليلة .
دخول دار العلوم :
تقدم الإمام البنا لدخول دار العلوم وأخطر بميعاد الكشف الطبي والامتحان وكان ذلك في رمضان ، وكان أبوه قد أرسله إلي أحد أصدقائه من تجار الكتب الميسورين بالقاهرة ليعاونه ولكن هذا الرجل لم يعاونه في شيء ، ثم ذهب الإمام الشهيد لأحد أصدقائه الذين سبقوه إلي دار العلوم بعام وهو الأستاذ محمد شرف حجاج لسؤاله عن طريقة الكشف الطبي والامتحان ، وقد نصحه بعمل نظارة طبية ، وأثناء زيارته للأزهر قابل بعض الطلاب الراغبين في دخول دار العلوم ، يقول الإمام عن ذلك : " كان عملي في اليوم الثاني منذ الصباح أن قصدت إلي ذلك التاجر الكتبي ، بعد أن ذهبت إلي صديقي في المدرسة ، ليدلني علي صانع نظرات ليصنع لي نظارة طبية استعدادً للكشف ، ولكنه أعرض كعادته فلم أشأ أن أضيع الوقت ، وذهبت من فوري إلي الأزهر ودخلته لأول مرة وراعني ما رأيت من سعة وبساطة ، وحلق الطلاب فيه يدرسون ويذاكرون ووقفت علي الحلق واحدة فواحدة ، ثم رأيت حلقة يتحدثون أهلها عن دخول دار العلوم ، وفهمت أنهم متقدمون لامتحانها الذي سيكون بعد نحو عشرة أيام ، وللكشف الذي سيتم بعد ثلاثة أيام تقريبًا فاندمجت فيهم ، وتحدثت إليهم عن رغبتي وعن حاجتي إلي من يرشدني إلي طبيب لأصنع نظارة طبية ، فتطوع معي أحدهم وقام من فوره إلي عيادة دكتورة يونانية – فيما أظن – ولكنها متمصرة ، وصفها بالحذق والمهارة ، وأنها صنعت له نظارة مناسبة مع اعتدال القيمة ، وعندما وصلنا إليها بدأت عملها وأخذت في نظير الكشف خمسين قرشاًَ ، ودلتنا علي محل النظارات الذي أخذ بدوره ثمنًا للنظارة مائة وخمسون قرشاً وأنجز النظارة فوراً ، وبذلك لم يبق أمامي إلا انتظار الكشف بعد يومين " .
الكشف الطبي لدخول دار العلوم :
يقول الإمام الشهيد : " ولست أبالغ حين أقول إن التوفيق حالفني في هذا الكشف محالفة عجيبة في الوقت الذي رأيت بعض من أعرف يخونهم الحظ " سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة " لقد كان الأطباء ثلاثة ، وكنت آخر اسم في الكشف من نصيب أولهم وهو أطيبهم وأيسرهم كشفًا ، وكان الأخ علي نوفل من نصيب ثالثهم ، وهو أقساهم قلبًا وكشفا ، وبقدر ما كانت نسبة النجاح عند طبيبي عالية ، كانت نسبة الرسوب عند هذا الآخر أعلي ، فنجحت مع شكي التام في النجاح ، ورسب هو مع تأكده التام من سلامة بصره وبدنه ومع استعداده الكامل لهذا النجاح " .
النجاح في امتحان القبول :
يقول الإمام البنا عن ذلك : " ظهرت نتيجة الكشف وكانت في الحقيقة مفاجأة لي أن أكتب من الناجحين ، ولذلك واجهت مهمة الامتحان في جد لا هزل معه ، فلم يكن إلا الجد ولم يبق إلا أسبوع واحد فلا ينفع إلا التبتل ، وقد كان ، فقد حملت أمتعتي وكتبي ويممت شطر الأزهر المعمور ، وهناك ، وفي القبلة القديمة بالضبط حططت رحالي ، وتعرفت إلي بعض الزملاء المتقدمين إلي دار العلوم ، ونوينا الاعتكاف هذا الأسبوع للعلم وللبركة معًا نتناوب الخروج لإحضار طعام الإفطار والسحور ، ونتناوب الحراسة في النوم فلا ننام إلا غراراً ، وقاتل الله علم العروض فلم أكن أفقه شيئاً من زحافة وعلله وضروبه وقوافيه وكان جديداً علي بكل معني الكلمة ، ولكني أخذت أستذكر والسلام ، وكنت أخشي النحو والصرف إذ كنت أتصور أنني لا أشق فيهما غبار الطلاب المتقدمين من الأزهريين الذين جاوزوا الشهادة الأهلية ودرسوا في السنوات العالية ، نعم إنني أحفظ الألفية ، وقرأت شرح ابن عقيل عليها ، وشاركني الوالد في بعض هذه الشئون ، ولكنها لم تكن الدراسة المنظمة التي تهدأ معها النفس ، ويسكن لها القلب ، وجاءت أيام الامتحان ومرت بسلام ، ولازلت أذكر بيت العروض الذي امتحنا فيه وأذكر أنه طلب إلينا أن نقطعه ونذكر ما فيه من علل وزحاف ومن أي بحر هو :
لـو كنـت من شــيء ســوي بشــر كـنت المــنور ليلــة البـــدر
وقد كانت عناية الله تلحظ الإمام الشهيد فقد روي الأستاذ محمود عبد الحليم أن الإمام الشهيد حدثه عن قبوله في دار العلوم فقال : " ولما حان موعد الامتحان للالتحاق بدار العلوم نفسها وجد أن مطالب الحياة الضرورية لم تدع له وقتًا تؤهله مذاكرته فيه أن يدخل الامتحان ، فشكا إلي الله الذي يعلم أنه لم يقصر لحظة واحدة .. يقول رحمه الله : " ونمت ليلة الامتحان فإذا بي أري فيما يري النائم رجلاً يواسيني ويقول لي : التفت إلي فالتفت إليه فإذا بيده كتاب المادة التي سأمتحن فيها في الصباح ، فيفتح الكتاب عند صفحة معينة ويشير إلي أن أقرأ حتى إذا قرأت الصفحة فتح الكتاب عند صفحة أخري فأقرأها ، وهكذا حتى أنهي الكتاب فأغلقه وتركني ، فلما أصبحت وجدتني حافظاً كل ما قرأت – وكانت هذه طبيعتي أن أحفظ ما أقرأه – ودخلت الامتحان فإذا الأسئلة كلها هي نفس ما قرأته في الرؤيا .. وهكذا مرت ليالي الامتحان وأيامه علي هذا النحو وظهرت النتيجة وكنت الأول والحمد لله " .
ويحكي الإمام الشهيد هذا الأمر في كتابه مذكرات الدعوة والداعية وبخاصة ليلة امتحان النحو والصرف فيقول : " وإن من فضل الله تبارك وتعالي أنه يطمئن ويسكن نفوس عباده ، وإذا أراد أمراً هيأ له الأسباب . فلا زلت أذكر ليلة امتحان النحو والصرف ( وليس الجبر كما جاء في بعض القول ) رأيت فيما يري النائم : أنني أركب زورقاً لطيفاً مع بعض العلماء الفضلاء الأجلاء يسير بنا الهويني في نسيم ورخاء علي صفحة النيل الجميلة ، فتقدم أحد هؤلاء الفضلاء ، وكان في زى علماء الصعيد ، وقال لي : أين شرح الألفية لابن عقيل ؟ فقلت ها هو ذا ، فقال : تعال نراجع فيه بعض الموضوعات ، هات صفحة كذا وصفحة كذا لصفحات بعينها ، وأخذت أراجع موضوعاتها حتى استيقظت منشرحًا مسروراً . وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات ، فكان ذلك تيسيراً من الله تبارك وتعالي ، والرؤيا الصالحة عجل بشري المؤمن والحمد لله رب العالمين .
يقول الإمام رحمه الله : " وغدوت يوم افتتاح الدراسة إلي دار العلوم وكلي شوق إلي العلم ، وقد وجهني الله إلي الدرس توجيهاً حميداً ، ولا أنسي الحصة الأولي ولم نكن قد تسلمنا الكتب والأدوات بعد ، وقد وقف أستاذنا الشاعر البدوي الشيخ محمد عبد المطلب – أغدق الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان – أمام السبورة علي المنصة بقامته المديدة يحيي الطلبة الجدد ، ويتمني لهم النجاح والتوفيق ، ثم كتب علي السبورة ، قال عبيد بن الأبرص :
ولـنـا دار ورثـنا مــجــدها الـــ أقـدم القـدمـوس عن عـم وخـال مـنـزل مـنـه آبـاء ورثــونــــا المجـــد فـي أولـي الليــالـي
ثم أمسك جبته الأعلى ، علي عادته – رحمه الله – وقرأها في جرس يحمل معني الفخار والاعتزاز ، ثم طالبنا بإعرابهما ، فقلت في نفسي " بدأنا الجد من أول يوم " وأخذت أتساءل : ما هذا القدموس ؟ ولماذا قال " منه " وكان في وسعه أن يقول أسسه ؟ ومازلنا ننحت في إعراب البيتين حتى نقلنا الحوار إلي الكلام عن عبيد ابن الأبرص والحياة العربية وما فيها من خشونة ولين وأيام العرب وأوابدها وأدواتها في حربها وسلمها ، وأنواع الرماح والسيوف والسهام وإلي السهم الريش والذي لا ريش له واستشهد الأستاذ بالبيت المعروف :
رمــتني بـسـهم ريشه الكحـل لم يضر ظاهـر جلـدي وهو للقلــب جـارح
وأخذ يرسم علي السبورة السهام بأنواعها ، وأنا مأخوذ بهذا النوع من الاستطراد والتوسع في البحث ، أتابعه بشغف وشوق ، وزادني هذا الأسلوب للعلم حبًا ، ولدار العلوم وأساتذتها احترامًا وعجبًا " .
وتفوق الإمام الشهيد من السنة الأولي لدراسته في دار العلوم وكان الثالث علي دفعته . ولم يكتف الإمام الشهيد بما كان يدرسه في دار العلوم ، ولكنه كان محبًا للعلم وتحصيله بشتى الطرق ، فقد كان يتردد علي المكتبات وكبار المفكرين والعلماء في ذلك العصر .
ولم يكتف الإمام الشهيد بكل ذلك بل جعل المكافأة الشهرية التي كانت تمنحها له دار العلوم لشراء الكتب النافعة ، وقد قرأ الإمام الشهيد في شتى مجالات المعرفة ، وتشكلت ثقافته من كل أصناف ميراث الحضارة الإسلامية والتاريخ . فقرأ للغزالي المتصوف والزمخشري وفخر الدين الرازي الفيلسوف وأبي الحسن الأشعري ( مؤسس المدرسة الشعرية ) بالإضافة إلي كتابات السلف والأئمة الصوفية ، كما قرأ لديكارت وإسحق نيوتن وميشال الفلكي الإنجليزي وهربرت اسبنسر واستشهد بهم " .
وقد كان الإمام الشهيد لا يكتفي بمجرد القراءة في المجالات المختلفة فيعرف شيئاً عن شيء بل كانت ثقافته موسوعية ، فقد كان يعرف التطور التاريخي لكل علم وأصوله لا سيما في اللغة والشرع ، حتى أنه كتب في كثير من علوم اللغة والشرع . ويروي الأستاذ محمود عبد الحليم عن امتحانه في دبلوم العلوم فيقول نقلاً عن الإمام الشهيد : " وكان امتحان الأدب العربي هو الامتحان الرئيس في الدار وكان الامتحان فيه تحريريًا وشفويًا ، فلما مثلت بين يدي لجنة الامتحان الشفوي في امتحان الدبلوم النهائي لدار العلوم سألني رئيس اللجنة عما أحفظ من الشعر فقدمت إليه الكراريس فقال لي : ما هذه الكراريس ؟ قلت أن ما فيها هو ما أحفظه ! فتعجب الرجل وقال : هل أنت علي استعداد أن اسمع منك أية قصيدة أختارها من هذه الكراريس ؟ فأجبته بالإيجاب ، فطفق يطلب إلي أن أقرأ فأقرأ حتى اطمئن إلي أنني أحفظ ما فيها جميعًا . ثم قال لي : أني أسألك السؤال الأخير : ما أحسن بيت أعجبك في الشعر العربي ؟ قلت : أحسن بيت أعجبني هو قول طرفة بن عبد في معلقته :
إذا القـوم قـالـوا من فتـى خـلت أنـني عُنـيت فـلـم أكســل ولم أتـبلـد
قال : قم يا بني هذا السؤال يسأل للنابهين من الطلبة في كل عام هنا ، وفي الأزهر فلم يجب أحد بمثل ما أجبت إلا الشيخ محمد عبده .. إنني أتنبأ لك يا بني بمستقبل عظيم " .
