الفرق بين المراجعتين لصفحة: «هل نغير الشعوب؟»
(أنشأ الصفحة ب'<center> <font size="5">هل نغير الشعوب؟</font></center> '''23 مارس 2011''' '''بقلم :فهمي هويدي''' [[ملف:فهمي هويدي.jpg|350بك|...') |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
<center> <font size= | '''<center><font color="blue"><font size=5>هل نغير الشعوب؟</font></font></center>''' | ||
'''23 مارس 2011''' | '''23 [[مارس]] [[2011]]''' | ||
'''بقلم :فهمي هويدي''' | '''بقلم : [[فهمي هويدي]]''' | ||
[[ | == نحن حديثو عهد ب[[السياسة]] == | ||
[[ملف:فهمي هويدي.jpg|220بك|تصغير|<center>أ. [[فهمي هويدي]]</center>]] | |||
أقول ذلك وفى ذهنى أصداء التعليقات التى ترددت فى [[مصر]] عقب إعلان نتائج الاستفتاء على تعديلات | لأننا حديثو عهد بالممارسة [[الديمقراطية]] فإن بعضنا تصور أن الخلاف السياسى مقدمة للقطيعة والخصومة التى تنتهى بالتكفير السياسى. | ||
علما بأنه فى [[السياسة]] ــ كما فى الدين ــ فإن الاختلاف فى الرأى لا يعنى بالضرورة أن طرفا مخطئا والآخر مصيبا، ولكن قد يكون الاثنان على صواب ولكن بين الناس من فضل صوابا على آخر. | |||
فى هذا السياق فإننا نستشهد فى تعزيز هذه الفكرة بتعدد المذاهب [[الإسلام]]ية، ونعتبر ذلك دليلا على أن الصواب له أكثر من باب. | |||
ومعلوم أن المجتهد فى الدين إذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران. ولئن جاز كل ذلك فى أمور الدين فهو أجوز فى شئون الدنيا. | |||
أقول ذلك وفى ذهنى أصداء التعليقات التى ترددت فى [[مصر]] عقب إعلان نتائج الاستفتاء على تعديلات [[الدستور]]، التى كان بعضها امتدادا للتراشق الذى حدث فى الأيام الأخيرة التى سبقت التصويت على التعديلات. | |||
أعنى حين تحول الحوار حول التعديل إلى اشتباك بين أنصاره ومعارضيه. وخلال ذلك الاشتباك تم تبادل الاتهامات بين الطرفين، الذى تجاوز نقد الأفكار والمواقف إلى تجريح الأشخاص أو الفئات التى تدافع عنها. | |||
رغم أننا نفهم أن موضوع الخلاف الأساسى هو أى الطرق أفضل لبناء الدولة [[الديمقراطية]] فى [[مصر]]، وهو ما وصف بأنه خلاف فى الوسائل وليس فى الغايات. | |||
== رؤية لم تتبلور بعد == | |||
هذه الرؤية لم تتبلور بعد فى خطاب النخبة المصرية على الأقل. ولن أتحدث عن أصداء ما جرى فى أوساط بعض غلاة الناشطين، الذين اتسمت تعليقاتهم عبر الانترنت بدرجات متفاوتة من الشطط والتجاوز التى لا تدعو فقط إلى المفاصلة والخصومة، ولكنها وصفت ما جرى بأنه تواطؤ وتجارة بدم الشهداء! | هذه الرؤية لم تتبلور بعد فى خطاب النخبة المصرية على الأقل. ولن أتحدث عن أصداء ما جرى فى أوساط بعض غلاة الناشطين، الذين اتسمت تعليقاتهم عبر الانترنت بدرجات متفاوتة من الشطط والتجاوز التى لا تدعو فقط إلى المفاصلة والخصومة، ولكنها وصفت ما جرى بأنه تواطؤ وتجارة بدم الشهداء! | ||
أوساط عقلاء النخبة ــ عدا استثناءات بسيطة ــ تعاملت مع نتائج الاستفتاء الذى أيدت فيه الأغلبية الكبيرة التعديلات | أوساط عقلاء النخبة ــ عدا استثناءات بسيطة ــ تعاملت مع نتائج الاستفتاء الذى أيدت فيه الأغلبية الكبيرة التعديلات [[الدستور]]ية كالتالى: | ||
أذاعوا أن التصويت لصالح التعديلات تم بناء على العوامل الأيديولوجية، فى إشارة إلى أن | أذاعوا أن التصويت لصالح التعديلات تم بناء على العوامل الأيديولوجية، فى إشارة إلى أن [[الإسلام]]يين استخدموا الدين فى اللعبة السياسية واعتبروا التصويت لصالح التعديلات '''«واجبا شرعيا»'''. | ||
وحين تبين أن نسبة المؤيدين 77٪ فإنهم سارعوا إلى إثارة الفزع بين الأقباط وأعداد غير قليلة من المسلمين بدعوى أن الأصوليين قادمون، الأمر الذى استدعى إلى الذاكرة تجارب وخبرات تقلق المواطن العادى، على رأسها نظام طالبان فى أفغانستان. | وحين تبين أن نسبة المؤيدين 77٪ فإنهم سارعوا إلى إثارة الفزع بين الأقباط وأعداد غير قليلة من المسلمين بدعوى أن الأصوليين قادمون، الأمر الذى استدعى إلى الذاكرة تجارب وخبرات تقلق المواطن العادى، على رأسها نظام طالبان فى أفغانستان. | ||
سطر ٢١: | سطر ٣٦: | ||
فى الوقت ذاته، وجه أولئك العقلاء نقدهم إلى الجماهير التى سلمت قيادها إلى الدعاة، وكانت النتيجة أنهم أساءوا الاختيار وأيدوا التعديلات التى كان يتعين عليهم أن يرفضوها. | فى الوقت ذاته، وجه أولئك العقلاء نقدهم إلى الجماهير التى سلمت قيادها إلى الدعاة، وكانت النتيجة أنهم أساءوا الاختيار وأيدوا التعديلات التى كان يتعين عليهم أن يرفضوها. | ||
== عدة أمور يجب ملاحظتها == | |||
من ناحية ثالثة فإن إطلاق مثل هذه الدعاوى الآن ــ بعد إعلان النتائج ــ لا يشكك فقط فى ثقة النخبة فى المجتمع، ولكنه يشكك أيضا فى موقفهم إزاء الديمقراطية التى يقبلون بها فقط إذا ناسبت هواهم والتقت مع أفكارهم، وهى الديمقراطية الانتقائية التى تبطن شكلا آخر من أشكال الديكتاتورية. | '''حين يدقق المرء فى هذه الرسائل يلاحظ عدة أمور.''' | ||
أولها أنها عمدت إلى التغليط والتعميم اللذين يتعذر افتراض حسن النية فيهما. إذ ليس دقيقا أن الناس صوتوا لصالح التعديلات انطلاقا من العوامل الأيديولوجية. | |||
لأن ثمة قرائن كثيرة تدل على أن نسبة معتبرة من المصوتين كانوا مشغولين بقضية الاستقرار، بعدما أقلقهم استمرار الاعتصامات والاضرابات. | |||
كما أنه ليس صحيحا أن كل الذين صوتوا لصالح التعديلات ينتمون إلى التيار [[الإسلام]]ى، وإنما كان منهم ليبراليون وقوميون ويساريون أنحازوا إليها لسبب أو آخر. | |||
فى الوقت ذاته فإن الذين تحدثوا بين [[الإسلام]]يين عن الواجب الشرعى كانوا قلة استثنائية. أزعم أن تأثيرها بين الناس كان أضعف من تأثير توجيهات الكنيستين [[الأرثوذكسية]] و[[الكاثوليكية]] اللتين نصحتا أتباعهما برفض التعديلات. | |||
لابد أن نلاحظ أيضا ــ وهذه نقطة ثانية ــ أن اتهام الناس بأنهم انساقوا وراء الدعاة الذين وعدوهم بالجنة إذا قالوا «نعم». يعبر عن استخفاف بأولئك الناس وتسفيه لوعيهم. | |||
'''وهو يتضمن رسالة مبطنة تقول:''' لو كان الناس عندنا أرقى وأفضل وأذكى مما هم عليه، لاختلف موقفهم وانضموا إلى الذين قالوا لا. | |||
وإذا أردنا أن نترجم هذه الرسالة فسنجد أنها تدعو فى نهاية المطاف إلى تغيير الناس لكى يتوافقوا مع النخبة، فى حين أن النخبة هى التى ينبغى أن تراجع نفسها لكى تصبح أصدق تعبيرا عن ضمير المجتمع وأشواق الناس. | |||
من ناحية ثالثة فإن إطلاق مثل هذه الدعاوى الآن ــ بعد إعلان النتائج ــ لا يشكك فقط فى ثقة النخبة فى المجتمع، ولكنه يشكك أيضا فى موقفهم إزاء [[الديمقراطية]] التى يقبلون بها فقط إذا ناسبت هواهم والتقت مع أفكارهم، وهى [[الديمقراطية]] الانتقائية التى تبطن شكلا آخر من أشكال [[الديكتاتورية]]. | |||
== المصدر == | == المصدر == | ||
* '''مقال :'''[http://shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=414550 هل نغير الشعوب؟] | *'''مقال :''' [http://shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=414550 هل نغير الشعوب؟] '''الشروق''' | ||
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]] | [[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]] | ||
[[تصنيف:أخبار ثورة 25 يناير]] | [[تصنيف:أخبار ثورة 25 يناير]] |
مراجعة ٠٩:٠٣، ٨ يناير ٢٠١٢
بقلم : فهمي هويدي
نحن حديثو عهد بالسياسة

لأننا حديثو عهد بالممارسة الديمقراطية فإن بعضنا تصور أن الخلاف السياسى مقدمة للقطيعة والخصومة التى تنتهى بالتكفير السياسى.
علما بأنه فى السياسة ــ كما فى الدين ــ فإن الاختلاف فى الرأى لا يعنى بالضرورة أن طرفا مخطئا والآخر مصيبا، ولكن قد يكون الاثنان على صواب ولكن بين الناس من فضل صوابا على آخر.
فى هذا السياق فإننا نستشهد فى تعزيز هذه الفكرة بتعدد المذاهب الإسلامية، ونعتبر ذلك دليلا على أن الصواب له أكثر من باب.
ومعلوم أن المجتهد فى الدين إذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران. ولئن جاز كل ذلك فى أمور الدين فهو أجوز فى شئون الدنيا.
أقول ذلك وفى ذهنى أصداء التعليقات التى ترددت فى مصر عقب إعلان نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور، التى كان بعضها امتدادا للتراشق الذى حدث فى الأيام الأخيرة التى سبقت التصويت على التعديلات.
أعنى حين تحول الحوار حول التعديل إلى اشتباك بين أنصاره ومعارضيه. وخلال ذلك الاشتباك تم تبادل الاتهامات بين الطرفين، الذى تجاوز نقد الأفكار والمواقف إلى تجريح الأشخاص أو الفئات التى تدافع عنها.
رغم أننا نفهم أن موضوع الخلاف الأساسى هو أى الطرق أفضل لبناء الدولة الديمقراطية فى مصر، وهو ما وصف بأنه خلاف فى الوسائل وليس فى الغايات.
رؤية لم تتبلور بعد
هذه الرؤية لم تتبلور بعد فى خطاب النخبة المصرية على الأقل. ولن أتحدث عن أصداء ما جرى فى أوساط بعض غلاة الناشطين، الذين اتسمت تعليقاتهم عبر الانترنت بدرجات متفاوتة من الشطط والتجاوز التى لا تدعو فقط إلى المفاصلة والخصومة، ولكنها وصفت ما جرى بأنه تواطؤ وتجارة بدم الشهداء!
أوساط عقلاء النخبة ــ عدا استثناءات بسيطة ــ تعاملت مع نتائج الاستفتاء الذى أيدت فيه الأغلبية الكبيرة التعديلات الدستورية كالتالى:
أذاعوا أن التصويت لصالح التعديلات تم بناء على العوامل الأيديولوجية، فى إشارة إلى أن الإسلاميين استخدموا الدين فى اللعبة السياسية واعتبروا التصويت لصالح التعديلات «واجبا شرعيا».
وحين تبين أن نسبة المؤيدين 77٪ فإنهم سارعوا إلى إثارة الفزع بين الأقباط وأعداد غير قليلة من المسلمين بدعوى أن الأصوليين قادمون، الأمر الذى استدعى إلى الذاكرة تجارب وخبرات تقلق المواطن العادى، على رأسها نظام طالبان فى أفغانستان.
فى الوقت ذاته، وجه أولئك العقلاء نقدهم إلى الجماهير التى سلمت قيادها إلى الدعاة، وكانت النتيجة أنهم أساءوا الاختيار وأيدوا التعديلات التى كان يتعين عليهم أن يرفضوها.
عدة أمور يجب ملاحظتها
حين يدقق المرء فى هذه الرسائل يلاحظ عدة أمور.
أولها أنها عمدت إلى التغليط والتعميم اللذين يتعذر افتراض حسن النية فيهما. إذ ليس دقيقا أن الناس صوتوا لصالح التعديلات انطلاقا من العوامل الأيديولوجية.
لأن ثمة قرائن كثيرة تدل على أن نسبة معتبرة من المصوتين كانوا مشغولين بقضية الاستقرار، بعدما أقلقهم استمرار الاعتصامات والاضرابات.
كما أنه ليس صحيحا أن كل الذين صوتوا لصالح التعديلات ينتمون إلى التيار الإسلامى، وإنما كان منهم ليبراليون وقوميون ويساريون أنحازوا إليها لسبب أو آخر.
فى الوقت ذاته فإن الذين تحدثوا بين الإسلاميين عن الواجب الشرعى كانوا قلة استثنائية. أزعم أن تأثيرها بين الناس كان أضعف من تأثير توجيهات الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية اللتين نصحتا أتباعهما برفض التعديلات.
لابد أن نلاحظ أيضا ــ وهذه نقطة ثانية ــ أن اتهام الناس بأنهم انساقوا وراء الدعاة الذين وعدوهم بالجنة إذا قالوا «نعم». يعبر عن استخفاف بأولئك الناس وتسفيه لوعيهم.
وهو يتضمن رسالة مبطنة تقول: لو كان الناس عندنا أرقى وأفضل وأذكى مما هم عليه، لاختلف موقفهم وانضموا إلى الذين قالوا لا.
وإذا أردنا أن نترجم هذه الرسالة فسنجد أنها تدعو فى نهاية المطاف إلى تغيير الناس لكى يتوافقوا مع النخبة، فى حين أن النخبة هى التى ينبغى أن تراجع نفسها لكى تصبح أصدق تعبيرا عن ضمير المجتمع وأشواق الناس.
من ناحية ثالثة فإن إطلاق مثل هذه الدعاوى الآن ــ بعد إعلان النتائج ــ لا يشكك فقط فى ثقة النخبة فى المجتمع، ولكنه يشكك أيضا فى موقفهم إزاء الديمقراطية التى يقبلون بها فقط إذا ناسبت هواهم والتقت مع أفكارهم، وهى الديمقراطية الانتقائية التى تبطن شكلا آخر من أشكال الديكتاتورية.
المصدر
- مقال : هل نغير الشعوب؟ الشروق