الفرق بين المراجعتين لصفحة: «من قتل حسن البنا»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٩: | سطر ٩: | ||
مضت الأيام والشهور وطالت المفاوضات فإذا بكل ذلك يتمخض عن مشروع معاهدة عرجاء قال فيها أحد المفاوضين '''" إنها احتلال سافر للبلاد وفضل نهائى لشطرى الوادى وتكبيل الوطن بقيود وأغلال دونها أغلال معاهدة سنة [[1936]].."!''' | مضت الأيام والشهور وطالت المفاوضات فإذا بكل ذلك يتمخض عن مشروع معاهدة عرجاء قال فيها أحد المفاوضين '''" إنها احتلال سافر للبلاد وفضل نهائى لشطرى الوادى وتكبيل الوطن بقيود وأغلال دونها أغلال معاهدة سنة [[1936]].."!''' | ||
'''وأذاعت وزارة الداخلية بيانا أعلنت فيه''' | '''وأذاعت [[وزارة الداخلية]] بيانا أعلنت فيه''' | ||
:" أن بعض المنتمين إلى جمعية [[الإخوان المسلمين]] فى مدينة [[القاهرة]] ومعهم الغوغاء قاموا بعمل مظاهرات متفرقة فى أنحاء مختلفة من المدينة واعتدوا بإلقاء الأحجار على واجهات بعض المتاجر بشارع فؤاد الأول وشارع شبرا كما اعتدوا على مركبات الترام وصف الدكتور [[محمد حسين هيكل]] تلك الأيام | :" أن بعض المنتمين إلى جمعية [[الإخوان المسلمين]] فى مدينة [[القاهرة]] ومعهم الغوغاء قاموا بعمل مظاهرات متفرقة فى أنحاء مختلفة من المدينة واعتدوا بإلقاء الأحجار على واجهات بعض المتاجر بشارع فؤاد الأول وشارع شبرا كما اعتدوا على مركبات الترام وصف الدكتور [[محمد حسين هيكل]] تلك الأيام | ||
سطر ٢٢٧: | سطر ٢٢٧: | ||
:إنها ليست عادلة بالنسبة ل[[مصر]] فهى تصور بريطانيا وكأنها تحمى مصالح [[السودان]] إزاء النوايا الشريرة ل[[مصر]]. | :إنها ليست عادلة بالنسبة ل[[مصر]] فهى تصور بريطانيا وكأنها تحمى مصالح [[السودان]] إزاء النوايا الشريرة ل[[مصر]]. | ||
'''وقال النقراشي:''' | '''وقال [[النقراشي]]:''' | ||
:إن وجهة نظر البلدين متباعدة مما يجعل الاتفاق مستحيلا . ومن المسائل البديهة أن [[السودان]] يرغب فى الوحدة مع [[مصر]]. | :إن وجهة نظر البلدين متباعدة مما يجعل الاتفاق مستحيلا . ومن المسائل البديهة أن [[السودان]] يرغب فى الوحدة مع [[مصر]]. | ||
سطر ٢٥٧: | سطر ٢٥٧: | ||
أذيع قرار مجلس الوزراء بعد يومين فى مجلسى البرلمان فأعلن [[الإخوان]] تأييدهم لقرار [[النقراشي]] وإن هاجموا بيانه فى البرلمان '''" لأنه لم يشف الغلة ولم يرو الظمأ"'''!ويؤيد [[مكتب الإرشاد]] قطع المفاوضات. | أذيع قرار مجلس الوزراء بعد يومين فى مجلسى البرلمان فأعلن [[الإخوان]] تأييدهم لقرار [[النقراشي]] وإن هاجموا بيانه فى البرلمان '''" لأنه لم يشف الغلة ولم يرو الظمأ"'''!ويؤيد [[مكتب الإرشاد]] قطع المفاوضات. | ||
'''ويكتب [[صالح | '''ويكتب [[صالح عشماوي]] قائلا " أخيرا التقينا"!''' | ||
'''بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن يقول :''' | '''بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن يقول :''' | ||
سطر ٣٠٩: | سطر ٣٠٩: | ||
وجد الوفد أن [[الإخوان]] ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعيطه قوة فقر فض الهدنة بين الحزب و[[الجماعة]] دون إعلان. | وجد الوفد أن [[الإخوان]] ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعيطه قوة فقر فض الهدنة بين الحزب و[[الجماعة]] دون إعلان. | ||
واتجه [[الإخوان]] لأول مرة إلى الشرق فطالبوا بأن تلجأ الحكومة فى المم المتحدة إلى " الكتلة اليسارية" بدلا من الكتلة الانجلو | واتجه [[الإخوان]] لأول مرة إلى الشرق فطالبوا بأن تلجأ الحكومة فى المم المتحدة إلى '''" الكتلة اليسارية"''' بدلا من الكتلة الانجلو أمريكية. ولم يكن [[الإخوان]] يعرفون أن مثل هذا التفكير فى تلك الأيام صعب . أما التنفيذ فيقع فى دائرة المستحيل! | ||
ويتجه | ويتجه [[النقراشي]] إلى أمريكا فيوفد فى [[أبريل]] رئيس أركان حرب الجيش إلى واشنطن لزيارة القواعد والمصانع الحربية والاتفاق على شراء السلاح فتحتج الحكومة البريطانية على الحكومة الأمريكية لعدم استشارة الولايات المتحدة بشأن هذه الزيارة. | ||
ويتراجع وزير الخارجية الأمريكى بالنيابة أمام ممثل السفارة البريطانية قائلا: ليست للزيارة طبيعة سياسية ولن تلعب أمريكا نفس الدور الأساسى فى الشئون العسكرية المصرية والى كانت تقوم به الحكومة البريطانية وفى 7 من [[مايو]] 1947 تبلغ الحكومة الأمريكية بريطانيا رسميا بأنها لن تتوسط أو تتدخل بين بريطانيا و[[مصر]]! | ويتراجع وزير الخارجية الأمريكى بالنيابة أمام ممثل السفارة البريطانية قائلا: ليست للزيارة طبيعة سياسية ولن تلعب أمريكا نفس الدور الأساسى فى الشئون العسكرية المصرية والى كانت تقوم به الحكومة البريطانية وفى 7 من [[مايو]] [[1947]] تبلغ الحكومة الأمريكية بريطانيا رسميا بأنها لن تتوسط أو تتدخل بين بريطانيا و[[مصر]]! | ||
وتزداد العلاقة سوءا بين | وتزداد العلاقة سوءا بين [[النقراشي]] و[[الإخوان]] فى [[مايو]] أيضا عندما يعتدى رجال الشرطة على موكب الجوالة [[الإخوان]] فى حى الخليفة, ويمنع [[البنا]] من زيارة [[بور سعيد]].وتتابع برقيات السفارة البريطانية على لندن تصف كل تطور جديد فى موقف [[الجماعة]] وسياستها. | ||
'''كتب السير رونالد كامبل قائلا:''' | |||
كتب السير رونالد كامبل قائلا: | |||
" [[الإخوان]] أبرز المنظمات المصرية التى لها صلة دولية وتتمتع بأهمية كافية لممارسة تأثير ملحوظ على الحياة العامة فى البلاد. | :" [[الإخوان]] أبرز المنظمات المصرية التى لها صلة دولية وتتمتع بأهمية كافية لممارسة تأثير ملحوظ على الحياة العامة فى البلاد.إن الأحياء السياسى الدينى لجماعة [[الإخوان المسلمين]] يمثل قوة رجعية فهى تدعو للعودة غلى بناء اجتماعى يقوم على تعاليم دينية واجتماعية عفى عليها الزمن"! | ||
'''ولكن السفير يبرئ [[الإخوان]] من العمالة لأية قوى أجنبية . قال:''' | |||
:" لا تتعرض [[الجماعة]] حاليا لنفوذ خارجى سواء كان شيوعيا أو فاشيا ولكنها تمثل أيدلوجية ذات طبيعة سياسية دينية تقتضى بالضرورة تصنيفها كمنظمة سياسية متطرفة" | |||
ويتعين أن نذكر قبل الحرب. كان هناك من الأسباب ما يدعو للشك فى تلقى [[الإخوان المسلمين]] أموالا من مصادر ألمانية أو إيطالية أو منهما معا .إن [[الإخوان المسلمين]] جماعة مصرية خالصة. | |||
ولكن نجاحها الباهر فى البلاد فى السنوات الأخيرة شجع قادتها على مد أنشطتها إلى الدول الإسلامية المجاورة وخاصة [[فلسطين]] و[[سوريا]] و[[السودان]]".ويتعقب [[الإنجليز]] [[الإخوان المسلمين]] فى الدول العربية. | |||
'''سأل الوزير البريطانى المفوض فى عمان الملك عبد الله عاهل [[الأردن]] عن لقائه ب[[عبد الحكيم عابدين]] سكرتير عام [[الإخوان]] فقال صاحب الجلالة:''' | |||
:[[الجماعة]] تستحق الإعجاب فهى تدعو الجيل الجديد لواجبه الدينى, وتحد من انتشار [[الشيوعية]]. | |||
'''قال الوزير المفوض:''' | |||
:كان حقا ما تقول يا صاحب الجلالة لو أن [[الجماعة]] اقتصرت على واجبها الدينى ولكن التقارير تقول إن دوافع مؤسيسها سياسية بقدر ما هى دينية . | |||
'''قال الملك عبد الله:''' | |||
:هذا بالنسبة ل[[مصر]] ولكن قادة [[الإخوان]] لا يريدون التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية. | |||
'''ويثير الوزير البريطانى مسألة [[الإخوان]] مع سمير الرفاعى باشا قال رئيس الوزراء:''' | |||
:ستتدخل إذا أبدت الشعب المحلية فى [[الأردن]] نشاطا سياسيا ومن الخطأ أن نظهر عدم موافقتنا عليها نشاط [[الجماعة]] مقصورا على النشاط الدينى | |||
'''ويكتب الوزير المفوض إلى لندن:''' | |||
:أوافق الملك ورئيس وزرائه على أنه لا داعى للتدخل فى الوقت الحاضر"! وجد [[الإنجليز]] أن الاستقرار لم يتحقق فى [[مصر]] ولم تعقد معاهدة , وهناك أزمة حادة فى العلاقات بين البلدين ففكروا فى إعادة الوفد إلى الحكم لتحقيق إصلاح اجتماعى يعزز الاستقرار و[[الديمقراطية]]! | |||
أيد عودة السير روبرت هاو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية الذى تولى بعد ذلك منصب الحاكم العام للسودان والسير أورم سارجنت الوكيل الدائم للوزارة وقدما تقريرا بذلك إلى كلمنت أتلى رئيس الوزراء الذى تولى [[وزارة الخارجية]] بالنيابة أثناء سفر ارنست بيفن إلى نيويورك وموسكو. | |||
أبرق اتلى بالتقرير إلى بيفن فى موسكو بدلا من انتظار عودته مما يدل على رغبة اتلى فى التعجيل بخلع [[النقراشي]] ولكن بيفن رأى تأجيل القرار حتى يعود إلى لندن فعقد مع أورم سارجنت اجتماعا يوم 6 من [[مايو]]. | |||
'''قال وكيل الخارجية:''' السؤال الأساسى هو هل نعزل النقراشى أم لا؟ | |||
'''رد بيفن:''' من الخطأ التصرف على هذا النحو فإذا عزلنا رئيس الوزراء , ولم نحقق النتيجة التى نريدها ستكون فى وضع سيئ. | |||
وأصر بيفن على أن يحتفظ كبار رجال الوزارة '''" بالبرود"''' وهدوء الأعصاب إزاء [[النقراشي]]. ورفض الوزير البريطانى التدخل فى شئون [[مصر]] الداخلية ولكن رجال وزارة الخارجية البريطانية ضغطوا على الملك و[[النقراشي]] بأسلوب آخر. | |||
بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل برسالة إلى النقراشى يحتج فيها على إلقاء قنبلة على دار المعهد البريطانى وأخرى على كلية فيكتوريا ب[[الإسكندرية]] وكذلك على التأخير فى محاكمة [[حسين توفيق]] وزملائه وبينهم [[محمد أنور السادات|أنور السادات]] الذين اتهموا باغتيال أمين عثمان باشا وزير المالية فى حكومة الوفد. | |||
'''ويلتقى كامبل ب[[عبد الفتاح عمرو]] باشا سفير [[مصر]] فى لندن محتجا لى الحملة العلنية المعادية لبريطانيا وقال:''' | |||
:إن وزراء [[مصر]] يساهمون فى هذه الحملة. | |||
'''ويضيف:''' | |||
:هل يعرف ملك [[مصر]] ذلك؟ | |||
'''ويحذر قائلا:''' | |||
إن صاحب الجلالة يغامر بهذه الإثارة الوطنية. | :إن صاحب الجلالة يغامر بهذه الإثارة الوطنية.ويلتقى كامبل بالملك بعد أن استغنى [[النقراشي]] عن البعثة العسكرية البريطانية فى الجيش المصرى. | ||
'''وينتقد السفير رئيس وزراء [[مصر]] فيرد فاروق:''' | |||
:[[النقراشي]] أفضل من يحافظ على الأمن والنظام. | |||
'''وأخيرا يلتقى السفير البريطانى برئيس الوزراء ليقدم سلسلة من الاحتجاجات:''' | |||
:الأول: على [[عبد الفتاح عنايت]] الذى حكم عليه بالإعدام فى قضية اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام [[1924]] واستبدل حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة. | |||
:وكان [[عبد الفتاح عنايت]] قد بدأ يكتب مذكراته وفيها يهاجم [[الإنجليز]] الاحتجاج الثانى على كاريكاتير نشرته مجلة روزاليوسف يصور حلبة ملاكمة بين [[مصر]] وبريطانيا... | |||
وفى هذا الرسم توجه [[مصر]] ضربة قاضية لبريطانيا .الاحتجاج الثالث على مسرحية تعرض فى [[مصر]] وفيها يقال إن بريطانيا تحاول التفرقة بين [[مصر]] و[[السودان]]. | |||
ولا يجد [[النقراشي]] ما يقوله طبقا لبرقية السفير إلا أنه سيرسل مقالات الصحف وكل هجوم على بريطانيا إلى النائب العام ليرى ما إذا كان ذلك يقع تحت طائلة القانون وفى هذه الحالة يحاكم المسئولين وتتم كل هذه اللقاءات والاحتجاجات وأنشطة السفير ضد النقراشى خلال فترة لا تتجاوز الشهرين! | |||
انخفضت شعبية الوفد لأسباب كثيرة منها الاضطهاد من جانب الحكومة والانحرافات فى الوفد. وارتفعت شعبية [[الجماعة]] بالشعارات التى رفعتها معادية للإنجليز , والعاطفة الدينية العميقة فى نفوس شعب [[مصر]] , والتنظيم الدقيق للجماعة والتأييد الذى حصلت عليه من الملك وصدقى و[[النقراشي]] فى فترات متباعدة!.. | |||
قال [[حمادة محمود إسماعيل]] فى رسالة ماجستير قدمها إلى جامعة [[القاهرة]] عن '''" جماعة [[الإخوان]] ودورها فى تاريخ [[مصر]]"''' إن سنوات ما بعد [[الحرب العالمية الثانية]] كانت سنوات [[الإخوان]] فقد ساعد غياب الوفد عن مسرح الأحداث تنامى [[الإخوان]] وقيادتهم للحركة الشعبية ضد الاحتلال ودعوتهم الصريحة إلى إعلان الجهاد باعتباره السبيل الأوحد لإخراج [[الإنجليز]] من [[مصر]]" | |||
'''وقال:''' | |||
:" أدت [[الجماعة]] دورا لا يستهان به تجاه قضية الجلاء والاستقلال وخاصة بعد [[الحرب العالمية الثانية]]". | |||
" أدت [[الجماعة]] دورا لا يستهان به تجاه قضية الجلاء والاستقلال وخاصة بعد [[الحرب العالمية الثانية]]". | |||
أحس الوفد بقوة [[الجماعة]] فهاجمها بأسلوبه القديم... | أحس الوفد بقوة [[الجماعة]] فهاجمها بأسلوبه القديم... | ||
اتهم الوفد [[الإخوان]] بالعمالة للحكومة وخيانة قضية الأمة. | اتهم الوفد [[الإخوان]] بالعمالة للحكومة وخيانة قضية الأمة.نشرت صحيفة '''" [[صوت الأمة]]"''' الناطقة بلسان الوفد ويرأس تحريرها عدلى المولد المحامى يوم 9 من [[مايو]] تحت عنوان '''" الشيخ راسبوتين .. يفقد عقله وأدبه..."'''!! | ||
'''قالت:''' | |||
:".. استطاع هذا الشيخ الملتاث أن يكتب خطابا إلى رفعة زعيم الوادى ويحشوه بالمطاعن والسباب ويصور فيه نفسه وما فطر عليه من خلق ... | |||
'''يا مولانا الشيخ:''' | |||
:إنك أحقر من أن تكتب إلى وفدى عادى .فما بالك بهذه الجرأة المجنونة التى دفعتك بالكتابة لى زعيم الوادى ناصحا, ومحذرا ومهددا.من أنت أيها الحلس الذى خسر الدنيا والدين , انفض من جماعته كل غيور على كرامة [[الإسلام]] والمسلمين؟... | |||
:من أنت يا مدرس الخط حتى تجعل من نفسك شيئا فتتكلم إلى رجل بينك وبينه ما بين الأرض والسماء..؟ هل يد تذبذبك, وحقارة تصرفاتك ضد إخوانك وخيانتك لمبادئ [[الإسلام]] الشريف وهل بعد استجدائك عطف كل هيئة وحزب... | |||
:أبعد هذا أيها المستعبد لشهواته ونزوته الوضيعة تجد فى نفسك الجرأة على أن تقوم بدور الممثل التافه فى دور المصلح الهادى؟!يا شيخ راسبوتين... مسكين أنت والله إنك قد فقدت عقلك." | |||
'''وقالت الصحيفة:''' | |||
:" دع [[السياسة]] يا شيخ لمن يحملون عقولا فى رءوسهم فلست أهلا لها". | |||
'''وقالت:''' | |||
:" لم يجد الشيخ حسن راسبوتين بدا من أن يمزق اللثام عن تضليله وتهريجه باسم الدين و[[الإخوان]] والقرآن ويظهر على حقيقته, وبطبيعته انجليزيا حكوميا وهذا هو ما كنا نبصر به [[الإخوان]] ونحذرهم منه حتى يعرفوا شيخهم داعية مأجورا لكل من يدفع الثمن.هذا هو الشيخ [[البنا]] أيها الناس. | |||
" | :هذا الرجل الذى كان مدرسا للخط فضاق بفقره, وحقارة شأنه وتفاهة قيمته ولم يستطع أن يوفق بين طموحه وقدرته فراح يطلق لحيته, ويضلل باسم الدين ويجمع حوله السذج من المسلين لتكون له سيارة وتكون له جريدة ولو غير '''" سيارة"''' ولكن الدين فضحه وكشف عن خبيئته. | ||
:لم يخجل الشيخ بل ظهر بالأمس سافرا فاجرا, كافرا بنعمة الدين ونعمة الوطن ولم يستح أن يصبح حكوميا أكثر من الحكوميين ونقراشيا أكثر من النقراشيين أيها الشيخ المأجور .. أقسم لك بمن حرمك من نعمة الأخلاق الإسلامية ونعمة الأخلاق الوطنية أننا لا نتصور ولا نسمح لأنفسنا أن ثمة من يعمل لخيانة بلده من أجل المال.فهنيئا حكوميتك أيها المسكين الذى أراد أن يسخر من الوطنية والدين فهوى إلى أسفل سافلين"!! | |||
وتضامنت صحف الوفد كلها فى الحملة ضد [[الإخوان]].قالت البلاغ إن [[المرشد العام]] دأب على أن يتردد بسياسة [[الإخوان]] ويميل بها يعتقد الاتفاق تلو الاتفاق, ويبرم الميثاق تلو الميثاق ولكنه ما أسرع ما ينفض يده من هذا ليضعها فى يد ذاك. | |||
وقالت مجلة '''" الحوادث "''' بعنوان '''" دوتشى [[مصر]], بعد دوتشى روما"''' إن [[البنا]] يشبه موسولينى زعيم الفاشية فى إيطاليا ويدعى أنه المهدى المنتظر"! | |||
وتصاعدت حملة الصحف الوفدية وبالذات صوت الأمة على [[الإخوان]] فى سلسلة مقالات تحت عنوان واحد '''" هذه [[الجماعة]] تسقط"''' | |||
'''وهذه نماذج مما قالته الصحيفة خلال تلك الأيام من [[مايو]] و[[يونيه]] عام [[1947]]:''' | |||
:يمعن الشيخ فى التضليل فيزعم انه ليس حزبا سياسيا, إذن ماذا أنت وجماعتك يا هذا؟ أنت تزاول نوعا من [[السياسة]] هو أرخص وأقذر الأنواع .انحسر آخر قناع عن وجه الشيخ [[البنا]] فإذا به أقبح سياسى لعب على مسرح [[السياسة]] فى الجيل الحاضر.... العفن والقاذورات والألفاظ النابية بل والجرائم المنكرة مصدرها وكر [[الإخوان]]..أما من الذى أيقظ الفتنة فهو أنت أيها '''" المرشد "''' المضلل. | |||
:شيخ متآمر متستر خلف الدين..أيها الشيخ الماجن لقد أفصحت عن حقيقة أمرك, بعبثك, وخداعك فانكشفت سترك ووضحت جنايتك السافرة.إلى زعيم عصابة [[الإخوان]] صليتم تظاهرا وتصدقتم تفاخرا, واتخذتم هيئة الصلاح لتتسلطوا على عقول البسطاء. | |||
:إن جماعة [[الإخوان المسلمين]] فضيحة قومية للمصريين فى العصر الحاضر.أصبحت ذمة الشيخ مطاطة... الشيخ المصلى العارف بالله يكذب علنا فى جريدته.شخ سوء ينحدر هابطا كلما انتفخ جيبا... | |||
:فهو يتعمق فى الاسفاف كلما افعم جيبه بالمال . أجير لا يكتب من وحى قلمه وإنما يدافع عن انتفاخ جيبه.. ومقياس الصالح من الطالح عنده هخو مقدار ما تمتد له به الأيدى من نفحات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد ما تمتد له به الأيدى من نفخات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد قبض.الشيخ الأفاك . والشيخ الأشر. | |||
:[[الإسلام]] ليس لحية .. ولا عمامة , ولا سفسطة هو تعاليم نبيلة رفيعة تطبع المؤمنين بطابع الشرف والأخلاق.. والسمو وعدم الإسفاف . لا الجرى وراء المال الحرام باستخدام التهريج والدجل والضحك على الدقون...! | |||
ويرد [[الإخوان]] فى [[يوليه]] فينشرون وثائق تثبت أن السلطات البريطانية ساعدت شباب الوفد فى حملتهم ضد [[الجماعة]].وفى برقيات السفارة البريطانية أن هذه الوثائق مزورة وهكذا تغير موقف [[الإخوان]]. | |||
كانوا ضد [[النقراشي]] فأصبحوا معه. | |||
وكانوا مع الوفد فأصبحوا ضده.وفى رأى [[البنا]] أنهم يتفقون ويختلفون مع [[الأحزاب]] طبقا لمواقف هذه [[الأحزاب]] إزاء [[مصر]] المسلمة الوطنية. | |||
ولكن لعبة [[السياسة]] التى دخلها [[الإخوان]] , أو [[مارس]]ها [[الإخوان]] فى السنوات الأخيرة – كانت تقتضى نوعا آخر من السلوك السياسى! | |||
عارض الملك فاروق فى عرض قضية [[مصر]] على الأمم المتحدة كما قالت برقية للقائم بالأعمال الأمريكى.وأيد هذا الرأى كل من [[إبراهيم عبد الهادي]] و[[عبد الحميد بدوي]] ورأى الدكتور [[محمد حسين هيكل]] أن تعرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة.بينما وجد [[النقراشي]] أن هذه الجمعية ستحتاج إلى وقت طويل لنظر أفضل الفرص فى رأى [[النقراشي]] لتحقيق الجلاء. | |||
وظل [[النقراشي]] باشا حائرا شهور مترددا, يقاوم كل الضغوط ثم حسم أمره فقدم محمود حسن باشا سفير [[مصر]] فى وشنطن عريضة دعوى [[مصر]] إلى مجلس الأمن يوم 11 من [[يوليو]] [[1947]]. | |||
طالب [[النقراشي]] باسم [[مصر]] بجلاء القوات البريطانية عن [[مصر]] و[[السودان]] جلاء تاما وإنهاء النظام الادارى للسودان. | |||
أبرق [[مصطفي النحاس]] [[حزب الوفد]] إلى مجلس الأمن وإلى السكرتير العام للأمم المتحدة يتهم الحكومة بالديكتاتورية وأن [[النقراشي]] لا يمثل [[مصر]] وليس صوتا شرعيا يتحدث باسمها. | |||
'''قال النحاس فى برقيته''' | |||
:" الحكومة المصرية التى رفعت دعوى أمام المجلس لا تمثل على أى وجه شعب وادى النيل الذى تؤيد أغلبية الساحقة الوفد المصرى, وهذه الحكومة على أكثر تقدير تمثل الأشخاص الذين تتألف منهم وتدعى لنفسها حق التصرف فى سياسة [[مصر]] الدولية رغم أنفها , | |||
:ووفقا لما تمليه مصالح سياسية رجعية وإقطاعية , رفضها الشعب المحكوم حكما ديكتاتوريا,فإن شكوى تلك الحكومة إلى مجلس الأمن لا يمكن أن تكون لها قيمة الوثيقة القومية المعبرة عن مطالب الشعب. | |||
'''قال [[عبد الرحمن الرافعي]] فى كتابه " [[فى أعقاب الثورة المصرية]]" ''' | |||
:كانت هذه البرقية ضربة أصابت [[مصر]] فالأنانية والأهواء الشخصية جعلت الوفد يطعن [[مصر]] من الخلف فى الوقت الذى تعرض فيه قضية [[مصر]] على تلك الهيئة الدولية العالمية! | |||
أبرق [[المرشد العام]] إلى مجلس الأمن مساندا وفد [[مصر]] برئاسة [[النقراشي]] ومؤيدا مطلب [[مصر]] فى الجلاء ووحدة وادى النيل. | |||
'''قال:''' | |||
:" يستنكر شعب وادى النيل البرقية التى بعث بها إلى مجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس [[حزب الوفد]] المصرى ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها.وسواء كانت حكومة [[مصر]] ديمقراطية أو ديكتاتورية فإن الشعب المصرى يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة , | |||
:أن ذلك أمر يعينه وحده فله وحده الحق فى أن يختار نوع الحكم الذى يريده طبقا لميثاق الاطلنطى ومبادئ هيئة الأمم وله وحده الحث فى ا، يعرض على حكومته ما يريد وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه". | |||
:ووجه [[البنا]] رسالة إلى النحاس تحت عنوان '''" بطلان التوكيل "''' قال [[النقراشي]] باشا يمضى ومن معه إلى مجلس الأمن بتأييد شعب وادى النيل وعلى هدى من الإيمان الوطنى". | |||
واستنكر [[البنا]] خطاب النحاس إلى مجلس الأمن ووصفه بأنه سقطة سياسية وعثرة وطنية ومناورة حزبية لا تحرص على الاعتبارات القومية. | |||
" | وأعلن [[الإخوان]]" أن الوفد بدور الطابور الخامس لحساب [[الإنجليز]] فى تقسيم الأمة وتمزيق وحدتها"! | ||
'''وقال:''' | |||
:" التوكيل الذى منحته الأمة المصرية للوفد المصرى سنة [[1918]] أصبح باطلا بطلانا أكيدا". | |||
'''وقالت الرسالة:''' | |||
:" لا يزال الوفديون بعقلية سنة [[1920]] فيقولون : الأمة هى الوفد والوفد هو الأمة وأن الشعب منحه توكيلا لا نقض فيه ولا إبرام ويسقطون من حسابهم ربع قرن فى حياة هذا الوطن تبدلت فيه الأرض غير الأرض وتغيرت النفوس .ز انتقل إلى الدار الآخرة أكثر الوكلاء والموكلين على السواء. | |||
:والوفد فى أيامه الأخيرة تخللت صفوفه , طوائف وأفواج , من ذوى الآراء الخطرة والمبادئ الهدامة, الذين لا يدينون بغير الشرعية .. هل ترون أن الوفد قد أدى واجبه بهذا الموقف السلبى يقفه فى هذه الساعات العصبية فى تاريخ الوطن مع أنه كان ولا يزال فى وسعه ان يعمل الكثير لو أراد" | |||
ويطلب الشيخ إلى النحاس أن '''" يطهر حزبه من الشيوعيين ومن شبابه المفتونين"'''! | |||
'''وقال [[المرشد العام]]:''' | |||
" | :" الوفد خارج الحكم يعتبر [[الإنجليز]] أعداء [[الإسلام]] والأمة, بل أعداء الشرق كله يجب محاربتهم فإذا تولى الحكم نسى ما كان يدعو إليه ف[[الإنجليز]] هم الحلفاء المخلصون"! | ||
'''وكتبت صحيفة:''' | |||
:"صحف الوفد تفيض إباحية وفجورا وأن على الوفديين أن يحددوا إسلامهم فهم فى تصرفاتهم خصم للإسلام . وحرب على تقاليده وتشريعه وأن الوفديين طابور خامس فى [[مصر]]. والنحاس , بعد 4 [[فبراير]] كان متعاونا تعاونا كاملا مع [[الإنجليز]]". | |||
وقاد [[البنا]] مظاهرة مؤيدة للنقراشى. | |||
'''فى الليلة السابقة على سفر [[النقراشي]] إلى واشنطن سئل رئيس الوزراء .''' | |||
'''ألا ترى اضطراب الأمن أثناء غيابك؟''' | |||
:'''قال لن تحدث متاعب إلا من الشيوعيين:''' | |||
'''قيل له:''' | |||
:والوفد؟ | |||
قال | '''قال:''' | ||
:لا يسعى الوفد إلى مزيد من عداء الملك له. | |||
'''قبل له:''' | |||
و[[الإخوان]]؟ | |||
:قال: " لقد ألقيت الرعب فى قلب [[البنا]]. | |||
'''ويكتب جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن" ''' | |||
:ويؤكد [[الإخوان]] تأييدهم للحكومة وربما يكون السبب ناشئا عن الحرب السائدة بين [[الإخوان]] والوفد .والصحافة المحلية تزعم ان السبب الحقيقى يرجع إلى المبلغ الضخم الذى دفعه [[النقراشي]] باشا ل[[البنا]] من المصروفات السرية ويبدو واضحا أن هذا المبلغ دفع فعلا وقد أحدث تأثيرا لدى قادة [[الإخوان]]"! | |||
'''وتكلم النقراشى فى مجلس الأمن 6 مرات أخرى مفتدا حجج بريطانيا فقال عن [[السودان]]:''' | |||
:" العلاقات بين السكان الذين يقطنون شطرى وادى النيل مسألة داخلية فى بل أهلية.إن الأمر سيعالجه المصريون والسودانيون لا أن يتحدث عنهم لسان حكومة أجنبية فى لندن النائية". | |||
'''واتهم بريطانيا بالقرصنة قائلا:''' | |||
" | :" فقدت معاهدة [[1936]] قوتها وحيويتها وأخرستها الحوادث ولم يعد صداها إلا كصدى الاشباح وظلت أثرا من آثار أيام القرصنة التى يجه العالم فى نسيانها". | ||
أوفد [[الإخوان]] واحدا من أبرز شبابهم [[مصطفي مؤمن]] إلى مجلس الأمن مرافقا للوفد المصرى وللدعاية للقضية المصرية فى الولايات المتحدة وفى الأمم المتحدة.وقع يوم 22 من [[أغسطس]] [[1947]] حادثان فى نيويورك و[[القاهرة]] فى نيويورك أثناء اجتماع مجلس الأمن وبعد خطاب [[النقراشي]] ألقى [[مصطفي مؤمن]] خطبة ملتهبة من شرفة الزوار وأشهر وثيقة موقعة بدماء الطلاب تستنكر المفاوضات وتطالب بالجلاء التام وبوحدة وادى النيل. | |||
طرد من قاعة المناقشة فنظم مظاهرة خارج مبنى الأمم المتحدة كما طرد [[أحمد كامل قطب]] ممثل [[الإخوان]] أيضا لأنه كرر ما فعله [[مصطفي مؤمن]] داخل قاعة مجلس الأمن.وفى [[القاهرة]] أيد [[الإخوان]] خطاب [[النقراشي]] فى مجلس الأمن ونشروه كاملا ونظم شيخ [[البنا]] مظاهرة فى [[الأزهر]] بعد صلاة لتأكيد وقوف [[مصر]] وراء النقراشى وتأييد فى مجلس الأمن. | |||
تقدم المظاهرة [[المرشد العام]] يهتف بسقوط معاهدة [[1936]] واتجه المتظاهرون إلى قصر عابدين ووقع بينهم وبين رجال الشرطة صدام حاد وأطلق رجال الشرطة النار على المتظاهرين . | |||
'''أصيب [[البنا]] وأسفرت المظاهرات عن مصرع ثلاثة وإصابة كثيرين ورغم ذلك كتبت السفارة البريطانية إلى لندن تقول:''' | |||