ويقول الإمام الشهيد في مذكراته : " ولا أنسي الامتحان الشفهي وقد تقدمت فيه إلي اللجنة وكانت مؤلفة من الأستاذ أبو الفتح الفقي رحمه الله ، والأستاذ نجاتي ، بمجموعة من المحفوظات بلغت ثمانية عشر ألف بيت ومثلها من المنشور ومنها معلقة طرفة ، فلم أسأل إلا في بيت من المعلقة ، وأربعة أبيات من قصيدة شوقي في نابليون ومناقشة حول عمر الخيام ، وقضي الأمر ولم آسف علي هذا المجهود ، إذ كنت أبذله من أول يوم للعلم لا للامتحان " .
ثانيًا : التكوين الثقافي
مرت ثقافة الإمام البنا بمرحلتين : المرحلة الأولي وهي الثقافة الدينية الخالصة مع علوم اللغة وهي مرحلة ما قبل دار العلوم ، ثم تنوعت مصادر ثقافته فشملت كل أنواع الثقافة سواء تاريخية أو اجتماعية أو غيرها من أنواع الثقافات .
وتمثلت ثقافته الدينية في القرآن وعلومه والسنة وعلومها ، بالإضافة إلي علوم اللغة وآدابها وعلوم التصوف والتاريخ والسير والمغازي ، وكان في كل هذه العلوم لا يأخذها من جانب واحد ولكن كان يقرأ للمتخلفين في وجهات النظر لا سيما في المسائل الخلافية وقد كتب البنا بخط يده قصاصة من الورق موضوعة في طيات كتاب " هذه هي الأغلال " ومن بين ما كتبه بخط يده فيها " ويل للذين ينظرون إلي الأشياء من جانب واحد ، ويل وويل للإنسان منهم ، ولن تجد علي الأرض أشد منهم ظلمًا ولا أسقم فهمًا " .
مرحلة الثقافة الدينية
كانت بداية حبه للاطلاع وكثرة المطالعة في الكتب الدينية عن طريق الشيخ زهران ، فقد كان يصطحبه معه إلي مكتبته التي فيها الكثير من المؤلفات لقراءة بعض المسائل ومراجعتها ، وكثيراً ما كان يحضر لقاءات الشيخ مع أهل العلم الذين يتناولون المسائل المختلفة بالبحث والنظر والنقاش . كما كان لوالد البنا أثر كبير في ثقافته حيث كان يشجعه علي القراءة في مكتبته الخاصة ويهديه بعض الكتب مثل ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وغيرها من الكتب بل إن والده ساعده علي تكوين مكتبة خاصة به وهو في المرحلة الإعدادية ، ومن شغف البنا بالقراءة كان يترقب الشيخ حسن الكتبي يوم السوق بفارغ الصبر ليستأجر كتبًا بالأسبوع لقاء مليمات ثم يردها ليأخذ غيرها وكان من أهم الكتب وأعظمها أثراً في نفسه قصة الأميرة ذات الهمة وقصص الشجاعة والبطولة والاستمساك بالدين والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق .
وكان لرعاية أساتذته له في مدرسة المعلمين ومناقشته المستمرة ، وحسن توجيههم له الأثر في دفعه إلي القراءة والتحصيل خارج نطاق الدراسة ، فحفظ خارج مناهج الدراسة كثيراً من المتون في العلوم المختلفة ومن أمثلتها (ملحمة الإعراب للحريري) و(ألفية ابن مالك ) و( الياقوتة في المصطلح) و(الجوهرة في التوحيد) و(الرجبية في الميراث) وبعض متن (الغاية والتقريب لأبي شجاع في فقه الشافعية) وبعض منطوق (ابن عامر في مذهب المالكية) ، وكانت لعبارة والده المأثورة " من حفظ المتون حاز الفنون " كذلك الأثر الطيب في حفظه هذه المتون حتى أنه حاول حفظ متن (الشاطبية في القراءات) مع جهله التام بمصطلحاتها.
وكان لعلاقة البنا بالطريقة الحصافية أثر في ثقافته حيث درس كتب الصوفية علي يد بعض المشايخ وكذلك درس الإحياء علي يد الشيخ حسن خزبك وكذلك سمع أحوال الأولياء والياقوت وغيرها .
وكان لهذه الثقافات المتنوعة الأثر في نفس البنا حتى أنه كتب بعض الشعر الوطني ، وقد جمع ديوانًا كبيراً من هذا الشعر الوطني ، كما ألف بعض المؤلفات في الفقه علي المذاهب الأربعة . وكذلك كتب هو وصديقه الأستاذ محمد علي بدير قصة تودد الجارية . كما حاول تقليد أستاذه وشيخه الشيخ زهران فأصدر مجلة شهرية سماها الشمس وكتب منها عددين ثم توقف وذلك تقليداً للشيخ في إصداره مجلة الإسعاد الشهرية وتشبهًا بمجلة المنار التي كان يكثر من مطالعتها .
مرحلة تنوع الثقافة
كانت المرحلة الثانية ( مرحلة دار العلوم ) هي مرحلة تنوع الثقافة فلم تكن الدراسة جامدة ، بل كان الطلاب والأساتذة يتناولون كثيراً من الأمور العامة سياسية كانت أو اجتماعية ، وكانت المواد التي تدرس في دار العلوم تتضمن علوم اللغة والأدب والشريعة والجغرافيا والتاريخ ومناهج التربية العلمية والعملية والاقتصاد السياسي ، وكان للبنا لقاءات متعددة مع أعلام الفكر والثقافة في عصره فكانت له لقاءات كثيرة مع السيد محب الدين الخطيب ، والأستاذ الكبير محمد الخضر حسين ، والأستاذ محمد أحمد الغمراوي ، وأحمد باشا تيمور ، وعبد العزيز باشا محمد ، كما كان يلتقي والشيخ رشيد رضا ، والشيخ عبد العزيز الخولي ، والشيخ محمد العدوى ، كان يلتقي بهم ويستفيد من علمهم وثقافتهم . كما كان البنا يغشي مجالس الشيخ يوسف الدجوي ويلتقي به ومن يجالسه من العلماء ويشارك في لقاءاتهم وكذلك كان كثير اللقاء بالأستاذ محمد فريد وجدي حيث يغشي داره ويجلس للاستفادة من المناقشات التي كانت تتم بينه وبين العلماء من ضيوفه حيث يتدارسون علومًا في شتي مناحي الحياة وكان البنا من محبي قراءة مجلة الحياة وكان من عشاق دائرة معارفه .
وتجلت ثقافة البنا في رسائله وكتبه ، وكثيراً ما تعرض لمواقف شتى تخلص منها بلباقته وسعة ثقافته . ففي بداية عهد الإسماعيلية تعرض له أحد المشايخ بسؤال أحرجه عن اسم والد سيدنا إبراهيم فقال البنا : إن اسمه تارخ ثم فسر له قول القائل بسؤال بأن آزر عمه وليس أباه . ويدل ذلك علي إلمام البنا بما في حواشي الكتب فضلاً عما تحتويه هذه الكتب من معلومات أساسية ، وهناك موقف للبنا يدل علي معرفته بأساليب ولغة أهل المهن المختلفة فضلاً عن إلمامه بالثقافات المختلفة فيروي لأبيه أحد خطاباته عن رحلة إلي بورسعيد قام بها مع ناظر المدرسة وبعض الزملاء فيقول : " أما الرحلة فقد أنتجت نتاجًا حسنًا بالنسبة لصلتي مع الناظر ، وقد كانت مصادفات نتج عنها تقدير الرجل ، فمن ذلك أنه بعد الغداء قام خطيبان من مدرسة بورسعيد يحيياننا ، وكان الناظر تجاهي ولم يكن أحدنا محضراً شيئاً ، فنظر إلي رأسه كالمستفهم فنظرت إليه مطمئن ، وقمت بعدها فارتجلت كلمة كان لها وقع جميل جداً في نفوس الجميع . ومن الطرائف أن أحد المحامين الأهليين كان حاضراً ونسيت عند الخطبة فقمت وعلي صدري فوطة الطعام فقال ذلك المحامي : أنزل الفوطة أولا ، فضحك القوم ، ولكنني رددت عليه تواً بقولي : علها مقصودة أن أقوم ومعي شاهد إثبات علي كرم الزملاء وأفضالهم فلا يتوجه إلي دفع الأستاذ ، فكانت هذه أطرف من الأولي ، وكذلك طلب إلي أن أتكلم في الثورة الفرنساوية بمناسبة رواية سينمائية فشرحتها بإيضاح وبسط أدهش الإخوان المتخصصين في التاريخ ، وكان الناظر ذلك يتيه سروراً .
حسن البنا داعية منذ الصغر
جمعية الأخلاق الأدبية
" الدعوة إلي الله في حقيقتها أنمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتعاون علي أداء هذا الواجب ، وكان حسن البنا منذ صغره داعيًا إلي الله آمراً بالمعروف وناهيا عن المنكر ، يتعاون علي فعل الخيرات مع أقرانه وإخوانه ، فعندما دخل المدرسة الإعدادية شارك في جمعية الأخلاق الأدبية وبرز فيها ، وأصبح رئيسا لمجلس إدارة هذه الجمعية التي كانت لائحتها تدعو إلي مكارم الأخلاق وتغرم من يخطئ في حق إخوانه مبلغا من المال ينفق في أوجه الخير ، ويذكر البنا ذكرياته مع هذه الجمعية فيقول في كتاب مذكرات الدعوة والداعية : " وكانت لائحتها الداخلية تتلخص في أن من شتم أخاه غرم مليما واحدا ، ومن شتم الوالد غرم مليمين ، ومن شتم الأم غرم قرشا ، ومن سب الدين غرم قرشين ومن تشاجر مع آخر غرم مثل ذلك ، وتضاعف هذه العقوبة لأعضاء مجلس الإدارة ورئيسه ، ومن توقف عن التنفيذ قاطعه زملاءه حتى ينفذ ، وما يتجمع من هذه الغرامات ينفق في وجوه من البر والخير ، وعلي هؤلاء الأعضاء جميعًا أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصلاة في أوقاتها ، والحرص علي طاعة الله والوالدين ومن هم أكبر سنا أو مقاما .
وكانت ثورة مدرسة الرشاد الدينية سببا في أن يتقدم هذا الناشئ إخوانه . وأن تتجه إليه أنظارهم حتى إذا أريد اختيار مجلس إدارة جمعية الأخلاق الأدبية وقع اختيارهم عليه رئيسا لهذا المجلس ، وزاولت الجمعية عملها وحاكمت الكثيرين علي مخالفات وقعت منهم ، وجمع من هذه الغرامات مبلغ من المال لا بأس به أنفق بعضه في تكريم الزميل الطالب لبيب اسكندر شقيق طبيب الصحة الذي نقل إلي بلد آخر فنقل أخوة معه وأنفق البعض الآخر في تجهيز ميت غريب غريق ألقي به النيل إلي جوار سور المدرسة فقامت الجمعية بتجهيزه من هذه الأموال .
ولم يكن نطاق دعوة البنا الأمر بالمعروف ونهيه عن المنكر لتحده جدران المدرسة الإعدادية ، يأمر الكبير والصغير ولا يخشي في الله لومة لائم ، فعندما مر علي شاطئ النيل ولاحظ أن أحد أصحاب السفن المنشأة قد علق علي ساريتها تمثالا خشبيا عاريا علي صورة تتنافي مع الآداب ، وبخاصة أن هذا الجزء من الشاطئ يتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء ، فماذا يفعل ؟ يقول الإمام الشهيد : " فهالني ما رأيت وذهبت فورا إلي ضابط النقطة – ولم تكن المحمودية قد صارت مركزا إداريا – وقصصت عليه القصص مستنكرا هذا المنظر ، وقد أكبر الرجل هذه الغيرة وقام معي من فوره حيث هدد صاحب السفينة وأمره أن ينزل هذا التمثال في الحال وقد كان " .
وقد دافع عن حقه وحق زملائه في الصلاة بالمسجد المجاور للمدرسة حتى كان له ما أراد وذلك أن إمام المسجد خشي من الإسراف في الماء والبلي علي الحصر ، فانتظر التلاميذ حتى انتهوا من صلاتهم ثم فرقهم بالقوة وتوعدهم وأنذرهم من تكرار الصلاة في المسجد ، فماذا يفعل هذا الصبي الصغير حال هذا الموقف ؟ يقول الإمام : " كتبت إليه خطابا ، بعثت به إليه في البريد مغرما واعتبرت أن غرامة قرش صاغ كافية هذا القصاص ، وقد عرف رحمه الله ممن جاءته الضربة ، وقابل الوالد شاكيا معاتبا ، فأوصاه بالتلاميذ خيرا وكانت له معنا بعد ذلك مواقف طيبة عاملنا فيه معاملة حسنة ، واشترط علينا أن نملأ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافنا ، وأن نعاونه في جمع التبرعات للحصر إذا ما أدركها البلل وقد أعطيناه ما شرط " .
