الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المعارضة المستباحة»
ط (حمى "المعارضة المستباحة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))) |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢٬٣٢٢: | سطر ٢٬٣٢٢: | ||
{{الجزء الثانى من المعارضة المستباحة}} | {{الجزء الثانى من المعارضة المستباحة}} | ||
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]] | [[تصنيف:مكتبة الدعوة]] | ||
[[تصفح الويكيبيديا]] | [[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]] |
مراجعة ٠٣:٢١، ١٠ أغسطس ٢٠١٠
المشاركون في إعداد التقرير
- الباحثون:
أحمد عبد الحي
خيري عمر
عبد الحافظ الصاوي
وسام فؤاد
* مساهمون بأوراق:
صبحي صالح ... نائب بالبرلمان
عادل الأنصاري ... صحفي
ناصر الحافي .... محام
د/ محمد البنا ... دكتوراه في الشريعة
- فريق العمل المركزي:
أسامة الحلو ... محام
حاتم عبد الوهاب ... محام
سيد جاد الله ... محام
علي كمال ... محام
محمد علي ... محام
مصطفى الدميري ... محام
- فريق العمل الميداني:
أحمد عابدين ... محام
أحمد هاشم ... محام
عمرو السيد ... محام
مصطفى الشورة ... محام
- الترجمة: محمد الأنصاري
- الصف الالكتروني: محمد حسن
- الموقع الالكتروني: سيد زكي
- التصحيح: يوسف إسماعيل
- التحرير:
حمدي عبد العزيز
الإشراف العام:
عبد المنعم عبد المقصود
مــديــر المـركـز
مقدمــة
برزت ظاهرة إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري خلال العهد الحالي في مصر منذ عقد التسعينيات ومثّلت المصدر الرئيسي لانتهاك الحق في المحاكمة العادلة حيث طالت مدنيين من كافة شرائح المجتمع لم يكن لهم أي صلة بأعمال العنف، يعبرون عن كبرى القوى المعارضة في البلاد وهم أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وتعد المحاكمة العسكرية الأخيرة لأربعين شخصًا من قيادات وناشطين ورجال أعمال وأساتذة جامعات من جماعة الإخوان المسلمين، هي القضية رقم (7) في سلسلة المحاكمات العسكرية للإخوان، والتي تلجأ إليها السلطات كلما حققت الجماعة انتشارًا شعبيًّا جديدًا وحازت ثقة الشعب المصري.
إن المحاكمة العسكرية الأخيرة لم يشهد لها أحد بالعدالة نظرًا لأنها قيدت حرية معارضين سلميين لم يرتكبوا أي جريمة يعاقب عليها الدستور والقانون، إضافة إلى أن إجراءاتها من بدايتها إلى نهايتها، لم تسترشد بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو تقم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هذه المواثيق.
إن استقلال القضاء معناه أن تبت السلطة القضائية - بوصفها مؤسسة والقضاة كأفراد فيها - في مختلف الدعاوى ويمارسون مسئولياتهم دون تأثير من أحد .. وبهذا المعنى فإن القضاء المستقل يكون وحده القادر على إقامة العدل بشكل نزيه وبالاستناد إلى القانون ومن ثم يكون قادرا على حماية حقوق الإنسان والحريات الشخصية والعامة في البلاد.
وإضافة إلى الاستقلالية يجب أن يكون القضاء "نزيهًا" بمعنى أنه يعبر عن: "حالة عقلية أو ذهنية أو موقف للمحكمة عند النظر للقضايا والأطراف في دعوى بعينها" أو بتعبير آخر: يجب على القضاة أن يكونوا مجردين من جميع الأفكار المسبقة بشأن المسألة التي تطرح عليهم ولا ينبغي لهم أن يتصرفوا على النحو الذي يخدم مصالح طرف من الأطراف"
وتؤكد طريقة الإحالة وتجربة تلك المحاكمة العسكرية بأكملها أن الاستقلال والنزاهة كانا على المحك! ولعل ما يؤيد وجهة النظر تلك ليس فقط غياب أي أدلة مادية على الاتهامات وقرارات الإفراج والحكم التاريخي بوقف قرار الإحالة إلى القضاء العسكري .. إلخ وإنما أيضًا هذه الأحكام القاسية وغير العادلة بحق معارضين سِلْميِّين.
لقد أكدت المواثيق الدولية على أنه حتى في حالة الطوارئ والتهديد بالحروب أو وقوع الكوارث فإن الحق في أن يُحاكَم الشخص من قبل محكمة مستقلة ونزيهة هو حق مطلق لا يمكن الاستثناء منه بأي حال من الأحوال مع ضرورة أن تكفل ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية حتى في أشد الحالات حرجًا.
لكن المحالين في هذه المحاكمة العسكرية لم تتوافر لهم ضمانات المحاكمة المنصفة ولم تصان حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق الدولية، ومن أهمها: عدم التعرض للتمييز أثناء الدعوى أو في الطريقة التي يطبق بها القانون عليهم، والحق في افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة وهو مبدأ يحكم المعاملة الواجب أن يلقاها المتهمون خلال فترة التحقيقات، والحق في محاكمة علنية وجلسة نطق علنية، والحق في محاكمة دون تأخير لا مبرر له ويتصل ذلك ليس فقط بالوقت الذي ينبغي فيه أن تبدأ المحاكمة بل يتصل أيضًا بالوقت الذي يجب أن تنتهي فيه بصدور الأحكام، وحظر المحاكمة أو الاستهداف على ذات الجرم مرتين وهو حق يعكس مبدأ عدم المحاكمة بنفس التهمة أو على جريمة سبق أن أُدِين بها أو بُرِأ منها بحكم نهائي.
وبالتالي فإنه من المنظورين القانوني والحقوقي تكون محاكمتهم باطلة وغير قانونية! فضلاً عن أن سجنهم يؤدي إلى استمرار انتهاك حقهم في الرأي والتعبير المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث أنهم لم يقترفوا أي جرم وتم حبسهم وإحالتهم للقضاء العسكري وإصدار أحكام قاسية وغير عادلة ضدهم لا لشيء سوى أنهم يعبرون عن آراء سلمية معارضة للسلطات.
وتشدد المواثيق الدولية على أنه في حال وجود قيود على حرية الرأي والتعبير فإنه يجب أن تكون قانونية ومفروضة لواحد أو أكثر من الأغراض المشروعة، ونظرًا لأن السلطات الحكومية لم تحدد بدقة التهديد المزعوم لهؤلاء المحالين إلى القضاء العسكري الاستثنائي أو تعطى أدلة مادية على أنهم هددوا الأمن أو النظام العام فإن تقييد حريتهم لن يكون إلا انتهاكًا جديدًا لحقوقهم!.
أما من المنظور السياسي فإن اللجوء إلى القضاء العسكري لاستصدار الأحكام المرغوب فيها لا يعنى سوى السير في اتجاه معاكس للالتزامات بالإصلاح السياسي الذي يشدد عليه الخطاب الحكومي المعلن من خلال العمل على تجديد آليات الاحتواء وتحديث أدوات العنف وابتكار سياسات إقصاء المعارضين معنويًّا وماديًّا وإجبارهم على الانسحاب من الحياة العامة.
إضافة إلى أن السعي المستمر لإضعاف أكبر قوى المعارضة السلمية في البلاد يعبر أيضا عن السير في اتجاه معاكس لما هو مفترض من تصحيح الخريطة الحزبية لكي تتفق مع الواقع الاجتماعي والسياسي في البلاد.
إن تجربة العلاقة بين السلطات وجماعة الإخوان المسلمين تؤكد أن الاعتماد على الضربات الأمنية لا يمكن أن يكون حلاً لمشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، ويحفل الواقع بإشارات ودلالات على أن الحملات الأمنية والمحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين تستدر عطفًا وتأييدًا أكثر مما تُقَوِّض قدرتهم على الحركة.
وفيما يتعلق بتأثير مثل تلك المحاكمات على واقع الديمقراطية والإصلاح في البلاد فإنه من المؤكد أن ما جرى أَثّر بالسلب على الحريات العامة وعكس في الوقت نفسه أزمة شرعية حيث أن قدرة نظام الحكم على تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية يؤدى لبناء سياسات معتدلة مع المعارضة واحترام القانون، أما كثرة اللجوء للقوانين الاستثنائية وضرب قوى المعارضة بالوسائل الأمنية والقضائية الاستثنائية فيمثل الوجه المقابل للتعبير عن تناقص الشرعية السياسية.
ولعل ذلك كله هو ما دفعنا إلى توثيق وتحليل ما جرى في القضية خلال ما يقرب من سنة ونصف بدأت بأحداث جامعة الأزهر وانتهت بصدور أحكام قاسية وغير عادلة في القضية، وذلك من خلال عدد من المحاور أبرزها: السياق السياسي المحلي والدولي الذي أجريت فيه المحاكمة العسكرية، تطورات القضية والجدل القانوني حولها، الأبعاد الفقهية والإنسانية للقضية، الحملات الحكومية الإعلامية والاقتصادية المصاحبة للمحاكمة، تعاطي المجتمع المدني والإعلام – صحافة وإنترنت- مع القضية، شهادات على المحاكمة من محالين للمحاكمة وحقوقيين ومثقفين وسياسيين وإعلاميين .. إلخ، وأخيرا دراسة أثر المتغير الخارجي على الأوضاع السياسية الداخلية واستشراف الوضعية المستقبلية للإخوان المسلمين في إطار الجماعة الوطنية.
وأخيرًا.. يجب التأكيد على أننا لم نبذل جهدًا مضنيًا في هذا الكتاب التحليلي التوثيقي من أجل نصرة سجناء الرأي – مع أن هذا حق علينا – أو لمجرد توجيه وثيقة إدانة واتهام للنظام السياسي بالاستبداد وفقدان الرضا الشعبي.. وإنما بهدف كشف تأثيرات الإحالة للقضاء الاستثنائي على حقوق الإنسان والحريات العامة في بلادنا مع الأخذ في الاعتبار أن واجب الوقت هو الحوار ومد جسور التعاون بين السلطات والمجتمع المدني من أجل سيادة حكم القانون وتحسين سجل حقوق الإنسان.
عبد المنعم عبد المقصود
مدير المركز
ملخص تنفيذي للتقرير
إن محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية المصرية يخالف المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وكما هو معترف به في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت مصر عليه في 1982، فإن لكل شخص الحق في أن تكون قضيته محل نظر من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. وفضلاً عن ذلك، يؤكد الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (الميثاق)، الذي انضمت إليه مصر كدولة طرف، في المادة 26، على "واجب الدول الأطراف ...في أن تكفل استقلالية المحاكم".
وتعد المحاكمة العسكرية الأخيرة لأربعين إصلاحيا من القيادات ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات وعلى رأسهم المهندس محمد خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، هي القضية رقم (7) في سلسلة المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين.
وقد أجمع المراقبون على أن إحالة هؤلاء الناشطين قد تم بعد أن فشلت الحكومة في ضمان إصدار إدانات من قبل المحاكم المدنية العادية، مما اضطرها إلى إحالتهم محكمة عسكرية استثنائية لإصدار الأحكام المرغوب فيها!.
وإضافة إلى المقدمة، والخاتمة والتوصيات، ووثائق القضية يتضمن هذا التقرير عن المحاكمة العسكرية الأخيرة للإخوان المسلمين، الذي يصدره مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز، ثمانية أبواب - تشمل على 18 فصلا - كالتالي:
المحاكمة العسكرية .. السياق السياسي المحلي والدولي
يغطي الباب الأول من الكتاب السياق السياسي للقضية العسكرية بفصلين هما:
الفصل الأول: " البيئـة السياسيـة للمحاكمـات العسكريـة" الذي يحدد ملامح البيئة السياسية التي عقدت خلالها المحاكمة العسكرية الأخيرة من خلال نقطتين:
الأولى: طبيعة النظام السياسي: ويقصد بها الاستبداد الجديد الذي ولد في رحم مرحلة الانفتاح وسمح بوجود الأحزاب والبرلمان وحرية الصحافة وحرية التنظيم والتعبير ولكنه ارتكز على المؤسسات الأمنية بما يعنى أن عنوان المرحلة الجديدة هو : " الأمنوقراطية" وتشير إلى مرحلة جديدة تلعب فيها الأجهزة الأمنية والعقلية السياسية الأمنية دورًا في تعطيل قدرات الجماهير وتوظيفها في الوقت نفسه لاستمرار ما هو قائم.
وفي ظل هذه المرحلة سعى النظام السياسي إلى تحجيم المعارضة عموما وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا فلجأ إلى القضاء الاستثنائي لمواجهتها حيث تنبه المشرع إلى أن الاصطدام المباشر مع السلطة القضائية قد يجلب إليه سوء السمعة دوليا فلجأ إلى وسائل أخرى أقل ضجيجا وأكثر فعالية مثل القضاء الاستثنائي وهو تقليد متوارث منذ عصور الاحتلال الأجنبي.
الثانية: الصعود السياسي للإخوان: حيث بدأت الجماعة في العودة إلى مكانها الطبيعي كأهم قوة شعبية إصلاحية معارضة منذ مبادرتها للإصلاح عام 2004، وتلاه صعودها الانتخابي في الانتخابات البرلمانية عام 2005 عندما فاز 60% من مرشحيها.
وكان من المفترض أن تدفع نتائج الانتخابات البرلمانية كافة الأطراف إلي الاعتراف للإخوان بوضعهم كقوة رئيسة وبحقهم في العمل السياسي الشرعي شريطة أن تنجز الجماعة مشروعا سياسيا لها لكن يبدو أن النظام السياسي قد سعى إلى إرسال رسالة للجماعة مفادها أن شيئا لم يتغير وأن استراتيجية التحجيم والاحتواء ستظل متبعة تجاه الجماعة فضلا عن أنه أطلق حملة تخويف مدروسة عقب الصعود السياسي للجماعة في تلك الانتخابات.
وصاحب ذلك حملات اعتقالات طالت أكثر من 3000 آلاف خلال عامي 2006 و2007 مع استئناف أسلوب المحاكمات العسكرية حيث بدأت هذه القضية الأخيرة بمحضر تحريات لا يستند إلى دليل مادي ويتهم قيادات الإخوان بأنهم يعملون على إعادة إحياء نشاط جماعة الإخوان المسلمين ونشر أفكارها ومبادئها وعقد اجتماعات تنظيمية تهدف للتغلغل داخل القطاع الطلابي وعمل المظاهرات وتعكير صفو الأمن وإشاعة جو من الفوضى .. إلى آخر هذه الاتهامات المتكررة!.
أما الفصل الثاني فيجيء تحت عنوان: " المحاكمة العسكرية فى ضوء تحولات النظام السياسي" ويحلل تركيبة وأداء النظام السياسي فى سياق المناخ الداخلي والخارجي، خلال الفترة 2000 – 2007 م .
ويبدأ الفصل بإلقاء الضوء على التحول الاقتصادي والليبرالي فمن خلاله سعت القوى الخارجية إلى تعزيز هذا التحول بإدماج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى، غير أن هذا التوجه لم يتحول لقناعات لدى المؤسسات السياسية وظل مسألة جدلية فى داخلها.
ثم يتناول التفاعلات داخل النظام المصري والتي تمثلت فى التوسع فى فرض قيود على العمل السياسى العام ، وهو ما اتضح فى قانون الأحزاب، وترسيخ دور القضاء الاستثنائى ، فمن الملاحظ على هذه الفترة ، أنها ارتبطت بداية ونهاية بإحالة مدنيين ينتمون للإخوان المسلمين إلى القضاء العسكرى، وهو ما يعكس طبيعة الثقافة السياسية الإقصائية للنظام القائم .
كما أن تطوير الحزب الديمقراطي كشف عن تركز الإرادة السياسية داخل الحزب الوطنى، حيث ظلت الإرادة السياسية للحزب فى يد الرئيس "مبارك" ، وذلك باستثناء محاولات من بعض النافذين داخل الحزب لترسيخ أوضاعهم التنظيمية، غير أن هذه المحاولات لم تسبب إخلالا بهيمنة الرئيس على شئون الحزب وفى تصعيد الأعضاء للمستويات القيادية.
وما شغل النخبة الحزبية عمليات تطوير الحزب كان الربط بين الارتقاء التنظيمى وبين تعزيز المكانة السياسية فى الدولة، وكان ذلك فى سياق ما يمكن تسميته بتقاسم أكبر قدر ممكن الموارد والقدرات السياسية والاقتصادية فيما بين النخبة المنضوية تحت لواء الحزب الوطنى.
ويشير إلى أن المحاكمة العسكرية قد جاءت هذه في سياق عدد من الأحداث وهي :
أ ـ نتائج الانتخابات الطلابية حيث اشتدت النزعة نحو تكوين اتحادات مستقلة في الجامعات والنقابات العمالية، بما يعنى أن الأمر تعلق بحالة تنازع علي الشرعية السياسية مع الحكومة، وهذه المسألة تعد من مسائل السيادة وسلطة الحكومة – حسب تصورها.
ب ـ التحضير للتعديلات الدستورية: والتي تأسست على فكرة مفادها أن التحكم في وضع مدخلات( قواعد ) النظام، يزيد من قدراتها السياسية في مواجهة الأطراف الأخرى.
ج ـ العلاقات الخارجية: بينما يتراجع التأثير الإقليمي للنخبة السياسية، ازدادت حاجة الولايات المتحدة إلي مساهمتها في تهدئة بعض مناطق التوتر، وخاصة في فلسطين، ومن هذه الوجهة، لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في ظهور مناطق توتر أخرى، ولذلك فإن التجاوزات الحكومية ضد المعارضين، قد لا تلقى اعتراضا في هذا الوقت.
د. الإصلاحات الداخلية في الحزب الوطني: رغم المحاولات التى بذلت لتطوير الحزب تنظيميا وفكريا، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نقلة نوعية ترسخ قواعد الهيكل التنظيمى وتعزز المكانة السياسية للحزب، سواء فى علاقته بكل من الدولة و الحكومة، أو في علاقته بالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية الأخرى. تطورات القضية والصراع القانوني حولها
ويتضمن الباب الثاني من الكتاب فصول أربعة كالتالي:
الفصل الثالث وهو تحت عنوان: "خلفيـات القضيـة" ويعود ببداياتها إلى أوائل شهر ديسمبر 2006 حين نظم طلاب الإخوان في جامعة الأزهر عرضاً رياضياً أطلقت وسائل الإعلام عليه وصف "العرض العسكري لميليشيات الأزهر"، تبعته حملة اعتقالات طالت في 14 من الشهر ذاته 132 من قيادات الجماعة والطلاب في الجامعة.
وقد جاء هذا العرض عقب تهديدات وتجاوزات مادية ومعنوية من جانب أجهزة الإدارة تجاه الطلاب الذين شاركوا في انتخابات الاتحاد الطلابي الحر، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت تهدئة الأمور وأصدر الطلاب بيانًا يعتذرون فيه عن الصورة السلبية - التي أعطاها العرض الرياضي التمثيلي - فإن ذلك لم يلق تجاوباً في أوساط عديدة داخل القوى الفكرية والسياسية .. وكانت التربة ممهدة جدا للقيام بضربة قوية ضد الجماعة.
قامت الأجهزة الحكومية عقب أحداث الأزهر مباشرة بشن حملة جديدة ضد الجماعة شارك فيها خصوم من تيارات سياسية وفكرية أخرى حيث تم تصوير ما قام به الطلاب على أنه عرض عسكري يعود بالبلاد إلى زمن للتنظيم الخاص السري، ويكشف كذب ادعاء الجماعة بأنها ابتعدت عن العنف في العمل السياسي. ومهدت هذه الحملة الدعائية لتوجيه ضربة أمنية قوية لكوادر جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية والطلابية حيث تم القبض على 132 من قيادات وطلاب الإخوان بناء على محضر تحريات ضابط واحد لم يستند إلى أي دليل مادي.
وقبل قرار الحكم العسكري يإحالة هؤلاء القيادات إلى القضاء العسكري يوم 5 فبراير 2007 شهدت القضية العديد من التطورات الدراماتيكية مثل: إضافة محاضر تحريات جديدة لمحضر تحريات القضية، صدور قرارات إفراج عن المتهمين من القضاء الطبيعي، .. إلخ.
أما الفصل الرابع فيجيء تحت عنوان: "مدى دستورية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية" ويفند أسانيد الإحالة للقضاء العسكري بالقول أن قانونية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدى قانونية النص القانوني وخصوصا المادة 6 من قانون القضاء العسكري.
ويؤكد أن هذه المادة محكوم عليها بالإعدام من وجهين: الوجه الأول أنها مادة ملغاة ومن ثم فهي غير واجبة الإعمال، والوجه الثاني: أنها وعلى فرض جدلي بوجودها فإنها مقضى عليها بعدم الدستورية وذلك لاصطدامها مع أكثر من مادة من مواد الدستور.
إضافة إلى أن العقوبات تتسم بالغلظة والقسوة والجسامة وتنصب على حريات المواطنين وحقوقهم بل وحياتهم ويتعدى أثرها إلى أسرهم بوالديهم وزوجاتهم وأبنائهم وقد تنتهي بضياع مستقبلهم المهنى والأدبي والمادي فضلا عن حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وهو ما يسمى ( بالإعدام المدني ) وهو ما يتناقض مع الباب الثالث من الدستور
ويتحدث الفصل أيضا عن طبيعة القضاء العسكري والذي تنص المادتين الأولى والثانية من قانون القضاء العسكري على أنه إحدى إدارات القيادة العليا - تتبع وزارة الدفاع وهو ما يعنى تبعيته للسلطة التنفيذية وعدم استقلاليته وحصانته وهي الصفة التي لا تعد مزية للقضاء بقدر ما هي ضمانه لحقوق المواطن وحرياته.
ويستعرض الفصل الخامس وعنوانه:" المحاكمات العسكرية للإخوان...ملف تاريخي وقانوني" تاريخ المحاكمات العسكرية خلال العهد الأول والثالث من ثورة يوليو، والصراع القانوني الذي مرت القضية العسكرية رقم 2 لسنة2007 جنايات عسكرية عليا والمقيدة برقم 963 لسنة2006 حصر أمن دولة عليا. إن تاريخ المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين في العهد الناصري يعود إلى سنة 1953 حيث تم تشكيل محكمة الثورة من ضباط الجيش .. وكانت أول قضية عسكرية للإخوان معروضة أمام هذه المحكمة في أكتوبر 1954 م.
ثم تلتها بعد ذلك في العام التالي ثلاث محاكمات في يناير1955، ومارس 1955، ويونيو1955، وفي العام 1965 قامت السلطات بحملة محاكمات عسكرية في مواجهة الإخوان تمثلت في سبع قضايا، أربع منها كانت التهم فيها تتمثل في الاتهام بتغيير الدستور وتشكيل تنظيم سري (جماعة الإخوان المسلمون)، ومحاولة قلب نظام الحكم، وثلاث قضايا أخرى كانت التهم فيها تنحصر في محاولة إحياء الجماعة وتزويد المعتقلين والمسجونين من الإخوان وأسرهم بالمال.
أما في عهد الرئيس مبارك فقد عاد أسلوب المحاكم العسكرية إلى الظهور مرة أخرى منذ أواسط عقد التسعينيات في القرن الماضي حيث عقدت حتى الوقت الراهن 7 قضايا أهمها: قضيتي عام 1995، وقضية حزب الوسط 1996، قضية النقابيين 1998 وقضية أساتذة الجامعات 2001 .. ثم القضية الأخيرة. ورغم حصول المتهمين على قرارات بالإفراج إلا أن السلطات قد حولتهم إلى القضاء العسكري مما دفع هيئة الدفاع إلى تقديم شهادة رسمية من المحكمة الدستورية العليا تفيد وجود الدعوى رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا ووجوب وقف السير في إجراءات نظر الدعوى بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا وإخلاء سبيل جميع المحالين إلي القضاء العسكري.
كما طعن المتهمون على قرار الإحالة أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الأولي منازعات الأفراد وبجلسة 8 / 5 / 2007 أصدرت المحكمة حكمها التاريخي بوقف الطعون شكلا وفي الموضوع بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة الطاعنين إلي القضاء العسكري علي أن ينفذ الحكم بمسودته ودون إعلان إلا أن الحكومة قامت وبالمخالفة للدستور وللقانون بالطعن علي الحكم بالاستشكال أمام محكمة غير مختصة ( محكمة عابدين للأمور المستعجلة)... وتوالت التجاوزات والانتهاكات خلال جلست المحاكمة.
أما الفصل السادس: فهو بعنوان :"المحكمة العسكرية.. مشاهدات هيئة الدفاع" فيرصد الكثير من التجاوزات الصارخة التي شهدتها القضية وكشفت عنها هيئة الدفاع والتي تبدأ مع الحبس الاحتياطي حيث قامت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين حبسا احتياطيا على ذمة القضية واستمرار حبسهم رغم صدور قرار الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة بإلغاء قرارات الحبس.
كما أثبتت هيئة الدفاع أن مجري التحريات لم يكن جادا في تحريه وأن محاضر التحريات شابها الكثير من التناقضات والمخالفات الصارخة مثل: محال إقامة أغلب من وردت أسماؤهم في محاضر التحريات غير صحيحة وتخالف الواقع، اختلاف الأسماء الحقيقية لعدد من المتهمين عن الأسماء الواردة في محضر التحريات، عدم معرفة مجري التحريات لوظائف الكثير من المتحري عنهم.. الخ.
وفي الوقت الذي كان المحالون يحاكمون فيه أمام القضاء المدني تمت إحالتهم إلى القضاء العسكري وتوافرت حالة من حالات التنازع الايجابي في الاختصاص فأقام المتهمون طلب التنازع رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا بتاريخ 26 / 2 / 2007 والتي أصدرت حكما تاريخيا بوقف الإحالة للقضاء العسكري. لكن جلسات المحاكمة العسكرية بدأت واستمرت! وهنا دفع الدفاع بانعدام التحريات واحتياطيا عدم جديتها وعدم كفايتها، وبطلان جميع أذون القبض والتفتيش لعدم جدية محاضر التحريات السابقة عليها، وبطلان محاضر التحقيق والاستجواب لعدم جديتها.
وأكد على عدم اختصاص القضاء العسكري بنظر الدعوى المحالة إليه لعدم دستورية المادة 6 / 2 من قانون القضاء العسكري، وقدم طعونا بالتزوير علي محاضر التحريات, ومحاضر الضبط, تحقيقات النيابة, ومحاضر أعمال لجنة الخبراء والكسب غير المشروع ... لكن المحكمة لم تأخذ بأي من هذه الدفوع وأصدرت أحكاما قاسية وباطلة.
الأبعاد الفقهية والإنسانية للقضية
يتناول الباب الثالث من التقرير الأبعاد الفقهية والحقوقية للمحاكمة العسكرية من خلال فتوى للعلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بشأن المحاكمة العسكرية الأخيرة، وفصلين هما:
الفصل السابع بعنوان: " التعامل مع السجناء.. أحكام من الفقه" ويتناول هذا الفصل مفهومي العدل والحرية، والضوابط العامة في التعامل مع المحبوسين احتياطيا.
فيعتبر العدل هو القيمة العليا في الاسلام ومن أهم صوره عدل الحكام، وعدل القضاة، أما الحرية فإنها أساس المقاصد الشرعية كلها، وتنتفي الحرية بالاحتلال أو بالحبس حيث يعد حبس الفرد في السجون منع لحريته، لذا يجب أن يكون هذا الأمر مرتبط بوجود جريمة حقيقية ارتكبها الفرد، ووجود محكمة عادلة حكمت على الفرد بالسجن، وتحديد مدة السجن ولا يجوز الزيادة عليها، لايجوز الانتقاص منها إذا تحقق الزجر والردع، ووجدت ظواهر التوبة الحقيقية.
ويذكر أن هناك مجموعة من الضوابط المهمة التي يجب أن تكون عنوانا للتعامل مع المتهم أهمها: أن البراءة هي الأصل، ولا تجريم إلا بنص شرعي، ولا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طيعة قضائية كاملة، كما لا يجوز - بحال - تجاوز العقوبة، التي قدرتها الشريعة للجريمة، ولا يؤخذ إنسان بجريرة غيره، وحق الحماية من تعسف السلطة، وحق الحماية من التعذيب، وأنه مهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعاً، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة.
وهذه الضوابط تعد قواعد أساسية في حقوق المتهم يجب مراعاتها، وقلما نجد من يعمل بها، ولكنها في حقيقة الأمر أساسيات إسلامية، وضوابط منهجية، وقواعد إنسانية تصلح للتطبيق في كل مكان . ويتناول الفصل الثامن: " المحاكمة العسكرية في ضوء المواثيق الدولية" ضمانات المحاكمة العادلة وفقا لمواثيق حقوق الإنسان، ومدى اتساق إحالة المدنيين للقضاء العسكري مع هذه الضمانات مشيرا إلى أن إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية يشكل حجبا للقضاء العادي في بسط ولايته على الوقائع التي يرتكبها المدنيون وتمثل في الوقت نفسه افتئاتا على حق المتهم في المثول أمام قاضية الطبيعي واعتداء على حق المجتمع في الحفاظ على استقلالية القضاء ونهوضه بالمهام المنوط به أدائها.
وفيما يتعلق بتعديلات قانون القضاء العسكري فقد أجمع خبراء قانونيون وسياسيون وحقوقيون أن التعديل كان هزيلا وليس له أي تأثير، ومن الملاحظات القوية في هذا الصدد أن قانون الأحكام العسكرية ينشئ قضاءً موازياً، ويجعل هناك محكمتين للنقض في مصر، وهو أمر خطير جداً لأنه يقطع أواصر القانون، وقد يجعل التطبيق القانوني به تناقض بين محكمة النقض والمحكمة المزمع إنشاؤها طبقاً لقانون الأحكام العسكرية.
كذلك فإن قرارات الإحالة الصادرة من قبل السلطة التنفيذية تعد نوعا من التمييز بين المحالين للمحاكمة العسكرية وغيرهم من المتهمين الخاضعين لأحكام القضاء العادي، ففي الوقت الذي تحظى فيه الفئة الأخيرة بكافة ضمانات المحاكة العادلة يجرد المتهمين الخاضعين للقضاء العسكري من كافة حقوقهم دون تفرقه معيارية بين الجرائم المرتكبة من قبل أفراد الطائفة الأولى والثانية. وتنص المواثيق الدولية على مجموعة من الحقوق التي تكفل إجراء المحاكمة العادلة، وهي التي لا تتحقق عند إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ومن أهمها: الحق في عدم التعرض للقبض عليه أو الاعتقال التعسفي، الحق في الإبلاغ بحقوقه، الحق في الإبلاغ بسبب إلقاء القبض، الحق في افتراض الإفراج، الحق في إعادة النظر في الاحتجاز، الحق في عدم التعرض للتعذيب، الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب، الحق في سرعة إجراء العدالة، الحق في المساواة أمام القانون، الحق في علانية المحاكمة، إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع، استقلال السلطة القضائية
الحملات الحكومية الاقتصادية والإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية
يشمل الباب الرابع من الكتاب على فصلين هي:
الفصل التاسع: الحملة الإعلامية الحكومية" ويعتبر أن المحاكمة العسكرية الأخيرة تميزت بأن منشأها كان إعلاميا حيث ارتبط قرار الإحالة بما نشر في أحد الصحف عن ميليشيات الأزهر مما كان له أثر في بناء القضية وتأسيسها أمنيا بل وطرح وتدشين الحملة الإعلامية ضد المحالين إلى المحاكمة . وركزت الحملة على فكرة محورية وهي: تشويه صورة الجماعة لإجهاض التأييد الشعبي الذي حظيت به عقب الانتخابات البرلمانية عام 2005 م من جهة وتبرير قرار الإحالة ومصادرة الأموال وخلق غطاء للحملة الأمنية لتمريرها من الناحية الشعبية من جهة أخرى.
كما ركزت الحملة على المحيط المحلي في غالب الأحوال واستهدفت الجمهور المصري بصورة خاصة حيث أن مستهدفات الحملة محلية في الأساس واستهدفت بالأساس الطبقة المتوسطة التي تتابع الصحف الحكومية.
وبعد أن يقرأ الفصل نتائج ومستهدفات الحملة يشير إلى أنها نجحت بصورة كبيرة في تحقيق نسبة عالية من مستهدفاتها: ففي الهدف الخاص بتسكين الرأي العام تجاه التعاطف مع الجماعة خاصة حال صدور أحكام فقد نجح هذا الهدف بصورة كاملة، أما في الهدف الخاص بتشويه صورة الإخوان فقد تحرك الهدف من موضعه وإن كان قد فشل في تحقيق هدفه بصورة كاملة في تشويه الصورة إلا أن الحملة الحكومية نجحت في إضعاف الالتفاف الجماهيري حول الإخوان بالصورة التي كان عليها الحال عقب فوز الإخوان في انتخابات البرلمان عام 2005.
وجاء الفصل العاشر تحت عنوان: " الأبعاد الاقتصادية للمحاكمة العسكرية السابعة" ويسعى إلى تقييم الدور الاقتصادي للدولة عموما وأثر إحالة رجال الأعمال من الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكري على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ويشير إلى أنه ومنذ بدء فترة الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات تعاني مصر من الفساد وذلك لأنها لا تضع حدود فاصلة بين أنشطة وممارسات رجال الأعمال الاقتصادية وبين نفوذهم داخل النظام السياسي. وأنه على الرغم من دخول الاقتصاد المصري في برنامج للاصلاح الاقتصادي منذ عام 1991/1992 إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تتغير للأفضل وكانت نتيجة التطبيق لهذا البرنامج هى تعاظم سلبياته، بينما بقيت إيجابياته محدودة الأثر ومحصورة في استفادة طبقة معينة، تتمثل في رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات قوية بالنظام المصري.
وفيما يتعلق بالمحاكمة العسكرية فإن الأبعاد والآثار لا تتعلق فقط برجال الأعمال الإخوان، سواء من حصلوا على أحكام بالبراءة، أو من حصلوا على أحكام بالسجن فقط، أو من حصلوا على أحكام بالسجن ومصادرة الأموال حيث أن تثبيت التهمة الموجهة للنظام بعدم احترامه لأحكام القضاء، يعد ثغرة قاتلة في عالم الاقتصاد والمال، فضلا عن أن مصادرة الأموال الخاصة، يولد شعورا لدى المستثمرين بأن نمو مشروعاتهم مرتبط بتأييدهم للنظام، وهو أمر يصادر حريات الأفراد، أو يضطرهم للخروج باستثماراتهم إلى بلدان أكثر حرية.
ومن الأبعاد الأخرى تأثر البورصة المصرية سلبا، إبان صدور قرار النائب العام في 28 يناير 2007 بالمنع من التصرف وعند صدور قرار الحاكم العسكري - في 5 فبراير 2007، وأيضاً إبان صدور الأحكام من قبل المحكمة العسكرية في 15 إبريل 2008.
تعاطي المجتمع المدني والإعلام مع القضية
تحت هذا العنوان يغطي الباب الخامس من التقرير دور منظمات حقوق الإنسان والإعلام تجاه القضية من خلال فصلين هما:
الفصل الحادي عشر: "منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية ..المواقف والفاعلية"، ويتناول مواقف المنظمات المصرية والدولية من إحالة هؤلاء المدنيين إلى القضاء العسكري الاستثنائي فمن جهة أن المنظمات الحقوقية المصرية لم يكن لها دور مباشر في الدفاع عن المحالين إلى المحاكمة العسكرية ورغم ذلك فقد كان لها دور غير مباشر في الدعم من خلال النضال لتنقية البيئة الدستورية والقانونية من المواد التي تسمح للسلطة التنفيذية بتقييد حركة المعارضة السياسية وتقليل هامش الحريات العامة حيث ناضلت ضد كلا من: قانون الأحكام العسكرية، قانون مكافحة الإرهاب.
ويلاحظ أنه قد غاب عن هذه المنظمات غياب التشبيك بينها في هذه القضية ليس بمعنى إصدار بيان مشترك معا وإنما كآلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق أهداف معينة حتى ولو كانت أهدافا بسيطة أو هدفا واحدا.
أما فيما يتعلق بنشاط المنظمات الدولية فإنه لم يتسم فقط بإصدار البيانات لتسجيل موقفها فيما جرى وإنما جاءت بياناتها في سياق مراقبتها لتلك القضية لفترة طويلة نسبيا، إضافة إلى أنها ربطت تلك القضية بالحريات العامة.
واعتبرت هذه المنظمات أن الإحالة للمحكمة العسكرية يمثل انتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة وأن محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية المصرية يخالف المعايير الدولية للمحاكمات العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإلى جانب إصدار البيانات اتخذت المنظمات الدولية عددا من الوسائل الأخرى مثل: التشبيك والعمل الإعلامي، مناشدة السلطات بالإفراج عن المحالين، وإرسال مراقبين إلى المحاكمة منذ بدء أولي جلساتها غير أن السلطات قامت بمنع المراقبين من دخول قاعة المحاكمة.
الفصل الثاني عشر: الإعلام والمحالين للمحاكمة العسكرية..عام مأساوي للطرفين! ويشير إلى أن البيئة السياسية والقانونية التي تعمل في ظلها وسائل الإعلام المختلفة وخصوصا الصحافة كان لها أثر واضح على تغطيتها لمجريات المحاكمة العسكرية، كما كان لمناضلي الإنترنت دور كبير في الدفاع عن المحالين للمحاكمة وكسر الحصار الإعلامي المفروض على القضية!
وأن البنية التشريعية والقانونية المحيطة بالصحافة في مصر ما زالت مليئة بمواد معيبة تقف عائقا أمام حرية الرأى والتعبير وحق تداول المعلومات، ومنها على سبيل المثال المواد التي تقف عائقا أمام حرية إصدار الصحف والمطبوعات وفرض الرقابة عليها مما يتنافى مع أحكام المادة 48 من الدستور التي تنص على حرية الصحافة.
أما بخصوص الفضائيات فإن الملاحظ أنه في مقابل التقدم التكنولوجي في مجال البث الفضائي فإن الخطاب الحكومي لم يتطور باتجاه احترام التعددية وأن الحكومة المصرية سعت إلى إدخال تعديلات علي القوانين المنظمة لعمل الفضائيات العربية (وثيقة مبادىء تنظيم البث الفضائي في العالم العربي – فبراير 2008)
ويفسر غياب الاهتمام الكافي بالقضية العسكرية بالقول أن الدعايات الحكومية نجحت نسبيا إلى تقليل التعاطف مع سجناء الرأي المحالين للمحاكمة العسكرية، فضلا – وهذا هو المهم – أنه في الوقت الذي بدأت فيه وقائع جلسات المحاكمة العسكرية لهم، كانت الصحافة تقوم بدورها في تغطية قضايا أخرى لها علاقة بالهجوم على الحريات العامة وانتهاك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعديد من الفئات في المجتمع.
كما أن العام الذي شهد وقائع جلسات المحاكمة العسكرية كان عاما أسودا على الصحافة حيث لوحق الكثير من الصحفيين والمدونين قضائيا مما يعنى أن الطرفين: الصحافة، وسجناء الرأي كانوا يتجرعون من ذات الكأس الحكومية.!
ويذكر أن مواقع الإنترنت استطاعت أن تحدث انقلاباً بكل المقاييس في عالم الصحافة حيث فتحت الأبواب المغلقة وتسللت إلى الأماكن الممنوعة واستطاعت أن تكشر عن أنيابها لأي سلطة سياسية!! من خلال المواقع والصحف الإلكترونية الموجودة على الشبكة التي تمكنت من الجرأة في التناول وحرية النشر دون رقيب.
شهادات على المحكمة العسكرية
يحمل الباب السادس من التقرير مجموعة كبيرة من شهادات الحقوقيين والمثقفين والساسة ومحالين إلى المحاكمة العسكرية ويتضمن فصلين كالتالي:
الفصل الثالث عشر: وهو بعنوان "شهادات هيئة الدفاع والمثقفين والسياسيين" ويتضمن شهادات لأعضاء في هيئة الدفاع عن المحالين، وناشطين مصريين وأجانب في مجال حقوق الإنسان، وقيادات من جماعة الإخوان المسلمين، ومثقفين وباحثين متخصصين في شئون الحركات الإسلامية، وسياسيين.
الفصل الرابع عشر: " شهادات محالين إلى المحاكمة العسكرية" ويسعى إلى نقل تجارب شخصية لمحالين للمحاكمة العسكرية من القادة والناشطين ورجال الأعمال وأساتذة الجماعات مع الاعتقال والإحالة للقضاء العسكري، ومعاناتهم وذويهم وأبنائهم وأحفادهم مع المحاكمة العسكرية، وكذلك مواقف إنسانية ومفارقات تعرضوا لها خلال تلك التجربة المؤلمة القاسية.
دلالات الأحكام العسكرية
وتحت هذا العنوان يشمل الباب السابع على فصلين هما:
الفصل الخامس عشر الذي يجيء تحت عنوان:" الأحكام العسكرية- الدلالات والأهداف" ويؤكد أن الأحكام القاسية الصادرة عن المحكمة العسكرية قد عبرت عن مجموعة من الدلالات والأهداف كالتالي:
فيما يتعلق بدلالات الأحكام فإن أولها يتمثل في غياب الثقافة السياسية التي تتسامح مع المعارضة السياسية وتعتبر قوى هذه المعارضة جزءا من النظام السياسي وليس منافسا له أو بديلا عنه. أما ثانيها فهي أن هذه الأحكام قد دفعت بعض المحللين والباحثين إلى اعتبارها مؤشر على سعي النظام السياسي إلى تغيير المعادلة القائمة في العلاقة بين الطرفين من خلال التفكير في تبني سيناريو جديد عنوانه الاستئصال! لكن الخبراء والباحثين يجمعون على أن النظام السياسي لا يمتلك القدرة على إتباع نموذج استئصالي نظرا لاتجاهات الإخوان السلمية وتحركهم تحت مظلة الشرعية الدستورية والقانونية وتبنيهم لمنهج وسطي معتدل بعيدا عن الغلو والعنف ونجاحهم في دخول كثير من مؤسسات المجتمع وقيادتها بنزاهة فضلا عن أن إخفاقه في معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية يقف وراء كبح جماحه عن إتباع ذلك النموذج رغبة في وقف انفجارات الغضب الشعبي.