:" يسود اعتقاد شائع بأن الحكومة تغاضت بل شجعت هذه المظاهرة الخطيرة". | |||
وفى [[ | وتكررت المظاهرات فى اليومين التالين ولكن رجال الشرطة نجحوا فى تفريقها دون وقوع حوادث خطيرة.وفى [[الإسكندرية]] نظم بعض عمال النسيج مظاهرة أخرى كما جرت مظاهرات أخرى فى [[طنطا]] و[[بورسعيد]]. | ||
واجتمعت فى مقر الشبان المسلمين يوم 24 من [[أغسطس]] عدة منظمات بينها [[الإخوان]] وقررت الدعوة إلى إضراب عام ومظاهرات سلمية , يوم 26 من [[أغسطس]] بمناسبة ذكرى توقيع معاهدة [[1936]]. | |||
'''وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن بأن''' | |||
" | :" [[البنا]] يحاول إقناع الزعماء السياسيين بالضغط على [[النقراشي]] ليعلن فى مجلس الأمن أن المعاهدة أصبحت باطلة ولا غية". | ||
خشى [[الإنجليز]] تدهور الأمن فاجتمع الوزير البريطانى المفوض بوكيل وزارة الخارجية المصرية وطلب منه نقل رسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء بالنيابة بأن الحكومة المصرية ستكون مسئولة عن العواقب التى يترتب على أية اضطرابات إذا سمحت بالمظاهرات والإضراب أو وافقت على عقد اجتماع جماهيرى | |||
'''وقال الوزير البريطانى لزميله القائم بالأعمال الأمريكى:''' | |||
:قادة [[الإخوان المسلمين]] والشبان المسلمين و[[مصر الفتاة]] فى ظمأ إلى الثورة والمجد!رأى الوزير أن بريطانيا يمكن أن تستغل المظاهرات فتعلن لمجلس الأمن أن اضطراب الأحوال فى [[مصر]] يحتم بقاء القوات البريطانية فاستدعى أحمد خشبة باشا القائم بأعمال رئيس الوزراء [[البنا]] و[[أحمد حسين]] وغيرهما من الشخصيات وأقنعهم بالتخلى عن المظاهرات. | |||
:وأذاع أحمد خشبة باشا نداء دعا فيه إلى التزام الهدوء وضبط النفس للصالح القومى . وقال إن ممثلى المنظمات المختلفة سحبوا دعوتهم للقيام بإضراب ومظاهرات. | |||
'''قال السفير البريطانى:''' | |||
:" تردد أن [[البنا]] مستاء من عدم تشجيع الحكومة لمظاهر التعبير عن المشاعر الوطنية". | |||
'''وقال السفير:''' | |||
:" [[الإخوان المسلمون]] والشبان المسلمون أعطوا اتجاها دينيا للحملات المعادية للبريطانيين" | |||
ويلتقى [[البنا]] بفيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية يوم 29 من [[أغسطس]] [[1947]].وايرلاند رجال السفارة وهو يتصل بكل المسئولين وكل رجال [[السياسة]].فى [[مصر]]! | |||
'''قال [[المرشد العام]]:''' | |||
:أمريكا أظهرت خصومتها ل[[مصر]] بتأييد موقف بريطانيا فى مجلس الأمن وذلك ليس جديدا أو فريدا. وفى [[مصر]] سخط عام ضد أمريكا.أشار ايرلاند إلى المظاهرات التى جرت فى [[مصر]] فقال الشيخ :لن يكون هناك مزيد نم الاضطرابات وبوسعى بدؤها وإنهاؤها . | |||
:'''قال ايرلاند:''' من المشكوك فيه أن تتمكن من إنهاء الفتنة بعد اشتعالها. | |||
'''قال الشيخ:''' | |||
:زاد [[الإخوان]] قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة بعد أن انضم إليهم المنشقون عن الوفد. وأصبح عدد [[الإخوان]] 600 ألف . وتوجد مجموعة عمل يتراوح أعضاؤها بين 25 و30 ألفا من الجوالة وهم منظمون تنظيما عسكريا ويتلقون تدريبا عسكريا إجباريا مستخدمين أية أسلحة أو معدات يمكن الحصول عليها . | |||
'''رد ايرلاند:''' | |||
رد ايرلاند: | |||
فى مناسبات عديدة اتصل أعضاء من [[الجماعة]] بمكتب الملحق العسكرى الأمريكى طلبا لكتيبات تتعلق بالأسلحة الصغيرة والتدريب العسكرى . | :فى مناسبات عديدة اتصل أعضاء من [[الجماعة]] بمكتب الملحق العسكرى الأمريكى طلبا لكتيبات تتعلق بالأسلحة الصغيرة والتدريب العسكرى . | ||
ويعلق جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى على ذلك قائلا: | '''ويعلق جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى على ذلك قائلا:''' | ||
ولا يجب إغفال أهمية [[الإخوان]] فى أى حوار سياسى حول [[مصر]]. | :"لا شك فى قدرة [[البنا]] على تحريك المظاهرات وتصريحاته الملتهبة تبين استعداده الواضح للمتاعب فى المستقبل.ولا يجب إغفال أهمية [[الإخوان]] فى أى حوار سياسى حول [[مصر]]. | ||
:لما هو معروف عن تنظميهم فقد زادوا قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة ووضح من حديث الشيخ أنه يؤيد فى الوقت الحاضر على الأقل سياسة [[النقراشي]]. | |||
:ونظرا لسجله الماضى الحافل بالانتهازية يمكن أن نستنتج أنه سيواصل تأييده لهذه [[السياسة]] مادام ذلك يناسبه شخصيا" | |||
استمر [[الإخوان]] والمنظمات الأخرى عد الوفد فى تأييد [[النقراشي]] ودعا ممثلوها [[صالح حرب]] باشا و[[البنا]] و[[أحمد حسين]] سفراء الصين وفرنسا وأمريكا غلى تأييد [[مصر]] فى مجلس الأمن.وألمح ممثلوها للسفارة الفرنسية ضمنا وفى تهديد مقنع بان مصالح فرنسا فى [[مصر]] قد تتأثر إذا واصلت تأييدها لبريطانيا فى مجلس الأمن. | |||
'''كتبت السفارة البريطانية على لندن:''' | |||
:" يعد [[البنا]] لإثارة الاضطرابات فى أنحاء متعددة نم البلاد فى حالة فشل القضية المصرية أمام مجلس الأمن . وينتاب [[المرشد العام]] سخط كبير على قرار الحكومة المصرية بمنع المظاهرات ويعتبر أن الحكومة المصرية تلعب بهذا العمل لعبة أعداء [[مصر]]. | |||
ودعا الشعب المصرى للاستعداد لبدء ب[الجهاد]] إذا أصدر مجلس الأمن قراره ضد [[مصر]].ويلقى [[البنا]] فى هذا الصدد قويا من [[صالح حرب]] باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين. | |||
:ويعمل الرجلان بنشاط لتنظيم الشعب المصرى لقيام بأعمال العنف ويبدو مستبعدا فى الوقت الحاضر أن تتورط [[الجماعة]] فى أية نشاطات تخالف بصورة مباشرة الحكومة الحالية , وينطبق ذلك بالنسبة لحزب [[مصر الفتاة]] ولكن بصورة اقل. | |||
:ودارت مناقشات مستفيضة حول شن حرب عصابات ضد القوات البريطانية فى دوائر جماعة [[الإخوان المسلمين]] والشبان المسلمين . | |||
:و[[الإخوان المسلمون]] مسلحون تسليحا جيدا وكتائب [[الجوالة]] التابعة لهم جيدة التدريب ويمكن للجماعة أن تستخدمها إذا قررت الالتجاء غلى حرب العصابات ولكن الموقف حتى هذه اللحظة لا ينبئ بوجود أى شئ خلف الفكرة العامة وعلاوة على ذلك أعلنت لجنة تحرير النيل تشكيل '''" كتائب للتحرير"''' فى جميع أنحاء [[مصر]] وبدأت تدريب أعضائها على استخدام الأسلحة. | |||
ووجهت اللجنة نداء إلى الشباب المصرى للانضمام إلى هذه الوحدات شبه العسكرية. | :ويقال إن هذه الكتائب تتلقى التدريب على أيدى ضباط من الجيش والشرطة.ووجهت اللجنة نداء إلى الشباب المصرى للانضمام إلى هذه الوحدات شبه العسكرية.ولكن السفارة ترى أن قوة [[الإخوان]] تتركز فى معارضة الوفد بشدة مما يضمن للجماعة قدرا من التأييد وتسامح الحكومة والقصر معهم". | ||
ومن هذا كله يتضح طبقا لما تقوله السفارة أن [[الجماعة]] ترتبط بخيوط مع الحكومة.وبتوجيه الشيخ [[البنا]] للقاء الأمير محمد على ولى العهد. | |||
'''قال [[المرشد العام]]:''' | |||
:أريد مخلصا تجنب الاضطرابات الداخلية.وينقل ولى العهد ذلك إلى جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى | |||
'''قائلا:''' لا يمكن الوثوق ب[[البنا]] فى ذلك ولكن سياسته تبدو فى الوقت الحاضر هادفة إلى تحقيق أثر مهدئ على العناصر المثيرة للإزعاج. | |||
'''قدمت لمجلس الأمن 3 مشروعات :''' | |||
قدمت لمجلس الأمن 3 مشروعات : | |||
الأول : من | :الأول : من البرازيل باستئناف المفاوضات بين [[مصر]] وبريطانيا وفى حالة فشل المفاوضات تتبع الوسائل السلمية الأخرى محل النزاع.وقد أيديت الولايات المتحدة هذا المشروع. | ||
الثانى: من كولومبيا ويقول بأن جلاء القوات البريطانية رهن باتفاق بين [[مصر]] وبريطانيا لتأمين حرية الملاحة فى قناة [[السويس]]. | :الثانى: من كولومبيا ويقول بأن جلاء القوات البريطانية رهن باتفاق بين [[مصر]] وبريطانيا لتأمين حرية الملاحة فى قناة [[السويس]]. | ||
الثالث: من الصين ولا يختلف كثيرا عن المشروع البرازيلى وايدت المشروعات الثلاثة استئناف المفاوضات | :الثالث: من الصين ولا يختلف كثيرا عن المشروع البرازيلى وايدت المشروعات الثلاثة استئناف المفاوضات . | ||
وامتنع الاتحاد السوفيتى وبولندا عن التصويت على أى | امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم أية مبادرة إلى مجلس الأمن وأيدت بريطانيا تأييدا كاملا.وامتنع الاتحاد السوفيتى وبولندا عن التصويت على أى مشروع قرار لا يتضمن صراحة الجلاء الكامل عن [[مصر]] , وإن احتفظا برأيهما بالنسبة للسودان. | ||
أما بريطانيا فعارضت أى قرار ينتقدها , وأصرت على أن معاهدة [[1936]] سارية حتى يعاد النظر فيها باتفاق الطرفين , أى باتفاق بينها وبين [[مصر]]. | أما بريطانيا فعارضت أى قرار ينتقدها , وأصرت على أن معاهدة [[1936]] سارية حتى يعاد النظر فيها باتفاق الطرفين , أى باتفاق بينها وبين [[مصر]].ولم يحصل أى من المشروعات الثلاثة على الأصوات السبعة المطلوبة ليصبح قرارا. | ||
واكتفى خمسة أعضاء بينهم الولايات المتحدة بإعلان أن [[مصر]] لم تقدم دليلا على أن الصراع بين البلدين يشكل خطرا للسلام العالمى وبذلك فإن مجلس الأمن ليس ملزما باتخاذ قرار. | |||
ورفضت الدول الخمس أى قرار بالجلاء بل أرادوا قرار متوازنا يشير إلى أن استئناف المفاوضات سيؤدى إلى جلاء جنود بريطانيا العاجل عن [[مصر]]. | |||
ورفضت الدول الخمس أى قرار بالجلاء | |||
دعا الشيخ [[البنا]] الشعب غلى ترك العمل والذهاب إلى المساجد فى ذات الساعة التى تعرض فيها قضية [[مصر]] أمام مجلس الأمن للدعاء لها بالنجاح وأن يلهم الله مجلس الأمن التوفيق والسداد. | دعا الشيخ [[البنا]] الشعب غلى ترك العمل والذهاب إلى المساجد فى ذات الساعة التى تعرض فيها قضية [[مصر]] أمام مجلس الأمن للدعاء لها بالنجاح وأن يلهم الله مجلس الأمن التوفيق والسداد. | ||
وخطب | وخطب [[النقراشي]] مرتين فى الجلسة الختامية لمجلس الأمن يوم 10 من [[سبتمبر]] قال إن [[مصر]] ظلت فريسة العدوان خمسة وستين عاما . وكل ما تطلبه أن تعطى حقها الطبيعى". ولكن مجلس الأمن لا يلهم التوفيق أو الرشاد بالنسبة ل[[مصر]]! | ||
لم يستطع المجلس إلى قرار فى أى من المشروعات الثلاثة وانفض فى المساء بعد اجتماعات استمرت 35 يوما دون اتخاذ قرار فى الموضوع وأجل القضية لأل غير مسمى مع الاحتفاظ بالنزاع المصرى | لم يستطع المجلس إلى قرار فى أى من المشروعات الثلاثة وانفض فى المساء بعد اجتماعات استمرت 35 يوما دون اتخاذ قرار فى الموضوع وأجل القضية لأل غير مسمى مع الاحتفاظ بالنزاع المصرى البريطانى فى جدول الأعمال.وقامت المظاهرات فى [[مصر]] فى اليوم ذاته ضد بريطانيا احتجاجا. | ||
اعترض المسئولون فى وزارة الخارجية الأمريكية على سياسة بريطانيا فى [[مصر]].. وكان من بين المعارضين لهذه [[السياسة]] لوى هندرسون مدير إدارة افريقيا والشرق الأدنى وجوردون ميريام رئيس قسم الشرق الأدنى والوزير الأمريكى المفوض فى [[مصر]] بنكتى تاك . | اعترض المسئولون فى وزارة الخارجية الأمريكية على سياسة بريطانيا فى [[مصر]].. وكان من بين المعارضين لهذه [[السياسة]] لوى هندرسون مدير إدارة افريقيا والشرق الأدنى وجوردون ميريام رئيس قسم الشرق الأدنى والوزير الأمريكى المفوض فى [[مصر]] بنكتى تاك . | ||
وابلغ | '''وابلغ هندرسون ذلك إلى السفارة البريطانية فى واشنطن. وكتب مذكرة إلى وزير الخارجية الأمريكية قال فيها:''' | ||
" وجود القوات البريطانية فى [[مصر]] يسمم | :" وجود القوات البريطانية فى [[مصر]] يسمم وبسرعة مناخ منطقة الشرق الأوسط والأدنى كلها.وإذا لم يتم الإعلان فى المستقبل القريب عن أنه سيتم سحب هذه القوات دون شرط فإن علاقات العالم العربى مع الدول الغربية ربما تتعرض لضرر بالغ خلال سنوات عديدة قادمة ". | ||
وإذا لم يتم الإعلان فى المستقبل القريب عن أنه سيتم سحب هذه القوات دون شرط فإن علاقات العالم العربى مع الدول الغربية ربما تتعرض لضرر بالغ خلال سنوات عديدة قادمة ". | |||
ويوجه مساعده جوردن ميريام نقدا يفكر بيفن أيضا | ويوجه مساعده جوردن ميريام نقدا يفكر بيفن أيضا فى نقل القاعدة البريطانية من [[مصر]] إلى برقة فى [[ليبيا]] مع بقاء القوات البريطانية فى [[مصر]] حتى يتم ضمان القاعدة البديلة!ويزور [[النقراشي]] واشنطن ويلتقى بجورج مارشال وزير الخارجية والرئيس ترومان. | ||
قال | '''قال [[النقراشي]] للوزير الأمريكى:''' | ||
الدين الإسلامى يتعارض مع [[الشيوعية]] ولكن استمرار بقاء القوات البريطانية فى [[مصر]] يثير استياء ويوفر أرضا خصبة للتسلل الشيوعى | :الدين الإسلامى يتعارض مع [[الشيوعية]] ولكن استمرار بقاء القوات البريطانية فى [[مصر]] يثير استياء ويوفر أرضا خصبة للتسلل الشيوعى | ||
إذا لم تعامل الولايات المتحدة [[مصر]] على قدم | '''وقال [[النقراشي]]:''' | ||
:إذا لم تعامل الولايات المتحدة [[مصر]] على قدم المساواة وباعتبارها دولة مستقلة فإن التأييد المصرى للدول [[الديمقراطية]] لن يكون متوقعا. | |||
أعرب مارشال عن سروره الشخصى للاجتماع برئيس وزراء [[مصر]] ولكن أحدا من الرجلين لم ينجح فى اختراق تحفظ الآخر فقد بقيا متباعدين .. كما قال مارشال وهو يصف نتيجة الاجتماع. | أعرب مارشال عن سروره الشخصى للاجتماع برئيس وزراء [[مصر]] ولكن أحدا من الرجلين لم ينجح فى اختراق تحفظ الآخر فقد بقيا متباعدين .. كما قال مارشال وهو يصف نتيجة الاجتماع. | ||
ويطلب | ويطلب [[النقراشي]] من الأمريكية مساعدة اقتصادية وقرضا قدره 80 مليون دولار وشراء القطن المصرى طويل التيلة وبعثة عسكرية أمريكية لتطوير الجيش والطيران المصرى وتدريب المصريين فى أمريكا, وتشغيل المطارات العسكرية والمدنية وإقامة مصانع للأسلحة الصغيرة والذخيرة ز ولكن خاب أمل [[النقراشي]] فى الولايات المتحدة. | ||
قال له الأمريكيون: | '''قال له الأمريكيون: ''' | ||
:لا بوجود قانون أمريكى لتقديم مثل هذه المعونة. فلما ألح النقراشى اعترفوا بأن الكونجرس يدرس قانونا للبعثات العسكرية ولكن أى برنامج للقوات المسلحة المصرية يحتاج إلى صناعة مصرية لتدعيمه. | |||
'''وقالوا له:''' | |||
:إذا نشأ لدى المصريين إنطباع بأنه يمكن الحصول على مساعدة أمريكية بمجرد طلبها فإن ذلك يعتمد على التوصل إلى نهاية ناجحة للمفاوضات المصرية البريطانية. | |||
وألقى الأمريكيون '''" ماء باردا "''' على طلب المساعدة الاقتصادية. ولم يعرف [[النقراشي]] أن السبب هو التقارب الأمريكى البريطاني وأن البريطانيين قالوا للأمريكيين:ما نريده هو التعاون معكم فى الشرق الأوسط بدلا من أن تحلوا محلنا. | |||
إقامة بعثة عسكرية أمريكية فى [[مصر]] بعد سنوات طويلة من النفوذ البريطانى إحراج فاس لبريطانيا قد يؤثر على العراق والدول العربية ويقلل من النفوذ البريطانى فى المنطقة. | أى تحركات من جانب الولايات المتحدة فى [[مصر]] ز ستكون موضع استياء لندن.إقامة بعثة عسكرية أمريكية فى [[مصر]] بعد سنوات طويلة من النفوذ البريطانى إحراج فاس لبريطانيا قد يؤثر على العراق والدول العربية ويقلل من النفوذ البريطانى فى المنطقة. | ||
وإذا كان | وإذا كان [[النقراشي قد أراد إغراء الأمريكيين بأن [[مصر]] ضد [[الشيوعية]] وأن عدم المجىء يساعد على انتشارها فى [[مصر]] . فإن [[البنا]] دون اتفاق مع [[النقراشي]]. وبدون علمه أيضا أراد استمالة السفارة الأمريكية فى [[القاهرة]] لأن [[الإخوان]] يستطيعون مساعدة الولايات المتحدة فى مكافحة [[الشيوعية]] التى قد تنتشر فى [[مصر]]. | ||
وكان هدف [[البنا]] . مثل [[النقراشي]], محاولة التفرقة بين [[الإنجليز]] والأمريكيين وإقناع الولايات المتحدة بخطر [[الشيوعية]] التى قد تزحف على [[مصر]].وموقف [[الإخوان]] من [[الشيوعية]] واضح عبروا عنه فى مناسبات بأن [[الشيوعية]] والدين متناقضات | |||
'''قالت صحيفة " [[الإخوان]] "''': | |||
:[[الشيوعية]] مذهب هدام يحرض على الثورة ويعتبرها الوسيلة الوحيدة لتنفيذ أغراضه . ويسير مع هذا النظام الإلحاد والإباحية . | |||
وقال [[البنا]] فى تصريحات علنية إن الحل الوحيد لتلافى إخطار الفكر الشيوعى الوافد هو الاتجاه إلى الصناعات الكبرى وتحديد الملكية الزراعية وزيادة الانتاج والعودة إلى تعاليم [[الإسلام]] الحنيف. وقال إن الأساليب البوليسية لمكافحة [[الشيوعية]] لن تجدى. | |||
طلب [[المرشد العام]] للمرة الثانية مقابلة فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية ب[[القاهرة]].تم اللقاء بين [[المرشد العام]] والسكرتير السفارة الأمريكية فى بيت ايرلاند وحضره [[محمد الحلوجى]] من أعضاء [[الجماعة]] والدكتور [[محمود عساف]] مدير إعلانات صحيفة [[الإخوان]]. | |||
'''احتسى المرشد زجاجة الكوكاكولا كما قال محضر الاجتماع الذى كتبه ايرلاند ثم قال:''' | |||
:[[الشيوعية]] فى الشرق الأوسط خطر داهم على جميع الشعوب . و[[الإخوان المسلمون]] يحاربون [[الشيوعية]] بكل الوسائل الممكنة. ومن الطبيعة أن يترك أعضاء [[الجماعة]] عملهم الأصلى لدخول الخلايا [[الشيوعية]] للحصول على المعلومات وعندما يفعلون ذلك فنهم يتركون وظائفهم . | |||
:وبذلك يفقدون مرتباتهم وإذا أمكن تعينهم على أساس أنهم محققون وباحثون فإن هذه المشكلة يسهل حلها.واقترح الشيخ [[البنا]] انشاء مكتب مستقل مشترك بين [[الإخوان]] والحكومة الأمريكية لمحاربة [[الشيوعية]]. | |||
:وفهم ايرلاند من ذلك أن تتولى الولايات المتحدة إدارة المكتب بينما يكون أعضاؤه فى أغلب الأحيان من [[الإخوان]]. | |||
:ابدى [[المرشد العام]] تحفظا واحدا. قال : أمريكا تؤيد أهداف [[الصهيونية]] ولذلك يجب أن تكون [[للإخوان]] حرية الاعتراض على أمريكا فى هذه النقطة. | |||
:دارت مناقشات بين ايرلاند والشيخ الذى أحس أنه أعطى انطباعا بأنه و[[الجماعة]] اندفعوا وراء المعونات الأمريكية كما يقول إيرلاند | |||
'''فقال الشيخ: ''' | |||
:[[الجماعة]] لا ترغب فى الحصول على سنت واحد من المال الأمريكى. وسيكون المشروع بأكمله فى يد السفارة الأمريكية ويسعد [[الإخوان]] إمداد السفارة بالأشخاص المناسبين بالقدر الذى تراه السفارة ضروريا. | |||
'''رفض ايرلاند قائلا:''' | |||
:لن نرحب الحكومة الأمريكية بمثل هذا العرض إن معوناتنا التقدم للمنظمات الخاصة أو المنظمات شبه العلنية . ولكنها تقدم فقط للحكومات كما هو الحال بالنسبة لليونان و[[تركيا]]. | |||
'''قال [[المرشد العام]]:''' | |||
:لا أريد إجابة ولكنى أرغب فقط فى عرض الفكرة وسيجرى [[محمود عساف]] معك محادثات تفصيلية. | |||
ولكن..فى اليوم التالى نشرت صحيفة '''" [[مجلة الإخوان المسلمون|الإخوان المسلمون]]"''' مقالا عنوانه '''" أمريكا والعالم العربى"'''.. هاجمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية. | |||
'''قال الكاتب عمر عزمى:''' | |||
:" هذا القلم الذى بهرنى منظره واجتذبنى بهرجته فاشتريته ثم ندمت على افتتانه حسن المظهر سيئ الجوهر .. هذا القلم أمريكى. وهذه القصة أو المجلة التى أعجبنى مجلدها واستهوتنى صورها أمريكية لأنها قصة فجة بلا حبكة, ولا موضوع ولا أسلوب أدبى. | |||
:وهذه ربطة العنق المتعددة الألوان الفاقعة أمريكية لأنها ذات مادة رخيصة سرعان ما يذهب طلاؤها ويتمزق نسيجها . وهذه السيارة الفارهة التى تخطف بصرك فى الشوارع بلونها الباهر وهيكلها الفاخر , لا تلبث بعد فحص محركها إلا أن تلعن بائعها, أمريكية. | |||
:وهذا الشاب الوسيم ذو المنظار الذهبى الذى يتنافى مظهره مع ما يبطن من عربدة فى الأخلاق , وجهل فى الثقافة العامة , أمريكى ولكنه تلقى فنون الاحتيال على الطريقة الأمريكية!! | |||
:وفى وسعنا أن ندرك كنه هذا الطابع وسره إذا رجعنا إلى تاريخ تكوين الولايات المتحدة الأمريكية , فالشعب الأمريكى خليط من مختلف الأجناس التى هجرت أوطانها واتخذت من أمريكا وطنا لها.وهؤلاء المهاجرون ماديون بنشأتهم أنانيون بطبعهم لايهمهم من الحياة إلا التنقيب عن الذهب واتخاذ دولارات منه يغرون بها العالم". | |||
'''ويزور ايرلاند صديقا له فيجئ الشيخ [[البنا]] لزيارة ذلك الصديق وعلى الفور قال ايرلاند للشيخ:''' | |||
:أشعر بالدهشة لأنك عرضت بذلك جهود مشتركة بين [[الإخوان]] والسفارة وفى اليوم التالى مباشرة نشر [[عمر عزمي]] مقالا فى [[مجلة الإخوان المسلمون|جريدة الإخوان]] حمل فيه بعنف على أمريكا وسياستها ووصفها بأنها مخادعة وهاجم نزاهة الأمريكيين عامة . | |||
حاول الشيخ [[البنا]] أن يصور المقال بأنه ليست له أهمية وانه نتيجة الغضب الذى يشعر به [[الإخوان]] تجاه أسلوب امريكا فى [[فلسطين]].أترك مثل هذه الأمور لرئيس تحرير الصحيفة وربما سيحل محله شخص آخر وآمل ألا يؤثر الحادث على اقتراحاتى. | |||
'''قال ايرلاند:''' | |||
:من الصعب اتخاذ إجراءات عملية ! | |||
ولكن | وتوجه [[محمود عساف]] و[[محمود الحلوجي]] بعد ذلك لمقابلة ايرلاند وبحثا معه تفصيلات إنشاء مكتب لمكافحة [[الشيوعية]] ولكن ايرلاند أبلغهما بأن هناك أملا ضئيلا فى تنفيذ المشروع. | ||
ويفشل [[البنا]] فى الاجتماع ب[[إبراهيم عبد الهادي]] باشا رئيس الديوان ولكنه يلتقى بأحمد خشبة باشا رئيس الوزراء بالنيابة ليدعوه إلى تنسيق النضال المشترك.وافق خشبة ولكنه طلب من [[المرشد العام]] الانتظار حتى يعود [[النقراشي]] باشا من مجلس الأمن. | |||
وتوجه صحيفة [[الإخوان]] نداء إلى الأمة يدعوها لضم الصفوف لتحقيق الحرية والاستقلال بدلا من الانفعال المؤقت ونتوخى اليقظة والتأنى بدلا من تأجير الشقق لهم أو التعامل معهم وإبعاد البريطانيين ورعيا الدول التى صوتت ضد [[مصر]] فى مجلس الأمن من البلاد! | |||
ويستمر [[الإخوان]] فى حملتهم على الوفد عساف مدير شركة إعلانات [[الإخوان]] الذى يستقبل من عضوية الهيئة التأسيسية للجماعة حتى لا يقال إن [[الإخوان]] يهاجمون الوفد بنفس أسلوبه بل ينسب الهجوم إلى صحيفة لا تنتمى للجماعة ويشترك فى التحرير الشاعر [[محمد مصطفي حمام]].. | |||
وكانت قد صدرت فى [[مصر]] مجلة '''" [[مجلة الكشكول|الكشكول]]"''' لصاحبها [[سليمان فوزي]] لتهاجم [[سعد زغلول]] واتبعت '''" [[مجلة الكشكول|الكشكول الجديد]] " أسلوب " [[مجلة كشكول|الكشكول]] "''' الأول القديم لتهاجم زعيم [[حزب الوفد]] الجديد [[مصطفي النحاس]] باشا. | |||
ومن العدد الأول , انتقدت المجلة زعيم الوفد الذى يحمل لقب '''" سير"''' من بريطانيا وتهاوت المجلة فى هجومها على الوفد وزعيمه إلى مستوى جريدة '''" [[صوت الأمة]]"''' وغيرها من صحف الوفد فقد انحدرت صحف ذلك الزمان واندفع [[الإخوان]] والوفد بعنف فى الهجوم واللدد فى الخصومة. | |||
عاد [[النقراشي]] إلى [[مصر]] يوم 21 من [[سبتمبر]] بعد غياب طويل فأعد له [[الإخوان]] استقبالا حماسيا رائعا على أمل أن يسلك طريقهم فى الجهاد ضد [[الإنجليز]] . | |||
'''ولكن [[النقراشي]] كان قد فقد توزانه كما يرى سيريل كويليام مراسل صحيفة التايمس البريطانية الذى كتب يقولك''' | |||
:" أحس [[النقراشي]] بأن العالم يقف ضده وأن مهمته فشلت فشلا كاملا" | |||
ولم يكن [[النقراشي]] وحده الذى يشعر بذلك بل غمرت هذه الأحاسيس [[مصر]] كلها .وجدت [[مصر]] نفسها فى عزلة بعد قرار مجلس الأمن . وساعد قيام الحرب الباردة على زيادة مخاوف المصريين من قرب قيام حرب عالمية ثالثة . وبقاء القوات البريطانية إلى أجل غير مسمى فى [[مصر]] وعودتها إلى احتلال قلب المدن الكبرى. | |||
ودعا [[الإخوان]] إلى مقاطعة الأمم المتحدة والدول التى وقفت ضد [[مصر]] فى مجلس الأمن وتظاهروا تحية لرئيس الوزراء وتأييدا له بينما حملت عليه الصحف الوفدية. | وانتشر وباء الكوليرا ليضاعف السخط الشعبى قتل الوباء 12 ألفا من المصريين ولكن الحكومة بعد 3 شهور نجحت فى القضاء عليه.ودعا [[الإخوان]] إلى مقاطعة الأمم المتحدة والدول التى وقفت ضد [[مصر]] فى مجلس الأمن وتظاهروا تحية لرئيس الوزراء وتأييدا له بينما حملت عليه الصحف الوفدية. | ||
وطلبت [[الجماعة]] إلى شعب وادى النيل إعلان الجهاد قائلة إن ذلك ليس تعصبا وليس نضالا مؤقتا ودعت | وطلبت [[الجماعة]] إلى شعب وادى النيل إعلان [[الجهاد]] قائلة إن ذلك ليس تعصبا وليس نضالا مؤقتا ودعت [[النقراشي]] إلى قيادة الشعب فى الكفاح أو يفسح الطريق لوزارة ثورية مجاهدة. | ||
وتجمعت المظاهرات بعنف ضد [[الإنجليز]] فى [[الإسكندرية]]. | وتجمعت المظاهرات بعنف ضد [[الإنجليز]] فى [[الإسكندرية]].وتحرك الشيوعيون فحرضوا على أكبر إضراب فى مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشاركوا فى إضراب لعمال شبرا الخيمة. حدد [[النقراشي]] سياسته وهى '''" تجاهل [[الإنجليز]] تجاهلا تاما" '''كان ذلك دون مطلب [[الإخوان]] . | ||
وتحرك الشيوعيون فحرضوا على أكبر إضراب فى مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشاركوا فى إضراب لعمال شبرا الخيمة. حدد | |||
'''فبعث [[الجماعة]] إليه برسالة قالت فيها:''' | |||
:" شعر [[الإخوان]] منذ عودتكم من أمريكا , بعد تعليق القضية المصرية فى مجلس المن, بأن تلك الحماسة الباهرة خبت جذوتها ولانت حدتها. ولم يجد [[الإخوان]] أن الحكومة خطت بالأمة خطوة حازمة فى تحقيق مطالبها أو نهجت نهجا واضحا فى إصلاح الداخلى يقضى على مظاهر التحلل والفساد فى حياتها الاجتماعية. | |||
:وقد أصدرت الحكومة أمرها إلى رجالها بالوقوف فى طريق نشاط [[الإخوان]] ومنع حفل فرع هيئة وادى النيل العليا بالمنيا لإنقاذ [[فلسطين]] بمجرد أن تبنيت الإدارة أن [[للإخوان]] يدا فى إقامته وقبض على بعض طلاب الجامعة من [[الإخوان]] وزج فى السجن وعوملوا أسوأ معاملة". | |||
'''ويكتب بنكنى تاك القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن يصف حال [[مصر]] قال:''' | |||