جمعية منع المحرمات
ولم يكتف البنا وأقرانه بالنشاط داخل المدرسة ، وإنما امتد نشاطه وأقرانه إلي خارج نطاق المدرسة ، فأنشأ وأصحابه جمعية منع المحرمات وكانت جمعية تأمر بالمعروف وتنهي الناس عن المنكر عن طريق إرسال خطابات إلي كل من يعرف عنه أنه ارتكب منكرا ، ويقول عنها الإمام البنا في مذكرات الدعوة والداعية : " وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم " جمعية منع المحرمات " وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشر أسبوعيا ، وكانت أعمالها موزعة علي أعضائها ، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات ، وآخر مهنته كتابة هذه الخطابات بالحبر " الزفر " وثالث مهنته طبعها ، والباقون توزيعها علي أصحابها ، وأصحابها هم الذين تصل إلي الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات علي وجهها خصوصا الصلاة ، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر ، ومن قصر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك ، ومن تحلي بالذهب وصله خطاب فيه حرمة التحلي بالذهب شرعا ، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوي الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب ، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل ، وكان من اليسير علي الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم ، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران رحمه الله ويقابلونه ويلونه لوما شديدا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلا من هذه الكتابة ، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه ، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلي أنه صلي فريضة الظهر بين السواري وذلك مكروه وهو عالم البلد ، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات ، وأذكر أن الشيخ رحمه الله أنه دعاني حينذاك – وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته – لنراجع معا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ولا زالت أذكر الموضع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا ابتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم وأنهيت ذلك إلي أعضاء الجمعية فكان سرورهم عظيما .
واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم ، حتى اكتشف أمرهم علي يد صاحب قهوة استدعي راقصة فوصله خطاب من الجمعية وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادا في النفقات ، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليه فيستلمها ولا يري من جاء بها ، ولكن المعلم كان يقظان فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابا شديدا أمام من في القهوة ، وعرفت الجمعية عن هذا الجمعية عن هذا الطريق فرأي أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات .
جمعية الحصافية الخيرية
كان ذلك إبان المرحلة الإعدادية ، ولكن بعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور تطورت معارفه وتطورت معها أهدافه في الدعوة إلي الله ، وبمشاركة زميله أحمد أفندي السكري أسسا " جمعية الحصافية الخيرية " وكان أحمد السكري رئيسا لها بحكم السن والعمل وحسن البنا سكرتيرا لها . وكانت أهداف هذه الجمعية ومجال عملها في ميادين أوسع وأشمل من الجمعيات الأولي فيقول الإمام الشهيد عن هذه الجمعية : " وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين : الميدان الأول : نشر الدعوة إلي الأخلاق الفاضلة ، ومقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية التي هبطت إلي البلد واستقرت فيها ، وكان قوامها ثلاث فتيات رأسهن مسز (وايت) ، وأخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات ، وقد كافحت الجمعية في سبيل رسالتها مكافحة مشكورة وخلفتها في هذا الكفاح جمعية " الإخوان المسلمين " بعد ذلك .
محاربة الفساد في القاهرة
ولما انتقل البنا إلي القاهرة عند دخوله دار العلوم وشاهد فيها مظاهر التحلل والفساد ، مما لا عهد له به في حياة الريف ، وقرأ في الصحف كثيرا مما ينافي تعاليم الإسلام ورأي جهل العامة بأحكام الدين ، ففكر في تكوين دعاة إسلاميين من زملائه في الأزهر ودار العلوم للدعوة إلي الله في المساجد والمقاهي والمجتمعات العامة ، وانطلق يدعو في المقاهي ليكون قدوة عملية لزملائه ويحكي البنا في مذكرات الدعوة والداعية كيف حاول محاربة المفاسد في المجتمع عن طريق تكوين دعاة إسلاميين فيقول :
ففكرت في أن أدعو إلي تكوين فئة من الطلاب الأزهريين وطلاب دار العلوم للتدريب علي الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في المقاهي والمجتمعات العامة ، ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنشر الدعوة الإسلامية.
وقرنت القول بالعمل فدعوت لفيفا من الأصدقاء للمشاركة في هذا المشروع الجليل كان منهم الأخ الأستاذ محمد مدكور خريج الأزهر وكان لازال مجاورا حينذاك ، والأخ الأستاذ حامد عسكرية رحمه الله ، والأخ الأستاذ أحمد عبد الحميد عضو الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين الآن وغيرهم ، كنا نجتمع في مساكن الطلاب في مسجد شيخون بالصليبة ، ونتذاكر جلال هذه المهمة وما تستلزمه من استعداد علمي وعملي ، وخصصت جزء من كتبي كالإحياء للغزالي والأنوار المحمدية للنبهاني وتنوير القلوب في معاملة علام الغيوب للشيخ الكردي ، وبعض كتب المناقب والسير ، لتكون مكتبة دورية خاصة بهؤلاء الإخوان يستعيرون أجزاءها ، ويحضرون موضوع الخطب والمحاضرات منها :
الدعوة علي المقاهي
وجاء الدور العملي بعد هذا الاستعداد العلمي فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في المقاهي ، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا : إن أصحاب المقاهي لا يسمحون بذلك ويعارضون فيه لأنه يعطل أشغالهم ، وإن جمهور الجالسين علي هذه المقاهي هم قوم منصرفون إلي ما هم فيه وليس أثقل عليهم من الوعظ ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في هذا اللهو الذي انصرفوا إليه ؟ وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن الجمهور أكثر استعدادا لسماع العظات من أي جمهور آخر حتى جمهور المسجد نفسه ، لأن هذا شيء طريف وجديد عليه والعبرة بحسن اختيار الموضوع ، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم ، وبطريقة العرض فتعرض بأسلوب شائق جذاب وبالوقت فلا نطيل عليهم القول .
ولما طال بنا الجدل حول هذا الموضوع قلت لهم : ولم لا تكون التجربة هي الحد الفاصل في الأمر ؟ فقبلوا ذلك وخرجنا فبدأنا بالمقاهي الواقعة بميدان صلاح الدين وأول السيدة عائشة ومنها إلي المقاهي المنتشرة في أحياء طولون إلي أن وصلنا من طريق الجبل إلي شارع سلامة ، والسيدة زينب ، وأظنني ألقيت في هذه الليلة أكثر من عشرين خطبة تستغرق الواحدة منها بين خمس دقائق إلي عشر
ولقد كان شعور السامعين عجيبا ، وكانوا ينصتون في إصغاء ويستمعون في شوق ، وكان أصحاب المقاهي ينظرون بغرابة أول القول ثم يطلبون المزيد منه بعد ذلك ، وكان بعض هؤلاء يقسم بعد الخطبة أننا لابد أن نشرب شيئا أو نطلب طلبات ، فكنا نعتذر لهم بضيق الوقت ، وبأننا نذرنا هذا الوقت لله فلا نريد أن نضيعه في شيء ، وكان هذا المعني يؤثر في أنفسهم كثيرا.
لقد نجحت التجربة مائة في المائة ، وعدنا إلي مقرنا في شيخون ونحن سعداء بهذا النجاح ، وعزمنا علي استمرار الكفاح في هذه الناحية .
دعوة العلماء لمهاجمة الفساد في المجتمع
وبعد الحرب العالمية الأولي وإلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا انتشر تيار الإباحية والإلحاد حتى أصبح هو التيار السائد والمهيمن علي الجامعة وعلي الحياة الأدبية والاجتماعية ، لا سيما في الطبقات الراقية . وكان لهذه الموجة رد فعل قوى في الأزهر والأوساط المعنية بالشئون الإسلامية ولكن رد هذا الفعل لم يزود عن الكتابة في بعض الصحف والمجلات واللقاءات التي لم تشف غليلا ولم ترد كيدا . وفكر الإمام الشهيد – وهو لا يزال طالبا في دار العلوم – في عمل إيجابي يرد به الكيد ، فقام بزيارة الشيخ يوسف الدجوي وكان من المشايخ العلماء المعدودين في ذلك الوقت ، وله صلات بأهل العلم والوجهاء ، وتحدث معه في جمع الجهود لعمل إيجابي يرد به الكيد عن الإسلام ، ولكن الشيخ الدجوي نصحه بأنه لا فائدة من كل ذلك وحسب الإنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البلاء وتمثل بهذا البيت من الشعر
ومـا أبـالـي إذا نفـسـي تطـاوعـني علي النـجـاة بمـن قـد مـات أو هـلكا
أوصاه أن يعمل بقدر استطاعته وأن يدع النتائج علي الله ، ولم يعجب البنا هذا الجواب فقال للشيخ الدجوي :" إنني أخالفك يا سيدي كل المخالفة في هذا الذي تقول ، وأعتقد أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون ضعفًا فقط وقعودا عن العمل وهروبا من التبعات ، من أي شيء تخافون ؟ من الحكومة أو الأزهر ؟ يكفيكم معاشكم واقعدوا في بيوتكم واعملوا للإسلام ، فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه ، لأنه شعب مسلم وقد عرفته في المقاهي وفي المساجد وفي الشوارع ، فرأيته يفيض إيمانا ، ولكن قوة مهملة من هؤلاء الملحدين والإباحيين وجرائدهم ومجلاتهم لا قيام لها إلا في غفلتكم ، ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم ، يا أستاذ إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون ، ولا ما تنفقون ، فدافعوا في هذه الأمة ضاع الأزهر وضاع العلماء فلا تجدون ما تأكلون ، ولا ما تنفقون ، فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام ، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم علي السواء .
وانقسم الناس بعد هذا الكلام إلي فريقين ، فريق يتهم البنا بالإساءة إلي الشيخ وإلي علماء الأزهر ، وبذلك فقد أساء إلي الإسلام . وفريق آخر يري أن البنا لم يرد إلا أن يجتمع العلماء لنصرة الإسلام وأن الناس ستكون من خلفهم ، ولم ينته الأمر إلي شيء إلا أن ينتقلوا إلي بيت أحد المشايخ الذي كان موعد معهم لزيارتهم فانتقلوا إليه وتحري البنا مكانًا قريبًا من الشيخ الدجوي وانتهز فرصة وكلم الشيخ الدجوي مرة أخري في الأمر ، وأصر عليه فما كان من الشيخ الدجوي إلا أن أعطاه بعض النقل ووعده بالتفكير في الأمر ، فرفض البنا هذا التفكير وقال له وللعلماء من حوله : " سبحان الله يا سيدي إن الأمر لا يحتمل تفكيرا ، ولكن يتطلب عملاً ولو كانت رغبتي في هذه النقل وأمثالها لاستطعت أن اشتري بقرش وأظل في منزلي ولا أتكلف مشقة زيارتكم ، يا سيدي إن الإسلام يحارب هذه الحرب العنيفة القاسية ، ورجاله وحماته وأئمة المسلمين يقضون الأوقات غارقين في هذا النعيم ! أتظنون أن الله يحاسبكم علي هذا الذي تصنعون ؟ إن كنتم تعلمون للإسلام أئمة غيركم وحماة غيركم فدلوني عليهم لأذهب إليهم " فوجم الجميع وفاض عين الشيخ وبعض الحاضرين بالدمع ، ثم سأل الشيخ الإمام البنا وقال له : وماذا أفعل ؟ قال له الإمام البنا : أريد أن تحصر أسماء من تتوسم فيهم الغيرة علي الدين ليفكروا فيما يجب عمله ، يصدرون مجلة يردون فيها علي دعاة الإلحاد أو يؤلفون جمعيات يأوي إليها الشباب وينشطون حركة الوعظ والإرشاد ، ووافق الشيخ وتم كتابة أسماء العديد من العلماء والوجهاء حتى تكونت نواة طيبة من هؤلاء العلماء كان من نتيجتها ظهور مجلة الفتح الإسلامية التي رأس تحريرها الشيخ عبد الباقي سرور ، وكان مدير تحريرها السيد محب الدين الخطيب ثم آل تحريرها وإرادتها إليه ، وكذلك كان من ثمرتها جمعية الشبان المسلمين .
وظل حسن البنا يعيش بروح الداعية الذي يحب الخير للناس ويعتبر الدعوة إلي الله هي أفضل الأعمال وأزكاها ، وكلما سنحت له فرصة للتعبير عن ذلك بالفعل أو بالقول استغلها أفضل استغلال ، وعندما يطلب منه أستاذه في دار العلوم كتابة موضوع إنشاء يعبر فيه عن طموحاته وآماله كان أعظم آماله كما يقول في مذكراته : " وهو أن أكون مرشدا ومعلما إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم ، ومنابع سعادتهم ، ومسرات حياتهم ، تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخري بالتأليف والكتابة ، وثالثة بالتجول والسياحة " وقد حقق الله له ذلك الأمر عندما أسس جماعة الإخوان المسلمين وأصبح مرشدا لها .
