الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رمضان.. ووحدة المسلمين الشعورية»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
ط (حمى "رمضان.. ووحدة المسلمين الشعورية" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
 
(لا فرق)

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:٢٣، ١١ يونيو ٢٠١١

رمضان.. ووحدة المسلمين الشعورية
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

يأتي رمضان فيستيقظ له شعور كل مسلم، وينتشي به إحساس كل مؤمن، وتهش له وتبش نفوس المتقين، تستقبله المجموع بالفرح والترحاب، ويزفه الأطفال بالأهازيج والأناشيد، ويهلل له الرجال بالتكبير والتحميد، فينشر أحاسيس البر في الشعور، ويوقظ روافد الخير في القلوب، ويرجع الروح إلى أفقها السامي، فتبرأ من أوزار الحياة، وتطهر من صراعات الآثام، وتتزود من قوى الجمال والحق والخير، ويصبح رمضان ثلاثين عيدًا من أعياد القلب والروح في ثلاثين يومًا، وتفيض أيامه بالسرور،

وتشرق لياليه بالنور، وتعمر مجالسه بالعطاء، ويغمر الصوام فيض من الشعور الإيماني اللطيف، يجعلهم بين نشوة الجسد وصحوة القلب هالات محلقة من النور والأشواق، نهارهم مراقبة، وصوم عن الدنيا، وطاعة والتزام، فإذا أمسى المساء وفرغوا من الطعام والصلاة، انتشروا في المدن والقرى بالبهجة والسرور والحب، فالرجال يحضرون محافل القرآن في البيوت، أو زيارة الأهل في المساكن، أو مجالس السرور بين الزوجات والأولاد، والأطفال يفرحون بالحلوى واللقاءات في الطرقات، أو في منازل الأقارب هنا وهناك.

فرمضان مظهر رائع من مظاهر إعادة الهوية، وتأكيد الانتماء إلى الملة، والانتساب إلى العقيدة، والرجوع إلى العادات والتقاليد، وهكذا تجد أن أساليب الأمـة قد اصطبغت بصبغتها ولبست حلتها، ونفضت ما داخلها من غبش الدخل الثقافي الغازي الذي أريد لنا أن نتلون به، ونتشكل بهيأته، كأنما كُتِب علينا أن نأخذ الحياة من جانب الفضولي العابث، فنتأثر بها ولا نؤثر فيها، وكأنما همنا أن نعيش الحياة صعاليك على تقاليد الأمم دون أن تميزنا خصيصة قويمـة ولا شعيرة من عقيدة.

يأتي رمضان إلى الأمة، ومن فرحتها به تخاطبه كأنه إنسان، وتناديه شاخصًا للعيان، وماثلاً للوجدان، وترحب به ضيفًا، وتستقبله حبيبًا، وتعايشه عطاء، وكلما انقضى نهار من رمضان أشفقت القلوب من رحيله، حتى إذا لم يبق إلا ربعه الأخير تمثلوه محتضرًا يكابد غصص الموت، فندبوه في البيوت والمساجد، ورثوه على السطوح والمآذن، وبكوه يوم "الجمعة اليتيمة" أحر البكاء.

فرمضان يفرح به المؤمن التقي لما فيه من عبادة وبركة، ويسعد به المسلم المزيف لما فيه من بهجـة وتوسعة، وقد يتخذ لنفسه رمضان آخر، رقيق الدين، ضعيف الطاعة، أوروبي الشمائل، يبيح السهرات المنفرطة، والكلمات غير المنضبطة، والأغاني الخارجة، والبرامج الهابطة، والأكلات الدسمة، والعزائم السمان، وإذا كان في بيوت المؤمنين تلاوةٌ للقرآن وذكرٌ لله، وإطعامٌ للفقراء، ففي بيوت هذا الصنف من المسلمين تلفاز يعرض المسلسلات، وبرامج تُقدِّم الفوازير، وحفلات تظهر المغنيين والفنانين، وفضائيات تجلب العابثين، وكلها عربسيـات تحتفل بالشهر الكريم، وكل هذا في رمضان،