ومن الدلالات أيضا أن التعامل مع الإخوان كملف أمني وليس سياسي يعكس الفشل في امتلاك تنظيم سياسي حقيقي يقود التحول السياسي الديمقراطي في البلاد مما يجعله يستند إلى قوة الدولة وخصوصا القوة الأمنية في مواجهة الأطراف التي يتصور أنها تنافسه أو تكون بديلا عنه.
أما فيما يتعلق بأهداف المحاكمة العسكرية الأخيرة فإن الفصل يشير إلى هدفين الأول: سياسي ويعكس سعي النظام السياسي إلى وقف نمو الجماعة الذي أصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. والثاني: أمني ويتعلق الأمر بكلمة واحدة هي "التنظيم" حيث يعتبر النظام أن الإخوان تنظيم سري محظور، ويجب أن يمنع من ممارسة العمل السياسي.
وأما الفصل السادس عشر: " مقارنة بين أحكام القضية وأحكام القضايا السابقة" فيهدف إلى مقارنة الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية في القضية الأخيرة وبين الأحكام الصادرة في القضايا السابقة خلال عهد الرئيس مبارك محاولا الإجابة على سؤال هو: هل أدى إختلاف الظروف السياسية إلى إصدار أحكام متفاوتة؟ أم أن النظام السياسي قد أصدر أحكاما قاسية ومتشابهة في القضايا العسكرية السبع التي حوكم فيها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين؟ وما هي أهداف النظام السياسي من ذلك؟
أثر المتغير الخارجي .. واستشراف المستقبل
يناقش الباب الثامن من التقرير مسألتين: أثر المتغير الخارجي وخصوصا السياسة الأمريكية تجاه الإسلاميين وانعكاساتها على وضعية الإخوان المسلمين في النظام السياسي، والوضعية المستقبلية للجماعة بعد صدور الأحكام العسكرية، وذلك في فصلين كالتالي:
الفصل السابع عشر تحت عنوان: "الإدارة الأمريكية والمحاكمات العسكرية للإخوان – حسابات المصالح ودعاوي الاصلاح" ويشير إلى أن الوضع في مصر أكثر تعقيداً مما عليه في دول أخرى، فالولايات المتحدة تضغط من أجل التحول الديموقراطي في مصر، ولكن القيادة المصرية هي حليف قوى للولايات المتحدة لا يمكن تعريض استقراره للخطر.
وأن هناك نوع من الازدواجية أو التعارض بين المباديء والمصالح في السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية السياسية. فهناك نظريتان تعارضتا في الإدراك الأمريكي للإسلام السياسي إحداهما نظرية المواجهة التي تستند إلي العداء بين أمريكا والإسلام، والثانية هي نظرية الاحتواء التي قالت بالتوافق الأمريكي مع الإسلام والمسلمين وقد أدي ذلك إلي غياب إستراتيجية أمريكية شاملة ومتكاملة تجاه الحركات الإسلامية والدول الإسلامية وإلي غلبة التعامل من منطلق المصالح الأمريكية.
وحول الجدل الأمريكي حول الإخوان في مصر يلاحظ أن الولايات المتحدة بررت رغبتها في الحوار مع الإخوان بأنه دبلوماسية تقليدية لجمع المعلومات ولكن سرعان ما توقفت عن هذه الاتصالات، وتجنبت إعلان أي موقف ضد الإجراءات الحكومية ضد الإخوان. وكان عدم الحركة الأمريكي دليلاً علي دعم النظام في المواجهة مع الإخوان.
واختارت الإدارة الأمريكية التراجع عن الضغوط من أجل الإصلاح الديموقراطي حتى لا يصبح الإخوان المستفيد الأكبر من ذلك، ويطالب البعض وزارة الخارجية الأمريكية بعدم التخلي عن الحكومات العربية دون وجود بدائل واضحة، والعمل بدلا من ذلك على إجراء تغييرات هيكلية بعيدة الأمد وإيجاد سبل للتأثير على الرأي العام العربي.
ثم حسمت إدارة بوش الجدل حول الموقف من الإخوان بعد انتخابات 2005 في مصر وانتخابات 2006 في فلسطين حيث أعادت النظر في خططها المعلنة لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وباتت قناعتهم بتكرار هذا النموذج الأوربي بين دول المنطقة ضعيفة بعد أن كانوا يرون أن نشر الديمقراطية وسيلة ناجعة لمكافحة "الإرهاب" القادم من تلك المنطقة.
كما تبلورت مواقف مشتركة بين الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية تعتبر الإخوان خطراً ينبغى التصدي له، ولكن ينبغي توزيع الأدوار، فالحكومة المصرية تقوم بالجهد الأساسي في المواجهة التشريعية والسياسية والأمنية، في حين تكتفي الإدارة الأمريكية بغض الطرف عما يحدث من تجاوزات، مع احتفاظ أمريكا بحق النقد إذا أصابت سياسات المواجهة ما تعتبرهم الولايات المتحدة قوى علمانية وليبرالية معارضة تطمع أن تشكل البديل الممكن لتطوير النظام السياسي المصري.
أما الفصل الثامن عشر: "مستقبل العلاقة بين النظام السياسي وجماعة الإخوان - من التنافسية والإقصاء إلى التوافقية" فيتناول معطيات البيئة السياسية الداخلية والخارجية التي تمثل تحديا ضخما سواء أمام المشروع الإصلاحي لجماعة الإخوان المسلمين أو أمام دمجها في إطار الجماعة الوطنية.
ويذكر أن الباحثين قد وضعوا مجموعة من السيناريوهات المحتملة للمسار السياسي للعلاقة بين النظام والإخوان تتراوح بين الانسحاب من العمل السياسي وبين التصعيد مع النظام وهي:
1 - مسار التنزيه والتفويض: ويقوم على فكرة مفادها ضرورة أن يكون مركز إرشاد حركة الإخوان منزه عن الانخراط في مستنقع السياسة، ولكن من دون أن يعني هذا تبني موقف المقاطعة للعملية السياسية فتكون الحركة منصرفة للإدارة الروحية للشعوب الإسلامية، مع تفويض العملية السياسية لمن يفضل من كوادرها أن يشتغل بالعمل السياسي.
2. سيناريو الاعتزال السياسي الكلي المرحلي: ويقوم على مسلمة مفادها أن مكتب الإرشاد يرفض الفصل بين تنظيم الدعوة وتنظيم السياسة، مما يعني أن المطروح هو اعتزال العمل السياسي بصورة كلية ومرحلية. ويتم وضع تصور عن البيئة التي يكون فيها العودة للعمل السياسي ممكنة .
3 . سيناريو الاعتزال السياسي الجزئي: ويشير إلى اعتزال الجماعة العمل السياسي بصورة جزئية، بحيث تنصرف الجماعة عن العمل السياسي في المجال العام وتحتفظ بحضورها العام الروحي والثقافي والفكري والاجتماعي والإغاثي.
4 - سيناريو الانخراط والتصعيد السياسي: ووفقا له ستقبل الجماعة على تحدي الإدارة المصرية الحاكمة لكن المشكلة أنه ينطوي بالضرورة على مواجهات قوية وارتفاع التكلفة الاجتماعية. ويأخذ السيناريو صورة أحد سيناريوهين فرعيين: إما التصعيد التحذيري المحدود. أو سيناريو التصعيد الكامل.
وأمام هذه السيناريوهات التي لا تقبل بها الجماعة أو لا تلائم الوضع السياسي في البلاد يمكن وضع مقترحات لدمج الجماعة في إطار الجماعة الوطنية فإن البديل المتوقع – حسب فريق من الباحثين - يتمثل في: "الشهادة على الناس" ويعني وجود تحرك مع عموم الأمة أو من يريد التحرك من الأمة لبناء المؤسسات واستحضار القيم التي تحقق المثالية الإسلامية، والشهادة بهذا المعنى غير الإقامة أو التمكين، وتتطلب تقديم الاجتهادات التي تحقق معالجة مشكلات الناس في إطار من مصلحة عامة حقيقية، وعرض هذه الاجتهادات على الملأ ليأخذ بها من يأخذ.
وعلى الصعيد المؤسسي، لا شك في أن التحول نحو خطاب الشهادة يعني تغييرا مؤسسيا حقيقيا. فلن تكون أطراف الجماعة فقط عبارة عن مؤسسات بحثية سياسية وكتلة برلمانية، بل أيضا ستكون أطرافها مراكز بحوث ودراسات فقهية وفكرية، وجماعات حقوقية متخصصة ومنتديات ثقافية مركزية ومحلية، وقناة إعلامية لتأدية الغرض.
خاتمـة وتوصيـات
يرى التقرير أن الوضع في مصر أصبح مقلوبا، فمن يملك المشروعية القانونية يفتقد للشرعية الاجتماعية، ومن يملك الشرعية الاجتماعية يفتقد المشروعية القانونية! كما أن الضربة الأمنية المتمثلة في تلك المحاكمة العسكرية وأحاكمها القاسية افتقرت إلى الذكاء والحنكة السياسية، فالنظام حين يضرب الكِـيان الاقتصادي للجماعة، فإنه يُـعرِّض اقتصاد البلد كلّـه للخطر ويؤثر على الاستثمار الأجنبي، الذي يرى المناخ الاقتصادي غير مبشـِّر.
وبناء عليه: طالب مركز سواسية في خاتمته بتصحيح جميع الأوضاع غير العادلة الناتجة عن الإحالة للقضاء الاستثنائي كما توجه إلى النظام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، والمعارضة السياسية، ومنظمات حقوق الإنسان بالتوصيات التالية:
1. النظام السياسي: أن يتبني دورا محددا يتمثل في: حماية الأمة من المخاطر الخارجية، وتحقيق الأمن الداخلي، وحماية الفقراء وغير القادرين والضعفاء.
وأن يوقف العمل بحالة الطوارئ مع عدم إصدار أي قوانين استثنائية أخرى، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة محاكمة المحكوم عليهم من المحاكم العسكرية أمام القضاء الطبيعي، ورفع يد السلطة نهائيا عن النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني سعيا إلي مجتمع أهلي قادر علي المساهمة في بناء الديمقراطية
2. المعارضة السياسية: دعاها المركز إلى الحوار من أجل فهم سلوك الاستبداد السياسي ونجاحه في مقاومة الضغوطات وتجنب الإصلاح الديمقراطي، والتنسيق من أجل إبداع أساليب عمل ومقاربات ناجحة وفعالة بدلا من الاستسلام للطرائق والأساليب السهلة والسريعة السائدة كإبراز عيوب ومثالب النظام السياسي.
كما طالبها: أولا: الانفتاح المتبادل بين قوى المعارضة المختلفة بما يوحد قطاعات الرأي العام المطالبة بالديمقراطية ويوحدها في معركة الإصلاح، وثانيا: العمل بشكل مستمر على تمييز موقف هذا التحالف الديمقراطي عن مواقف القوى الأخرى سواء أكانت قوى الاستبداد أم قوى الهيمنة والسيطرة الأجنبية.
3. الإخوان المسلمين: إن الإخوان المسلمين – بحسب التقرير - مطالبون ببلورة رؤى فكرية وسياسية واضحة فيما يخص العلاقة مع النظام السياسي، والخطاب الإعلامي، وقضية حقوق الإنسان، فضلا عن المجهود العملي في التشبيك مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان حول أهداف مشتركة تتعلق بهموم الناس – حتى وإن كانت بسيطة.
4. منظمات حقوق الإنسان: دعا التقرير المنظمات المصرية إلى إعادة الاعتبار لأسلوب التشبيك فيما يتعلق بالإحالة للقضاء العسكري الاستثنائي مما يعني أن المطلوب ليس مجرد بيان مشترك وإنما العمل وفق آلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق ذلك الهدف البسيط!.
وشدد على أن هذا النوع من القضايا يخص المجلس القومي لحقوق الإنسان ويقع في نطاق اختصاصاته وبالتالي فالمجلس مطالب بالاهتمام الكافي بقضية سجناء الرأي الذين أحيلوا للمحاكمة الأخيرة وحصلوا على أحكام قاسية والتحقيق في شكاوى أسرهم.
وختاما .. أكد المركز إن إقامة العدل وتعزيز حقوق الإنسان المصري سوف يؤدي إلى إرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية ويسمح للشعب المصري باسترجاع حريته وكرامته لأنه لا حرية ولا كرامة في ظل القمع والفساد.
الباب الأول: القضيـــة في سياقهــا السياســي (إشارة لمفهومي الاستبداد والشرع)
الفصل الأول: البيئـة السياسيـة للمحاكمـات العسكريـة
تسود البيئة السياسية المصرية مفاهيم استبدادية ووصائية واحتكارية مما أدى إلى زحف النظام السياسي نحو المجتمع المدني من أجل السيطرة عليه وإلحاقه به، وفي الوقت الذي يتبنى فيه النظام السياسي خطابا معلنا يتحدث عن الديمقراطية وحرية التنظيم فإنه يستخدم ترسانة من القوانين المقيدة للحريات لتحجيم القوى الفكرية والسياسية المختلفة، أما تلك التي تسعى أن تخلق هامشا للحركة والحرية وتنور شعبها بحقوقه وحرياته فإنه يتعامل معها بالأساليب الأمنية وسط عملية دعائية قوية تهدف إلى تشويهها وتبرير (الضربات الإجهاضية) الموجهة إليها.
وعند تناول البيئة السياسية التي عقدت خلالها المحاكمة العسكرية الأخيرة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين يمكننا تناول ملامح وأبعاد هذه البيئة من خلال النقطتين التاليتين: طبيعة النظام السياسي وتأثيراته، الصعود السياسي لجماعة الإخوان وتداعياته.
1 - 1 : النظـام (الأمنوقراطـي) وتأثيراتـه
وردت حرية التنظيم المتعلقة بحق كل اتجاه فكري وسياسي في المجتمع في تنظيم نفسه اجتماعيا أو سياسيا وحقه في التجمع في المصادر التشريعية الوطنية والدولية الخاصة في مرتبة الحقوق الملزمة كالتالي:
- المصادر الوطنية: ونعني بها نصوص التشريع الوطني التي تنص على الحريات والحقوق وفي مقدمتها يأتي الدستور الذي لم يخلو من فصل خاص بالحقوق والحريات وتكمن أهمية النص عليها من أنها تصبح ملزمة لسلطات الدولة.
وقد أورد الدستور المصري في الباب الثالث الخاص بالحريات العامة بعض المواد التي تنص على حرية التنظيم ومن أهمها:
- المادة (54): " للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون" .
-المادة (55) "للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكري".
- المادة (57) كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء".
- المادة (64): سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.
- المادة (65): تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.
- المواثيق الدولية: وهي المواثيق التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية دون أن تتقيد بإقليم محدد أو جماعة بعينها والأمثلة الواضحة عليها هي ما صدر عن هيئة الأمم المتحدة من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان بدء من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما تلا ذلك - أو تخلله - من اتفاقات.
وتؤكد هذه المواثيق على حرية الرأي والتعبير باعتبارها أحد أهم مقومات النظم الديموقراطية ولا يجب تقييدها سوى بما يقتضيه حماية الأمن القومي أو النظام العام أو حقوق الغير وسمعتهم كما ورد في المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وتكفل المادة (21) الحق في التجمع السلمي الذي يشير إلى حق المواطنين في عقد الاجتماعات للتعبير عن آرائهم وتنظيم المسيرات والتظاهر السلمي في الأماكن العامة شريطة ألا يقتصر هذا الحق على الأحزاب السياسية بل يشمل كافة التجمعات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
وهذا الحق يرتبط ارتباطا وثيقا بحرية تكوين الجمعيات التي تنص عليها المادة (22) بالقول أنه لا يجوز وضع قيود على حرية مشاركة الفرد مع الآخرين في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها لحماية مصالحه المشروعة عدا تلك القيود التي ينص عليها القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديموقراطي.
أولا: الاستبداد السياسي .. من الإقصاء إلى الأمنوقراطية.
ورغم الاعتراف المعلن بهذه الحقوق والحريات إلا أن الواقع يشهد انتهاكا واسعا لها وفيما يحاول البعض – في محاولة فاشلة - الربط بين واقعنا الاستبدادي وبين الدين من خلال الادعاء أن تاريخ الإسلام لم يكن سوى سلسلة متوالية من أنظمة الجور فإنه يغضون الطرف عن نمط من الاستبداد القائم الذي لا يستمد شرعيته من الإسلام والأمة.
هنا يلزم الإشارة إلى إن ثمة ظاهرة استبدادية تخلقت في رحم التوسع الإمبريالي الغربي، وما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على الواقع السياسي في بلادنا مما يعنى أن هناك استبدادا حداثيا وليس دينيا – حتى وإن كان يوظف المؤسسات الدينية لصالحه - يعمل على تأميم المجتمع من خلال توثيق علاقة الحزب الحاكم بالمؤسسات المدنية واحتواءها.
بكلمة أخرى: منذ الاستقلال أقامت النخبة السياسية حكمًا شموليًا فرديًا يعتبر كل أشكال المعارضة السياسية ضربًا من الفتنة وينعت المعارضين بأوصاف منفرة بما يعني إلغاء مبدأ شرعية المعارضة السياسية من جهة ويحكم في ظل قانون عام هو انتزاع الطاعة من الشعب بالعصا أو الجزرة أو كلتيهما وبين هذه وتلك يستخدم أساليب التسويغ والخداع والتضليل أو أساليب التخويف كما يستعمل (الجزرة) وهي أنواع أولها الهبة والمنحة والمنصب وأعلاها الحظوة.
وفي ظل هذا الوضع عاش المجتمع المدني في ظل حالة مزمنة من احتكار السلطة ويقترن ذلك بإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة وحتى في مرحلة التحرر الاقتصادي الشكلي، والانفتاح السياسي المحدود أصبحت الدولة أكثر تسلطًا حيث ترعرعت فيها المصالح الشخصية البيروقراطية الطفيلية في ظل آليات الخصخصة والانفتاح.
وفي رحم مرحلة الانفتاح ولد استبداد جديد، يسمح بوجود الأحزاب والبرلمان وحرية الصحافة وحرية التنظيم والتعبير ولكنه يرتكز على المؤسسات الأمنية بما يعنى أن عنوان هذه المرحلة هو : " الأمنوقراطية" وتشير إلى مرحلة جديدة تلعب فيها الأجهزة الأمنية والعقلية السياسية الأمنية دورًا في تعطيل قدرات الجماهير وتوظيفها في الوقت نفسه لاستمرار ما هو قائم.
وعلى الرغم من أن الأمنوقراطية هي نتاج فشل الدولة العسكرية الاستبدادية إلا أنها تحاول العمل على استمرار التحكم والسيطرة من خلال قيادتها لمرحلة الإصلاح السياسي الذي يشكل انفراجًا مؤقتًا للاحتقان السياسي والاجتماعي مما يعنى استمرار المناورة وتأجيل الإصلاح والتحول نحو الديموقراطية.
وهذه المرحلة تؤكد أن ظاهرة الاستبداد لا تقوم على أبعاد دينية وفكرية بما يجعلها خاصية عربية، ولكنها في جوهرها غرس خارجي وجد تربة صالحة فازدهر وتجذر! فالاستبداد يشير إلى طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع حيث يكون قويًا حسب قوة تدخل الدولة في المجتمع وقوة الدولة في مواجهة المجتمع وطوال التاريخ الإسلامي كانت الدولة قليلة التدخل نادرة الاحتكاك بالمجتمع إلى أن تغير الوضع في العصر الحاضر، وقامت الدولة بربط مواطنيها بحبل سري بها وتدخلت في كل شئونه!.
ثانيا: الحريات العامة.. انتهاكات واسعة
الحرية في معناها الواسع تعنى اختفاء القيود والضوابط المفروضة على النشاط الانسانى سواء كان هذا النشاط فرديا أو جماعياً أي أن الحرية هي قدرة الإنسان على التصرف دون قيود ولكن هذا لا يعنى الفوضى إذ يتم تنظيمها عن طريق القانون وهو ما يطلق عليه الحرية المسئولة.
وهناك أشكال وصور مختلفة للحريات:
- فقد تكون حرية فكرية ويقصد بها حرية الفرد في التفكير دون أي قيود أو رقابة وتشمل صور مختلفة أهمها حرية العقيدة أي حرية الشخص في أن يعتنق الدين الذي يفضله وحريته في ممارسة شعائر هذا الدين وحرية الرأي وتشمل حرية تكوين الرأي والتعبير عنه.
- وقد تكون حرية سياسية: ويقصد بها أن يتمتع الفرد بحقوقه السياسية كاملة وخاصة حقه في الانتخابات واختيار ممثلين في المجالس المحلية والبرلمانية وحقه في التنظيم وتكوين الأحزاب والجماعات السياسية،
- أو حرية اقتصادية: وتشمل حرية التملك والحق في العمل والحق في الحماية ضد الحاجة في حالة المرض أو البطالة أو الشيخوخة والحق في مستوى معيشي مناسب ويطلق على معظم هذه الحريات أيضا اسم "الحريات العامة" ويقصد بها مجموع الحقوق والامتيازات التي يتوجب على الدولة أن تؤمنها لمواطنيها وتنص العديد من المواثيق الدولية على ضرورة احترام هذه الحريات الأساسية ولعل أبرزها في ذلك المجال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وعادة ما يشير دستور الدولة إلى تلك الحريات الأساسية ويضع الضوابط التي تصونها ضد التجاوزات سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة نفسها مثل الدستور المصري في الباب الثالث بعنوان: "الحريات والحقوق والواجبات العامة"0
غير أن النظام السياسي يستخدم القوانين المقيدة للحريات من أجل قطع السبيل أمام مشاركة فعالة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، ومواجهة المعارضين السياسيين ممن ينتهجون منهجا سلميا في العمل السياسي.
فمن جهة نجد أنه يعوق المشاركة في الانتخابات من خلال تزوير الإرادة الشعبية بطريقة واضحة وهو الأسلوب الذي اتبعه قبل الإشراف القضائي الذي شهدته انتخابات عامي 2000 و 2005 وسوف يعود بكل تأكيد إلى إتباعه بعد إقرار التعديلات الدستورية التي أطاحت بالإشراف القضائي، والذي يتواكب معه التدخل الأمني لصالح مرشحي الحزب الحاكم، والتضييق على قوى وأحزاب المعارضة وأنصارهم .
ومن جهة أخرى يرفض قيام أحزاب تملك قواعد شعبية ويمكنها المنافسة الحقيقية في الانتخابات حيث يهيمن الحزب الحاكم على عضوية لجنة الأحزاب، والتي تتألف من رئيس مجلس الشورى رئيسا وعضوية كلا من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، إضافة إلى ثلاثة من أعضاء الهيئة القضائية يصدر قرار بتعيينهم من رئيس الجمهورية، أي أن حكومة الحزب الحاكم والرئاسة هي الخصم والحكم... وهذه اللجنة غالبا ما تعترض على تشكيل أي حزب جديد، وقد رفضت منذ تشكيلها في عام 1977 وحتى اليوم عشرات الأحزاب فضلا عن قيامها بعرقلة نشاطات أحزاب قائمة بالفعل.
ومن جهة ثالثة يقوم بضبط حرية الرأي والتعبير حيث يسمح بإصدار عدد من الصحف الحزبية والصحف الخاصة التي يملكها أفراد والتي تعرف "بالصحف المستقلة" والقنوات التلفزيونية الخاصة التي أتاحت للمشاهد المزيد من الاختلاف في الآراء لكنه يربط كل ذلك بقوانين ضابطة وضاغطة جعلها تبدو وكأن سقف الحريات فيها أعلى من بعض مثيلاتها العربية، فيما هي تمارس قدرا كبيرا من الكبت. ففي ميدان الصحافة على سبيل المثال صدر العديد من القوانين أو عدلت قوانين أخرى لغرض السيطرة على مضامين وسائل الإعلام والتحكم في آليات إصدار الصحف وملكيتها، وفي الوقت نفسه تم إعطاء هامش من حرية الرأي حيث تعتقد السلطات أن هذا الهامش يمكنه امتصاص زخم المطالبين بالحرية ولو لبعض الوقت.
وتسيطر الدولة في مصر على كم ونوع الصحف من خلال التعقيدات البيروقراطية الشديدة التي تفرضها القوانين الحالية على آليات إصدارها برغم أن الدستور يتيح للأفراد والأحزاب ذلك، ويقتضي الحصول على رخصة لإصدار صحيفة في مصر موافقة العديد من الجهات مثل المجلس الأعلى للصحافة وهو هيئة حكومية والأجهزة الأمنية المختلفة وأخيرا مجلس الوزراء ومثل هذه الموافقات تعد أمرا صعبا ومعقدا، فضلا عن ارتباط الموافقات على التراخيص بدفع مبالغ مالية كبيرة. ومن جهة رابعة يعتبر قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 نسخة مكررة من قانوني الجمعيات رقم 32 لسنة 1964 والقانون 153 لسنة 1999، بل إنه قد فرض المزيد من القيود على العمل الأهلي في مصر من خلال إعطاء صلاحيات واسعة لجهة الإدارة في تقييده سواء تعلق الأمر بالتأسيس أو الأنشطة أو مصادر التمويل .
ولم يكتف النظام السياسي بكل هذه الانتهاكات للحريات العامة من أجل تحجيم المعارضة عموما وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا فلجأ إلى القضاء الاستثنائي لمواجهتها حيث تنبه المشرع إلى أن الاصطدام المباشر مع السلطة القضائية قد يجلب إليه سوء السمعة دوليا فلجأ إلى وسائل أخرى أقل ضجيجا وأكثر فعالية مثل القضاء الاستثنائي - كما سنرى - وهو تقليد متوارث منذ عصور الاحتلال الأجنبي.
ثالثا: تعددية مقيدة .. معارضة مهمشة.
تمثل المشاركة السياسية أرقى تعبير للديمقراطية لأنّها تقوم على مساهمة المواطنين في القضايا المختلفة مثار الاهتمام على المستوى المحلي والوطني وتندرج في إطار التعبير السياسي الشعبي وتسيير الشأن السياسي من قبل كلّ أطراف المجتمع.
وتمرّ بدرجات أو مراحل مختلفة فتبدأ بالاهتمام بالشأن العام أو السياسي، ثم تتطور إلى الانخراط السياسي، ثم تتحول إلى القيام بنشاط سياسي، حتى تنتهي بالوعي بضرورة تحمّل المسؤوليات السياسية وتعاطي النشاطات السياسية وكل أشكال العمل والنضال السياسي وكلّ هذه المراحل ما هي إلا تعبيرات مختلفة لتفعيل مفهوم للمواطنة.
ويوجد دور حيوي للدولة في تعزيز المشاركة من خلال حرصها على قبول نتائج صناديق الاقتراع والتوجهات الحرة للرأي العام، والعمل في نفس الوقت على أن يحكم القانون إضافة إلى أن من بين وظائفها: الوظيفة التربوية السياسية التي تتمثل في تدعيم اهتمام المواطنين بالشأن العام وإدماج جميع فئات المجتمع في العملية السياسية، والوظيفة الأمنية وتتلخص في تحقيق العدل وكفالة جميع الحقوق بما يعنى تقنين مبدأ المساواة والاعتراف الواقعي بكافة الحقوق العامة والخاصة للمواطنين وتمكينهم منها.
ويبدو أن هناك فجوة بين النظريات والنصوص من جهة وبين الواقع من جهة أخرى والمثال الأوضح على ذلك هو أن الخريطة الحزبية لا تمثل واقع التعددية المجتمعية ونسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية وآخرها انتخابات عام 2005 والتي وصلت نسبة المشاركة فيها – حسب الإحصاءات الرسمية - إلى نحو 26 % فقط من المقيدين بالجداول الانتخابية والذي يصل عددهم إلى 32 مليون مصري بما يساوى أكثر قليلا من 8 مليون مواطن.
ومن اللافت أن المجتمع شهد وقتذاك حالة من الحراك السياسي أسهمت لحد ما في اتخاذ النظام السياسي لبعض الخطوات الإصلاحية بهدف تقليل حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد حيث وافق على أن تجرى الانتخابات في صناديق شفافة وبأحقية المنظمات الحقوقية في مراقبة الانتخابات وهو ما انعكس إيجابيسا على المرحلة الأولى من تلك الانتخابات بوجود نسبة مشاركة كبيرة نسبيا.
لكن سرعان ما انخفضت المشاركة بطريقة مؤسفة في المرحلتين التاليتين نظرا لقيام أجهزة الأمن بإغلاق العديد من الدوائر ومنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بعد أن اتضح أن جماعة الإخوان المسلمين التي لا تملك تمثيلا حزبيا في طريقها لتحقيق نسبة الثلث من أعضاء مجلس الشعب.
وهذه الممارسات أعطت مؤشرا واضحا على حقيقة التعديلات الدستورية التي قامت بها حكومة الحزب الوطني بعد الانتخابات حيث لم تلبي الحكومة مطالب المعارضة والحركات الشعبية بإجراء تعديلات تسمح بالتعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة في النظام السياسي.
فضلا عن أن الحزب الوطني نفسه والذي رفع شعارات الديمقراطية والإصلاح لم يتزحزح عن موقعه كنموذج للحزب المسيطر، والذي تنبع سيطرته من "الهيكل البيروقراطي للدولة"، فالحزب مندمج في "هيكل الدولة"؛ مما يعني أننا إزاء التوحد بين السياسي والحزبي ، وأن النموذج الأساسي يتمثل في هيمنة السلطة التنفيذية على مقادير الدولة، ويظهر ذلك في تنصيب وتمثيل قيادات الدولة التنفيذية ... في المناصب العليا للحزب (الرئيس - الأمين العام - أمين التنظيم - أمين الإعلام - أمينة المرأة - أمين العمال - أمين الفلاحين - أمين الشباب)، هذا إلى جانب أعضاء المكتب السياسي كل هذه التطورات أكدت أن البلاد لم تغادر مرحلة الأمنوقراطية التي يتم في إطارها تهميش المعارضة، والتقليل من حجمها بشكل يضعف من قوتها، ومن أهم الوسائل المتبعة في هذا الإطار الأساليب القمعية التي استخدمت أكثر من مرة في وجه المظاهرات والإضرابات .. ثم إزاء المعارضين السلميين.
1– 2 : الصعـود السياسـي للإخوان وتداعياتـه
تتمتع المعارضة السياسية في المجتمعات الحديثة بحقها الدستوري والسياسي الديموقراطي في العمل، كمعارضة، مع إحاطة ذلك الحق بالضمانات القانونية والتشريعية اللازمة لذلك، بالإضافة إلى السعي لتمكينها من حق الوجود، ومن حرية العمل السياسي، وذلك بهدف منع أي قوة سياسية من أن تعبر عن نفسها ومطالبها خارج القواعد الديموقراطية.
وهذا يؤدى إلى صون الحياة السياسية من الاضطراب، لكن المعارضة السياسية فى المجتمعات العربية ومن بينها الدولة المصرية حالها مختلف!، حيث لا تنظر إليها السلطات الحاكمة نفس النظرة التي تنظرها السلطات في الدول الديمقراطية في قارات العالم المختلفة.
ففي تلك الدول توجد صور ثلاث تعبر عن سعى المعارضة السياسية نحو تحقيق هدف الوصول للسلطة، وهي كالتالي:
- الصورة الأولى: حيازة السلطة حيازة كاملة من طرف الفريق السياسي المعارض، وهذه الحيازة تحدث حينما يميل ميزان القوى الداخلي إلى القوة السياسية المعارضة فى معادلة الصراع على السياسة والسلطة، وغالبًا ما يحدث ذلك لأحزاب المعارضة المتمتعة بالتمثيل الشعبي الواسع.
- الصورة الثانية: هي اقتسام السلطة بين المعارضة السياسية والنخبة، أو النخب الحاكمة، وهذا لا يحدث إلا في حالتين هما: امتلاك المعارضة قوة ضغط ونفوذًا كبيرًا يسمح لها بإجبار النخبة الحاكمة على قبول مثل هذا الاقتسام للسلطة، مع حيازة النخبة لثقافة سياسية ديمقراطية حديثة.
- الصورة الثالثة: هي المشاركة في السلطة من قبل المعارضة بحصة غالبًا ما تكون متواضعة، ولا ترقى لمستوى اقتسام السلطة.
والواضح أن الخبرة المصرية في ظل "التعددية المقيدة" لم تشهد أي صورة من هذه الصور نظرا لأن النظام السياسي لم يبرهن حتى الآن على قبوله بمبدأ تداول السلطة فضلا عن سعيه إلى إضعاف المعارضة السياسية بطريقة مستمرة.
وفي هذا الإطار لا يمكن إعفاء قوى وأحزاب المعارضة نفسها من مسئولية المشاركة في عملية الإضعاف بل وترسيخ الاستبداد حيث أن المعارضة السياسية يمكن أن تسهم في تدعيم الاستبداد من خلال فقدان معناها الحقيقي وفعاليتها في الشارع السياسي وهو ما يترتب عليه عدم التفات النظام إليها، أو أن تتورط مع النظام السياسي بحيث تبدو مستفيدة من الوضع القائم.
أولا: إرهاصات الصعـود
إن المعارضة المصرية تعاني عموما من مأزق مزدوج طرفه الأول يتمثل في حالة الجمود الفكري والحركي الذي يسيطر على الأحزاب السياسية الموجودة والثاني يتمثل في زيادة الضغط السلطوي والالتفاف من جانب النظام السياسي على مطالبها الإصلاحية بشكل يجعل من العلاقة بين الطرفين علاقة تبعية أكثر من كونها علاقة أنداد.
وفي هذا الإطار توجد بعض الاختلالات داخل بعض أحزاب المعارضة تقود إلى ترسيخ الاستبداد مثل: الضعف البنيوي، والرغبة في حصد المكاسب دون مقابل، وعدم الرغبة في تشكيل تحالف أو ائتلاف لمواجهة الممارسات الاستبدادية للنظام السياسي، وعدم وجود فوارق واضحة في الفكر والمنهج بينها وبين الحزب الحاكم.
وفي هذا الإطار يلزم الاعتراف أن القوى الإسلامية ذاتها غير معصومة من الخطأ لكونها تجربة جديدة في أرض مليئة بالألغام السياسية فرغم أنها تدعو إلى الديمقراطية والإصلاح وبدأت تمارسه داخل مستوياتها التنظيمية بالفعل إلا أنها ما زالت تعاني من ضعف التجديد الفكري والمعرفي فضلا عن أن بعض الأعضاء لا يقتنع بالنضال داخل جماعته من أجل قيم الحرية، والتفكير والتغيير والنصح، والتوجيه وهي المطالب التي قد يضحي بحياته من أجلها في الخارج!
ورغم هذا الواقع المليء بالقيود واحتمالات الأخطاء فإن جماعة الإخوان المسلمين ظلت تدعو للإصلاح والديمقراطية وبدأت في العودة إلى مكانها الطبيعي كأهم قوة شعبية إصلاحية معارضة منذ مبادرتها للإصلاح عام 2004 وساهم في صعودها المناخ الدولي والإقليمي المنادي بالإصلاح فضلا عن أن الغالبية الساحقة من أحزاب المعارضة قليلة الحيلة، صغيرة العدد، غير معروفة بأي دور سياسي يتجاوز إصدار جريدة يومية أو أسبوعية، والقليل منها والذي لا يتجاوز أربعة أحزاب في الواقع، تعبر عن تيارات وقوى سياسية وفكرية وأيديولوجية واضحة المعالم.
وهذا الصعود يؤكد أن الحملات الأمنية والإعلامية، والاعتقالات المستمرة لم تمنعها من أن تكون من أهم الحركات السياسية التي لها وجود في الشارع السياسي المصري، وقد حددت الجماعة مطالبها من خلال التأكيد على نقاط معينة في قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي مثل: إنهاء قانون الطوارئ، وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات والصحف، بما يعني أن الجماعة تستند إلى مشروع سياسي وهو المشروع الديموقراطى.
وفي إطار هذا المشروع تنوعت آليات الجماعة بين أسلوب الضغط بالمظاهرات والمؤتمرات الشعبية، والسعي لتكوين جبهة وطنية من جميع الأحزاب والقوى الوطنية الفاعلة للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح وتأييد استقلال السلطة القضائية ..إلخ.
ثانيا: صعود انتخابي مـدوي
كانت الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2005 نقطة فاصلة في العلاقة بين النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين إذ رغم الانتهاكات الخطيرة التي شابت العملية الانتخابية والتي رصدها تقرير مركز سواسية وتقارير المنظمات الأخرى عن نتائج مراقبة الانتخابات وقتذاك فقد تمكن الإخوان من تحقيق فوز كبير تمثل في فوز 60% من مرشحيهم في الانتخابات ودخول 88 نائبا منهم لمجلس الشعب يمثلون بذلك أكبر كتلة معارضة في تاريخ البرلمان المصري، ويشاركون في الوقت نفسه في ظهور الإخوان المسلمين كقوة سياسية كبيرة خلال الأعوام اللاحقة.
وهذا الإنجاز الانتخابي غير المسبوق هو دليل على تأثير الجماعة في المجتمع إلا أنه ينبغي الحذر عند الربط بين الصعود الانتخابي وبين وزن أي قوة اجتماعية أو سياسية نظرا لأنه يثير قضايا تتعلق
أولا: بالمصداقية، وهل يمكن الاستدلال بالمؤشر الانتخابي في عملية الصعود على الساحة السياسية؟
وثانيا: بالكفاية، وهل يكفي هذا المؤشر للدلالة على عملية الصعود السياسية؟ وثالثا: الملائمة، وهل يعطى هذا المؤشر دلائل على أن هذا الصعود يعنى وجود تأثير وفاعلية في المجتمع؟ أم أن المجتمع أراد التعبير عن رغبته في تجربة البديل وعقاب السلطة على استبدادها وفسادها؟
إن الفاعلية الاجتماعية والسياسية هي قضية أبعد بكثير من مجرد مقاعد انتخابية حصلت عليها قوة سياسية معينة في مؤسسة سياسية أو غير سياسية، ويكتسب العمل الاجتماعي والسياسي الفاعلية والتأثير إذا كان مستندًا إلى "مشروع" يؤسس لها عوامل النجاح والصعود، مثلما كان للأحزاب الوطنية قبل ثورة يوليو 1952 مشروع وطني استقلالي اشتبك مع الاحتلال الأجنبي ودحره بالنضال السياسي الجماهيري، أو بالكفاح المسلح...إلخ، مع ضرورة الإشارة إلى أن أي مشروع في الوقت الراهن لابد وأن يأخذ عناوين مثل: الديمقراطية، والتنمية كسبيل وحيد للاستقلال.
وإذا كان الإخوان قد ناضلوا منذ العام 2004 من أجل الديمقراطية والإصلاح فإنهم لم يكونوا حتى هذه اللحظة قد بلوروا مشروعهم الوطني المتكامل أو تبنوا رؤية استراتيجية من أجل الدفاع عنه واجتذاب المجتمع من أجله، وربما يفسر ذلك الإنجاز أن الكتلة الغالبة في المجتمع والتي تحرص السلطة دائما على ترويضها بينما تحرص القوى السياسية الأخرى على استقطابها كواحد من أهداف حركتها السياسية قد تعاطفت مع مرشحي الجماعة وكان بالإمكان أن يؤدي هذا الأمر إلى أن يحقق الإخوان نسبة الثلث في البرلمان وهو ما فطنت إليه بعض المؤسسات الحكومية بعد الإعلان عن نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات فاضطرت إلى إغلاق مقار اللجان الانتخابية ومنع الناخبين من الوصول إليها .
كما يفسر ذلك الإنجاز أن الجماعة تبنت خطابا ثلاثي الأبعاد، الأول: دولي: يشرح أنه ليس هناك ما يمنع من العمل السياسي الديمقراطي والعملية الانتخابية، وصفة الإسلامية لا تمنع أو تعوق من ممارسة الأدوات الديمقراطية. الثاني: للشعوب: أن الدين لا يمكن إهماله في عملية التنمية وهو مستهدف من قوى خارجية وداخلية. الثالث: خطاب للسلطة: أنكم فشلتم في التنمية في إطار الخطط العلمانية والمستوردة التي تسببت في اتساع نطاق الفقر والفساد في البلاد، وبناء عليه فإن الإسلاميين قادمون!.
ورغم عدم ملائمة أجزاء من هذا الخطاب مع الواقع السياسي في البلاد من جهة أنه يؤدي إلى استفزاز النظام وبعض مؤسساته ضد الجماعة إلا أن هذا كله قد ساعد في تعزيز وضع الجماعة في الحياة السياسية المصرية، كما ساعد علي تحولهم إلي قوة المعارضة الرئيسة.
ولكن هذه القوة واجهت تحديين رئيسيين، تعلق الأول بما تعنيه المرجعية الإسلامية علي كافة أصعدة الحكم والاجتماع، في إطار دولة حديثة وفي بلد كبير وبالغ التعقيد. أما التحدي الثاني فيتعلق بوضع الإخوان المسلمين كقوة سياسية والتي ما زالت تعتبر – من وجهة نظر النظام السياسي - حتى الآن قوة غير مشروعة قانونا.
ثالثا: التخويف.. ردود على الصعـود
كان من المفترض أن تدفع نتائج الانتخابات البرلمانية كافة الأطراف إلي محاولة التعامل مع هذين التحديين فمن جهة كان يلزم الاعتراف للإخوان بوضعهم كقوة رئيسة وبحقهم في العمل السياسي الشرعي شريطة أن تنجز الجماعة مشروعا سياسيا لها ومن جهة أخرى كان علي الدولة المصرية أن تبدأ خطوات تصحيح الموقف القانوني للإخوان المسلمين، وتطبيع الحياة السياسية المصرية إذ سيصبح من غير المفهوم إبقاء القوة السياسية المعارضة الكبرى خارج نطاق المشروعية، بينما يصوت المواطنون المصريون لمرشحيها في كل محافظة من محافظات البلاد.
لكن يبدو أن النظام السياسي قد سعى إلى إرسال رسالة للجماعة مفادها أن شيئًا لم يتغير وأن استراتيجية التحجيم والاحتواء ستظل متبعة تجاه الجماعة فضلا عن أنه أطلق حملة تخويف مدروسة عقب الصعود السياسي للجماعة في تلك الانتخابات.
وقد بدأت هذه الحملة الدعائية بمشاركة إعلاميين وليبراليين - مسلمين وأقباط - من أجل التهويل والتضخيم واستخدام النتائج فزاعة للتخويف من قرب وصول الإسلاميين للحكم بما خدم النظام جيدا حيث عمل على تغطية فشله الداخلي والخارجي وروج لفكرة بقاء استبداد قائم نعيش ونعمل في ظله أفضل من استبداد إخواني ديني محتمل في المستقبل لا يطاق!.
وتطورت هذه الحملة بعد مشاركة القيادة السياسية بتصريحات ضد الإخوان في أكثر من مناسبة تعتبر أن الجماعة تسعى لأن تكون بديلاً للنظام القائم وسوف تكون مصر "محاصرة" أو "متناحرة" على غرار النموذجين الفلسطيني والجزائري.
رابعا: احتكار السياسـة .. اعتقـالات وتعديـلات.
ولم تتوقف الأمور عند استعمال الأسلوب الدعائي مع الجماعة حيث لجأ النظام إلى الإسراف في أسلوب الاعتقالات حيث زاد عدد المعتقلين على 1000 مواطن من أعضاء الجماعة بين شهر مارس وشهر ديسمبر عام 2006 رغم أن هذا العام لم يشهد سوى المظاهرات المناصرة للقضاة فقط ثم وصل عدد المعتقلين إلى نحو 2204 شخص خلال العام 2007 بدءا من الاعتقالات التالية على أحداث جامعة الأزهر خلال ديسمبر 2006 (والتي كانت ذريعة ملائمة جدا لتحويل قيادات الإخوان للمحكمة العسكرية وسط حملة دعائية قوية أشرنا لها في موضع سابق).
وفي الوقت الذي بدأت فيه إجراءات المحاكمة العسكرية وزادت وتيرة الاعتقالات شهدت البلاد احتجاجات عمالية كثيرة، وأعربت مختلف القوى السياسية والفكرية عن مخاوفها من سيناريو التوريث وبدلا من أن يعمل النظام السياسي علي بناء علاقات متوازنة مع قوى المجتمع المختلفة فإنه أجرى تعديلات دستورية مثيرة للجدل بعد فترة قصيرة جدا على إقرار قانون جديد للسلطة القضائية اعترض عليه نادي القضاة لأنه لم يأخذ في الاعتبار معظم مطالب القضاة.
وإضافة إلى أن هذه التعديلات لم تقترب من مفهوم تداول السلطة نجد أنها أجهزت على مفهوم المشاركة الشعبية بعد إنهاء الإشراف القضائي على الانتخابات، ولم تعزز من صلاحيات السلطة التشريعية وأبقت على الاختصاصات الضخمة للسلطة التنفيذية كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مطالب فئات هامة في المجتمع مثل القضاة والصحفيين.
ورغم تلك التعديلات الدستورية فضلا عن استمرار الحصار الأمنى والحملات الإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية شاركت جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى يونيو 2007 وانتخابات المحليات أبريل 2008.
ولم تستجب الجماعة لدعوات المقاطعة التي طرحتها بعض القوى والأحزاب السياسية, مؤكدة أن المقاطعة أمر مشروع لكل القوى والتيارات الوطنية ولكنها في ظل الظروف السياسية الصعبة التي تشهد احتكارا للسياسة وتأميما للمشاركة لا تحل المشكلة والإخوان يحاولون تجاوز الاحتجاج إلى محاولة إيجاد حل.
واعتبر الإخوان أيضا أن الانتخابات تمثل ورشة عمل ضخمة للتدريب على التفكير والإعداد، واتخاذ القرارات، وتنفيذ الإجراءات، ومتابعة الأعمال، وتقييم الجهود والأفراد، وضخّ دماء جديدة في حياة الإخوان.
واختارت الجماعة المشاركة لتوصيل عدة رسائل: أولها: إلى الإخوان أنفسهم: بأن الجماعة وبرغم الضربات الأمنية المتلاحقة ما زالت تتمتع بالقوة والعافية والقدرة على المنافسة،والثاني: إلى الشعب المصري: أن الإخوان أهلٌ للثقة التي حصلوا عليها في 2005م من جهة، ودعم للتيار المطالب بالحقوق والحريات من جهة أخرى، الثالث: إلى النظام السياسي: بأن التعامل الأمني ليس هو الحل بل هو المشكلة، الرابع: إلى القوى الدولية: بأن الجماعة مصرة على مواصلة التغيير والإصلاح بالأسلوب السلمي والديمقراطي.
خامسا: المحاكمـة .. نتيجة منطقية!
ووسط أسلوب مستمر من الاعتقالات شهدت جامعة الأزهر أوائل ديسمبر 2006 عرضا رياضيا لطلاب الأزهر كان مفاجئا (وصادما) للبعض، فتبارت الصحف والقنوات الفضائية في نقل وقائعه وخلع كل صفات العسكرة والقوة عليه، ما بين «ميليشات»، و «جيوش، و«تدريبات عسكرية» و «شبه عسكرية» و «حرب أهلية»!.
في حين شنت بعض وسائل الإعلام هجوماً عنيفاً، بهدف التمهيد لاتخاذ إجراء فعلي تجاه الجماعة، بعد أن أظهر طلابها «متلبسين» في ممارسة عروض القوة والتشبه بحركات المقاومة في فلسطين المحتلة، وبالفعل لم تمر سوى اثنين وسبعين ساعة، فصلت بين العرض المسرحي، وصدور مذكرة اعتقال طالت 132 عضو في الجماعة، ما بين طلاب وأساتذة وقادة تنظيميين.
وبدأت القضية بمحضر تحريات لا يستند إلى دليل مادي ويتهم قيادات الإخوان بأنهم يعملون على إعادة إحياء نشاط جماعة الإخوان المسلمين ونشر أفكارها ومبادئها وعقد اجتماعات تنظيمية تهدف للتغلغل داخل القطاع الطلابي وعمل المظاهرات وتعكير صفو الأمن وإشاعة جو من الفوضى .. إلى آخر هذه الاتهامات المتكررة!.
وبتاريخ 5 / 2 / 2007 أصدر رئيس الجمهورية قرارًا برقم 40 لسنة 2007 بإحالة موضوع القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا إلى القضاء العسكري.
وبعد حوالي ما يقرب من عام من الجلسات حجزت القضية للحكم يوم 26 فبراير 2008 غير أنها تأجلت إلى يوم 25 مارس ثم 15 أبريل حيث صدرت أحكام قاسية بحق المتهمين.
وتواكب ذلك التأجيل مع انتخابات المحليات التي شاركت فيها الجماعة وتعرضت لحملات أمنية وإعلامية قوية إضافة إلى منع آلاف من مرشحيها من خوض الانتخابات ويمكن القول أن التأجيل يرجع إلى الرغبة في صرف الانتباه عما يجري في انتخابات المحليات من تجاوزات وانتهاكات وخصوصا فيما يتعلق بترشيح المعارضة عموما والجماعة خصوصا للمحليات، وفيما يتعلق باختيار الحزب الوطني لمرشحيه ودلالاته من جهة وإضعاف تأثير الجماعة في المحليات من جهة أخرى وكذلك إضعاف تأثير الأحكام على الرأي العام، من خلال تقليل التعاطي الإعلامي مع القضية من جهة ثالثة فضلا عن أن الأوضاع السياسية والاقتصادية وما يصاحبها من حملات مطلبية لفئات مهنية عديدة قد دفعت للتروي في إصدار الأحكام التي قد تتراوح كالعادة بين الإفراج والإدانة بأحكام مخففة أو قاسية .. حيث إن ثمة مأزق يعانيه النظام يتمثل في ارتفاع الكلفة السياسية والاقتصادية لضرب الإخوان بما قد تنوء به البلاد، خاصة أن النظام يعيش أضعف لحظاته مع تصاعد أزمات الغلاء التي طالت السلع الأساسية ، وكذا توسع حملات المعارضة للنظام وسياساته ودخول قوى غير تقليدية فيها لأسباب مطلبية مثل العمال والمهنيين.
ومنذ البدء في هذه المحاكمة وحتى موعد صدور الأحكام القاسية فيها تمحورت التساؤلات حول أسباب توجيه هذه الضربة القوية للجماعة وطرحت احتمالات متعددة كان أكثرها تشاؤما هو أن هذه الضربة القوية للجماعة ليست سوى مقدمة للقضاء على الجماعة واستئصالها!
وهنا يبرز إجماع على أن هذه العملية غير ممكنة، وأن فشل الضربات التي وجِّهت إلى الإخوان خلال الثمانين عامًا الماضية دالٌّ على عمق حضورها في المجتمع، لكن يبدو أن النظام السياسي يعمل على إضعاف وجود الجماعة وتأثيرها أملا في أن يحدث لها تحلل ذاتي يزيل عنه معضلة البحث عن حل لتوفيق أوضاعها سياسيا، وهو ما تعتبره الجماعة خيالا على اعتبار أن الضربات تقويها ولا تضعفها.
الفصل الثاني: المحاكمة العسكرية فى ضوء تحولات النظام السياسي
فى ظل المعطيات المحلية والدولية، يثور التساؤل عن وضع الإخوان المسلمون فى النظام السياسي وطبيعة العلاقة بينهم ونظام الحكم، وهذا ما يقتضى التعامل تحليلياً مع تركيبة وأداء كل منهما فى سياق المناخ السياسى داخلياً وخارجياً، وذلك خلال الفترة 2000 – 2007 م.
ويتناول هذا الفصل الوضع السياسى فى البيئة المحلية وكذلك البيئة الدولية، اللتين شهدتا محاولات لتطبيق سياسات التحول الديمقراطي والاقتصادي بالإضافة إلي الأزمات السياسية الإقليمية ثم السياسات فى النظام المصرى، وذلك باعتبارها مدخلات تؤثر فى البيئة المحلية.
كما يتناول استمرار الخلاف السياسي بين نظام الحكم والإخوان المسلمون، فى إطار التنازع على الشرعية السياسية، ومدى تحقق شرعية الإنجاز لدى النظام، حيث أن قدرة نظام الحكم على تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية يؤدى لبناء سياسات معتدلة مع المعارضة واحترام القانون، فان كثرة اللجوء للقوانين الاستثنائية هو الوجه المقابل للتعبير عن نقص الشرعية السياسية.
2 – 1 المناخ السياسى فى البيئة الدولية
تعد دراسة المناخ السياسى فى هذا المستوى من العناصر الضرورية لتحليل التوجهات وبناء السياسات ، وذلك من خلال استكشاف التحديات والفرص التى يوفرها النظام السياسى القائم، وأيضا ما توفره البيئة الدولية من إمكانات.
- سياسات التحول الديمقراطى والاقتصادى : بدأ التأسيس لهذه السياسات منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضى ،وخلال عملية تطبيق سياسات التحول السياسى والاقتصادى ثار جدل كثيف حول عدد من المسائل المهمة ومنها ، دور الدولة ، التنمية المستدامة ، الحكم الرشيد، المحاسبة ، الشفافية، وعلى أهمية هذه التوجهات أثيرت أيضاً مسألة مشاركة أو دمج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى ، وكانت قمة النقاش حول هذه المسألة فى السنوات 2002 - 2005 .
وكان من الملاحظ أن المناقشات – رغم تعدد توجهاتها – اتجهت فى غالبها لإدماج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى ، غير أن هذا التوجه لم يتحول لقناعات لدى المؤسسات السياسية وظل مسألة جدلية فى داخلها، فعلى مستوى المؤسسات الأمريكية والأوربية ، لم يحسم الجدل بشأن مشاركة الحركات الإسلامية فى السلطة ، ويمكن وصف الجدل هنا بأنه يمثل حالة انقسام يصعب التنبؤ بمآلها ، وخاصة فى ظل تعثر سياسات التحول السياسى والاقتصادى فى العديد من البلدان مثل؛ مصر ، الجزائر ، لبنان ، الأردن ، تونس ، اليمن ، وسوريا ، وذلك إلى جانب ضعف الأداء فى سياسات التحول الاقتصادى أيضاً ، وهو ما يلقى بظلال سلبية على موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى من التحول السياسى فى بلدان الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة الحركات الإسلامية فى السلطة.
وقد ارتبطت السياسة الأمريكية المتعلقة بالإصلاح بتفكيك البنية المحتملة لمساندة الحركات الإسلامية، وأسست سياستها على أن تنامي قطاع الشباب وارتفاع المعدلات العالية للنمو السكاني في العديد من الدول الإسلامية يخلق احتياجات تعليمية واقتصادية واجتماعية تلبيها الحركات الإسلامية مستفيدة من عجز النمو الاقتصادي وقلة فرص التوظيف، وهو ما يفرض تهديدًا للمصالح الأمنية للولايات المتحدة، وفى هذا السياق تبذل السياسة الأمريكية اهتمامًا بالمبادرات التي تحسِّن الظروف الاقتصادية للشباب عبر الدوائر المحلية والمنظمات غير الحكومية، وبهذا المعنى فإن السياسة الأمريكية لا تسعى لمعالجة الأزمات السياسية بحد ذاتها، ولكنها تعالجها فى إطار سياسة وقائية لتقويض المصادر المحتملة لـ"الإرهاب".
- تجدد الأزمات السياسية فى المنطقة : هناك أربع أزمات إقليمية تؤثر نتائجها على الأوضاع الداخلية للدول فى منطقة الشرق الأوسط – منها مصر - ، حيث تشمل أبعادها ، ليس فقط العلاقات بين الدول ولكن أيضاً التركيبة الداخلية للنظم السياسية، ومن ثم فإن التعرف على المسار المتوقع لسيرورة الأزمات الأربع ؛ الفلسطينية ، العراقية ، اللبنانية ، ثم الأزمة الإيرانية – الأمريكية ، يساعد فى تحليل شبكة العلاقات الداخلية للنظم السياسية المحلية ومدى انفتاحيتها.
أ- الأزمة الفلسطينية : تعد الأزمة الفلسطينية من الأزمات الممتدة والمركبة ، وفى ظل الأوضاع الحالية يصعب التنبؤ بحدوث تغيرات جوهرية بشأنها ، ويمكن القول أن الوضع الراهن وطبيعة العلاقات بين الأطراف المنخرطة فى الأزمة ، يرجح استمرارها فى المدى المنظور.
وهناك عدة خصائص رئيسية لهذه الأزمة إلا أنه يمكن التركيز على اثنين منها، وهما ، وضع الحركة الإسلامية فى الأراضى الفلسطينية فى ظل البحث عن إطار للتفاوض والتسوية السياسية ودور الإخوان المسلمون فى مصر كطرف مساند للقضية الفلسطينية بشكل عام .
وتكمن أهمية هذا التحديد فى أنه يكشف عن طبيعة العلاقات والتفاعلات بين الأطراف المنخرطة فى الأزمة ، ومدى انعكاسها على المستوى الإقليمى فى التعامل مع الحركات الإسلامية ، فالتوجهات السابقة على مؤتمر " أنابولس" واللاحقة عليه تتقارب ضد الحركات الإسلامية.
ب- الأزمة العراقية : تتكون هذه الأزمة من عاملين ؛ السياسة الأمريكية لبناء النظام الدولى الجديد فى فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ، وسياسة مكافحة الإرهاب ، ومن هذه الزاوية يمكن النظر للأزمة العراقية على أنها أزمة ذات أبعاد دولية تحتاج تسويتها إلى وقت قد يطول. وفى ظل غموض الرؤية الأمريكية تجاه العراق ، لا يتوقع حل أو تسوية للأزمة خلال السنوات الأربعة القادمة ، فرغم مرور خمس سنوات على الاحتلال الأمريكى للعراق ، لم يتم تبلور رؤية سياسية قادرة على تحقيق الاستقرار، ومع استمرار هذا الوضع ، فإن سلم الأولويات الأمريكية سوف ينحاز لحشد الموارد السياسية لمعالجة هذه الأزمة ، سواء بدعم وتفعيل مؤتمرات دول جوار العراق ، أو السعى لتوفير مساندة إقليمية للسياسات الأمريكية .
ج - الأزمة الإيرانية – الأمريكية : تعد الأزمة الحالية بين الطرفين امتداداً لتراكم الخلافات بينهما منذ وقوع الثورة الإيرانية فى 1979 وما ترتب عليه من انقلاب حاد فى النظام السياسى الإيراني .
ورغم عداء الولايات المتحدة إلا أن سياستها لم تحقق نجاحاً يعتد به، وذلك للأسباب التالية :
• مرور النظام الدولى بمرحلة انتقالية خلال هذه الفترة ، ترتب عليه انخراط الولايات المتحدة فى الصراعات المحلية والإقليمية فى وسط آسيا والمشرق العربى وشرق أفريقيا. • أن النظام الإيرانى لم يظل أولوية أولى فى أهداف السياسة الأمريكية ، فيما حظيت الجماعات الإسلامية السنية المذهب اهتماماً مبالغاً فيه خلال هذه الفترة .
• ارتفاع القدرات التفاوضية للنظام الإيرانى نتيجة عاملين ؛ الأول: اختلاف المصالح الدولية بشأن إيران ، الثانى: تعدد أدوات التأثير لدى الإيرانيين وبشكل خاص فى لبنان .
وباستمرار هذه العوامل ، فإنه لا يتوقع الانتقال بالأزمة من مستوى المفاوضات إلى الدخول فى حرب مباشرة ، دون تمهيد الوضع الدولى وتهدئة الأزمات الإقليمية الأخرى .
د- الأزمة اللبنانية : ترتبط الأزمة اللبنانية مباشرة بالأزمتين ؛ الفلسطينية ، والإيرانية الأمريكية ، وبالنظر إلى تعدد الأطراف المنخرطة فيها، يمكن القول أن التوصل لتسوية فى الأزمة اللبنانية – ليس فقط انتخاب رئيس – سوف يكون محصلة تسويات أخرى فى الملف الإيرانى – الأمريكى ، وفى العلاقات السورية – الأمريكية ، ومع تعدد أطراف الأزمة اللبنانية، فإن استمرارها سوف لا ينعكس فقط على هذه الأطراف، ولكنه يمتد ليؤثر فى الأوضاع الإقليمية ، سواء من ناحية التأثير المباشر كما هو فى الحالة الفلسطينية ، أو التأثير على مناعة نظم الحكم ضد التدخلات الخارجية .
2 – 2 البيئة السياسية للنظام المصرى
لدى تناول بيئة النظام المصرى ، فإنه من الضروري وضع عدد من المحددات الكاشفة عن طبيعة السياسات التى اتخذها عبر فترة من الزمن ، وذلك لتحديد شكل تطورها فى المستقبل فى ظل العوامل المحلية والدولية ، وانعكاساتها على قدراته .
- النمط الرأسي للتفاعلات داخل النظام السياسي: يعد هذا النمط هو السائد فى العلاقات بين مكونات النظام السياسى، حيث تسعي السلطة السياسية لتأكيد هيمنتها على العلاقات السياسية هذا من ناحية، كما تعمل على إضعاف الروابط والاتصالات بين القوى السياسية من ناحية اأخرى، وهذا ينطبق بشكل أساسي على طبيعة العلاقة بين كل من أحزاب المعارضة والقوى السياسية من جهة وبين الحزب الوطني والمؤسسات السياسية من جهة أخرى.
وقد مثلت الفترة من يوليو حتى نوفمبر 2005 ـ من حيث الزمن ـ انقطاعاً لهذا النمط ، فقد تشابكت التفاعلات السياسية خلال هذه الفترة ، ولكنها عادت للإطار السابق وبشكل مفاجئ، وهذا ما يثير السؤال التالى: لماذا لم تستطع القوى السياسية او المعارضة بشكل عام الاستحواذ على المكاسب السياسية المتحققة منذ بداية نفس العام وتطويرها ؟
- العلاقات التشابكية المتساندة : يعد هذا النمط هو الحالة المتطورة على النمط السابق ، ويقصد به تعدد التفاعلات المتبادلة بين الفاعلين فى النظام السياسى ومدى تحقيق التحول السياسي، ويكشف فى ذات الوقت عن الفرص التى يتيحها النظام السياسى لحدوث توازن سياسى بين القوى السياسية، ربما هذا ما يفسر لجوء النظام للمحاكمات العسكرية – نتيجة تشابك المصالح، سواء بين النخبة السياسية ومع أفراد من الإخوان المسلمين.
وإذا كان كثير من الدارسين يشيرون إلى أن وجود تشابك فى المصالح بين رجال الأعمال والسلطة ، يؤمن استمرار هذه الأعمال، فإن ذلك يساهم فى تفسير الأسباب التى دعت السلطة لمصادرة الأموال والأملاك الخاصة، رغم التوجه نحو اقتصاد السوق، فهو يكشف عن إرادة السلطة فى وقف انتشار أفراد الجماعة فى الأوساط الاقتصادية والمالية.
- التحول نحو الانغلاق السياسى: يشكل الانغلاق السياسى استراتيجية عمل النظام المصرى ، وهذا لا يعنى الانغلاق على الدوام ، إذ أنه فى فترة ما تحدث سماحية بالتحرك السياسى ، إلا أنها ما زالت – من حيث الزمن – ومضات صغيرة مقارنة بعمر النظام القائم .
ولتقدير مدى انغلاق وانفتاحية النظام القائم ، فإنه يمكننا فعل ذلك من خلال تحليل سلوكه السياسى عبر الفترة 2000 – 2007 ، باعتبارها فترة شهدت حدوث تغيرات بين الانفتاحية والانغلاقية ، وقد اتسمت هذه الفترة بالخصائص التالية :-
• الفقر الشديد فى الانفتاح السياسى شبه الكامل ، حيث اقتصرت على الفترة من أغسطس 2005 حتى نوفمبر من نفس العام، وهى ما تشير إلى أن مسألة الانفتاح السياسى لم تكن مخططة أو تمثل استراتيجية جديدة للنظام .
• رغم وجود بوادر انفتاحية فى بداية الفترة ، إلا أنه تم الانقلاب عليها مع اقتراب نهاية الفترة ، يتضح هذا الانقلاب على سبيل المثال – فى التعامل مع قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى بدأ بتأكيد الإشراف القضائى على الانتخابات العامة ، وانتهى إلى إلغائه وزيادة القيود على الممارسات الانتخابية .
• لعل السمة العامة والتى سادت الفترة ، تمثلت فى التوسع فى فرض قيود على العمل السياسى العام ، وهو ما اتضح فى قانون الأحزاب، وترسيخ دور القضاء الاستثنائى ، فمن الملاحظ على هذه الفترة ، أنها ارتبطت بداية ونهاية بإحالة مدنيين ينتمون للإخوان المسلمين إلى القضاء العسكرى ، وهو ما يعكس طبيعة الثقافة السياسية الإقصائية للنظام القائم .
- السياسات الاقتصادية : يعد انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى فى ظل غياب مشروع قومى للتنمية ، من أهم التحديات المستقبلية ، لتعدد آثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
ولعله من الأهمية بمكان ، الإشارة أيضاً إلى أن سياسة الخفض السريع للدور الاقتصادى للدولة ، تتم فى ظل عدم نضج القطاع الخاص وعدم وجود مؤسسات رأسمالية وهو القطاع المفترض أن يتحمل الأعباء الاقتصادية للتنمية وبافتراض وجود علاقة طردية بين الدور الاقتصادى للدولة وبين القدرات السياسة لنظام الحكم ، فإنه يمكن إثارة تساؤلات عن كيفية صنع السياسات العامة وكفائة تنفيذها ، ومنها؛ تمويل الخدمات العامة، سياسات الضمان الاجتماعى، ومعالجة المشكلات المزمنة ، الفقر والبطالة . - السياسة الخارجية: نتناول السياسة الخارجية هنا من خلال منظورين ؛ الأول : حيث يمكن تناولها من وجهة استقرار الرؤية السياسية لمصالح الدولة فى الخارج، أما المنظور الثانى فباعتبارها انعكاس للقوة الشاملة للدولة .
هذا الفرز التحليلي يتيح، ليس فقط إدراك حالة ووضع السياسة الخارجية ، بقدر ما يساعدنا فى التمييز بين إمكانات وقدرات المؤسسات الرسمية فى تحديد الرؤية والتوجهات ، وبين فجوة السياسة الخارجية وهى الفرق بين الإمكانات والمصالح الحقيقة وبين السياسات المتخذة فعلياً، وهو ما يمكن التعبير عنه بالإنجازات السياسية التى يحققها النظام فى علاقاته الدولية بشكل يضفى عليه شرعية سياسية على المستوى الداخلى.
وبشكل عام يمكن القول بوجود فجوة فى السياسة الخارجية آخذة فى الاتساع رغم استمرار النظام الحالى لأكثر من ربع قرن ، وقد ظهرت هذه الفجوة فى السياسات الانكماشية تجاه القضايا اللصيقة بمسائل الأمن القومى؛ فى السودان ومنطقة القرن الأفريقى بشكل عام وتراجع المكانة الإقليمية فى المحيطين العربى والمتوسطى، وبهذا المعنى فإن السياسة الخارجية سوف تشهد انكماشاً أشد فى المستقبل أو فى المدى المتوسط ، وهو ما يعنى أن البدائل المتاحة أمام النظام لتبنى سياسة خارجية نشطة تعبر عن موارد الدولة ، سوف تظل محدودة .
لعل المشكل الأهم فى هذا السياق يتعلق بطبيعة إدراك قضايا السياسة الخارجية بما فيها الأمن القومى ، أو بمعنى آخر ماهو ترتيب أولويات السياسة الخارجية لدى النظام الحالى ؟ ومدى الإنجاز الذي تحقق بشأنها؟، بشكل عام يمكن الإشارة إلى أربع مجموعات تمثل عينة من قضايا السياسة الخارجية ، وهى :
• تأمين الدولة ضد المخاطر العسكرية الخارجية ، وهذا الجزء يتعلق بتكوين المؤسسة العسكرية وأيدلوجيتها السياسية والحرية التى تتمتع بها الصناعات العسكرية من الناحية الفنية .
• امتداد مظلة الدولة لحماية مصالحها ومواطنيها فى الخارج ، كتأمين أسواق عمل لفائص القوة البشرية ، والدخول فى اتفاقيات متوازنة لهذا الغرض .
• ارتباط سياسات الأمن الداخلى ( الأمن الغذائى ، الحفاظ على كيان الدولة ، الاستقرار الاجتماعى .. ) بالسياسة الخارجية .
• هيكل العلاقات الخارجية
المجموعة الأخيرة تمثل المؤشر الرئيسى على مدى الحرية التى تتمتع بها عملية صنع السياسة الخارجية ، حيث أن هيكل العلاقات الخارجية يؤثر مباشرة فى القرارات التى تتخذها الحكومات، وهذا لا يعنى إهمال تأثير المجموعات الأخرى ، حيث أن ما نقصده - بالنسبة للحالة المصرية – هو إلى أى مدى تستطيع مصر اتخاذ قرارات تعبر عن مصالحها فى ظل ارتفاع كثافة علاقتها بدولة كالولايات المتحدة أو مجموعة من الدول الأوربية ؟ ، فإن الحديث عن ارتقاء العلاقة مع الولايات المتحدة لمستوى قضايا الأمن القومى لا يعكس إدراك أهمية أو ترتيب قضايا السياسة الخارجية بقدر ما يربط السياسة الخارجية المصرية بالسياسة الأمريكية.
وهذا ما يثير التساؤل عن طبيعة القضايا المشتركة بين الطرفين ، وأيضاً تلك القضايا واتجاهاتها يساعد – فى ظل ضعف مناعة النظام ضد التدخل الخارجى ، وخاصة ما يتعلق بقضايا التحول السياسى والتنمية الاقتصادية ووضع التيارات الإسلامية داخل النظام السياسى .
2 – 3 الوضع السياسى للجماعة
تتناول هذه الجزئية طريقة ومنهج الجماعة فى التعامل مع الوضع السياسى القائم ، ولعل القضية الأساسية التى نسعى إلى تحديدها ، تتعلق بمدى تأثير الجماعة فى الشئون السياسية كواحدة من مفردات النظام السياسى ، ويمكن مناقشة هذه القضية من خلال المحاور التالية :
- الرؤية السياسية للإخوان: يعد هذا المحور الأكثر أهمية من وجهة القدرة على التمييز بين الثابت والمتغير، فإن وضوح هذه المسألة يساعد فى ذات الوقت فى التوصل لقراءة واضحة ومحددة للأحداث السياسية .
وبشكل عام تشكلت رؤية الجماعة فى ثلاث قضايا رئيسية هى ، مرجعية الشرعية الإسلامية، دعم القضية الفلسطينية ، ورفض الإرهاب والعنف ، واستراتيجية المشاركة السياسية ، ومثلت هذه الأخيرة محور العمل السياسى خلال هذه الفترة ، وهو ما انعكس فى التوسع فى الانفتاح على المجتمع .
وفى هذا السياق يمثل الشروع فى كتابة البرنامج السياسي ( برنامج الحزب ) عاملاً مساعدا فى تحديد وتطوير المحتوى المعرفى للقضايا السياسية ، وخاصة فى ظل المناقشات التى أثيرت حول التوجهات السياسية للجماعة أثناء انتخابات 2005 وتلك التى أثيرت حول مشروع البرنامج ، وخاصة ما يتعلق منها بالتعامل مع القواعد والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وكيفية تحويلها لأجل بناء المؤسسات السياسية، ووضع إطار للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الخارجية .
- التوجهات العامة : يمكن تناول هذه التوجهات من زاوية المشاركة السياسية، حيث أنها تعكس مدى الفاعلية السياسية للجماعة، ويضم هذا المؤشر فرص التحالف مع الأحزاب والقوى السياسية ومدى الانتشار فى المجتمع، ويضاف إلى ذلك مدى التكيف مع التغيرات الدولية، سواء فيما يتعلق بشروط التحول السياسي أو التفاعل مع الأزمات الإقليمية أوالدولية.
أما بالنسبة للعلاقات والتحالفات السياسية ، فقد شاركت الجماعة فى " التجمع الوطنى من أجل التغيير " و " الجبهة الوطنية " وأسست " التحالف الوطنى "، غير أنه من الملاحظ أن أى من هذه التحالفات لم يحقق أهدافاً يعتد بها ، ولعل هذا يرجع للتنافر الأيديولوجي ،وتباين القرارات السياسية ، وتذبذب مواقف الأحزاب السياسية بين معارضة الحكومة وتأييدها، وفى منتصف الفترة اعتبرت الجماعة أن الانتشار فى وسط المجتمع استراتيجية رئيسية فى العمل العام .
وعلى المستوى التشريعى تبنى نواب "الإخوان المسلمون" إتجاهاً يهدف إلى إجراء تعديلات على النظام الحالى، بل يدعون إلى التحول إلى النظام الرئاسي ـ البرلمانى، هذا فى الوقت الذى تدعو فيه أحزاب المعارضة – فقط - إلى إجراء إصلاحات سياسية ودستورية تضمن لها هامش من حرية العمل مثل حرية تكوين الأحزاب، وضرورة مساءلة الحكومة والأجهزة التنفيذية على وجه الخصوص، إلا أن تقاطع المصالح بين جماعات المعارضة والذى حال دون نجاحها فى صياغة منظومة موحدة للتغيير، قد جعل الحزب الحاكم يستغل هذا الموقف فى مبادراته الجديدة.
_ نوعية النخبة: ويدخل فى نوعية النخبة مؤشرات مثل ، التأهيل العلمى ، التوجه الأيديولوجي والانتشار الاجتماعى، ووفقاً لهذه المؤشرات يتمتع الإخوان بميزة نسبية مقارنة بالتنظيمات السياسية الأخرى بما فيها الحزب الوطنى، وإذا ما أدخلنا النخبة السياسية ، فإنه يصعب القبول نظرياً باختلال هذه الميزة ، وذلك لاستناد الإخوان كنخبة إلى أساس أيديولوجى يلقى قبولاً اجتماعياً وداخل المؤسسات السياسيةً، وبشكل عام تعد هذه الجزئية من محددات العلاقة التى يعتد بها لدى صناعة النظام لسياساته .
2 – 4 سياسة إصلاح الحزب الوطنى
بدأت هذه السياسة منذ عام 2002 بهدف تطوير الحزب ليكون الداعم الأساسى للسلطة السياسية، وفى هذا السياق عقد الحزب أربع مؤتمرات سنوية لمراجعة تشكيلاته وتوجهاته الأيديولوجية، وركز خطاب الرئيس في المؤتمر السنوي الثالث للحزب على الإصلاحات الداخلية فى الحزب والتي استحوذت علي أغلب مفردات الخطاب، وذلك كمدخل يعكس أهمية تحقيق نجاح ملموس فى الانتخابات التشريعية 2005، بما يشير إلى أن التوجه السياسى للسلطة السياسية يتمثل في إفساح دور للحزب ليكون قاطرة الإصلاح السياسى. وكان هدف هذه السياسة الجديدة هو اعتماد الحزب علي أفراد أكفاء في الانتخابات البرلمانية، بدلاً من السياسة السابقة التي كانت ترتكز علي اعتماد الأفراد علي الحزب وأجهزة الدولة الرسمية من أجل الفوز بالانتخابات.
وترجع أهمية تناول سياسات إصلاح الحزب الوطنى إلى أن تحقيق التحول السياسى يتوقف على مدى تماسك ونضج الحزب الحاكم أو التحالف مع الحكومة، وهنا تصبح الأهمية فى التركيز علي ماهية دور الحزب الوطنى في تقوية نظام الحكم.
- دور الحزب الحاكم في النظام السلطوى:
إن دراسة الطريقة التي يعمل بها الحزب الوطني تقتضى التركيز علي النخبة السياسية للحزب ووظيفتها داخل نظام سلطوي يواجه تحديات، لعل أهمها مسألة خلافة الرئيس مبارك ومسألة الإصلاحات علي المستوي الحزبي.
ولتحليل التطور السياسي للنطام المصرى كنظام سلطوي وفقا لدراسة" ميشيل كامو" وخاصة مفهومه لـ"تقوية الأنظمة السلطوية"، فإن الأنظمة السلطوية تجري سلسلة من التحولات- التي تقدم غالبا علي أنها تحديثاث- بهدف زيادة فاعليتها الداخلية فى السيطرة كحالة مصر، ويعتبر كامو أن ترابط النخبة السياسية المتحالفة مع القيادة أحد العناصر الهامة لتقوية السيطرة وقد أجري الحزب الوطني الديمقراطي مثل الحزب الاجتماعي الديمقراطي في الحالة التونسية علي سبيل المثال, عملية أساسية لضبط سياسات التحالف بينهما بهدف تقوية الحزب والنظام، مما جعل الحزب بؤرة استراتيجيات النظام.
كما قام "جاسون برونلي"، بدراسة ظاهرة السلطوية خلال الموجة الثالثة للديمقراطية للنظامين المصري والماليزي, ودرس دور الأحزاب الحاكمة وأهمية التحالفات في بقاء هذه الأنظمة، وخلص إلى أن المؤسسات تعد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها النظام فى الانتخابات، وكذلك على قدرة الحزب الحاكم علي الترويج الإعلامي لأنصاره, ويعتمد احتفاظه بالسلطة والسيطرة, علي ترابط النظام، ومن ثم يشكل الحزب الوطني الديمقراطي, كحزب حاكم ومتحالف مع القيادة عنصرا هاما في استراتيجيات السيطرة التي أقرها النظام.
لقد تركزت دراسة براونلي حول بقاء واستقرار النظام لمصري، علي قدرة حزب السلطة الاحتفاظ بترابطه الداخلي في مواجهة المعارضة وذلك عبر حل الصراعات الداخلية فمنذ نهاية عام 1990 وحتى عام 2002، وهو العام الذي يشكل بداية عصر جديد من التغييرات الكبيرة في الحزب, أصبحت عملية التأثير داخل الحزب الوطني واضحة, فقد عملت علي إثراء النقاش الإعلامي بصورة موسعة, حيث لم يتوقف الصحفيون والمحللون عن التحدث عن الحرس القديم داخل الحزب وفريق الإصلاحيين المتحالف مع جمال مبارك
- انتخابات 2005 مرآة لسياسة إصلاح الحزب :
وهنا تكمن أهمية دراسة انتخابات عام 2005 كممارسة سياسية داخلية بالنسبة للحزب الوطنى وعلاقاته مع القوي السياسية، وكمحرك لصراعات النفوذ بين الكتل الداخلية, وكلها مؤشرات على مدى التقدم في عملية الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
فقد وصف قرار تعديل المادة 76 من الدستور علي أنه خطوة حقيقية في طريق الإصلاح وكنتيجة حتمية للمطالب الداخلية، وفي نفس السياق منذ الإعلان الرسمي للحملة الانتخابية الرئاسية في نهاية أغسطس 2005 ظهرت بعض الإشارات الديمقراطية الجديدة التي أنعشت الحياة السياسية وتدل علي أهمية الإصلاحات الجارية منذ 2002، والتى قادها الحرس الجديد فى الحزب.
ورغم تراجع دور الحرس القديم للحزب الوطني في الإعداد للحملة الانتخابية الرئاسية, فقد أجروا مراجعة لأجل استمرارهم كقياديين فى الحزب والاحتفاظ بمكاسبهم في مجلس الشعب، وفي الحقيقة يبدو أن رموز السلطة استفادوا من فرصة الانتخابات من أجل احتواء جيل الشباب المنافس, بالرغم من افتقادهم إلي المصداقية والدعم الشعبي.
وبالنسبة إلي اختيار مرشحي الحزب للانتخابات التشريعية وإدارة العملية الانتخابية مارس الحرس القديم تأثيره ونفوذه بصورة سلبية وبعنف أحياناً، مما أثر على نتائج هذه الانتخابات, فنجح 145 مرشحا من إجمالى 444 رشحهم الحزب.
وبصورة عامة شكلت الانتخابات التشريعية فرصة لملاحظة حالة التنافس بين القادة داخل الحزب الواحد, وهذه المنافسة ليست بسيطة حيث أنها تشكل " صراعا مباشرا بينهم على السلطة" لم تحسمه الانتخابات التشريعية.
- ترابط النخبة المؤيدة
وفي ديسمبر 2005 , وخلال هذه الانتخابات, وجد الحزب الوطني نفسه في مواجهة واضحة مع المعارضة, من أجل الاحتفاظ بسيطرته علي مجلس الشعب، ومن جهة أخري طبق الحرس القديم فلسفة المحاور داخل الحزب بصورة سيئة منذ بدء العمل بسياسة الفكر الجديد عام 2002, وخاصة خلال المراحل الثلاثة للانتخابات التشريعية، وهو ما يشير إلى ضعف الترابط داخل الحزب واحتمال تفككه, وبالتالي تهديد استقرار النظام.
ووفقا لدراسة جاسون براونلي" عن عوامل استقرار الأنظمة السلطوية, فإن" قدرة الحزب الحاكم علي لعب دور الوسيط بين النخبة والحكومة تعتبر مسألة حيوية في المناخ الغير ديمقراطي حيث أن الاحتفاظ بالسلطة يعتمد علي ترابط النظام "، وعند الأخذ في الاعتبار الوضع الذي يواجهه الحزب الوطني المصري, فإن ثمة تساؤل حول المحددات التي تقود إلي الاختيار ما بين التكامل الداخلى والانشقاق عن الحزب.
ومن أجل احتفاظ القيادات بنفوذهم وإعادة ترتيب وضعهم السياسي, تناول براونلي, الدور المركزي الذي ظهر عبر توافر الفرص داخل أروقة الحزب" والتي " أرضت الطموح الفردي وزادت من الصراع بين الأجنحة المتنافسة". وهذا النمط من الدراسة ملائم لدراسة الأشكال الجديدة التي برزت علي قمة النظام المصري خلال الانتخابات التشريعية.
وفي 31 ديسمبر 2005, ضمت الحكومة الثانية للدكتور أحمد نظيف ثمانية وزراء جدد من بين 30 وزيرا، ومن هؤلاء الوزراء الجدد بعض رجال الأعمال ومؤيدي التحول الاقتصادي وفي بداية شهر فبراير 2006 صرح الرئيس بضرورة" فتح عضوية الحزب" علي كل المستويات خاصة أمام الشباب والمرأة, معلنا دخول 11 عضوا جديدا ينتمون إلي فريق الإصلاحيين إلي الأمانة العامة للحزب، وهكذا أصبح عام 2006 هو عام الانفتاح مع إعادة توزيع الأدوار والتي جعلت الإصلاحيين داخل اللعبة- والتي تبدو كأنها عملية تمكين لجيل الشباب داخل الحزب.
وفي بداية شهر مارس 2006, أعلن أسامة الغزالي حرب, وأحد الأعضاء المنتمين لأمانة السياسات, الاستقالة من الحزب، معلنا أن آماله في الإصلاح فشلت بواسطة الحزب واللجنة التي يديرها جمال مبارك, والتي يري أنها ليست سوي " نادي للمناقشة" في وسائل الإعلام، وقد أعلن "أسامة الغزالي" عقب استقالته أن الحزب عاجز عن إصلاح نفسه وغير قادر علي قيادة البلاد نحو طريق الديمقراطية، وقد اختار هذا الطريق بسبب عملية التوريث داخل الحزب ولذا فضل الاستقالة علي التوريث.
- واقع الانشقاق بين النخبة المركزية والأعضاء المحليين
هل تشير التغيرات الأخيرة داخل الحزب الوطنى أن معسكر الإصلاحيين الذي يقوده الشباب قد تولي عملية القيادة وعلي وشك فرض أجندته؟ في هذه الحالة, لا شيء مؤكد, بالرغم من التأثير الكبير في وسائل الإعلام للجنة السياسات التي يديرها "جمال مبارك".
وبشكل عام يبدو أن الحزب الوطني يعاني حالة من عدم المصداقية خاصة في مسألة التغيير، فضلاً عن ذلك لا يبدو أن فريق الإصلاحيين يشكل جناحا قادراً علي ممارسة تأثير دائم داخل الحزب الوطني.
وحسب التحديد الذي قدمه "كاتز", فهو جناح يتميز في الحقيقة بعلاقات دائمة بين القيادات والأعضاء, فهو جناح منظم علي كافة دوائر الحزب ويمارس دورا قويا علي أعضائه من أجل احترام نظام العضوية، وفي الحالة الحالية يبدو أن جماعة الإصلاحيين وعلي رأسها جمال مبارك لا تتماشي أبدا مع هذا التعريف.
وفي الحقيقة يجب إدراك أن التشكيل الحديث للأمانة العامة للحزب الوطني, تشير إلى أن الحزب لا يتوقف عند حدود تركيبة القيادات علي المستوي الوطني، وأن " الفكر الجديد" مازال منحصرا داخل الإطار المركزي, دون الوصول إلي الوحدات القاعدية في القري والمحافظات حيث مازال الحرس القديم الذي ورث الاتحاد الاشتراكي قائما بصورة موسعة.
وفي ظل هذه الظروف فإن إعادة تشكيل هياكل الحزب علي مستوي المحافظات الذي أعلن في بداية شهر يونيو 2006, يشكل أحد المعطيات المهمة التي يجب دراستها، فهي تتيح لنا أهمية تحديد الاستراتيجية التي تمارسها المراكز القيادية لصالح جيل الشباب.
فضلا عن ذلك, تعتبر أحد المشكلات الكبرى التي يواجهها جيل الشباب اليوم هي مسألة التعبئة الجديدة للنخبة المؤيدة علي المستوي المحلي، فالحزب بحاجة إلي جذب الشباب المؤهل علميا وثقافيا لأجل تشكيل وإعداد نخبة جديدة من المسئولين المحليين للعمل ولاستئناف عملية الإصلاحات.
- المؤتمر العام التاسع وجدوى سياسة إصلاح الحزب الوطنى
رغم عقد الحزب الوطنى لمؤتمره التاسع فى الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر 2007، إلا أن عملية تطويره لما تزل فى بداياتها الأولى ولم تحقق نجاحا ملموسا، يؤهل الحزب لأن يكون حزبا حاكما، وليس حزبا مرتبطا أو تابعا للسلطة، وهذه المسألة تعد ضرورية لحدوث التطور السياسي، إذ أن الانفتاح التنظيمى وحرية الوصول للمناصب القيادية، وتكريس القبول بثقافة التعددية السياسية، وتحسن الأداء السياسى يعد من العناصر الضرورية لحدوث التطور السياسي.
وقد تناول المؤتمر العديد من القضايا التى تتعلق بمسائل الإصلاح السياسى وتطوير الأداء التنظيمى، حيث ظلت هذه القضايا تشغل حيزا مهما فى المؤتمرات العامة للحزب منذ ما يقرب من أربع سنوات، وبالتالى فان التساؤل الهام الذى يطرح نفسه يتعلق بمدى مساهمة التطوير الداخلى فى الحزب الوطنى فى التحول نحو نظام سياسى انفتاحى يرسخ المساءلة والمحاسبة.
أ - الترتيبات التنظيمية فى المؤتمر العام
على خلاف الانتخابات فى المستويات القاعدية تم تشكيل المكتب السياسي والأمانة العامة، وبينما شهدت الانتخابات القاعدية قدرا يعتد به تمثل فى إتاحة فرص للأعضاء فى الترشيح وزيادة حجم العضوية المشاركة فى الانتخابات القاعدية، تم تشكيل المكتب السياسي والأمانة العامة بطريقة أقرب للتعيين، حيث لم تتح فرصة للمؤتمر العام لانتخاب أعضاء المستويين القياديين واختيارهم من بين متنافسين، فقد وافق المؤتمر على الأعضاء الذين رشحهم رئيس الحزب لعضوية المكتب السياسي، كما تم التصويت على أعضاء الأمانة العامة كقائمة واحدة فى ظل غياب قائمة أخرى منافسة.
وكان التطور المهم فى هذا السياق، هو أن المؤتمر العام أنشأ هيئة قيادية عليا والتى تتكون من أعضاء المكتب السياسي والأمانة العامة، وذلك بغرض التكيف مع التعديلات الدستورية المتعلقة باختيار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية من بين أعضائها، وهذه الهيئة أنشئت دون تحديد اختصاصاتها، وهو ما يكشف ضعف البنية التنظيمية للحزب، فهذه الترتيبات لم تتم مناقشتها داخل الأطر التنظيمية سواء فى المستويات القيادية أو المستويات الوسيطة.
وبالإضافة إلى عدم الوضوح فى الاختصاصات، يترتب على تشكيل الهيئة الجديدة حدوث تداخل بين مستويي العضوية، بشكل يؤدى لإضعاف المكتب السياسي لصالح الأمانة العامة، حيث أن كثرة عدد أعضائها (34 عضوا) مقارنة بعدد أعضاء المكتب السياسي (13عضوا) تهدر الميزة النسبية للمكتب السياسى كأعلى هيئة فى التنظيم الحزبى مما يفقده دوره المفترض فى الرقابة على أعمال الآمانة العامة.
ب - المؤسسية الداخلية
تعد طريقة تشغيل الآليات الداخلية من المسائل الحاكمة فى التطور السياسي داخل التنظيمات السياسية وخارجها، حيث أن تحقق الديمقراطية فى إدارة الشئون التنظيمية، يدفع باتجاه تبني رؤى وسياسات انفتاحية وإصلاحية للنظام السياسي.
وبتحليل عناصر المؤسسية داخل الحزب الوطنى وصولا للمؤتمر العام وتشكيل المستويات القيادية، يتضح حدوث تطورات مهمة يصعب إهدارها أو تجاهلها، كانتظام عقد المؤتمرات السنوية فى السنوات الأخيرة ومحاولة الوصول بالانتخابات للوحدات القاعدية، غير أن مؤشرات فاعلية مؤسسات الحزب ما تزال فى الحدود الدنيا
فكان من اللافت غياب التمييز بين المؤتمر العام وبين المؤتمر السنوي، وذلك من وجهة الإجراءات التنظيمية، فقد تماثلت وظائف المؤتمرات السنوية مع المؤتمر العام وخاصة فى إعادة تشكيل المستويات المركزية، رغم أن هذه الجزئية تعد من مهام المؤتمر العام .
وهذا ما يكشف عن تركز الإرادة السياسية داخل الحزب الوطنى، حيث أنه من الملاحظ خلال السنوات الخمس الماضية والتى تمثل دورة المؤتمر العام، أن ظلت الإرادة السياسية للحزب فى يد الرئيس "مبارك"، وذلك باستثناء محاولات من بعض النافذين داخل الحزب لترسيخ أوضاعهم التنظيمية، غير أن هذه المحاولات لم تسبب إخلالا بهيمنة الرئيس على شئون الحزب وفى تصعيد الأعضاء للمستويات القيادية.
وهذا الوضع لم يلغ أدوار أو مكانة النافذين فى الهيكل التنظيمية للحزب، حيث حدث نوع من التفاهم والتعايش حول سقف الممارسة والأدوار السياسية للقيادات العليا، وبالتالى فان ما شغل النخبة الحزبية خلال السنوات الماضية انصب على الربط بين الارتقاء التنظيمى وبين تعزيز المكانة السياسية فى الدولة، وكان ذلك فى سياق ما يمكن تسميته بتقاسم أكبر قدر ممكن الموارد والقدرات السياسية والاقتصادية فيما بين النخبة المنضوية تحت لواء الحزب الوطنى.
وفى هذا السياق، لم تشهد هذه الفترة تنافسا من قبل النخبة الحزبية على منصب رئيس الحزب، كما ارتبط اختيار أعضاء المكتب السياسي بإرادة الرئيس، ولكن تركز جهدها الأساسي فى تثبيت وتعزيز مواقعها التنظيمية وربطها بالمصالح السياسية والاقتصادية الخاصة.
2 – 5 انتخابات 2005 والواقع السياسي
شهدت الساحة السياسية منذ الإعلان عن تغيير المادة (76) من الدستور والمتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية نشاطاً ملحوظاً تركز أولاً حول عملية صياغة المادة البديلة وما ارتبط بها من نقاش حول السعي لتغيير شامل لمواد الدستور الحالي أو الاقتصار علي تعديل بعض المواد الأخرى خاصة تلك التي لها ارتباط بمحتوى المادة (76)، وثانياً حول انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت في السابع من شهر سبتمبر 2005م.
وقد حرص النظام خلال الفترة الماضية سواء أثناء الاستفتاء علي تعديل المادة (76) أو خلال انتخابات الرئاسة علي أن يتسم أداؤه بمجموعة من السمات لعل أهمها:
- الحزب الوطنى والانتخابات الرئاسية:
عكست الانتخابات الرئاسية تنامي الدور الذي تقوم به مجموعة لجنة السياسات داخل الحزب الوطني، حيث كان لها الدور الأكبر في إدارة حملة مرشح الحزب الوطني وخروجها بالطريقة التي ظهرت بها، بل يمكن القول أن جزء كبير من التغيير الذي حدث في مفردات الخطاب السياسي الذي ساد أثناء الحملة يرجع إلي جهود هذه المجموعة التي بدا واضحاً أنها أصبحت علي وشك أن تحسم الأمور لصالحها داخل الحزب الوطني.
وشهدت تلك الفترة اتساع في مساحة التسامح مع الوجود الإسلامي في الحياة السياسية، مع اعتراف متزايد بالقوة السياسية والشعبية للإخوان المسلمون، فقد شاركت جميع القوي السياسية بلا استثناء تقريباً بما فيها الحزب الوطني والشخصيات النقابية في التعبير عن تأثير الإخوان فى الشئون السياسية، فقد تعددت زيارات مرشحين للرئاسة ( لأيمن نور ونعمان جمعة) ومرشحين لمجلس نقابة الصحفيين لمكتب المرشد العام.
- ظروف الانتخابات التشريعية:
تمت العملية الانتخابية في ظل مناخ سياسي شهد مجموعة من التغيرات التي أدت إلي تطورات مهمة في الإطارين القانوني والسياسي، وتعود هذه التغيرات إلي مؤثرين هامين كان لهما دوراً بارزاً في الحياة السياسية في العامين الماضيين، وهما الضغوط الخارجية لتحقيق تحول ديمقراطي، والمطالب الداخلية المتصاعدة لإحداث عملية انفتاح سياسي من النظام علي كافة عناصر البيئة السياسية، بما يؤدي إلي ترسيخ القيم والممارسة الديمقراطية.
وقد عكست الانتخابات التشريعية إلي حد كبير الطريقة التي يتعامل بها النظام مع هذين النوعين من المؤثرات، وحدود عملية التغيير والإصلاح، وطبيعة وحجم القوي المتفاعلة مع وحول هذه العملية والأدوار التي يمكن أن تترتب علي كل منها في المراحل القادمة.
- دور الحكومة فى الانتخابات التشريعية:
يمكن التمييز في أداء الحكومة بين مرحلتين، في المرحلة الأولي كان الخطاب الحكومي ينحو إلى التأكيد على ضمان أجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهذا التأكيد يصل الى درجة التواتر، بشكل يعكس خطابا حكوميا متماسكا، وقد عضدت الحكومة هذا التوجه بتصريحات تفيد بحظر استخدام الوزراء المرشحين لنفوذهم تجاه المؤسسات الحكومية فى الدعاية الانتخابية، كما عكست الصحف الخاضعة لإشراف الحكومة هذا التوجه بشكل واضح، فأشارت التغطية الإخبارية المنشورة عن الحملة الانتخابية الى بعض سمات الحياد الحكومى، ومنها؛ اتساع مساحة النشر، سواء لتغطية دوائر الجمهورية، أو لنشر أخبار تتعلق بمرشحين من مختلف الاتجاهات، واعتبر هذا التوجه مختلفاً عن الانتخابات السابقة، بالإضافة إلى الحياد النسبى للمحتوى الإخباري عن المرشحين والدوائر.
وإزاء الأداء غير المتوقع لمرشحي الإخوان، ونجاح الجماعة في الفوز بـ 34 مقعداً في المرحلة الأولي، و13 مقعداً في الجولة الأولي من المرحلة الثانية، حدث تغير في الأداء الحكومي باتجاه تكثيف الضغوط والتدخلات الحكومية للتأثير في العملية الانتخابية بشكل يساهم في زيادة عدد مقاعد الحزب الوطني، ويوقف زحف النتائج الجيدة لمرشحي الإخوان.
وقد تخلي الإعلام الحكومي عن حياده بشكل تام، وأصبح مهاجماً للإخوان بصورة مكثفة، عكست رغبة النظام في التأثير علي إرادة الناخبين فكرياً وذهنياً قبل الوصول إلي مرحلة التأثير المادي، واستخدم النظام التدخل الأمني المكثف في الدوائر التي يوجد بها مرشحين للإخوان والمعارضة، وتنوعت صور التدخل؛ من منع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم، والتوسع في الاعتقالات، إلي الغلق التام للجان الانتخابية، وقد شهدت المرحلة الثالثة وقوع عدد من القتلي كنتيجة لاستخدام الشرطة المفرط للقوة.
- العنف الحكومى ضد الإخوان المسلمين:
قبل انتهاء الانتخابات التشريعية، تعرض الإخوان المسلمون لحملة اعتقالات طالت الناشطين فى العملية الانتخابية، وذلك بادعاء ممارستهم "البلطجة"، ولم يتوقف العنف الحكومى عند هذا الحد، بل بدأت سلسلة جديدة من الاعتقالات بدأت فى شهر مارس 2006، ويرى "الإخوان المسلمون" أن العنف الحكومى ( الاعتقال وإساءة استغلال الحبس الاحتياطى)، يرجع إلى رغبة الحكومة تقويض الإنجازات التى حققها الإخوان المسلمون فى الانتخابات التشريعية.
وقد بلغ العنف الحكومى مدى غير مسبوق ، حيث اتخذ إجراءات تعسفية ضد قيادين من الإخوان المسلمون، وذلك بضمهم لـ " قضايا أخرى" أثناء قضائهم عقوبة الحبس الاحتياطى، كما حدث فى قضيتى "مركز الدراسات"، وتنظيم "مرسى مطروح"، حيث أدرج عشرة من المحبوسين على هاتين القضيتين.
- نتائج الانتخابات:
أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية عن فوز مرشحي الحزب الوطني بنحو 33 % من إجمالي مقاعد المجلس، وفوز الإخوان بنحو 20 % ، وتعكس هذه النتائج واقع الحياة السياسية المصرية، إذ أدت الهيمنة المستمرة علي مدي الخمسين عاماً الماضية من قبل الدولة علي مجمل مفردات العملية السياسية إلي حدوث ضمور لدي كافة الأحزاب والقوي السياسية.
فالحزب الوطني لم يعتد الدخول في منافسة انتخابية حقيقية، ورغم ما شاب المرحلتين الثانية والثالثة للانتخابات من التدخل لصالح مرشحي الحزب، إلا أن قائمة الحزب المعلنة قبل بدء الانتخابات فشلت في الحصول علي الأغلبية، مما دفع الحزب للجوء إلي أسلوب ضم المستقلين الناجحين إلي هيئته البرلمانية لتأمين الحصول علي أغلبية الثلثين.
ووفقاً للنتائج يعد الحزب الوطني هو أبرز الخاسرين في هذه الانتخابات، فبالإضافة إلي انخفاض عدد المقاعد التي حاز عليها، خسر الحزب عدد من رموزه الذين فشلوا في تحقيق الفوز أمام مرشحين غير معروفين علي المستوي الوطني أغلبهم من الإخوان المسلمين.
وهو ما يرجع إلى وجود صراعات داخل الحزب، إلا أن الشكل الذي ظهر به أداء الحزب في الانتخابات يؤكد وجود مشاكل هيكلية أكبر بكثير من مجرد صراع بين جناحين، كما لم يكن أداء أحزاب المعارضة أحسن حالاً من الحزب الوطني، إلا أن هذه الأحزاب يمكن أن ترجع ضعفها إلي الإجراءات والقيود التي مورست ضدها طوال العقود الماضية.
2 – 6 التحول نحو السلطوية
رغم الخطوات الانفتاحية التي اتخذها النظام خلال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية، إلا أنه فى فترة ما بعد الانتخابات التشريعية فى نوفمبر 2005 أخذ فى العودة مرة أخرى لسياساته التسلطية ومن المؤشرات التي تدل على ذلك ما يلي:
- الحراك السياسي للمعارضة
هناك على الساحة السياسية – غير الحزب الوطنى الحاكم – من تقدم برؤية إصلاحية، مثل "الإخوان المسلمون" ونادى القضاة، والذى مارس دورا مهما فى المطالبة باستقلال القضاء، وجماعات مدنية أخرى، وكذلك الأحزاب اليسارية، كل هذه الجماعات والهيئات عبرت وبوضوح عن آرائها فى الدستور وبدرجات متفاوتة من التفصيل.
كذلك دعت جماعة الإخوان المسلمون فى مبادرتها التى أعلنتها عام 2004، وقبل إنتخابات عام 2005، إلى المزيد من التغييرات الجذرية؛ مثل التحول من النظام الرئاسى إلى النظام البرلمانى.
أ. قانون السلطة القضائية: وفيما يتعلق بقانون السلطة القضائية طالب الإخوان بتوفيرَ الاستقلالِ الكاملِ للسلطةِ القضائيةِ، باعتبار أن ذلك يعد أحدُ أهمِّ سماتِ الديمقراطيةِ الحقيقيةِ في المجتمعات المتقدمة، وهو ما تحرصُ عليه هذه المجتمعات ضمانًا لنهضتها ورقيِّها، فضلاً عن قدرتِها على مواجهةِ التحدياتِ الداخليةِ والخارجية.
لذلك كان من أهم مطالب "الإخوان المسلمون" والقوى السياسية والوطنية في مصر بالنسبةِ للإصلاحِ السياسيِّ هو ضرورةُ صدورِ قانونِ استقلالِ السلطةِ القضائية، والذي صاغه وطالب به نادي قضاة مصر.
ب. التعديلات الدستورية والحراك السياسي: مع عقد المؤتمر "الرابع "للحزب الوطنى ظهر توجهان إزاء تعديل الدستور، أحدهما يذهب للمطالبة بتعديل بعض المواد، فيما يذهب الآخر للدعوة لصياغة دستور جديد، فالتوجه الأول دعا لتعديل بعض مواد الدستور ويتبنى هذا التوجه غالبية الأحزاب والقوى السياسية، وخاصة أحزاب ؛ الوطنى، التجمع، والناصرى، إلى جانب جماعة "الإخوان المسلمين، وتتوافق رؤية هذه الأطراف حول التعديلات الدستورية المرغوب فيها إلى حد كبير، وهى تتناول خفض صلاحيات رئيس الدولة، لحساب السلطتين؛ التشريعية، والقضائية، وبما يؤدى إلى تقليل الاختلال فى العلاقة فيما بين السلطات.
ورغم توافق التوجه العام لهذه الأطراف – باستثناء الحزب الوطنى - نحو الأهداف من تعديل الدستور، إلا أن ثمة خلافا فيما بينها دار حول نقطتين؛
2. مدى التعديلات التى يمكن إجراؤها على الدستور، وبهذا المعنى فإن الخلاف انصب بشكل أساسى على المواد المشمولة بالتعديل، فبينما رأت الأطراف المعارضة والمنظمات المستقلة، أن المواد المشمولة بالتعديل، هى تلك التى تتعلق مباشرة بصلاحيات الرئيس كالمادة (74) على سبيل المثال، ركز الحزب الوطنى على مواد أخرى أقل أهمية بالإضافة إلى مواد أخرى لا تتعلق باختصاصات رئيس الدولة. 3. أما النقطة الثانية، فتتعلق بتوافر الضمانات لإجراء تعديلات حقيقية وجوهرية تؤدى للإصلاح السياسى، ولهذا طالبت القوى السياسية بالمشاركة فى طرح وصياغة التعديلات، وتجنب الأخطاء التى صاحبت تعديل المادة (76).
أما التوجه الثانى فتبنى إلغاء الدستور الحالى وكتابة دستور جديد ومثله حزبا "الوفد" و "الجبهة الوطنية " تحت التأسيس، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الصغيرة، وتستند رؤية هذه الأطراف حول الدعوة لدستور جديد إلى سببين ؛ أن الدستورالحالى – بإطاره المرجعى والفلسفى – لا يتوافق مع الظروف الراهنة، والتى تشهد إختلافاً عن تلك الفترة التى شهدت صياغته، ومن ثم فإن هناك ضرورة لإعادة تشكيل قواعد النظام السياسى، كما أن خبرة التعديلات، سواء فى الدستور أو القوانيين، تكشف عن الرغبة فى تكريس السلطة وتدعيم الاستبداد، وقد أشير فى هذا الصدد إلى تجربتى المادة (76) ورغبة الحكومة فى إصدار قانون مكافحة الإرهاب كبديل عن حالة الطوارئ.
ج. الوضع داخل الحزب الوطنى بشأن التعديلات: رغم عقد المؤتمر الرابع للحزب الوطنى، ورغم إعلان الرئيس عن إجراء تعديلات دستورية فى الدورة المقبلة لمجلس الشعب، إلا أن اتجاهات التعديل لم تكن واضحة.
ففى أثناء جلسات مؤتمر الحزب الوطنى، أشير بحسم إلى أنه لا يمكن تغيير الدستور، لأن الدولة ليست مستقلة حديثاً، أو فى حالة ثورة أو انقلاب، وكانت هذه النقطة المدخل نحو الحديث عن التعديلات المرغوب فى إجرائها، وتضمنت الاقتراحات، إعطاء دور تشريعى لمجلس الشورى، وإلغاء جهاز المدعى العام الإشتراكى، وحق مجلس الشعب فى تعديل الموازنة، وسحب الثقة من الحكومة،...... ، .
- بداية التراجع عن التحول السياسي
بينما لم يقدم المؤتمر السنوى الرابع للحزب الوطنى طرحا فكرياً جديداً، يعتبر خطاب الرئيس أمام الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب والشورى (26 نوفمبر 2006)، محدداً للسياسات التى سوف يتبعها النظام تجاه الأطراف السياسية الأخرى، إذ أشار الرئيس إلى أن استمراره فى الحكم ترتبط بقدرته على العطاء ، وثارت فى تلك الفترة تعليقات ذهبت إلى أن تقييد مدد الرئاسة سوف لا يكون مطروحاً فى التعديلات الدستورية.
وقد لازم هذا الخطاب الإعلان عن الرغبة فى تعديل المادة (76)، بحيث تتيح الفرصة للأحزاب للتقدم بمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، بغض النظر عن نسبة تمثيلها فى المجالس المنتخبة، وهذا الإعلان جاء فى سياق سعى الحكومة لوضع موانع لترشيح المستقلين، كوسيلة لمنع ترشيح المنتمين لـ "الإخوان المسلمون" وغيرهم.
ومن بين القضايا التى طرحت فى التعديلات الدستورية، التخفيف من الشروط الموضوعة للترشيح للانتخابات الرئاسية، ومنح مزيد من الصلاحيات للسلطة التشريعية، وتغيير نظام الانتخابات البرلمانية، وفى هذا السياق تقدم "مبارك" بخطوات تفصيلية لبعض التعديلات، كما أن الحزب الوطنى الحاكم سوف يقوم بإدخال تشريعات فعلية فى الفترة القليلة القادمة ضمن حزمة التشريعات الإصلاحية التى بدأت منذ عام 2005، ولكن على الرغم من أن الحزب الوطنى من البداية قد يتقدم بإصلاحات ذات دلالة فى مجال الحريات السياسية، إلا أن ما قدم فى مجال التشريعات كان أقل بكثير.
- رؤية النظام للتعديلات الدستورية
وقد ألمح مبارك فى خطابه الذى وجهه إلى البرلمان إلى أن التعديلات تهدف إلى إعادة تشكيل النظام السياسى فى الحقبة الجديدة، قائلاً إنه بالرغم من أن آثار هذه التعديلات قد لا تكون واضحة للجميع على المدى القريب، إلا أن تداعياتها سوف تظل عقوداً عديدة، كذلك فهمت هذه الخطوة على أنها تهدف إلى احتواء المعارضة المصرية ، وتعميق الانقسامات بين"الإخوان المسلمون"، وأحزاب المعارضة العلمانية.
- الانتخابات الرئاسية والمادة (76)
إذا كان الحزب الوطنى قد قام بتعديل المادة (76) من الدستور لأول مرة عام 2005، فإن دعوة الرئيس "مبارك" للمزيد من التعديلات فى نفس المادة، وضعت الحزب الوطنى فى حرج شديد، فعلى الرغم من أن الأحزاب الرسمية قد سمح لها بترشيح شخصيات من أعضائها لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2005، إلا أن المعايير التى وضعت فى انتخابات لاحقة كانت معجزة بحيث لا يستطيع أى من الأحزاب باستثناء الحزب الوطنى، أن يوفى بهذه المعايير والشروط فى الانتخابات القادمة، والتى سيحين موعدها عام 2011، وربما قبل ذلك.
وبالطبع فإن الحزب الوطنى كان قد أرسى هذه المعايير لإقصاء جماعة "الإخوان المسلمون" عن تقديم مرشحين، وليس لأنه يخشى منافسة جادة من أى من الأحزاب القائمة، وها هو "مبارك" يطلب من البرلمان الآن أن يتوسع فى الشروط التى تسمح للأحزاب حتى التى ليس لها تمثيل فى البرلمان أن تشارك فى إنتخابات عام 2005.
لكن الشروط التى تسمح بمرشح مستقل فى الإتنخابات الرئاسية سوف تظل تعجيزية حتى لا تسمح لـ "الإخوان المسلمون" بموضع قدم فى الانتخابات الرئاسية، ولذلك فإن تعديل المادة (76) بشكل يسمح للأحزاب القانونية بالاشتراك فى الانتخابات الرئاسية سوف يترك أمام "الإخوان المسلمون" عدة خيارات؛ فإما أن تحاول أن تؤسس لنفسها حزباً،أو أن تقيم تحالفاً مع حزب قائم، أو تقدم مرشح مستقل فى قائمة المرشحين للرئاسة.
- تغيير النظام الانتخابى وتأكيد حظر الأحزاب الدينية
كما طرح "مبارك" إقتراحاً بتعديل الدستور كى يمنح البرلمان القدرة على تغيير نظام الانتخابات البرلمانية، والحزب الوطنى الحاكم من أنصار التحول من النظام الفردى إلى نظام التمثيل النسبى( أو ربما نظاماً خليطاً يسمح ببعض التمثيل الفردى)، مبرراً تلك الرؤية بأنها ستزيد من فرص الأحزاب السياسية والمرأة، وفى نفس الوقت، دعا "مبارك" إلى إضافة فقرة إلى المادة (5) من الدستور ( والتى تعرف مصر بأنها دولة متعددة الأحزاب)، لتفرض حظرا على إقامة أحزاب على أساس الدين أو الجنس أو النوع، ومثل هذا الحظر على الأحزاب الدينية موجود فى قانون الأحزاب السياسية (القانون 40 لسنة 1977) ، وبالطبع فإن مصلحة الحزب واضحة فى منع "الإخوان المسلمون" من إنشاء حزب. وفى الواقع أدت تصريحات الرئيس "مبارك" الخاصة بحظر إقامة أى حزب على أساس دينى، إلى تضييق الخناق على "الإخوان المسلمون"، مما وضعها أمام عدة خيارات صعبة.
فالحزب الوطنى لديه سببان رئيسيان من الدعوة إلى تغييرات فى النظام الانتخابي، والذى سيعيد مصر إلى نظام شبيه بما كان سائداً فى التسعينات والثمانينات، السبب الأول هو أنه بتلك التغييرات سوف تقلص –وبشكل كبير – الفرص أمام "الإخوان المسلمون" والتى تتلاءم جيداً مع النظام الفردى حيث أنها ستدفع بمرشحين مستقلين مما يجعلها مؤهلة للفوز بأكثر من 60 % من المقاعد التى تنافس عليها عام 2005، رغم تدخلات قوات الأمن فى العملية الإنتخابية.
وثانى الأسباب التى دعت الحزب الوطنى لإجراء تغييرات فى النظام الانتخابى، هو أن الحزب كان أداؤه سيئاً فى إنتخابات 2000- 2005 البرلمانية، كما خسر فى دوائر كثيرة أمام المرشحين الذين تركوه، وتقدموا للترشيح كمستقلين، والذى رحب الحزب بعودتهم إليه بعد الانتخابات – حيث كان الحزب فى حاجة إلى مقاعدهم لضمان الأغلبية.
ولذلك فإن النظام النسبى أو نظام القائمة سوف يسمح للحزب الحاكم بإعادة الانضباط الحزبى داخل صفوفه.
- القمع الحكومى للمتضامنين مع القضاة
ولم يقتصر العنف الحكومى علي الإخوان بل تعداه إلي فئات أخرى من الشعب خاصة في تعامله مع مسألة قانون السلطة القضائية، حيث تعرض المتضامنون مع القضاة لحملات مطاردة واعتقال شارك فيها 20 ألفاً من أفراد الأمن المركزى، لدرجة وصلت لضرب ومطاردة القضاةً، هذا فضلاً عن تقديم إثنين من القضاة لمحاكمة تأديبية بسبب مواقفهم من الانتخابات التشريعية.
- التدخل فى الانتخابات العمالية والطلابية
وكان من اللافت أن السياسة الحكومية تجاه الانتخابات الطلابية والعمالية، اعتمدت قاعدة إستبعاد غير الموالين، والتركيز على فوز المرشحين بالتزكية، وقد لازم هذه السياسة أعمال عنف فى مواجهة المرشحين فى قطاعى الطلبة والعمال بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
واتبعت الأجهزة الحكومية طرق وأساليب قانونية - بدلا من أسلوب القبض والاعتقال - والتي تعتمد على عدم منح المرشحين إيصالات معتمدة، تثبت تقدمهم لخوض الانتخابات، وظهر ذلك جليا في الانتخابات الطلابية كما دفعت عشرات الطلاب للطعن في زملائهم المرشحين، واستبعادهم من القوائم، وتوقيع عقوبات استباقية على جميع الطلاب الناشطين.
وفرضت قوات الأمن حصاراً حول الجامعات والتي لم تمنع الطلاب من تنظيم مظاهرات في عدد منها، ولكنها كانت تحمل رسالة قوية إلى الطلاب عموما والناشطين على وجه التحديد بأن ما هو مخطط له سيتم فلا داعي للاحتجاج!
وعقب يوم التصويت الذي كان بمثابة يوم عادي في الجامعات خرجت التصريحات الحكومية بأن الطلاب شاركوا، وأن الانتخابات جرت بنزاهة، ومن الأمثلة على ذلك تصريحات رئيس جامعة القاهرة لوسائل الإعلام بأن الجامعة لم تتدخل في استبعاد أي طالب، ولكن كان هناك شروط يجب توافرها!! وتأتى إساءة الحكومة لمسألة "طلاب الأزهر"، فى سياق حملة شاملة لأجل إضعاف المعارضة، ومؤسسات المجتمع المدنى، وكان من نتيجة هذه الحملة، إضعاف الأحزاب السياسية، حتى تلك التى تعمل على الأرضية الفكرية للحزب الوطنى، كحزبى "الغد"، "الوفد".
ويشير السلوك اللاحق فى تعامل النظام مع قضية "طلبة الأزهر"، إلى أنه يتبنى أسلوب المكافحة الشاملة، ويتضح ذلك من تعدد الوسائل المستخدمة فى التعامل، بداية من وسائل الإعلام العامة والخاصة، وإصدار جامعة الأزهر لقرارات من شأنها تقييد النشاط الطلابى، وفرض رقابة مباشرة على الأساتذة، ومراجعة مناهج التدريس.
- الترويج للتعديلات الدستورية
وفى الوقت الذى يعصف فيه النظام بالمعارضة، وبالإخوان على وجه الخصوص، يسعى للترويج للتعديلات الدستورية من وجهة أنها تتوافق مع الأجندة الدولية فى محاور؛ المرأة ، النظام الاقتصادى، ومكافحة الإرهاب، وباعتبارها من العناصر الأساسية للأجندة الدولية، ويبدو أن الهدف هنا يكمن فى طرح النظام الحالى كبديل وحيد أمام الأطراف الخارجية، باعتباره مؤهلاً لتنفيذ بعض مطالبهم فى عملية التحول السياسى، ومؤهلاً كذلك فى التعاون معهم لتحقيق مصالحهم الإقليمية.
2 - 7 اعتقال قيادات الإخوان وإحالتهم إلى القضاء العسكري
قد تكون العملية الأمنية التى استهدفت إغلاق شركات مساهمة وفردية مملوكة لأفراد منتمين لجماعة "الإخوان المسلمون" فى ديسمبر 2006، آتية فى سياق العلاقة بين الطرفين، غير أن السياق العام للوضع السياسى فى مصر، يمكن أن يعطى مؤشراً على الصورة الكلية لشبكة العلاقات بين عناصر النظام السياسى، وخاصة ما يتعلق منها بتصور نظام الحكم لدوره ووضع العناصر الأخرى، ولعل الدلالة الأهم لهذه العملية، هى ما يتعلق بنوعية النخبة المستهدفة، من حيث المستوى التنظيمى والنطاق الجغرافى ؛ داخل وخارج مصر، وهو ما يعكس شدة الأزمة فى العلاقة بين الطرفين.
وقد جاءت هذه العملية في سياق عدد من الأحداث وهي :
أ ـ نتائج الانتخابات الطلابية والعمالية :
فبعد إجراء الانتخابات الطلابية والعمالية، اشتدت النزعة نحو تكوين اتحادات مستقلة في الجامعات والنقابات العمالية، وكان هذا التوجه أكثر وضوحا في الجامعات، فقد أجريت انتخابات " الاتحاد الحر " في حوالي 12 جامعة وصولا إلي انتخاب أمين اتحاد الجمهورية، وقد لازم مراحل إجراء انتخابات " الاتحاد الحر" تغطية إعلامية ملموسة.
ورغم عدم تبلور التوجه ذاته في النقابات العمالية، إلا أن الأزمات المتكررة بين قطاع العمال والحكومة ، تقضي علي شرعية الانتخابات العمالية، ومن هنا يمكن القول، أن ما يثيره نموذجا الطلاب والعمال، يتعلق بحالة تنازع علي الشرعية السياسية مع الحكومة، وهذه المسألة ـ كما عبر عنها الخطاب السياسي للحكومة ـ تعد من مسائل سيادة الدولة وسلطة الحكومة.
ب ـ التحضير للتعديلات الدستورية
هذه الجزئية تعد مهمة من وجهة الإعداد لعلاقات جديدة داخل النظام السياسي، وبالتالي فإن الفكرة التي تذهب إليها الحكومة هي أن التحكم في وضع مدخلات( قواعد ) النظام، يزيد من قدراتها السياسية في مواجهة الأطراف الأخرى.
ورغم حديث المسؤولين في الحكومة عن التشاور مع القوى السياسية قبل إقرار التعديلات الدستورية، إلا أن الخبرات السابقة في تعديلات الدستور والقوانين، تضعف مصداقية تصريحات المسؤولين الحكوميين.
ج ـ العلاقات الخارجية
علي المستوى الخارجي هناك ملاحظة مهمة، وهي أنه بينما يتراجع التأثير الإقليمي للنخبة السياسية، تزداد حاجة الولايات المتحدة إلي مساهمتها في تهدئة بعض مناطق التوتر، وخاصة في فلسطين.
من هذه الوجهة، لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في ظهور مناطق توتر أخرى، ولذلك فإن التجاوزات الحكومية ضد المعارضين، قد لا تلقى اعتراضا في هذا الوقت.
أما فيما يتعلق بالمتغيرات الخارجية، فإن الاتجاه العام لسياسات النظام والقوى الدولية، يتراوح بين التحول الديموقراطي ومكافحة الإرهاب، هذا الوضع يوفر في الأجل القصير فرصة للنظام الحاكم، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث يعمل علي انتهاز هذه الفرصة لتطوير قدراته السياسية وطرح نفسه كبديل وحيد أمام القوى الخارجية.
د. الإصلاحات الداخلية كمؤشر على الإنجاز السياسي
ورغم المحاولات التى بذلت خلال الفترة بين المؤتمرين العامين الثامن والتاسع (2002 ـ 2007) لتطوير الحزب تنظيميا وفكريا، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نقلة نوعية ترسخ قواعد الهيكل التنظيمى وتعزز المكانة السياسية للحزب، سواء فى علاقته بكل من الدولة و الحكومة، أو فى علاقته بالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية الأخرى.
1. تطور علاقة الحزب بالدولة والحكومة: استقرت السياسات التنظيمية خلال هذه الفترة على إعادة تنظيم النخبة فى المستويات العليا وتوزيع الأدوار عليها، فيما لم تتضح سياساته لإنتاج النخبة الحزبية، وقد انعكست هذه السياسة فى الثبات النسبى لشاغلى المناصب القيادية، وذلك إلى جانب تنامى الدور والمكانة السياسية لأمانة السياسات داخل التنظيم الحزبى واستقطابها لبعض النخب السياسية.
وعلى مستوى علاقة الحزب الوطنى بالدولة والحكومة، لا يعد مدى تداخله معهما المدخل الوحيد لتفسير أدائه السياسى، ولكن يمكن الاعتداد بالإنجازات التى حققها وفاعليته السياسية كمدخل مهم فى التفسير، ولذلك فان تحقيقه للأهداف التى وضعها خلال هذه السنوات ـ وخاصة ما يتعلق منها بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ـ يعد مؤشرا على توافر المؤسسية الداخلية، وهو ما يؤهل الحزب الوطنى للاعتماد على موارده الخاصة ويرفع من قدراته على محاسبة الحكومة.
فقد كان اتجاه العلاقة بين الحزب الوطنى وكل من الدولة والحكومة ـ خلال هذه الفترة ـ أكثر تداخلا وارتباطا، حيث ظل أكثر اعتمادا على الدولة والحكومة، وتمثل ذلك فى إساءة استخدام موارد الدولة و إمكاناتها لأجل فرض هيمنة السلطة السياسية على مؤسسات الدولة، فاذا ما أخذنا العلاقة بين الفاعلية السياسية للحزب الوطنى وبين شدة تدخل السلطة السياسية فى الانتخابات التشريعية، يمكننا الوصول إلى نتيجة مفادها؛ أن الحزب الوطنى سوف يكون أكثر اعتمادا على مؤسسات الدولة، وهذا ما يمكن أن يتضح من خلال: ـ
أ. تدهور الأداء الانتخابى للحزب خلال هذه الفترة، وذلك إذا ما أخذنا فى الاعتبار أداءه الانتخابى فى انتخابات مجلس الشعب 2005 و انتخابات مجلس الشورى 2007، حيث زادت شدة الاعتماد على الأجهزة الأمنية.
ب. أن السلطة السياسية توفر للحزب الوطنى مظلة تشريعية حمائية ضد الدخول فى منافسات حقيقية مع الفاعلين السياسيين الآخرين، والملاحظ أن التشريعات والتعديلات الدستورية التى صدرت خلال هذه الفترة ركزت على جانبين؛ الأول : توسيع الفرص أمام المتنفذين داخل الحزب للجمع بين السلطة والثروة، والثانى: التوسع فى استخدام كوابح النشاط السياسي، وخاصة ما يتعلق منها بتعزيز القيود على الترشيح لمنصب رئاسة الدولة، والسعى لتشريع قانون لمكافحة الإرهاب يقيد الحريات العامة.
2. العلاقة مع الأحزاب والقوى السياسية: تشهد العلاقة بين الحزب الوطنى و الأحزاب الأخرى حالة انقطاع ممتدة ، وذلك باستثناء فترات محدودة شهدت وجود علاقة اتسمت بالطابع الانتهازى، فقد سعى الحزب الوطنى لإجراء حوار مع بعض أحزاب المعارضة واستقطابها لفرض عزلة سياسية على جماعة الإخوان المسلمون، كما قام بحملة دعائية مورست خلالها ضغوط على الاحزاب لأجل المشاركة فى الانتخابات الرئاسية.
وقد رسخت التعديلات الدستورية والتى أجريت فى ابريل 2007 هذا النمط من العلاقة، وذلك من خلال إصدار القوانين المقيدة للحريات السياسية والمقيدة أيضا للمشاركة السياسية، حيث تعد هذه القيود جزء من المظلة الحمائية التى توفرها السلطة السياسية لأحد أطراف العمل السياسي.