حسن البنا بين السلفية والصوفية
السلفية
نشأ حسن البنا في بيئة سلفية حيث كان والده أحمد عبد الرحمن البنا من علماء الحديث الذي ألزم نفسه وأهله بالتزام السنة ، واشتغل بعلم الحديث وقام بترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل واهتم بعلوم السنة وغيرها من العلوم ، وقد حمل أهله علي اقتضاء الصراط المستقيم ، يقول إبراهيم البيومي غانم في – الفكر السياسي لحسن البنا - : " ويبدوا من استقرار سيرة الشيخ أحمد أنه كان يحمل نفسه وأهله علي اقتضاء الصراط المستقيم من أداء للفرائض والتزام بالسنن النبوية . وقد كان لدي الشيخ أحمد مكتبة عظيمة أفاد منها الابن حسن الإفادة الكبيرة بالإضافة لتوجيهه الابن إلي كثرة المطالعة وحفظ القرآن ثم دفع الوالد بالابن إلي الشيخ محمد زهران ذلك العالم السلفي الذي وصفه حسن البنا بأنه " صاحب مدرسة الرشاد الدينية الرجل الذكي الألمعي ، العالم التقي ، الفطن اللقن الظريف ، الذي كان بين الناس سراجًا مشرقاً بنور العلم والفضل يضيء في كل مكان " الذي قام بتحفيظ الإمام البنا القرآن وكذلك تعليمه الإنشاء والقواعد والتطبيق والمطالعة والمحفوظات بالإضافة لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم عن طريق حفظ أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم .
وكان هناك تعلق وحب شديد من الإمام البنا لأستاذه جعله يلازمه في كثير من أوقاته ويستفيد من مكتبته ، ويجالس العلماء الذين يأتون إلي الشيخ زهران مستمع إلي مناقشتهم ويتعلم منها .
وكان من نتاج هذه التربية التي أولاه إياها أبوه وشيخه وكذلك مشاركته ورئاسته لجمعية الأخلاق الأدبية وهو في المدرسة الإعدادية ، أن أصبح ذا شعور ديني قوى يدفعه إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الرذائل والمنكرات ، سواء كانت اعتقاديه أو سلوكية أو غيرها من المنكرات ، ودفعته هذه التربية إلي تكوين جمعية منع المحرمات هو وبعض أقرانه والتي كانت مهمتها تتلخص في إرسال الخطابات إلي من يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات ، ولم يمنعه حبه واحترامه لشيخه الشيخ زهران حين رآه يصلي الظهر بين السواري ( سواري المسجد وذلك مكروه ) أن يرسل إليه خطابًا يذكره فيه بأنه عالم البلدة والذي يجب أن يبتعد عن المكروه ، وقد راجع الشيخ الحكم معه ووجد أن الصواب في جانبه وعندما مر علي الشاطئ ووجد أحد أصحاب السفن يعلق علي ساريتها تمثالا خشبيًا عاريا وأن هذا الجزء من النيل تتردد عليه الفتيات والسيدات يستقين منه الماء ، فهاله هذا المنظر وذهب من فوره إلي ضابط النقطة الذي كان إيجابيا وقام معه من فوره وأمر صاحب السفينة أن ينزل هذا التمثال من سارية السفينة .
وكان من نتاج هذه النشأة أيضًا محافظته علي أداء الصلاة في وقتها حتى لو تعارض ذلك مع أي شيء آخر ، فيروي البنا أنه كثيرا ما جادل أساتذته الذين جادلوه علي أداء صلاة العصر علي وقتها وقد كان وقت أذانها في أثناء الحصص ، وقد برزت آثار التربية السلفية علي حسن البنا في ملابسه وزيه ، فقد كان يذهب إلي المدرسة بالعمامة ذات العدبة ونعل كنعل الإحرام في الحج ورداء أبيض فوق الجلباب وذلك لأنها السنة ، ويدافع عن ذلك الزى وتلك الهيئة باعتبارها سنة الرسول صلي الله عليه وسلم ، ويحكي البنا ذلك في مذكراته فيقول : " لفت زيي نظر مدير التعليم إذ كنت ألبس عمامة ذات عدبة ونعلا كنعل الإحرام في الحج ورداء أبيض فوق الجلباب فسألني : لماذا ألبس هذا الزى ؟ فقلت : إنها السنة فقال : وهل عملت كل السنن ولم يبق إلا سنة الزى ؟ فقلت لا ونحن مقصرون كل التقصير ، ولكن ما نستطيع أن نفعله نفعله ، قال : وبهذا الشكل خرجت علي النظام المدرسي . فقلت له : ولم يا سيدي ؟ إن النظام المدرسي مواظبة ... وأنا لم أعب عن الدروس أبدا ، وسلوك وأخلاق .. وأساتذتي راضون عني والحمد لله ، وعلم ودراسة .. وأنا أول فرقتي . ففيم الخروج علي النظام المدرسي إذاً ؟ فقال : ولكنك إذا تخرجت وأصررت علي هذا الزى فسوف لا يسمح مجلس المديرية بتعيينك مدرسا حتى لا يستغرب التلاميذ علي هذا المظهر . فقلت علي كل حال هذا لم يجيء وقته بعد ، وحين يجيء وقته يكون للمجلس الحرية ويكون لي الحرية كذلك ، والأرزاق بيد الله وليست بيد المجلس ولا الوزارة " . وظل البنا محافظا علي هذا الزى حتى وصل إلي الفرقة الرابعة بدار العلوم فلبس لأول مرة (البدلة والطربوش) وإن ظل يكثر من لبس العمامة ذات العدبة والرداء الأبيض فوق الجلباب ، وظهرت آثار سلفية البنا حين دعوة الإخوان بأنها دعوة سلفية .
الصوفية
بدأت علاقة الإمام البنا بالصوفية وهو بالمدرسة الإعدادية بالمحمودية حينما كان يواظب علي درس الشيخ زهران بين المغرب والعشاء ، فشاهد الجلسات التي كانت تعقد بعد العشاء وجذبه إليه أصواتهم المنسقة الجميلة وروحانيتهم الفياضة ، وسماحتهم مع الصبيان الصغار وتواضعهم لهم ، فواظب الصبي حسن البنا علي هذه الجلسات وتوطدت صلاته بالشباب منهم وتعرف في هذه الحلقات علي أحمد أفندي السكري .
ثم واظب البنا علي الوظيفة الزروقية صباحا و مساء والتي كانت عبارة عن بعض آيات القرآن وأحاديث من أدعية الصباح والمساء وضع والده عليها تعليقا جاء فيه بأدلة صيغها جميعًا تقريبًا من الأحاديث الصحيحة وسمي الرسالة " تنوير الأفئدة الزكية بأدلة أذكار الزروقية " .
ثم زاد تعلق البنا بالطريقة الحصافية ومؤسسها عندما قرأ كتاب " المنهل الصافي قي مناقب حسنين الحصافي " حيث تعرف علي شيخ الطريقة الأول ووجد أنه عالم أزهري تفقه علي مذهب الإمام الشافعي وبلغ درجة عالية من العلم ، وكان طائعًا لله محافظا علي عباداته ، ومؤديا للفرائض حريصا علي السنة والنوافل ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، منتصرا للكتاب والسنة محاربا للبدع والخرافات التي كانت منتشرة في الطرق الصوفية حينذاك ، وكان أعظم ما أثر في نفس حسن البنا من سيرة هذا الشيخ هو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، لا يخاف في الله لومة لائم ، يأمر الكبار والصغار ، يأمر أتباعه ومريديه بالتزام السنة والشرع والبعد عن الخرافة وكذلك الكبار حتى الخديوي توفيق .
وكان من تعلق البنا بشيخ الطريقة أن رآه في المنام علي صورة رسمها له في خياله وزادته تعلقا به حيث يروي البنا : " وزادني تعلقا بالشيخ الجليل رحمه الله أنني رأيت في هذه الأثناء وعلي أثر تكراري للقراءة في المنهل ، فيما يري النائم أنني ذهبت إلي مقبرة البلد ، فرأيت قبرا فخما يهتز ويتحرك ثم زاد اهتزازه واضطرابه حتى انشق فخرجت منه نار عالية امتدت إلي عنان السماء ، وتشكلت فصارت رجلا هائل الطول والمنظر ، واجتمع الناس عليه من كل مكان فصاح فيهم بصوت واضح مسموع وقال لهم : أيها الناس إن الله قد أباح لكم ما حرم عليكم فافعلوا ما شئتم . فانبريت له من وسط هذا الجمع وصحت في وجهه " كذبت " والتفت إلي الناس وقلت لهم : " أيها الناس هذا إبليس اللعين وقد جاء يفتنكم عن دينكم ويوسوس لكم فلا تصغوا إلي قوله ولا تسمعوا كلامه " فغضب وقال : " لابد من أن نتسابق أمام الناس فإن سبقتني ورجعت إليهم ولم أقبض عليك فأنت صادق " فقبلت شرطه وعدوت أمامه بأقصى سرعتي وأين خطوي الصغير من خطوة الجبار ، وقبل أن يدركني ظهر الشيخ – رحمه الله – من طريق معترض وتلقاني في صدره واحتجزني بيساره ورفع يمناه مشيرا بها إلي هذا الشيخ صائحًا في وجهه أخسأ يا لعين فولي الأدبار واختفي ، وانطلق الشيخ بعد ذلك فعدت إلي الناس وقلت لهم : أرأيتم كيف أن هذا اللعين يضلكم عن أوامر الله .
" وظل البنا معلق العقل بالشيخ وبالطريقة التي التقي بابن الشيخ وشيخ الطريقة السيد عبد الوهاب الحصافي الذي تلقي عن الطريقة الحصافية الشاذلية وبايعه وأذن له بأورادها ووظائفها .
لقد كان تعرف حسن البنا علي الطريقة الحصافية وانضمامه لها من عناية الله به ، فقد تعرف عليها وهو بين الثانية عشر من عمره في فترة البلوغ وفترة المراهقة فعصمه الانضمام من الانغماس في اللهو مثل أقرانه وكذلك عصمه من الانحراف ، وربت فيه مراقبة الله والخوف من عذاب الله والرغبة في جنته ، وكذلك وفرت له سبل تفريغ طاقته الروحية والجسمية بطريقة صحيحة . وقد وجد الإمام في بعض من سبقه في الطريقة أمثلة للتعبد الصحيح وكذلك بعض أهل العلم . وقد استفاد البنا من هذه الطريقة كثيراً .
فقد علمه شيخ الطريقة وابن مؤسسها الشيخ عبد الوهاب الحصافي البعد عن الجدل وعدم صرف الأوقات إلا في طاعة الله ، وعدم شغل أوقات الأتباع إلا بالمفيد النافع ، وقد كان الشيخ مثالا في ذلك وغيرها من الخصال النافعة " .
يقول الإمام الشهيد : " وجزي الله عنا السيد عبد الوهاب خير الجزاء ، فقد أفادتني صحبته أعظم الفائدة ، وما علمت عليه في دينه وطريقته إلا خيرا ، وقد امتاز في شخصيته وإرشاده ومسلكه بكثير من الخصال الطيبة : ومن العفة الكاملة عما في أيدي الناس ومن الجد في الأمور والتحرز من صرف الأوقات في غير العلم أو التعلم أو الذكر أو الطاعة أو التعبد ، سواء أكان وحده أم مع إخوانه ومريديه ، ومن حسن التوجيه لهؤلاء الإخوان وصرفهم عمليا إلي الأخوة والفقه وطاعة الله .
وأذكر من أساليبه الحكيمة في التربية أنه لم يكن يسمح للإخوان المتعلمين أن يكثروا الجدل في الخلافيات أو المشتبهات من الأمور أو يرددوا كلام الملاحدة أو الزنادقة أو المبشرين – مثلا – أمام العامة من الإخوان ، ويقول لهم : اجعلوا هذا في مجالسكم الخاصة تتدارسونه فيما بينكم ، فقد تعلق بنفس أحدهم الشبهة ولا يفهم الرد فيتشوش اعتقاده بلا سبب وتكونون أنتم السبب في ذلك .
وظهر أثر هذه التربية في توجيهات الإمام البنا لإخوانه مثل " دع المراء فإنه لا يأتي بخير " وقوله : " الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك علي أن ينتفع بوقته " .