:" حكومة [[النقراشي]] مستقرة والجامعات أجلت الدراسة. والوفديون هادئون عدا مقالات يكتبها [[محمود أبو الفتح]] فى صحيفة '''" ال[[مصر]]"''' .. المتصلون بالقصر يقولون إن صاحب الجلالة يرى أنه لا داعى لسحب ثقته من [[النقراشي]] فالملك يكره النحاس ولا يريد عودته. والمفاوضات مع بريطانيا لن تستأنف إلا إذا انسحبوا من [[مصر]] وعدوا نهائيا بالانسحاب. | |||
:ولكن [[الإنجليز]] لن يتفاوضوا مع رجل انهال عليهم بالسوط فى مجلس الأمن وجعل العالم ينظر إليهم باحتقار.ومع ذلك ف[[النقراشي]] يعتبر رئيس الوزراء المثالى لعقد معاهدة مع بريطانيا فقد أظهر مشاعره المعادية لها. وربما يقبل الشعب معاهدة يوقعها النقراشى أكثر من معاهدة يوقعها النحاس." | |||
كان [[النقراشي]] قد انتصر وهو لا يدرى توقعت وزارة الخارجية البريطانية أن يعود إلى [[القاهرة]] من مجلس الأمن فيطلب التفاوض مع بريطانيا لإنهاء الأزمة. ويهدد بعرض نتيجة المفاوضات على مجلس والرأى العام العالمى ويثير المشاكل.ولذلك أرسلت وزارة الخارجية إلى رؤساء أركان حرب القوات البريطانية تطلب منهم الوصول إلى حل يرضى [[مصر]] ويتفق مع المتطلبات العسكرية البريطانية فى الوقت نفسه. | |||
'''وقال [[وزارة الخارجية]]:''' | |||
ولا توجد لدينا تسهيلات فى [[فلسطين]] ولكننا نمسك زمام الأمور فى برقة بليبيا. | :نريد بداية جديدة للمفاوضات لا تعتمد على معاهدة [[1936]] أو مشروع معاهدة صدقى بيفن.ولا توجد فرصة للاتفاق مع [[مصر]] على وضع وحدات عسكرية أو نواه يادة إقليمية للشرق الأوسط وقت السلم.ولا توجد لدينا تسهيلات فى [[فلسطين]] ولكننا نمسك زمام الأمور فى برقة بليبيا. | ||
وطلبت وزارة الخارجية من القادة العسكريين بذل كل جهد لتخفيض مطالبهم العسكرية من [[مصر]] وقت السلم وتمسكت بحق عودة القوات البريطانية إلى [[مصر]] عند الضرورة.وقالت وزارة الخارجية للقادة | :وطلبت وزارة الخارجية من القادة العسكريين بذل كل جهد لتخفيض مطالبهم العسكرية من [[مصر]] وقت السلم وتمسكت بحق عودة القوات البريطانية إلى [[مصر]] عند الضرورة.وقالت وزارة الخارجية للقادة | ||
نريد تحسين فرصة الوصول إلى معاهدة مع [[مصر]]. | نريد تحسين فرصة الوصول إلى معاهدة مع [[مصر]]. | ||
واستعملوا التسهيلات العسكرية فى مناطق ليست كثيفة | :واستعملوا التسهيلات العسكرية فى مناطق ليست كثيفة السكان مثل [[سيناء]] وإقامة قواعد بديلة فى الدول المجاورة ك[[الأردن]] بدلا من منطقة القناة ودلتا نهر النيل. | ||
'''اجتمع رؤساء أركان الحرب وبعثوا إلى [[وزارة الخارجية]] فى 20 من [[نوفمبر]] [[1947]] يقولون:''' | |||
:" لا يمكن إقامة قواعد عسكرية مرضية فى [[سيناء]] و[[الأردن]] مهما أنف[[قنا]] من أموال طائلة والأفضل العمل على تخفيض متطلباتنا وقت السلم.ولكن لا يمكن الاستغناء عن [[مصر]] كقاعدة فى حالة نشوب حرب عامة فى الشرق الأوسط ولا توجد منطقة آخرى لها نف إمكانات [[مصر]] الصناعية وتسهيلات الموانى والطائرات والمنشآت الادارية والقوى العاملة. | |||
:ومن الضرورى أن نحصل على حق إعادة دخول قواتنا وقت الحرب وضمان صيانة هذه التسهيلات وقت السلم.ولذلك يجب وجود فنيين بريطانيين فى [[مصر]] وقت السلم لأن المصريين لا يستطيعون صيانة هذه المنشآت. | |||
:وإذا أردنا سحب قواتنا بسرعة إلى سيناء فلا توجد بها إلا منشآت إدارية محدودة فى رفح ولابد من القيام بأ‘مال ضخمة لتوفير مصادر المياه ولا تتوفر عمالة كافية أو موان مجهزة ومستودعات" | |||
وينتهى رأى رؤساء أركان الحرب إلى ضرورة إقامة القيادة المشتركة ب[[مصر]] وقت الحرب.ولكن رؤساء الأركان يخفضون مطالبهم إلى الحد الأدنى وقت السلم فيقترحون أن يبقى عدد محدود من الفنيين البريطانيين فى [[مصر]] بملابس مدنية وقت السلم لإدارة وصيانة المنشآت لتكون صالحة لاستعمال والاحتفاظ بالحد الأدنى من التسهيلات الإستراتيجية فى منطقة القناة وقت السلم وحق إعادة دخول القوات البريطانية وقت الحرب. | |||
ووافق القادة البريطانيون على أن يتولى المصريون مهمة حراسة المنشآت واقترحوا تدريب المصريين على الدفاع الجوى والقيام بطلعات إلى القواعد الجوية فى برقة وقبرص. وهذه القرارات هى التى وافقت عليها [[مصر]] تقريبا, فى اتفاقها مع بريطانيا بعد الثورة عام [[1954]] ولكن [[النقراشي]] لم يكن يعلم بهذا كله.ولم يكن [[الإخوان]] أو الوفد يعرفون. | |||
فى تقارير المخابرات البريطانية أن 15 من الجماعات السياسية المتطرفة وحدت صفوفها فى [[سبتمبر]] من عام [[1947]] لمقاومة البريطانيين تحت قيادة [[البنا]]. | |||
فقد أقامت منظمات الشباب الوطنى [[الإخوان]] والشبان المسلمين و[[مصر الفتاة]] و[[الحزب الوطني]] وحزب [[مصر]] الفلاح الاشتراكي جبهة متحدة على أساس وحدة وادى النيل وإلغاء معاهدة [[1936]] واتفاقية [[السودان]] 1899 وأبلغت السكرتير العام للأمم المتحدة بذلك. | |||
'''ويكتب [[البنا]] ''' | |||
وشكا من أن الحكومة أصدرت تعليمات إلى البوليس للحد من نشاط جماعة [[الإخوان المسلمين]] | :" إذا كانت الحكومة تثق بالأمة فعليها أن تتركها تجاهد " | ||
'''وترد الحكومة بتفتيش مقر صحيفة [[الجماعة]] ومركزها العام!''' | |||
وفى أول [[يناير]] [[1948]] قدم [[البنا]] مذكرة إلى الملك فاروق طلب فيها إقالة وزارة [[النقراشي]] لسلبيتها بسبب تقاعسها عن المطالبة بإلغاء معاهدة [[1936]] واتفاقية الحكم المشترك للسودان واحتج على سياسة '''" السودنة"''' التى تطبق فى [[السودان]] واعتبر الحكومة المصرية مسئولة عنها! وانتقد وقوف الحكومة مكتوفة اليدى منذ عودة رئيس لوزراء من مجلس الأمن:ودعا إلى تشكيل وزارة قوية قادرة. | |||
وشكا من أن الحكومة أصدرت تعليمات إلى البوليس للحد من نشاط جماعة [[الإخوان المسلمين]] منذ قيام [[الإخوان]] عريضتهم إلى الملك لإقالة الوزارة وحذر الشيخ من أن [[الإخوان]] لن يلتزموا الصمت أو يقفوا مكتوفى الأيدي. إذا أدت تصرفات الحكومة إلى ضياع حقوق البلاد .. غير أن [[الإخوان]] يلتزمون بنصوص القانون و[[الدستور]] فى معارضتهم ! | |||
وعارض [[البنا]] استئناف المفاوضات مؤكدا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد أمام [[مصر]]. | وعارض [[البنا]] استئناف المفاوضات مؤكدا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد أمام [[مصر]].وقال إن شعب وادى النيل مستعد لتقديم جميع لتضحيات ولا يحتاج إلا إلى القيادة وحسن التنظيم. | ||
'''واختتم [[البنا]] مذكرته''' التى نشرتها صحيفة '''" [[الإخوان]] "''' بالحديث عن المحنة الاقتصادية التى تواجهها [[مصر]] ودعا إلى تشكيل جبهة لتحقيق أمانى الأمة . ويطرأ عنصر جديد فى الأزمات المتلاحقة بين [[الإخوان]] .والملك و[[النقراشي]] يحول الأنظار عن [[مصر]] وعن كلمات [[النقراشي]] المدوية فى مجلس الأمن والتى سمعها [[الإنجليز]] لأول مرة.'''(أيها القراصنة .. أخرجوا من بلادنا)''' اتجهت [[مصر]] ولأول مرة منذ زمن بعيد إلى [[اليمن]] كانت هناك أسباب قوية ولكنها كانت نقلة بعيدة! | |||
==ثورة ... ولكن بعيدة== | |||
أذيع فى عدن يوم 14 من [[يناير]] [[1948]] أن ثورة قامت فى [[اليمن]] وأن الإمام يحيى حميد الدين قتل وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة. وكان النبأ كاذبا فالإمام يجلس على كرسى العرش يحكم ويدير شئون البلاد! | |||
ولكن النبأ جعل [[مصر]] كلها تتلفت حولها إلى يمن وما يجرى فيه.... وإلى [[الإخوان المسلمين]] ودورهم فيه! حكم الإمام يحيى بلاده منذ عام [[1904]] وهو زعيم طائفة الزيدية التى تضم معظم السكان. | |||
استطاع الإمام أن يجمع القوات لمحاربة الذين يحتلون [[اليمن]].ورفع معهم معاهدة عام [[1911]] حققت البلاد الاستقلال الذى استكمل تماما بعد هزيمة الأتراك فى [[الحرب العالمية الأولي]]. | |||
وعقد الإمام معاهدة مع إيطاليا اعترفت فيها باستقلال [[اليمن]]. وعقد مع السوفييت معاهدة تجارية.واعترفت بريطانيا باستقلال اليمن عام [[1934]] بمعاهدة , كما وقع فى نفس السنة معاهدة مع [[السعودية]] لتعيين الحدود تنص على التحالف والمساعدة المتبادلة أثناء الحرب. | |||
وفى عامى 45, 46 عقد معاهدتين مع كل من [[مصر]] و[[العراق]],.وانضم للجامعة العربية وقبل عضوا فى الأمم المتحدة ولكن الإمام فرض سياسة العزلة تماما عن العالم الخارجى لخوفه الدائم من الأجانب , بما فى ذلك العرب وما يتوقعه من تدخلهم فى شئون [[اليمن]]. وكان أول ما فعله إغلاق المدارس, وجعل مدرسة الصناعة سجنا ,كان يعرض الجيش حافيا! | |||
'''شكا الناس من ظلم الإمام, وطلب وزراؤه زيادة المرتبات. رفض الإمام وقال للوزراء:''' | |||
:قتل سلطان الجن, وأصبحت حكومة الجن فى حالة فوضى. وإنى أحاول تعيين سلطان آخر بدلا من السلطان القتيل, وعلى الناس الاجتماع بيوتهم حتى يتم ذلك.وأبلغ الإمام عماله بأن على الناس أن يستعملوا القطران فى بيوتهم وأبدانهم تحفظا من الجن! | |||
:صدق الناس الإمام وأقلبوا على شراء القطران واختبئوا فى بيوتهم خائفين لأنهم أى الجن بلا سلطان يحكمهم. | |||
'''اجتمع الإمام بوزرائه بعد أن سمع ذلك وقال لهم:''' | |||
:مثل هذا الشعب لا يمكن أن يثور على إمامه! | |||
'''فى البرقية رقم 57 وتاريخها 30 من [[سبتمبر]] [[1954]] قال وليم ساندر نائب القنصل الأمريكى فى عدن:''' | |||
:" يعتمد الإمام على الطابع الكهنونتى لسلطته. وهو أشبه بشخصيات الأمراء الذين أظهروا فى جنوب غرب ألمانيا فى العصور الوسطى وإدارة اليمن شخصية تماما الإمام هو السلطة التنفيذية.والتشريعية والقضائية ويقال إنه ينسخ جلسات المحاكم بخط يده. | |||
:وأى طلب للحصول على أدوية من الصيدلية الملكية , التى تحتكر هذه الأدوية يجب أن يصدق عليه أحد أمراء الأسرة المالكة وطلب الحصول على البنزين يجب أن يصدق عليه أمير آخر! | |||
:والأمن الداخلى على ما يرام ولكن يتولى جنديان على الأقل , من حرس القصر مراقبة كل زائر لليمن وينقلان تقاريرهما إلى الإمام مباشرة.والميزانية وثروة الإمام الشخصية ب 160 مليون ريال على الأقل حوالى 45 مليون جنيه استرلينى وهذه لثروة مدفونة تحت بلاط قصره فى صفائح " جاز" ونظامه الضريبى '''" اغتصاب على نظام واسع"''' | |||
:وبسبب نظام الحكم انخفض الإنتاج عما كان عليه منذ ثلاثين عاما . والإمام فى الثامنة والسبعين من عمره يصفه زواره بأنه شخصية جذابة مؤثرة. وأدت هذه الجاذبية إلى حمل الكثيرين ممن التقوا به على عدم تصديق أن هذا هو الرجل الذى سمعوا عنه الكير جدا من الأشياء التى تحط من قدره ! | |||
:وهناك شائعات بان الإمام أصيب أخيرا بنوبة شلل... وربما تكون هذه الشائعات نوعا من الأمنيات.ومن النادر أن يغادر الإمام عاصمته وخلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية كان الإمام متهما على نطاق واسع بأنه موال لايطاليا لأن أوثق علاقاته مع الأجانب كانت مع الإيطاليين والأطباء الأربعة الذين لا يوجد غيرهم فى [[اليمن]] .. إيطاليون. | |||
:والذين يعرفون [[اليمن]] جيدا يقولون غنه لم يكن مواليا لايطاليا ولكنه مناهض نشيط لبريطانيا وكان يرغب فى إدخال النفوذ الإيطالى إلى البحر الأحمر لموازنة النفوذ البريطانى وتأكد موقفه من عدم الثقة بالأجانب من خلال حوادث تعسة منذ بضع سنوات قيل إن غواصا يونانيا , تلقى خمسين ألف ريال يمنى مقدما لتشييد بعض المنشآت فى ميناء الحديدة ثم اختفى. | |||
:ويحتل أبناء الإمام وهم '''" سيوف [[الإسلام]] "''' وعددهم تسعة معظم المراكز العليا فى الإدارة اليمنية.أما إخوة الإمام الخمسة فقد طردهم جميعا من [[اليمن]]". | |||
:'''وتنبأت برقية القنصل الأمريكي بالمستقبل قالت :''' | |||
:"عين الإمام ابنه الأكبر أحمد... وليا للعهد.ورغم أن شغل منصب الإمام يتم بالانتخاب لا بالوراثة. وأحمد فى الثانية والخمسين من عمره ,هو نائب الملك فى تعز ويحمل أيضا لقب القائد العام.وأكسبته أعماله التى اشتهرت بقسوة بالغة, وخداع ,وانحراف لقب '''" النمر"''' وتجمع الآراء على أن حكمه سيكون أسوأ من حكم أبيه. | |||
:ولا يخلو حكم الإمام من عناصر المعارضة رغم الإجراءات القاسية ومعظم المعارضين اللاجئين فى عدن ينتمون إلى '''"حزب الأحرار اليمنى"''' وهم شبان مثقفون تأثروا بالأفكار العصرية عن طريق [[مصر]] التى تروج لنزعات ديمقراطية تقدمية". | |||
'''وصفت صحيفة [[مجلة الإخوان المسلمون|الإخوان المسلمين]] سوء الحوال فى البلاد فقالت: ''' | |||
:" يشعر الشعب اليمنى بأنه متخلف عن ركب الحياة , يعيش فى مجاهل الظلام. بينه وبين الرقى والتقدم حجاب منيع من الظلم والأوضاع التى لا تتفق مع مطالب العصر, وحاول المستنيرون من أبنائه أن يتقدموا بالنصيحة لجلالة الإمام. وطالبوا بالإصلاح الضرورى الذى لابد منه فلم يجدوا إلا العنت والإرهاق مما اضطرهم إلى الهجرة والتشتت فى كل مكان وألقوا على أنفسهم '''" اليمين الأحرار"'''. | |||
وصلت إلى [[اليمن]] بعثة فرنسية تطلب من الإمام يحيى السماح بمد سكة حديد من الحديدة إلى صنعاء فلم يوافق واتفقت شركة أمريكية مع اليمنى على التنقيب عن البترول عام [[1946]] وفى توقيع الإمام ولكنه رفض عندما علم أن أجر العامل فى الشركة ريال كل يوم فاستكثر الأجر بالنسبة لمرتب الجندى والعامل الحكومى كما أن أجر عشرة عمال للبناء أو الزراعة ريال واحد فى الشهر. | |||
'''وف كتابه " [[لمحات من ذكريات الطفولة]] " قال اللواء [[عبد الله جزيلان]]:''' | |||
:" نمى إلى علم ولى العهد أحمد أن أهالى تعز يحوزون صناديق الطرب '''" فونوغراف"''' فأمر العكفة الحرس الخاص باقتحام البيوت ومصادرة هذه الصناديق لأنها كما تصور –سبب للفساد.وهدد بهدم كل بيت يخفى شيئا من الصناديق أو الصحون''' " الاسطوانات" وهدمت بعض البيوت ... فعلا"''' | |||
وينتهز [[البنا]] فرصة وجود صالح محسن سكرتير الإمام أحمد ب[[القاهرة]] فيحمله رسالة شخصية للإمام... ثم يسلم القاضى العمرى رئيس الوزراء رسالة | وينتهز [[البنا]] فرصة وجود صالح محسن سكرتير الإمام أحمد ب[[القاهرة]] فيحمله رسالة شخصية للإمام... ثم يسلم القاضى العمرى رئيس الوزراء رسالة | ||
قال [[المرشد العام]] للإمام يحيى: | |||
" لم يعد بد من أن تقوم فى اليمن حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة يؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب . ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعى فلها الرأى الأعلى ولكنه تنظيم يرتفع معه شعور الأمة بحريتها وكرامتها الإنسانية . وكان حرص جلالتكم | '''قال [[المرشد العام]] للإمام يحيى:''' | ||
وبحمد الله على أنه وفق البلاد العربية إلى امتياز فى مضمار التقدم الاقتصادي يجعلها كفيلة بإمداد اليمن بما تريده من الخبراء بمجرد إشارة من | |||
:" لم يعد بد من أن تقوم فى [[اليمن]] حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة يؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب.ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعى فلها الرأى الأعلى ولكنه تنظيم يرتفع معه شعور الأمة بحريتها وكرامتها الإنسانية . وكان حرص جلالتكم علي سلامة الأمة الوطنية وصيانة تقاليدها واستقلالها يحمل دائما على الحذر من التعجل بمطالب الإصلاح الذى لابد فيه من الخبراء الأجانب . | |||
وممنوع على الشعب أن يركب أية طائرة حتى لا يطير فى السماء بينما الأمراء على الأرض! وعدد السيارات ستون ! والطرق ممهدة. | |||
وكانت لليمن إذاعة تعمل نصف ساعة. بعد مغرب يوم الخميس من كل أسبوع . لإذاعة الأخبار الرسمية ولا تقدم غناء أو برامج. | :وبحمد الله على أنه وفق البلاد العربية إلى امتياز فى مضمار التقدم الاقتصادي يجعلها كفيلة بإمداد [[اليمن]] بما تريده من الخبراء بمجرد إشارة من مولانا الإمام بقى أن أتقدم إلى جلالتكم مستأذنا فى شأن أبنائكم فى المهجر الذين دفعتهم الغيرة وحب الخير للدولة والأمة والله فتنادوا بالمطالب الإصلاحية ودعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم العمرانى تدفعهم حماسة الشباب إلى شئ من التطرف". | ||
ولم يكنن بالبلاد بنك يمنى أو أجنبى والعملة المتداولة هى الريال الفضى النمسوى وعليه صورة امرأة هى إمبراطورة النمسا ماريا تريزا , وقد تم صكه فى فيينا عام 1785! | وهكذا رأى [[الإخوان]] أن يكونوا واسطة بين الإمام وشعبه وحددوا للإمام دوره وما يجب أن يكون عليه الحاكم المسلم!ّ قدر عدد سكان [[اليمن]] بنحو خمسة ملايين يربط مدنها الكبرى خط [[العراق]] حكومة ويدفع الأهالى ثمنا غاليا لبرقياتهم.والتليفون للاتصالات الحكومية وحدها أما البريد فينقل بالجمال .ويملك [[اليمن]] باخرة واحدة وطائرة واحدة يستعملها الإمام. | ||
ويعتمد الإمام يحيى على نظام الرهائن كما كان يفعل محمد على باشا والى [[مصر]] فأتى إلى صنعاء بنحو 4000 من أبناء القبائل ليضمن ولاءها ويستخدم كل قبيلة ضد الأخرى. | |||
وممنوع على الشعب أن يركب أية طائرة حتى لا يطير فى السماء بينما الأمراء على الأرض! وعدد السيارات ستون !والطرق ممهدة.وكانت لليمن إذاعة تعمل نصف ساعة. بعد مغرب يوم الخميس من كل أسبوع . لإذاعة الأخبار الرسمية ولا تقدم غناء أو برامج.ولا توجد ميزانية عامة للدولة! | |||
وعندما اشتدت الحملة أوفد الإمام يحيى ولى عهده الأمير أحمد إلى عدن فى 11 من [[أبريل]] [[1946]] فوعد بإنشاء جمعية دستورية ولم ينفذ ذلك. | |||
رأى معارضو الإمام التضامن ضده . فاتخذت الجمعية اليمنية الكبرى التى يرأسها سيف [[الإسلام]] إبراهيم | ولم يكنن بالبلاد بنك يمنى أو أجنبى والعملة المتداولة هى الريال الفضى النمسوى وعليه صورة امرأة هى إمبراطورة النمسا ماريا تريزا , وقد تم صكه فى فيينا عام 1785!ويعتمد الإمام يحيى على نظام الرهائن كما كان يفعل محمد على باشا والى [[مصر]] فأتى إلى صنعاء بنحو 4000 من أبناء القبائل ليضمن ولاءها ويستخدم كل قبيلة ضد الأخرى. | ||
" أنا ضد حكمكم الذى لا يعبر عن حاجات الشعب بل يولد النقمة عليكم"! وقام الأطباء فى عدن بفحص الإمام. الذى بلغ الثامنة والسبعين فوجده كما قالت صحيفة [[الإخوان المسلمين]] | وكان من الطبيعى أن ينظر إلى الإمام على أنه مبعث آلامهم وشقائهم وحرمانهم فبدأ الهجوم عليه فى 14 من [[مايو]] [[1944]] عندما تحالف ضده أربعة من زعماء البلاد اللاجئين إلى عدن!وعندما اشتدت الحملة أوفد الإمام يحيى ولى عهده الأمير أحمد إلى عدن فى 11 من [[أبريل]] [[1946]] فوعد بإنشاء جمعية دستورية ولم ينفذ ذلك. | ||
وقال فريق طبى | |||
أثناء الحج التقى الشيخ [[البنا]] | رأى معارضو الإمام التضامن ضده . فاتخذت الجمعية اليمنية الكبرى التى يرأسها سيف [[الإسلام]] إبراهيم الابن الثامن للإمام أحمد الذى أطلق عليه الناس لقب '''" سيف الحق"''' مع حزب الأحرار فى 21 من [[نوفمبر]] واصدورا فى عدن صحيفة جديدة '''" [[صوت اليمن]] "''' دفع لها التجار 30 ألف ريال أى ما يعادل سبعة آلاف جنيه استرلينى للمطالبة بالإصلاح. | ||
شرح الشماحى للمرشد العام الوضع | |||
وعد [[البنا]] بمساعدة النضال اليمنى وفتح أواب [[الجماعة]] للشباب اليمنى الذى جاء إلى [[القاهرة]] للدراسة. | '''وكتب سيف الحق إبراهيم إلى أبيه يقول:''' | ||
قال الثائر اليمنى على ناصر العنسى: | |||
" كنا ندرس فى [[الأزهر]] وبدأنا الاتصال ب[[الإخوان المسلمين]], ومنهم [[البنا]] الذى كان يرى أن اليمن أنسب بلاد إستراتيجية, ولها مناخ مناسب للإخوان وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا". | :'''" أنا ضد حكمكم الذى لا يعبر عن حاجات الشعب بل يولد النقمة عليكم"'''! وقام الأطباء فى عدن بفحص الإمام. الذى بلغ الثامنة والسبعين فوجده كما قالت صحيفة [[مجلة الإخوان المسلمون|الإخوان المسلمين]] مصابا بمرض لا يستطع معه أن يحكم على الأمور حكما صحيحا! | ||
وفى هذه اللقاءات كان [[الإخوان]] يقولون إنهم مقتنعون بأن الحكم فى اليمن " | |||
وفى رسالة دكتوراه قدمت لجامعة بون عن " حركة المعارضة اليمنية " قال الدكتور أحمد قايد الصائدى: | وقال فريق طبى من البحرية الأمريكية فحص الإمام فى [[مايو]] [[1947]] بأنه يتوقع وفاته خلال شهور قليلة.أثناء الحج التقى الشيخ [[البنا]] ب[[عبد الله الشماحي]] المعارض اليمنى وتلازما فى مكة والمدينة. | ||
" من خلال الطلاب اليمنيين [[مصر]] تحققت علاقة [[الإخوان]] بحركة المعارضة اليمينة وهذه العلاقة ترجع بدايتها إلى أواخر الثلاثينات أو بداية الأربعينات". | شرح الشماحى للمرشد العام الوضع ب[[اليمن]] . | ||
انتهز الأساتذة المصريون الذين يعملون | واتفقا على التعاون بين [[الإخوان]] والمنظمات الدينية اليمينة.وعد [[البنا]] بمساعدة النضال اليمنى وفتح أواب [[الجماعة]] للشباب اليمنى الذى جاء إلى [[القاهرة]] للدراسة. | ||
'''قال الثائر اليمنى على ناصر العنسى:''' | |||
:" كنا ندرس فى [[الأزهر]] وبدأنا الاتصال ب[[الإخوان المسلمين]], ومنهم [[البنا]] الذى كان يرى أن اليمن أنسب بلاد إستراتيجية, ولها مناخ مناسب [[للإخوان]] وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا".وفى هذه اللقاءات كان [[الإخوان]] يقولون إنهم مقتنعون بأن الحكم فى [[اليمن]] '''" لايمثل [[الإسلام]] بل شوهه ولهذا ف[[الإخوان]] ضده"'''. | |||
'''وفى رسالة دكتوراه قدمت لجامعة بون عن " حركة المعارضة اليمنية " قال الدكتور أحمد قايد الصائدى:''' | |||
:" من خلال الطلاب اليمنيين [[مصر]] تحققت علاقة [[الإخوان]] بحركة المعارضة اليمينة وهذه العلاقة ترجع بدايتها إلى أواخر الثلاثينات أو بداية الأربعينات". | |||
'''أعد [[المرشد العام]] خطة ذكية:''' | |||
:انتهز الأساتذة المصريون الذين يعملون ب[[اليمن]] فرصة وصول سيف الإمام البدر سيف [[الإسلام]] أحمد ولى العهد وحفيد الإمام يحيى إلى [[القاهرة]] للعلاج فدعوه لحضور إحدى ندواتهم التى يقيمونها فى [[المركز العام]] للجماعة وهناك تعرف بالبدر وتم اللقاء مع الطلبة اليمنيين الذين يدرسون ب[[القاهرة]]. | |||
وتوطدت العلاقة بين الجميع.وقام [[البنا]] بدعوتهم لقضاء يوم فى محافظة [[الفيوم]].وأثناء حضور إحدى الندوات تعرف الجميع على [[الفضيل الورتلاني]] وهو عالم ومجاهد جزائري فى الأربعين من عمره اختير سكرتيرا عاما لجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا . كافح ضد الإستعمار الفرنسى فى [[الجزائر]] ثم هرب من فرنسا إلى سويسرا وأقام ب[[مصر]] عندما علم أن الفرنسيين يزمعون قتله. | |||
وكان الورتلانى يجتمع باليمنيين بعد انتهاء الندوات ويزورهم بالفندق ويتردد على سيف [[الإسلام]] البدر . | وكان الورتلانى يجتمع باليمنيين بعد انتهاء الندوات ويزورهم بالفندق ويتردد على سيف [[الإسلام]] البدر . | ||
انضم إلى هذه | انضم إلى هذه المجموعة محمد سالم سالم صاحب شركة أتوبيس [[الشرقية]] وهو صديق للمرشد العالم والعالم الدكتور [[أحمد فخري]] الذى زار [[اليمن]] من قبل وهو أيضا من [[الجماعة]]. | ||
ومع تطور علاقة البدر بهذه الشخصيات نشأت فكرة سفر الفضيل | |||
ومع تطور علاقة البدر بهذه الشخصيات نشأت فكرة سفر [[الفضيل الورتلاني]] إلى [[اليمن]] كمندوب عن محمد سالم لتأسيس شركة تجارية بها يرافقه الدكتور [[أحمد فخري]] عالم الآثار فقد استطاع البدر إقناع أبيه بأن الورتلانى على جانب كبير من العلم والدين. | |||
وصل الورتلانى إلى صنعاء فى [[أبريل]] [[1947]] وقد ارتدى الجبة والعمامة! نجح فى اكتساب ثقة الإمام وقدم إليه تقريرا عن الإصلاحات التى يجب القيام بها. | |||
'''ونشرت صحيفة " [[مجلة الإخوان المسلمون|الإخوان المسلمين]] " فى 3 [[أغسطس]] عام [[1947]] هذا التقرير بمقدمة للشيخ [[البنا]] قال فيها:''' | |||
:" العالم العربى والإسلامى كله رجاء فى أن يسرع جلالة الإمام مؤيدا منشورا بإقرار النواحى الإصلاحية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية التى تنهض بشعبه حتى لا يدع ثغرة ينفذ منها الاستعمار الأجنبى". | |||
مع قدوم الورتلانى الذى أطلق عليه لقب '''" مهندس الثورة " ''' | |||
انتقلت رياحها [[اليمن]] فقد اندفع الورتلانى فى إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات فى المدارس والمساجد والحفلات فسرت روح الثورة إلى الشباب والضباط وطلاب المدارس . | |||
وبسبب أعماله التجارية واتصالاته فى عدن وثقة الإمام فيه استطاع الورتلانى أن يقوم برحلات عدة إلى عدن دون أن يثير شكوك الإمام يحيى حوله نتيجة لذلك أصبح الواسطة بن المعارضين المهاجرين والمنفيين فى عدن وبين قوى المعارضة داخل اليمن. | |||
'''وفى كتاب "[[ثورة 1948]]" الذى أعده مركز الدراسات والبحوث اليمنى قال :''' | |||
:" إن رسل الثورة تحمل المعلومات إلى الثوار فى عدن وإلى [[البنا]] فى [[القاهرة]] وانتهت الاتصالات بالموافقة على أن يكون عبد الله الوزير إماما دستوريا لليمن على رأس حكومة دستورية". | |||
'''ونجح الورتلانى فى أن يؤلف بين كل المعارضين لإمام [[اليمن]] وجعلهم يوقعون "الميثاق الوطنى المقدس" فى 14 من [[سبتمبر]] [[1947]] قائلا:''' | |||
:هذا الميثاق تم بمعرفة واطلاع ومباركة زعيم [[الإخوان المسلمين]] [[البنا]] | |||
'''وأكد أحمد حسن الشامى فى كتابه "[[رياح فى اليمن]":''' | |||
:" وضع الورتلانى و[[البنا]] الخطوط العريضة الأولى للميثاق لتكون [[اليمن]] نواه لدولة [[الإسلام]] إذا نشأت ونمت على مبادئ قرآنية.وقد أيقنا أن اليمن أفضل من غيرها من البلاد العربية . ويمكن أن تكون منطلقا لدعوة إسلامية صادقة صحيحة بإنشاء دولة تحكم بما أنزل الله وتستقطب زعماء علماء وعباقرة المسلمين" | |||
'''وفى كتاب [[محمود عبد الحليم]] " [[الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ]]": ''' | |||
:اعترف الكاتب بان فكرة إعداد الشعب اليمنى للثورة نبتت فى [[المركز العام]] للجماعة! | |||
'''وقال كتاب " [[ثورة 1948]]":''' | |||
:" كان [[البنا]] يظن أن إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية لا يتحقق إلا فى ظل حكومة دينية أو خلافة إسلامية على نمط الخلفاء الراشدين مع اعتبارها طرأ على العالم من نظم ونظريات وعلوم جديدة يؤخذ منها ما يتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية كنظام مزيج من القديم والحديث ليكون دستورا لحكومة خلافة إسلامية.ورأى [[البنا]] أن اليمن أنسب بلد عربى لتحقيق قيام دولته الدينية | |||
'''ويقول الدكتور الصائدى:''' | |||
:" لم تقتصر علاقة [[الإخوان]] بحركة المعارضة على تقديم النصح والتوجيه وإنما تجاوزت ذلك إلى دعم مادي مكن هذه الحركة من النشاط الإعلامى فأصدرت صحفا ومنشورات علنية كما فتح [[الإخوان]] صدر صحفهم لشن حملات دعائية ضد الحكم القائم فى [[اليمن]]. | |||
:وهذه العلاقة تدخل ضمن المخطط العام [[للإخوان] الطامح إلى إقامة دولة إسلامكية تشمل العالم الإسلامى.وقد لعب [[الإخوان]] دورا بارزا, سواء فى تنشيط حركة المعارضة وتحديد أهدافها السياسية أو فى الإعداد للإنقلاب وتنفيذه ودعمه". | |||
أعدت فى عدن خطة الثورة والبيان الذى سيصدر بإعلانها وقام [[الإخوان]] بطبع هذا كله.وكان حاكم عدن ريجنالد شامبيون يعرف القصة كاملة ... وقد رواها فى برقياته إلى لندن . | |||
'''قال:''' | |||
:" يوم 10 من [[يناير]] [[1948]] تلقيت معلومات من مصدر أثق به أن رسولا وصل إلى عدن قادما من صنعاء يحمل أنباء عن انقلاب وشيك فى العاصمة. وأشارت المعلومات إل أن هذا الإنقلاب سوف ينفذ خلال أسبوع وحمل الرسول معه مشروع دستور ومسودة بيان لطبعهما فى عدن بواسطة الصحافة اليمنية الحرة ونشره فى صحيفة '''" صوت اليمن'''". | |||
:أوفد هذا الرسول إلى المندوب المحلى للمتآمرين فى عدن وهو تاجر يمنى يتميتع بذكاء كبير ويملك قدرا من الثروة.فور علم التاجر بالأنباء الواردة من صنعاء بعث لى وهو فريسة لظن خاطئ بأنى سأوافق على مساعدة المؤامرة يطلب أن اقدم طائرة تتولى إلقاء نسخ من بيان الثورة على نطاق واسع فوق [[اليمن]] لمنع إراقة الدماء وضمان الهدوء والثقة . | |||
:والبديل الآخر الذى طولبت بالموافقة عليه هو استئجار طائرة للقيام بمهمة حمل هذا البيان من عدن.وثالثا . طلب تسهيلات لنقله شخصيا مع عدد قليل من رفاقه من عدن إلى هضبة معينة حيث يستطيعون الاتصال المباشر بالمركز اليمنى الإقليمى الهام '''(البيضاء)''' | |||
:وبطبيعة الحال . رفضت كل هذه الطلبات وعندئذ تم إبلاغى باسم رئيس المؤامرة الذى اختير ليتولى الإمامة بعد وفاة الإمام يحيى وهو [[عبد الله الوزير]] .وقال مصدرى إن مؤامرة واسعة الانتشار وقوية وأن المشتركين فيها من الشخصيات الهامة ذات النفوذ فى [[اليمن]] . | |||
وفى | وقيل إن عددا من أبناء الإمام شاركوا فيها بينهم على الأقل إبراهيم وعلى وإسماعيل أما '''" حزب اليمنيين الأحرار"''' فقد عرف أنه اشترك بطبع الكتيبات اللازمة وفى صباح 14 من [[يناير]] [[1948]] ذكر لى مصدرى أن الإمام سيغتال فى ذلك اليوم أو فى يوم الجمعة 16 من [[يناير]]. | ||
:وبعد ذلك يعتزم القائمون بالعملية قتل ولى العهد سيف [[الإسلام]] أحمد فى " تعز".وفى نفس الوقت تلقيت تحذيرا من مصدر موثوق به بأن ولى العهد قدم رشاوى ضخمة إلى مجموعة من رجال قبائل عدن لاستغلال الظروف المضطربة فى المحمية عدن لقتل سيف [[الإسلام]] إبراهيم والزعماء الآخرين لحركة اليمنيين الأحرار فى عدن وإحراق مكاتبها وصحفها. | |||
وطبقا لهذه المكاتب أصدرت التعليمات إلى مدير الشرطة باتخاذ احتياطات خاصة عند مداخل الموقع المذكور. | :وتقع هذه المكاتب عند أطراف الحى اليهودى ويمكن تنفيذ ما يريده ولى العهد بسهولة.وطبقا لهذه المكاتب أصدرت التعليمات إلى مدير الشرطة باتخاذ احتياطات خاصة عند مداخل الموقع المذكور. | ||
وفى ظل تلك الظروف رأيت من الحكمة إلغاء الزيارة الرسمية للفرقاطة البريطانية" لوش كويش" لميناء الحديدة والتى كان مقررا لها يوم 16 من [[يناير]] خشية أن يساء فهم . أو تفسير . | :وفى ظل تلك الظروف رأيت من الحكمة إلغاء الزيارة الرسمية للفرقاطة البريطانية '''" لوش كويش"''' لميناء الحديدة والتى كان مقررا لها يوم 16 من [[يناير]] خشية أن يساء فهم . أو تفسير . وجودها , فى يوم خطير كهذا سواء من جانب الإمام فى حالة فشل المؤامرة؛ | ||
:أو من جانب المتآمرين فى حالة نجاحها وأبلغت الإمام برقيا أنه لابد من تأجيل الزيارة بسبب تغيير مفاجئ فى برنامج السفينة ووجدت هذه الحجة سندا لها من الأحداث فقد أرسلت السفينة بعد أيام قليلة على وجه السرعة إلى مقديشو بوقوع اضطرابات هناك. | |||
ولأسباب بديهة, ألغيت أيضا زيارة كنت أعتزم القيام بها لجزيرة قمران خلال الفترة من 15 إلى 18 من [[يناير]] وكنت آمل خلالها إجراء مناقشات غير رسمية حول قضايا الحدود". | :ولأسباب بديهة, ألغيت أيضا زيارة كنت أعتزم القيام بها لجزيرة قمران خلال الفترة من 15 إلى 18 من [[يناير]] وكنت آمل خلالها إجراء مناقشات غير رسمية حول قضايا الحدود". | ||
فى صنعاء سلح رجل ونجح فى دخول القصر واقتحام غرفة نوم الإمام يحيى فى القصر فاعتقد الثوار أن الخطة نجحت فأبرقوا بذلك إلى عدن فى 14 من [[يناير]] . | فى صنعاء سلح رجل ونجح فى دخول القصر واقتحام غرفة نوم الإمام يحيى فى القصر فاعتقد الثوار أن الخطة نجحت فأبرقوا بذلك إلى عدن فى 14 من [[يناير]] . | ||
ويروى حاكم عدن ما جرى عنده قال | '''ويروى حاكم عدن ما جرى عنده قال:''' | ||
:فى ساعة مبكرة من صباح يوم 15 من [[يناير]] [[1948]] أبلغنى صدرى بأن صديقنا المشترك المتأخر خادم غالب الوجيه الوكيل التجارى للإمام يحيى فى عدن تلقى فى ساعة متأخرة من الليلة السابقة برقية بالشفرة من صنعاء من محمد على مرشد الوكيل التجارى لحكومة عدن فسرها بأنها تعنى أن الإمام قتل . | |||
وكان سيف [[الإسلام]] إبراهيم على يقين من هذا النبأ إلى حد أنه أرسل برقية إلى عبد الله الوزير فى صنعاء لتهنئته بتولية الخلافة ويلتمس منه الرأفة لأبناء الإمام يحيى. | :وخلال يومين وصلت تقارير عديدة من مصادر موثوق بها تفيد أن الإمام قد مات.وعلى الفور أصبحت عدن كلها مقتنعة تماما بذلك .وكان سيف [[الإسلام]] إبراهيم على يقين من هذا النبأ إلى حد أنه أرسل برقية إلى [[عبد الله الوزير]] فى صنعاء لتهنئته بتولية الخلافة ويلتمس منه الرأفة لأبناء الإمام يحيى. | ||
وبعث سيف [[الإسلام]] إبراهيم بالنبأ إلى [[القاهرة]] وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط مما أدى إلى صدور العديد من البيانات الصحفية والإذاعية". | :وبعث سيف [[الإسلام]] إبراهيم بالنبأ إلى [[القاهرة]] وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط مما أدى إلى صدور العديد من البيانات الصحفية والإذاعية". | ||
أذيع من عدن بيان الثورة وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة خلفا للإمام يحيى. | أذيع من عدن بيان الثورة وأن [[عبد الله بن الوزير]] بويع بالإمامة خلفا للإمام يحيى.وعبد الله بن الوزير كان قائدا عاما لجيوش الإمام يحيى ومحافظا للحديدة وأصبح عضوا بارزا فى ديوانه وهو سليل بيت إمامة وعلم من أسلافه المرتضى محمد بن إبراهيم مؤلف كتاب '''" [[إيثار الحق على الخلق]]"'''! | ||
:وأوفد حاكم عدن ضابط شرطة إلى سيف [[الإسلام]] إبراهيم لينتقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تماما بان الإمام... قد مات" | |||
وأوفد حاكم عدن ضابط شرطة إلى سيف [[الإسلام]] إبراهيم لينتقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تماما بان الإمام... قد مات" | |||
لم يعرف الثوار فى عدن حقيقة ما جرى فى قصر الإمام فى صنعاء ... فقد اعتقل " القاتل" قبل أن يقوم بمهمته فى اغتيال الإمام ولكنه | :لم يعرف الثوار فى عدن حقيقة ما جرى فى قصر الإمام فى صنعاء ... فقد اعتقل '''" القاتل"''' قبل أن يقوم بمهمته فى اغتيال الإمام ولكنه أى القاتل استطاع الهرب فظن زملاؤه الذين رأوه يهرب انه نجح فأذاعوا النبأ . | ||
وعندما عرف حاكم عدن ذلك أسرع يبرق إلى لندن قائلا: | '''وعندما عرف حاكم عدن ذلك أسرع يبرق إلى لندن قائلا:''' | ||
" لم أقدم التعازى إلى سيف [[الإسلام]] إبراهيم. ولكن مدير الشرطة بعث إليه تحذيرا شخصيا من الاعتداء المنتظر من جانب أخيه سيف [[الإسلام]] أحمد كما بعث إليه بجنود يحمونه من هذا الاعتداء . وربما يكون الأمير قد أساء فهم ذلك بقصد . أو بغير قصد! | :" لم أقدم التعازى إلى سيف [[الإسلام]] إبراهيم. ولكن مدير الشرطة بعث إليه تحذيرا شخصيا من الاعتداء المنتظر من جانب أخيه سيف [[الإسلام]] أحمد كما بعث إليه بجنود يحمونه من هذا الاعتداء . وربما يكون الأمير قد أساء فهم ذلك بقصد . أو بغير قصد! | ||
وظل الجميع زمنا يتبادلون الاتهامات حول الخبر الكاذب ... وأن الغرض من إذاعته " التوريط" | :وظل الجميع زمنا يتبادلون الاتهامات حول الخبر الكاذب ... وأن الغرض من إذاعته '''" التوريط"''' | ||
قيل إن كان حكومة عدن التجارى فى الحديدة عرف بدخول " القاتل " إلى غرفة نوم الإمام يحيى فا برق بالنبأ إلى حاكم عدن الذى أبلغ به إذاعة لندن ولم ينتظر الثوار فى عدن ما يصلهم من مصدرهم بل اكتسحتهم الفرحة ونشروا الخبر فى صحيفة " صوت اليمن" مع الميثاق وأذاعوا أيضا تشكيل حكومة [[الدستور]]. | قيل إن كان حكومة عدن التجارى فى الحديدة عرف بدخول '''" القاتل "''' إلى غرفة نوم الإمام يحيى فا برق بالنبأ إلى حاكم عدن الذى أبلغ به إذاعة لندن ولم ينتظر الثوار فى عدن ما يصلهم من مصدرهم بل اكتسحتهم الفرحة ونشروا الخبر فى صحيفة '''" [[صوت اليمن]]"''' مع الميثاق وأذاعوا أيضا تشكيل حكومة [[الدستور]]. | ||
وقيل إن ولى العهد أحمد هو الذى دبر تلك الإشاعة ليكشف أوراق المتآمرين.ولكن الأقرب للمنطق فى ظل ظروف اليمن فى ذلك الزمان أنه بمجرد دخول " المسلح" غرفة نوم ظن الجميع إن الإمام الذى يناهز الثمانين لن يستطيع مقاومة قاتلة! | :وقيل إن ولى العهد أحمد هو الذى دبر تلك الإشاعة ليكشف أوراق المتآمرين.ولكن الأقرب للمنطق فى ظل ظروف اليمن فى ذلك الزمان أنه بمجرد دخول '''"المسلح"''' غرفة نوم ظن الجميع إن الإمام الذى يناهز الثمانين لن يستطيع مقاومة قاتلة! | ||
ولكن هذه الإشاعة أكدت لولى العهد أن مؤامرة تجرى للإطاحة به وأبيه فبقى بعيدا عن العاصمة ينتظر ويستعد ... متحفزا للمقاومة. | :ولكن هذه الإشاعة أكدت لولى العهد أن مؤامرة تجرى للإطاحة به وأبيه فبقى بعيدا عن العاصمة ينتظر ويستعد ... متحفزا للمقاومة. | ||
استدعى الإمام . عبد الله بن الوزير وقال له: | '''استدعى الإمام.عبد الله بن الوزير وقال له:''' | ||
:يا ولد ياعبد أنت تريد ان تكون إما وهذه '''" تشعوبة"''' ... أى خيال!استنكر عبد الله الوزير النبأ ووصفه بالإفك والبهتان وقال غن الجمعية اليمينة الكبرى استعملت اسمه لإثارة القلاقل فى صنعاء . وأكد بالإيمان المغلظة عدم علمه بشئ... | |||
ونشر ابن الوزير فى صحيفة " الإيمان" | ونشر ابن الوزير فى صحيفة '''" الإيمان"''' التى تصدر صنعاء مقالا أكد فيه " ولا لا تزعزعه العواصف للإمام يحيى وأن سيف [[الإسلام]] أحمد هو ولى الهد الشرعى الذى سبق أن بايعته بالخلافة . القلوب . قبل الأكف..! | ||
تلقى حاكم عدن تقريرا من صنعاء يقول: | '''تلقى حاكم عدن تقريرا من صنعاء يقول:''' | ||
" كان الإمام يحيى مريضا جدا مرة أخرى فى 19 من [[يناير]] بسبب معاودة إصابته بمرضه المزمن. وقد رفض أن يعالجه الأطباء ( ليس هذا غريبا فى مثل هذه الظروف.) بيد أنه استجاب بطريقة جيدة لحقن المورفين التى كان ابنه سيف [[الإسلام]] الحسين يعطيها له" | :" كان الإمام يحيى مريضا جدا مرة أخرى فى 19 من [[يناير]] بسبب معاودة إصابته بمرضه المزمن. وقد رفض أن يعالجه الأطباء ( ليس هذا غريبا فى مثل هذه الظروف.) بيد أنه استجاب بطريقة جيدة لحقن المورفين التى كان ابنه سيف [[الإسلام]] الحسين يعطيها له" | ||
وهذا التقرير يبين أن مرض الإمام فى الأيام التالية لمحاولة الانقلاب هو الذى أدى به إلى اتخاذ موقف سلبى إزاء عبد الله بن الوزير! | وهذا التقرير يبين أن مرض الإمام فى الأيام التالية لمحاولة الانقلاب هو الذى أدى به إلى اتخاذ موقف سلبى إزاء عبد الله بن الوزير! |
مراجعة ٠٨:٣٠، ٣ سبتمبر ٢٠١٢
إنه يهاجم دور الإخوان بالإسكندرية ويفتش البيوت ويعتقل 56 من أعضاء الجماعة بالإسكندرية , ويكون بين المعتقلين مصطفي مؤمن زعيم طلبة الإخوان الذى كان يدعوا للتهدئة فى أوائل حكم صدقى!
وترد صحيفة الإخوان
- " عمد صدقى إلى أسلوبه القديم ناسيا أنه استغفر منه وأناب فى مجلس النواب فها أنت ترى كيف يصادر الاجتماعات . فهذه المعاهد والكليات والطريق الموصلة إليها والميادين القريبة منها أشبه ما تكون بميدان حرب حشدت فيه القوات المدرعة والسيارات المصفحة والمدافع المصوبة والبنادق والحراب بل ليت الأمر وقف عند حد الإرهاب وحرب الأعصاب.
- بل هذه السجون امتلأت بالطلبة الأطهار الأبرياء والمجاهدين من شباب الأمة.ليرسل صدقى باشا بالأحرار إلى أعماق السجون ليفعل صدقى ما أراد ولتفعل القوة ما تشاء , فسيواصل المجاهدون جهادهم حتى يتحقق للوطن ما يريد والله غالب على أمره وليعلمن نبأه بعد حين.
مضت الأيام والشهور وطالت المفاوضات فإذا بكل ذلك يتمخض عن مشروع معاهدة عرجاء قال فيها أحد المفاوضين " إنها احتلال سافر للبلاد وفضل نهائى لشطرى الوادى وتكبيل الوطن بقيود وأغلال دونها أغلال معاهدة سنة 1936.."!
وأذاعت وزارة الداخلية بيانا أعلنت فيه
- " أن بعض المنتمين إلى جمعية الإخوان المسلمين فى مدينة القاهرة ومعهم الغوغاء قاموا بعمل مظاهرات متفرقة فى أنحاء مختلفة من المدينة واعتدوا بإلقاء الأحجار على واجهات بعض المتاجر بشارع فؤاد الأول وشارع شبرا كما اعتدوا على مركبات الترام وصف الدكتور محمد حسين هيكل تلك الأيام
فقال:
- "أدت هذه الأحوال مجتمعة إلى تبلبل الأفكار وشيوع القلق واضطراب طلاب الجامعة وتعدى الأمر إلى أعمال اجرامية منكرة.وكانت القنابل تلقى فى غسق الليل فى الشوارع. أو فى أحياء تجارية فيذيع تفجيرها فى النفوس الرعب والفزع . وألقيت قنابل أمام مساكن مأهولة فأحدثت من الأضرار ما زاد الناس رعبا وهلعا وتعددت هذه الحوادث وجعلت الناس فى العاصمة وفى الأقاليم يشعرون بأن الوزارة عاجزة عن حفظ الأمن".
استدعى السير أورم سارجنت الوكيل الدائم للخارجية البريطانية السفير المصرى عبد الفتاح عمرو وأبلغه إصرار بريطانيا على تبادل رسائل مع صدقى تلحق بالمعاهدة يوم توقيعها وتتضمن ما يأتى. بروتوكول السودان لا يغير الأوضاع فى السودان. يقرر السودانيون فى الوقت المناسب مصيرهم بما فى ذلك حقهم فى الاستقلال عندما يصبحون أهلا لذلك.
تدافع بريطانيا عن السودان بالقوات والتسهيلات التى يتطلبها الموقف من حق القوات البريطانية الانتقال والطيران فوق مصر أثناء فترة الجلاء وبعد ذلك يناقش الأمر بين الحكومتين للوصول إلى اتفاق فى المستقبل
أجاب السفير المصرى:
- الإصرار على ذلك سيؤدى إلى فشل أى فرصة لإقرار المعاهدة وتتطور الأمور بسرعة غير عادية يوافق مجلس الوزراء المصرى على المعاهدة ويلتقى حسن يوسف رئيس الديوان الملكى بالنيابة بحسين سرى باشا رئيس الوزراء السابق وعضو هيئة المفاوضات.
قال سرى باشا:
- من الإجرام أن تضيع فرصة التوقيع على معاهدة بهذه الشروط
ولكنه استطرد قائلا:
- مادام البريطانيون وافقوا على الكثير فمن الوطنية أن يطلب المصريون ما هو أكثر.
سأله حسن يوسف:
- كيف يمكن عمل ذلك؟ وهل يعود صدقى مرة أخرى إلى لندن ليطلب المزيد؟
قال سرى: إذا لم يذهب صدقى فربما يذهب أى شخص آخر .... أى سرى باشا !!
وقال على ماهر لصدقى باشا:أؤيد المقترحات ولكنى فى الاجتماع أعرضها.فسر حسن يوسف باشا وكيل الديوان الملكى للسفير البريطانى موقف أعضاء هيئة المفاوضات .
قال:
- الملك ليس مستعدا لدفع الثمن الذى طلبه على ماهر نظير التأييد وايد لطفى السيد.. صدقى عندما كان وزيرا للخارجية ثم نائبا لرئيس الوزراء ولكن بعد خروجه من الوزارة انضم للمعارضة ولم يوضح أسباب معارضته عدا قوله أن البلاد تعارضها .
- وتجنب لطفى السيد كما تقول برقيات السفير البريطانى التوقيع على بيان أعضاء هيئة المفاوضات المعارضين لكنه كان غامضا ومترددا عندما أضاف الآخرون اسمه فى النهاية عندما نشروا بيانهم!..
ويقدم صدقى باشا إلى مجس النواب مشروع المعاهدة والبروتوكولات مؤكدا انه لا توجد وثائق أخرى سرية.ويقرر المجلس يوم 26 من نوفمبر الثقة بالحكومة ويبلغ توفيق دوس باشا عضو مجلس الشيوخ السير والترس مارت وزير المفوض البريطانى للشئون الشرقية بالسفارة البريطانية ما دار فى الجلسة السرية للمجلس
قال عن السكرتير العام للوفد:
- اعترف صبرى أبو علم باشا بأن المشروع المصرى للمعاهدة مشروع جيد ولكن الوفد انتقد صدقى باشا على أساس أنه يأخذ موضوع الجلاء باعتباره قضية مسلما بها بينما تصريحات اتلى وبيفن تنبئ أنه فى حالة انهيار المفاوضات فأنهما يقترحان العودة إلى معاهدة 1936.
- وأشار صدقى باشا إلى أنه لا مصلحة للمصريين فى توجيه اهتمام التصريحات الصادرة عن الجانب الآخر بل مصلحتهم الوقوف بحزم لتأييد فكرة ان الجلاء أصبح قضية مفروغا منها.قابل المجلس هذا الرأى بالتصفيق..
رفض حزب الوفد التصويت على قرار المجلس الذى يؤيد صدقى باشا ومع ذلك كان واضحا أن الوفد لن يكون فى وسعه معارضة المعاهدة وطلب إلى صدقى باشا أن يتعهد بتقديم مشروع المعاهدة النهائى أماما المجلس لإقراره قبل التوقيع النهائى عليها.
رفض صدقى باشا ذلك على أساس أن إبرام المعاهدات من أعمال السلطة التنفيذية وإذا كان ثمة مجال لإدخال تعديلات على الموقف المصرى فإنه على استعداد لطرح هذه النقاط أما الأعضاء قبل اتخاذ قرار بشأنها وأكد توفيق دوس أن حافظ رمضان ألقى خطابا قويا أثنى فيه على موقف صدقى باشا.
وذكر توفيق دوس أنه لم يتعارض المشروع المصرى للمعاهدة سوى عضو واحد متطرف من أعضاء الحزب الوطني على أساس البدء الدائم للحزب وهو لا مفاوضة إلا بعد الجلاء.ويبلغ السفير المصرى وزارة الخارجية البريطانية بأن صدقى أصبح مخولا لتوقيع المعاهدة بعد حل هيئة المفاوضات.
ولم يعرف ابدا ما إذا كان صدقى قد تعهد فى لندن باستمرار الوضع القائم فى السودان أو أن بيفن تراجع عن موقفه وعلى أية حال فإن إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر بخطواته لتالية أراد أن يضع الإنجليز والسودان أمام الأمر الواقع.
ولكن العقبات استمرت توضع فى طريق السياسى المصرى الداهية! طلب عبد الرحمن المهدى باشا زعيم الاستقلاليين فى السودان السماح له بالسفر إلى لندن ليشرح موقف حزب الأمة من البروتوكولات فوافق الحاكم العام والحكومة البريطانية بينما أعلن السيد على الميرغنى زعيم الختمية أنه لن يتجه إلى لندن.
وقبل مغادرته الخرطوم توجه المهدى لزيارة الميرغنى لول مرة منذ سنوات وأعلن المهدى فى بيان للشعب أنه سيطلب من دولتى الحكم الثنائى إنهاء الإدارة الحالية للسودان والاعتراف بسيادة البلاد وتشكيل حكومة انتقالية تمهد الطريق للحكم الديمقراطي.
ويلتقى المهدى فى لندن يوم 27 من نوفمبر برئيس الوزراء وفى 5 من ديسمبر التقى بوزير الدولة ثم اجتمع ببفين بعد عودته من نيويورك أبلغ المسئولون البريطانيون الزعيم السودانى بأن الوحدة المصرية السودانية تحت التاج المشترك لا تعير الموقف فى السودان وأن الحاكم العام سيقاوم أى محاولة مصرية لإدارة البلاد.
ويغلق صدقى جامعتى القاهرة والإسكندرية بعد إضراب الطلبة ومظاهراتهم ويلتقى فى القاهرة رئيس أركان حرب القوات البريطانية بالملك فاروق فى اليوم ذاته 28 من نوفمبر
قال فاروق
- سيتم الاتفاق على المعاهدة والتصديق عليها من جانب جميع الأطراف المعنية قبل نهاية العام وستمر مصر بفترة توتر بالغ تصحبها محاولات لاغتيال المسئولين عن المعاهدة .. وستخمد بعد شهرين أو ثلاثة . ولكن البوليس والجيش المصرى سيكونان قادرين على معالجة الأمر
وأضاف فاروق :
- هدفى الرئيسى الآن الحفاظ على حياة صدقى الذى ساءت صحته بدرجة كبيرة وربما يموت فى أى وقت أو يغتال.ولا أرى أمامى فى الوقت الحاضر خليفة لصدقى أبرق الفيلد مارشال إلى لندن
يقول:
- " الملك فاروق يعتبر بريطانيا الدولة الحيدة الراسخة التى تشكل صلب المقاومة للتهديدات الروسية وهو حريص على احتفاظ بصداقتنا".ولا يعود السير هدلستون حاكم السودان العام إلى الخرطوم مباشرة بل يتوقف فى القاهرة ويكتب السفير البريطانى إلى لندن يوم 30 من نوفمبر
- يحاول صدقى إقناعى بضرورة الإسراع بتوقيع المعاهدة ولا يزال السير هيوبرت هادلستون فى القاهرة.وقد رتبت انتقاله مع زوجته إلى منزلى لأن رجال الأمن غير مرتاحين لاستمرار إقامتهما فى فندق " شبرد" وموقف هادلستون يتلخص فى أنه مهما كانت الصيغة المستخدمة فى خطاب رئيس وزراء بريطانيا فإن السودانيين سيطلبون منه إجابة محددة بنعم أولا على السؤال الخاص بالبروتوكول السودانى وهل يعطيهم حق الانفصال عن مصر أم لا.
- ومالم تكن لديه سلطة الإجابة بنعم فإن موقفه سيكون مستحيلا وأخشى أنه سيثير عند عودته إلى الخرطوم وحاولت أن أجعله يواجه هذا الموضوع بطريقة أقل جمودا وأمس نتيجة لحديث مع رئيس أركان حرب الإمبراطورية الجنرال ديسى طلبت من الجنرال أن يلتقى بهادلستون ويقنعه بأنه يستطيع بسلطته الواسعة فى السودان أن يقنع السودانيين بان يمنحوه ثقتهم فى المستقبل دون طرح مزيد من الأسئلة.
- وأخشى ألا يكون لهذه المجهودات سوى تأثير قليل على هادلستون فهو يرى أنه متى تمت الموافقة على الاعتراف بالسيادة . وما لم يسلم بحق السودانيين فى اختيار الاستقلال فإن الدوران حول هذه النقطة سيسحب من تحت أقدامه ما بقى من الأرض التى يقف عليها.
- ومن الصعب عليكم أن تتحملوا هذا الصداع الإضافي فى المرحلة الحرجة من المفاوضات حول المعاهدة. وأتمنى لو أستطيع تقديم مساعدة أكبر "
ومن هذه البرقية تتضح حقيقة تساند صدقى وهى ان حاكم السودان العام لم يتلق تعليمات واضحة بأن يبلغ السودانيين حقهم فى الاستقلال!
اشتدت المظاهرات بعف ضد صدقى والمعاهدة يوم 2 من ديسمبر وألقيت القنابل فى وقت واحد على ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة وقنبلة على منزل الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين.
حاصر صدقى مقر جماعة الإخوان ومطبعتها وصحيفتها ومستوصفها وبيوت زعمائها وفتشها ومنع الاجتماعات فى مقار الإخوان وأغلق المركز العام واعتقل أحمد السكري وكيل الجماعة فأخذ الإخوان يجتمعون فى البيوت ورصد 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم فى حادث قنبلة منزل الدكتور هيكل واعتقل رئيس صحيفة الجماعة. ومنع الصحف من نشر أنباء المظاهرات والإضرابات
ويكتب السفير البريطانى إلى لندن:
- " يقف الطلاب فى مقدمة الأنشطة المضادة لبريطانيا حيث يقوم الوفد والإخوان ومصر الفتاة بتنظيمهم للقيام بهذه الأنشطة.ولسوء الحظ فإن مظاهرات الطلبة تجذب إليها أعداد من اللصوص والمجرمين وهؤلاء هم المسئولون عن أعمال النهب والحرائق التى تأتى عادة بعد المظاهرات السياسية".
ويستدعى السير اورم سارجنت وكيل الخارجية البريطانية الدائم عبد الفتاح عمرو باشا يوم 6 من ديسمبر ليبلغه ما يشبه الانذار باسم ارنست بيفن.قدم سار جنت إلى عمرو مذكرة تنص على تبادل رسالتين بين بيفن وصدقى تفسران ما اتفق عليه مع صدقى بشأن بروتوكول السودان وقد صيغت عبارات الرسالتين بأسلوب يقبله صدقى.
وقال سار جنت:
- إذا لم يفعل صدقى ذلك فسيضطر مستر بيفن إلى أن يعلن فى مجلس العموم بعد التوقيع على المعاهدة تفسيرا واضحا بشان بروتو كول السودان وان التاج المصرى لمشترك أدخل على البروتوكول كاعتراف رمزى بسيادة مصر على السودان لا " كفرامل" لوقف عجلة تقدم السودان.
- ولا تمنع الحكومة البريطانية السودانيين من تقرير مصيرهم.ويؤكد بروتوكول السودان الأوضاع الحاضرة ولا يغيرها وستظل بريطانيا تدافع عن السودان بكل الوسائل والتسهيلات الضرورية وفى اليوم التالى يصل إلى الخرطوم هادلستون فيذيع بيانا علنيا على الشعب يتضمن ما جاء فى خطاب اتلى السرى إلى الحاكم العام!
- ولم يكن هادلستون مخولا بذلك بل أنه أراد نسف المعاهدة والبروتوكول ويستقبل صدقى بمرارة وأسى وأسف بيان الحاكم العام وتصدر الحكومة المصرية بيانا يوم 8 نم ديسمبر تعلن فيه أن الحاكم العام يمثل الحكومتين البريطانية وأنه سمح لنفسه بإصدار بيان يمثل حكومة واحدة وأن هذا البيان لم يطلع عليه رئيس وزراء مصر ولم يقره! وجد إسماعيل صدقى نفسه فى موقف حرج
- إن ملك مصر والسودان مجرد اسم ورمز وشعار وسينسلخ السودان عن مصر وعليه أن على صدقى أن يختار فإما أن يقبل ذلك ويوافق على أن تكون معاهدة صدقى – بيفن للجلاء عن مصر فحسب وهو ما علته ثورة 23 يوليو بعد ذلك أم يخلى الميدان السياسى.ولكن صدقى رأى أن يسجل موقفه للتاريخ
رد على المذكرة البريطانية فرفض شروطها جميعا. ورفض أن يتبادل الرسائل مع بيفن أو يوافق على أن يدلى وزير خارجية بريطانيا ببيان فى مجلس العموم عن بروتوكول السودان ثم قدم إسماعيل صدقى فى نفس اليوم 8 ديسمبر استقالته لسوء صحته فقد أرهق الرجل من كثرة ما رأى وناضل وعانى أيضا
قال الإنجليز فى تقاريرهم السرية:
- إن الملك فاروق طلب من صدقى الاستقالة بعد أن توترت علاقته مع الحكومة البريطانية ولم يعد ممكنا الوصول إلى معاهدة ولكن حسن يوسف باشا قال لى أصر صدقى على الاستقالة وألححت عليه باسم الملك فى لإبقاء ولم يعد صدقى للحكم أبدا, ولكن عرف شعب مصر بعد ذلك. مزايا المعاهدة والفرص التى ضاعت على مصر نتيجة عدم إبرامها ولم يخسر صدقى بخروجه من الحكم.