3. التعبئة لمصلحة السلطة: تقوم السياسات العامة للحزب الوطنى على التعبئة السياسية، فمن خلال التحليل السابق، يتضح أن الفلسفة العامة لشكل التنظيم وإدارته تقوم على توسيع العضوية وإجراء الانتخابات على بعض المستويات التنظيمية لأجل توفير الإسناد السياسى للنخبة القيادية ثم توظيف الكيان الحزبى لمصلحة السلطة السياسية، وهذه العلاقة أقرب لعلاقة التابع بالمتبوع والتى يمكن من خلالها استكشاف طبيعة المصالح المتبادلة فى إطار شبكة العلاقات داخل النخبة السياسية.
كما تكشف فى ذات الوقت عن حجم المصالح التى يحققها أعضاء النخبة الحزبية فإلى جانب نركيز أعضاء بعض النخبة الحزبية على مصالحهم، استطاعت السلطة السياسية توظيف ممثلى الحزب، وخاصة فى المؤسسة التشريعية لتحقيق أهدافها، كما حدث فى تأييد التشريعات التى قدمتها الحكومة لمجلس الشعب رغم أضرارها على الحياة السياسية ومستقبلها، ومنها الموافقة على؛ تأجيل الانتخابات المحلية لمدة عامين، وتعديل المادة 76 من الدستور مرتين، ثم التوسع فى التعديلات الدستورية.
وفى ظل هذا الوضع يمكن القول أن مساهمة الحزب الوطنى فى حدوث تطور سياسي تظل محدودة، وما يمكنه القيام به سوف لا يتجاوز تبعيته للسلطة، وهذه القضية تتجاوز ما يثار عن مسألة توريث السلطة.
4. السياسات الاقتصادية وانخفاض الشرعية السياسية: ورغم مرور سنوات على تطبيق برامج التحول الاقتصادى،لم يحدث تطور فى السياسات الاقتصادية فهى لم تخرج بعد من نطاق البنية الأساسية، فقد حظى الصرف الصحى بنصيب كبير من النفقات العامة المذكورة فى خطاب الرئيس أمام المؤتمر الرابع للحزب، وكان من الملاحظ أنه لم يكن ثمة ذكر للسياسات الصناعية، وهو ما يكشف عن ارتباك سياسة التنمية واختزالها فى البنية الأساسية وبعض جوانب سياسات الدفاع الاجتماعي وخاصة الدعم وليس تطوير القطاعات الإنتاجية، كما أن سياسات تمويل البنية الأساسية والدعم تعتمد بشكل أساسى على بيع الأصول المملوكة للدولة، وما أشير إلى هذا الجانب فى "الخطاب"، لا يكشف عن مصادر أخرى لتمويل النفقات الحكومية فى مجال الدعم على وجه الخصوص، فتشير تقارير التنمية الإنسانية العربية إلى أن التعثر في مسيرة التحول السياسي يرجع إلى غياب الحريات العامة والديمقراطية، وتخلف إنتاج المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ تحديث المؤسسات، وتعبئة الطاقات، وتعظيم الحيوية المجتمعية.
وبالتالى فإن قدرة نظام الحكم على الخروج من الأزمات السياسية ، سوف تظل محدودة فى المدى المنظور، وهذا ما يرجع إلى ضعف المؤسسية والقدرات الذاتيه؛ الاستخراجية والتوزيعية وخاصة فى ظل سياسة بناء ودعم النخبة التسلطية والاحتكارية، وفى هذا السياق يمكن القول أن العلاقة بين النظاام وجماعة الإخوان المسلمون ستشهد توترات شديدة خلال السنوات القادمة.
أهم مراجع الفصل:
- خيري عمر: متى يصبح الحزب الوطنى حزبا حاكما؟، فى :
شريف منصور (محرر): تقرير المجتمع المدنى والتحول الديمقراطي فى الوطن العربي (القاهرة: لمركز ابن خلدون للدراسات الانمائية ، 2004 ).
- مجموعة الأزمات الدولية: تحديات الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط: مصر ما بعد حرب العراق، بروكسل: 30 سبتمبر، 2003.
- الإخوان المسلمون رسائل وبيانات، أكتوبر 2007.
- مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات: آفاق استراتيجية - العدد السادس، بيروت – لبنان، نوفمبر 2005.
- مؤسسـة رانـد للقـوات الجويـة للولايـات المتحـدة: العالـم المسلم بعـد 11سبتمبرـ نظــــرة عامـــة ،فى: www.ikhwanweb.com
- نجاد البرعي : ذكر ما جري التقرير الختامي حول أعمال مراقبة الانتخابات الرئاسية المصرية ـ الانتخابات الرئاسية المصرية 2005، الانتخابات الرئاسية المصرية الأولي (القاهرة: جماعة تنمية الديمقراطية، 7 سبتمبر 2005 ).
- رئيس الوزراء المصري يقترح وسيلة لتهميش الإسلاميين، فى:
www.alarabnews.com/alshaab/2006/02-06-2006/e4.htm- - Jean-Noël Ferrié : L’Egypte à la veille du changement – Novembre 2006, http://www.ceri-sciences-po.org
- Michele Dunne: Time to Pursue Democracy in Egypt
- Polticy outlook, (CARNEGIE Endowment for international peace, Middle Eastern program, January 2007).
- Virginie Collombier : Le Parti national démocratique (PND) et le système politique ... – Novembre 2006. http://www.ceri-sciences-po.org - Bassma Kodmani: HE DANGERS OF POLITICAL EXCLUSION: Egypt’s Islamist, Problem Democracy and Rule of Law (CARNEGIE P A P E R S, Middle East Series Project, Number 63, October 2005).
الباب الثاني : تطورات القضية والجدل القانوني حولها
الفصـل الثالث : خلفيـات القضيـة
على مدى عقود طويلة، شهدت ساحات الجامعات المصرية تظاهرات ومسيرات واعتصامات وغيرها من أشكال التعبير السلمي، وخلال هذه الأحداث، برز طلاب الجامعة كقوة لها تأثير واسع ومسموع حتى أن الجامعات الرئيسية في مصر حاليًا تظل تحت حصار قوات الأمن معظم العام الدراسي.
وتعود وقائع القضية العسكرية إلى أوائل شهر ديسمبر2006 حين نظّم طلاب الإخوان في جامعة الأزهر عرضًا رياضيًّا أُطْلِق عليه "العرض العسكري لميليشيات الأزهر"، تبعته حملة اعتقالات طالت في 14 من الشهر ذاته المهندس الشاطر وتسعة وثلاثين من قيادات الإخوان ومائة وثمانين طالباً من جامعة الأزهر.
3 – 1 أحداث جامعة الأزهر
ولا يمكن فهم ما حدث بجامعة الأزهر والذي تذرعت به الأجهزة الحكومية من أجل إحالة قيادات الإخوان إلى المحاكمة العسكرية إلا بعد الرجوع إلى التفاعلات الخاصة بالانتخابات الطلابية للعام الدراسي 2006 – 2007 حيث قام (الأمن) وإدارات النشاط الطلابي في الجامعات باتخاذ عدد من الإجراءات التي أفرغت الانتخابات من مضمونها حيث صدرت القوائم النهائية للمرشحين بشطب طلاب الإخوان وغيرهم وهو ما دفعهم للتظاهر والاعتصام في أكثر من جامعة.
وانتهت الانتخابات الطلابية بفوز القوائم الحكومية بلا مشاركة تصويتية لافتة وحاول الطلاب من الإخوان والمستقلين والتيارات الأخرى التفاوض مع إدارة الجامعة لحل مشكلات المشطوبين والمحالين للتحقيق والمفصولين والمستبعدين أمنيًّا من المدينة الجامعة إضافة إلى تسجيل أسر طلابية يمارسون من خلالها أنشطتهم ولكن إدارة الجامعات اتبعت معهم سياسة "الباب الدوار" حيث أعطتهم وعودًا أو موافقات شفوية ... تراجعت عن أغلبها.
ونتيجة لذلك دشّن الطلاب في جامعة الأزهر وعدد آخر من الجامعات وبمشاركة أعضاء هيئة التدريس من حركة 9 مارس والإخوان المسلمين انتخابات الاتحاد الطلابي الحر احتجاجًا على شطب الطلاب من الكشوف الانتخابية وبغية تشكيل اتحاد موازٍ للاتحاد المعين من جانب جهة الإدارة.
وأُجرِيت بالفعل في عدد من الجامعات انتخابات "الاتحاد الحر"، وشهدت إقبالا كثيفًا في الترشيح والاقتراع, ووصف مراقبو منظمات المجتمع المدني تلك الانتخابات "البديلة" بالناجحة.
وفي جامعة الأزهر أجريت الانتخابات يومي الأحد والاثنين 12، و13-11-2006 في ثماني كليات ترشح فيها خمسمائة وأربعة وثمانون طالبًا منهم اثنان وتسعون طالبًا فقط من طلاب الإخوان، والباقي مستقلون أو من توجهات سياسية أخرى، وأجريت بإشراف أساتذة الجامعة ومنظمات المجتمع المدني، وتراوحت نسبة المشاركين في التصويت بين ثلاثين وأربعين بالمائة.
وعقب تلك الانتخابات كانت أجواء جامعة الأزهر – مثل غيرها من الجامعات - ساخنة جدًّا حيث تم فصل بعض الطلاب المشاركين في الانتخابات الموازية, وأُحِيل آخرون للتحقيق وزادت المضايقات الأمنية للحريات الطلابية إلى حد الاعتداء على إحدى الطالبات واستبعاد حوالي مائتين وتسعة طلاب من التسكين في المدينة الجامعية على خلفية الانتماء الفكري والسياسي.
وأدت هذه التجاوزات والانتهاكات بحق طلاب الاتحاد الحر بجامعة الأزهر إلى موجة قوية من التظاهرات والاعتصامات لم تتوقف بسبب تعنت الإدارة إزاء مطالبهم ويمكن القول أن هذا التعنت والتحرك وسط تهديدات مادية ومعنوية من أجهزة الإدارة قد دفع الطلاب إلى القيام بالعرض الرياضي "المثير" لردود الأفعال المختلفة – والذي كان يشبه عروضًا رياضية يقيمها الطلاب كل عام - خلال اعتصامهم بالمدينة الجامعية ثم أمام مكتب رئيس الجامعة يوم 9 2006 م.
وحاولت جماعة الإخوان المسلمين عبر الكثير من قياداتها تهدئة الأمور عبر الإعلان أن ما تم كان خاطئًا ولم يكن بعلم قيادة الجماعة، غير أن هذا التحرك لم يلق تجاوباً في أوساط عديدة داخل القوى الفكرية والسياسية .. وكانت التربة ممهدة جدًّا للقيام بضربة قوية ضد الجماعة.
وأصدر الطلاب الذين قاموا بالعرض بيانًا يعتذرون فيه عن الصورة السلبية "التي أعطاها العرض الرياضي التمثيلي الذي كان ضمن فقرات الاعتصام للاعتراض على فصل ثمانية طلاب لمدة شهر من الدراسة لنشاطهم في الدعوة لانتخابات الاتحاد الحر بالجامعة" وأضاف الطلاب في بيانهم: "هذا الاعتذار أولاً لجامعتنا وأساتذتنا وزملائنا عن هذا العمل الذي قمنا به، وهو ما أساء لشكل الجامعة، وأيضًا ما شكل إساءة لأنفسنا نحن بوصفنا بأننا ميليشيات عسكرية، وهو على غير الحقيقة مطلقًا إذ إننا طلاب".
3 – 2 حملة إعلامية تمهد التربة
ولم تجد الاعتذارات عن قيام الحكومة بشن حملة دعائية ضد الجماعة شارك فيها خصوم من تيارات سياسية وفكرية أخرى حيث تم تصوير ما قام به الطلاب على أنه عرض عسكري يعود بالبلاد للتنظيم الخاص السري، ويكشف كذب ادعاء الجماعة بأنها ابتعدت عن العنف في العمل السياسي، وانتقد بعضهم صمت أجهزة الدولة على هذا التحدي من جانب الإخوان الذي ينذر بالعنف، ويمثل رسالة للدولة يفرض على الأخيرة الاستجابة له والرد الحاسم عليه!.
ويشير مفهوم الدعاية إلى السعي إلى الإقناع بفكرة، أو بمبدأ ما كان يصل إليه الفرد، لو ترك لمنطقه الذاتي يتطور بتلقائية دون أي ضغوط أو توجيه، أي أنها تقوم على أساس التلاعب بالعواطف، بهدف الحصول على ذلك الاقتناع.
وهي لا تعنى دائمًا الكذب، نظرًا لأن الدعايات التي تلجأ إلى الكذب تعد أسوأ أنواع الدعاية، وأقلها نجاحًا، ومصيرها الفشل، وذلك عندما يُكتشَف الكذب، وخصوصًا إذا قابلتها دعاية عكسية ذكية تستغل ذلك الكذب، إلا أنه في أحيان كثيرة يجد القائمون على الدعاية أنفسهم، وقد فرضت عليهم الأحداث أن يستخدموا من الكذب أداة أساسية لبناء عملية الدعاية، فيقومون باختلاق الحوادث والتزوير في الصفات والتصرفات، ونسج القصص حول الزعماء والتلاعب في الإحصاءات، وصُنْع أخبار لا وجود لها، ونشر الإشاعات .. وفي الحقيقة فإن تصريحات عديدة صادرة من قيادات في الجماعة لم تسمح كثيرًا للدعاية الحكومية أن تلجأ للكذب!.
ومن الأساليب التي استخدمتها الدعاية الحكومية ضد الجماعة:
- الأسلوب النفسي: فتلجأ إلى التأثير بإثارة انفعالات معينة مثل: القلق من صعود الإسلاميين وخطورته على المواطنة والأقباط.
- أسلوب التكرار مثل: وصف الإخوان بالرجعية واستعمال العنف، وأن النظام القائم هو أفضل البدائل لتحقيق السلام والتنمية.
- التحويل من أفكار مقبولة إلى العكس مثل: تحويل الصفات إلى نقائضها، فالمتسامح هو من يقوم باضطهاد الأقليات وممارسة العنف، والقبول بالديمقراطية يصبح وسيلة للصعود للحكم بسلم الديمقراطية وعندئذ يركل الإخوان السلم فلا هم ينزلون ولا غيرهم يصعد.!.
- الشخصية البارزة: وتقوم تلك الدعاية بتلميع بعض الشخصيات في الإعلام والثقافة شريطة الهجوم على حركات وقوى معينة، ومن المفارقة أن بعض رموز التوجه العلماني اتهموا الإخوان بتسييس الدين أو تديين السياسة بينما أهملوا تمامًا حركة السلطة باتجاه تسييس الدين وتأميمه.
- أسلوب الربط بين الأسماء: أي باستعمال أوصاف معينة بشكل يخلق مشاعر سلبية لدى الجمهور المستقبل مثل: ربط الإخوان بالعنف وأنهم أعداء الحرية.
3 – 3 القضية.. تبدأ!
وفرت أحداث الأزهر والحملة الدعائية التالية عليها الفرصة المناسبة لتوجيه ضربة أمنية جديدة لكوادر جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية والطلابية حيث قامت الأجهزة الأمنية باقتحام الحرم الجامعي من خلال مداهمة مدينة الصفا وألقت القبض على مائة واثنين وثلاثين طالبًا وليس فقط الثلاثين طالبًا الذين قاموا بالعرض الرياضي.
ثم ألقت قوات الأمن – تباعا – على ثلاثة وثلاثين من القادة ورجال الإعمال وأساتذة الجامعات كانوا ضمن أربعين متهمًا في القضية، أسماؤهم كالتالي:
1- المهندس / محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر رجل أعمال
2- المهندس/ حسن عز الدين يوسف مالك رجل أعمال
3 - الدكتور / محمد محمود حافظ محمد طبيب عيون
4- المهندس / أسعد محمد أحمد الشيخة مهندس حر
5- المهندس / أحمد محمود أحمد شوشة مهندس حر
6- المهندس / أحمد أشرف مصطفى عبد الوارث مدير دار التوزيع والنشر
7- السيد / صادق عبد الرحمن صادق الشرقاوي محاسب
8- السيد / حسن محمد أحمد زلط محاسب
9- الأستاذ الدكتور / فريد علي أحمد جلبط أستاذ بكلية الشريعة والقانون
10- السيد / جمال محمود شعبان السيد محاسب
11- المهندس / محمود المرسي محمد قورة مهندس حر
12- السيد / ياسر محمود عبده علي مدير بالمصرف الإسلامي
13- الدكتور / عبد الرحمن محمد محمد سعودي رجل أعمال
14- الأستاذ الدكتور / خالد عبد القادر علي عودة أستاذ بكلية العلوم
15- المهندس / أسامة عبد المحسن عبد الله شربي رجل أعمال
16- الأستاذ الدكتور / محمد إسماعيل علي بشر أستاذ بكلية الهندسة
17- المهندس / مدحت أحمد محمود الحداد رجل أعمال
18- الدكتور / عصام عبد الحليم إبراهيم حشيش أستاذ بكلية الهندسة
19- الدكتور / ضياء الدين السيد عبد المجيد فرحات رجل أعمال
20- المهندس/ أحمد أحمد أحمد النحاس رجل أعمال
21- الأستاذ الدكتور / أمير محمد بسام النجار مدرس بكلية الطب
22- مهندس / سعيد سعد علي عبده مهندس
23- السيد / محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد رجل أعمال
24- المهندس / أيمن أحمد عبد الغني حسنين مهندس
25- الأستاذ الدكتور / محمود أحمد محمد أبو زيد أستاذ بكلية الطب
26- الأستاذ الدكتور / صلاح الدسوقي عامر مراد مدرس بكلية الطب
27- الأستاذ الدكتور / عصام عبد المحسن عفيفي محمد أستاذ بكلية الطب
28- المهندس / ممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني مهندس
29- السيد / سيد معروف أبو اليزيد مصبح محاسب
30- السيد / محمد مهني حسن موسى محاسب
31- السيد / فتحي محمد بغدادي علي محمد مدرس
32- السيد / مصطفى محمد محمود سالم محاسب قانوني
33- السيد / أحمد عز الدين أحمد محمد الغول صحفي
34- الدكتور / محمد علي محمد بليغ أستاذ بمعهد بحوث الرمد
35- الدكتور/ يوسف توفيق علي يوسف المتعايش و شهرته يوسف الواعي مدرس بكلية الشريعة الإسلامية جامعة الكويت
36- الدكتور/ إبراهيم فاروق محمد الزيات مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأوربا
37-السيد/ علي غالب محمود همت رجل أعمال
38-الأستاذ/ فتحي احمد حسن الخولي صاحب مدارس التيسير بالسعودية
39- المهندس/ يوسف مصطفي علي ندا رجل أعمال
40- الدكتور/ احمد محمد محمد عبد العاطي مدير شركة حياة للأدوية
- محضر التحريات:
تم القبض على قيادات وطلاب الإخوان بناء على محضر تحريات المقدم عاطف الحسيني الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة الذي كتبه في الساعة الثامنة مساء يوم ١٣/١٢/٢٠٠٦، ولم يتضمن أى أدلة مادية.
وذكر المحضر أنه: أفادت معلومات مصادرنا السرية الموثوق بها، أن بعض العناصر المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المحظور نشاطها قانونًا، قد اتفقوا فيما بينهم علي معاودة إحياء نشاطهم السري القديم، والعمل علي نشر أفكارهم، ومبادئهم الإخوانية بمختلف القطاعات الجماهيرية، وخاصة القطاع الطلابي الجامعي، والعمل علي السيطرة علي ذلك القطاع، وتوجيهه بما يخدم مخططات هذه الجماعة المحظورة".
وأشار إلى أن المعلومات والتحريات، أكدت أن هؤلاء العناصر عقدوا عدة اجتماعات تنظيمية فيما بينهم بمنازل بعضهم، لإعداد مخطط يستهدف التغلغل في ذلك القطاع الطلابي بمختلف الجامعات، وبصفة خاصة جامعة الأزهر، وتحقيق تأثير فعال في صفوفهم وتحريكه وفق مشيئتهم، في إطار مخطط يستهدف إثارة القاعدة الطلابية بجامعة الأزهر، ودفعها للتظاهر والاعتصام والتعدي علي باقي الطلاب والأساتذة، ثم الخروج بتلك التظاهرات إلي الطريق العام، وتعطيل الدراسة وتعكير صفو الأمن، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، وإشاعة جو من الفوضى، على غرار ما يحدث في بعض دول الجوار، وصولاً إلي ما سمّوه بمرحلة التمكين، وتحقيق أستاذية العالم، ومن ثم إقامة الخلافة الإسلامية وتعطيل القوانين المعمول بها واستبدالها بما يسمونها قوانين إسلامية.
وأضاف: وقد أمكن من خلال معلومات مصادرنا الموثوق بها، التي أكدتها التحريات السرية الدقيقة، تحديد بعض هؤلاء القائمين علي ذلك المخطط الآثم المحركين للأحداث الطلابية الأخيرة بجامعة الأزهر، وباقي الجامعات، وهم: محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر (مواليد ٤/٥/١٩٥٠)، ويعمل مهندسًا حرًّا وصاحب ومدير شركة «السلسبيل» للتنمية والاستثمار، ويضطلع بمسئولية توفير الدعم المالي لأنشطة التنظيم، ومحمد أحمد محمد أبو زيد، طبيب وأستاذ بكلية الطب - جامعة القاهرة، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي الحركة التنظيمية بالقطاع الطلابي بمختلف الجامعات، وأيمن أحمد عبد الغني حسنين، مهندس بشركة المقاولون العرب، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي ما سمّوه بالبرنامج التربوي والتثقيفي لكوادر التنظيم بالقطاع الطلابي بالجامعات، وأحمد عز الدين أحمد محمد الغول (مواليد عام ١٩٥٤)، صحفي بمجلة «لواء الإسلام»، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي الحركة الإعلامية للتنظيم، ونشر وترويج الأفكار والتوجهات الإخوانية بمختلف وسائل الإعلام المتاحة.
ويكمل المحضر: كما أمكن من خلال مصادرنا الموثوق بها، تحديد تشكيل اللجنة المنوط بها اختراق القطاعات الطلابية بجامعة الأزهر، وتشكيل تشكيلات شبه عسكرية علي غرار الميليشيات التابعة لبعض الأحزاب الدينية بكل من لبنان وإيران والأراضي الفلسطينية المحتلة من بين صفوف هؤلاء الطلاب وإلزامهم، بارتداء أزياء محددة وتسليحهم ببعض العصي والجنازير، ودفعهم للتظاهر وإحداث وقائع عنف وشغب داخل الجامعة وخارجها، وإرهاب باقي الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، فضلاً عن مساندة هؤلاء ودعم أدوارهم التخريبية إعلاميًّا وماديًّا ومعنويًّا، وقد تم التعرف منهم علي كل من: فريد علي أحمد جلبط، مدرس بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وصلاح الدسوقي عامر مراد، مدرس بكلية الطب بجامعة الأزهر، وعصام عبد المحسن عفيفي، أستاذ بكلية الطب - جامعة الأزهر، وياسر محمود محمد عبده، مدير ائتمان بالمصرف الإسلامي، وحسن محمد أحمد زلط «محاسب»، وصادق عبد الرحمن صادق الشرقاوي، وممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني، ويعمل مهندسًا حرًّا، ومحمد علي فتحي محمد سليمان بليغ «طبيب عيون»، وأسعد محمد أحمد الشيخة، ويعمل مهندسًا حرًّا، وسيد معروف أبو اليزيد إخصائي رياضيات، ومصطفي محمد محمود سالم محاسبًا قانونيًّا، ومحمود المرسي محمد مهندسًا حرًّا ورئيس مجلس إدارة شركة «المساعي» التعليمية، ومحمد مهني حسن موسي محاسبًا، وجمال محمود شعبان السيد محاسبًا بشركة «السلسبيل» للتنمية والاستثمار.
وحسب المحضر يتم إعداد الطلاب وفق برنامج تدريبي عملي شاق يتمثل في القيام بتدريبات على فنون القتال «الكونغ فو» والكاراتيه - حسب نص المحضر - والتدريب علي استخدام السلاح الأبيض والجنازير والعصي والأدوات التي تستخدم في ممارسة العنف، والتدريب علي السير لمسافات طويلة في الصحراء. ومن برنامج التنظيم الترويج لمبدأ الجهاد في أوساطهم، لإقناع البعض منهم بالسفر للبلدان التي تشهد حروبًا بين المسلمين وأطراف أخري، مثل العراق وفلسطين ولبنان، تحت زعم مشاركة فصائل المقاومة الإسلامية، لمواجهة قوات الاحتلال في تلك البلدان، وذلك لتحقيق الهدف الرئيسي من ذلك، وهو تلقيهم التدريبات العملية علي استخدام الأسلحة من خبراتهم القتالية، حال عودتهم للبلاد، من أجل تغيير الأوضاع القائمة بالقوة في الوقت المناسب.
وفي إطار البرنامج التدريبي لهذه العناصر، والذي يعتمد في أحد محاوره علي إلهاب حماسهم، صدرت تكليفات لبعض هؤلاء الطلاب بجامعة الأزهر، بارتداء زي موحد للعناصر التي أنجزت تدريباتها البدنية والقتالية، عبارة عن بدلة شبه عسكرية وأقنعة سوداء تشبه الزي العسكري لأعضاء حزب الله اللبناني وحركة «حماس» و«جيش المهدي» بالعراق، والحرس الثوري الإيراني، ومدهم بهذا الزي والأسلحة البيضاء والجنازير، التي يتم إدخالها إلي الحرم الجامعي، باستخدام سيارات مملوكة لبعض أعضاء التنظيم، ممن يشغلون مواقع وظيفية بالجامعة من أعضاء هيئة التدريس، وتخزينها ببعض مكاتب هؤلاء المدرسين وحجرات العناصر الطلابية بالمدينة الجامعية.
ويتابع: وأشارت التحريات إلي صدور تكليف من قيادات التنظيم لهؤلاء الطلاب بتنظيم تظاهرة شبه عسكرية يوم الأحد ١٠/١٢/٢٠٠٦ بجامعة الأزهر، في استعراض مماثل لطوابير عرض الميليشيات العسكرية، وارتدوا أغطية سوداء علي رؤوسهم تحمل عبارة «صامدون» والبعض منهم قام بتغطية وجهه لإخفاء هويته وتلافي الرصد الأمني بدعوى تضررهم من إصدار الجامعة قرارًا بفصل هؤلاء الطلاب، وقاموا بإرهاب القاعدة الطلابية، وحاولوا الخروج إلي الشارع وتعطيل العملية التعليمية والمواصلات العامة مستخدمين بعض الأسلحة البيضاء والعصي والجنازير في استعراض للقوة.
- تطورات دراماتيكية: وقامت نيابة أمن الدولة بالانتقال إلى المدينة الجامعية لجامعة الأزهر وعمارات مدينة الصفا الجامعية حيث عاينت المدينة الجامعية والسكن الطلابي الذي كان محلاً لعملية القبض على الطلاب وصورت المدينة الجامعية والأماكن التي تم فيها القبض على الطلبة المتهمين في القضية بالفيديو.
وأدت هذه الإجراءات إلى تزايد المخاوف من وجود رغبة لدى النظام في تقديم الطلبة إلى المحاكمة مما يهدد مستقبلهم العلمي .. وتواكب ذلك مع التصريحات التي أدلى بها رئيس جامعة الأزهر وتحدث فيها عن نصيحته بعدم التدخل للدفاع عن الطلبة أو المطالبة بالإفراج عنهم وهو ما اعتبره كثيرون تعبيرًا عن نوايا حكومية مبيتة للعصف بمستقبل الطلبة المعتقلين.
لكن القضية شهدت العديد من المفاجآت والتطورات الدراماتيكية بعد ذلك منها على سبيل المثال:
- إضافة محاضر تحريات جديدة لمحضر تحريات القضية بما يكشف أن القضية لن تتوقف – مثل كل مرة
- عند حبس المتهمين احتياطيًّ,ا ثم الإفراج عنهم بموجب أحكام قضائية وإنما اتخاذ إجراءات تصعيدية تتمثل في ضم أشخاص آخرين للقضية، والتحفظ على الشركات والممتلكات الخاصة بالمتهمين بذريعة أنها تستخدم في تمويل الجماعة!.
- صدور قرار من القضاء الطبيعي بالإفراج عن ستة عشر قياديًّا من الجماعة يوم 29 يناير 2007، وإخلاء سبيلهم من سراي المحكمة غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم في خطوة عكست وجود نوايا حكومية للتصعيد.
- أثناء التحقيقات في القضية رقم ٩٦٣ لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا، المعروفة "ميليشيات طلاب الأزهر" المتهم فيها نحو مائة واثنين وثلاثين طالبًا تمثلت في الإفراج عن الطلاب كافة وذلك بعدما قرر النائب العام يوم 18 فبراير 2007 إخلاء سبيل طلاب جامعة الأزهر، المنتمين إلي جماعة الإخوان المسلمين موضحًا أنه بذلك تكون النيابة العامة قد أخلت سبيل جميع الطلاب في القضية .. وتم إرسال صورة رسمية من التحقيقات إلي جامعة الأزهر، لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الطلاب. واستمرت التحقيقات مع ثلاثة وثلاثين من قيادات الجماعة تم حبسهم على ذمة القضية – إضافة إلى سبع شخصيات منهم خمسة من خارج مصر إلى أن صدر قرار رئيس الجمهورية يوم 5 فبراير بإحالتهم إلى القضاء العسكري.
وقد بدأت أولى جلسات المحاكمة يوم 26 أبريل 2007 وقاطع محامو الدفاع عن المتهمين المحكمة احتجاجًا على عدم إخطارهم بموعدها... ثم صدر حكم تاريخي بتاريخ 8 / 5 / 2007 حيث قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 40 لسنة 2007 بإحالة المتهمين إلى القضاء العسكري.
لكن بمجرد صدور الحكم قامت الحكومة بالاستشكال في تنفيذه أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة والتي تختص ابتداءً بالمنازعات المدنية ومن ثَمّ لجأت الحكومة إلى هذه المحكمة الغير مختصة بغية تعطيل تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها رغم أن قانون مجلس الدولة يؤكد على أن الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة مشمولة بالنفاذ ولا يجوز وقف تنفيذها إلا بقرار صادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا.
وبتاريخ 15 مايو 2007 أوقفت الدائرة الأولى فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية القاضي بإحالة قادة «الإخوان» إلى القضاء العسكري على الرغم من عدم صلاحية الدائرة للتصدي للطعن لوجود دعاوى رد لهيئة المحكمة – لم يفصل فيها حتى الآن - وخصومة قضائية سابقة.
الفصل الرابع : مدى دستورية حق رئيس الجمهورية فى إحالة المدنيين للقضاء العسكري
أثارت مسألة محاكمة أشخاص مدنين أمام المحاكم العسكرية في مصر العديد من المنازعات والإشكاليات ما بين مؤيد ومعارض - وأعتبرها البعض دليلا على انعدام الديمقراطية والحريات العامة في مصر.
ومن الناحية القانونية يرى بعض الباحثين أن لجوء السلطات السياسية إلى إحالة بعض القضايا المتهم فيها أشخاص مدنيون إلى القضاء العسكري أمر تمليه ضرورات الواقع واعتبارات الأمن العام - ويجد سنده في القانون .
فيما يرى البعض الآخر - أن إحالة هذه القضايا إلى القضاء العسكري هو بمثابة مصادرة للرأى والحريات العامة ويتنافى مع مبادئ العدالة والمساواة والتشريعات القانونية المصرية الدستورية - فضلا عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية - كما أن ذلك يعد ولا شك تدخل من الجيش في المسائل السياسية وفى هذا نوع من القهر والديكتاتورية والتسلط.
ولعل هذا هو ما دعانا لخوض غمار البحث في هذه القضية التي سوف نتناولها من أربع زوايا كالتالي:
4 – 1 الأسانيد القانونية للإحالة للمحاكم العسكرية
يحق لرئيس الجمهورية - استنادا إلى الحق المقرر له بالمادة السادسة (الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية25/1966 (المعدل القوانين 5 / 7 / 1968 ، 82 / 1968 ، 14/ 1972 ، 72 / 1970 ، 46 / 1975 / 1979 ، 1983 ) وأخيرا بالقانون 16 لسنة 2007 ) والتى تنص على :
( تسرى أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها فى - البابين الأول والثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم – والتى تحال إلى القضاء العسكرى بقرار من رئيس الجمهورية..
ولرئيس الجمهورية – متى أعلنت حالة الطوارئ – أن يحيل إلى القضاء العسكرى أى من الجرائم التى يعاقب عليها قانون العقوبات أو أى قانون آخر).
ولما كانت المادة سالفة البيان تتكلم عن سريان قانون الأحكام العسكرية على بعض الجرائم التى لها حساسية خاصة وطابع سياسى - أو ما يسمى بالإجرام السياسي أو جرائم الرأي (وهى جرائم الكتاب الثانى من قانون العقوبات ) وكان من ثم يعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إحالتها للقضاء العسكري. فإنه والحال كذلك فإن مدى قانونية حق رئيس الجمهورية فى إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدى قانونية النص القانوني سند الإحالة ارتباط السبب بالمسبب ارتباطا لا يقبل التجزئة إذ أنه من المستقر أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما .
وحيث أن هذا النص مشكوك في مدى قانونيته من وجهين – ( الوجه الأول أنه نص غير واجب الإعمال لسبق إلغائه – ومن وجه آخر – فإنه على فرض جدلى بوجوده – فإنه نص مطعون عليه بعدم الدستورية لاصطدامه مع أكثر من مادة من مواد الدستور – وهذا ما سوف نتولى بحثه فى هذا البحث ).
4 – 2: مدى قانونية تلك الأسانيد - وفق التشريعات المصرية المعمول بها .
ولما كانت المادة محل البحث– هى المادة السادسة(الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية25/1966 الصادر فى 23 مايو 1966 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد123 فى أول يونيه1966 ولما كان هذا القانون قد عدل بالقوانين(5/1968،7/1968،82/1986،5/1970،14/1970،72/1975،46/1979،1/ ،1983)
ولما كانت المادة محل البحث لم تتعرض لأى تعديل سوى ما ورد بالقانون رقم 5 لسنة 1970المنشور بالجريدة الرسمية فى 29 / 1 / 1970 .
ولما كان الدستور المصرى قد عدل بالدستور الحالى الصادر فى 11 سبتمبر 1971 – فإن هذه المادة باتت محكوم عليها بالإعدام من وجهين – ( الوجه الأول أنها مادة ملغاه ومن ثم فهى غير واجبة الإعمال – والوجه الآخر أنها - وعلى فرفض جدلى بوجودها – فإنها مقضى عليها بعدم الدستورية – وذلك لاصطدامها مع اكثر من مادة من مواد الدستور) وذلك كما يلى :-
أولا: أثر صدور الدستور الحالى عام 1971
وما تضمنه من أحكام بشأن إنشاء محاكم أمن الدولة وصدور القانون رقم 105 لسنة 1980 .
لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 131 / 1948 بإصدار القانون المدنى والتى تنص على أنه : ( لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ) . فإنه والحال كذلك تضحى أحكام المادة السادسة من القانون 25 / 1966 ملغاة بكل صور الإلغاء المنصوص عليها قانونا – على النحو سالف البيان - وذلك على النحو التالى :-
الصورة الأولى من صور الإلغاء
1- بتاريخ 5 رجب 1400 المقابل 20 مايو 1980 صدر القانون رقم 105 / 1980 ( بإنشاء محاكم أمن الدوله ) والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 23 مقرر فى 21 / 5 / 1980 مشيدا لنظام قانونى متكامل متخصص للجرائم التى تمس أمن الدولة بكافة صورها وأشكالها بل بجناياتها وجنحها على النحو المبين تفصيلا بالمادة الثالثة من الباب الأول من ذلك القانون.
2- كما وأنه لما كانت نية المشرع تتجه الى البعد التام بالقوات المسلحة عن مسائل السياسة والرأى وأمن الدولة الداخلى ومع رغبة المشرع بالاحتفاظ بمساحة يراها هامة ولازمه للمصلحة العامة ومن ثم فقد نظم هذا التشريع نظام الخلط والمز واجه عند اللزوم بما نص عليه بالمادة الثانية من القانون 5 / 1980 بصدد حديثه عن تشكيل المحاكم إذ نص صراحة على أنه ( تشكل محكمة أمن الدولة العليا من ثلاثة من مستشارى محكمة الاستئناف على أن يكون الرئيس بدرجة رئيس محكمة استئناف . ويجوز أن يضم الى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة والقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعينها قرار من رئيس الجمهورية ) ويبين من مطالعة مجمل نصوص القانون 105 / 1980 أن المشرع (( نظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ) (م 2 من القانون المدنى ) وبما يكشف عن اتجاه نية المشرع لإلغاء أى اختصاص للقضاء العسكرى بهذه الجرائم إذا ما أتهم بها مدنيون .
مظاهر التنظيم التشريعى الجديد
وهذا النظام الجديد راعى فيه المشرع مفاداة كافة المطاعن والمآخذ التى توجه وتثار عادة لدى إحالة قضايا لأفراد مدنيين الى القضاء العسكرى ... مع احتفاظه بكافة صلاحياته المقررة بقانون الطوارئ والأحكام العسكرية والذى يمكن ملاحظتها فى الأمور الآتية :-
1- إنشاء محاكم متخصصة فى كل محكمه من محاكم الاستئناف ( م 1 ) .
2- تشكيل هذه المحاكم من مستشارى محكمة الاستئناف يكون رئيسها بدرجة رئيس محكمة استئناف( م2)
3- تتبع الإجراءات والأحكام المقررة بقانون الإجراءات الجنائية ( م 5 ) .
4- تختص النيابة العامة بالاتهام والتحقيق.. إلخ ( م 7 ).
كما احتفظ بهذه المحاكم بكل المبررات التى كانت تساق عادة لتبرير إحالة أشخاص مدنيين للقضاء العسكرى كاملة غير منقوصة يمكن ملاحظتها من مجرد مطالعة نصوص القانون مثل :-
1- يجوز أن يضم الى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة بالقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية ( م2 /2).
2- ترفع الدعوى الى المحكمة مباشرة من النيابة العامة ويفصل فيها على وجه السرعه ( م3 / 2 ) .
3- يجوز أن تنعقد محكمة أمن الدولة العليا فى أى مكان أخر فى دائرة اختصاصها أو خارج هذه الدائرة عندالضرورة ( م 4 / 2 ) . 4- لا يقبل الإدعاء المدنى أمام محاكم أمنالدولة ( م5 / 2 ) .
5- تكون أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية - ولا يجوز الطعن فيها إلا بطريق النقض وإعادة النظر (م 8/1)
وبتاريخ 18 / 8 / 1992 صدر القانون رقم 97 / 1992 والذى أقر القانون 105 / 1980 وأبقاه على نظامه بل وأضاف إليه بحصر الاختصاص المكانى لمحكمة استئناف بقاهره دون غيرها ومن ثم أصبحت محاكم أمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة ( فى دائرة أو أكثر ) هى المختصة وحدها ولائيا ونوعيا ومكانيا- دون غيرها
وحيث أن المادة الثانية من مواد إصدار القانون 105 / 1980 نص على أنه : ( يلغى كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون) ومن ثم فإنه ومن جماع ما تقدم يتضح - أن المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 / 1966 وتعديلاته ألغيت إلغاءا تاما ونسخت أحكامها بكافة صور الإلغاء المقررة قانونا :-
أ - ألغيت بإعادة تنظيم الموضوع على خلاف المقرر بمقتضى حكمها .
ب- ولاشتمال تشريع لاحق عليه على نصوص تعارض نصوصه – خاصة أن أحكام القانون 105لسنة 1980هى قواعد خاصة وبالتالى هى ناسخه لأحكام القانون 25/1966بما تضمنه من أحكام خاصة أيضا.
وحيث أنه لما كان الأمر كذلك يضحى النص محل البحث معدوم قانونا ومن ثم فاقدا للمشروعية ومبينا على تأويل فاسد وتفسير خاطئ .
ثانيا: مدى توافق المادة السادسة فقرة 2 مع أحكام الدستور
وعلى فرض جدلى - لا نسلم به - بأن هذا النص الشاذ لا زال ساريا فإنه معيبا بعدم الدستورية ولما كان القرار الصادر بإحالة قضيه إلى القضاء العسكرى وكان المتهم فيها مدنيون - استنادا لنص المادة السادسة من قانون 25 / 66 بمواد الاتهام ( المواد 30 ، 86 مكرر، و 88 مكرر من قانون العقوبات ) وهى مواد تتضمن عقوبات السجن والأشغال الشاقة والمصادرة فضلا عن التدابير الواردة بالمادة 88 مكرر (د) عقوبات .
وهى عقوبات تتسم بالغلظة والقسوة والجسامة - كما وأنها تنصب على حريات المواطنين وحقوقهم بل وحياتهم ويتعدى أثرها إلى أسرهم بوالديهم وزوجاتهم وعيالهم . وبدهى أنها تنتهى بضياع مستقبلهم المهنى والأدبى والمادى فضلا عن حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وفق صريح نص المادة 2/1 من قانون73/1956 وهو ما يسمى ( بالإعدام المدنى).
ولما كانت هذه الحقوق والحريات غالية ولا تقدر بثمن وأحاطها الدستور بجمله من النصوص وأفرد لها الباب الثالث - الذى توجه المشرع الدستورى ( بالمادة 57 ) التى قررت بعدم سقوط الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم لأى جريمة اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة .
ومن ثم فقد نص الدستور على الضمانات الآتيه:
1- سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ( م64)
2- تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ( م 65)
3- المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمه قانونيه تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه(م 67 /1)
4- التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعى (م68/1-2 )
5- فضلا عن 000 علنية الجلسات ( م 169 )
6 - تكفل الدوله تكافؤ الفرص لجميع المواطنين (م 8 )
7 – المواطنون لدى القانون سواء – وهم متساوون فى الحقوق والواجبات ولاتمييز بينهم ( م 40 )
وبناء على هذه النصوص فإن لكل مواطن عدة حقوق وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أى قانون أو قرار كائنا ما كان شأنه أو شأن من أصدره أن يمسها أو ينتقص منها فضلا عن ابتلاعها أو اغتيالها وتتمثل فى :
أ - التمتع بسيادة القانون التى تعلو على سيادة الحكم والحكام ( م 64 ، 65 ) .
ب - الحق (إذا ما وجه إليه اتهام) فى محاكمه قانونيه تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه) (م 67/1)
ج - الحق فى الالتجاء لقاضية الطبيعى وهو حق مكفول للناس كافة ( م 68 ) .
د – وأن تكون هذه المحاكمات فى جلسات علنية يطلع عليها الرأى العام والمنظمات الحقوقية المادة 169
هـ – وان يتم التعامل معهم بالمساواه
و – وان يتمتع الجميع بفرص متكافئه
وحيث أن الإحالة للمحاكمة العسكرية تعصف بكل هذه الحقوق مجتمعه لأنها تسلم الخصم لخصمه ثم تأمنه على التفرد به واغتيال حقوقه وتدمير مستقبله بمنأى عن رقابة القضاء وبعيدا عن مظلة حماية الدستور عندما يجرد من كافة حقوقه وضماناته فى محاكمه تتلاشى فيها كافة الضمانات الدستورية وتنهار فيها الثوابت والمبادئ الدستورية المقررة .
4 – 3: طبيعة القضاء العسكري :
أولا: الطبيعة القانونية للقضاء العسكرى
تنص المادة الأولى من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 (بعد التعديل) على ما يلى :- (القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة ، تتكون من محاكم ونيابات عسكرية وفروع قضاء أخرى طبقا لقوانين وأنظمة القوات المسلحة ويختص القضاء العسكرى دون غيره بنظر الجرائم الداخلة فى اختصاصه وفقا لأحكام هذا القانون وغيرها من الجرائم التى يختص بها وفقا لأى قانون آخر وتقوم شأن القضاء العسكرى هيئة تتبع وزارة الدفاع ) ( مادة 1 )
كما تنص المادة الثانية على :-(يتكون القضاء العسكرى من رئيس وعدد كاف من الأعضاء يتوافر فيهم فضلا عن الشروط الواردة بقانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 232 لسنة 1959 الشروط الواردة فى المادة 38 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1973
ويكون شأن شاغلى وظائف القضاء العسكرى شأن أقرانهم فى القضاء والنيابة العامة على النحو المبين بالجدول المرفق فى مجال تطبيق هذا القانون ) ( مادة 2 )
ومن مطالعة النصين تتبين خصائص القضاء العسكرى وهى :
1- القضاء العسكرى ( إدارة عامه ) .
2- إنها إحدى إدارات القيادة العليا - تتبع وزارة الدفاع - مثل إدارة المركبات وإدارة المهمات .. إلخ
3- رئيسها - يتبع وزير الدفاع ( يعنى موظف إدارى ) والوزير أحد أعضاء السلطة التنفيذية .
4- الإدارة العامه للقضاء العسكرى يتبعها :-
- ( إدارة المدعى العام - ( نيابة عسكرية )
- ( إدارة المحاكم )
إذا رئيس المحكمة العسكرية العليا هو موظف فى إدارة المحاكم - التى تتبع الإدارة العامة ويترأسها مدير والتى تتبع وزير الدفاع الذى يتبع رئيس مجلس الوزراء - الذى يتبع رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية
إذا رئيس المحكمة العسكرية العليا موظف فى السلطة التنفيذية يأتى بعد كل من :-
1- رئيس السلطة التنفيذية
2- رئيس الحكومة
3- رئيس الوزراء
4- وزير الدفاع
5- رئيس القضاء العسكرى
6- مدير إدارة المحاكم العسكرية .
وهؤلاء جميعا عسكريون ( يعينهم رئيس الجمهورية ويعفيهم من مناصبهم عملا بأحكام الدستور المادة 141 143هذا بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور أيضا بالمادة 157 - من أن الوزير هو الرئيس الإدارى الأعلى لوزارته ويتولى رسم سياسة الوزارة فى حدود السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها ) إذا هو ينفذ سياسة وزاره فى حدود السياسة العامة للدولة وليس من اختصاصه إقامة العدالة بين الناس ويترتب على ذلك بداهة انتفاء استقلال القاضى العسكرى
ثانيا: :- المركز القانونى للقاضى العسكرى ( ومدى تمتعه بالحصانة والحيدة والإستقلال ) إذا كان القاضى العسكرى ليس مستقلا كما بينا - فإنه أيضا لا يتمتع بأى حصانه على الإطلاق سواء فى (التعيين او الترقيه - أو الندب - او الإعارة - أو العزل - اوالتاديب) وذلك على النحو التالى:- تنص كانت أحكام مواد القانون 25/1966 صراحة فى اكثر من موضع على خضوع القضاة العسكريين لأحكام قانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة رقم 232 لسنة 1959– ومن ثم فهم يخضعون للأحكام الأتيه :-
أ. فى التعيين :
1 - يكون تعيين القضاه العسكريين بقرار من وزير الدفاع ( م 54 / 1 ) القانون 25/1966 .
2- يخضع القضاه العسكريين لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية ( م 57 ) القانون 25/1966
3- يقسم ضباط القوات المسلحة عند بدء تعيينه يمين الطاعة . ( م 101 القانون رقم 232 لسنة 1959)
وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بذلك .
ب . فى الترقية :
4- تكون الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة مقدم بالأقدمية العامة ( م 27 القانون رقم 232 لسنة 1959)
5- تكون الترقية إلى رتب عقيد وعميد ولواء بالإختيار ( م 28 القانون رقم 232 لسنة 1959)
فاذا كان غير أهل للترقيه فيحال للمعاش (م 31و34)
ملحوظه - بغض النظر عن سنه انذاك 00علما بأن القاضى الطبيعى يظل فى الخدمه دون رأى لأحد حتى سن السبعين وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بذلك .
ج. فى التأديب
6- يخضع العقوبات التى توقع على الضباط المنصوص عليها بالمادة 110 و 112 و134 من القانون رقم 232 لسنة 1959) ومنها الترك فى الترقية – والإحالة إلى الإستداع – والإستغناء عن الخدمات . وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بتوقيع هذه العقوبات .
د. فى الحصانه :
7- فتنص الماده 22على انه ينشأ بادارة كاتم اسرار حربيه لكل ضابط عند بدء تعيينه ملفان أولهما ملف خدمه – والثانى الملف السرى 000
8- و تنص الماده 23 /3 على انه – يجوز فى الاحوال الاستثنائيه كتابة تقرير كفاءة خاص عن الضباط وذلك بناء على طلب الرئاسات أو اذا رأى القائد المباشر فى أى وقت ان الضابط غير صالح للخدمه لاى وجه من الوجوه0
9- وتنص المادة 26 على انه اذا كتب عن الضابط تقرير خاص غير مرض – او ذكر انه غير اهل لوظيفته الحاليه او لوظيفة أخرى او للترقية – يعرض أمره فورا على لجنة الضباط المختصه .
وأخيرا 000تنص الماده 138 فقره أخيره على انه (يجوز لرئيس الجمهوريه - بقرار منه – انهاء خدمة الضابط باحالته الى المعاش0
(فلا حصانه ولا حماية لا فى التعيين ولافى الترقيه ولا فى النقل أو العزل ولا المساءلة والمحاكمة).
لما كان ذلك وكان الدستور ينص على أن :
( استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ) ( م 65 ) إن استقلال القضاء وحصانته - ليست مزية للقضاء - بقدر ما هى ضمانه لحقوق المواطن وحرياته
ولما كان القضاء العسكرى مجرد مجالس عسكرية (إدارية) لها اختصاص قضائى لا يتمتع أعضاؤها بأى قدر من الحصانة ولا الاستقلال ويتبعون تبعيه بعيدة المدى لأكثر من ست سلطات تنفيذية تابعه للسلطة التنفيذية فإنه تضحى الحقوق والحريات بلا أدنى قدر من الحماية والرعاية وفى ذلك مصادمه صريحة ومخالفه مفضوحة لأحكام الدستور .
إذا السؤال الآن هو: هل القاضى العسكرى هو القاضى الطبيعى ؟
لما كان القضاء العسكرى إدارة تابعه لإحدى إدارات السلطة التنفيذية وخاضعة لها تمام الخضوع ولا تتمتع فى مواجهتها بأى قدر من الحصانة والحماية فهل تعتبر هى السلطة القضائية المنصوص عليها الدستور المادة 68 ؟؟ والإجابة كالتالي:
( أ )- أوردتها المذكرة الإيضاحية للقانون 25 لسنة 66 والتى تنص على أن ( هذه السلطات هى أقدر من غيرها على تفهم مقتضيات النظام العسكرى وتصرفات أفراد القوات المسلحة سواء فى الحرب أو السلم ) وبمفهوم المخالفة فإن القضاء العادى هو القاضى الطبيعى وهو أقدر من غيره على تفهم الحقوق والحريات للمواطنين ومدى اتساقها وانضباطها فى إطار المصلحة العامة وفق حدود الدستور والقانون.
(ب)- كما أوردتها المادة 54 من ذات القانون (يعين القضاة العسكريون بقرار من وزير الدفاع ).
(ج) - وأنهم يخضعون ( لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية (م57). فهل هؤلاء يمثلون القاضى الطبيعى ؟!
وعلى ذلك يصبح الطعن بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية – وكذا ما استند إليه من نص المادة السادسة من القانون 25 / 1966 وتعديلاته طعنا صحيحا واقعا وقانونا .
4 – 4 أحكام المحاكم العسكرية- وطرق الطعن عليها
1 - تنص المادة 84 من القانون 25 / 1966 وتعديلاته على انه :- ( لا تصبح الأحكام نهائيه إلا بعد التصديق عليها على الوجه المبين فى هذا القانون)
2 – وتنص المادة 97 من ذات القانون – على انه – (يصدق رئيس الجمهورية – أو من يفوضه على أحكام المحاكم العسكرية)
3 – وتنص المادة 99 و100 منه - على انه:- يكون للضابط المصدق- عند عرض الحكم عليه – السلطات الآتيه:
(تخفيف العقوبة – أو إبدالها بأقل منها – أو إلغاء كل العقوبات - أو بعضها أيا كان نوعها – أو إيقاف تنفيذها كلها أو بعضها – أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى – أو الأمر بإعادة المحاكمة أمام محكمة أخرى )
الأمر الذى يعنى خضوع الأحكام العسكرية لهوى السلطة ورضاها وذلك 00 يخالف أحكام الدستور حيث تنص المادة 166/2 بأنه: (لا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو شئون العدالة)
4 – أما عن طرق الطعن عليها- فتختص به المحكمة العليا للطعون العسكرية المنسأة بالقانون 16 لسنة 2007 كبديل لمحكمة النقض – بما يحرم المحكوم عليه من اللجوء لمحكمة النقض (القاضى الطبيعى) اخلالا بالمواد 8 و40 من الدستور ( المساواة – وتكافؤ الفرص)
وأخيرا 0000 وبعد ما سلف بيانه - يثور التساؤل - أليس قرار إحالة المدنيين للمحاكمة أمام القضاء العسكرى تطبيقا نموذجيا لفكرة التعسف وإساءة استعمال السلطة والانحراف بها ؟
الفصل الخامس: المحاكمات العسكرية للإخوان ... ملف تاريخي وقانوني
مرت القضية العسكرية رقم 2 لسنة2007 جنايات عسكرية عليا والمقيدة برقم 963 لسنة2006 حصر أمن دولة عليا الخاصة بمحاكمات قيادات وأساتذة جامعات من جماعة الإخوان المسلمين– ولا زالت – بجدل وصراع قانوني لا يقل ضراوة عن الصراع السياسي المحتدم بين الحكومة والإخوان ... بل كان أشد وطأة. وسلكت هيئة الدفاع عن المحالين كل سبيل قانوني من أجل إفشال مخطط الحكومة في محاكمتها لسجناء الرأي هؤلاء, وإسباغ الشرعية القانونية على هذه المحاكمة التي خالفت كل الشرائع من دساتير وقوانين ومواثيق دولية وأعراف.
وفي هذا الفصل نتناول القضية توضيحًا وتجلية لوقائع حدثت فعلا لتكون شاهدًا على ما جرى واضعين أمام القانونيين والمهتمين بحقوق الإنسان حقائق ما تم في هذه القضية من إجراءات.
وفي تناولنا لهذا الملف التاريخي القانوني لهذه القضية نتعرض لثلاث نقاط رئيسية هي كالتالي: أولها: تاريخ الإخوان المسلمين مع المحاكم العسكرية.
ثانيها: مدى قانونية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
ثالثها: الصراع القانوني والقضائي الذي شهدته هذه القضية.
5 - 1 تاريخ المحاكمات العسكرية مع الإخوان.
بدأت المحاكمات العسكرية للإخوان منذ قيام ثورة 1952 واستمرت طوال الحقبة الناصرية، ثم عادت للظهور في عصر الرئيس مبارك سنة 1995، وسوف نسلط شيئًا من الضوء على المحاكمات العسكرية خلال هاتين الحقبتين كالتالي:
1. المحاكمات العسكرية للإخوان في العصر الناصري:
يرجع تاريخ المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين في العهد الناصري إلى سنة 1953 حيث تم تشكيل محكمة الثورة من ضباط الجيش .. وكانت أول قضية عسكرية للإخوان معروضة أمام هذه المحكمة في أكتوبر 1954 م.
ثم تلتها بعد ذلك في العام التالي ثلاث محاكمات في يناير1955، ومارس 1955، ويونيو1955. وفي هذه القضايا العسكرية الأربع تم الحكم على أكثر من تسعمائة شخص (هذا بخلاف آلاف المعتقلين الذين لم يقدموا للمحاكمة وقتها) وتراوحت الأحكام ما بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
وفي العام 1965 قامت السلطات بحملة محاكمات عسكرية في مواجهة الإخوان تمثلت في سبع قضايا: أربع منها كانت التهم فيها تتمثل في الاتهام بتغيير الدستور وتشكيل تنظيم سري (جماعة الإخوان المسلمون)، ومحاولة قلب نظام الحكم، وثلاث قضايا أخرى كانت التهم فيها تنحصر في محاولة إحياء الجماعة وتزويد المعتقلين والمسجونين من الإخوان وأسرهم بالمال.
وشملت القضايا الأربع الأولى مائة وتسعة وتسعين متهمًا (43 في الأولى، 46 في الثانية، 50 في الثالثة، 60في الرابعة)، وتم الحكم فيها على سبعة أشخاص بالإعدام، وبالمؤبد على ستة وعشرين شخصًا، فيما حُكِم على اثنين وأربعين شخصًا بالسجن لمدة خمس عشرة سنة، وعشرين شخصا بالسجن لمدة عشرين سنة، وواحد وثلاثين شخصًا لمدة عشر سنوات، وأربعة عشر شخصًا لمدة أربع عشرة سنة، وشخصين لمدة سبع سنوات، فيما حصل أربعة عشر شخصًا على البراءة وحكم بالإفراج.
أما القضايا الثلاث الأخرى فهي كالتالي:
- القضية الخامسة تم محاكمة ثلاثة وأربعين شخصًا فيها, وحكم على ثلاثة أشخاص بالسجن عشر سنوات، وشخص واحد سبع سنوات، واثنان خمس سنوات، وأربعة وعشرين فردًا بالسجن ثلاث سنوات، وثمانية أفراد بسنتين، وخمسة أفراد بسنة واحدة، بالإضافة إلى أن ثلاثة من المحكوم عليهم بالحبس تم الحكم عليهم أيضًا بغرامة مالية كبيرة.
- القضية السادسة وتم خلالها محاكمة ثمانية وخمسين شخصًا فيها وتراوحت الأحكام ما بين ثلاث سنوات وسنة حيث تم الحكم على واحد وأربعين فردًا بالسجن ثلاث سنوات، خمسة عشر فردًا بسنتين، وفرد واحد بسنة مع الإيقاف، هذا بالإضافة إلى براءة شخص واحد.
- القضية السابعة وحوكم فيها واحد وخمسون شخصًا فيها وتراوحت الأحكام مابين ثلاث سنوات وسنة.
2. المحاكمات العسكرية للإخوان في عهد الرئيس مبارك:
وعاد أسلوب المحاكم العسكرية إلى الظهور مرة أخرى في عهد الرئيس مبارك وهي:
- قضيتا سنة 1995م التي تزامنت مع الانتخابات البرلمانية في مصر وحوكم فيها ما يقارب من تسعين شخصًا من الإخوان وحملتا رقمي 8 ، 11 لسنة1995 جنايات عسكرية عليا وتراوحت أحكام السجن فيها ما بين ثلاث وخمس سنوات، مع صدور بعض الأحكام بالبراءة.
- قضية حزب الوسط سنة 1996: وحملت رقم 5 لسنة1996 جنايات عسكرية عليا.
- قضية النقابيين سنة 1999: وحملت رقم 8 لسنة 1999 جنايات عسكرية حيث اتخذت السلطات قرارًا بإحالة مجموعة من الإخوان إلى القضاء العسكري من المحامين والأطباء والمهندسين والتجاريين والأطباء البيطريين والصيادلة والمعلمين، بتهم التغلغل في الأوساط النقابية والإعداد للانتخابات فيها.
- قضية أساتذة الجامعات: وحملت رقم 29لسنة2001 جنايات عسكرية عليا وأحيل على ذمتها مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات بعد أن تم انتزاعهم من أمام قاضيهم الطبيعي وصدر بحقهم أحكام بالسجن ما بين (ثلاث – خمس سنوات) مع تبرئة بعضهم.
- قضية جامعة الأزهر: والمقيدة تحت رقم 2 لسنة2007 جنايات عسكرية عليا وكان نواتها أو بدايتها ما سُمِّي بأحداث طلبة الأزهر (الذين تلاشى أثرهم في القضية عند إحالتها للقضاء العسكري) تم توجيه اتهامات لأربعين من قيادات الإخوان المسلمين..
وأغلب المتهمين في هذه القضية من رجال الأعمال الذين يملكون مشروعات اقتصادية كبيرة داخل مصر وخارجها، وكذلك مجموعة من العلماء البارزين وأساتذة الجامعات، وقد وجهت لهم اتهامات منها العمل على تعطيل الدستور وتولي قيادة في جماعة أُسِّست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة أعمالها، وأضافت لبعضهم تهمة غسيل الأموال.
جدول يوضح (القضايا التي أحيل فيها الإخوان إلى المحاكمات العسكرية في عهد الرئيس مبارك)
م القضية المتهمين سجن براءة العقوبة 1. 8 لسنة1995 جنايات عسكرية عليا 49 34 15 السجن من 5-3سنوات 2. 11 لسنة1995 جنايات عسكرية عليا 33 20 12 السجن من 5-3سنوات 3. 5 لسنة1996 جنايات عسكرية عليا (قضية حزب الوسط) 13 8 5 السجن من 5-3سنوات 4. 18 لسنة1999 جنايات عسكرية عليا(قضية النقابيين) 20 15 5 السجن من 5-3سنوات 5. 29 لسنة2001 جنايات عسكرية عليا (قضية أساتذة الجامعات) 22 15 7 السجن من 5-3سنوات 6. 2 لسنة2007 جنايات عسكرية عليا 40 25 15 السجن من 10-3سنوات مع مصادرة أموال بعض المتهمين
الإجمالي 177 117 59
5 – 2 المحاكمات العسكرية من وجهة نظر قانونية
تختص المحاكم العسكرية أصلاً بالنظر في القضايا الخاصة بالعسكريين أو التي تقع بالأساس على الجيش ووحداته العسكرية، وتتكون هذه المحاكم من ضباط بالجيش يحصلون على الرتب العسكرية ويعاملون بذات القواعد واللوائح التي يعامل بها ضباط باقي وحدات الجيش، ويخضعون لذات قواعد التأديب الخاصة بهم، .وذلك طبقًا لما نَصّ عليه القانون رقم٢٥لسنة١٩٦٦وتعديلاته في المادتين الثانية والثالثة منه بشأن تطبيق قواعد الترقية والجزاءات الواردة بقانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ على الضباط الذين يتولون وظيفة القضاء العسكري.
أما المحاكم الجنائية العادية فهي التي تختص بنظر الجرائم التي يرتكبها المدنيون وهي التي تمثل القضاء الطبيعي بالنسبة لهم وقضاتها هم القضاء الطبيعي بالنسبة للمدنيين.. وهذا هو معنى القاضي الطبيعي الذي نص الدستور على أن لكل مواطن الحق في الالتجاء إليه.
وبالتالي فالمحاكم العسكرية هي محاكم استثنائية بالنسبة للمدنيين، ولا تختص بنظر نزاعاتهم وجرائمهم وتمثل قضاءً استثنائيًّا مخالفًا للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية حتى ولو نَصّ عليها قانون فإنه يعد بذلك مخالفًا للدستور، ولما نصت عليه دساتير الدول المتقدمة ومبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة والمواثيق والمعاهدات الدولية.
1. ضمانات المحاكمة العادلة في الدستور المصري وضوابطها
نص الدستور المصري على ضمانات لوجود محاكمة عادلة للمواطنين ولمواجهة عسف السلطة في مواجهة خصومها السياسيين وهي تتمثل في :
المادة(65) والتى تنص على (تخضع الدولة للقانون. واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.)
المادة(67/1) والتي نصت على (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمه قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه).
المادة (68) والتي حظرت حرمان المواطنين من حقهم في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي (التقاضي حق مصون . ومكفول للناس كافة - ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.)
مادة(70) والتي نصت على (لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية).
وبناء على هذه النصوص: فإن لكل مواطن حقوقًا وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أي قانون أو قرار أن يمسها أو ينتقص منها فضلاً عن ابتلاعها أو اغتيالها، والقضاء العسكري لا تتوافر فيه هذه الصفات إذ أنه لا يتمتع بالاستقلالية وليست له حصانة وقضاته يتبعون وزير الدفاع الذي يمثل السلطة التنفيذية طبقًا لنص القانون.
2. ضمانات المحاكمة العادلة في المعاهدات والمواثيق الدولية:
جاءت المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مؤكدة على حق المواطنين في محاكمة عادلة منصفة أمام قاضيهم الطبيعي، معتبرة أن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أو الاستثنائية مخالفة لما استقرت عليه الأمم المتحضرة، واعتبرت ذلك مخالفة لحقوق الإنسان.
فقد نصت المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرًا منصفًا وعلنيًّا للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمه جزائية تُوجَّه إليه"
كما نَصّ على ذلك أيضًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة الرابعة عشر منه فقد نصت على " الناس جميعًا سواء أمام القضاء . و من حق كل فرد ، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه و التزامات في أية دعوى مدنية ، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية ، منشأة بحكم القانون".
وقد صدّقت الحكومة المصرية على هذا العهد وأصبح قانونًا ملزمًا واجب التطبيق إلا أنها لم تلتزم به عملاً.
فإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية التي تفتقد الضمانات التي نصت عليها مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمعتمدة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29 نوفمبر 1985 ورقم 40/146 في 13 كانون الأول / ديسمبر 1985 تتناقض مع ما أقرته هذه المبادئ التي نصت على أن:
"(1) تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه . ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .
(2) تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقًا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب .
(3) تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون .
.................................... (5) لكل فرد الحق في أن يُحاكَم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية، لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية".
وعلى الرغم من النص في الدستور المصري والمبادئ والمعاهدات والاتفاقيات الدولية على إلزام سلطات الدولة بمحاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي إلا أن قانون القضاء العسكري المصري رقم 25لسنة1966 وتعديلاته جاء في مادته السادسة باستثناء خطير يمس الحقوق والحريات وينال منها فقد أعطى لرئيس الجمهورية حق إحالة أي من المدنيين المتهمين في القضايا أو الجرائم العادية – غير العسكرية- إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية.
وقد تقرر هذا الحق الاستثنائي بموجب المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25لسنة1966 والمعدل بالقانون رقم 5لسنة1970 – والذي خَوّل لرئيس الجمهورية – حق إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية دون إبداء أية أسباب أو وضع معايير موحدة تتعلق بذلك، حيث تنص على: " تسري أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في البابين (الأول والثاني) من الكتاب الأول من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم والتي تحال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية – ولرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل للقضاء العسكري أيا من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر"..
إلا أن الحكومة استخدمت هذا الاستثناء الذي خوله لها القانون في العصف بخصومها السياسيين فقط دون غيرهم، مما نتج عنه إخلال جسيم بحقوقهم وحرياتهم، وأصبح بابًا للالتفاف على الحقوق والحريات ولمخالفة المعاهدات والمواثيق الدولية.
5 – 3 الصراع القانوني في القضية
قامت نيابة أمن الدولة بالتحقيق في هذه القضية ووجهت للمقبوض عليهم التهم المعتاد توجيهها للإخوان في المناسبات المختلفة، وذكر منها قرار الاتهام ما يلي: الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون وتولي القيادة فيها، والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية والحقوق العامة لمواطنين التي كفلها الدستور، وإحياء نشاط الجماعة بين مختلف قطاعات الدولة والتغلغل بالتوجيه الفكري والدعم بالمال والسلاح بين القاعدة الطلابية وسائر المنضمين إليها من قطاعات الشعب، واستعمال الإرهاب وسيلة لتحقيق وتنفيذ تلك الأغراض ... فضلاً عن توجيه تهمة جديدة لم توجهها النيابة لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين من قبل وهي تهمة غسيل الأموال.
1. جلسات نظر الحبس الاحتياطي:
قامت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين حبسًا احتياطيًّا على ذمة القضية رقم 963لسنة2007 حصر أمن دولة عليا فطعن المتهمون بالاستئناف وتحدد لنظره جلسة 29 يناير 2007 أما الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة التي أصدرت قرارها بإلغاء قرارات الحبس الاحتياطي الخاصة ب 16 متهما المعروضين عليها وإخلاء سبيلهم فورًا من سراي المحكمة بإخلاء سبيل المتهمين فورًا وبلا ضمان وإلغاء جميع قرارات الحبس الصادرة من نيابة أمن الدولة العليا.
إلا أن وزارة الداخلية لم تنفذ القرار وأصدر وزير الداخلية قرارًا باعتقالهم بموجب قانون الطوارئ.
وبعد أن أصدر وزير الداخلية قراره باعتقال المخلى سبيلهم من قبل قاضيهم الطبيعي -والذي ألغى جميع قرارات نيابة أمن الدولة الصادرة بحبسهم- تظلم دفاعهم من القرار الصادر باعتقالهم، فنظر هذا التظلم أمام محكمة الجنايات في دائرة أخرى غير التي أخلت سبيلهم سابقًا فقضت هذه الدائرة بإخلاء سبيلهم أيضًا لثاني مرة من قاضيهم الطبيعي.
إلا أن وزارة الداخلية اعترضت عليه فنظر أمام دائرة جنايات ثالثة قررت رفض اعتراض وزير الداخلية وتأييد قرار المحكمة بالإفراج عنهم للمرة الثالثة..
2. التحفظ على الأموال:
وعلى إثر توجيه النيابة تهمة غسل الأموال أصدر النائب العام قرارًا بمنع المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر من التصرف في أموالهم السائلة والعقارية والمنقولة والنقدية ومنعهم من إدارتها وتحدد لنظر هذا الأمر جلسة 30 يناير 2007 أمام الدائرة الرابعة محكمة جنايات جنوب القاهرة والتي أصدرت قرارها بالتأجيل لجلسة 22 فبراير 2007، وطبقًا لقانون الإجراءات الجنائية يجب لتنفيذ قرار النيابة بالمنع من التصرف أن يعرض على محكمة الجنايات لتصدر قرارها بتأييده.
وأثناء نظر طلب المنع من التصرف أمام محكمة الجنايات وقبل الفصل فيه، وبتاريخ 5 فبراير 2007 صدر القرار الجمهوري رقم 40لسنة2007 بإحالة المعتقلين إلى القضاء العسكري.
3. تنازع قضائي غير مسبوق:
في الوقت الذي أصدرت محكمة أمن الدولة العليا الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة قرارًا بالإفراج عن جميع المعروضين أمامها وإلغاء قرارات النيابة القاضي بحبسهم، وكانت الدائرة الرابعة جنايات جنوب القاهرة تنظر أمر النائب العام بمنع المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر من التصرف في أموالهم على الرغم من علم المحكمة بصدور القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 من خلال المستندات التي قدمتها نيابة أمن الدولة لها بجلسة 22 فبراير 2007 وإصرار المحكمة على نظر الأمر ... في ذات الوقت كانت المحكمة العسكرية تباشر إجراءات نظر الدعوى!
مما حدا بهيئة الدفاع عن المحالين إلى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لطلب تحديد جهة القضاء المختصة بنظر هذه القضية وفض هذا التنازع وذلك طبقا للدستور، وطبقًا لقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي نص في الفقرة الثانية من المادة 25 منه على ".......... ثانيًا: الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها....."
وقد قيد طلب التنازع برقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا حيث أنه: " يترتب على تقديم الطلب وقف الدعاوى القائمة المتعلقة به حتى الفصل فيه" (المادة 31/3 من قانون المحكمة الدستورية العليا) وكان يجب علي كلا المحكمتين (المدنية، والعسكرية) وقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب التنازع إلا أن ذلك لم يحدث.
4. الصراع القانوني مع القرار الجمهوري...
ما إن صدر القرار الجمهوري رقم 40لسنة2007 بانتزاع المحالين في القضية رقم 963لسنة2006 حصر أمن دولة عليا من أمام قاضيهم الطبيعي الذي أصدر قراره بإخلاء سبيلهم إلا وسلك دفاعهم طريقه القانوني لإلغاء هذا القرار الجمهوري حيث لجأ إلى مجلس الدولة فأقام الدعوى رقم 16336لسنة61ق أمام محكمة القضاء الإداري والتي نعى فيها على القرار الجمهوري مخالفته للدستور بحرمانه المحالين، المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي واعتدائه على حرياتهم وحقوقهم وذلك استنادًا لنصوص المواد (64، 65 ، 67 ، 68) من الدستور ، وكذلك للاتفاقيات والمبادئ والمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها الحكومة المصرية.
هذا فضلاً عما انطوى عليه القرار الجمهوري من عدم مشروعية لسبب إصداره، واعتباره مشوبًا بإساءة استعمال السلطة والانحراف بها وما ابتغاه القرار الطعين من تحقيق مآرب وأغراض السياسية، ولم يبغ تحقيق مصلحة عامة.
كما أن بعض المحالين في هذه القضية والذين تضمنهم القرار الجمهوري قد سبق إحالتهم إلى القضاء العسكري في العام 1995 وقاموا بالطعن بعدم دستورية نص المادة السادسة من قانون القضاء العسكري رقم 25لسنة1966 أمام المحكمة الدستورية العليا إلا أن المحكمة لم تفصل في الطعن حتى الآن، ما يدلل على جدية الطعن بعدم دستورية النص الذي يخول رئيس الجمهورية الحق في إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
5. حكم تاريخي
بعد صدور قرار الإحالة رقم 40 لسنة 2007 طعن عليه المتهمون أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الأولي منازعات الأفراد وبجلسة 8 / 5 / 2007 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها التاريخي بوقف الطعون شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة الطاعنين إلي القضاء العسكري علي أن ينفذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
إلا أن الحكومة قامت مخالفة للدستور وللقانون بالطعن علي الحكم بالاستشكال أمام محكمة غير مختصة ( محكمة عابدين للأمور المستعجلة).
وطعنت الحكومة علي حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا وتحدد نظر الطعن جلسة 14 / 5 / 2007 أمام الدائرة الأولي فحص الطعون فقام بعض المطعون ضدهم برد أعضاء الدائرة رئيسا وأعضاءً وذلك قبل نظر الطعن... أما أثناء نظر الطعن تم رد أعضاء الدائرة جميعًا أيضا للمرة الثانية لأنه ثبت أن أعضاء الدائرة ( رئيسا وأعضاء) منتدبون لدى خصوم المطعون ضدهم ومرؤوسيهم إلا أن دائرة فحص الطعون أو المخالفة للدستور والقانون و المستقر عليه من أحكام فصلت في طلب الرد ثم أمرت بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري و ثبوت انعدام هذا الأمر الصادر عن دائرة فحص الطعون؛ لأن الحكم الصادر من القاضي في الدعوى التي أوقفت بقوة القانون لسبب طلب رده حكم منعدم وعلة ذلك انحصار ولايته عنها نقض في 25 / 2 / 1999 الطعن رقم 4008 لسنة 62 ق.
6. انتداب القضاة باب خلفي للتأثير والشبهة
يطالب نادي القضاة منذ سنوات بعيدة بمنع ندب القضاة للعمل في غير الجهات القضائية، وبرز هذا الاتجاه في مؤتمر العدالة الأول سنة ١٩٨٦، والذي افتتحه الرئيس مبارك، كما برز في مشروع النادي لقانون السلطة القضائية، والذي أعده القضاة المطالبون باستقلال القضاء وإصلاحه منذ التسعينيات، حيث دأبوا في كل الجمعيات العمومية التي عقدوها داخل ناديهم خلال الخمس عشرة سنة الماضية علي تأكيد أن ندب رجال القضاء إلي الجهات الحكومية تدخل في شئون القضاء، وله تأثير سلبي علي حياد القضاة.
وتعود قضية الندب إلي جهات غير قضائية مثل الوزارات والهيئات وغيرها إلي سنوات طويلة ماضية، بدأت ـ بحسب سجلات النادي ـ في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر وتحديدًا سنة ١٩٥٩، حيث تم النص عليه في القانون رقم ٥٦، ولأول مرة في تاريخ القضاء المصري العريق منذ نشأته في ١٨٨٣، وبرزت بشكل أكبر في عصر الرئيس أنور السادات، خصوصًا أنه جرى تصنيف القضاة إلي متعاونين وغير متعاونين، بمعنى مع الحكومة أو النظام أم ضده.
وإذا كان الندب عمومًا يظل داخل القضاء محصورًا في العمل داخل المحاكم أو وزارة العدل للعمل في أعمال إدارية، فإن قرارات الندب إلي خارج القضاء هو الأخطر، حيث يعمل من خلالها القضاة كمستشارين قانونيين للوزراء وأحيانًا مستشارين لـرؤساء الهيئات والمصالح الحكومية.
وقد برزت قضية الندب علي السطح مجددًا بمناسبة الطعن الذي نظره القضاء الإداري والمقدم من هيئة الدفاع عن المحالين للمطالبة برد الدائرة الأولى فحص الطعون عن نظر الطعن في الحكم الصادر في دعوى وقف محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.
ففي القضية العسكرية رقم 2لسنة2007 جنايات عسكرية عليا قامت الحكومة بالطعن على حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا في اليوم التالي لصدور الحكم وتحدد جلسة بسرعة لم يسبق لها مثيل لنظره في خلال ثلاثة أيام في حين أن الطعون المقامة أمام المحكمة الإدارية العليا في الوضع الطبيعي لا تحدد لها جلسات إلا بعد مرور عام أو أكثر .
وبالنظر إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا التي نظر أمامها الطعن وجد أن من بينهم مستشار رئيس الجمهورية (مصدر قرار الإحالة الطعين إلى المحاكمة العسكرية) وباقي أعضاء الدائرة مستشارون لدى الهيئات والوزارات التابعة للسلطة التنفيذية، فقامت هيئة الدفاع بالطعن على قرارات انتدابهم للعمل لدى السلطة التنفيذية، وكذلك قدمت طلبات لردهم وتنحيتهم عن نظر الطعن إلا أن الدائرة التفتت عن طلبات الرد ورفضت التنحي عن نظر الطعن بالمخالفة للقانون الذي أوجب على الدائرة التي يقدم إليها طلب لردها أن تحيل طلب الرد إلى دائرة أخرى لتفصل فيه وتوقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب الرد.
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في أول جلسة بوقف تنفيذ حكم محكمة أول درجة (القضاء الإداري) القاضي بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية وذلك بالمخالفة للقانون وعلى الرغم من وجود طلبات رد للدائرة التي أصدرت الحكم.
والطعن على هذا الحكم من قبل الحكومة بهذه السرعة وتحديد جلسة أسرع ما يكون بهذه الطريقة، وصدور قرار المحكمة في أول جلسة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم إلى القضاء العسكري يؤكد تأثير الانتدابات على السلطة القضائية وتدخل السلطة التنفيذية فيها مما يجب معه العمل على إلغاء هذه الانتدابات بالنسبة للقضاة مع توفير الاعتمادات المالية المستقلة للقضاة لنفي شبهة التأثير عليهم والعمل على استقلالهم، ولزرع الثقة لدى المتقاضين بشأن استقلالية السلطة القضائية.
ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي توضح أثر "الانتدابات" حيث أشار المستشار محمد حامد الجمل أحد رؤساء مجلس الدولة السابقين إلى حالة مماثلة صدر فيها حكم من محكمة القضاء الإداري لصالح مجموعة من المدنيين تمت إحالتهم للمحاكم العسكرية بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم للقضاء العسكري إلا أن المحكمة الإدارية العليا ألغت هذا الحكم أثناء رئاسته لمجلس الدولة وذلك بسبب الانتدابات وتأثيرها على القضاة!.
7. إعلان بالإحالة في يوم عطلة رسمية
بعد أن قرر القاضي الطبيعي إخلاء سبيل المتهمين يوم 24 أبريل 2007 فوجئوا في اليوم التالي الموافق الأربعاء 25 أبريل 2007 وهو يوم عطلة رسمية بمناسبة عيد تحرير سيناء بتحديد جلسة الخميس 26 أبريل ميعادًا لبدء جلسات المحاكمة.
الفصل السادس : المحكمة العسكرية .. مشاهدات هيئة الدفاع!
تنوء الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت بمواد إعلامية كثيرة عما جرى في جلسات المحكمة العسكرية من تجاوزات وانتهاكات من جانب هيئات إعلامية وحقوقية أو على لسان شهود العيان الذين حضروا الجلسات والمحالين للمحكمة أنفسهم.
ورغم كثرة ما تداوله الإعلام عما جرى من تجاوزات وانتهاكات خلال جلسات المحكمة إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى ذكر أهم ما جرى وقتذاك، وذلك من أجل رسم صورة عن قرب ترصد أبرز تلك المخالفات والتجاوزات..
ومن أهم التجاوزات الصارخة التي شهدتها القضية ما يلي:
6 – 1 الحبس الاحتياطي
- دفع الدفاع بانعدام جميع قرارات الحبس الاحتياطي لعدم التسبب الذي أوجبه المشرع في نص المادة 136 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية وعدم وجود قرارات الحبس المسببة ولما صمم الدفاع علي الاطلاع علي قرار الحبس الاحتياطي تبين خلو الملف منه وطلب رئيس المحكمة من الحرس إحضاره وبعد فترة تم إحضار قرار حبس ولما طالعه الدفاع والمحكمة تبين أنه لمتهمين آخرين ولكن القرار المعتاد يستمر الحبس لمدة خمسة عشر يومًا أخري.
- قدّم الدفاع شهادة رسمية من المحكمة الدستورية العليا تفيد وجود الدعوى رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا و وجوب وقف السير في إجراءات نظر الدعوى بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا وإخلاء سبيل جميع المحالين إلي القضاء العسكري.
- طعن الدفاع بالاستئناف علي قرارات الحبس الاحتياطي تطبيقًا لتعديل قانون الإجراءات وعند نظر جلسة الاستئناف وجد الدفاع والمتهمون ذات المحكمة التي أصدرت قرار الحبس الاحتياطي المطعون عليه بالاستئناف هي هي التي تنظر طعن الاستئناف وعندما طعن الدفاع بعدم جواز نظر ذات المحكمة للاستئناف صممت المحكمة علي نظر الاستئناف وانسحب الدفاع احترامًا للقانون . . . إلا أن المحكمة أصدرت قرارها برفض الاستئناف.
وفي اليوم التالي وفي تحدٍّ سافر لأحكام القانون كان محددًا نظر استئناف آخر فوجئ الدفاع بأن المحكمة التي تنظر الاستئناف أقل في الرتب العسكرية من المحكمة المستأنف قرارها.
6 – 2 محاضر التحريات
أثبتت هيئة الدفاع أن مجرى التحريات لم يكن جادًا في تحريه وأن محاضر التحريات شابها الكثير من التناقضات والمخالفات كالتالي:
- أن محال إقامة أغلب من وردت أسماؤهم في محاضر التحريات غير صحيحة وتخالف الواقع.
- اختلاف أسماء عدد من المتهمين عن الأسماء الواردة في محضر التحريات.
- عدم معرفة مجرى التحريات لوظائف الكثير من المتحري عنهم.
- أن مجرى التحريات لم يحدد واقعة مادية واحدة تثبت صحة كلامه المرسل.
- أن مجرى التحريات أقر في جلسات المحاكمة انه لم يضبط لقاءً تنظيميًّا واحدًا حضره أي من المحالين.
- وإقراره أنه لم يضبط أيًّا من التسعة والثلاثين المحالين حال إمداده لأي من الطلاب بأي دعم مادي أو معنوي.
- عجز الضابط عن الرد على أسئلة هيئة الدفاع والاحتجاج بالنسيان أو الرجوع لمحضر التحريات.
- أن محضر التحريات ذكر بعض الشركات التي ليس لها علاقة بأي من المتهمين المحالين للمحاكمة العسكرية.
أن ضابط التحريات أورد أسماء بعض المتحرى عنهم بينما كانوا رهن الحبس أثناء إجراء التحريات. هذا إجمال! .. وفيما يلي نذكر محاضر التحريات وأهم التجاوزات التي شابت كل واحد منها على حدا كالتالي:
1 – محضر التحريات الأول مؤرخ 13 / 12 / 2006 الساعة 8 مساء بمعرفة المقدم / عاطف الحسيني الضابط بجهاز أمن الدولة.
وتناول هذا المحضر تسعة عشر شخصًا من المحالين للمحاكمة العسكرية و سبعة وتسعين طالبًا من جامعة الأزهر، علما أن محال إقامة التسعة عشر شخصًا : القاهرة ، الجيزة ، المنوفية ، القليوبية ، الإسكندرية .
وتشمل محافظة القاهرة مناطق واسعة وهي: ( مدينة نصر ، عين شمس ، عباس العقاد ، المنطقة الثامنة ، التجمع الخامس ، الحي السابع ، المرج الشرقية ، مساكن الشروق ، ميدان الإسماعيلية مصر الجديدة ، المطرية ، عين شمس الشرقية، المنيل )، أما محافظة الجيزة فتشمل ( شارع الهرم ، مدينة الأندلس ).
وقد أقر ضابط التحريات أمام النيابة العسكرية وأمام المحكمة العسكرية أنه وحده وبشخصه دون الاستعانة بأي من ضباط جهاز أمن الدولة الآخرين في سواء القاهرة أو المحافظات القائم بإجراءات التحريات عن هذا العدد الكبير المقيم في أماكن متفرقة ومتعددة.
2 – محضر التحريات الثاني بذات التاريخ 13 / 12 / 2006 الساعة 11.30 مساء، وحرره ذات الضابط عن عدد اثنين من طلبة جامعة الأزهر.
وبسؤال الضابط أمام المحكمة العسكرية عن الفترة الزمنية التي استغرقها في الذهاب إلي منزل المستشار المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة من أجل عرض محضر تحرياته الأول ثم العودة لكتابة المحضر الثاني قرر بأن الفترة الزمنية كانت حوالي ساعتين ذهابًا ومثلها إيابًا!.
وبالاطلاع علي تأشيرة المستشار العام الأول عن محضر التحريات الأول تبين أن توقيتها الساعة 10.30 مساء فكيف استطاع هذا الضابط أن يقوم بإرسال الفاكسات الخاصة بقرارات القبض والتفتيش لعدد مائة وسبعة عشر شخصًا في أماكن مختلفة كما أوضحنا سابقًا ثم يقوم بتحرير محضر تحرياته الثاني؟!!
3 – محضر التحريات الثالث وحرره ذات الضابط يوم 19 / 12 / 2006 الساعة 12 ظهرا، وتناول خمسة عشر شخصًا من بينهم من يقيم في أوروبا وعدد اثنين بالقاهرة، فضلاً عن التحري عن شركات وشقق وعقارات عددها عشر شركات بالإضافة إلي واحد وعشرين فرعًا و عشر شركات بالقاهرة والإسكندرية والجيزة.
وتبين أن من العقارات اثنين فيلا تحت الإنشاء بمنتجع لايك فيو بمنطقة التجمع الخامس عبارة عن أرض فضاء ولا يوجد فيها أي مباني وذلك من خلال معاينة اللجان الهندسية المنتدبة من لجنة خبراء الكسب الغير مشروع.
وقد قرر الضابط أيضًا أنه قام بمفرده بإجراء التحريات في قارة أوربا وداخل جمهورية مصر العربية عن هذا العدد من الأشخاص وأيضًا الشركات والفروع الكائنة بطول البلاد وعرضها.
4- محضر التحريات الرابع والمحرر بمعرفة نفس الضابط بتاريخ 12 / 1 / 2007 الساعة 7 مساء عن تسعة أشخاص خارج البلاد في دولة الكويت والمملكة العربية السعودية بقارة آسيا ، وألمانيا بقارة أوروبا، وداخل البلاد في محافظات المنوفية ، الجيزة ، أسيوط ، الإسكندرية .. بالإضافة إلي عدد ثماني شركات.
وعند سؤال ضابط التحريات أمام المحكمة العسكرية هل سافر للخارج لإجراء التحريات عن الأشخاص المقيمين خارج البلاد أجاب بالنفي!
5 – محضر التحريات الخامس وحرره ذات الضابط بتاريخ 16 / 1 / 2007 الساعة 2 مساء حول أربعة أشخاص محل إقامتهم: الشرقية ، أسيوط ، كفر الشيخ ، البحيرة ، القاهرة ، الإسكندرية ، الدقهلية.. بالإضافة إلي عدد خمس شركات.
ونسب ضابط التحريات أفعالاً وأعمالاً للدكتور أمير محمد بسام مع أنه نفسه قرر بأن المتحري عنه كان رهن الاعتقال في تاريخ سابق عن التحريات وما زال معتقلاً أثناء إجراء التحريات!!! وأثبت ضابط التحريات أن هناك اجتماعات تنظيمية واستقبال الأموال من الخارج ولجنة لإدارة الأموال بالخارج وأخرى من الداخل ولجان نوعية وفنية واختراق لطلاب الجامعات ومعسكرات وتدريبات علي تفصيله الثابت في محاضر تحرياته.
وعندما سأله الدفاع عن تحديد مكان تنظيمي واحد ( أشخاص المجتمعين ومكانه وزمانه ) وأيضًا مكان التدريبات والمعسكرات والأموال التي وردت من الخارج وأشخاص الذين أرسلوها والآخرين الذين تلقوها وأعضاء اللجان الثابتة في محاضر تحرياته كانت الإجابة بالإحالة إلي محاضر التحريات التي خلت من أي وقائع مادية ثابتة يمكن نسبتها إلى أحد من المتهمين مما يؤكد عدم جدية هذه التحريات.
6 – 3 محاضر الضبط
لم تقل التجاوزات التي أثبتها الدفاع في محاضر التحريات عن مثيلتها في محاضر الضبط ومن أبرزها:
1 – محضر ضبط مؤرخ 17 / 1 / 2007 الساعة 5 صباحًا بمعرفة الرائد ياسر الحاج علي، وأعيد فتح المحضر ذاته الساعة 11 مساء بمعرفة الرائد هشام زين.
وعند سؤال الأخير أمام المحكمة العسكرية عن المحضر أنكر صلته به وأنه ليس بتوقيعه، أما الضابط محرر محضر الضبط فعند سؤاله في النيابة من الذي كلفك بالمأمورية؟ أجاب بالقول: إنه العميد أحمد أمين مفتش فرع مباحث أمن الدولة بكفر الشيخ تليفونيًّا... وأمام المحكمة العسكرية أجاب أن الذي كلفه بالمأمورية هو المقدم عاطف الحسيني ضابط التحريات.
وقد قامت هيئة الدفاع بالطعن بالتزوير علي محضر الضبط وطلبت التحفظ علي ضابط محرر محضر الضبط لقيامه بالتزوير في أوراق رسمية.
2 – محضر ضبط مؤرخ 24 / 12 / 2006 بمعرفة النقيب محمد مكاوي الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية الساعة 2 مساء، والذي قام بتفتيش محل سرار للملابس الكائن بمول سيتي سنتر.
3- وبمطالعة محضر التحريات سند التفتيش تبين خلو المحضر والإذن من المحل الذي قام الضابط بتفتيشه، وطلب الدفاع من المحكمة العسكرية التحفظ علي الضابط لدخوله وتفتيشه محل دون سند من القانون.
4 – قام الرائد محمد فاروق الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية بتحرير 4 محاضر ضبط هي كالتالي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 7 صباحًا بخصوص المتهم جمال محمود شعبان.
- الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة الواحدة صباحًا وخاص بمحل استقبال الكائن بمول جرين بلازا.
- الثالث بتاريخ 14 / 1 / 2007 الساعة 8 صباحًا وخاص بالمتهم أسامة عبد المحسن عبد الله شربي.
- الرابع بتاريخ 17/ 1 / 2007 الساعة 7.30 صباحًا وخاص بالمتهم أحمد أحمد النحاس.
وعند سؤاله أمام المحكمة عن الشخص الذي قام بتدوين هذه المحاضر قرر بأنه بشخصه قام بتحرير المحاضر الأربعة وبمطالعة المحكمة العسكرية للمحاضر الأربعة تبين أنها بخطوط مختلفة.
وقد طعن الدفاع بالتزوير المادي عليها وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جريمتين في نفس الوقت هما: التزوير في محرر رسمي، واستعماله بتقديمه إلي النيابة.
4 – الرائد حسن عبد الحميد شكري الضابط بمباحث أمن الدولة حرر خمسة محاضر ضبط وهي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 4 صباحًا وخاص بالمتهم أحمد عز الدين أحمد الغول.
- الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006، الساعة 11 صباحًا، محل سرار للملابس الجاهزة.
- الثالث بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 11 صباحًا، محل مادوك للملابس الجاهزة.
- الرابع بتاريخ 24 / 12 / 2007 الساعة 11.30 صباحًا عن محل مادوك للملابس الجاهزة.
- الخامس بتاريخ 14/ 1 /2007 الساعة 1 صباحًا، مقر شركة التنمية العمرانية للاستثمار العقاري.
وعند سؤال الضابط أمام المحكمة العسكرية عن الشخص القائم بتحرير هذه المحاضر قرر بأنه قام بشخصه بتحريرها وعند مطالبة المحكمة العسكرية لهذه المحاضر الخمسة تبين أنها بخطوط مختلفة بالإضافة إلي أن المحضرين الثالث والرابع يتعلقان بتفتيش نفس المكان وهو محل مادوك وقد حررا بذات العبارات ولكن بخط مختلف وبتوقيت مختلف الأول الساعة 11 صباحا والثاني الساعة 11.30 صباحًا!. وقد طعن الدفاع علي هذه المحاضر الخمسة بالتزوير المادي وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها بتقديمها للنيابة.
5 – النقيب مصطفي عبد المجيد حرر ثلاثة محاضر هي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 6 صباحًا عن المتهم محمد علي فتحي سليمان بليغ بمصر الجديدة.
- الثاني بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 7 صباحًا عن المتهم صلاح الدسوقي عامر مراد المقيم بمدينة عين شمس.
- الثالث بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 6.30 مساء ويخص شركة المدائن الهندسية.
وعند سؤاله قرر أنه قام بمفرده بتحرير المحاضر الثلاثة أمام المحكمة العسكرية قرر بأنه بشخصه من قام بتحريرها ولكن تبين من مطالعة المحاضر الثلاثة أنها بخطوط مختلفة مما دفع هيئة الدفاع إلى الطعن بالتزوير المادي عليها والمطالبة بالتحفظ علي الضابط لارتكابه جريمتي التزوير واستعمال محررات رسمية بالإضافة.
وتبين أيضًا أن المحضر الأول والثاني تم تحريرهما بذات التاريخ بفارق زمني ساعة رغم استحالة أن يقوم ضابط واحد بتنفيذ مأموريتين في منطقتين مختلفتين خلال هذا الوقت القصير وكما هو موضح في محضريه (وقد طعن الدفاع بالتزوير عليها أيضًا).
كما قام هذا الضابط بإثبات واقعة غير حقيقية بمحضر ضبطه وهي أنه تقابل مع شقيقة المتهم الأول فاطمة محمد علي فتحي سليمان بليغ رغم أن المتهم ليس له شقيقة بهذا الاسم!.
6 – النقيب هشام محمد توفيق حرر محضرين هما:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 8 صباحًا، عن المتهم محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر وخاص بمسكنه وشركة سلسبيل.
وتحت بند ملحوظة أثبت الضابط أنه تم تسليم شركة سلسبيل لقسم شرطة مدينة نصر أول لتعيين الحراسة اللازمة عليها وتم تحرير محضر بتلك الإجراءات لحين صدور تعليمات نيابة أمن الدولة العليا وأرفقت صورة منه - أي محضر التشميع والحراسة.
وبمطالعة المحضر المرفق اتضح أنه برقم 635 قسم شرطة مدينة نصر أول بتاريخ 14 / 12 / 2006 بمعرفة م . أ. خالد النبوي رئيس الدورية وأثبت فيه أنه تقابل مع الرائد هشام زين الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة وذلك لتأمين مأموريته بغلق وتشميع الشقة حيث قرر أن الغلق بناء علي أذن نيابة أمن الدولة.
وتبين أن محضر الضبط المحرر بمعرفة الضابط هشام توفيق مزور بدليل المحضر المحرر بمعرفة قسم شرطة أول بمدينة نصر والثابت به أن الذي قام بالقبض والتفتيش الرائد هشام زين وليس الرائد هشام توفيق.
- المحضر الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 8.30 صباحًا ويتعلق بالقبض والتفتيش لشخص ومسكن وشركات حسن عز الدين يوسف مالك وثابت في محضر الضبط ملحوظة رقم 3: تم تحريز الخزينة الحديدية التي عثر عليها بمحل إقامة المأذون بضبطه وتفتيشه حسن عز الدين يوسف مالك والتي تحتوي كمية من المشغولات الذهبية والمبالغ المالية ... وتم غلقها وتحريزها بمعرفة الضابط هشام توفيق ولم يذكر محتويات الخزينة تفصيلاً وتم عرضها علي نيابة أمن الدولة التي لم تقم بفض الحرز بالمخالفة للقانون وتعليمات النيابة العامة إلى أن أحيلت القضية إلي القضاء العسكري وبتاريخ 19 فبراير 2007 فشلت النيابة العسكرية في فتح الخزينة بحضور الضابط / هشام توفيق والمتهم حسن مالك وأثبتت أن المفتاح الخاص بالتشغيل غير موجود ومنزوع من لوحة الأرقام الخاصة بالخزينة مما ترتب عليه وجود عطل في الدائرة الكهربية اللازمة لفتح الخزينة.
وبجلسة المحكمة العسكرية تقرر فتح الخزينة بمعرفة أحد الخبراء وبحضور الضابط / هشام توفيق وسجين الرأي حسن مالك وبمعرفة النيابة العسكرية ... وقد أقر الضابط أما النيابة العسكرية أن الخزينة كانت تحتوي علي كميات كبيرة من المشغولات الذهبية والمبالغ المالية وعند قيام النيابة العسكرية بفتح الخزينة بمعرفة أحد الخبراء تنفيذًا لقرار المحكمة كانت المفاجأة أن الخزينة خاوية تمامًا!
7 – محضر ضبط مؤرخ بتاريخ 17 / 1 / 2007 بمعرفة م. أ: أحمد رفعت الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة بضبط وتفتيش مسكن المتهم محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد الساعة 6 صباحًا بمحافظة البحيرة.
8 – محضر ضبط مؤرخ بتاريخ 17 / 1 / 2007 بمعرفة نقيب عصام طه الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة بضبط وتفتيش شخص ومسكن ضياء الدين السيد عبد المجيد فرحات الساعة 8 صباحًا.
وثابت في نهاية المحضرين أنه أعيد فتح المحضرين بتاريخ 17 / 1 / 2007 الساعة 11 مساءً بمعرفة الرائد هشام زين وبمواجهة الرائد المذكور بهذين المحضرين أمام المحكمة العسكرية أنكر علاقته بهما قائلاً: " إن هذا المحضر والتوقيع غير منسوب إليه وطعن الدفاع بالتزوير علي المحضرين وطلب من المحكمة التحفظ علي الضباط الثلاثة لقيامهم بارتكاب جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها.
9 – محضر ضبط محرر بمعرفة النقيب السيد إبراهيم ضابط بمباحث أمن الدولة بتاريخ 24 / 12 / 2006 بشأن تفتيش المخزن التابع لدار التوزيع والنشر الإسلامية والكائن بطريق القاهرة الإسكندرية الزراعي بقليوب، وأثبت المذكور أنه تقابل مع أكثم مصطفي إبراهيم متولي وأرفق صورة طبق الأصل من المحضر رقم 4151 لسنة 2006 إداري قسم قليوب وبمطالعة الصورة المرفقة تبين أنها محررة الساعة 6 صباحًا أي في تاريخ لاحق علي محضر الضبط، أي أنها كانت أثناء تحرير محضر الضبط في حكم العدم فكيف تم إرفاقها في المحضر وذكر رقمها؟!!
وطعن الدفاع علي محضر الضبط بالتزوير وطلب التحفظ علي الضابط السيد إبراهيم لارتكابه جناية التزوير في محرر رسمي.
10 – محضر ضبط مقرر في ذات التاريخ وبذات التوقيت بمعرفة الرائد نادر يوسف محجوب الضابط بمباحث أمن الدولة حول تفتيش مكتبة البشائر الكائنة علي نفق نصر الدين بالهرم الجيزة.. وذكر أنه تقابل مع ذات الشخص أكثم مصطفي إبراهيم الذي تقابل معه زميله في قليوب في ذات التاريخ والتوقيت وتم الطعن بالتزوير علي المحضرين وطلب الدفاع التحفظ علي الضابطين لارتكابهما جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها.
11 – محضر ضبط محرر بمعرفة الرائد محمد رياض بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 7.30 صباحًا بضبط وتفتيش مسكن ومحل عمل أحمد محمود أحمد شوشة حيث أثبت أنه تم ضبط مبلغ مالي وقدره (واحد وسبعون ألفًا ومائة وخمسون جنيهًا فقط لا غير ).
وأثناء تحقيق نيابة أمن الدولة مع الضابط بتاريخ 28 / 12 / 2006 تبين أن المبلغ المضبوط هو تسعة وستون ألفًا وأربعمائة وعشرون جنيهًا أي أن هناك اختلاسًا لمبلغ ألف وسبعمائة وثلاثين جنيهًا وامتنع الضابط عن الحضور أمام المحكمة العسكرية وتم اتهامه باختلاس المبلغ المنوه عنه سابقًا. 12 – الضابط الرائد / وائل مخلوف الضابط بمباحث أمن الدولة بالمنوفية حرر محضري ضبط وهما:
- الأول : 14 / 12 / 2006 الساعة 7.30 صباحًا بمسكن الدكتور فريد أحمد جلبط قرية كفر الجلابطة مركز الشهداء محافظة المنوفية.
- الثاني : 14 / 1 / 2007 الساعة 10 صباحًا شخص ومسكن الدكتور محمد علي إسماعيل بشر شبين الكوم محافظة المنوفية.
بمطالعة المحضرين المنسوبين صدورها إلي الرائد وائل مخلوف تبين أن محررها ليس شخصًا واحدًا وبمواجهته أمام المحكمة العسكرية قرر بأنه هو محرر المحضرين وبمطابقة المحكمة العسكرية للمحضرين بالعين المجردة تبين أنهما لشخصين مختلفين وأيضًا التوقيع علي المحضرين وطعن الدفاع بالتزوير علي المحضرين وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جناية التزوير في أوراق رسمية واستعمالها.
6 – 4 الإحالة والمنع من التصرف
بتاريخ 5 / 2 / 2007 صدر القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 إحالة القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا إلي القضاء العسكري وقررت نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 7 / 2 / 2006 إرسال القضية إلي القضاء العسكري.
وبتاريخ 28 / 1/ 2007 صدر من النائب العام أمر مؤقت بمنع المتهمين وزوجاتهم وأبنائهم القصر من التصرف وتحدد النظر هذا الأمر جلسة 30 / 1 / 2007 أمام الدائرة الرابعة جنايات القاهرة والتي قررت تأجيل نظر الدعوى إلي جلسة 22 / 2 / 2007 للاطلاع بناء علي طلب دفاع الممنوعين من التصرف.
- استلمت النيابة العسكرية أوراق القضية والمضبوطات بتاريخ 8 / 2 / 2007 وتم عرض المتهمين المحبوسين احتياطيًّا علي المحكمة العسكرية المركزية بتاريخ 11 / 2 / 2007 ، 14 / 2 / 2007 ، 20 / 2 / 2007.
- بتاريخ 22 / 2 / 2007 وأمام الدائرة الرابعة جنايات القاهرة – نُظر أمر المنع من التصرف وقدم ممثل نيابة أمن الدولة صوره من القرار الجمهور رقم 40 لسنة 2007 بإحالة القضية إلي القضاء العسكري، على الرغم من ذلك أصدرت الدائرة الرابعة قرارها بحجز الأمر الحكم بجلسة 28 /2/2007.
- وبذلك توافرت حالة من حالات التنازع الإيجابي في الاختصاص فأقام المتهمون طلب التنازع رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا بتاريخ 26 / 2 / 2007 وقدم المحالون للقضاء العسكري صورة من الطلب وشهادة رسمية للدائرة الرابعة جنايات القاهرة .. وأيضًا ذات المستندات للمحكمة العسكرية أثناء نظر جلسات الحبس الاحتياطي.
ومن المستقر عليه قانونًا بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا يترتب علي تقديم طلب التنازع الإيجابي وقف الإجراءات أمام المحكمتين المتنازعتين.
• ومع ذلك صدر حكم عن الدائرة الرابعة جنايات القاهرة بجلسة 28 / 2 / 2008 بتأييد أمر المنع الصادر عن النائب العام وظلت المحكمة العسكرية هي الأخرى تقوم بنظر جلسات الحبس الاحتياطي بالمخالفة للدستور والقانون وأحكام المحكمة الدستورية العليا مما يترتب عليه انعدام كافة الأحكام والإجراءات والقرارات الصادرة عن المحكمتين المتنازعتين .. علما بأن طلب التنازع لم يفصل فيه حتى كتابة هذا التقرير!!!!
6 – 5 لجنة الخبراء
أثبتت هيئة الدفاع على مدار جلسات المحاكمة وجود كثير من المخالفات التي شابت إجراءات انتداب اللجنة وعملها وكان من أبرزها ما يلي:
• بتاريخ 27 / 12 / 2006 الساعة 1 ظهرًا أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارًا بندب لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل لفحص مستندات القضية وإعداد تقرير عنها، وبذات التاريخ صدر قرار من مساعد وزير العدل بندب لجنة ثلاثية.
• وفي اليوم التالي حضرت اللجنة الثلاثية أمام نيابة أمن الدولة العليا ولكن تبين أن جميع إجراءات هذه اللجنة الثلاثية المنتدبة من إدارة الكسب غير المشروع مزورة ودليل ذلك : 1 – محضر إجراءات نيابة أمن الدولة العليا الثابت بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 3 م والثابت به حضور أعضاء اللجنة الثلاثية وهم سعد الدين السيد رجب ، عبد الرحمن عزت عبد الرحمن و أحمد محمد حسن الخبراء الحسابيين بوزارة العدل وقد عهد المحامي العام للسيد رئيس النيابة بسؤالهم.
2 – محضر أعمال لجنة خبراء إدارة الكسب غير المشروع ( المحضر الأول ) المؤرخ بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 8.30 صباحًا بالمكتب والتي أثبتت صدور القرار الوزاري رقم 257 لسنة 2007 بندبها.
والملحوظة الهامة أنه لم يتم إرفاق القرار الوزاري بندب لجنة الخبراء وعند طلب الدفاع من المحكمة العسكرية إلزام أفراد اللجنة بتقديم هذا القرار الوزاري المزعوم تبين التالي : أ – صدور القرار عن مساعد وزير العدل لقطاع الخبراء والطب الشرعي وليس عن وزير العدل وطعن الدفاع علي قرار الندب بالانعدام لصدوره من شخص غير مختص بإصداره.
ب – تبين من مطالعة القرار المعدوم بالندب أنه صادر عن رئيس مصلحة الخبراء برقم صادر 787 بتاريخ 3 / 1 / 2007 أي بعد مباشرة اللجنة لمأمورياتها بأسبوع والتساؤل كيف علمت اللجنة بصدور قرار الندب مع الثابت أن التاريخ الصادر 3 / 1 / 2007؟!!
ج – قدمت لجنة الخبراء تفويض صادر عن وزير العدل لرئيس مصلحة الخبراء وبمطالعة المحكمة لهذا التفويض تبين خلوه من تفويض ندب الخبراء مما يتأكد معه أن هذه اللجنة قد ولدت ولادة غير شرعية!.
3 – محضر أعمال لجنة الخبراء الثاني بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 10.30 صباحا وفيه أثبتت اللجنة أنها تقابلت مع السيد الأستاذ / رئيس نيابة أمن الدولة العليا وأن سيادته قام بتسليمهم أحراز القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا.
وبمطالعة محضر إجراءات النيابة تبين أن ساعة وصول اللجنة إلي نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة الجديدة الساعة 3 مساءاً والتساؤل إذا كان ساعة اتصال اللجنة بالنيابة و الاحراز لاحق للساعة الثالثة مساءاً فكيف قامت اللجنة عمل محضر الساعة 10.30 صباحا بالمكتب وأثبتت استلامها أحراز القضية مما يتأكد معه ارتكاب اللجنة للتزوير في سهذا المحضر الرسمي وطعن الدفاع بالتزوير علي هذا المحضر وطلب التحفظ علي أعضاء اللجنة لارتكابهم جناية التزوير في محرر رسمي واستعماله.
فضلا عن أنه تمت مواجهة أعضاء اللجنة بالقرار الوزاري والثابت أنه صادر عن رئيس المصلحة بتاريخ 3 / 1 / 2007 مما يعني أنه لا يجوز لهم الاتصال بهذه الدعوى ومباشرة إجراءاتها، ولم يكن لدى اللجنة أي رد على ذلك.
وقد طلب الدفاع استدعاء رئيس مصلحة الخبراء لسؤاله في التزوير إلا أن المحكمة العسكرية لم تحقق هذا الطلب الجوهري .
وبمطالعة الاحراز المزعوم تسليمها من النيابة لأعضاء اللجنة تبين أن محضر أعمال اللجنة طوي أحراز لم تقم النيابة بتسليمها إليها كما هو ثابت من الكشف الصادر عن نيابة أمن الدولة العليا والثابت به الأحراز وعددها علي سبيل الحصر والتحديد.
4 – المفاجأة الكبرى بمطالعة المجلد رقم (3) الخاص بإجراءات نيابة أمن الدولة العليا تبين أن هناك قرار استلام اللجنة المشكلة من خبراء وزارة العدل لفحص المستندات والأوراق التجارية الخاصة بالنسبة ببعض المتهمين "الآتي أسمائهم" وموقع عليه من أعضاء اللجنة الثلاثية وهما:
1 – الدكتور / عبد الرحمن محمد مصطفي سعودي.
2 – الدكتور / خالد عبد القادر عودة.
وبمطالعة محضر التحريات الخاص بسالفي الذكر تبين أن تاريخه 12 / 1 / 2007 وهو ذات التاريخ الذي صدر فيه قرار القبض والتفتيش من نيابة أمن الدولة، وأن محاضر الضبط تاريخها 14 / 1 /2007 . واستلمت أيضا أحراز كل من:
3 – الدكتور / ضياء الدين السيد عبد المجيد.
4 – أ / محمود عبد اللطيف عبد الجواد.
5 – م / أحمد أحمد أحمد النحاس.
وثابت أن محضر التحريات تاريخه 16 / 1 / 2007 وأن قرار نيابة أمن الدولة العليا بالقبض والتفتيش بذات التاريخ أما محاضر الضبط فتاريخها 17 / 1 / 2007 .
وبناء على ما سبق: فقد أثبتت هيئة الدفاع أن محاضر التحريات لم تحرر بعد...أذون بالقبض والتفتيش لم تكن صدرت..ومحاضر القبض والتفتيش وضبط الأحراز لم تتم بعد...وأحراز تتسلمها لجنة الخبراء لم تولد بعد.
5– بمطالعة الأحراز المسلمة للجنة المالية وجد الدفاع أنها غير مفرزة بما يؤكد حدوث عبث في محتويات هذه الأحراز.
6 – محضر أعمال لجنة الخبراء رقم (26) بتاريخ 1/ 2 / 2007 حول استلام أحراز جديدة تبين استلام اللجنة لاحراز سبق وأن تسلمتها من قبل وهي الأحراز الخاصة بكل من:
- شركة فيرجينيا للسياحة، الخاصة بالمتهم أحمد أحمد أحمد النحاس
- شركة الضياء التجارية للتوكيلات، الخاصة بالمتهم ضياء الدين السيد عبد المجيد.
- أحراز المتهم خالد عبد القادر عودة.
- أحراز المتهم عبد الرحمن سعودي .
- أحراز المتهم محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد.
والمفاجأة استلام اللجنة لحرز منسوب لحسن مالك ومن المعلوم أن تاريخ ضبطه 24 / 12/ 2006 وأن اللجنة سبق وأن تسلمت الأحراز الخاصة به كما هو ثابت بمحضر أعمالها بتاريخ 28 / 12 / 2006، وقد أثبتت هيئة الدفاع أن هذا الحرز قد أضيف للمتهم.
والتساؤل أين كان هذا الحرز ولماذا لم تقدمه النيابة للجنة الخبراء ضمن الأحراز الخاصة لحسن مالك؟ وهذا الحرز غير مدرج بالكشف الصادر عن النيابة بتسليم لجنة الأحراز لنيابة أمن الدولة العليا وتسليمهم المستشار الأول لنيابة أمن الدولة العليا وتسليمه بيان المستندات والأوراق والبيانات المطلوبة لاستكمال المأمورية.
7 – محضر أعمال لجنة الخبراء رقم 31 بتاريخ 7 / 2 / 2007 ثابت به انتقال أعضاء اللجنة ومقابلتهم مع المحامي العام وعندما واجه الدفاع لجنة الخبراء أمام المحكمة العسكرية مع من تقابلت وما هو دليلك علي هذه المقابلة؟ لاذ أعضاء اللجنة بالصمت ... والثابت أن أوراق القضية أحيلت إلي القضاء العسكري وأرسلت إليه وانقطعت صلة نيابة أمن الدولة العليا منذ صدور قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية من القضاء المدني إلي القضاء العسكري.
8 – محضر أعمال اللجنة رقم 44 المؤرخ 22 / 2 / 2007 والثابت فيه انتقال اللجنة إلي إدارة المدعي العام العسكري واستلامها الاحراز الخاصة بالمتهمين المستخرجة من الحاسب الآلي وثبوت استلام اللجنة للأحراز الخاصة بالمتهم خالد عبد القادر عودة.
وبمطالعة محضر إجراءات النيابة العسكرية بتاريخ 25 / 2 / 2007 تبين أن الحرز الخاص بالمتهم خالد عبد القادر عودة تم تسليمه لإدارة المدعي العام العسكري بتاريخ 25 / 2 / 2007 فكيف استلمت لجنة الخبراء حرز بتاريخ 22 / 2 / 2007 وهو لم يسلم للمدعي العام العسكري بعد؟! وطعن الدفاع بالتزوير علي محضر أعمال لجنة الخبراء وطلب الدفاع التحفظ علي أعضاء اللجنة المزورين.
9 – بمطالعة محضر إيداع لجنة خبراء الكسب غير المشروع والمسلم للمحكمة بتاريخ 3 / 6 / 2007 تبين أن هناك أمام مسلسل 6 حرز (3) بداخله تقرير مجمع معد من اللجان الفنية وطلب الدفاع من المحكمة إطلاعه علي هذا التقرير المجمع من جلسة 3 / 6 / 2007 وحتى آخر جلسة من جلسات المرافعة وتبين اختفاء هذا التقرير المجمع مما يتأكد معه العبث بهذا التقرير.
10 – أقر أعضاء اللجنة أمام المحكمة العسكرية أنه لا توجد جريمة غسل أموال ولم يثبت تلقي المتهمين أي أموال من جماعة الإخوان المسلمين وأن المأمورية الموكلة إليهم لم يكن فيها البحث عن جريمة غسل الأموال.
11 – إعادة المحكمة المأمورية مرة ثانية إلي لجنة الخبراء وثبت أن المحكمة لم تمكن الدفاع من مقابلة لجنة الخبراء ومناقشتها واثبات الاعتراضات وفق أحكام القانون مما يؤكد تعمد المحكمة الإخلال بحق الدفاع ... وبمطالبة المأمورية الصادرة عن المحكمة العسكرية أيضا تبين أنها خلت من بحث أركان جريمة غسل الأموال.
12 – إيداع اللجنة لتقريرها الثاني والذي يؤكد وفق أعمال الخبرة الصحيحة قمة التناقض والتضارب بعد استبعادها لعدد 66 شركة قالت اللجنة أنها لا توجد بها تلاعب وعند طلب المحكمة استيضاح نوع هذا التلاعب وأي جريمة يشكلها هذا التلاعب التفتت المحكمة عن تحقيق هذا الدفاع.
6 - 6 طلبات الدفـاع
- دفع الدفاع بانعدام التحريات واحتياطيا عدم جديتها وعدم كفايتها.
- بطلان جميع أذون القبض والتفتيش لعدم جدية محاضر التحريات السابقة عليها.
- بطلان محاضر التحقيق والاستجواب لمخالفتها قانون الإجراءات الجنائية.
- ودفع بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسابقة محاكمة بعض المتهمين من قبل بهذا الاتهام وطلب ضم القضايا سند هذا الدفع بضابط التطبيق الصحيح للمادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية ومع أن هذا الدفع من النظام العام ويلزم علي المحكمة تحقيقه.
- دفع الدفاع بعدم دستورية القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 بإحالة المدنيين إلي القضاء العسكري لمخالفته لمنصوص المواد 8 , 40 , 64 , 65 , 68 من الدستور.
- ودفع بانعدام اتصال القضاء العسكري بالدعوى الجنائية لثبوت صدور حكم من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين إلي المحكمة العسكرية وقدم صورة من هذا الحكم مطالباً النيابة العسكرية أن تقدم ما يفيد إلغاء أو وقف هذا الحكم كما تقدم ببلاغ تم إثباته في محضر الجلسة بالتحقيق في محاكمة المحالين إلي المحكمة العسكرية والمحبوسين احتياطيا دون سند من القانون وأيضاً جريمة عدم تنفيذ الأحكام القضائية والمعاقب عليها في المادة 123 من قانون العقوبات.
- انعدام القرار الصادر عن المدعي العام العسكري بإحالة الدعوى إلي المحكمة العسكرية بالمخالفة لنص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا لثبوت وجود دعوى تنازع لم يفصل فيها بعد مما يعني وجوب الإفراج عن جمع المحالين إلي المحكمة العسكرية لحين الفصل في هذه الدعوى.
- عدم اختصاص القضاء العسكري بنظر الدعوى المحالة إليه ولائياً لعدم دستورية المادة 6 / 2 من قانون القضاء العسكري.
- قدم الدفاع طعون بالتزوير علي محاضر التحريات, محاضر الضبط, تحقيقات النيابة, محاضر أعمال لجنة الخبراء والكسب غير المشروع وتمسك بتحقيقها لأنها تشكل دفاعا جوهريا.
- وأكد تلفيق وتزوير هذه الاتهامات، الخطاب الصادر عن النائب العام المساعد بتاريخ 27 / 1 2007 إلي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا يستفسر منه عما تم من إجراءات خاصة بقرار المنع من التصرف الصادر من النائب العام بتاريخ 28 / 1 / 2007 والخطاب مؤرخ 27 / 1 / 2007 وصادر عن مكتب النائب العام المساعد بتاريخ 27 / 1 للاستعلام عن واقعة كانت في حكم العدم.
- وطلب الدفاع وقف السير في إجراءات هذه المحاكمة لحين الانتهاء من تحقيقات سرقة خزينة المجوهرات الخاصة بالمتهم حسن عز الدين مالك خصوصا أن أصابع الإتهام تشير إلي جهات متعددة هي دليل الاتهام وأن هذا طلب جوهري يترتب علي تحقيقه تغيير المراكز القانونية في هذه الدعوى حيث سيصبح المتهم المحال إلي المحاكمة العسكرية مجني عليه.
- طلبت المحكمة من النيابة العسكرية تقديم قرار حظر نشاط جماعة الأخوان المسلمين سند الاتهام وعلي الرغم من تمسك الدفاع بوقف السير في نظر إجراءات المحاكمة لحين تقديم النيابة العسكرية هذا القرار وعلي طول هذه الجلسات لم تقدم النيابة العسكرية دليل الاتهام الأوحد ومع ذلك ظلت المحكمة في نظر هذه المحاكمة .. إلي أن حجزتها للحكم.
- قررت المحكمة العسكرية في جلسة 16 / 12 / 2007 تعديل وصف الاتهام الوارد في نص قرار الاتهام وهذا التعديل يفقد المحكمة صلاحياتها لنظر الدعوى لأنها تصدت وأضافت تهم جديدة للمتهمين بالمخالفة لنص المادة 308 أ. ج وتمسك الدفاع بعدم صلاحية المحكمة العسكرية بنظر الدعوى بضابط التطبيق الصحيح للمادة 11 , 247 من قانون الإجراءات الجنائية والمستقر عليه من أحكام محكمة النقض ولكن المحكمة ظلت تنظر الدعوى بالمخالفة للقانون.
وأثبت الدفاع أن ما يؤكد مدي هذا الزيف والبهتان والزور بجميع إجراءات هذه الدعوى وأيضاً تحقيقات النيابة:
- أن النيابة قامت بالتحقيق مع المتهمين ولم يكن المحامي العام وفق الثابت لمحاضر الإجراءات قد تسلم محاضر الضبط الخاصة بهم ولم يقم بتوزيع المتهمين علي السادة أعضاء النيابة للتحقيق.
- أيضا أحراز يقوم السادة أعضاء النيابة بالإطلاع عليها ثم نفاجأ بأن الخبراء قد تسلمت هذه الأحراز وقامت بعمل محاضر خاصة بها مع أن الثابت من تحقيقات النيابة أنها ما زالت في حوزة النيابة وأن السيد المحقق يقوم بعمل محضر بعد الإطلاع عليها في تاريخ لاحق علي تسلمها للجنة الخبراء.
- أحد السادة رؤساء النيابة يقوم بعمل محضر معاينة لإحدي الشركات وتبين أنه اصطحب أحد ضباط أمن الدولة وعند سؤال الضابط أمام المحكمة أنكر اصطحابه لرئيس نيابة أمن الدولة ويأتي ضابط آخر ويقر أنه كان في صحبة رئيس النيابة وبمطالعة محضر المعاينة يتبين أن ساعة تحريره بعد المعاينة بتسع ساعات ولم يثبت سيادته أن سكرتير التحقيق قد رافقه أثناء المعاينة ويقر بتحرير محضر المعاينة في سراي النيابة.
- يعرض الحرز الخاص بخزينة أ / حسن مالك علي نيابة أمن الدولة العليا ولا تقوم النيابة بفض الحرز علي الرغم من ثبوت أن محتوياته مجوهرات ومبالغ مالية ويظل هذا الحرز دون فض من تاريخ الضبط في 24 / 12 / 2006 حتى يتم فتحه بمعرفة النيابة العسكرية أثناء جلسات المحاكمة بعد أن أمرت المحكمة بفضه، واكتشاف أن الخزينة خاوية.
- أحراز تقوم نيابة أمن الدولة بتسليمها لجنة خبراء الكسب غير المشروع لأشخاص لم تحرر بشأنهم محاضر تحريات ولم تصدر قرارات من النيابة بالقبض والتفتيش ولم تحرر محاضر ضبط لهم ولم يعرضوا علي النيابة ولم تكن هناك أحراز لهم.
6 – 7 صدور الأحكام
جاءت الأحكام القاسية يوم 15 أبريل 2008 بعد استمرار الموقوفين رهن الحبس لمدة تقارب على السنة مما يضع علامات استفهام حول أحد التبريرات التي تذرعت بها السلطات من أجل إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري الاستثنائي وتتمثل في سرعة الفصل في القضايا عن القضاء الطبيعي. وقد تم منع الجميع من دخول المحكمة بمن فيهم أهالي الموقوفين وهيئة الدفاع والصحافيين وجميع مراقبي منظمات حقوق الإنسان من الدخول للمحكمة وتحولت جميع المناطق المحيطة بالمحكمة والطرق المؤدية إليها إلى ثكنات عسكرية.
وفي هذه الأجواء الاستثنائية أسدل الستار على الفصل الأول من هذه القضية نظرا لأنه من حق المحكوم عليهم أن يطعنوا على هذه الأحكام أمام محكمة الطعون العسكرية طبقا للتعديل الجديد بالقانون رقم 16لسنة2007 بتعديل بعض أحكام قانون الأحكام العسكرية بإتاحة حق الطعن للمحكوم عليه
الباب الثالث :الأبعاد الفقهية والإنسانية وفتوى للعلاّمة يوسف القرضاوي
شهادة تزكية
استفتاء من مركز سواسية لحقوق الإنسان - مصر
سماحة العلامة الدكتور الشيخ. يوسف القرضاوي حفظه الله.
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فنودُّ أن نسألك فضيلتكم عن حكم الشرع في إخلال الدولة بقاعدة المساواة مع رعاياها، من خلال إحالة شخصيات مدنية من إحدى قوى المعارضة السياسية إلى القضاء العسكري الاستثنائي، في نفس الوقت الذي يحال فيه آخرون بجرائم أشد جسامة إلى القضاء الطبيعي، الذي تتوافر فيه كلُّ الضمانات للمتَّهم والدفاع؟
وقد انتهت المحاكمة العسكرية لتلك القيادات الإصلاحية بأحكام قاسية تتراوح بين السجن لمدد مختلفة، وبين مصادرة الأموال والشركات الخاصة، بما أثر على أسرهم، وعلى عدد كبير من أسر العاملين بهذه الشركات.
وهنا نسأل أيضا: عن الحكم الشرعي في مثل هذه الحالات؟ وكيف يمكن معاملة الجميع على قاعد المساواة، وما واجب المجتمع ومنظَّماته تجاه المظلومين من المحاكمين؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
بغضِّ النظر عن السؤال وظروفه وما يلابسه، يؤسفني أن أقول: إن الأوضاع في بلادنا مقلوبة في عصرنا الحالي، فالإنسان ممنوع من أبسط حقوقه وهو التعبير عن رأيه، والدفاع عن نفسه، والمحاكمة أمام قاضيه الطبيعي. إن من أجلى مظاهر ضياع حقوق الإنسان العربي: المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإلقاء الأبرياء في السجون بدون تُهَم.
إن الشريعة الإسلامية تشدِّد كثيرا فيمن يعيَّن قاضيا بين الناس، وتشترط فيه شروطا علمية ودينية وأخلاقية، حتى لا يقضي بغير علم، أو يقضي بالهوى، فيكون من أهل النار ، حتى إن الأصل في الشريعة: أن يكون القاضي عالما بلغ درجة الاجتهاد.
ثم إن من حقِّ الفرد الذي يُتَّهم اتهاما يعتبره ظالما: أن يدافع عن نفسه تجاه مَن ظلمه، أو مَن يعتقد أنه ظلمه، ويرفع صوته جاهرا بالحقِّ، بل أباح الله تعالى له ما لم يُبِح لغيره، رعاية لظرفه، وذودا عن حرمته، حين قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء:148]، ولا يجوز لأحد منع المتَّهم من الدفاع عن نفسه، أو محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، فهذا حقٌّ طبيعي شرعي وقانوني، وقد أعطى الله الحرية لإبليس اللعين ليجادل عن نفسه أمام ربِّ العالمين، حين أمره بالسجود لآدم، فأبى واستكبر، فلما سأله ربه: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} [الأعراف:12]، كما جعل من حقِّ كلِّ نفس يوم القيامة أن تجادل عن نفسها، كما قرَّر القرآن الكريم: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [النحل:111].
ويجب على المجتمع المسلم أن يتيح لكلٍّ مُتَّهم الفرصة، ويحفظ له حقَّ الحرية في هذا الدفاع عن النفس بكلِّ ما يستطيع: قولا باللسان، أو كتابه في الصحف، أو حديثا إلى المذياع، أو إلى التلفزيون، ولا سيما إذا كان شخصية عامَّة لها وزنها وتأثيرها وتاريخها. فلا يجوز شرعا أن يترك لمخالب خصومه وأنيابهم تفترسه جهارا نهارا، والمجتمع يتفرَّج، ولا يحرِّك ساكنا، والأبواب مغلقة على المتَّهم البرىء، لا يملك أن يردَّ عن نفسه أسلحة الخصوم الذين يملكون كلَّ شىء، وقد جرَّدوه من كلِّ شىء.
إن الله تعالى أنزل تسع آيات في القرآن من سورة النساء تدافع عن يهودي اتُّهم بالسرقة ظلما، وكان السارق من المسلمين، وكاد الرسول الكريم يصدِّق قول قوم السارق، ويجادل عنهم، لولا أن نزل الوحي يبيِّن له، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:105-113].
إن هذه الآيات تدل على أن العدل في القرآن، أو العدل في الإسلام - وهو عدل الله سبحانه – لكل عباد الله، وليس عدلا للمسلمين وحدهم. وقد قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
إن المجتمع المسلم مجتمع متضامن متكامل، لا يقبل أن يسقط أحد البرآء فيه ضحية لظلم مبيَّت، ومؤامرة مدبَّرة، وكيدٍ عظيم، وهو ساكت، فإن الساكت عن الحقِّ شيطان أخرس، وهذا موقف المجتمع المؤمن المتضامن، والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه" . ومعنى "لا يسلمه": أي لا يتخلَّى عنه، ولا يتركه في ساعة الشدَّة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تمنعه من الظلم، فذلك نصرك له" .
فالإسلام يوجب على المجتمع المسلم أن ينصر المظلوم على الظالم مهما تكن قوَّته وجبروته، والحديث النبوي يقول: "إذا رأيتَ أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودِّع منهم" .
وقد عرَف العالم المعاصر وسائل وآليات شتَّى سلمية وقانونية، لمواجهة الظلم الواقع على الأفراد، ولو كان ظالمهم هو حكومتهم نفسها، وعلى مجتمعاتنا أن تستفيد من هذه الوسائل، لترفع الظلم عن المظلومين، أو تخفِّف عنهم ما استطاعت، فإنما تهلك الأمم إذا انتشر فيها الظلم، ولم تجد أحدا يقاومه، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.
الفقير إليه تعالى/ يوسف القرضاوي
شهادة تزكية
الفصل السابع : الحبس الاحتياطي والسجن.. أحكام من الفقه
إن الحرية هي أسمى شيء في حياة الإنسان فهي تعبر عن إرادته وبدونها لا تتحقق ذاتية الإنسان وتتكبل إرادته وكرامته وقدرته على تقرير مصيره، أما العدل فهو ضد الظلم، وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفزه على أداء الحقوق والواجبات، وهو قوام المجتمع المتحضر، وسبيل السعادة والسلام. ولا يمكن بحال من الأحوال لأحد أن يدعي أن للحاكم أن يقيد الحريات، أو يحبس الأفراد بدون جريمة تثبت عليه، فلابد كما هو مقرر في جميع الشرائع والقوانين أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولا بد أن تتوافر للمتهم جميع الضمانات التي تكفل محاكمة نزيهة عادلة.
وسوف يتناول هذا الفصل مفهوم العدل – كقيمة عليا في الإسلام – ومفهوم الحرية كأساس للمقاصد في الشريعة الإسلامية، إضافة إلى ضوابط الحبس الاحتياطي، وبعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالتعامل مع السجناء.
7 – 1 إشارات حول مفهوم العدل
مجده الإسلام، في القرآن والسنة فيقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) "النحل: 90"، ويقول عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) "3النساء: 58".
ومن أهم أنواع العدل:
أولا: عدل الإنسان مع المجتمع، وذلك برعاية حقوق أفراده، وكف الأذى والإساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحب الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.
وقد لخص الله تعالى واقع العدل العام في آية من كتابه المجيد: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون) "1النمل: 90".
ثانيا: عدل الحكام، وحيث كان الحكام ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، فهم أجدر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلي به، وكان عدلهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالا وبهاءً، وأبلغها أثرا في حياة الناس.
وبعدلهم يستتب الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعية. وبجورهم تنتكس تلك الفضائل، والأماني إلى نقائضها، وتغدو الأمة آنذاك في قلق وحيرة وضنك وشقاء.
وقد فطرت النفوس السليمة على حب العدل وتعشقه، وبغض الظلم واستنكاره، وأجمع البشر عبر الحياة، واختلاف الشرائع والمبادئ، على تمجيد العدل وتقديسه، وحب فضائله ومآثره، والتفاني في سبيله. وما زالت الدول الكبرى، وتلاشت الحضارات العتيدة، إلا بضياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل، ومن صور إهداره في المجتمعات المعاصر ما تقوم به الأنظمة الدكتاتورية والأنظمة الاستبدادية حيث تلعب بالقوانين وتعطلها بأحكام الطوارئ، والأحكام الاستثنائية، فنجد أن الشخص يُحاكم أمام المحكمة المدنية العادية، أو المحكمة الجنائية العادية، والمحكمة تحكم له بالبراءة، ثم تقوم السلطة التنفيذية وتأخذه في الحال إلى المعتقل، لأنها لا تبالي بحكم المحكمة، وعندها أحكام عرفية تطلق يدها لتفعل ما تشاء ... وهذا أساس المشكلة.
ثالثا: عدل القضاة: ويكون القاضي عادلاً إذا عرف القانون الذي يحكم به ويقول النبي عليه الصلاة والسلام قال: " قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة "، وهؤلاء الثلاثة هم: قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بغيره فهو في النار، وقاض جهل الحق فقضى، حتى ولو قضى بالحق جهلاً، فهو في النار، لأنه لم يعطِ الأمر حقه من العلم.
صحيح أن الحاكم هو من يعين القاضي ولكنه بعد ذلك لا سلطان له عليه وذلك ضمانة لتحقيق العدل وحماية المجتمع، ونجد في الخبرة الإسلامية تجربة واضحة تتمثل في القاضي شُريح الذي حكم ضد الخليفة علي بن أبي طالب، وكان خصمه نصرانياً، حيث حكم للأخير بدرع بعد أن طالب الخليفة بأن يعطي دليلا على أحقيته فيه.
ونظرا لأن القضاء هو سياج العدالة في المجتمع فمن الأهمية توفير الضمانات الواضحة في المحاكمة ولعل أولها أن يقاضى السجين أمام القاضي الطبيعي، ولا نأخذ المدني للمحاكمة العسكرية حيث أن الأصل بها محاكمة العسكريين، ولها قوانينها الخاصة ولها إجراءاتها الخاصة.
7 – 2 الحرية أساس المقاصد في الشريعة
إن الحرية أساس المقاصد الشرعية كلها، وتنتفي الحرية بالاحتلال أو بالحبس، لذا كان على المسلمين أن يهبوا لتطهير بلادهم من كل دخيل، لأن الاحتلال سيقوض الدين، ويحبس النفس، ويصادر المال، ويهلك الحرث والنسل، لذا كانت الحرية أساسا دينيا ومقصدا شرعيا أساسيا لكل المقاصد،.
ولعل ما يشير لهذه الحقيقة قوله تعالى على لسان بلقيس: " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ "( )، فالاحتلال من أهم أهدافه من قديم الزمان قلب النظم، وعدم احترام الآخرين، وتقويض الحريات، وإذلال الذات.
وروي عن القاضي عياض أنه قال: ارحموا في الناس ثلاث: عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر، وعالما بين جهال. فتدبر قوله، برحمة العزيز الذي دارت عليه الدوائر، وقارنه بما كان سائدا في الأمم، وما هو مقرر في الواقع المعاش، وما قتل الملوك، وإعدام الرؤساء، وتشريد الحكام، وطرد السفراء منا ببعيد.
ليس معنى هذا إقرار الظلم، أو الرضا بالقمع، ولكن المراد أن يحاكم محاكمة عادلة، يتم فيها الوضوح والمكاشفة، ويضمن فيها كفرد عادي ضماناته القانونية كإنسان ذل بعد عز، وأهين بعد كبرياء. والأصل في الإسلام أن يولى الحاكم العادل، فإن جار وجد من يقومه ويرشده للحق، والحاكم والمحكوم أما الحق سواء، فهنا يعرف كلٌ حقوقه، ويعيشون في كنف الحق مرتاحو الضمير أحرارا لا يخشون إلا الله سبحانه وتعالى.
وقد اهتم العلماء بهذا الأمر اهتماما بالغا فلقد ذكر محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام"( ) أن الحرية أساس مقاصد الشريعة.
والمقصود بها أن يتمكن الفرد من التصرف دون معارض في نفسه وماله وسائر شئونه في ضوء أحكام الشرع، فليس هناك ما يمنع الشخص في ضوئها من ممارسة شعائره الدينية، ولا من أن يتصرف في ماله مادام لم يخالف أصلا من أصول الشريعة أو مقصدا من مقاصدها.
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة: "ومن قواعد الفقه قول الفقهاء: (الشارع متشوف للحرية) واستقراء ذلك واضح من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية، لكن دأب الشريعة في رعي المصالح المشتركة وحفظ النظام وقف بها عن إبطال العبودية بوجه عام وتعويضها بالحرية"( ).
فالقاعدة السابقة تعني أن الحرية مقصد أسمى من مقاصد الشريعة، ولا شك أن الحرب تعني الذل، وتعني القهر، كما تعني سلب الإرادة ، والتحكم في التصرفات بل أيضا الأقوات، وإقرار هذه المقصد الشرعي يعني إقرار المقاصد كلها، وترتيب الحقوق.
ومن المشهور في كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب قال لعمرو بن العاص في رسالة شديدة اللهجة وجهها له منصفا بها مصريا عليه وعلى ابنه فقال له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". فالإنسان يولد حرا، ولكن تسلط العبيد في الناس هو ما يجعله عبدا مقهورا لعبد، من دون الله تعالى. إن الحفاظ على الحرية –للأفراد والبلاد- أساسا من أسس الدين ومقصدا أكيدا من مقاصده، بل إن شئت فقل معلما من معالم هذا الدين.
وحبس الفرد في السجون منع لحريته، لذا يجب أن يكون هذا الأمر مرتبط بما يلي:
أولا: وجود جريمة حقيقية ارتكبها الفرد.
ثانيا: وجود محكمة عادلة حكمت على الفرد بالسجن.
ثالثا: تحديد مدة السجن ولا يجوز الزيادة عليها.
رابعا: يجوز الانتقاص منها إذا تحقق الزجر والردع، ووجدت ظواهر التوبة الحقيقية. فيما عدا ذلك نكون قد منعنا حقا أصيلا للأفراد، كفلته إياهم الشريعة الإسلامية، ومقصدا من أهم مقاصدها بل يعد أساسا للمقاصد كلها.
7 – 3 الحبس الاحتياطي وضوابطه
يقول المستشار محمد محمود منصور رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق في تعريف الحبس الاحتياطي: الحبس الاحتياطي هو سلب حرية المتهم مدة من الزمن تسمح بها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط معينة .
وللتوسع في الحبس الاحتياطي ضرره فهو يناقض قرينة البراءة باعتباره ينزل بالمتهم إيلاما في وقت لم تثبت فيه إدانته ، ويفصم صلته بعائلته، ويوقف نشاطه المهني ويعرضه لأضرار يصعب وقد يستحيل فيما بعد إصلاحها .
وأما عن ضوابط الحبس الاحتياطي فيقول الدكتور أنور دبور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة :
القاعدة في الإسلام هي براءة الذمة ومنها أخذ مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، ومن هنا ما لم تثبت إدانة الشخص ، فهو معصوم كرامته مصانة ، ولا يجوز بحال إهدار هذه الكرامة .
والحبس الاحتياطي له أسباب ترجع للجريمة وللشخص فما يرجع للجريمة يتلخص في وجود شبهة قوية ، يحد معها تعزيرا إن لم تثبت عليه الجريمة ، ولا يكون الحبس الاحتياطي لمدي بعيد فقد حدده العلماء بشهر ، ولا تمارس فيه أي وسائل ضغط . أما في الشبهة الضعيفة فلا يجوز الحبس الاحتياطي.
وما يرجع للشخص فيتلخص في حال الشخص نفسه ، فإن كان ظاهر حاله الصلاح فلا يعزر بدون تهمة بل يعزر من اتهمه . وإن كان مجهول الحال ، فيجوز حبسه إلى أن يتبين حاله . والمشهور بالفجور والفسق وارتكاب الجرائم يحبس ويعزر .انتهى
مدة الحبس الاحتياطي :
وقال الإمام الماوردي من فقهاء الشافعية في كتابه الأحكام السلطانية:
للأمير أن يجعل حبس المتهم للكشف والاستبراء . واختلف في مدة حبسه لذلك , فذكر عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء والكشف مقدر بشهر واحد لا يتجاوزه . وقال غيره : بل ليس بمقدر وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن يحبسوا أحدا إلا بحق وجب.
ويقول ابن فرحون الفقيه المالكي في تبصرة الحكام:
وأما قدر مدة الحبس فيختلف باختلاف أسبابه و موجباته , فحبس التعزير راجع إلى اجتهاد الحاكم بقدر ما يرى أنه ينزجر به وفي مختصر الأحكام السلطانية والحبس في التعزير قد يكون يوما , ومنهم من يحبس أكثر .أ.هـ
ضوابط الحبس الاحتياطي:
توجد فتوى مفصلة على موقع إسلام اون لاين بعنوان ضوابط الحبس الاحتياطي جاء فيها:
الحبس الاحتياطي مشروع في الإسلام ، ولكن بضوابط حددها الفقهاء منها أن تكون الشبهة قوية ، والمتهم غير مشهور بالصلاح ، فإن كان مشهورا بالصلاح فلا يحبس ولا يعزر بل يعزر من اتهمه ، ولا يستمر الحبس أكثر من شهر .
7 – 4 ضوابط عامة في التعامل مع المتهم
هناك مجموعة من الضوابط المهمة التي يجب أن تكون عنوانا للتعامل مع المتهم يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى-عن حقوق المتهم وضوابط التعامل معه حق الفرد في محاكمة عادلة وذلك في فتوى على موقع إسلام اون لاين . نت:
أ- البراءة هي الأصل: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" وهو مستحصب ومستمر حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة نهائية.
ب- لا تجريم إلا بنص شرعي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (الإسراء: 15)، ولا يعذر مسلم بالجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن ينظر إلى جهله ـ متى ثبت ـ على أنه شبهة تدرأ بها الحدود فحسب: "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم" (الأحزاب: 5).
ج- لا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طيعة قضائية كاملة: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (الحجرات: 6 ) "وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً" (النجم: 28).
د- لا يجوز - بحال - تجاوز العقوبة، التي قدرتها الشريعة للجريمة "تلك حدود الله فلا تعتدوها" (البقرة: 229) ومن مبادئ الشريعة مراعاة الظروف والملابسات، التي ارتكبت فيها الجريمة درءاً للحدود: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله"
هـ- لا يؤخذ إنسان بجريرة غيره: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الإسراء: 15)، وكل إنسان مستقبل بمسئوليته عن أفعاله: "كل امرئ بما كسب رهين" (الطور: 21). ولا يجوز بحال ـ أن تمتد المسألة إلى ذويه من أهل وأقارب، أو اتباع وأصدقاء: "معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون" (يوسف: 79).
و- حق الحماية من تعسف السلطة: لكل فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير لعمل من أعماله أو وضع من أوضاعه، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن قوية، تدل على تورطه فيما يوجه إليه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا" (الأحزاب: 58).
ز- حق الحماية من التعذيب:
أ - لا يجوز تعذيب المجرم فضلاً عن المتهم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ب - مهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعاً، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة. أ.هـ
وهذه الضوابط تعد قواعد أساسية في حقوق المتهم يجب مراعاتها، وقلما نجد من يعمل بها، ولكنها في حقيقة الأمر أساسيات إسلامية، وضوابط منهجية، وقواعد إنسانية تصلح للتطبيق في كل مكان .
7 – 5 الرعاية الصحية للمسجونين:
لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته .
ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن ، وقد وردت فتوى مفصلة على موقع إسلام اون لاين .نت توضح هذه الأحكام تفصيلا يحسن بي أن أسوقها.
الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية :
1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه .
2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض.
أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه .
هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه .
3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير .
4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله .
5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض .
الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن :
ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة .
ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة .
ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه :
1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 .
2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون .
3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه .
4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية .
5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي .
6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين . التعويض عند ظهور براءته:
أجاز الإسلام حبس المتهم من أجل التحقيق حتى يأخذ العدل طريقه في المجتمع ، مع ملاحظة عدم جواز التباطؤ في التحقيق حتى لا يترتب على ذلك بقاء المتهم في الحبس ظلماً دون حاجة إلى ذلك ،فإذا حدث هذا وترتب عليه زيادة مدة الحبس على المظلوم فإن له الحق في أن يطالب بالتعويض للضرر المادي والأدبي الذي لحقه ، وذلك في حال ظهور براءته.
يقول أ. د•حسن عبد الغني أبوغدة أستاذ الفقه المشارك جامعة الملك سعود ـ الرياض [بتصرف] نقلا عن موقع إسلام اون لاين:
الحبس بتهمة أمر مقرر في الشرائع والأنظمة القديمة والحديثة، وهو ما تدعو إليه الحاجة حال تعيّنه للكشف عن الحقيقة موضوع الدعوى وإيصالها لأصحابها، ولمنع المتهم من الاستحواذ على حقوق غيره والفرار بها بعيداً عن هيمنة العدالة•
وقد أجاز الإسلام حبس المتهم، واعتبره من السياسة العادلة والتصرف الحكيم،وذلك إذا تأيدت التهمة بقرينة قوية أو ظهرت علامات الشك والريبة على المتهم، أو كانت له سوابق في الانحراف والجريمة•• مع ملاحظة عدم جواز التباطؤ في التحقيق حتى لا يترتب على ذلك بقاء المتهم في الحبس ظلماً دون حاجة إلى ذلك•
وعلى الدولة معاقبة أو تضمين من يتسبب في حبس المتهم، أو يتأخر في الإفراج عنه بغير قرينة مقبولة أو موجب شرعي، وكذا تعويض المتهم عن الأضرار الواقعة عليه في مدة حبسه، وخصوصاً إذا تجاوزت الحد اللازم المشروع عرفاً للكشف عنه واستبراء حاله بحسب ما سبق بيانه•
هذا، ومما يمكن اعتماده دليلاً مؤنساً لما نحن بصدده ما رواه عبد الرزاق في "المصنف" وأبو عبيد في "الأموال"، وابن حزم في "المحلى" وغيرهم: أن رجلين من قبيلة غفار نزلا بمياه حول المدينة، وعليها ناس من قبيلة غطفان معهم ظهر "إبل" لهم، فأصبح الغطفانيون قد أضلوا بعيرين من إبلهم، فاتهموا الغفاريين بهما، فأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أمرهم فحبس أحد الغفاريين، وقال للآخر: اذهب فالتمس "البعيرين" فذهب وعاد بهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمحبوس: استغفر لي، فقال: غفر الله لك يا رسول الله، فقال النبي: ولك، وقتلك في سبيله، قال الراوي: فقتل يوم اليمامة• ووجه الدلالة: أن الرجل حبس بتهمة ثم ظهرت براءته، فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم وعوَّضه بدعائه له بالشهادة في سبيل الله، وأعظم بهذا الدعاء النبوي وبهذه الشهادة ذات المكانة العظيمة عند الله تعالى، قال تعالى: (ولاَتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ •••) آل عمران 169
الفصل الثامن: المحاكمة العسكرية في ضوء مواثيق حقوق الانسان الدولية
وضع ديننا الحنيف والمجتمع الدولي مجموعة بالغة التنوُّع من المعايير لضمان المحاكمة العادلة باعتبارها حق من الحقوق الأساسية للإنسان، بهدف حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء احتجازهم قبل تقديمهم إلى المحاكمة، وعند محاكمتهم، وحتى آخر مراحل الاستئناف والنقض.
وتمثل انتهاكات هذه المعايير مبعث قلق كبير لدى مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني كافة؛ لأنها تمثل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتساهم في وقوع شتى ضروب الانتهاكات الأخرى، بما في ذلك الزَّجّ بالأفراد في السجون،لأسباب تُدْرجهم في عداد سجناء الرأي والتعذيب.
ولا يمكن أن تصبح المحاكمة عادلة، أو أن يشهد الناس لها بالعدل، إلا إذا توافر لها شرطان على الأقل، أما الأول، فهو أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها، من بدايتها إلى نهايتها، بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمجتمع الدولي، وأما الثاني، فهو أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هذه المواثيق وبالتالي لا تستند إلى قوانين تخالف موادها روح هذه المواثيق الإنسانية.
وفي إطار البحث عن مدى مراعاة المحاكمة العسكرية لنصوص المواثيق الدولية الخاصة بضمانات المحاكمة العادلة سوف يتناول هذا الفصل نقطتين هما: أولا: ضمانات المحاكمة العادلة وفقا للدستور المصري والعهود والمواثيق الدولية. ثانيا: مدى مواءمة التعديلات التي أقرتها الحكومة لقانون الأحكام العسكرية للعهود والمواثيق الدولية.
8 - 1 المحاكمة العادلة في الدستور والمواثيق الدولية
نص الدستور المصري الصادر سنة 1971 على مبادئ المحاكمة العادلة، من خلال التأكيد على استقلال القضاء وحيدته ، وحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وألا توقع عقوبة على أحد إلا بعد محاكمة عادلة يوفر له فيها حق الدفاع.
وقد نظم قانون السلطة القضائية رقم 48 لسنة 1971 ضمانات استقلال القضاء، كما نصت القوانين الإجرائية على كافة ضمانات التقاضى من علانية ومواجهة بالتهمة و بالأدلة، وغير ذلك من الضمانات التى تحقق مفهوم المحاكمة العادلة فى المواثيق الدولية.. غير أن قانون القضاء العسكري وتعديلاته المختلفة لم تراع هذه الضمانات سواء في النظرية أو التطبيق – وهو ما سنناقشه لاحقا.
أولا: القضاء العسكري والحق في المحاكمة العادلة
يقتصر تشكيل المحاكم العسكرية على ضباط القوات المسلحة وهم يخضعون لوزير الدفاع ويعينون بقرار منه، وهو ما يؤثر على أدائهم لوظيفتهم وربما يؤثر في أحكامهم وخصوصا في حالة المحاكمة الأخيرة التي أقحم فيها القضاء العسكري في صراع سياسي.
وتشكل إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية حجبا للقضاء العادى فى بسط ولايته على الوقائع التى يرتكبها المواطنون المدنيون كما تمثل افتئاتا على حق المتهم فى المثول أمام قاضية الطبيعى واعتداء على حق المجتمع فى الحفاظ على استقلالية القضاء ونهوضه بالمهام المنوط به أدائها وقد أقر الدستور حق المواطن فى اللجوء إلى قاضية الطبيعى كما نص على استقلال القضاة وعدم جواز التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة من أي سلطة، وحدد قانون السلطة القضائية الهيئات القضائية واختصاصاتها وطريقة تشكيلها وخصائص الأعضاء كالحيدة والاستقلال والحصانة والتأهيل، وشروط تعيين أعضائها ومنها أن يكون القاضي حاصلاً على إجازة فى الحقوق.
والمعروف في القضاء العسكري أنه لا يشترط التأهيل القانونى اللازم لكل المستويات القضائية كما أن القضاة العسكريين يخضعون لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية، ومن المفترض أن يستلزم تولي القضاء مؤهلات خاصة وممارسة طويلة فى العمل القضائى ومن العسير جدا لأى شخص أن يتصور أن يكون فى استطاعة المحاكم العسكرية تأدية وظيفة القاضى.
وتنص الوثيقة التي تحمل عنوان "المبادئ والإرشادات بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا" على أن الحق في محاكمة عادلة يشمل الحق في الطعن على الأحكام الصادرة أمام هيئة قضائية أعلى وعلى ضرورة استقلال وحيادية المحاكم وضرورة فصلها عن السلطة التنفيذية وكفالة حق أي من الأطراف المتقاضية أمامها في الطعن في عدم انحيازها.
غير أن من أهم المبادئ المتضمنة في الوثيقة ما يتعلق منها بالمحاكمة أمام محاكم عسكرية أو خاصة حيث نصت المبادئ على أن المحاكم العسكرية يجب اللجوء إليها فقط "للنظر في المخالفات ذات الطبيعة العسكرية البحتة والمرتكبة بواسطة أفراد عسكريين"، وأنها "لا يجب تحت أي ظرف مهما كان أن يكون لها اختصاص في محاكمة المدنيين" وتضيف الوثيقة أن المحاكم الخاصة لا يجب أن يكون لها هي الأخرى أي اختصاص بالنظر في جرائم تخضع لاختصاص المحاكم المدنية.
ثانيا: ضمانات المحاكمة العادلة
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 على الحق في محاكمة عادلة وضرورة أن تراعيه حكومات العالم فتنص المادة 10 منه على أن: "لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية تُوجَّه إليه".
ويشدد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حماية هذا الحق بهدف حماية الأشخاص من انتقاص حقوقهم الأساسية الأخرى وحرمانهم منها بصورة غير قانونية أو تعسفية، فتنص المادة 14 من العهد على أنه: "من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قِبَل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون".
وتنص المواثيق الدولية على مجموعة من الحقوق التي تكفل إجراء المحاكمة العادلة، والتي لا تتحقق عند إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ومن أهمها:
- الحق في عدم التعرض للقبض عليه أو الاعتقال التعسفي:
فينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز القبض على أحد أو اعتقاله تعسفاً، وعلى رفض حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه. وذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن مصطلح " التعسف " لا يعني فقط أن الإجراء "مخالف للقانون"، بل يجب تفسيره تفسيراً أوسع ليتضمن بعض العناصر الأخرى، مثل عدم اللياقة والظلم وعنصر المفاجأة.
- الحق في الإبلاغ بحقوقه:
لكل شخص الحق في الاطلاع على ما له من حقوق باللغة التي يفهمها ويقول المبدأ 13 من " مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السَّجْن: " تقوم السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن على التوالي بتزويد الشخص، لحظة القبض عليه وعند بدء الاحتجاز أو السجن أو بعدها مباشرة، بمعلومات عن حقوقه وتفسير لهذه الحقوق وكيفية استعمالها".
- الحق في الإبلاغ بسبب إلقاء القبض:
إذا أن من حق كل شخص أن يبلغ بسبب إلقاء القبض عليه، ويشدد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على إبلاغ كل شخص يقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه.
- الحق في إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه:
فمن حق كل شخص إبلاغ أسرته بنبأ القبض عليه حيث تنص القاعدة 92 من (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء) على أنه يجب السماح للمتهم بأن يقوم فوراً بإبلاغ أسرته نبأ احتجازه، وأن يُعطَى كل التسهيلات المعقولة للاتصال بأسرته وأصدقائه واستقبالهم.
- الحق في افتراض الإفراج:
تفترض المواثيق الدولية أن الأشخاص المتهمين بجرائم جنائية (وليس سياسية!!) يجب ألا يُحتَجزوا قبل محاكمتهم وتدعو نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة.
- الحق في إعادة النظر في الاحتجاز:
من حق كل شخص أن يَمْثُل على وجه السرعة أمام القضاة بعد القبض عليه أو احتجازه؛ بهدف إعادة النظر قضائياً في أمر احتجازه، وهو ما يعرف في بعض البلدان باسم "حق الحضور"، وهو حق منصوص عليه صراحة في المواثيق الدولية المختلفة والهدف من ذلك البت فيما إذا كانت هناك أسباب قانونية تبرر القبض على المتهم، وإذا ما كان احتجازه قبل المحاكمة ضرورياً كما يرمي كذلك إلى ضمان سلامة المتهم وعدم تعرُّضه لانتهاكات حقوق الإنسان.
- الحق في عدم التعرض للتعذيب:
ويحظر القانون الدولي في جميع الظروف، تعريض أي شخص للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة فتنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ويؤكد على ذات المعنى نصوص مماثلة في الاتفاقيات الدولية، وخصوصا في اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب:
وفي هذا السياق تنص المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب على أنه: "على السلطات أن تضمن إجراءات التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب"، كما ينص على ذلك المادة 9 من إعلان مناهضة التعذيب.
- الحق في افتراض البراءة:
تنص المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: " كل شخص متهم بجريمة يُعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وهذا الحق منصوص عليه في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مما يؤكد ضرورة أن افتراض البراءة سارياً منذ لحظة إلقاء القبض على الشخص؛ حتى يتم تأكيد الإدانة في مرحلة الاستئناف النهائية.
- الحق في سرعة إجراء العدالة:
تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: " كل مقبوض عليه أو مُحتجز بتهمة جنائية يجب أن يُحال سريعاً إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المُخوَّلين قانوناً مُباشَرَة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يُحاكم خلال مدة معقولة أو أن يفرج عنه". وقد فسرت اللجان المعنية بحقوق الإنسان كلمة "سريعاً" بأنها تعني (أيام معدودة).
- الحق في المساواة أمام القانون:
تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "الناس سواء أمام القضاء" ومعنى ذلك إتاحة الفرصة لكل شخص، بعيداً عن أي لون من ألوان التمييز، وعلى قدم المساواة مع غيره، لأن يلجأ إلى القضاء، وأن تتاح ضمانات المحاكمة العادلة، على قدم المساواة، للجميع.
- الحق في علانية المحاكمة:
بما يعنى حضور ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان لجلساتها من أجل التأكد من نزاهتها فتكفل المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في المحاكمة العلنية، باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر المحاكمة العادلة ولا يجوز منع الجمهور وأجهزة الإعلام من حضور جانب من المحاكمة، أو من حضورها كلها، إلا على ظروف استثنائية كأنْ يكون الإعلان عن بعض المعلومات الخاصة بالقضية مصدر خطر حقيقي على أمن الدولة.
- إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع:
من حق كل متهم بارتكاب جريمة ما أن يتاح له أن الوقت ومن التسهيلات ما يكفي لإعداد دفاعه بنفسه وللاتصال بمحامٍ يختاره بنفسه" وذلك بنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- استقلال السلطة القضائية:
ليس من المحتمل أن تتسم المحاكمة بالإنصاف، بل ولن يرى الناس أنها منصفة، إذا كان المسئولون عن إصدار الأحكام والعقوبات يفتقرون إلى الاستقلال والحياد، ويقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن البعد عن التحيز شرط جوهري، بصفة مطلقة، لإجراء المحاكمة العادلة.
بتعبير آخر: يجب ألا تتعرض الهيئة القضائية ككل، وألا يتعرض كل قاضٍ على حدة، إلى التدخل في عمله من جانب أفراد بعينهم ويجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استناداً إلى الحقائق الثابتة وبموجب القانون، بعيداً عن التدخل أو المضايقة أو التأثير من جانب أي فرع من فروع الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية.
ويجب أن يكون القاضي محايدا أي ألا تكون له آراء مسبقة عن أية قضية ينظرها، وألا تكون له مصلحة في النتيجة التي ينتهي إليها نظر القضية كما يجب أن تتاح له فرصة العمل بعيداً عن أي تأثير، مباشر كان أو غير مباشر، من الهيئات الحكومية، وبعيداً عن وسائل الإغراء أو الضغط.
8- 2 مدى مواءمة قانون الأحكام العسكرية للمواثيق الدولية
إن مقارنة مجريات المحاكمة العسكرية للمحالين ليها من قيادات جماعة الإخوان المسلمين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المحاكم العسكرية تمثل أقوى صورة من صور انتهاك الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة؛ فهي لا تختص بمحاكمة العسكريين فقط أو الجرائم العسكرية، بل امتد سلطان اختصاصها ليشمل المدنين وخصوصا المعارضين السلميين.
- مطالب المجتمع المدني وتعديلات الحكومة
قامت الحكومة المصرية بتعديل بعض نصوص قانون المحاكم العسكرية (أصبح يسمى قانون الأحكام العسكرية) وذلك بعد تعديل المادة 179 من الدستور، وقد طالبت منظمات المجتمع المدني قبل إجراء تعديله أن يتضمن مشروع القانون الجديد جملة من التعديلات الأساسية من أهمها:
- إلغاء إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وأن تجرى محاكمتهم أمام القضاء الطبيعي، نظراً لإهدار المحاكم العسكرية للعديد من الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة والمنصفة وإعمالاً للمادة 68 من الدستور التي تنص على أن: "لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي".
- أن ينعقد الاختصاص للقضاء العسكري للعسكريين فحسب وللجرائم التي تقع في المعسكرات أو في المواقع المختلفة التي يشغلها أو يتواجد فيها العسكريون بمعنى قصر ولاية المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية، وأن يكون هناك استئناف لأحكامها.
- إلغاء المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1977 والتي تجيز لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية وذلك في ظل حالة الطوارىء.
لكن مناقشات مشروع القانون في البرلمان المصري لم تتطرق إلى هذه المطالب ونص تعديل قانون الأحكام العسكرية على استبدال عبارة "قانون القضاء العسكرى" بعبارة (قانون الأحكام العسكرية) فيما وردت في القانون أو فى أي قانون آخر .
وأوضح التعديل أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة تتكون من محاكم ونيابات عسكرية وفروع قضاء أخرى طبقا لقوانين وأنظمة القوات المسلحة ويختص هذا القضاء دون غيره بنظر الجرائم الداخلة فى اختصاصه وفقا لأحكام هذا القانون وغيرها من الجرائم التى يختص بها وفقا لأى قانون آخر، وتقوم على شأن القضاء العسكرى هيئة تتبع وزارة الدفاع .
كما تضمن التعديل أن القضاة العسكريين مستقلون ولا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون وضباط القضاء العسكرى عدا عضو النيابة العسكرية برتبة ملازم أول غير قابلين للعزل الآمن خلال الطريق التأديبى .
وأضاف التعديل مادة جديدة برقم 43 مكررا إلى القانون نصت على أن مقر المحكمة العليا للطعون العسكرية هو القاهرة وتؤلف من رئيس هيئة القضاء وعدد كاف من نوابه ومن القضاة العسكريين برتبة عقيد على الأقل وتتكون من عدة دوائر يرأسها رئيس المحكمة أو أحد نوابه برتبة عميد على الأقل .
ونص التعديل على أنه متى صار الحكم بالإعدام باتا وجب رفع أوراق الدعوى فورا إلى رئيس الجمهورية، وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة، ولرئيس الجمهورية أو من يفوضه تخفيف الأحكام الباتة بعقوبة مقيدة للحرية أو وقف تنفيذها نهائيا أو لفترة محدودة .
وألغى التعديل المواد 55 و58 و59 من قانون القضاء العسكرى والتي كانت تنص على أن يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة وأن هؤلاء الضباط يعتبرون نظراء للقضاة المدنيين وأن يكون تعيينهم لمدة سنتين قابلة للتجديد ولا يجوز نقلهم إلى مناصب أخرى إلا للضرورات العسكرية .
وقد قدم المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع والإنتاج الحربى القائد العام للقوات المسلحة والتي أشارت إلى أن مراجعة القانون الحالى أصبحت لازمة بعد أن مضى على تطبيقه أكثر من ثلاثين عاما صدر خلالها دستور جديد عام 1971 كما أبرمت مصر خلالها معاهدات وعهودا دولية عديدة صارت جزءا من نسيجها القانونى.
إلا أنه كان من الواضح أن تمرير القانون في مجلس الشعب لم يراع هذه المواثيق أو مطالب مؤسسات المجتمع المدني وقامت الحكومة ببعض التعديلات لإسكات الانتقادات الشديدة والمستمرة الموجهة لقانون المحاكم العسكرية مما يطرح السؤال التالي: هل أدت هذه التعديلات دورها المطلوب في مراعاة المواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية وبالتالي إسكات المنتقدين من منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية؟
- أهم الانتقادات الموجهة للقانون المعدل
أجمع خبراء قانونيون وسياسيون وحقوقيون أن تعديل قانون القضاء العسكري لم يكن سوى تعديل هزيل!، وليس له أي تأثير، خصوصا وأن القضاء العسكري قضاء استثنائي لا تتوافر فيه شروط الاستقلالية أو الحيادية أو الشفافية.
وقرروا أن ما تم لم يكن سوى إجراء شكليٌّ أو تجميليٌّ لتحسين صورة الحكومة في الداخل والخارج، خاصةً في ظل الانتقادات التي تتعرَّض لها مصر؛ بسبب إحالة مدنيين إلى القضاء العسكري، سواءٌ على الصعيد المحلي أو الدولي، ومطالبة جميع القوى الوطنية المختلفة- بما فيها نادي القضاة وجمعيات حقوق الإنسان بعدم إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري؛ لما يمثله ذلك من عدم دستورية وانتقاص من الحقوق والحريات للمواطنين.
ومن الملاحظات القوية في هذا الصدد أن قانون الأحكام العسكرية ينشيء قضاءً موازياً، ويجعل هناك محكمتين للنقض في مصر، وهو أمر خطير جداً لأنه يقطع أواصر القانون، وقد يجعل التطبيق القانوني به تناقض بين محكمة النقض والمحكمة المزمع إنشاؤها طبقاً لقانون الأحكام العسكرية.
أما أن يقال إن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة فهذا رأي محل نظر وهو رأي غير سديد في ذات الوقت فكيف تكون هناك جهة مستقلة داخل المؤسسة العسكرية ثم يقال في المادة نفسها من التعديل إنها تتبع وزارة الدفاع؟! فالقضاء المستقل لا يتبع جهة تنفيذية.
كذلك فإن قرارات الإحالة الصادرة من قبل السلطة التنفيذية تعد نوعا من التمييز بين المحالين للمحاكمة العسكرية وغيرهم من المتهمين الخاضعين لأحكام القضاء العادي، ففي الوقت الذي تحظى فيه الفئة الأخيرة بكافة ضمانات المحاكة العادلة يجرد المتهمين الخاضعين للقضاء العسكري من كافة حقوقهم دون تفرقه معيارية بين الجرائم المرتكبة من قبل أفراد الطائفة الأولى والثانية ، بل على العكسٍ ففي بعض الأحيان تشكل الجرائم المرتكبة من قبل المتهمين الخاضعين للقضاء العادي أكثر خطورة على المجتمع من تلك المعاقب عليها من قبل القانون العسكري كما هو الحال في بعض قضايا التجسس التي أحيلت للقضاء العادي!!.
وأخيرا .. فإن نص المادة السادسة يتناقض مع مبدأ حق الأفراد في الخضوع لقاضيهم الطبيعي، حيث أن المحكمة الخاضع لها المتهم تحدد بعد ارتكاب الجريمة لا قبلها، فبعد ارتكاب الجريمة يصدر القرار بالإحالة من قبل السلطة المختصة حتى ولو قضى القضاء العادي بخضوع الجرائم المحالة له لأنه طبقا لما نصت عليه المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية السلطة القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة الاختصاص الأصيل في تحديد اختصاصها.