وقد كان لبعض الإخوان الحصافية فضل علي البنا وأثر في تربيته الروحية من حسن صلته بالله ومراقبته وخوف من عذابه ورغبة فيما عند الله فقد كان الشيخ محمد أبو شوشة من رجال الحصافية وكان يجمع بعض الشباب ( وكان البنا يحضر هذه الاجتماعات ) ويذهب بهم إلي المقبرة حيث تتم زيارة القبور ثم يجلسهم في مسجد قريتهم . يذكرون الله ويذكَُرهم ويعظهم ويعرفهم بسير الصالحين ويبصرهم بمصير الأولين والآخرين ، ثم يأمر بعضهم بنزول القبر والاضطجاع فيه حتى يتذكر مصيره ثم يأمرهم بالتوبة إلي الله وبالإقلاع عن المعاصي ، كما كان البنا يحضر دروسا في شرح الإحياء للشيخ حسن خزبك وكان يعتكف الليالي الكثيرة مع الإخوان الحصافية سواء في مسجد الحي أو مصلي الحطاطبة عند كوبري إفلاقة .
وكان انغماس البنا في التصوف ومع الإخوان الحصافية يتيح له تفريغ طاقته الجسدية ، فكان رغم قيامه الليل ومواظبته علي مجالسهم بدمنهور يحضر دروسه بالمدرسة ويذاكر هذه الدروس بجد واجتهاد ، فضلا عن مشاركته في الأنشطة الطلابية والأنشطة الاجتماعية ، وكذلك الأنشطة الوطنية ، وكان في أيام الجمع التي يقضيها في دمنهور يقوم هو وزملاؤه بزيارة مسجد إبراهيم الدسوقي سيرا علي الأقدام جيئة وذهابا يقطعون فيها حوالي أربعين كيلو متراً سيراً علي الأقدام .
أما إذا ذهب في نهاية الأسبوع إلي المحمودية فإن هناك برنامجًا يستنفد طاقات هذا الغلام فيقول الإمام : " كنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ، ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ، ثم إلي المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصلاة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد وفي الصباح إلي المدرسة ، وكان هذا البرنامج في الصيف يضاف إليه عمل جديد وهو المذاكرة كل صباح من طلوع الشمس تقريبًا إلي الضحوة الكبرى مع أستاذنا الشيخ محمد خلف نوح في منزله .
وقد ظل البنا في الطريقة الحصافية حتى أسس جمعية الإخوان المسلمين ، وقد تركت مرحلة التصوف آثارها علي نفس البنا وأثرت في دعوته ، فنجد البنا يسمي أذكار الصباح والمساء بالوظيفة ، وكذلك في نظام الكتيبة نجد فيها الصلاة والقيام والتقشف في المأكل والنوم وكذلك دروس التكوين الروحي ، كل ذلك من آثار الصوفية وتجده يذكر في خصائص دعوة الإخوان أنها حقيقة صوفية ، والبنا في ذلك يقصد بالصوفية ما كان يسميه " علوم التربية والسلوك " وهي التي ترسم له طريقة خاصا من مراحل الذكر والعبادة ومعرفة الله ، ونهايته تكون إلي الجنة ومرضاة الله وهذا الذي قصده البنا من أن دعوته حقيقة صوفية .
البنا والحركة الوطنية
" علي الرغم من انضمام البنا وهو في سن صغيرة إلي الصوفية وانشغاله بالأوراد والصلاة وزيارة الأولياء ، إلا أن ذلك لم يمنعه وهو تلميذ في الإعدادية ، وفي سن الثالثة عشر من المشاركة في الحركة الوطنية وقيادة زملائه في المظاهرات والإضرابات التي كانت تنظم في المدرسة ، بل يكتب شعرا يرثي فيه الزعيم الوطني محمد فريد ، ويهاجم في إصرار لجنة "ملنر" ولقد جمع من هذه البواكير ديوانًا كبيرا .
يقول الإمام البنا : " ولازلت أذكر يوم دخل علينا أستاذنا الشيخ محمد خلف نوح – المدرس بالمعارف بالإسكندرية – والدموع تترقرق في عينيه فسألناه الخبر فقال : " مات محمد فريد بك " وأخذ يحدثنا عن سيرته وكفاحه في سبيل الوطن حتى أبكانا جميعًا وأوحت لي هذه الذكري ببعض الأبيات لازلت أحفظ مطلعها وشطراً آخر :
أفــريد نم بالأمـن والإيـمـان أفــريد لا تـجـزع عـلـي الأوطـان
أفــريد تفـديـك البـلاد بـأسـرهــا
ولازلت أذكر حديث الناس حول لجنة ملنر وإجماع الأمة علي مقاطعتها ، وكيف كان هذا الشعور فياضا غامرا حتى إنه يدفع بتلميذ الثالثة عشر إلي أن يقول :
يـا مـلـنـر ارجـع ثـم سـل وفــدا ببــاريـس أقــام وارجـع لقــومك قــل لـهـم لا تـخـدعـوهم يـا لـئـام
في قصيدة طويلة لا أذكر منها إلا هذين البيتين .
وبعد أن انتقل إلي مدرسة المعلمين بدمنهور استمر حسن البنا في المشاركة في فعاليات العمل الوطني ضد الإنجليز وأعوانهم ، وقد كان في المقدمة من زملائه حيث كان رغم اشتغاله بالتصوف يعتقد أن الخدمة الوطنية جهاد مفروض لا مناص منه ، وكان للبنا دور بارز مع الطلاب في قيادة الإضرابات حيث كان المجموعة القيادية ، يقول البنا : ( ولست أنسي أستاذنا الشيخ الدسوقي موسي ناظر المدرسة الذي كان يخشي هذه التبعات كثيرا وقد أخذ بيدنا إلي مدير البحيرة حينذاك – محمود باشا عبد الرازق – وألقي مسئولية إضراب الغير علينا ، وقال : إن هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يقنعوا الطلاب بالعدول عن إضرابهم . وعبثا حاول محمود باشا أن يقنعنا بالوعد أو الوعيد أو بالنصح ، ثم صرفنا علي أن نتدبر الأمر . فكان تدبيرنا أن أوزعنا إلي الطلاب جميعًا بالتفرق في الحقول المجاورة طول اليوم وكان يوم 18 ديسمبر ذكري الحماية البريطانية ، وذهبنا نحن إلي المدرسة وسلمنا أنفسنا لإدارتها وانتظرت وانتظرنا من يجيء ولا من يجيب ، فانصرفنا بعد فترة رغم الإضراب وانتهي اليوم بسلام .
بل إن البنا ليشارك في الإعداد للإضراب ويواجه ضابط البوليس الذي جاء ليقبض عليه وزملائه ، ويذكره بواجبه الوطني حتى يرجع الضابط عن مهمة القبض عليهم ويطمئنهم ويؤمنهم ، فكان مما قاله البنا للضابط ليصرفه : " إن واجبه الوطني يفرض عليه أن يكون معنا ، لا أن يعطل عملنا ويقبض علينا ، ولا أدري كيف كانت النتيجة . إنه استجاب لهذا القول فعلا ، فخرج وصرف عساكره وانصرف معهم بعد أن طمأننا " .
علاقة الإمام البنا بزعماء التيار الإسلامي المعاصرين له
لقد كان للإمام البنا علاقات واسعة بكل زعماء التيار الإسلامي المعاصرين له ، وتأثر بهم وأثر فيهم ومن هؤلاء :
1– السيد / رشيد رضا
كان الإمام البنا علي صلة وثيقة بالشيخ رشيد رضا وأسرته منذ كان طالبًا بدار العلوم ، وكانت دار مجلة المنار ملتقاه بأكثر من التقي بهم من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك العهد ، واتخذت أكثر المقررات في مواجهة المؤامرات ضد الإسلام في تلك الدار ، وظل الأستاذ علي اتصال بالشيخ بعد قيام دعوة الإخوان وكان يستشيره في كثير من الأمور .
وقد أشار البنا إلي لقاءاته المتكررة به ، وحرصه علي قراءة المنار وأثني كثيراً علي جهود رشيد رضا ومجلته ، واعتبر أنها " أسست مدرسة فكرية إسلامية تقوم علي قواعد الإصلاح الإسلامي الجليل لازالت آثارها باقية في نفوس النخبة المستنيرة من رجال الإسلام ، ووقفت للملحدين والإباحيين والجامدين بالمرصاد في مصر وغيرها من الأقطار . وقد تولي البنا تحرير مجلة المنار بعد وفاة الشيخ رشيد رضا بعدة سنوات ، واجتهد البنا أن تصدر بنفس شكلها القديم فقام باستكمال تفسير القرآن من حيث انتهي الشيخ رشيد ، وكان حريصًا علي أن يكون بنفس أسلوبه " تفسير سلفي أثري مدني عصري إرشادي اجتماعي سياسي " وقام بشرح هذا الأسلوب في أول حلقة من تفسيره ، ثم إضافة إلي التفسير قام بتحرير " فتاوى المنار " ليرد فيه علي أسئلة القراء ، وباب " موقف العالم الإسلامي السياسي " ليورد فيه أهم أخبار العالم الإسلامي ، ويعلق عليها . كما دأب علي نشر سلسلة من المقالات للشيخ رشيد رضا اعترافًا بفضله ، وتأكيداً لتعاليمه .
وقد كان البنا يعتبر جماعة الإخوان المسلمين الجماعة التي تمني الشيخ رشيد رضا أن يوجدها حيث قال : " سيكون المنار منذ هذا العام ( 1354هـ - 1935م ) لسان جماعة للدعوة إلي الإسلام وجمع كلمة المسلمين ، أنشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد . لذلك فقد كتب البنا في افتتاحية المنار بعد استأنف تحريرها يقول معلقًا علي أمنية الشيخ رشيد السابقة : " يا سبحان الله إن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رضا رحمه الله ، ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ، ولقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ، ويرجو لها خيراً كثيراً ، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليها بخطة : " من المؤلف إلي جماعة الإخوان المسلمين النافعة " ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة عبئه / وأن تتم ما بدأ به ، وأن تحقق فيها أمنية من أمانيه " .
ولقد ظل البنا متأثراً بالشيخ رشيد رضا حتى النهاية خاصة بمنهجه في تحرير المنار ، فعندما أصدر البنا مجلة الشهاب أكد مجدداً في افتتاحية عددها الأول علي وفائه للشيخ رشيد رضا ، وأمنيته أن تسير " الشهاب " علي أثر " المنار " وقد كان إلا أنه لم يصدر منها سوي خمسة أعداد فقط ثم أغلقت .
2 – الشيخ / محب الدين الخطيب
ترجع أهمية شخصية السيد محب الدين الخطيب – وهو من أصل سوري – إلي اعتبارات عديدة تتصل بثقافته الواسعة ونشاطه الحركي المكثف ، وخاصة في ميدان عضويته وتكوين الجمعيات والأحزاب والتنظيمات العلنية والسرية في بلدان عربية مختلفة ، ومن ذلك قيامه بتأسيس حلقة دمشق الصغرى أسوة بحلقة دمشق الكبرى التي أسسها الشيخ طاهر الجزائري ، وعضويته بجمعية النهضة العربية ، وبحزب اللامركزية العثمانية ، ومشاركته في تأسيس جمعيته العربية الفتاة وغيرها ، وكان علي صلة بدائرة واسعة من الشخصيات والقيادات الفكرية والسياسية البارزة من أمثال الشيخ طاهر الجزائري ، والشيخ جمال الدين القاسمي ، ورفيق العظم ، ومحمد كرد علي ، وعبد الحميد الزهراوي ، والسيد رشيد رضا ، وغيرهم .
وبعد أن استقر به المقام في مصر نشط في مجال الصحافة والنشر والدعوة للإصلاح والتحذير من المخاطر التي يتعرض لها المسلمون ، وركز علي دعوته في الإصلاح علي ناحيتين : الصحافة والتربية ، وإصلاح نظام التعليم ، وفي عام 1343هـ- 1924م أعاد تأسيس المكتبة السلفية ، وأنشأ المطبعة السلفية التي صدرت عنها مجلة الفتح ثم كان من أبرز مؤسسي جمعية الشبان المسلمين ( 1346هـ - 1927م ) .
عرف الإمام البنا محب الدين الخطيب أثناء دراسته في دار العلوم ، حيث كان يتردد علي المكتبة السلفية : " حيث نلقي الرجل المؤمن المجاهد العامل القوى العالم الفاضل الصحفي الإسلامي القدير : السيد محب الدين الخطيب " وكان يتلقي فيها بكثير من كبار العلماء وكتاب مجلة الفتح " أمثال الشيخ رشيد رضا والشيخ مصطفي صبري والشيخ محمد الخضر حسين ، والشيخ يوسف الدجوي ، والشيخ عبد الوهاب النجار " وقد أورد في مذكرات الدعوة والداعية ما يؤكد أنه كان وثيق الصلة بمعظمهم . وقد شارك البنا بجهد كبير – بل لعله كان بمثابة الشرارة الأولي – ضمن الجهود التي ظهرت علي أثرها مجلة الفتح ، ثم تأسست في العام التالي لها جمعية الشبان المسلمين ، يبدو ذلك – طبقاً لما يرويه البنا – أنه ارتبط مع السيد محب الدين الخطيب بصلة وثيقة ، حيث نشرت أولي مقالاته – وكان لا يزال شابًا حديث التخرج – في مجلة الفتح ، وعندما صدرت مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية أسندت إدارتها إليه ، وطبعت بالمطبعة السلفية لمدة عامين ، كما أسهم محب الدين الخطيب في تحرير جريدة الإخوان المسلمين اليومية بعد ذلك ، وكان يرأس القسم المتعلق بالعالم الإسلامي .
3 – الشيخ / يوسف الدجوي
كان الشيخ يوسف الدجوي من كتاب مجلة الفتح ، وكان البنا يقرأ له كثيراً ويلتقي به مع باقي العلماء في المكتبة السلفية ، وكان الرجل سمح الخلق ، حلو الحديث ، صافي الروح بحكم النشأة الصوفية ، وكان بين البنا وبينه صلة روحية وعلمية حملته علي زيارته الفينة بعد الفينة ، وكان بين البنا بما في نفسه من الإصلاح وضرورة مواجهة الملحدين والإباحيين وجرائدهم ومجلاتهم بعمل إيجابي ، وظل البنا يلح عليه إلي أن استجاب وبدأ العمل فظهرت مجلة الفتح ، ثم تكونت بعدها جمعية الشبان المسلمين .
4 – الأستاذ / محمد فريد وجدي
كان الأستاذ محمد فريد وجدي ( 1295- 1373هـ = 1878- 1954م ) من رواد تجديد الفكر الإسلامي عن طريق استيعاب ونقد الفكر الغربي ، وهو صاحب مجلة الحياة ، ودائرة معارف القرن العشرين ، وله مؤلفات كثيرة أخري ، وكانت له آراء كثيرة أثارت الجدل وتعددت بشأنها وجهات النظر . وكانت للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا – والد حسن البنا – صداقة بالأستاذ محمد فريد وجدي ، فكان حسن البنا أثناء وجوده في القاهرة كثيراً ما يذهب إليه حيث كانت داره مجتمع الفضلاء من الناس يتدارسون علومًا شتى ثم يخرجون للنزهة .
وحدث ذات مرة أن دارت بين البنا والأستاذ محمد فريد وجدي مناقشة حول شخصية الأرواح يقول البنا : إذا كان فريد بك يري أن الأرواح التي تستحضر هي أرواح الموتى أنفسهم ، وأري غير ذلك ، وتشعب بنا البحث في هذه الناحية وانتهينا وكل عند وجهة نظره ، وقد أفدت كثيراً من هذه المجالس حينذاك " .
5 – الشيخ /طنطاوي جوهري
عمل أستاذاً بدار العلوم فترة طويلة ، وكان ذائع الصيت في مصر وفي خارج مصر ، وكثيراً ما كان يقصده العلماء من البلاد الشرقية ومن الغرب : من أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، يتلقون علي يديه علومًا معينة ، وكان يلقب " بحكيم الإسلام " وله كتب عديدة ، أهمها تفسيره للقرآن المسمي " الجواهر " بلغ 32 جزءاً تقريبًا وقيل عن علمه : " لا ينحصر في دائرة محدودة " .
وبعد اقتناع الشيخ طنطاوي جوهري بالدعوة قال له الشيخ البنا : يا سيدي الأستاذ إنك أستاذنا وأستاذ الجميع ، وأنت حكيم الإسلام ، وأراك أحق بمنصب الإرشاد لهذه الدعوة مني وهذه يدي أبايعك .. فقال الشيخ : لا يا أخي .. أنت صاحب الدعوة وأنت أقدر عليها وأنت أقدر بها ، وأنا أبايعك علي ذلك ، ومد يده فبايعه ، ولم ينكث – رحمه الله – بيعته إلي أن لقي ربه .
كان الشيخ طنطاوي جوهري يحاول من خلال جهوده العلمية المكثفة أن يؤكد أن الإسلام دين العقل والتجدد لا دين التسليم والتقليد ، وقد تميز منهجه في هذا الصدد " باستخدام أساليب الغرب المهاجم بعد استيعابها والاستفادة منها ، ولذلك دعا علماء المسلمين وشبابهم إلي الاستعانة علي توثيق إيمانهم بدراسة العلوم الطبيعية الحديثة ، وحثهم علي ارتياد آفاق المعرفة ، واعتبار ذلك تكليفًا شرعيًا يتم به إيمانهم ويصبحون أهلا لأن يستخلفهم الله في إصلاح الأرض وهداية أهلها .
سمع الشيخ طنطاوي جوهري عن الشيخ حسن البنا ، فذهب إليه وسأله إلام تدعو ؟ قال : أدعو إلي القرآن فقال : دع هذا اللفظ الكريم من حديثنا فإن هذا اللفظ مظلوم ظلمًا من فرقة قامت في الدولة الإسلامية مهما كانت زائفة عن الإسلام إلا وادعت أنها تدعو إلي القرآن ، فأجبني بتفاصيل ما تدعو إليه في كل ناحية من نواحي الحياة . قال : فشرح لي تفاصيل دعوته فوجدتها في حدود كتاب الله .."
ثم عايش الشيخ طنطاوي جوهري الشاب حسن البنا فرأي فيه صفات القائد الذي يفتقده العالم الإسلامي في آرائه وفهمه لكتاب الله ، وإحاطته بالتاريخ ، وفهمه للمجتمع الذي يعيش فيه ، وذكائه ، وألمعيته ، وشخصيته الأخاذة ، ومقدرته علي جمع الناس علي دعوته ، صبره علي المكاره ، وتعففه عما في أيدي الناس ، وبذله في سبيل دعوته ، ولين جانبه ، وتواضعه بحيث لا تكاد تميزه من أتباعه .
وهكذا كانت تربط البنا بكثير من العلماء وقيادة الفكر في المجتمع صلات كثيرة ووثيقة ، تعرضنا لبعضهم علي سبيل المثال ، ونذكر منهم أيضاً الأمير شكيب أرسلان ، والشيخ مصطفي صبري المنفلوطي ، ومصطفي صادق الرافعي ، وتيمور باشا ، ومحمد إقبال ، وغيرهم ، وهذا يوضح لنا المناخ الفكري العام الذي أحاط بالإمام من خلال هؤلاء وأمثالهم ما يمكن أن يكون قد تأثر به البنا بشكل أو بآخر ، وكان له بعد ذلك أن يأخذ ويدع ، ويقبل ويرفض ، وينتقد ويصحح ، حسب فكره ومنهجه ، ودعوته .
شيوخ الإمام البنا وبعض تلاميذه
لقد كان لنشأة حسن البنا في بيت صالح ، وتعلمه علي يد أساتذة أجلاء أثر كبير في حياته وثقافته ، نظراً لأن البنا تدرج في التعليم بدءاً من التعليم في مدرسة الرشاد الدينية حتى تخرجه في دار العلوم ، فقد أخذ عن كثير من الأساتذة وتأثر بهم ، إضافة إلي غيرهم من المشايخ في كان يحضر دروسهم ، ومن هؤلاء الأساتذة الذين أخذ عنهم حسن البنا .
شيوخ الإمام البنا
1 – والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا
وقد سبق التعريف بالشيخ رحمه الله .
2 – الشيخ محمد زهران
الشيخ محمد زهران أحد علماء المحمودية ، اشتغل بتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم ، وكان يدرس للعامة في المسجد ويفقه السيدات في البيوت . وكان ذا همة عالية وغيرة شديدة دفعته لإنشاء مدرسة الرشاد الدينية سنة 1333هـ - 1915م لتربية النشء ، وأصدر مجلة شهرية هي مجلة " الإسعاد " التي ظل يحررها حتى سنة 1347هـ - 1928م ، وتتناول تعاليم الدين وأسراره ، وفوائد في التاريخ واللغة والأدب والشئون الاجتماعية ، وكان له أسلوب مؤثر يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين طلابه يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً ؛ فيجازيهم علي الإحسان أو الإساءة جزءاً أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة .
وقد التحق حسن البنا بمدرسة الرشاد الدينية وهو في الثامنة من عمره ، وقد درس فيها البنا الأحاديث النبوية ، فكان الشيخ محمد زهران يتناول كل أسبوع شرح حديث ويحفظه للصبيان ، حتى ينتهي العام وقد حفظ كل منهم كثيراً من الأحاديث النبوية . ودرس البنا كذلك في مدرسة الرشاد الدينية الإنشاء والقواعد والتطبيق والأدب والمطالعة والإملاء والمحفوظات النثرية والشعرية .
وقد توطدت علاقة حسن البنا بشيخه محمد زهران لعلاقة والده به ، فكان كثيراً ما يصحبه إلي مكتبته ويطلعه علي ما فيها من فنون العلم ينهل ما يشاء منها ، ويحضر مجالسه العلمية مع أصحابه فيستمع البنا إلي ما يدور بينهم من مناقشات علمية .
وقد استفاد حسن البنا من تلمذته للشيخ محمد زهران استفادة ثقافية كبيرة حيث كانت معظم محفوظات البنا من الحديث الشريف ترجع إلي ما حفظه من شيخه محمد زهران ، إضافة إلي قراءته في مكتبته وحضور مجالسه ، واستفاد كذلك من أسلوبه التربوي في التدريس وعلاقة المدرس بتلميذه .
وقد ترك البنا مدرسة الرشاد وهو في الثانية عشر من عمره لما شغل عنه شيخه ولم يحفظ إلا نصف القرآن ليلحق بالمدرسة الإعدادية ، محملاً بحب شيخه وتقديره .
3- الشيخ عبد الوهاب الحصافي
هو شيخ الطريقة الحصافية في دمنهور خلفا لوالده الشيخ حسنين الحصافي ، وقد تلقي عنه حسن البنا – أثناء دراسته في مدرسة المعلمين بدمنهور – الطريقة الحصافية ووظائفها في 4 رمضان 1341هـ وقد استفاد البنا من الأساليب التربوية الصوفية من صيام وعزلة وصمت وزيارة للأولياء وغيرها . وتأثر أيضًا بسيرة الشيخ حسنين الحصافي بعد أن قرأ كتاب " المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي " في سيرته وأعجب البنا بشدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كان في حضرة عظيم .
ومن خلال مصاحبته للشيخ عبد الوهاب الحصافي لمس فيه البنا من خلال الطيبة وتأثر بها في عدم الخوض في الخلافات أو المشتبهات من الأمور ، والجد والتحرز من صرف الأوقات في غير العلم أو التعليم أو الذكر أو الطاعة . وقد ظل البنا علي تقديره للشيخ عبد الوهاب الحصافي ووالده بعدما أنشأ جمعية الإخوان المسلمين .
4- الشيخ محمد أبو شوشة
الشيخ محمد أبو شوشة أحد تجار المحمودية ومن صالحيها ، وكان كثيراً ما يأخذ نفسه بالجد والاجتهاد في العبادة وتذكر أمور الآخرة ، ويقص عليهم بالمسجد حكايات الصالحين وأخبارهم فكان له أثر في تربية البنا الروحية .
وقد توافر للإمام حسن البنا في مدرسة المعلمين كثير من الأساتذة الذين تميزوا بالصلاح والخير والروح العلمية التي تشجع الطلاب علي البحث والدرس ومنهم : الشيخ عبد الفتاح أبو علام: أستاذ الشريعة والتفسير والحديث بمدرسة المعلمين بدمنهور ، وكان البنا كثيراً ما يتناقش معه حول ما يوجه للتصوف من نقد ، وكان أستاذه يغمره بمحبته ورغبته في توجيهه ، ولذلك كان البنا يحبه ويقدره .
ودرس له أيضًا الأستاذ عبد العزيز عطية مادة " التربية العملية " وقد لمس في البنا نبوغًا وذكاء فريداً ، فكان يشجعه علي القراءة والدرس ، واختصه بتصحيح بعض بروفات كتابه " المعلم " في التربية الذي يكاد يطبع في ذلك الوقت بدمنهور .
ولما التحق حسن البنا بدار العلوم أخذ العلم عن أساتذتها ، ومنهم الشيخ محمد عبد المطلب وهو أحد الشعراء المشهورين في العصر الحديث ، ويوصف بأنه حجة في الأدب واللغة ، وله اهتمامات علمية متنوعة حتى أنه وضع سلسلة من الروايات التاريخية التمثيلية .
كما تلقي كذلك عن الشيخ موسي أبو قمر رجلاً كريمًا جواداً وكان حسن البنا علي علاقة طيبة به ، والشيخ أحمد بدير والشيخ علام موسي الذي برع في الأدب ، والأستاذ أحمد يوسف نجاتي الذي امتحنه الشفوي حين تقدم لامتحان دار العلوم .
تلاميذ الإمام البنا
بذل حسن البنا جهوداً كبيرة في سبيل نشر الدعوة وساح في أنحاء القطر المصري والتقي بكثير من الشخصيات التي آمنت بالدعوة وحملت لواء نشرها ، حتى انتشرت في ربوع القطر المصري وخارجه ، وتواصلت الأجيال التي حملت لواء الدعوة جيلاً بعد جيل حتى عصرنا هذا ، ولذلك فإننا إذا تحدثنا عن تلامذة الإمام البنا ، فإنما نتحدث عن كل من ينتمي إل الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي ، فإن هؤلاء جميعًا استوعبوا فكر حسن البنا ودعوته وجاهدوا في سبيلها وإن لم يتلقوا جميعًا منه فقد تلقوا عن تلامذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه يصعب علينا أن نشير إلي جميع تلامذته ، وما تركه من تراث مكتوب ، ولذلك فإنه يصعب علينا أن نشير إلي جميع تلامذة الإمام حسن البنا ، لذا فإننا سنكتب إلماحة موجزة عن بعض تلامذته من القيادات الإخوانية مثل :
1 – الأستاذ عمر التلمساني
هو الداعية المربي الأستاذ عمر عبد الفتاح بن عبد القادر مصطفي التلمساني ، تولي منصب المرشد العام للإخوان المسلمين بعد وفاة المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي في نوفمبر 1973م ، ترجع أصوله إلي " تلمسان " بالجزائر ، ولد في مدينة القاهرة 1322هـ - 1904م بالغورية ، عمل بالمحاماة وعرف عنه الصلابة والقوة داخل السجون التي قضي بها أكثر من سبعة عشر عامًا حيث دخلها عام 1948م ، ثم عام 1954م ، ثم عام 1981م كما عرف بالزهد والتعفف والخشية من الله وحده دون سواه والحرص علي مرضاته ، توفي في الثالث عشر من رمضان 1406هـ الموافق 22/ 5/1986م بالمستشفي بعد معاناة مع المرض تاركًا ولدين وبنتين ....لمزيد من المعلومات
2 – الأستاذ محمد حامد أبو النصر
هو رابع مرشد للإخوان المسلمين من مواليد 1913م بمدينة منفلوط أحد مراكز أسيوط وكان يعمل مدرسًا إلي جانب أنه من أعيان البلد , وكان جده من كبار علماء الأزهر ، تعرف علي الدعوة من خلال لقاء الإمام البنا معه عام 1934م فبايعه ولم يمر سوي يوم واحد علي تعرفه به واستمر عضواً في مكتب الإرشاد ولم يخرج منه إلا مرة واحدة في أول مكتب إرشاد شكل بعد تولية المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي , تم الحكم عليه في أحداث 1954م ، ولم يخرج إلا في عهد الرئيس أنور السادات وبعد خروجه من الأشغال الشاقة المؤبدة صدر قرار بتحديد إقامته في منزله ، وكان ذلك بسبب إرساله المأكولات والملابس والأدوية إلي إخوانه في السجن ، ظل جنديًا في الدعوة في جميع أطوارها ومراحلها حتى تولي قيادة الجماعة في عام 1986م عقب وفاة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني وتوفي رحمه الله في يناير 1996م ....لمزيد من المعلومات
3 – الأستاذ كامل الشريف
من قادة كتائب الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م ، خرج من مصر عام 1954م وقام عبد الناصر بسحب الجنسية منه ، ولذلك تجنس بالجنسية الأردنية وعينه الملك حسين وزيراً للأوقاف بعد ذلك وله كتابات منها " المقاومة السرية في قناة السويس " ، و " الإخوان المسلمون في حرب فلسطين " ....لمزيد من المعلومات
4 – الأستاذ الشهيد محمد فرغلى
كان الشيخ محمد فرغلى داعية من دعاة الإسلام ومن الرعيل الأول من الإخوان المسلمين , عمل مع الشهيد حسن البنا منذ بدأ دعوته في الإسماعيلية , واختاره الإمام الشهيد لمسئوليات كبار فكان عند حسن الظن به , فكان محدثًا وموجهًا للإخوان في دروس الكتائب والمعسكرات والأسر والرحلات , كما كان رئيس الأخوان بمنطقة الإسماعيلية ولم يكن الشيخ من ذلك النوع من شيوخ الدين الذين يتعلقون بالقشور ويبحثون عن المناصب والمراكز , ولكنه كان مجاهدًا بحق وحسبه أنه ترك وظيفته وأهله , وذهب إلي فلسطين مع رجال جماعته من المجاهدين ، وحين نشبت معركة قناة السويس ترك أهله مرة أخرى واندمج بكليته في المعركة حيث قرر التصدي للإنجليز بالقوة ومقاومتهم وضربهم في أوكارهم ومعسكراتهم ، حتى أصبح هو ويوسف طلعت يحسب لهما الإنجليز وأعوانهم حسابًا شديدًا ويرصدون تحركاتهم ويرصدون جائزة كبرى لرأسه حيًا أو ميتًا ولكنهم لم يفلحون ، وكان من المبادرين إلي الجهاد في فلسطين 1948م فدخلها علي رأس قوة من مجاهدي الأخوان المسلمين ، وكان من أبرز قادة الأخوان الذين قاموا بتدريب إخوانهم الفلسطينيين وشاركوهم في اقتحام مواقع اليهود ومهاجمة مستعمراتهم الذين كانوا يتركونها دون مقاومة بفضل جرأة وإقدام هذا الشيخ وأتباعه ، ونال الشهادة في سجون عبد الناصر علي حبل المشنقة هو وإخوانه الشهداء الخمسة الذين أعدموا جميعًا يوم 7/ 12/ 1954م إرضاء لليهود والإنجليز والأمريكان والروس ، ولكن الشيخ المجاهد وقف شامخ الرأس أمام حبل المشنقة باسمًا في إقدام ، فرحًا في إيمان ، مرددًا قول من سبقوه من إخوانه وهم يمضون في طريق الشهادة وقال قولته الشهيرة : " إنني مستعد للموت ، فمرحبًا بلقاء الله "
وأوردت مجلة " باري ماتش" الفرنسية في عددها الصادر يوم 8/12/1954م الخبر التالي : " في الساعة السادسة من صباح أمس 7/12/1954م رفع العلم الأسود علي سجن القاهرة وسيق المحكوم عليهم بالإعدام يسيرون بأقدام عارية ، وملابس الإعدام الحمراء , وبدأ تنفيذ الأحكام في ستة من الإخوان المسلمين هم : محمود عبد اللطيف , يوسف طلعت ، هنداوى تدوير، إبراهيم الطيب ، محمد فرغلى ، عبد القادر عودة ، الساعة الثامنة ، وقد ذهب المحكوم عليهم إلي المشنقة بشجاعة منقطعة النظير ، وهم يحمدون الله علي حصولهم علي شرف الشهادة ، وقال الشيخ محمد فرغلى : " أنا علي استعداد للموت فمرحبًا بلقاء الله " ولقد عم العالم العربي والإسلامي موجة من السخط الشديد والاستنكار الغاضب ، وأعلن الحداد في بلاد الشام وغيرها علي هؤلاء الشهداء ....لمزيد من المعلومات
5 – المستشار عبد القادر عودة
ارتبط المستشار عبد القادر عودة بجماعة الإخوان في أوائل الأربعينيات ، واختبر وكيلاً للجماعة في عهد المستشار الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين ، وقاد مظاهرة 28 فبراير 1954م التي اضطرت ضباط الثورة إلي إعادة محمد نجيب إلي رئاسة الجمهورية ، وطالبت بالقصاص من جمال عبد الناصر للقتلى الذين سقطوا عند قصر النيل يوم المظاهرة ، ولم تنصرف المظاهرة إلا بأمر عبد القادر عودة ، وكان ثمن هذا الموقف أن حكم عليه جمال عبد الناصر بالإعدام عقب تمثيلية المنشية 1954م ، وأهم كتبه : " التشريع الجنائي في الإسلام " ....لمزيد من المعلومات
6 – الأستاذ صالح عشماوي
هو رائد الصحافة الإسلامية ، الأستاذ صالح مصطفي عشماوي من مواليد القاهرة في 24/12/1910م ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير وتخرج في كلية التجارة 1932م وكان أول دفعته ، عمل بالمصرف الأهلي لمدة سنة واحدة ثم تركه لتعامله بالربا ثم عمل بالأعمال الحرة ، اتصل بدعوة الإخوان المسلمين عام 1937 وأسند إليه رئاسة تحرير مجلة " النذير " ورئاسة تحرير مجلة " الإخوان المسلمين " الأسبوعية سنة 1943 ، ورئاسة تحرير الجريدة اليومية سنة 1946م ، ورأس تحرير مجلة " المباحث القضائية " ومجلة " الدعوة " سنة 1951م وظل يعمل بها حتى عام 1954 حين تم اعتقال الإخوان المسلمين ومصادرة مؤسساتهم وتعطيل نشاطهم ، إلا أنه ظل يصدر بعض الأعداد كل فترة حتى لا تسقط الرخصة . وبعد خروج الإخوان المسلمين من السجون عام 1974م ذهب إلي الأستاذ " عمر التلمساني " المرشد الثالث للإخوان آنذاك ووضع نفسه ومجلته تحت تصرف الإخوان حيث تمت إعادة إصدارها سنة 1976م وظلت تعمل حتى عطلت وسحب ترخيصها عام 1981م ، وتدرج في دعوة الإخوان المسلمين حتى صار وكيلاً لها إبان وفاة الإمام الشهيد حسن البنا ، فتولي المسئولية أما الإخوان لمدة 30 شهراً حتى تم اختيار الأستاذ حسن الهضيبي كمرشد عام للإخوان ، واعتقل بعد حل الإخوان في 8/12/1948م أيام حكم محمود فهمي النقراشي وكذلك إبان قرارات سبتمبر 1981م في عهد الرئيس السادات ، انتقل إلي جوار ربه عمر يناهز 72 عامًا يوم الأحد 11/12/1983م تاركًا ولداً وبنين ....لمزيد من المعلومات
7 – الشيخ محمد الغزالي
هو الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي السقا ، ولد في 22/9/1917م في قرية " تكلا العنب " من " إيتاي البارود " بمحافظة البحيرة بمصر ، حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات ، وتلقي تعليمه في كتاب القرية ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ، حيث أكمل المرحلتين الابتدائية والثانوية ، ثم انتقل للقاهرة حيث درس بكلية أصول الدين سنة 1937م وحصل علي الشهادة العالمية سنة1941م وبعد تخرجه علم إمامًا وخطيبًا ، ثم تدرج في المناصب حتى صار مفتشاً في المساجد ، ثم واعظاً بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد ، ثم مديراً للتدريب فمديراً للدعوة والإرشاد ، وفي سنة 1971م أعير للمملكة العربية السعودية كأستاذ في جامعة أم القرى " بمكة المكرمة " وفي سنة 1981م عين وكيلاً للوزارة ، كما تولي رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات ، وله مؤلفات جاوزت الستين كتابًا في مواضيع شتى بالإضافة للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيها داخل مصر وخارجها ، وتم ترجمة العديد من هذه المؤلفات إلي العديد من اللغات كالإنجليزية والتركية والفارسية والأردية والإندونيسية وغيرها ، قضي في معتقل الطور سنة 1949 حوالي السنة ، وكذلك في سجن طره عام 1965م فترة أخري من الزمن ، توفي في الرياض يوم 9/3/1996م ونقل إلي المدينة المنورة حيث دفن في مقابر البقيع ، وله تسعة من الأولاد وملايين القراء والتلامذة لعلمه وفكره ....لمزيد من المعلومات
8 – الأستاذ عبد الحكيم عابدين
ولد سنة 1914م في قرية " فيدمين " مركز طامية بمحافظة الفيوم ، وكان من أوائل المنتظمين في صفوف الحركة الإسلامية ومن أوائل شعرائها .
تخرج في كلية الآداب بالجامعة المصرية بالقاهرة ، ثم عمل أمينًا لمكتبة جامعة القاهرة ، واختاره الإمام الشهيد ليكون زوجًا لشقيقته باعتباره أول من تخرج في الجامعة ، وبايع علي أن يجعل مستقبله رهنًا بمطالب دعوة الإخوان المسلمين .
تولي الأستاذ عابدين منصب السكرتير العام للإخوان المسلمين ، وقد اعتقل مع إخوانه حين حلت الجماعة في 8/12/1948م ، وخرج من السجن حين ألغت حكومة الوفد الأحكام العرفية سنة 1950م وسقط قرار الحل .
خرج من مصر للحج قبل حادث المنشية 1954م والتحق بالأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام – ساعتها – الذي كان يزور سوريا ورافقه في رحلته إلي سوريا ولبنان والأردن ، ولم يعد بعدها إلي مصر ، لأن الحكومة العسكرية قامت باعتقال جميع الإخوان المسلمين بمصر وزجت بهم في السجون بعد حادث المنشية المفتعل ، وبقي الأستاذ عابدين يتنقل من بلد إلي بلد وبخاصة سوريا ، ولبنان والسعودية والأردن والعراق وغيرها ، يبذل قصارى جهده لنصرة دين الله وإعزاز كلمة الإسلام .
اختاره سماحة الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ليكون مستشاراً للهيئة العربية العليا في بيروت تحت رئاسة سماحته ، كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ليكون مستشاراً لها .
عاد إلي مصر سنة 1975م حيث مارس العمل الدعوي مع إخوانه بقيادة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني ولم يطل به المقام حيث انتقل إلي جوار ربه سنة 1977م بعد عمر حافل بالنشاط الإسلامي داخل مصر وخارجها منذ شبابه حتى آخر مراحل شيخوخته ....لمزيد من المعلومات
9 – الأستاذ صلاح شادي
كان رئيس نقطة بوليس صفط الملوك التابعة لمركز إيتاي البارود بحيرة عندما دعاه صديقه الأستاذ صالح أبو رقيق لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا وكانت هذه المحاضرة هي بداية التحاقه بركب الإخوان المسلمين ، ثم أصبح مسئولاً عن قسم الوحدات الذي شارك في محاربة الإنجليز .
وشارك في الإعداد لثورة يوليو وعرض عليه أن يكون وزيراً للحربية في وزارة الثورة الأولي فرفض ، وقضي في سجون عبد الناصر ما يقرب من عشرين عامًا فما لانت له قناة ثم خرج من السجن ليواصل الجهاد مع إخوانه عاملاً لدين الله حتى آخر يوم في حياته حيث أسلم الروح بعد يوم عمل طويل شاركه فيه الأستاذ مصطفي مشهور حيث توفي وهو جالس بجانبه في السيارة بعد صلاة العشاء وأداء واجب العزاء في وفاة زوجة أحد إخوانه وكان ذلك في عام 1989م ....لمزيد من المعلومات
10 – الشيخ السيد سابق
من علماء الأزهر الشريف انضم إلي جماعة الإخوان المسلمين في بداية شبابه ، وعينه الإمام المرشد مفتيًا للنظام الخاص وكانت هذه التسمية سببًا في أن أطلقوا عليه مفتي الدماء ، كلمه الإمام الشهيد حسن البنا بوضع كتاب مبسط في فروع الفقه فكان كتابه الرائع فقه السنة الذي قدمه له الإمام البنا ، وقد اخرج للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب منها العقائد الإسلامية وإسلامنا وأوقف حياته للدعوة داخل البلاد وخارجها إلي أن لقي ربه ....لمزيد من المعلومات
11 – الأستاذ عبد العزيز كامل
نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف وشئون الأزهر ، الذي جاهد وابتلي كثيراً في سبيل الدعوة ومات عليها بالرغم من بعده عن مصر ردحا طويلاً من الزمن .
12 – الشيخ أحمد حسن الباقوري
وزير الأوقاف وشئون الأزهر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ، ظل مقيماً علي عهده مع جماعة الإخوان المسلمين بالرغم من اختلافه مع الجماعة ، التقي بدعوة الإخوان المسلمين منذ بدايتها مع الإمام البنا وكان زعيمًا لطلبة الأزهر ، كما كان شاعر الإخوان ومن أقرب الشخصيات للإمام البنا ، وتدرج في جماعة الإخوان حتى وصل إلي عضو في مكتب الإرشاد ولم يسمح لنفسه أن يلقي قصيدة خارج نطاق الإخوان في ناد من النوادي ولا في حفل من الأحفال ولا في صحيفة ولا في مجلة .
13 – الدكتور يوسف القرضاوي
ولد عام 1926م في إحدى قري محافظة الغربية بمصر ، ونشأ في أسرة متدينة رقيقة الحال يشتغل أفرادها بالزراعة ، وانتقل والده إلي رحمة الله تعالي وهو في الثانية في عمره ، فكفله عمه وأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1952- 1953م وكان ترتيبه الأول علي دفعته ثم التحق بتخصص التدريس بكلية اللغة العربية ، فحصل علي العالمية مع إجازة التدريس حائزاً المرتبة الأولي علي خمسمائة طالب من كليات الأزهر ، ثم التحق عام 1957م بمعهد البحوث والدراسات العربية العالمية التابع لجامعة الدول العربية فحصل منه علي دبلوم عال في شعبة اللغة والآداب وفي هذه الفترة نفسها التحق بقسم الدراسات العليا في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين ، ثم شرع في إعداد الدكتوراه إلا أن أحداثاً رهيبة حالت دون حصوله عليها عام 1973م بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي ، وتأثر بكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والشيخ محمد رشيد رضا .
اتصل مبكراً بحركة ا؟لإخوان المسلمين مما صحح فهمه للإسلام ، ورسالته في الحياة وواجب دعاته في هذا العصر في وطنهم الصغير ووطنهم الإسلامي الكبير ، وذلك من خلال تأثره أيضًا بمؤسس الحركة الإمام حن البنا الذي قال عنه القرضاوي : إنه أعظم الشخصيات أثراً في حياتي الفكرية والروحية ، وقد أدي انتماؤه إلي هذه الحركة إلي اعتقاله عدة مرات منذ 1949م ثم 1954م ثم 1956م ثم 1962م ، قم بعمل ضخم في سبيل الدعوة الإسلامية في دولة قطر منذ عام 1961م منها إنشاؤه كلية التربية التي صارت نواة لجامعة قطر ، ثم تولي تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة نفسها عام 1977م ، وكذلك أصبح المدير المؤسس لحركة بحوث السيرة والسنة النبوية بجامعة قطر .
شارك في العمل الإسلامي خطيبًا ومحاضراً وكاتبًا ومؤلفًا وداعية ومربياً .. مفكراً ومخططًا .
ترجم العديد من مؤلفاته إلي لغات العالم الإسلامي المتعددة ، وكذلك له دواوين من الشعر في معظم أغراضه ومجالاته .. أمد الله في عمره ....لمزيد من المعلومات
14 – الأستاذ مصطفي السباعي
هو مصطفي بن حسني السباعي من مواليد مدينة حمص بسوريا عام 1915م ، ونشأ في أسرة علمية وكان والده يتولي الخطابة في الجامع الكبير بحمص ، وكان يصحب أباه إلي مجالس العلم ، اشترك مصطفي السباعي في الحركة الوطنية في سوريا التي تكافح الاستعمار الفرنسي ، وهو في السادسة عشر ة من عمره فقبض عليه الفرنسيون لأول مرة 1931م بتهمة توزيع منشورات في حمص ضد السياسة الفرنسية ، ثم أفرج عنه ، وفي عام 1933م ذهب إلي مصر للدراسة في الأزهر ، واشترك سنة 1941م في المظاهرات ضد الإنجليز وكان عقابه السجن .
التقي مصطفي السباعي في مصر بالأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وانضم إلي الجماعة ، واختير ليكون أول مراقب لجماعة الإخوان المسلمين بسوريا سنة 1945م ، واشترك في حرب فلسطين وقاد إخوان سوريا في المعركة ، حصل مصطفي السباعي علي درجة الدكتوراه وعين أستاذاً في كلية الحقوق في الجامعة السورية ، وعندما طلب من الحكومة السورية سنة 1952 السماح بمشاركة الإخوان في سوريا أن ينضموا إلي إخوانهم في مصر في كفاحهم ضد الإنجليز ، صدر الأمر باعتقاله وحل الإخوان في سوريا ، واستمر في الدعوة والكفاح حتى مرض ثماني سنوات وتوفي رحمه الله في يوم 3/10/1964م وترك مؤلفات كثيرة منها : شرح قانون الأحوال الشخصية ، المرأة بين الفقه والقانون وغيرهما ....لمزيد من المعلومات
15 – الأستاذ مصطفى مشهور
هو خامس مرشد الإخوان المسلمين ولد عام 1920م وتخرج في كلية العلوم وعمل بالأرصاد الجوية , وانضم لجماعة الإخوان المسلمين وكان ضمن قيادة النظام الخاص في الجامعة الذي قام بالعديد من الأعمال الوطنية البطولية ومنها قضية السيارة الجيب عام 1948م وحكم عليه بثلاث سنوات , وفي عام 1954م قبض عليه وحوكم بالأشغال الشاقة فلم يخرج إلا في عهد الرئيس المصري أنور السادات أوائل السبعينات , ومع إفراج العمل السياسي في هذا العهد شارك مع بقية الإخوان في إعادة الحركة الإخونية للمجتمع , كما كان له دور بارز في إقامة التنظيم العالي للإخوان المسلمين , وفي فترة المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر كان نائبًا له حتى وفاته ثم تولى القيادة والإرشاد للجماعة منذ يناير 1996م وحتى توفاه الله في 10 رمضان 1423هـ ....لمزيد من المعلومات.
16 – الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري " الشاعر والأديب "
كان الأستاذ عمر الأميري من أوائل من التحقوا بحركة الإخوان في سوريا مع الأستاذ محمد المبارك والأستاذ الشيخ محمد الحامد والشيخ عبد الفتاح أبو غدة وغيرهم ، وبذل جهوداً طيبة لدعم الحركة وأسهم في توجيه شبابها وكان وثيق الصلة بالإمام البنا وبعده الهضيبي يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في الأمور .
للأستاذ الأميري أسلوبه في علاج المشكلات ومواجهة التحديات فهو يؤثر الحكمة واللين والمهادنة مع أصحاب السلطة لإزالة البغض من نفوسهم وعدم استثارة حفائظهم وترغيبهم في الإحسان إلي شعوبهم ، وعندما كان سفيراً لسوريا في باكستان وفي زياراته لمصر في أوائل الخمسينيات كان يجتمع بطلبة البعوث الإسلامية ليعطيهم توجيهاته ونصائحه فيما يتعلق بالعمل الإسلامي وكان يركز علي المؤامرة علي الإسلام وسبب ضياع دولة الخلافة وانقسام المسلمين علي أنفسهم والاستعانة بأعدائهم علي إخوانهم ، بالإضافة إلي تأخر المسلمين علميًا عن ركب الحضارة وانغماسهم في الشهوات وتكالب الأمم عليهم ، وكان يثني علي حركة الإخوان المسلمين ومؤسسها ويري أنها الحركة التي تتوافر فيها مواصفات النهوض بالأمة من كبوتها ، كما يوصي الشباب المتحمس بعدم التعجل والاعتماد علي التربية لإعداد الرجال ....لمزيد من المعلومات
17 – الأستاذ محمد محمود الصواف
كان من أعلام الإسلام ليس في العراق وحدها بل في العالم الإسلامي كله ، صدع بكلمة الحق واستنهض الهمم لإنقاذ فلسطين بعد قرار التقسيم سنة 47 ، وأنشأ جمعية " إنقاذ فلسطين " وسارع إلي الجهاد ، يعد الكتائب ويجهز المجاهدين ويجمع الأموال لدعمهم ، وأسهم وتلامذته في العراق بإسقاط معاهدة ( جبر – بيفن ) الاستعمارية ، وظل يساند المجاهدين في كل مكان حتى غادر العراق مطارداً من الطاغية عبد الكريم قاسم وأعوانه الذين أهدروا دمه ، ولجأ إلي سوريا ثم إلي المملكة العربية السعودية التي آوته وآزرته كما كان له جولات دعوية في أفريقيا وجنوب آسيا لقيت دعمًا كبيرا من الملك فيصل آل سعود أحيا بها روح التضامن الإسلامي ، وكانت له مواقف بطولية أمام تجبر الطغاة والمستعمرين ، ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة العراق وكان أول كتاب صدر له كتاب " صرخة مؤمنة إلي الشباب والشابات " يلهب فيه الحماس ويحرك المشاعر ويدعوهم فيه إلي الحق والخير والالتزام بالإسلام عقيدة شرعية ، وكانت له مواقفه المساندة للثورة الجزائرية مع أخوية الورتلاني والإبراهيمي ودعاهما لزيارة العراق ونظم لهما المؤتمرات الشعبية لمساندة الثورة وقضية الشعب الجزائري ، ولم يترك مدينة بالعراق إلا وزارها ودعا جماهيرها إلي منهج الإسلام وطريق الدعوة ، كما زار معظم الأقطار ينشر دعوة الإسلام ، وفي السنوات العشر الأخيرة من عمره أعطي وقته وجهده للجهاد الأفغاني يناصره ويسانده ويصلح بين فئات المجاهدين ليمنع الفتن التي يكيدها أعداء الإسلام ويخطب ويبكي الحضور ويملأ القلوب إيمانًا وعزيمة ....لمزيد من المعلومات