- ولكن البنا خسر كثيرا بعدم وقوفه مع صدقى .. وربما يكون الخطأ من جانب صدقى لأنه لم يطلع الإخوان على حقيقة الأمور .لقد جرف تيار المعارضة الإخوان المسلمين فانضموا دون اتفاق إلى الوفد يعرضون صدقى ويركبون الموجة الشعبية التى تطالب بالتطرف وبالشعارات لأنهم مثل الأعضاء السبعة فى هيئة المفاوضات خافوا على مستقبلهم إذا ظلوا مرتبطين برئيس وزراء له ماض يكرهه الشعب.
- من الواضح أن المرشد العام لم يستطع فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر , وتاريخ الإخوان أن يمثل القوة السياسية التى تحقق التوازن فى السياسة المصرية.
- وكان مستحيلا على الملك أن يثق فى الإخوان المسلمين الذين ساهموا كثيرا فى فشل مشروع المعاهدة.وكان الإخوان يفقدون حلفاءهم واحدا بعد الآخر.
- وجاء النقراشي ليتولى رئاسة الوزارة وبينه وبين الإخوان عداء قديم ! وكان مستحيلا على النقراشي خليفة صدقى فى رئاسة الوزارة أن يثق فى الإخوان أو يثق فى المرشد العام ... بعد الحريق!
مات الوكلاء والموكلون
رشح إسماعيل صدقي لرئاسة الوزارة بدلا منه , محمود فهمى النقراشى باشا فألف وزارته فى 9 من ديسمبر 1946 من 12 وزيرا تصفهم من حزبه " السعديين" والنصف الآخر من الأحرار الدستوريين. واحتفظ النقراشي لنفسه بوزارتى السير رونالد كامبل فى النقراشي عن رأى السفير السابق اللورد كيلرن.
كتب رونالد كامبل إلى لندن يقول:
- " النقراشي رجل ضيق الأفق وعنيد. وبدأ حياته العملية مدرسا وهو ينفى بصورة قاطعة اشتراكه فى قضية اغتيال السردار السيرلى ستاك ولكن كثيرا من البريطانيين لا يبرئونه من هذه الجريمة ويعتبرونه متورطا فى كثير من جرائم القتل.
- ويمكن أن يصبح دموى المزاج إذا اختلف معنا وسيكون تواقا إلى إلقاء المسئولية علينا.وهو عديم الخيال على مائدة المفاوضات يفتقر إلى المرونة ولا يستجيب إلى الأفكار الجديدة".
وقال الإنجليز إنه فى منصبه وعمله الجديد زعيم قوى ولكنه فى نظرهم يظل قاتلا يرتدى زيا آخر"!
ويكتب بنكنى تاك القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن:
- "طموح النقراشي الوحيد يتركز فى انه يريد أن يدخل التاريخ باعتباره الرجل الوحيد الذى أخرج الإنجليز من مصر".
ولكن الإنجليز والأمريكيين أجمعوا على أن رئيس الوزراء الجديد " رجل أمين لا يكذب".
وتطلب السفارة البريطانية إلى الإنجليز من أصدقاء النقراشي أن يبعثوا إليها بتقارير عن أرائهم فى رئيس الوزراء الجديد.
قال أحد هذه التقارير:
- " النقراشي مهيأ ضد أى إحساس بالفشل بفضل شعور داخلى غريزى بأنه قد يكون من الأفضل بالنسبة لمصر على المدى الطويل أن تكافح لتستمر وأن تضحى لتبنى.
- وهو مخلص لمبدأ تكوين أمة مصرية ولكنه يدرك أن المادة التى ستتطون منهم هذه الأمة ليس فيها روح ولا تتمتع بأية كفاءة ومن ثم لديه قناعة بأنه من الواجب توعية المصريين بالقضية والكفاح والحاجة غلى التضحية .
- وهو يرى تلك الحقائق بالأحرف الكبيرة وبالأضواء الساطعة وعلى مدى حياته العملية كان عنيف التصرف وعاطفى التفكير وهو يبرز الدور الذى قام به أيا كان هذا الدور على أساس الحجة القائلة بأن مصر لا يمكن أن تنهض من سباتها العميق إلا عن طريق أ‘مال الإثارة العنيفة ويجب أن تفوز بحريتها كجائزة لا كمنحة!
- ويصل إعجابه بسعد زغلول باشا إلى درجة أسطورية وعندما جاء بعده مصطفي النحاس باشا الذى كان أقل من سعد زغلول عنادا ظل النقراشي يمارس نشاطه فى مصر (مع الوفد) خلال عامى 1929 – 1930 ورفض بشدة عدة مقترحات لتوقيع المعاهدة فإنه أى انطفاء شعلة الحماس المقاس عند النحاس باشا.
- وأجبرت الضجة التى صاحبت ظهور موسولينى النقراشي على قبول المعاهدة عام 1936 ولكن دون مبالغة.وعلى مدى سنوات الحرب نشط النقراشى مع أحمد ماهر باشا فى حث الحكومة المصرية على الاشتراك فى الحرب العالمية الثانية.
- ولم يخف حقيقة ما يشعر به فى قرارة نفسه من أنه بصرف النظر عن تأثير ذلك على الحلفاء فإن قصف المدن المصرية ومصرع خمسين ألف شاب من أبناء مصر وهم يرتدون الزى العسكرى سيكون من شأنه أن يساعد مصر لترقى فى مدارج الأمم.
- وتحمل بشئ من الفلسفة الإحباط الذى أصابه بسبب السياسة المصرية خلال فترة الحرب.وعبر فى انفعال عن ضيقة بسبب ما تصوره من سياسة اللورد كيلرن فى معاملة ملك مصر وشعبها باحتقار.وكان يميل إلى أن يرى فى مصرع أحمد ماهر باشا قائده العملى قضاءه المحتوم الذى يناديه ولا فرار منه.
و:كان يرى فيه موتا فى سبيل مبادئه السامية الطاهرة ولم يحل بخاطره يوما أن يصبح رئيسا للوزراء وقرر التقاعد عن ممارسة العمل السياسى عندما يبلغ الستين.ويبرر النقراشي تراجعه عن التقاعد بأنه تلقى تشجيعا معنويا كبيرا من فاروق عن طريق تأكيد صاحب الجلالة بأنه يرى فى النقراشي حارسا للمثاليات المصرية!
- منذ تلك اللحظة يمكننا اعتبار ذلك بداية لموقف جديد للنقراشى من الملك أما موقفه من المفاوضات بين اللورد ستانسجيت وصد5قى باشا فكان يتسم دائما بالبرود.وعندما الآخرون عن النجاح الذى حققه صدقى نجد النقراشى يعلق قائلا بأنه ظل مستيقظا طوال الليل خوفا من الكابوس الروسى الشيوعى ولكنه لم يجد فى المقترحات العسكرية البريطانية سوى الإهمال , الذى لا مبرر له للمشاعر القومية المصرية.
- ولعل مما يدخل السرور على نفسه أن يجد عقارب الساعة عادت إلى الوراء ليلتقى بسعد زغلول ويقف حيث يقف ولا أعتقد أنه يمكن إجراء مفاوضات فعلية مع زعيم " يرى النجاح فى الفشل ويرى فى الرفض نجاحا يستحق التهنئة".
- ولا يوجد ما يصور النقراشى بصدق ويعبر عن شخصية أدق وأكثر من هذا التقرير الذى عكس تماما كل أعماله فى آخر وزارة له.فى خطابه للملك فاروق الذى أعلن فيه قبول تشكيل الوزارة
- كتب النقراشي يقول:
- " أهم ما تعنى به الحكومة العمل على جلاء الجنود الأجنبية وتحقيق مشيئة أهل وادى النيل فى وحدة مصر والسودان ولقد ظهرت فى الأيام الأخيرة علامات تزيد من قلق النفوس على مصير السودان".
ويضع جيمس بوكر القائم بالأعمال البريطانى تقييما سريا للوضع السياسى فى مصر فقال:
- " إن تصريحات صدقى والحاكم العام أثارت الرأى العام فى مصر إلى حد أنه لن يوجد مصرى وبالذات رئيس حكومة للأقلية يقصد (النقراشي) يجرؤ على الوقوف ضدها.
- إن رفض مصر الاعتراف بحق السودان فى الانفصال عن مصر يعتمد على اعتقاد بأن البريطانيين يشجعون السودانيين على ذلك ليحتفظ الإنجليز بالسودان لأنفسهم"
حد الإخوان المسلمون موقفهم من الوزارة الجديدة فى اليوم التالى لتأليف الوزارة كتب البنا فجريدة الإخوان المسلمين يطالب النقراشي بإنهاء المفاوضات وإلغاء معاهدة 1936 وعرض القضية على مجلس الأمن والجهاد!
عقد النقراشي يوم 16 من ديسمبر اجتماعا مشتركا ضم أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وأعلن أن أمام الحكومة التفاوض أو عرض القضية على الأمم المتحدة. عاد السفير البريطانى السير رونالد كامبل من لندن يوم 20 من ديسمبر واجتمع ساعتين بالنقراشي بشأن الفقرة الثالثة فى بروتوكول السودان والتى قام من أجلها الخلاف مع إسماعيل صدقى
طلب رئيس الوزراء أن تصدر بريطانيا بيانا من جانب واحد تعلن فيه:
- (أ) أنه ليست لدى الحكومة البريطانية النية لتشجيع السودانيين على الانفصال عن مصر.
- (ب) إذا رغب السودانيون فى استمرار وحدتهم مع مصر فإن الحكومة البريطانية لن تضيع عقبات فى هذا الطريق ويسعدها أن ترى ذلك يتحقق وبنى النقراشى ذلك على أساس أن الرأى العام المصرى ملتهب فى هذا الشأن ومثل هذا البيان يجعل المحادثات مثمرة.
ورفض رئيس وزراء مصر اقتراح السفير بإصدار بيان مشترك بدلا من تبادل الرسائل. وطلب النقراشي تعديل بروتوكول صدقى بيفن.
ويزداد الرأى العام المصرى إثارة وحماسا عندما يذاع خطاب جديد ألقاه الحاكم العام للسودان فى وفد ممن أعيان " مدينة الأبيض أكد فيه موقف بريطانيا من استقلال السودان وكذلك تصريحات مماثلة للسيد عبد الرحمن المهدى بعد عودته من لندن إلى الخرطوم.
ويجتمع 13 رئيسا للقبائل السودانية يمثلون 1,2 مليون نسمة ويبرقون إلى المجلس الاستشارى لشمال السودان معلنين حق السودان فى تقرير مستقبلية وأنهم يرفضون أية سيادة على بلادهم
قال النقراشي فى مجلس النواب – فى 31 من ديسمبر 1946
- إن على الحكومة البريطانية إعلان نواياها بالنسبة للسودان وقال إن سياسة الحاكم العام هى تشجيع وتحريض السودانيين على الانفصال عن مصر.وأضاف إن مصر لا تريد بسط نفوذها على السودان ونواياها أخوية نحوه وسيرضى عنها [لسودانيون أنفسهم.
وافق المجلس بالإجماع على منح الثقة للحكومة ويحاول بيفن إنقاذ المعاهدة فيبرق إلى سفير ه فى القاهرة يوم 4 من يناير 1947 باقتراحين لإبلاغهما للنقراشى:
- الأول: توقيع معاهدة المساعدة المتبادلة وبروتوكول الجلاء واستبعاد بروتوكول السودان على أساس أن معاهدة عام 1899 بشأن السودان والمادة الثانية من معاهدة 1936 تظلان ساريتين.
ويتبع ذلك مؤتمر لمناقشة المسألة السودانية تمثل فيه بريطانيا ومصر والسودان أو
- الاقتراح الثانى: توقيع المعاهدة على أساس:
- (أ) عدم وضع قيد على حق السودانيين فى تقرير مصيرهم.
- (ب) مهما كان اختيار السودانيين فإن الحكومة البريطانية تضمن المحافظة على المصالح المصرية الدائمة فى السودان.
وقال السفير البريطانى للنقراشى خلال اجتماعين:
- إذا قبلت أيا من الاقتراحين فإن الحكومة البريطانية مستعدة لإصدار البيان المنفرد من جانب واحد الذى طلبته.رد النقراشى فوضع نصا لبروتوكول جديد للسودان ينص على وحدة مصر والسودان تحت التاج المصرى المشترك وعقد مؤتمر تحضره مصر وبريطانيا فحسب ... ولا يحضره السودان!
والجدير بالذكر أن فصل مسألة الجلاء عن موضوع السودان هو ما تم بعد ثورة 23 يوليو 1952.رد وزير خارجية بريطانيا على النقراشي يوم 9 من يناير 1947 مقدما تنازلا جديدا قال: لن يمثل السودان فى المؤتمر .
واقترح بيفن أن تتضمن المعاهدة وثائق تعلن فيها كل من مصر وبريطانيا موقفهما بالنسبة للسودان.وقال بيفن إنه يقبل فى هذه الحالة إصدار البيان البريطانى الذى طلبه كل من صدقى والنقراشي وأبدى وزير خارجية بريطانيا استعداده لاستقبال النقراشي فى لندن والتفاوض معه إذا رغب فى ذلك.
رفض النقراشي اقتراحات بيفن على الفور قائلا:
وقال النقراشي:
- إن وجهة نظر البلدين متباعدة مما يجعل الاتفاق مستحيلا . ومن المسائل البديهة أن السودان يرغب فى الوحدة مع مصر.
وأشار رئيس وزراء مصر إلى أن سفره إلى لندن لن يحقق أى تقدم لجأ السير رونالد كامبل إلى الملك فاروق ولكن بغير فائدة!استمرت صحيفة الإخوان تهاجم الوزارة والأحزاب وتعلن أن الوضع السليم هو الحكم بالقرآن.
ووجه الإخوان رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء قالوا فيها:
- أعلن يا باشا فشل المفاوضات وأقطعها فى عزة وكرامة!
ويكتب البنا:
- " الحريات مكبلة والرعب يملأ الصدور وقوات البوليس ترابط فى كل مكان تبعث على الرهبة والريبة",
ويطالب الإخوان بجبهة قومية مصرية سودانية من كل الأحزاب .رأى السير روبرن هاو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية البريطانية فى 17 يناير أنه " مادام النقراشي يتولى السلطة فإن الاحتمال ضيئل فى أن يطرأ تحسين على العلاقات المصرية البريطانية أو استئناف المفاوضات لعقد معاهدة جديدة ومن الأفضل أن يستمر الموقف على ما هو عليه".
اجتمع مجلس النواب يوم 20 من يناير فأعلن النقراشي أن مباحثاته مع السفير البريطانى لم تؤد إلى اتفاق وأنه سيجد طريقا آخر لتحقيق مطالب البلاد تأجل اجتماع المجلس إلى 27 من يناير .
وقرر مجلس الشيوخ يوم 21 من يناير أنه جاء الوقت لتتخذ الحكومة المصرية موقفا حاسما إزاء السلوك العدائى لبريطانيا.ويبعث النقراشي إلى السفير البريطانى فى 23 من يناير بمذكرة أشبه بالإنذار
قال:
- على أن أعلن يوم 27 من يناير الاتفاق , أو إحالة الأمر إلى مجلس الأمن . رأى بيفن أن يقدم اقتراحا جديدا إلى عبد الفتاح عمرو باشا السفير المصرى فى لندن أكد فيه بعبارات واضحة وحدة مصر تحت التاج المصرى المشترك مع عدم وضع أية قيود على حق السودان فى تقرير مستقبله طبقا لآمال الشعب السياسية حسب ميثاق الأمم المتحدة.ولم يتضمن اقتراح بيفن هذه المرة كلمة ط استقلال السودان".
وكانت هذه محاولة أخيرة من بيفن لإقناع النقراشي بتوقيع المعاهدة ولكن رئيس وزراء مصر اكتفى بإعلاء أنه سيعرض الأمر على مجلس الوزراء وفى 25 من يناير أبلغ النقراشي السفير البريطانى أن مجلس الوزراء وجدا أن مصر مضت إلى أبعد مدى فى محاولة الاتفاق مع بريطانيا ولكن الاقتراحات البريطانية لا تستجيب لحقوق البلاد الطبيعية.
وقرر مجلس الوزراء عرض الأمر على مجلس الأمن. وهكذا أضاع النقراشي بعناده أو خوفه من المعارضة آخر فرصة لوحدة مصر والسودان!
أذيع قرار مجلس الوزراء بعد يومين فى مجلسى البرلمان فأعلن الإخوان تأييدهم لقرار النقراشي وإن هاجموا بيانه فى البرلمان " لأنه لم يشف الغلة ولم يرو الظمأ"!ويؤيد مكتب الإرشاد قطع المفاوضات.
ويكتب صالح عشماوي قائلا " أخيرا التقينا"!
بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن يقول :
ويلتقى عبد الفتاح عمرو باشا السفير المصرى فى لندن بأرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا يوم 30 من يناير 1947 قال السفير:هل أغلق الباب نهائيا حتى يعرض الأمر على ألأمم لامتحدة؟
سارع بيفن بالجواب قائلا:
- لم أغلق الباب ولم أقطع المفاوضات .الوزارة المصرية هى التى فعلت ذلك عمدا وبالإجماع ولا أستطيع القيام بأى عمل الآن والأمور يجب أن تمضى فى مجراها .
قال عمر باشا:
- نحن حريصون على الوصول إلى حل الآن.
رد بيفن:
- الأمر متروك لكم . ولن أمضى أبعد مما مضيت. ولا أستطيع التوقيع على تنازل عن حقوق السودانيين كما تطلبون.وإذا وجدت الحكومة المصرية طريقا للتعبير عن آرائها الواضحة فى هذه النقطة فإن الحكومة البريطانية مستعدة للنظر فيها.ولكن الخطوة التالية يجب أن تأتى من جانبكم. يلتقى بيفن ببعض ممثلى الدول العربية فى لندن فأبدوا له خشيتهم من خطورة الموقف بعد قطع المفاوضات
وقال الجميع:
- لقد أخطأت مصر بهذه الخطوة.ويسافر بيفن فى إجازة وتمضى الأمور فى طريقها المرسوم
تحرك الإخوان
أرادوا الاحتفال بذكرى مظاهرات يوم الجلاء فى 21 من فبراير ولكن الحكومة نجحت فى منع المظاهرات.
فى 22 من فبراير 1947 قال لاسير رونالد كامبل:
- " يتردد أن الإخوان المسلمين أعدوا مشروعا لتوقعه كل الأحزاب لمقاطعة البريطانيين. ووافقت جمعية الشبان المسلمين وجبهة مصر منظمة على ماهر والوفد السودانى على التوقيع على المشروع ولكن الوفد رفض ذلك"
وانضم الإخوان للجنة تحضيرية قررت الإعداد لمؤتمر عربى . يهدف إقامة منظمة دائمة تمثل الشعوب العربية غير جامعة الدول العربية.ضمت اللجنة كما يرى السفير البريطانى " بعضنا من المتطرفين المعروفين مثل البنا وصالح حرب ومريت بطرس غالى. وهو قبطى. غير حزبى" وجد الوفد أن الإخوان ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعطيه قوة فقرر رفض الهدنة بين الحزب والجماعة دون إعلان.
وهكذا عاد الصراع بين الفريقين بصورة أكثر عنفا... وقسوة ووحشية أيضا فكلاهما ينافس الآخر على الرصيد الشعبى . الوفد يحاول الحفاظ على مالديه, واستعادة ما فقد منه والإخوان يحاولون زيادة هذا الرصيد واتجه كل فريق إلى التشكيك فى وطنيه الخصوم!
فى البرقية رقم 536 بتاريخ أول مارس 1947 كتب السير رونالد كامل
- " هاجمت الصحف الوفدية الإخوان المسلمين وانهمت البنا بأنه اتصل بعبد الرحمن عزام طلبا للتأييد وناقش معه ومع غيره ومنهم على ماهر وحافظ رمضان . تشكيل لجنة سياسية لإدارة الأنشطة السياسية للإخوان المسلمين.
- وأقر البنا, فى تفنيده الفاتر لهذه الهجمات بان تشكيل مثل هذه اللجنة السياسية محل بحث. وعزام يميل منذ مد طويل إلى البنا. ويبدو أنه على وشك تولى توجيه الإخوان المسلمين فى قضية التطرف الوطنى".
ويفشل الإخوان فى محاولتهم تكوين جبهة سياسية تحتفل بذكرى يوم الشهداء 4 من مارس وتهاجم صحف الوفد الجماعة. وتنقل اتهاما وجهه وكيل الإخوان السابق أحمد السكري بأن الشيخ البنا حاول الحصول من الوفد على 50 ألف جنيه ثمنا لتأييد الوفد ضد وزارة إسماعيل صدقى. واتهم السكرى الشيخ البنا أيضا بإجراء اتصالات مع رئيس الديوان الملكى تعهد خلالها المرشد العام بإتباع سياسة معتدلة إزاء حكومة النقراشى مقابل مساعدة من القصر.
ردت جريدة الإخوان بأن البنا مستعد للتعاون مع الوفد إذا تبرع لهذا الحزب بمبلغ 50 ألف جنيه لتنظيم سياسة قومية تساهم فيها كل الأحزاب حسب إمكاناتها!ورغم سوء العلاقة بين الإخوان والوفد فإن العلاقة بين الإخوان والنقراشى لم تكن طيبة بحال.
نشرت صحيفة الإخوان مقالا عن " واجب الحكومة" وحددته بأنه
- " منع وصول قوات بريطانية جديدة وعدم تسخير المرافق لخدمة الإنجليز وإبعاد كل أجنبى يتعامل معهم ومحاكمة كل مصرى يخدمهم بتهمة الخيانة".
وجد الوفد أن الإخوان ينافسونه كما أن تأييدهم للنقراشى يعيطه قوة فقر فض الهدنة بين الحزب والجماعة دون إعلان.
واتجه الإخوان لأول مرة إلى الشرق فطالبوا بأن تلجأ الحكومة فى المم المتحدة إلى " الكتلة اليسارية" بدلا من الكتلة الانجلو أمريكية. ولم يكن الإخوان يعرفون أن مثل هذا التفكير فى تلك الأيام صعب . أما التنفيذ فيقع فى دائرة المستحيل!
ويتجه النقراشي إلى أمريكا فيوفد فى أبريل رئيس أركان حرب الجيش إلى واشنطن لزيارة القواعد والمصانع الحربية والاتفاق على شراء السلاح فتحتج الحكومة البريطانية على الحكومة الأمريكية لعدم استشارة الولايات المتحدة بشأن هذه الزيارة.
ويتراجع وزير الخارجية الأمريكى بالنيابة أمام ممثل السفارة البريطانية قائلا: ليست للزيارة طبيعة سياسية ولن تلعب أمريكا نفس الدور الأساسى فى الشئون العسكرية المصرية والى كانت تقوم به الحكومة البريطانية وفى 7 من مايو 1947 تبلغ الحكومة الأمريكية بريطانيا رسميا بأنها لن تتوسط أو تتدخل بين بريطانيا ومصر!
وتزداد العلاقة سوءا بين النقراشي والإخوان فى مايو أيضا عندما يعتدى رجال الشرطة على موكب الجوالة الإخوان فى حى الخليفة, ويمنع البنا من زيارة بور سعيد.وتتابع برقيات السفارة البريطانية على لندن تصف كل تطور جديد فى موقف الجماعة وسياستها.
كتب السير رونالد كامبل قائلا:
- " الإخوان أبرز المنظمات المصرية التى لها صلة دولية وتتمتع بأهمية كافية لممارسة تأثير ملحوظ على الحياة العامة فى البلاد.إن الأحياء السياسى الدينى لجماعة الإخوان المسلمين يمثل قوة رجعية فهى تدعو للعودة غلى بناء اجتماعى يقوم على تعاليم دينية واجتماعية عفى عليها الزمن"!
ولكن السفير يبرئ الإخوان من العمالة لأية قوى أجنبية . قال:
- " لا تتعرض الجماعة حاليا لنفوذ خارجى سواء كان شيوعيا أو فاشيا ولكنها تمثل أيدلوجية ذات طبيعة سياسية دينية تقتضى بالضرورة تصنيفها كمنظمة سياسية متطرفة"
ويتعين أن نذكر قبل الحرب. كان هناك من الأسباب ما يدعو للشك فى تلقى الإخوان المسلمين أموالا من مصادر ألمانية أو إيطالية أو منهما معا .إن الإخوان المسلمين جماعة مصرية خالصة.
ولكن نجاحها الباهر فى البلاد فى السنوات الأخيرة شجع قادتها على مد أنشطتها إلى الدول الإسلامية المجاورة وخاصة فلسطين وسوريا والسودان".ويتعقب الإنجليز الإخوان المسلمين فى الدول العربية.
سأل الوزير البريطانى المفوض فى عمان الملك عبد الله عاهل الأردن عن لقائه بعبد الحكيم عابدين سكرتير عام الإخوان فقال صاحب الجلالة:
قال الوزير المفوض:
- كان حقا ما تقول يا صاحب الجلالة لو أن الجماعة اقتصرت على واجبها الدينى ولكن التقارير تقول إن دوافع مؤسيسها سياسية بقدر ما هى دينية .
قال الملك عبد الله:
ويثير الوزير البريطانى مسألة الإخوان مع سمير الرفاعى باشا قال رئيس الوزراء:
- ستتدخل إذا أبدت الشعب المحلية فى الأردن نشاطا سياسيا ومن الخطأ أن نظهر عدم موافقتنا عليها نشاط الجماعة مقصورا على النشاط الدينى
ويكتب الوزير المفوض إلى لندن:
- أوافق الملك ورئيس وزرائه على أنه لا داعى للتدخل فى الوقت الحاضر"! وجد الإنجليز أن الاستقرار لم يتحقق فى مصر ولم تعقد معاهدة , وهناك أزمة حادة فى العلاقات بين البلدين ففكروا فى إعادة الوفد إلى الحكم لتحقيق إصلاح اجتماعى يعزز الاستقرار والديمقراطية!
أيد عودة السير روبرت هاو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية الذى تولى بعد ذلك منصب الحاكم العام للسودان والسير أورم سارجنت الوكيل الدائم للوزارة وقدما تقريرا بذلك إلى كلمنت أتلى رئيس الوزراء الذى تولى وزارة الخارجية بالنيابة أثناء سفر ارنست بيفن إلى نيويورك وموسكو.
أبرق اتلى بالتقرير إلى بيفن فى موسكو بدلا من انتظار عودته مما يدل على رغبة اتلى فى التعجيل بخلع النقراشي ولكن بيفن رأى تأجيل القرار حتى يعود إلى لندن فعقد مع أورم سارجنت اجتماعا يوم 6 من مايو.
قال وكيل الخارجية: السؤال الأساسى هو هل نعزل النقراشى أم لا؟
رد بيفن: من الخطأ التصرف على هذا النحو فإذا عزلنا رئيس الوزراء , ولم نحقق النتيجة التى نريدها ستكون فى وضع سيئ.
وأصر بيفن على أن يحتفظ كبار رجال الوزارة " بالبرود" وهدوء الأعصاب إزاء النقراشي. ورفض الوزير البريطانى التدخل فى شئون مصر الداخلية ولكن رجال وزارة الخارجية البريطانية ضغطوا على الملك والنقراشي بأسلوب آخر.
بعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل برسالة إلى النقراشى يحتج فيها على إلقاء قنبلة على دار المعهد البريطانى وأخرى على كلية فيكتوريا بالإسكندرية وكذلك على التأخير فى محاكمة حسين توفيق وزملائه وبينهم أنور السادات الذين اتهموا باغتيال أمين عثمان باشا وزير المالية فى حكومة الوفد.
ويلتقى كامبل بعبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن محتجا لى الحملة العلنية المعادية لبريطانيا وقال:
- إن وزراء مصر يساهمون فى هذه الحملة.
ويضيف:
- هل يعرف ملك مصر ذلك؟
ويحذر قائلا:
- إن صاحب الجلالة يغامر بهذه الإثارة الوطنية.ويلتقى كامبل بالملك بعد أن استغنى النقراشي عن البعثة العسكرية البريطانية فى الجيش المصرى.
وينتقد السفير رئيس وزراء مصر فيرد فاروق:
- النقراشي أفضل من يحافظ على الأمن والنظام.
وأخيرا يلتقى السفير البريطانى برئيس الوزراء ليقدم سلسلة من الاحتجاجات:
- الأول: على عبد الفتاح عنايت الذى حكم عليه بالإعدام فى قضية اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام 1924 واستبدل حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة.
- وكان عبد الفتاح عنايت قد بدأ يكتب مذكراته وفيها يهاجم الإنجليز الاحتجاج الثانى على كاريكاتير نشرته مجلة روزاليوسف يصور حلبة ملاكمة بين مصر وبريطانيا...
وفى هذا الرسم توجه مصر ضربة قاضية لبريطانيا .الاحتجاج الثالث على مسرحية تعرض فى مصر وفيها يقال إن بريطانيا تحاول التفرقة بين مصر والسودان.
ولا يجد النقراشي ما يقوله طبقا لبرقية السفير إلا أنه سيرسل مقالات الصحف وكل هجوم على بريطانيا إلى النائب العام ليرى ما إذا كان ذلك يقع تحت طائلة القانون وفى هذه الحالة يحاكم المسئولين وتتم كل هذه اللقاءات والاحتجاجات وأنشطة السفير ضد النقراشى خلال فترة لا تتجاوز الشهرين!
انخفضت شعبية الوفد لأسباب كثيرة منها الاضطهاد من جانب الحكومة والانحرافات فى الوفد. وارتفعت شعبية الجماعة بالشعارات التى رفعتها معادية للإنجليز , والعاطفة الدينية العميقة فى نفوس شعب مصر , والتنظيم الدقيق للجماعة والتأييد الذى حصلت عليه من الملك وصدقى والنقراشي فى فترات متباعدة!..
قال حمادة محمود إسماعيل فى رسالة ماجستير قدمها إلى جامعة القاهرة عن " جماعة الإخوان ودورها فى تاريخ مصر" إن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت سنوات الإخوان فقد ساعد غياب الوفد عن مسرح الأحداث تنامى الإخوان وقيادتهم للحركة الشعبية ضد الاحتلال ودعوتهم الصريحة إلى إعلان الجهاد باعتباره السبيل الأوحد لإخراج الإنجليز من مصر"
وقال:
- " أدت الجماعة دورا لا يستهان به تجاه قضية الجلاء والاستقلال وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية".
أحس الوفد بقوة الجماعة فهاجمها بأسلوبه القديم...
اتهم الوفد الإخوان بالعمالة للحكومة وخيانة قضية الأمة.نشرت صحيفة " صوت الأمة" الناطقة بلسان الوفد ويرأس تحريرها عدلى المولد المحامى يوم 9 من مايو تحت عنوان " الشيخ راسبوتين .. يفقد عقله وأدبه..."!!
قالت:
- ".. استطاع هذا الشيخ الملتاث أن يكتب خطابا إلى رفعة زعيم الوادى ويحشوه بالمطاعن والسباب ويصور فيه نفسه وما فطر عليه من خلق ...
يا مولانا الشيخ:
- إنك أحقر من أن تكتب إلى وفدى عادى .فما بالك بهذه الجرأة المجنونة التى دفعتك بالكتابة لى زعيم الوادى ناصحا, ومحذرا ومهددا.من أنت أيها الحلس الذى خسر الدنيا والدين , انفض من جماعته كل غيور على كرامة الإسلام والمسلمين؟...
- من أنت يا مدرس الخط حتى تجعل من نفسك شيئا فتتكلم إلى رجل بينك وبينه ما بين الأرض والسماء..؟ هل يد تذبذبك, وحقارة تصرفاتك ضد إخوانك وخيانتك لمبادئ الإسلام الشريف وهل بعد استجدائك عطف كل هيئة وحزب...
- أبعد هذا أيها المستعبد لشهواته ونزوته الوضيعة تجد فى نفسك الجرأة على أن تقوم بدور الممثل التافه فى دور المصلح الهادى؟!يا شيخ راسبوتين... مسكين أنت والله إنك قد فقدت عقلك."
وقالت الصحيفة:
- " دع السياسة يا شيخ لمن يحملون عقولا فى رءوسهم فلست أهلا لها".
وقالت:
- " لم يجد الشيخ حسن راسبوتين بدا من أن يمزق اللثام عن تضليله وتهريجه باسم الدين والإخوان والقرآن ويظهر على حقيقته, وبطبيعته انجليزيا حكوميا وهذا هو ما كنا نبصر به الإخوان ونحذرهم منه حتى يعرفوا شيخهم داعية مأجورا لكل من يدفع الثمن.هذا هو الشيخ البنا أيها الناس.
- هذا الرجل الذى كان مدرسا للخط فضاق بفقره, وحقارة شأنه وتفاهة قيمته ولم يستطع أن يوفق بين طموحه وقدرته فراح يطلق لحيته, ويضلل باسم الدين ويجمع حوله السذج من المسلين لتكون له سيارة وتكون له جريدة ولو غير " سيارة" ولكن الدين فضحه وكشف عن خبيئته.
- لم يخجل الشيخ بل ظهر بالأمس سافرا فاجرا, كافرا بنعمة الدين ونعمة الوطن ولم يستح أن يصبح حكوميا أكثر من الحكوميين ونقراشيا أكثر من النقراشيين أيها الشيخ المأجور .. أقسم لك بمن حرمك من نعمة الأخلاق الإسلامية ونعمة الأخلاق الوطنية أننا لا نتصور ولا نسمح لأنفسنا أن ثمة من يعمل لخيانة بلده من أجل المال.فهنيئا حكوميتك أيها المسكين الذى أراد أن يسخر من الوطنية والدين فهوى إلى أسفل سافلين"!!
وتضامنت صحف الوفد كلها فى الحملة ضد الإخوان.قالت البلاغ إن المرشد العام دأب على أن يتردد بسياسة الإخوان ويميل بها يعتقد الاتفاق تلو الاتفاق, ويبرم الميثاق تلو الميثاق ولكنه ما أسرع ما ينفض يده من هذا ليضعها فى يد ذاك.
وقالت مجلة " الحوادث " بعنوان " دوتشى مصر, بعد دوتشى روما" إن البنا يشبه موسولينى زعيم الفاشية فى إيطاليا ويدعى أنه المهدى المنتظر"!
وتصاعدت حملة الصحف الوفدية وبالذات صوت الأمة على الإخوان فى سلسلة مقالات تحت عنوان واحد " هذه الجماعة تسقط"
وهذه نماذج مما قالته الصحيفة خلال تلك الأيام من مايو ويونيه عام 1947:
- يمعن الشيخ فى التضليل فيزعم انه ليس حزبا سياسيا, إذن ماذا أنت وجماعتك يا هذا؟ أنت تزاول نوعا من السياسة هو أرخص وأقذر الأنواع .انحسر آخر قناع عن وجه الشيخ البنا فإذا به أقبح سياسى لعب على مسرح السياسة فى الجيل الحاضر.... العفن والقاذورات والألفاظ النابية بل والجرائم المنكرة مصدرها وكر الإخوان..أما من الذى أيقظ الفتنة فهو أنت أيها " المرشد " المضلل.
- شيخ متآمر متستر خلف الدين..أيها الشيخ الماجن لقد أفصحت عن حقيقة أمرك, بعبثك, وخداعك فانكشفت سترك ووضحت جنايتك السافرة.إلى زعيم عصابة الإخوان صليتم تظاهرا وتصدقتم تفاخرا, واتخذتم هيئة الصلاح لتتسلطوا على عقول البسطاء.
- إن جماعة الإخوان المسلمين فضيحة قومية للمصريين فى العصر الحاضر.أصبحت ذمة الشيخ مطاطة... الشيخ المصلى العارف بالله يكذب علنا فى جريدته.شخ سوء ينحدر هابطا كلما انتفخ جيبا...
- فهو يتعمق فى الاسفاف كلما افعم جيبه بالمال . أجير لا يكتب من وحى قلمه وإنما يدافع عن انتفاخ جيبه.. ومقياس الصالح من الطالح عنده هخو مقدار ما تمتد له به الأيدى من نفحات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد ما تمتد له به الأيدى من نفخات وعطايا فإن قرأت فجورا وقحة فاعلم أنه قد قبض.الشيخ الأفاك . والشيخ الأشر.
- الإسلام ليس لحية .. ولا عمامة , ولا سفسطة هو تعاليم نبيلة رفيعة تطبع المؤمنين بطابع الشرف والأخلاق.. والسمو وعدم الإسفاف . لا الجرى وراء المال الحرام باستخدام التهريج والدجل والضحك على الدقون...!
ويرد الإخوان فى يوليه فينشرون وثائق تثبت أن السلطات البريطانية ساعدت شباب الوفد فى حملتهم ضد الجماعة.وفى برقيات السفارة البريطانية أن هذه الوثائق مزورة وهكذا تغير موقف الإخوان. كانوا ضد النقراشي فأصبحوا معه.
وكانوا مع الوفد فأصبحوا ضده.وفى رأى البنا أنهم يتفقون ويختلفون مع الأحزاب طبقا لمواقف هذه الأحزاب إزاء مصر المسلمة الوطنية.
ولكن لعبة السياسة التى دخلها الإخوان , أو مارسها الإخوان فى السنوات الأخيرة – كانت تقتضى نوعا آخر من السلوك السياسى!
عارض الملك فاروق فى عرض قضية مصر على الأمم المتحدة كما قالت برقية للقائم بالأعمال الأمريكى.وأيد هذا الرأى كل من إبراهيم عبد الهادي وعبد الحميد بدوي ورأى الدكتور محمد حسين هيكل أن تعرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة.بينما وجد النقراشي أن هذه الجمعية ستحتاج إلى وقت طويل لنظر أفضل الفرص فى رأى النقراشي لتحقيق الجلاء.
وظل النقراشي باشا حائرا شهور مترددا, يقاوم كل الضغوط ثم حسم أمره فقدم محمود حسن باشا سفير مصر فى وشنطن عريضة دعوى مصر إلى مجلس الأمن يوم 11 من يوليو 1947.
طالب النقراشي باسم مصر بجلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان جلاء تاما وإنهاء النظام الادارى للسودان.
أبرق مصطفي النحاس حزب الوفد إلى مجلس الأمن وإلى السكرتير العام للأمم المتحدة يتهم الحكومة بالديكتاتورية وأن النقراشي لا يمثل مصر وليس صوتا شرعيا يتحدث باسمها.
قال النحاس فى برقيته
- " الحكومة المصرية التى رفعت دعوى أمام المجلس لا تمثل على أى وجه شعب وادى النيل الذى تؤيد أغلبية الساحقة الوفد المصرى, وهذه الحكومة على أكثر تقدير تمثل الأشخاص الذين تتألف منهم وتدعى لنفسها حق التصرف فى سياسة مصر الدولية رغم أنفها ,
- ووفقا لما تمليه مصالح سياسية رجعية وإقطاعية , رفضها الشعب المحكوم حكما ديكتاتوريا,فإن شكوى تلك الحكومة إلى مجلس الأمن لا يمكن أن تكون لها قيمة الوثيقة القومية المعبرة عن مطالب الشعب.
قال عبد الرحمن الرافعي فى كتابه " فى أعقاب الثورة المصرية"
- كانت هذه البرقية ضربة أصابت مصر فالأنانية والأهواء الشخصية جعلت الوفد يطعن مصر من الخلف فى الوقت الذى تعرض فيه قضية مصر على تلك الهيئة الدولية العالمية!
أبرق المرشد العام إلى مجلس الأمن مساندا وفد مصر برئاسة النقراشي ومؤيدا مطلب مصر فى الجلاء ووحدة وادى النيل.
قال:
- " يستنكر شعب وادى النيل البرقية التى بعث بها إلى مجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصرى ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها.وسواء كانت حكومة مصر ديمقراطية أو ديكتاتورية فإن الشعب المصرى يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة ,
- أن ذلك أمر يعينه وحده فله وحده الحق فى أن يختار نوع الحكم الذى يريده طبقا لميثاق الاطلنطى ومبادئ هيئة الأمم وله وحده الحث فى ا، يعرض على حكومته ما يريد وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه".
- ووجه البنا رسالة إلى النحاس تحت عنوان " بطلان التوكيل " قال النقراشي باشا يمضى ومن معه إلى مجلس الأمن بتأييد شعب وادى النيل وعلى هدى من الإيمان الوطنى".
واستنكر البنا خطاب النحاس إلى مجلس الأمن ووصفه بأنه سقطة سياسية وعثرة وطنية ومناورة حزبية لا تحرص على الاعتبارات القومية.
وأعلن الإخوان" أن الوفد بدور الطابور الخامس لحساب الإنجليز فى تقسيم الأمة وتمزيق وحدتها"!
وقال:
- " التوكيل الذى منحته الأمة المصرية للوفد المصرى سنة 1918 أصبح باطلا بطلانا أكيدا".
وقالت الرسالة:
- " لا يزال الوفديون بعقلية سنة 1920 فيقولون : الأمة هى الوفد والوفد هو الأمة وأن الشعب منحه توكيلا لا نقض فيه ولا إبرام ويسقطون من حسابهم ربع قرن فى حياة هذا الوطن تبدلت فيه الأرض غير الأرض وتغيرت النفوس .ز انتقل إلى الدار الآخرة أكثر الوكلاء والموكلين على السواء.
- والوفد فى أيامه الأخيرة تخللت صفوفه , طوائف وأفواج , من ذوى الآراء الخطرة والمبادئ الهدامة, الذين لا يدينون بغير الشرعية .. هل ترون أن الوفد قد أدى واجبه بهذا الموقف السلبى يقفه فى هذه الساعات العصبية فى تاريخ الوطن مع أنه كان ولا يزال فى وسعه ان يعمل الكثير لو أراد"
ويطلب الشيخ إلى النحاس أن " يطهر حزبه من الشيوعيين ومن شبابه المفتونين"!
وقال المرشد العام:
- " الوفد خارج الحكم يعتبر الإنجليز أعداء الإسلام والأمة, بل أعداء الشرق كله يجب محاربتهم فإذا تولى الحكم نسى ما كان يدعو إليه فالإنجليز هم الحلفاء المخلصون"!
وكتبت صحيفة:
- "صحف الوفد تفيض إباحية وفجورا وأن على الوفديين أن يحددوا إسلامهم فهم فى تصرفاتهم خصم للإسلام . وحرب على تقاليده وتشريعه وأن الوفديين طابور خامس فى مصر. والنحاس , بعد 4 فبراير كان متعاونا تعاونا كاملا مع الإنجليز".
وقاد البنا مظاهرة مؤيدة للنقراشى.
فى الليلة السابقة على سفر النقراشي إلى واشنطن سئل رئيس الوزراء .
ألا ترى اضطراب الأمن أثناء غيابك؟
- قال لن تحدث متاعب إلا من الشيوعيين:
قيل له:
- والوفد؟
قال:
- لا يسعى الوفد إلى مزيد من عداء الملك له.
قبل له:
- قال: " لقد ألقيت الرعب فى قلب البنا.
ويكتب جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن"
- ويؤكد الإخوان تأييدهم للحكومة وربما يكون السبب ناشئا عن الحرب السائدة بين الإخوان والوفد .والصحافة المحلية تزعم ان السبب الحقيقى يرجع إلى المبلغ الضخم الذى دفعه النقراشي باشا لالبنا من المصروفات السرية ويبدو واضحا أن هذا المبلغ دفع فعلا وقد أحدث تأثيرا لدى قادة الإخوان"!
وتكلم النقراشى فى مجلس الأمن 6 مرات أخرى مفتدا حجج بريطانيا فقال عن السودان:
- " العلاقات بين السكان الذين يقطنون شطرى وادى النيل مسألة داخلية فى بل أهلية.إن الأمر سيعالجه المصريون والسودانيون لا أن يتحدث عنهم لسان حكومة أجنبية فى لندن النائية".
واتهم بريطانيا بالقرصنة قائلا:
- " فقدت معاهدة 1936 قوتها وحيويتها وأخرستها الحوادث ولم يعد صداها إلا كصدى الاشباح وظلت أثرا من آثار أيام القرصنة التى يجه العالم فى نسيانها".
أوفد الإخوان واحدا من أبرز شبابهم مصطفي مؤمن إلى مجلس الأمن مرافقا للوفد المصرى وللدعاية للقضية المصرية فى الولايات المتحدة وفى الأمم المتحدة.وقع يوم 22 من أغسطس 1947 حادثان فى نيويورك والقاهرة فى نيويورك أثناء اجتماع مجلس الأمن وبعد خطاب النقراشي ألقى مصطفي مؤمن خطبة ملتهبة من شرفة الزوار وأشهر وثيقة موقعة بدماء الطلاب تستنكر المفاوضات وتطالب بالجلاء التام وبوحدة وادى النيل.
طرد من قاعة المناقشة فنظم مظاهرة خارج مبنى الأمم المتحدة كما طرد أحمد كامل قطب ممثل الإخوان أيضا لأنه كرر ما فعله مصطفي مؤمن داخل قاعة مجلس الأمن.وفى القاهرة أيد الإخوان خطاب النقراشي فى مجلس الأمن ونشروه كاملا ونظم شيخ البنا مظاهرة فى الأزهر بعد صلاة لتأكيد وقوف مصر وراء النقراشى وتأييد فى مجلس الأمن.
تقدم المظاهرة المرشد العام يهتف بسقوط معاهدة 1936 واتجه المتظاهرون إلى قصر عابدين ووقع بينهم وبين رجال الشرطة صدام حاد وأطلق رجال الشرطة النار على المتظاهرين .
أصيب البنا وأسفرت المظاهرات عن مصرع ثلاثة وإصابة كثيرين ورغم ذلك كتبت السفارة البريطانية إلى لندن تقول:
- " يسود اعتقاد شائع بأن الحكومة تغاضت بل شجعت هذه المظاهرة الخطيرة".
وتكررت المظاهرات فى اليومين التالين ولكن رجال الشرطة نجحوا فى تفريقها دون وقوع حوادث خطيرة.وفى الإسكندرية نظم بعض عمال النسيج مظاهرة أخرى كما جرت مظاهرات أخرى فى طنطا وبورسعيد.
واجتمعت فى مقر الشبان المسلمين يوم 24 من أغسطس عدة منظمات بينها الإخوان وقررت الدعوة إلى إضراب عام ومظاهرات سلمية , يوم 26 من أغسطس بمناسبة ذكرى توقيع معاهدة 1936.
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن بأن
- " البنا يحاول إقناع الزعماء السياسيين بالضغط على النقراشي ليعلن فى مجلس الأمن أن المعاهدة أصبحت باطلة ولا غية".
خشى الإنجليز تدهور الأمن فاجتمع الوزير البريطانى المفوض بوكيل وزارة الخارجية المصرية وطلب منه نقل رسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء بالنيابة بأن الحكومة المصرية ستكون مسئولة عن العواقب التى يترتب على أية اضطرابات إذا سمحت بالمظاهرات والإضراب أو وافقت على عقد اجتماع جماهيرى
وقال الوزير البريطانى لزميله القائم بالأعمال الأمريكى:
- قادة الإخوان المسلمين والشبان المسلمين ومصر الفتاة فى ظمأ إلى الثورة والمجد!رأى الوزير أن بريطانيا يمكن أن تستغل المظاهرات فتعلن لمجلس الأمن أن اضطراب الأحوال فى مصر يحتم بقاء القوات البريطانية فاستدعى أحمد خشبة باشا القائم بأعمال رئيس الوزراء البنا وأحمد حسين وغيرهما من الشخصيات وأقنعهم بالتخلى عن المظاهرات.
- وأذاع أحمد خشبة باشا نداء دعا فيه إلى التزام الهدوء وضبط النفس للصالح القومى . وقال إن ممثلى المنظمات المختلفة سحبوا دعوتهم للقيام بإضراب ومظاهرات.
قال السفير البريطانى:
- " تردد أن البنا مستاء من عدم تشجيع الحكومة لمظاهر التعبير عن المشاعر الوطنية".
وقال السفير:
- " الإخوان المسلمون والشبان المسلمون أعطوا اتجاها دينيا للحملات المعادية للبريطانيين"
ويلتقى البنا بفيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية يوم 29 من أغسطس 1947.وايرلاند رجال السفارة وهو يتصل بكل المسئولين وكل رجال السياسة.فى مصر!
قال المرشد العام:
- أمريكا أظهرت خصومتها لمصر بتأييد موقف بريطانيا فى مجلس الأمن وذلك ليس جديدا أو فريدا. وفى مصر سخط عام ضد أمريكا.أشار ايرلاند إلى المظاهرات التى جرت فى مصر فقال الشيخ :لن يكون هناك مزيد نم الاضطرابات وبوسعى بدؤها وإنهاؤها .
- قال ايرلاند: من المشكوك فيه أن تتمكن من إنهاء الفتنة بعد اشتعالها.
قال الشيخ:
- زاد الإخوان قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة بعد أن انضم إليهم المنشقون عن الوفد. وأصبح عدد الإخوان 600 ألف . وتوجد مجموعة عمل يتراوح أعضاؤها بين 25 و30 ألفا من الجوالة وهم منظمون تنظيما عسكريا ويتلقون تدريبا عسكريا إجباريا مستخدمين أية أسلحة أو معدات يمكن الحصول عليها .
رد ايرلاند:
- فى مناسبات عديدة اتصل أعضاء من الجماعة بمكتب الملحق العسكرى الأمريكى طلبا لكتيبات تتعلق بالأسلحة الصغيرة والتدريب العسكرى .
ويعلق جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى على ذلك قائلا:
- "لا شك فى قدرة البنا على تحريك المظاهرات وتصريحاته الملتهبة تبين استعداده الواضح للمتاعب فى المستقبل.ولا يجب إغفال أهمية الإخوان فى أى حوار سياسى حول مصر.
- لما هو معروف عن تنظميهم فقد زادوا قوة ونفوذا فى الشهور الأخيرة ووضح من حديث الشيخ أنه يؤيد فى الوقت الحاضر على الأقل سياسة النقراشي.
- ونظرا لسجله الماضى الحافل بالانتهازية يمكن أن نستنتج أنه سيواصل تأييده لهذه السياسة مادام ذلك يناسبه شخصيا"
استمر الإخوان والمنظمات الأخرى عد الوفد فى تأييد النقراشي ودعا ممثلوها صالح حرب باشا والبنا وأحمد حسين سفراء الصين وفرنسا وأمريكا غلى تأييد مصر فى مجلس الأمن.وألمح ممثلوها للسفارة الفرنسية ضمنا وفى تهديد مقنع بان مصالح فرنسا فى مصر قد تتأثر إذا واصلت تأييدها لبريطانيا فى مجلس الأمن.
كتبت السفارة البريطانية على لندن:
- " يعد البنا لإثارة الاضطرابات فى أنحاء متعددة نم البلاد فى حالة فشل القضية المصرية أمام مجلس الأمن . وينتاب المرشد العام سخط كبير على قرار الحكومة المصرية بمنع المظاهرات ويعتبر أن الحكومة المصرية تلعب بهذا العمل لعبة أعداء مصر.
ودعا الشعب المصرى للاستعداد لبدء ب[الجهاد]] إذا أصدر مجلس الأمن قراره ضد مصر.ويلقى البنا فى هذا الصدد قويا من صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين.
- ويعمل الرجلان بنشاط لتنظيم الشعب المصرى لقيام بأعمال العنف ويبدو مستبعدا فى الوقت الحاضر أن تتورط الجماعة فى أية نشاطات تخالف بصورة مباشرة الحكومة الحالية , وينطبق ذلك بالنسبة لحزب مصر الفتاة ولكن بصورة اقل.
- ودارت مناقشات مستفيضة حول شن حرب عصابات ضد القوات البريطانية فى دوائر جماعة الإخوان المسلمين والشبان المسلمين .
- والإخوان المسلمون مسلحون تسليحا جيدا وكتائب الجوالة التابعة لهم جيدة التدريب ويمكن للجماعة أن تستخدمها إذا قررت الالتجاء غلى حرب العصابات ولكن الموقف حتى هذه اللحظة لا ينبئ بوجود أى شئ خلف الفكرة العامة وعلاوة على ذلك أعلنت لجنة تحرير النيل تشكيل " كتائب للتحرير" فى جميع أنحاء مصر وبدأت تدريب أعضائها على استخدام الأسلحة.
- ويقال إن هذه الكتائب تتلقى التدريب على أيدى ضباط من الجيش والشرطة.ووجهت اللجنة نداء إلى الشباب المصرى للانضمام إلى هذه الوحدات شبه العسكرية.ولكن السفارة ترى أن قوة الإخوان تتركز فى معارضة الوفد بشدة مما يضمن للجماعة قدرا من التأييد وتسامح الحكومة والقصر معهم".
ومن هذا كله يتضح طبقا لما تقوله السفارة أن الجماعة ترتبط بخيوط مع الحكومة.وبتوجيه الشيخ البنا للقاء الأمير محمد على ولى العهد.
قال المرشد العام:
- أريد مخلصا تجنب الاضطرابات الداخلية.وينقل ولى العهد ذلك إلى جميس بوكر القائم بأعمال السفير البريطانى
قائلا: لا يمكن الوثوق بالبنا فى ذلك ولكن سياسته تبدو فى الوقت الحاضر هادفة إلى تحقيق أثر مهدئ على العناصر المثيرة للإزعاج.
قدمت لمجلس الأمن 3 مشروعات :
- الأول : من البرازيل باستئناف المفاوضات بين مصر وبريطانيا وفى حالة فشل المفاوضات تتبع الوسائل السلمية الأخرى محل النزاع.وقد أيديت الولايات المتحدة هذا المشروع.
- الثانى: من كولومبيا ويقول بأن جلاء القوات البريطانية رهن باتفاق بين مصر وبريطانيا لتأمين حرية الملاحة فى قناة السويس.
- الثالث: من الصين ولا يختلف كثيرا عن المشروع البرازيلى وايدت المشروعات الثلاثة استئناف المفاوضات .
امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم أية مبادرة إلى مجلس الأمن وأيدت بريطانيا تأييدا كاملا.وامتنع الاتحاد السوفيتى وبولندا عن التصويت على أى مشروع قرار لا يتضمن صراحة الجلاء الكامل عن مصر , وإن احتفظا برأيهما بالنسبة للسودان.
أما بريطانيا فعارضت أى قرار ينتقدها , وأصرت على أن معاهدة 1936 سارية حتى يعاد النظر فيها باتفاق الطرفين , أى باتفاق بينها وبين مصر.ولم يحصل أى من المشروعات الثلاثة على الأصوات السبعة المطلوبة ليصبح قرارا.
واكتفى خمسة أعضاء بينهم الولايات المتحدة بإعلان أن مصر لم تقدم دليلا على أن الصراع بين البلدين يشكل خطرا للسلام العالمى وبذلك فإن مجلس الأمن ليس ملزما باتخاذ قرار.
ورفضت الدول الخمس أى قرار بالجلاء بل أرادوا قرار متوازنا يشير إلى أن استئناف المفاوضات سيؤدى إلى جلاء جنود بريطانيا العاجل عن مصر.
دعا الشيخ البنا الشعب غلى ترك العمل والذهاب إلى المساجد فى ذات الساعة التى تعرض فيها قضية مصر أمام مجلس الأمن للدعاء لها بالنجاح وأن يلهم الله مجلس الأمن التوفيق والسداد.
وخطب النقراشي مرتين فى الجلسة الختامية لمجلس الأمن يوم 10 من سبتمبر قال إن مصر ظلت فريسة العدوان خمسة وستين عاما . وكل ما تطلبه أن تعطى حقها الطبيعى". ولكن مجلس الأمن لا يلهم التوفيق أو الرشاد بالنسبة لمصر!
لم يستطع المجلس إلى قرار فى أى من المشروعات الثلاثة وانفض فى المساء بعد اجتماعات استمرت 35 يوما دون اتخاذ قرار فى الموضوع وأجل القضية لأل غير مسمى مع الاحتفاظ بالنزاع المصرى البريطانى فى جدول الأعمال.وقامت المظاهرات فى مصر فى اليوم ذاته ضد بريطانيا احتجاجا.
اعترض المسئولون فى وزارة الخارجية الأمريكية على سياسة بريطانيا فى مصر.. وكان من بين المعارضين لهذه السياسة لوى هندرسون مدير إدارة افريقيا والشرق الأدنى وجوردون ميريام رئيس قسم الشرق الأدنى والوزير الأمريكى المفوض فى مصر بنكتى تاك .
وابلغ هندرسون ذلك إلى السفارة البريطانية فى واشنطن. وكتب مذكرة إلى وزير الخارجية الأمريكية قال فيها:
- " وجود القوات البريطانية فى مصر يسمم وبسرعة مناخ منطقة الشرق الأوسط والأدنى كلها.وإذا لم يتم الإعلان فى المستقبل القريب عن أنه سيتم سحب هذه القوات دون شرط فإن علاقات العالم العربى مع الدول الغربية ربما تتعرض لضرر بالغ خلال سنوات عديدة قادمة ".
ويوجه مساعده جوردن ميريام نقدا يفكر بيفن أيضا فى نقل القاعدة البريطانية من مصر إلى برقة فى ليبيا مع بقاء القوات البريطانية فى مصر حتى يتم ضمان القاعدة البديلة!ويزور النقراشي واشنطن ويلتقى بجورج مارشال وزير الخارجية والرئيس ترومان.
قال النقراشي للوزير الأمريكى:
- الدين الإسلامى يتعارض مع الشيوعية ولكن استمرار بقاء القوات البريطانية فى مصر يثير استياء ويوفر أرضا خصبة للتسلل الشيوعى
وقال النقراشي:
- إذا لم تعامل الولايات المتحدة مصر على قدم المساواة وباعتبارها دولة مستقلة فإن التأييد المصرى للدول الديمقراطية لن يكون متوقعا.
أعرب مارشال عن سروره الشخصى للاجتماع برئيس وزراء مصر ولكن أحدا من الرجلين لم ينجح فى اختراق تحفظ الآخر فقد بقيا متباعدين .. كما قال مارشال وهو يصف نتيجة الاجتماع.
ويطلب النقراشي من الأمريكية مساعدة اقتصادية وقرضا قدره 80 مليون دولار وشراء القطن المصرى طويل التيلة وبعثة عسكرية أمريكية لتطوير الجيش والطيران المصرى وتدريب المصريين فى أمريكا, وتشغيل المطارات العسكرية والمدنية وإقامة مصانع للأسلحة الصغيرة والذخيرة ز ولكن خاب أمل النقراشي فى الولايات المتحدة.
قال له الأمريكيون:
- لا بوجود قانون أمريكى لتقديم مثل هذه المعونة. فلما ألح النقراشى اعترفوا بأن الكونجرس يدرس قانونا للبعثات العسكرية ولكن أى برنامج للقوات المسلحة المصرية يحتاج إلى صناعة مصرية لتدعيمه.
وقالوا له:
- إذا نشأ لدى المصريين إنطباع بأنه يمكن الحصول على مساعدة أمريكية بمجرد طلبها فإن ذلك يعتمد على التوصل إلى نهاية ناجحة للمفاوضات المصرية البريطانية.
وألقى الأمريكيون " ماء باردا " على طلب المساعدة الاقتصادية. ولم يعرف النقراشي أن السبب هو التقارب الأمريكى البريطاني وأن البريطانيين قالوا للأمريكيين:ما نريده هو التعاون معكم فى الشرق الأوسط بدلا من أن تحلوا محلنا.
أى تحركات من جانب الولايات المتحدة فى مصر ز ستكون موضع استياء لندن.إقامة بعثة عسكرية أمريكية فى مصر بعد سنوات طويلة من النفوذ البريطانى إحراج فاس لبريطانيا قد يؤثر على العراق والدول العربية ويقلل من النفوذ البريطانى فى المنطقة.
وإذا كان [[النقراشي قد أراد إغراء الأمريكيين بأن مصر ضد الشيوعية وأن عدم المجىء يساعد على انتشارها فى مصر . فإن البنا دون اتفاق مع النقراشي. وبدون علمه أيضا أراد استمالة السفارة الأمريكية فى القاهرة لأن الإخوان يستطيعون مساعدة الولايات المتحدة فى مكافحة الشيوعية التى قد تنتشر فى مصر.
وكان هدف البنا . مثل النقراشي, محاولة التفرقة بين الإنجليز والأمريكيين وإقناع الولايات المتحدة بخطر الشيوعية التى قد تزحف على مصر.وموقف الإخوان من الشيوعية واضح عبروا عنه فى مناسبات بأن الشيوعية والدين متناقضات
قالت صحيفة " الإخوان ":
- الشيوعية مذهب هدام يحرض على الثورة ويعتبرها الوسيلة الوحيدة لتنفيذ أغراضه . ويسير مع هذا النظام الإلحاد والإباحية .
وقال البنا فى تصريحات علنية إن الحل الوحيد لتلافى إخطار الفكر الشيوعى الوافد هو الاتجاه إلى الصناعات الكبرى وتحديد الملكية الزراعية وزيادة الانتاج والعودة إلى تعاليم الإسلام الحنيف. وقال إن الأساليب البوليسية لمكافحة الشيوعية لن تجدى.
طلب المرشد العام للمرة الثانية مقابلة فيليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة.تم اللقاء بين المرشد العام والسكرتير السفارة الأمريكية فى بيت ايرلاند وحضره محمد الحلوجى من أعضاء الجماعة والدكتور محمود عساف مدير إعلانات صحيفة الإخوان.
احتسى المرشد زجاجة الكوكاكولا كما قال محضر الاجتماع الذى كتبه ايرلاند ثم قال:
- الشيوعية فى الشرق الأوسط خطر داهم على جميع الشعوب . والإخوان المسلمون يحاربون الشيوعية بكل الوسائل الممكنة. ومن الطبيعة أن يترك أعضاء الجماعة عملهم الأصلى لدخول الخلايا الشيوعية للحصول على المعلومات وعندما يفعلون ذلك فنهم يتركون وظائفهم .
- وبذلك يفقدون مرتباتهم وإذا أمكن تعينهم على أساس أنهم محققون وباحثون فإن هذه المشكلة يسهل حلها.واقترح الشيخ البنا انشاء مكتب مستقل مشترك بين الإخوان والحكومة الأمريكية لمحاربة الشيوعية.
- وفهم ايرلاند من ذلك أن تتولى الولايات المتحدة إدارة المكتب بينما يكون أعضاؤه فى أغلب الأحيان من الإخوان.
- ابدى المرشد العام تحفظا واحدا. قال : أمريكا تؤيد أهداف الصهيونية ولذلك يجب أن تكون للإخوان حرية الاعتراض على أمريكا فى هذه النقطة.
- دارت مناقشات بين ايرلاند والشيخ الذى أحس أنه أعطى انطباعا بأنه والجماعة اندفعوا وراء المعونات الأمريكية كما يقول إيرلاند
فقال الشيخ:
- الجماعة لا ترغب فى الحصول على سنت واحد من المال الأمريكى. وسيكون المشروع بأكمله فى يد السفارة الأمريكية ويسعد الإخوان إمداد السفارة بالأشخاص المناسبين بالقدر الذى تراه السفارة ضروريا.
رفض ايرلاند قائلا:
- لن نرحب الحكومة الأمريكية بمثل هذا العرض إن معوناتنا التقدم للمنظمات الخاصة أو المنظمات شبه العلنية . ولكنها تقدم فقط للحكومات كما هو الحال بالنسبة لليونان وتركيا.
قال المرشد العام:
- لا أريد إجابة ولكنى أرغب فقط فى عرض الفكرة وسيجرى محمود عساف معك محادثات تفصيلية.
ولكن..فى اليوم التالى نشرت صحيفة " الإخوان المسلمون" مقالا عنوانه " أمريكا والعالم العربى".. هاجمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
قال الكاتب عمر عزمى:
- " هذا القلم الذى بهرنى منظره واجتذبنى بهرجته فاشتريته ثم ندمت على افتتانه حسن المظهر سيئ الجوهر .. هذا القلم أمريكى. وهذه القصة أو المجلة التى أعجبنى مجلدها واستهوتنى صورها أمريكية لأنها قصة فجة بلا حبكة, ولا موضوع ولا أسلوب أدبى.
- وهذه ربطة العنق المتعددة الألوان الفاقعة أمريكية لأنها ذات مادة رخيصة سرعان ما يذهب طلاؤها ويتمزق نسيجها . وهذه السيارة الفارهة التى تخطف بصرك فى الشوارع بلونها الباهر وهيكلها الفاخر , لا تلبث بعد فحص محركها إلا أن تلعن بائعها, أمريكية.
- وهذا الشاب الوسيم ذو المنظار الذهبى الذى يتنافى مظهره مع ما يبطن من عربدة فى الأخلاق , وجهل فى الثقافة العامة , أمريكى ولكنه تلقى فنون الاحتيال على الطريقة الأمريكية!!
- وفى وسعنا أن ندرك كنه هذا الطابع وسره إذا رجعنا إلى تاريخ تكوين الولايات المتحدة الأمريكية , فالشعب الأمريكى خليط من مختلف الأجناس التى هجرت أوطانها واتخذت من أمريكا وطنا لها.وهؤلاء المهاجرون ماديون بنشأتهم أنانيون بطبعهم لايهمهم من الحياة إلا التنقيب عن الذهب واتخاذ دولارات منه يغرون بها العالم".
ويزور ايرلاند صديقا له فيجئ الشيخ البنا لزيارة ذلك الصديق وعلى الفور قال ايرلاند للشيخ:
- أشعر بالدهشة لأنك عرضت بذلك جهود مشتركة بين الإخوان والسفارة وفى اليوم التالى مباشرة نشر عمر عزمي مقالا فى جريدة الإخوان حمل فيه بعنف على أمريكا وسياستها ووصفها بأنها مخادعة وهاجم نزاهة الأمريكيين عامة .
حاول الشيخ البنا أن يصور المقال بأنه ليست له أهمية وانه نتيجة الغضب الذى يشعر به الإخوان تجاه أسلوب امريكا فى فلسطين.أترك مثل هذه الأمور لرئيس تحرير الصحيفة وربما سيحل محله شخص آخر وآمل ألا يؤثر الحادث على اقتراحاتى.
قال ايرلاند:
- من الصعب اتخاذ إجراءات عملية !
وتوجه محمود عساف ومحمود الحلوجي بعد ذلك لمقابلة ايرلاند وبحثا معه تفصيلات إنشاء مكتب لمكافحة الشيوعية ولكن ايرلاند أبلغهما بأن هناك أملا ضئيلا فى تنفيذ المشروع.
ويفشل البنا فى الاجتماع بإبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان ولكنه يلتقى بأحمد خشبة باشا رئيس الوزراء بالنيابة ليدعوه إلى تنسيق النضال المشترك.وافق خشبة ولكنه طلب من المرشد العام الانتظار حتى يعود النقراشي باشا من مجلس الأمن.
وتوجه صحيفة الإخوان نداء إلى الأمة يدعوها لضم الصفوف لتحقيق الحرية والاستقلال بدلا من الانفعال المؤقت ونتوخى اليقظة والتأنى بدلا من تأجير الشقق لهم أو التعامل معهم وإبعاد البريطانيين ورعيا الدول التى صوتت ضد مصر فى مجلس الأمن من البلاد!
ويستمر الإخوان فى حملتهم على الوفد عساف مدير شركة إعلانات الإخوان الذى يستقبل من عضوية الهيئة التأسيسية للجماعة حتى لا يقال إن الإخوان يهاجمون الوفد بنفس أسلوبه بل ينسب الهجوم إلى صحيفة لا تنتمى للجماعة ويشترك فى التحرير الشاعر محمد مصطفي حمام..
وكانت قد صدرت فى مصر مجلة " الكشكول" لصاحبها سليمان فوزي لتهاجم سعد زغلول واتبعت " الكشكول الجديد " أسلوب " الكشكول " الأول القديم لتهاجم زعيم حزب الوفد الجديد مصطفي النحاس باشا.
ومن العدد الأول , انتقدت المجلة زعيم الوفد الذى يحمل لقب " سير" من بريطانيا وتهاوت المجلة فى هجومها على الوفد وزعيمه إلى مستوى جريدة " صوت الأمة" وغيرها من صحف الوفد فقد انحدرت صحف ذلك الزمان واندفع الإخوان والوفد بعنف فى الهجوم واللدد فى الخصومة.
عاد النقراشي إلى مصر يوم 21 من سبتمبر بعد غياب طويل فأعد له الإخوان استقبالا حماسيا رائعا على أمل أن يسلك طريقهم فى الجهاد ضد الإنجليز .
ولكن النقراشي كان قد فقد توزانه كما يرى سيريل كويليام مراسل صحيفة التايمس البريطانية الذى كتب يقولك
- " أحس النقراشي بأن العالم يقف ضده وأن مهمته فشلت فشلا كاملا"
ولم يكن النقراشي وحده الذى يشعر بذلك بل غمرت هذه الأحاسيس مصر كلها .وجدت مصر نفسها فى عزلة بعد قرار مجلس الأمن . وساعد قيام الحرب الباردة على زيادة مخاوف المصريين من قرب قيام حرب عالمية ثالثة . وبقاء القوات البريطانية إلى أجل غير مسمى فى مصر وعودتها إلى احتلال قلب المدن الكبرى.
وانتشر وباء الكوليرا ليضاعف السخط الشعبى قتل الوباء 12 ألفا من المصريين ولكن الحكومة بعد 3 شهور نجحت فى القضاء عليه.ودعا الإخوان إلى مقاطعة الأمم المتحدة والدول التى وقفت ضد مصر فى مجلس الأمن وتظاهروا تحية لرئيس الوزراء وتأييدا له بينما حملت عليه الصحف الوفدية.
وطلبت الجماعة إلى شعب وادى النيل إعلان الجهاد قائلة إن ذلك ليس تعصبا وليس نضالا مؤقتا ودعت النقراشي إلى قيادة الشعب فى الكفاح أو يفسح الطريق لوزارة ثورية مجاهدة.
وتجمعت المظاهرات بعنف ضد الإنجليز فى الإسكندرية.وتحرك الشيوعيون فحرضوا على أكبر إضراب فى مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشاركوا فى إضراب لعمال شبرا الخيمة. حدد النقراشي سياسته وهى " تجاهل الإنجليز تجاهلا تاما" كان ذلك دون مطلب الإخوان .
فبعث الجماعة إليه برسالة قالت فيها:
- " شعر الإخوان منذ عودتكم من أمريكا , بعد تعليق القضية المصرية فى مجلس المن, بأن تلك الحماسة الباهرة خبت جذوتها ولانت حدتها. ولم يجد الإخوان أن الحكومة خطت بالأمة خطوة حازمة فى تحقيق مطالبها أو نهجت نهجا واضحا فى إصلاح الداخلى يقضى على مظاهر التحلل والفساد فى حياتها الاجتماعية.
- وقد أصدرت الحكومة أمرها إلى رجالها بالوقوف فى طريق نشاط الإخوان ومنع حفل فرع هيئة وادى النيل العليا بالمنيا لإنقاذ فلسطين بمجرد أن تبنيت الإدارة أن للإخوان يدا فى إقامته وقبض على بعض طلاب الجامعة من الإخوان وزج فى السجن وعوملوا أسوأ معاملة".
ويكتب بنكنى تاك القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن يصف حال مصر قال:
- " حكومة النقراشي مستقرة والجامعات أجلت الدراسة. والوفديون هادئون عدا مقالات يكتبها محمود أبو الفتح فى صحيفة " المصر" .. المتصلون بالقصر يقولون إن صاحب الجلالة يرى أنه لا داعى لسحب ثقته من النقراشي فالملك يكره النحاس ولا يريد عودته. والمفاوضات مع بريطانيا لن تستأنف إلا إذا انسحبوا من مصر وعدوا نهائيا بالانسحاب.
- ولكن الإنجليز لن يتفاوضوا مع رجل انهال عليهم بالسوط فى مجلس الأمن وجعل العالم ينظر إليهم باحتقار.ومع ذلك فالنقراشي يعتبر رئيس الوزراء المثالى لعقد معاهدة مع بريطانيا فقد أظهر مشاعره المعادية لها. وربما يقبل الشعب معاهدة يوقعها النقراشى أكثر من معاهدة يوقعها النحاس."
كان النقراشي قد انتصر وهو لا يدرى توقعت وزارة الخارجية البريطانية أن يعود إلى القاهرة من مجلس الأمن فيطلب التفاوض مع بريطانيا لإنهاء الأزمة. ويهدد بعرض نتيجة المفاوضات على مجلس والرأى العام العالمى ويثير المشاكل.ولذلك أرسلت وزارة الخارجية إلى رؤساء أركان حرب القوات البريطانية تطلب منهم الوصول إلى حل يرضى مصر ويتفق مع المتطلبات العسكرية البريطانية فى الوقت نفسه.
وقال وزارة الخارجية:
- نريد بداية جديدة للمفاوضات لا تعتمد على معاهدة 1936 أو مشروع معاهدة صدقى بيفن.ولا توجد فرصة للاتفاق مع مصر على وضع وحدات عسكرية أو نواه يادة إقليمية للشرق الأوسط وقت السلم.ولا توجد لدينا تسهيلات فى فلسطين ولكننا نمسك زمام الأمور فى برقة بليبيا.
- وطلبت وزارة الخارجية من القادة العسكريين بذل كل جهد لتخفيض مطالبهم العسكرية من مصر وقت السلم وتمسكت بحق عودة القوات البريطانية إلى مصر عند الضرورة.وقالت وزارة الخارجية للقادة
نريد تحسين فرصة الوصول إلى معاهدة مع مصر.
- واستعملوا التسهيلات العسكرية فى مناطق ليست كثيفة السكان مثل سيناء وإقامة قواعد بديلة فى الدول المجاورة كالأردن بدلا من منطقة القناة ودلتا نهر النيل.
اجتمع رؤساء أركان الحرب وبعثوا إلى وزارة الخارجية فى 20 من نوفمبر 1947 يقولون:
- " لا يمكن إقامة قواعد عسكرية مرضية فى سيناء والأردن مهما أنفقنا من أموال طائلة والأفضل العمل على تخفيض متطلباتنا وقت السلم.ولكن لا يمكن الاستغناء عن مصر كقاعدة فى حالة نشوب حرب عامة فى الشرق الأوسط ولا توجد منطقة آخرى لها نف إمكانات مصر الصناعية وتسهيلات الموانى والطائرات والمنشآت الادارية والقوى العاملة.
- ومن الضرورى أن نحصل على حق إعادة دخول قواتنا وقت الحرب وضمان صيانة هذه التسهيلات وقت السلم.ولذلك يجب وجود فنيين بريطانيين فى مصر وقت السلم لأن المصريين لا يستطيعون صيانة هذه المنشآت.
- وإذا أردنا سحب قواتنا بسرعة إلى سيناء فلا توجد بها إلا منشآت إدارية محدودة فى رفح ولابد من القيام بأ‘مال ضخمة لتوفير مصادر المياه ولا تتوفر عمالة كافية أو موان مجهزة ومستودعات"
وينتهى رأى رؤساء أركان الحرب إلى ضرورة إقامة القيادة المشتركة بمصر وقت الحرب.ولكن رؤساء الأركان يخفضون مطالبهم إلى الحد الأدنى وقت السلم فيقترحون أن يبقى عدد محدود من الفنيين البريطانيين فى مصر بملابس مدنية وقت السلم لإدارة وصيانة المنشآت لتكون صالحة لاستعمال والاحتفاظ بالحد الأدنى من التسهيلات الإستراتيجية فى منطقة القناة وقت السلم وحق إعادة دخول القوات البريطانية وقت الحرب.
ووافق القادة البريطانيون على أن يتولى المصريون مهمة حراسة المنشآت واقترحوا تدريب المصريين على الدفاع الجوى والقيام بطلعات إلى القواعد الجوية فى برقة وقبرص. وهذه القرارات هى التى وافقت عليها مصر تقريبا, فى اتفاقها مع بريطانيا بعد الثورة عام 1954 ولكن النقراشي لم يكن يعلم بهذا كله.ولم يكن الإخوان أو الوفد يعرفون.
فى تقارير المخابرات البريطانية أن 15 من الجماعات السياسية المتطرفة وحدت صفوفها فى سبتمبر من عام 1947 لمقاومة البريطانيين تحت قيادة البنا.
فقد أقامت منظمات الشباب الوطنى الإخوان والشبان المسلمين ومصر الفتاة والحزب الوطني وحزب مصر الفلاح الاشتراكي جبهة متحدة على أساس وحدة وادى النيل وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقية السودان 1899 وأبلغت السكرتير العام للأمم المتحدة بذلك.
ويكتب البنا
- " إذا كانت الحكومة تثق بالأمة فعليها أن تتركها تجاهد "
وترد الحكومة بتفتيش مقر صحيفة الجماعة ومركزها العام!
وفى أول يناير 1948 قدم البنا مذكرة إلى الملك فاروق طلب فيها إقالة وزارة النقراشي لسلبيتها بسبب تقاعسها عن المطالبة بإلغاء معاهدة 1936 واتفاقية الحكم المشترك للسودان واحتج على سياسة " السودنة" التى تطبق فى السودان واعتبر الحكومة المصرية مسئولة عنها! وانتقد وقوف الحكومة مكتوفة اليدى منذ عودة رئيس لوزراء من مجلس الأمن:ودعا إلى تشكيل وزارة قوية قادرة.
وشكا من أن الحكومة أصدرت تعليمات إلى البوليس للحد من نشاط جماعة الإخوان المسلمين منذ قيام الإخوان عريضتهم إلى الملك لإقالة الوزارة وحذر الشيخ من أن الإخوان لن يلتزموا الصمت أو يقفوا مكتوفى الأيدي. إذا أدت تصرفات الحكومة إلى ضياع حقوق البلاد .. غير أن الإخوان يلتزمون بنصوص القانون والدستور فى معارضتهم !
وعارض البنا استئناف المفاوضات مؤكدا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد أمام مصر.وقال إن شعب وادى النيل مستعد لتقديم جميع لتضحيات ولا يحتاج إلا إلى القيادة وحسن التنظيم.
واختتم البنا مذكرته التى نشرتها صحيفة " الإخوان " بالحديث عن المحنة الاقتصادية التى تواجهها مصر ودعا إلى تشكيل جبهة لتحقيق أمانى الأمة . ويطرأ عنصر جديد فى الأزمات المتلاحقة بين الإخوان .والملك والنقراشي يحول الأنظار عن مصر وعن كلمات النقراشي المدوية فى مجلس الأمن والتى سمعها الإنجليز لأول مرة.(أيها القراصنة .. أخرجوا من بلادنا) اتجهت مصر ولأول مرة منذ زمن بعيد إلى اليمن كانت هناك أسباب قوية ولكنها كانت نقلة بعيدة!
ثورة ... ولكن بعيدة
أذيع فى عدن يوم 14 من يناير 1948 أن ثورة قامت فى اليمن وأن الإمام يحيى حميد الدين قتل وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة. وكان النبأ كاذبا فالإمام يجلس على كرسى العرش يحكم ويدير شئون البلاد!
ولكن النبأ جعل مصر كلها تتلفت حولها إلى يمن وما يجرى فيه.... وإلى الإخوان المسلمين ودورهم فيه! حكم الإمام يحيى بلاده منذ عام 1904 وهو زعيم طائفة الزيدية التى تضم معظم السكان.
استطاع الإمام أن يجمع القوات لمحاربة الذين يحتلون اليمن.ورفع معهم معاهدة عام 1911 حققت البلاد الاستقلال الذى استكمل تماما بعد هزيمة الأتراك فى الحرب العالمية الأولي.
وعقد الإمام معاهدة مع إيطاليا اعترفت فيها باستقلال اليمن. وعقد مع السوفييت معاهدة تجارية.واعترفت بريطانيا باستقلال اليمن عام 1934 بمعاهدة , كما وقع فى نفس السنة معاهدة مع السعودية لتعيين الحدود تنص على التحالف والمساعدة المتبادلة أثناء الحرب.
وفى عامى 45, 46 عقد معاهدتين مع كل من مصر والعراق,.وانضم للجامعة العربية وقبل عضوا فى الأمم المتحدة ولكن الإمام فرض سياسة العزلة تماما عن العالم الخارجى لخوفه الدائم من الأجانب , بما فى ذلك العرب وما يتوقعه من تدخلهم فى شئون اليمن. وكان أول ما فعله إغلاق المدارس, وجعل مدرسة الصناعة سجنا ,كان يعرض الجيش حافيا!
شكا الناس من ظلم الإمام, وطلب وزراؤه زيادة المرتبات. رفض الإمام وقال للوزراء:
- قتل سلطان الجن, وأصبحت حكومة الجن فى حالة فوضى. وإنى أحاول تعيين سلطان آخر بدلا من السلطان القتيل, وعلى الناس الاجتماع بيوتهم حتى يتم ذلك.وأبلغ الإمام عماله بأن على الناس أن يستعملوا القطران فى بيوتهم وأبدانهم تحفظا من الجن!
- صدق الناس الإمام وأقلبوا على شراء القطران واختبئوا فى بيوتهم خائفين لأنهم أى الجن بلا سلطان يحكمهم.
اجتمع الإمام بوزرائه بعد أن سمع ذلك وقال لهم:
- مثل هذا الشعب لا يمكن أن يثور على إمامه!
فى البرقية رقم 57 وتاريخها 30 من سبتمبر 1954 قال وليم ساندر نائب القنصل الأمريكى فى عدن:
- " يعتمد الإمام على الطابع الكهنونتى لسلطته. وهو أشبه بشخصيات الأمراء الذين أظهروا فى جنوب غرب ألمانيا فى العصور الوسطى وإدارة اليمن شخصية تماما الإمام هو السلطة التنفيذية.والتشريعية والقضائية ويقال إنه ينسخ جلسات المحاكم بخط يده.
- وأى طلب للحصول على أدوية من الصيدلية الملكية , التى تحتكر هذه الأدوية يجب أن يصدق عليه أحد أمراء الأسرة المالكة وطلب الحصول على البنزين يجب أن يصدق عليه أمير آخر!
- والأمن الداخلى على ما يرام ولكن يتولى جنديان على الأقل , من حرس القصر مراقبة كل زائر لليمن وينقلان تقاريرهما إلى الإمام مباشرة.والميزانية وثروة الإمام الشخصية ب 160 مليون ريال على الأقل حوالى 45 مليون جنيه استرلينى وهذه لثروة مدفونة تحت بلاط قصره فى صفائح " جاز" ونظامه الضريبى " اغتصاب على نظام واسع"
- وبسبب نظام الحكم انخفض الإنتاج عما كان عليه منذ ثلاثين عاما . والإمام فى الثامنة والسبعين من عمره يصفه زواره بأنه شخصية جذابة مؤثرة. وأدت هذه الجاذبية إلى حمل الكثيرين ممن التقوا به على عدم تصديق أن هذا هو الرجل الذى سمعوا عنه الكير جدا من الأشياء التى تحط من قدره !
- وهناك شائعات بان الإمام أصيب أخيرا بنوبة شلل... وربما تكون هذه الشائعات نوعا من الأمنيات.ومن النادر أن يغادر الإمام عاصمته وخلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية كان الإمام متهما على نطاق واسع بأنه موال لايطاليا لأن أوثق علاقاته مع الأجانب كانت مع الإيطاليين والأطباء الأربعة الذين لا يوجد غيرهم فى اليمن .. إيطاليون.
- والذين يعرفون اليمن جيدا يقولون غنه لم يكن مواليا لايطاليا ولكنه مناهض نشيط لبريطانيا وكان يرغب فى إدخال النفوذ الإيطالى إلى البحر الأحمر لموازنة النفوذ البريطانى وتأكد موقفه من عدم الثقة بالأجانب من خلال حوادث تعسة منذ بضع سنوات قيل إن غواصا يونانيا , تلقى خمسين ألف ريال يمنى مقدما لتشييد بعض المنشآت فى ميناء الحديدة ثم اختفى.
- ويحتل أبناء الإمام وهم " سيوف الإسلام " وعددهم تسعة معظم المراكز العليا فى الإدارة اليمنية.أما إخوة الإمام الخمسة فقد طردهم جميعا من اليمن".
- وتنبأت برقية القنصل الأمريكي بالمستقبل قالت :
- "عين الإمام ابنه الأكبر أحمد... وليا للعهد.ورغم أن شغل منصب الإمام يتم بالانتخاب لا بالوراثة. وأحمد فى الثانية والخمسين من عمره ,هو نائب الملك فى تعز ويحمل أيضا لقب القائد العام.وأكسبته أعماله التى اشتهرت بقسوة بالغة, وخداع ,وانحراف لقب " النمر" وتجمع الآراء على أن حكمه سيكون أسوأ من حكم أبيه.
- ولا يخلو حكم الإمام من عناصر المعارضة رغم الإجراءات القاسية ومعظم المعارضين اللاجئين فى عدن ينتمون إلى "حزب الأحرار اليمنى" وهم شبان مثقفون تأثروا بالأفكار العصرية عن طريق مصر التى تروج لنزعات ديمقراطية تقدمية".
وصفت صحيفة الإخوان المسلمين سوء الحوال فى البلاد فقالت:
- " يشعر الشعب اليمنى بأنه متخلف عن ركب الحياة , يعيش فى مجاهل الظلام. بينه وبين الرقى والتقدم حجاب منيع من الظلم والأوضاع التى لا تتفق مع مطالب العصر, وحاول المستنيرون من أبنائه أن يتقدموا بالنصيحة لجلالة الإمام. وطالبوا بالإصلاح الضرورى الذى لابد منه فلم يجدوا إلا العنت والإرهاق مما اضطرهم إلى الهجرة والتشتت فى كل مكان وألقوا على أنفسهم " اليمين الأحرار".
وصلت إلى اليمن بعثة فرنسية تطلب من الإمام يحيى السماح بمد سكة حديد من الحديدة إلى صنعاء فلم يوافق واتفقت شركة أمريكية مع اليمنى على التنقيب عن البترول عام 1946 وفى توقيع الإمام ولكنه رفض عندما علم أن أجر العامل فى الشركة ريال كل يوم فاستكثر الأجر بالنسبة لمرتب الجندى والعامل الحكومى كما أن أجر عشرة عمال للبناء أو الزراعة ريال واحد فى الشهر.
وف كتابه " لمحات من ذكريات الطفولة " قال اللواء عبد الله جزيلان:
- " نمى إلى علم ولى العهد أحمد أن أهالى تعز يحوزون صناديق الطرب " فونوغراف" فأمر العكفة الحرس الخاص باقتحام البيوت ومصادرة هذه الصناديق لأنها كما تصور –سبب للفساد.وهدد بهدم كل بيت يخفى شيئا من الصناديق أو الصحون " الاسطوانات" وهدمت بعض البيوت ... فعلا"
وينتهز البنا فرصة وجود صالح محسن سكرتير الإمام أحمد بالقاهرة فيحمله رسالة شخصية للإمام... ثم يسلم القاضى العمرى رئيس الوزراء رسالة
قال المرشد العام للإمام يحيى:
- " لم يعد بد من أن تقوم فى اليمن حكومة إسلامية مسئولة ذات اختصاصات وسلطات واضحة يؤازرها مجلس شورى يمثل طبقات الشعب.ولن ينتقص ذلك شيئا من حقوق الإمامة وسلطانها الشرعى فلها الرأى الأعلى ولكنه تنظيم يرتفع معه شعور الأمة بحريتها وكرامتها الإنسانية . وكان حرص جلالتكم علي سلامة الأمة الوطنية وصيانة تقاليدها واستقلالها يحمل دائما على الحذر من التعجل بمطالب الإصلاح الذى لابد فيه من الخبراء الأجانب .
- وبحمد الله على أنه وفق البلاد العربية إلى امتياز فى مضمار التقدم الاقتصادي يجعلها كفيلة بإمداد اليمن بما تريده من الخبراء بمجرد إشارة من مولانا الإمام بقى أن أتقدم إلى جلالتكم مستأذنا فى شأن أبنائكم فى المهجر الذين دفعتهم الغيرة وحب الخير للدولة والأمة والله فتنادوا بالمطالب الإصلاحية ودعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم العمرانى تدفعهم حماسة الشباب إلى شئ من التطرف".
وهكذا رأى الإخوان أن يكونوا واسطة بين الإمام وشعبه وحددوا للإمام دوره وما يجب أن يكون عليه الحاكم المسلم!ّ قدر عدد سكان اليمن بنحو خمسة ملايين يربط مدنها الكبرى خط العراق حكومة ويدفع الأهالى ثمنا غاليا لبرقياتهم.والتليفون للاتصالات الحكومية وحدها أما البريد فينقل بالجمال .ويملك اليمن باخرة واحدة وطائرة واحدة يستعملها الإمام.
وممنوع على الشعب أن يركب أية طائرة حتى لا يطير فى السماء بينما الأمراء على الأرض! وعدد السيارات ستون !والطرق ممهدة.وكانت لليمن إذاعة تعمل نصف ساعة. بعد مغرب يوم الخميس من كل أسبوع . لإذاعة الأخبار الرسمية ولا تقدم غناء أو برامج.ولا توجد ميزانية عامة للدولة!
ولم يكنن بالبلاد بنك يمنى أو أجنبى والعملة المتداولة هى الريال الفضى النمسوى وعليه صورة امرأة هى إمبراطورة النمسا ماريا تريزا , وقد تم صكه فى فيينا عام 1785!ويعتمد الإمام يحيى على نظام الرهائن كما كان يفعل محمد على باشا والى مصر فأتى إلى صنعاء بنحو 4000 من أبناء القبائل ليضمن ولاءها ويستخدم كل قبيلة ضد الأخرى.
وكان من الطبيعى أن ينظر إلى الإمام على أنه مبعث آلامهم وشقائهم وحرمانهم فبدأ الهجوم عليه فى 14 من مايو 1944 عندما تحالف ضده أربعة من زعماء البلاد اللاجئين إلى عدن!وعندما اشتدت الحملة أوفد الإمام يحيى ولى عهده الأمير أحمد إلى عدن فى 11 من أبريل 1946 فوعد بإنشاء جمعية دستورية ولم ينفذ ذلك.
رأى معارضو الإمام التضامن ضده . فاتخذت الجمعية اليمنية الكبرى التى يرأسها سيف الإسلام إبراهيم الابن الثامن للإمام أحمد الذى أطلق عليه الناس لقب " سيف الحق" مع حزب الأحرار فى 21 من نوفمبر واصدورا فى عدن صحيفة جديدة " صوت اليمن " دفع لها التجار 30 ألف ريال أى ما يعادل سبعة آلاف جنيه استرلينى للمطالبة بالإصلاح.
وكتب سيف الحق إبراهيم إلى أبيه يقول:
- " أنا ضد حكمكم الذى لا يعبر عن حاجات الشعب بل يولد النقمة عليكم"! وقام الأطباء فى عدن بفحص الإمام. الذى بلغ الثامنة والسبعين فوجده كما قالت صحيفة الإخوان المسلمين مصابا بمرض لا يستطع معه أن يحكم على الأمور حكما صحيحا!
وقال فريق طبى من البحرية الأمريكية فحص الإمام فى مايو 1947 بأنه يتوقع وفاته خلال شهور قليلة.أثناء الحج التقى الشيخ البنا بعبد الله الشماحي المعارض اليمنى وتلازما فى مكة والمدينة. شرح الشماحى للمرشد العام الوضع باليمن .
واتفقا على التعاون بين الإخوان والمنظمات الدينية اليمينة.وعد البنا بمساعدة النضال اليمنى وفتح أواب الجماعة للشباب اليمنى الذى جاء إلى القاهرة للدراسة.
قال الثائر اليمنى على ناصر العنسى:
- " كنا ندرس فى الأزهر وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين, ومنهم البنا الذى كان يرى أن اليمن أنسب بلاد إستراتيجية, ولها مناخ مناسب للإخوان وأخذ يهتم بنا اهتماما خاصا".وفى هذه اللقاءات كان الإخوان يقولون إنهم مقتنعون بأن الحكم فى اليمن " لايمثل الإسلام بل شوهه ولهذا فالإخوان ضده".
وفى رسالة دكتوراه قدمت لجامعة بون عن " حركة المعارضة اليمنية " قال الدكتور أحمد قايد الصائدى:
- " من خلال الطلاب اليمنيين مصر تحققت علاقة الإخوان بحركة المعارضة اليمينة وهذه العلاقة ترجع بدايتها إلى أواخر الثلاثينات أو بداية الأربعينات".
أعد المرشد العام خطة ذكية:
- انتهز الأساتذة المصريون الذين يعملون باليمن فرصة وصول سيف الإمام البدر سيف الإسلام أحمد ولى العهد وحفيد الإمام يحيى إلى القاهرة للعلاج فدعوه لحضور إحدى ندواتهم التى يقيمونها فى المركز العام للجماعة وهناك تعرف بالبدر وتم اللقاء مع الطلبة اليمنيين الذين يدرسون بالقاهرة.
وتوطدت العلاقة بين الجميع.وقام البنا بدعوتهم لقضاء يوم فى محافظة الفيوم.وأثناء حضور إحدى الندوات تعرف الجميع على الفضيل الورتلاني وهو عالم ومجاهد جزائري فى الأربعين من عمره اختير سكرتيرا عاما لجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا . كافح ضد الإستعمار الفرنسى فى الجزائر ثم هرب من فرنسا إلى سويسرا وأقام بمصر عندما علم أن الفرنسيين يزمعون قتله.
وكان الورتلانى يجتمع باليمنيين بعد انتهاء الندوات ويزورهم بالفندق ويتردد على سيف الإسلام البدر . انضم إلى هذه المجموعة محمد سالم سالم صاحب شركة أتوبيس الشرقية وهو صديق للمرشد العالم والعالم الدكتور أحمد فخري الذى زار اليمن من قبل وهو أيضا من الجماعة.
ومع تطور علاقة البدر بهذه الشخصيات نشأت فكرة سفر الفضيل الورتلاني إلى اليمن كمندوب عن محمد سالم لتأسيس شركة تجارية بها يرافقه الدكتور أحمد فخري عالم الآثار فقد استطاع البدر إقناع أبيه بأن الورتلانى على جانب كبير من العلم والدين.
وصل الورتلانى إلى صنعاء فى أبريل 1947 وقد ارتدى الجبة والعمامة! نجح فى اكتساب ثقة الإمام وقدم إليه تقريرا عن الإصلاحات التى يجب القيام بها.
ونشرت صحيفة " الإخوان المسلمين " فى 3 أغسطس عام 1947 هذا التقرير بمقدمة للشيخ البنا قال فيها:
- " العالم العربى والإسلامى كله رجاء فى أن يسرع جلالة الإمام مؤيدا منشورا بإقرار النواحى الإصلاحية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية التى تنهض بشعبه حتى لا يدع ثغرة ينفذ منها الاستعمار الأجنبى".
مع قدوم الورتلانى الذى أطلق عليه لقب " مهندس الثورة "
انتقلت رياحها اليمن فقد اندفع الورتلانى فى إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات فى المدارس والمساجد والحفلات فسرت روح الثورة إلى الشباب والضباط وطلاب المدارس .
وبسبب أعماله التجارية واتصالاته فى عدن وثقة الإمام فيه استطاع الورتلانى أن يقوم برحلات عدة إلى عدن دون أن يثير شكوك الإمام يحيى حوله نتيجة لذلك أصبح الواسطة بن المعارضين المهاجرين والمنفيين فى عدن وبين قوى المعارضة داخل اليمن.
وفى كتاب "ثورة 1948" الذى أعده مركز الدراسات والبحوث اليمنى قال :
- " إن رسل الثورة تحمل المعلومات إلى الثوار فى عدن وإلى البنا فى القاهرة وانتهت الاتصالات بالموافقة على أن يكون عبد الله الوزير إماما دستوريا لليمن على رأس حكومة دستورية".
ونجح الورتلانى فى أن يؤلف بين كل المعارضين لإمام اليمن وجعلهم يوقعون "الميثاق الوطنى المقدس" فى 14 من سبتمبر 1947 قائلا:
- هذا الميثاق تم بمعرفة واطلاع ومباركة زعيم الإخوان المسلمين البنا
وأكد أحمد حسن الشامى فى كتابه "[[رياح فى اليمن]":
- " وضع الورتلانى والبنا الخطوط العريضة الأولى للميثاق لتكون اليمن نواه لدولة الإسلام إذا نشأت ونمت على مبادئ قرآنية.وقد أيقنا أن اليمن أفضل من غيرها من البلاد العربية . ويمكن أن تكون منطلقا لدعوة إسلامية صادقة صحيحة بإنشاء دولة تحكم بما أنزل الله وتستقطب زعماء علماء وعباقرة المسلمين"
وفى كتاب محمود عبد الحليم " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ":
- اعترف الكاتب بان فكرة إعداد الشعب اليمنى للثورة نبتت فى المركز العام للجماعة!
وقال كتاب " ثورة 1948":
- " كان البنا يظن أن إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية لا يتحقق إلا فى ظل حكومة دينية أو خلافة إسلامية على نمط الخلفاء الراشدين مع اعتبارها طرأ على العالم من نظم ونظريات وعلوم جديدة يؤخذ منها ما يتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية كنظام مزيج من القديم والحديث ليكون دستورا لحكومة خلافة إسلامية.ورأى البنا أن اليمن أنسب بلد عربى لتحقيق قيام دولته الدينية
ويقول الدكتور الصائدى:
- " لم تقتصر علاقة الإخوان بحركة المعارضة على تقديم النصح والتوجيه وإنما تجاوزت ذلك إلى دعم مادي مكن هذه الحركة من النشاط الإعلامى فأصدرت صحفا ومنشورات علنية كما فتح الإخوان صدر صحفهم لشن حملات دعائية ضد الحكم القائم فى اليمن.
- وهذه العلاقة تدخل ضمن المخطط العام [[للإخوان] الطامح إلى إقامة دولة إسلامكية تشمل العالم الإسلامى.وقد لعب الإخوان دورا بارزا, سواء فى تنشيط حركة المعارضة وتحديد أهدافها السياسية أو فى الإعداد للإنقلاب وتنفيذه ودعمه".
أعدت فى عدن خطة الثورة والبيان الذى سيصدر بإعلانها وقام الإخوان بطبع هذا كله.وكان حاكم عدن ريجنالد شامبيون يعرف القصة كاملة ... وقد رواها فى برقياته إلى لندن .
قال:
- " يوم 10 من يناير 1948 تلقيت معلومات من مصدر أثق به أن رسولا وصل إلى عدن قادما من صنعاء يحمل أنباء عن انقلاب وشيك فى العاصمة. وأشارت المعلومات إل أن هذا الإنقلاب سوف ينفذ خلال أسبوع وحمل الرسول معه مشروع دستور ومسودة بيان لطبعهما فى عدن بواسطة الصحافة اليمنية الحرة ونشره فى صحيفة " صوت اليمن".
- أوفد هذا الرسول إلى المندوب المحلى للمتآمرين فى عدن وهو تاجر يمنى يتميتع بذكاء كبير ويملك قدرا من الثروة.فور علم التاجر بالأنباء الواردة من صنعاء بعث لى وهو فريسة لظن خاطئ بأنى سأوافق على مساعدة المؤامرة يطلب أن اقدم طائرة تتولى إلقاء نسخ من بيان الثورة على نطاق واسع فوق اليمن لمنع إراقة الدماء وضمان الهدوء والثقة .
- والبديل الآخر الذى طولبت بالموافقة عليه هو استئجار طائرة للقيام بمهمة حمل هذا البيان من عدن.وثالثا . طلب تسهيلات لنقله شخصيا مع عدد قليل من رفاقه من عدن إلى هضبة معينة حيث يستطيعون الاتصال المباشر بالمركز اليمنى الإقليمى الهام (البيضاء)
- وبطبيعة الحال . رفضت كل هذه الطلبات وعندئذ تم إبلاغى باسم رئيس المؤامرة الذى اختير ليتولى الإمامة بعد وفاة الإمام يحيى وهو عبد الله الوزير .وقال مصدرى إن مؤامرة واسعة الانتشار وقوية وأن المشتركين فيها من الشخصيات الهامة ذات النفوذ فى اليمن .
وقيل إن عددا من أبناء الإمام شاركوا فيها بينهم على الأقل إبراهيم وعلى وإسماعيل أما " حزب اليمنيين الأحرار" فقد عرف أنه اشترك بطبع الكتيبات اللازمة وفى صباح 14 من يناير 1948 ذكر لى مصدرى أن الإمام سيغتال فى ذلك اليوم أو فى يوم الجمعة 16 من يناير.
- وبعد ذلك يعتزم القائمون بالعملية قتل ولى العهد سيف الإسلام أحمد فى " تعز".وفى نفس الوقت تلقيت تحذيرا من مصدر موثوق به بأن ولى العهد قدم رشاوى ضخمة إلى مجموعة من رجال قبائل عدن لاستغلال الظروف المضطربة فى المحمية عدن لقتل سيف الإسلام إبراهيم والزعماء الآخرين لحركة اليمنيين الأحرار فى عدن وإحراق مكاتبها وصحفها.
- وتقع هذه المكاتب عند أطراف الحى اليهودى ويمكن تنفيذ ما يريده ولى العهد بسهولة.وطبقا لهذه المكاتب أصدرت التعليمات إلى مدير الشرطة باتخاذ احتياطات خاصة عند مداخل الموقع المذكور.
- وفى ظل تلك الظروف رأيت من الحكمة إلغاء الزيارة الرسمية للفرقاطة البريطانية " لوش كويش" لميناء الحديدة والتى كان مقررا لها يوم 16 من يناير خشية أن يساء فهم . أو تفسير . وجودها , فى يوم خطير كهذا سواء من جانب الإمام فى حالة فشل المؤامرة؛
- أو من جانب المتآمرين فى حالة نجاحها وأبلغت الإمام برقيا أنه لابد من تأجيل الزيارة بسبب تغيير مفاجئ فى برنامج السفينة ووجدت هذه الحجة سندا لها من الأحداث فقد أرسلت السفينة بعد أيام قليلة على وجه السرعة إلى مقديشو بوقوع اضطرابات هناك.
- ولأسباب بديهة, ألغيت أيضا زيارة كنت أعتزم القيام بها لجزيرة قمران خلال الفترة من 15 إلى 18 من يناير وكنت آمل خلالها إجراء مناقشات غير رسمية حول قضايا الحدود".
فى صنعاء سلح رجل ونجح فى دخول القصر واقتحام غرفة نوم الإمام يحيى فى القصر فاعتقد الثوار أن الخطة نجحت فأبرقوا بذلك إلى عدن فى 14 من يناير .
ويروى حاكم عدن ما جرى عنده قال:
- فى ساعة مبكرة من صباح يوم 15 من يناير 1948 أبلغنى صدرى بأن صديقنا المشترك المتأخر خادم غالب الوجيه الوكيل التجارى للإمام يحيى فى عدن تلقى فى ساعة متأخرة من الليلة السابقة برقية بالشفرة من صنعاء من محمد على مرشد الوكيل التجارى لحكومة عدن فسرها بأنها تعنى أن الإمام قتل .
- وخلال يومين وصلت تقارير عديدة من مصادر موثوق بها تفيد أن الإمام قد مات.وعلى الفور أصبحت عدن كلها مقتنعة تماما بذلك .وكان سيف الإسلام إبراهيم على يقين من هذا النبأ إلى حد أنه أرسل برقية إلى عبد الله الوزير فى صنعاء لتهنئته بتولية الخلافة ويلتمس منه الرأفة لأبناء الإمام يحيى.
- وبعث سيف الإسلام إبراهيم بالنبأ إلى القاهرة وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط مما أدى إلى صدور العديد من البيانات الصحفية والإذاعية".
أذيع من عدن بيان الثورة وأن عبد الله بن الوزير بويع بالإمامة خلفا للإمام يحيى.وعبد الله بن الوزير كان قائدا عاما لجيوش الإمام يحيى ومحافظا للحديدة وأصبح عضوا بارزا فى ديوانه وهو سليل بيت إمامة وعلم من أسلافه المرتضى محمد بن إبراهيم مؤلف كتاب " إيثار الحق على الخلق"!
- وأوفد حاكم عدن ضابط شرطة إلى سيف الإسلام إبراهيم لينتقل إليه تعازيه الشخصية مما جعل الجميع يوقنون تماما بان الإمام... قد مات"
- لم يعرف الثوار فى عدن حقيقة ما جرى فى قصر الإمام فى صنعاء ... فقد اعتقل " القاتل" قبل أن يقوم بمهمته فى اغتيال الإمام ولكنه أى القاتل استطاع الهرب فظن زملاؤه الذين رأوه يهرب انه نجح فأذاعوا النبأ .
وعندما عرف حاكم عدن ذلك أسرع يبرق إلى لندن قائلا:
- " لم أقدم التعازى إلى سيف الإسلام إبراهيم. ولكن مدير الشرطة بعث إليه تحذيرا شخصيا من الاعتداء المنتظر من جانب أخيه سيف الإسلام أحمد كما بعث إليه بجنود يحمونه من هذا الاعتداء . وربما يكون الأمير قد أساء فهم ذلك بقصد . أو بغير قصد!
- وظل الجميع زمنا يتبادلون الاتهامات حول الخبر الكاذب ... وأن الغرض من إذاعته " التوريط"
قيل إن كان حكومة عدن التجارى فى الحديدة عرف بدخول " القاتل " إلى غرفة نوم الإمام يحيى فا برق بالنبأ إلى حاكم عدن الذى أبلغ به إذاعة لندن ولم ينتظر الثوار فى عدن ما يصلهم من مصدرهم بل اكتسحتهم الفرحة ونشروا الخبر فى صحيفة " صوت اليمن" مع الميثاق وأذاعوا أيضا تشكيل حكومة الدستور.
- وقيل إن ولى العهد أحمد هو الذى دبر تلك الإشاعة ليكشف أوراق المتآمرين.ولكن الأقرب للمنطق فى ظل ظروف اليمن فى ذلك الزمان أنه بمجرد دخول "المسلح" غرفة نوم ظن الجميع إن الإمام الذى يناهز الثمانين لن يستطيع مقاومة قاتلة!
- ولكن هذه الإشاعة أكدت لولى العهد أن مؤامرة تجرى للإطاحة به وأبيه فبقى بعيدا عن العاصمة ينتظر ويستعد ... متحفزا للمقاومة.
استدعى الإمام.عبد الله بن الوزير وقال له:
- يا ولد ياعبد أنت تريد ان تكون إما وهذه " تشعوبة" ... أى خيال!استنكر عبد الله الوزير النبأ ووصفه بالإفك والبهتان وقال غن الجمعية اليمينة الكبرى استعملت اسمه لإثارة القلاقل فى صنعاء . وأكد بالإيمان المغلظة عدم علمه بشئ...
ونشر ابن الوزير فى صحيفة " الإيمان" التى تصدر صنعاء مقالا أكد فيه " ولا لا تزعزعه العواصف للإمام يحيى وأن سيف الإسلام أحمد هو ولى الهد الشرعى الذى سبق أن بايعته بالخلافة . القلوب . قبل الأكف..!
تلقى حاكم عدن تقريرا من صنعاء يقول:
- " كان الإمام يحيى مريضا جدا مرة أخرى فى 19 من يناير بسبب معاودة إصابته بمرضه المزمن. وقد رفض أن يعالجه الأطباء ( ليس هذا غريبا فى مثل هذه الظروف.) بيد أنه استجاب بطريقة جيدة لحقن المورفين التى كان ابنه سيف الإسلام الحسين يعطيها له"
وهذا التقرير يبين أن مرض الإمام فى الأيام التالية لمحاولة الانقلاب هو الذى أدى به إلى اتخاذ موقف سلبى إزاء عبد الله بن الوزير!
نشرت صحيفة الإخوان أحداث صنعاء بأسلوب آخر . قالت:
" مرض الإمام مرضا شديدا وتخلف عن شهودا العرض الذى كان مقررا أن يحضره فى صنعاء . وانطلقت الشائعات بوفاته . وتعجل الأحرار النبأ فأذاعوه فى عدن. وأبرقوا إلى الدوائر العربية والإسلامية والصحف فى خارجها"
فقد رأت الجماعة أنه من غير اللائق انخراطها فى مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بملك .. بينما فاروق ملكا على مصر.. ولذلك زعمت الجماعة عدم وجود معرفة مسبقة لديها عن المؤامرة , وأعلنت أنها تلقت أنباء وفاة يحيى وخلافة الوزير له ونسخة من الميثاق المقدس عن طريق برقية من سيف الحق إبراهيم فى عدن!
تظاهر الإمام يحيى بالاطمئنان لموقف عبد الله بن لوزير...
ولكنه أخذ يستعد لمقاومة الثورة القادمة فأمر أتباعه بإخفاء عشرة ملايين جنيه من الذهب فى مكان سرى . وقتل الذين اشتركوا فى هذه العملية لضمان السرية الكاملة.
استمرت البلبلة شهرا ثارت خلاله عدة أسئلة عن بيان الثورة .. الصادر قبل موعده.
شرح حاكم عدن موقف الإمام يحيى ذلك الشهر فقال:
" ما زال الشئ الذى يحتاج إلى تفسير كيف أن مؤامرة واسعة النطاق بهذه الصورة لم يترتب عليها – إذا كانت قد فشلت حقا – توقيع عقوبات قاسية على العديد من زعماء المتآمرين .
وإذا كان الإمام يتمتع بحريته وقدراته فإنى استخلص أن المؤامرة قوية لدرجة طاغية والإمام عاجز عن التعامل معها , ومسموح له أن يعيش مجردا من القدرة على الاعتراض على أى شئ.
وإذا كان الإمام قد أصبح عاجزا فإن هذه الحقيقة يخفى بعناية والموقف غامض جدا. ويجب متابعة الأنباء بحرص والتعامل معها بتحفظ".
كانت خطة الثورة فى البداية انتظار موت الإمام يحيى موتا طبيعيا فهو مريض مسن.
ولكن رأى الثوار التعجيل بالثورة فقد كشفت ترتيباتهم . وبدأ الإمام – الذى شفى من مرضه – بمهد لضرب رجالات الثورة مما ولد حالة من الفزع فى صفوفهم إذ كانوا فى متناول قبضته. فلم يبق لديهم خيار فإما أن ينتظروا الضربة التى تقع أو أن يبادروا إلى تحاشيها بالقضاء على الإمام .
خرج الإمام يحيى يوم 17 من فبراير 1948 فى سيارته إلى قرية " حيز " التى تبعد عشرة كيلو مترات عن صنعاء . وكانت عادة الإمام أن يخرج إلى الجبل يوميا ومعه حفيده.
أعد له كمين.
أعترضت موكبه إحدى السيارات الثورة ومعها مدفع رشاش وضع على عربة لورى فأطلقت منه رصاصات استقرت خمسون منها فى جسد الإمام المريض فمات فى الحال ومعه رئيس وزراه القاضى عبد الله العمرى وخادمه.
وقتل ولداه الحسين ومحسن عندما أرادا مقاومة الثورة . وتركا بدون دفن ثمانية أيام كاملة كما قتل حفيد الإمام. واعتقل ثلاثة من أبنائه وهم القاسم وعلى وإسماعيل.
أبلغ زعماء القبائل والمحافظون فى أنحاء اليمن بأن الإمام توفى بالسكتة القلبية ولكن خبر موته الدموى انتشر بين الناس ووصل إلى القرى مثيرا الشكوك تجاه الحكم الجديد.
فى القاهرة قالت صحيفة الإخوان." توفى جلالة الإمام إلى رحمة الله, وحاول رئيس الحكومة السابقة مع بعض الأمراء أن يعارضوا الوضع الجديد فاعتدى عليه بعض أنصاره"
لم تكن لبريطانيا , أو الولايات المتحدة . سفارة أو مفوضية فى صنعاء وكانت بريطانيا تمارس علاقتها باليمن من خلال حاكم عدن.
قال تقرير لوزارة الخارجية البريطانية:
" هناك سخط شعبى نتيجة للحكم الطاغى والاستبداد لملك اليمن السابق وبعد محاولة فاشلة فى يناير لعبد الله الوزير كبير أسرة حاكمة فى ليمن ووزير الدولة السابق نجح مبدئيا فى القيام بثورة وأرسى قواعدها فى العاصمة وأجب خصمه الأول سيف الإسلام أحمد – أكبر أبناء الإمام الراحل –على اللجوء إلى جنوب اليمن".
أما الولايات المتحدة فعلاقتها باليمن عن طريق المفوضية الأمريكية فى جدة فى بريقية من ريفز شايلدز القائم بأعمال المفوضية الأمريكية فى جدة قال:
" قام باغتيال ضابطان يمنيان و26 جنديا والضابط الرئيسى هو المقدم غالب سرى – من أصل تركى ومساعدة ابن السلال , من أصل يمنى درس فى العراق – ودبر الاغتيال جمال جميل مدير الأمن العام فى اليمن . وهو عراقى"
ولكن كاتب " ثورة 1948 " يقول إن الشيخ اليمنى ناصر القردعى هو الذى قتل الإمام مع 15 رجلا. وأعد كمين مشابه لولى العهد أحمد فى ضواحى تعز ولكنه تمكن من الهرب بعد أن تنكر فى ملابس الجنود. بويع عبد الله بن الوزير أمير للمؤمنين وإمام للمسلمين يوم 17 من فبراير عام 1948.
كان الإمام الجديد فى الستين من عمره عرف بتمسكه بحقوق بلاده ودينه وعروبته
وكان مشهورا بأنفته وشموخه وكثرة صمته مما جعل بعض الناس يتهمونه بالكبرياء .
قال أحمد الشامى فى كتابه " رياح التغيير فى اليمن " إن عبد الله الوزير كان روحانيا متصوفا , إذا لم يجد فى مجلسه من لا يستحق الحضور معه بحسه وشعوره وفكره سبح فى عوالم أخرى. مفكرا أو مسبحا ومهللا أو مستغفرا. أو متذكرا"...
وكانت لهذه الصفات أثرها فى تغيير مصير الثورة اليمنية!
اختارت الثورة مصريا من أعضاء البعثة التعليمية المصرية فى اليمن من جماعة الإخوان وهو الدكتور مصطفى الشمعة – الذى أصبح بعد ذلك عميدا لكلية آداب جامعة عين شمس ليكون مديرا للإذاعة فجعلها تعمل أربع ساعات يوميا.
وكان يقوم بدور المذيع والمقرئ والمطرب ومعد نشرات الأخبار والأحاديث !
ويقرر مجلس وزراء حكومة الثورة , أو حكومة الدستور كما أطلق البعض عليها تعيين الورتلانى أول مستشار عام للدولة . ويطلب من الشيخ البنا والفريق عزيز المصرى أن يكونا من المستشارين العموميين للحكومة!
طلب الأمير إبراهيم من حاكم عدن " ريجنالد شامبيون" طائرة تابعة للسلاح الجوى الملكى البريطانى نقله غلى صنعاء . وطلب عبد الله بن الوزير من حاكم عدن المساعدة.
كان الحاكم يعرف مساوئ حكم الإمام يحيى ويميل لتأييد الثورة . ولكنه تردد فى الإستجابة لهذه الخطوة فهى تعنى الاعتراف بالنظام الثورى الجديد فى اليمن.
بعث إلى لندن يطلب رأيها!
بحثت وزارة الخارجية البريطانية الموقف من جميع نواحيه وأعدت مذكرة جاء فيها:
" الشواهد لدينا غير كافية لنحدد ما إذا كان الحكم الجديد قد استقر كما يدعى ولكن اثنين من أبناء الإمام السابق – وهما سيف الإسلام أحمد وسيف الإسلام الحسن – ما زالا طليقين وقد يحاولان القيام بتمرد مضاد.
وإذا كان عبد الله بن الوزير قد جاء ليبقى فهناك ميزات واضحة فى تبنى موقف ودى تجاهه فى الحال .
ونطلب السماح بتمثيل دبلوماسى بريطانى فى صنعاء ورسم الحدود بين اليمن ومحمية عدن على أساس معاهدة صنعاء عام 1934 وإذا أيدنا من البداية نظام الحكم الجديد فستكزن أمامنا فرصة أفضل لضمان موافقة يمنية على هذين الاقتراحين.
ومن ناحية أخرى إذا ألزمنا أنفسنا بالاعتراف بنظام حكم سوف ينهار فإننا بطبيعة الحال – سنكون فى موقف أسوأ.
ولما كان عدن هو المصدر الوحيد لمعلوماتنا فينبغى أن نعتمد عليه لتفادى هذا الخطر , ولذلك يجب أن نترك له حرية الحركة مع التأكيد على الحذر فلابد من أن نكون على يقين من استقرار الثورة قبل عمل شئ قد يعتبر اعترافا ضمنيا بها".وافقت الحكومة البريطانية على هذه السياسة فقد وجدت " أن الثورة لم تستقر تماما".
وطلبت من حاكم عدن أن يرفض طلب الأمير إبراهيم بإعطائه طائر وأن يتحسس الحاكم خطواته ببطء! وكان القرار البريطانى يعنى الانتهازية ... والانتظار حتى تستقر الثورة !
ولكن الأمير إبراهيم لم ينتظر بل قام وزملاؤه بالسفر إلى صنعاء بطريق البر .
رفض سيف الإسلام عبد الله – شقيق الإمام أحمد – الاعتراف بعبد الله الوزير إمام .
وأبرق من باريس إلى صحافة القاهرة يقول:" المأساة مفجعة ولا يمكن أن تقوم مبايعة شرعية حرة تحت جو من الضغط ولا يوجد من به دم يجرى , وعرق ينبض , إلا ويؤيد انتصار الحق وعودة الأمور إلى مجراها تحت راية الإمام الشرعى جلالة الإمام أحمد نصره الله.ولابد من معاقبة المجرمين".
وأسرع سيف الإسلام عبد الله إلى القاهرة يزور والترس مارت الوزير المفوض للشئون الشرقية بالسفارة ليتأكد من حياد بريطانيا إزاء أحداث اليمن سأله:- هل تساندون أو تنوون تأييد عبد الله بن الوزير؟
آمل صدور بيان حكومتكم بالتزام الحياد وألا تدخل أية سفينة حربية بريطانية المياه الإقليمية كما آمل ألا توجهوا أى تشجيع أو مساعدة لحزب الأحرار اليمنى فى عدن.
وقال :
- لقد أفزعتني أنباء صحفية تشير إلى قيام سفن حربية بريطانية بعمليات فى مضيق باب المندب.
- رد والترس مارت:
- - لم تعرف لحكومة البريطانية بالإمام الوزير , ولن تعترف بأى إمام فى اليمن حتى تهدأ الأمور ويستقر النظام!
النكسة
أعلن الإخوان المسلمون من اليوم الأول تأييدهم للثورة فى اليمن ونشطوا فى مصر وسوريا والعراق يحركون رجالهم لمطالبة دول الجامعة العربية بالاعتراف بعبد الله الوزير وحكومته.
وهنأ المركز العام وصحيفة الجماعة " الأمة اليمنية الشقيقة بنظامها الجديد وإمامها الصالح".
وأبرق لمرشد للإمام مهنئا فأذيعت برقيته من إذاعة صنعاء ووصفت صحيفة الإخوان ألإمام الجديد فقالت:
" عرف الإمام عبد الله الوزير بن الوزير الإمام الجديد بدينه وتقواه, وفقهه وعلمه واجتهاده , وأصالة الرأى ونضوج الفكر , وعظيم الغيرة على الدولة وأنه فقيه اليمن وشيخها وعالمها وحفيد الأئمة من آل الوزير"
وقالت صحيفة الإخوان:
" لا ينتظر أن يحدث شئ من حروب أهلية أو ثورات داخلية ف‘ن الوضع الجديد أختمر فى النفوس والرءوس من قبل وهو أمنية الجميع رؤساء ومرءوسين".
ونشرت الصحيفة – بعد 48 ساعة من قيام الثورة – " الميثاق الوطنى المقدس " للحكومة الدستورية الجديدة.
وقالت إنها " تنفرد بهذا النشر لا فى مصر وحدها بل فى جميع بلاد الأرض"!
وهذا يدل على أن الميثاق كان موجودا لدى الجماعة فى القاهرة ... فقد شاركت فى إعداده وارتبطت بالثورة قبل قيامها!
قال الدكتور الصائدى:
" لعب الفضيل الورتلانى دورا أساسيا فى وضع الترتيبات اللازمة لانتقال الإمامة بعد موت يحيى إلى عبد الله الوزير.
وقد شملت هذه الترتيبات تحديد أسماء أعضاء الحكومة والموظفين الشوربين ومديرى الوزارت".
وأكدت صحيفة الإخوان تأييدها للثورة مرة أخرى يوم 22 من فبراير سنة 1948.
قالت :
" ليس موقف الإخوان غامضا ولا غريبا فى هذه القضية من أولها إلى آخرها .
كان اليمنيون بالقاهرة يترددون على المركز العام فيجدون من الإخوان مشاركة فى مشاعرهم وعطفا على مطالبهم.
وقد فوضت الجمعية اليمنية الكبرى المرشد العام فى التحدث باسمها أمام الجامعة العربية".
وأعلنت الصحيفة " أن النظام الثورى الجديد فى اليمن يلقى من الشعب كل تأييد , وينال ثقته التامة. بل هى أمنيته وهدفه الذى لقى الأحرار فى سبيل الوصول إليه كل صنوف العنت والاضطهاد.
وهو نظام مطابق لما يقضى به المذهب الزيدى الذى لا يقر الإمامة بالوراثة بل تكون بالبيعة ورضاء الشعب.
وليس السيف أحمد – ولى العهد – بالشخص الذى ينال ثقة اليمنيين أو يجد فيهم أنصارا يحدثون شغبا من أجله.
واليمن هادئة مطمئنة إلى عهد الشورى وإلى القائمين عليه ولا ينقصها حتى تستعيد تاريخها المجيد – إلا أن تؤازرها الجامعة العربية ودولها".
استأجر الإخوان طائرة خاصة أقلت عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة وأمين إسماعيل سكرتير تحرير صحيفة الإخوان وعبد الرحمن نصر مدير وكالة الأنباء العربية.
وحمل الوفد معه مكبرات للصوت بهدف دعوة القبائل لتأييد الثورة كان فى انتظار وفد الجماعة بمطار صنعاء الأمير البدر الابن الوحيد للسيف احمد وحسين الكبسى وزير الخارجية وعدد من الوزراء مما يدل على اهتمام حكومة الثورة بالإخوان. أصبح عبد الحكيم عابدين خطيب الانقلاب فى إذاعة صنعاء .
وكان يساعده فى الخطب ووضع برامج الإذاعة الإخوان المسلمون المصريون الذين يعملون مدرسين فى صنعاء.عادت الطائرة إلى جدة تقل وفدا يمنيا للقاء ممثلى الجامعة العربية يتألف من نجل الإمام الجديد عبد الله بن على بن الوزير , والفضيل الورتلانى ووزير المعارف فى حكومة الثورة ..
ومحمد محمود الزبيرى لشرح الموقف فى اليمن للملك عبد العزيز.
زار الوفد اليمنى " تروت" القائم بالأعمال البريطانى وكرر له طلب الدبابات والطائرات ولكن " تروت " اعتذر قائلا:
- لا أملك سلطة التصرف فيما يختص باليمن وأى طلب يجب أن يقدم إلى حاكم عدن فعلامات اليمن ببريطانيا تتم عن طريقه
- وسأل الرجلين عن موت الإمام الراحل فقالا إنه نتيجة للصراع القبلى وطلب الوفد اليمنى من الملك عبد العزيز دبابات وطائرات ولكن صاحب الجلالة أرجأ البت فى الأمر.
- طلبت حكومة الثورة من دول الجامعة العربية الاعتراف بها ... ودعت وفدا من الجامعة لزيارة اليمن يرأسه عبد الرحمن عزام الأمين العام ليرى استقرار نظام الحكم الجديد فى البد.
- ورأت دول الجامعة أن تطبق نفس السياسة الانتهازية البريطانية وإن اختلفت عنها فى بعض التفاصيل.
- قررت الجامعة إرسال لجنة تمهيدية إلى صنعاء للقيام بتحريات عن أحوالها ومعرفة طبيعة ما يجرى فى البلاد.
- وعرض عبد الرحمن عزام أمين الجامعة على حكومة مصر أن تقتصر عضوية اللجنة على المصريين حتى تقوم مصر بتدبير الطائرة المقلة للجنة فرحبت مصر لتسبق غيرها من الدول العربية إلى عاصمة اليمن!
- تولى رئاسة اللجنة عبد المنعم مصطفى أحد كبار موظفى وزارة الخارجية لمصرية – الذى اختير فيما بعد أمينا مساعدا للجامعة العربية – وضمت اللجنة الدبلوماسى المصرى الدكتور حسن إسماعيل المستشار التجارى للموضية المصرية فى برن.
قاد الطائرة الحربية " الداكوتا" قائد الشبر عبد اللطيف البغدادى الذى أصبح أحد أعضاء مجلس الثورة المصرى بعد ثورة 23 يوليو 1953.
استغرقت الرحلة من القاهرة إلى صنعاء 8 ساعات وتوقفت الطائرة فى جدة وفى جزيرة قمران التى تبعد نحو 90 كيلو ترا عن صنعاء.
وكان مستحيلا – فى تلك الأيام – أن تقطع الطائرة المسافة إلى صنعاء بلا توقف! وصف البغدادى صنعاء فى ذلك الزمان فقال إنها قرية والمطار رملى يصلح بصعوبة ليكون مطارا.
وعندما هبطت الطائرة – يوم 22 من فبراير صفق بعض الأشخاص لنزولها سالمة وكادت الطائرة ان تصدمهم فقد وقفوا أمامها لا يتحركون ولولا أنه – أى البغدادى – انحرف بالطائرة لقتلهم جميعا!
استقرت البعثة نحو أسبوعين فى صنعاء عرفت خلالها – كما يقول البغدادى – أن جماعة الإخوان وراء الثورة.
وكان حسن إسماعيل وهو من الإخوان المسلمين قد زار اليمن قبل ذلك فقال البغدادى:
- توجد ثورة مضادة ونريد إلقاء منشورات على الأهالى فى تعز والحديدة وغيرهما من مدن اليمن لتأييد الثورة ودعوة اليمنيين إلى لهدوء والسكينة وتحكيم العقل.
- وكانت المنشورات تنذر ولى العهد أحمد ورجاله بأن الثورة " ستصليهم نارا حامية"!
- ومجدت المنشورات مبادئ الثورة فى الحرية والعدالة والدستور وأن الثورة قامت ضد الظلم والطغيان , وإنقاذ البلاد من براثن الاستبداد والجهل والفقر .
- ظن البغدادى أن تلك التعليمات عبد المنعم مصطفى فألقى من الطائرة بالمنشورات ثلاث مرات فى ثلاثة أيام ثم عرف بعد ذلك أن حسن إسماعيل يعمل للثورة فأبلغ عبد المنعم بذلك قائلا:
- لقد أصبحنا طرفا فى خصومات اليمن وثورته.ولكن صحيفة " الإخوان " فى القاهرة نشرت أن الطائرة قامت بإلقاء منشورات للجامعة العربية وأخرى للحكومة فى أنحاء اليمن!
زعم البغدادى أن بالطائرة عطلا ولابد من الرحيل إلى عدن لإصلاحها وكان هدفه من ذلك التوقف عن إلقاء المنشورات.
وعندما عاد إلى صنعاء وجد أن ولى العهد ورجاله يغيرون على صنعاء ليلا ويختفون نهارا وأن الطائرة يمكن أن تصاب بطلقات المهاجمين.
وقالوا له:
إذا دخل ولى العهد صنعاء سيضع أعضاء الوفد برميل ملىء بالزيت المغلى!
عرض الأمر على عبد المنعم مصطفى قائلا:
ليس لنا دور فى هذه العملية ويجب أن نرحل . وفى اليوم التالى نزلت الأمطار وتبين أن بالطائرة عطلا فأصلحت ونصح اليمنيون البغدادى بعدم السفر فى تلك الظروف ولكنه رأى المخاطرة ونقل الوفد إلى جدة ثم القاهرة.
أخذ الملك فاروق يعرقل سفر وفد الجامعة العربية من القاهرة وأصر على أن تقوم بنقله , بحرا ,الطوافة " فاروق بعد أن ضم إلى الوفد سكرتيره الخاص الدكتور حسين حسنى.
وأخيرا فى 29 من فبراير – غادر الوفد ميناء السويس يرأسه عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية وأعضاؤه الشيخ يوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودى ومظهر ارسلان باشا عن سوريا وعبد الجليل الراوى عن العراق وتقى الدين الصلح عن لبنان ومدحت جمعة عن الأردن.
ووصل الوفد إلى جده . وتأخر رحيله منها إلى اليمن ثم سافر إلى الرياض بدعوة من الملك عبد العزيز للقائه يوم 4 مارس ثم عاد لسيتقر فى جده يوم 12 من مارس .
فى الندوة التى عقدها مركز الدراسات اليمنية فى فبراير 79 لتقييم ثورة 48 قيل إن دعوة الملك عبد العزيز هدفت إلى منح الأمير أحمد الوقت الكافى لتعزيز قواته قبل وصول بعثة الجامعة العربية إلى اليمن !
انقسمت بعثة الجامعة العربية تجاه الثورة.وقف ممثلو مصر والأردن والمملكة العربية السعودية موقفا معارضا للثورة بينما أبدى ممثلا لبنان وسوريا تعاطفا معها.
قال الشيخ يوسف ياسين القائم بالأعمال البريطانى " تروت":
- الملك عبد العزيز مصمم على عدم التورط شخصيا فى اليمن ولكنه يرغب فى الحصول على معلومات دقيقة وقد أتوجه إلى صنعاء.
اجتمع ريفز شايلدز الوزير الأمريكى المفوض فى جده بالملك عبد العزيز وحضر الاجتماع فؤاد حمزة مستشار العاهل السعودى.
سأل الوزير الأمريكى صاحب الجلالة عن اليمن فقال صاحب الجلالة
ليست لدى أنباء جديدة ولا أعرف ما إذا كان الأمير أحمد ينوى الذهاب إلى صنعاء أم لا.
وأضاف :
يعد عبد الله بن الوزير أقوى رجل فى اليمن باستثناء الإمام الراحل وقال بحرص:
القوة والسلوك الأخلاقى أمران مختلفان تماما. وبالرغم من معرفتى بكفاءة ابن الوزير فلا أستطيع الحكم على قدراته إلا بعد اتضاحها عمليا.
علق شايلدز قائلا:
- استشعرت سرور حكومتى – الأمريكية – تجاه الأسلوب الذى اتبعته جلالتك بشأن الأحداث فى اليمن.
- وقال محرضا:
- أعربت الحكومة الأمريكية لى عن وجهة نظرها بأنه فى حالة حدوث اضطرابات فى اليمن يمكن لجلالتك انتهاز الفرصة والتقدم داخل اليمن .واستطرد"