وكان رمضان يأبى إلا أن يكون بصمـةً على الأيام وعلى الإنسان، سواء كان مؤمنًا أو غير ذلك، ملتزمًا أو غير ذلك، ويأبى إلا أن يكون شاهدًا على الصادقين العابدين، وشاهدًا أيضًا على المفرطين والعابثين، ورغم هذا العبث والتحلل عند البعض، ولكنه لا يستطيع أن يتجرَّأ على رمضان بفطرٍ أو مجاهرةٍ بمعصية أمام الناس، وإذا سألت أي منفرط: هل أنت صائم؟ بادرك بقوله: نعم والحمد لله، واستغرب منك هذا السؤال، وربما زاد على ذلك بأنه مسلم والحمد لله، ويعتز بإسلامه، وبينه وبين الله صلة، ويتبارك بشهر رمضان، ويفرح له ويُسَّـر، ويرجو من الله المغفرة فيه، ولسان حاله يقول:

إني ضعيفٌ أستعينُ على قـوى ذنبي ومعصيتي ببعض قواكـا

أذنَبْـتُ يا رب وأدنتني ذنـوبٌ ما لهـا مـن غافـرٍ إلا كـا

دنيـاي غرتني وعفوك غرنـي ما حيلتي في هــذه أو ذاكـا

لو أن قلبـي شك لم يك مؤمنًـا بكريم عفوك وما غوى وعصاكا

يا مُدرك الأبصار والأبصـارُ لا تـدري لـه ولكُنْهــه إدراكا

أتراك عينٌ والعيون لهـا مـدى ما جاوَزَتْـهُ ولا مدى لمداكـا

إن لم تكن عيني تـراك فإننـي في كـل شـيءٍ أستبين عُلاكا

وكم من مذنبٍ تاب في رمضان ورجع إلى الله في جنباته، وكم لله عتقاء من النار في رمضان، وكم من عاصٍ رجع نقيًا كقطرة المزن، طاهرًا كفطرة الوليد، فلا يقتل ولا يسرق ولا يشرب الخمر، ولا يقول الهجر، أو يأتي المنكر، وما أجمل أن ترى "فاتك" الأمس "ناسك" اليوم، ومذنب الماضي، صانع المعروف في الحاضر، يلتئم به الصف المسلم وتسعد به الكتيبة المؤمنة، و"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".

وإذا ذهبتَ إلى القرى والنجوع أو البراري والقفار أحسست نفس الشعور بالسعادة والفرح في رمضان، ورأيتَ الناس وقد ازدانوا بصفاته، وتحلو بأخلاقه، يجلس الناس في الطرقات أمام بيوتهم يمدون الموائد على الأرض يدعون عابري السبيل وطالبي الصدقة إلى موائدهم، فرحين بتلبية الدعوة، وإفطار الصائمين، كما ترى بعضهم يذهب إلى المساجد بطعامه عله يجد صائمًا يشاركه إفطاره، ويجالسه على مائدته في أُخوَّة وعطف ورحمة ابتغاء مرضاة الله سبحانه.

وإذا ذهبت إلى أي قُطر إسلامي ينطق بالعربية أو لا يتحدث بها، وجدت هذه العادات، وسعدتَ بهذا الشعور، وفرحت بهذه الخيرات، بل قد تجده وهو غير عربي أكثر احتفالاً برمضان من العربي، أو يتسابق معه في إظهار فضل هذا الشهر الكريم، إن هذه الشعائر التعبدية وهذه الأيام الإيمانية لتبرهن بجلاء ووضوح على وحدة الأمة الشعورية والنفسية والعبادية، وتجعل قيادتها سلهـة، ووحدتها ممكنـة إذا قيدت من عقيدتها.

إن رمضان، والقِبلة، والكعبة، والحج، والقرآن، والسُّنَّة، والتاريخ الإسلامي، والمناسبات الإسلامية مثل: الإسراء والمعراج.. وغيرها موحدات شعورية ونفسية هائلة تحفظ على الأمـة هويتها وشخصيتها، وتمنعها من الذوبان مهما حاول الأعداء والدجالون والمنافقون أن يهمشوا هويتها ويجهضوا شخصيتها، حتى يأذن الله لها بالفلاح.

ولكن هل يحاول فرسان الضلال للتجفيف الينابيع الإسلامية؟ وهل يفكر دهاقين السياسات الاستعمارية في محاربة رمضان والشعائر الإسلامية؛ لتنفصم تلك الوحدات الشعورية، وتذوب الأمة؟ أم أن هذا أمر خارج عن الطاقة، والله متم نوره ولو كره الكافرون؟ أقول: نعم ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى