من قتل حسن البنا
الإمام
رفعه أتباعه فوق كل المصلحين وأئمة الإسلام فى العصر الحديث قالوا إنه جمع بين تطور فكر محمد عبده وشجاعة جمال الدين الأفغانى وتفوق عليهما لأنهما تركا مبادئ ولم يبنيا حركة منظمة, أما الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن البنا, وشهرته البنا , فقد أقام تنظيم الإخوان المسلمين.
لم يحاول الدخول فى التفسيرات والشروح والاجتهادات الدينية التى خاض فيها رجال الأزهر وعلماء الإسلام, بل أراد أن يكون مجددا , ويطالب المسلمين بإعادة التأمل فى دينهم.
ولم يهتم بالخلافات بين المذاهب بل حاول تجميع المسلمين رغم خلافاتهم ووجد فى الإسلام : الدين والدولة, والوطن والجنسية و والمذهب والقانون الروح والثقافة. والعقيدة والقيادة. الثورة والسيف.
وصفوه بأنه داعية إسلامى من طراز فريد عبقرى. والعالم الربانى الفذ الصالح, الذى لم بنجل مثله العالم الإسلامى منذ قرون!
وقالوا أنه الرجل القرآنى الذى استطاع أن يبذر فى الأرض بذرة المصحف وقال عنه عمر التلمساني أنه
- " الملهم الموهوب بطاقة لا يحظى بها إلا القليل. جهوده خارجه عن نطاق الجهد العقلى. صاحب فراسة لا تخيب. أستاذ الجميع فى كل شئ. إمام أنقذ أمة".
وقالوا أنه
- " أفلت من غوائل المرأة والمال والجاه. فشلت كل محاولات أغرائه بفضل صوفيته الصادقة وزهده الطبيعى".
وقف محمد نجيب أول رئيس الجمهورية مصر أمام قبره فقال نيابة عن مجلس الثورة المصرى:
- " صاحب عقيدة.. حرب على الفساد والانحلال, بقدر ما كان حربا على الإحتلال.. عاش لأمته ووهب لها حياته".
ذكر فتحي رضوان اسم البنا] لأول مرة أمام جمال عبد الناصر فوجده يقول:
- كان البنا يبعث على احترامه,وقال فتحي رضوان إن هذه الشهادة من أكبر الشهادات لمرشد الإخوان وهو أول شهادة سمعها منه فتحي رضوان من عظيم من الأحياء أو الأموات!
رآه أنور السادات لأول مرة فوجده
- " يلتحف بعباءة حمراء لا تكاد تظهر منه شيئا كثيرا إلا البشاشة في وجهه. والتواضع في مظهره والرقة في حديثه.ليس في خطابته وعظ المتدينين, لا الكلام المرتب , ولا العبارات المنمقة ولا الحشد الكثير, ولا الاستشهاد المطروق, ولا التزمت في الفكرة, ولا ادعاء العمق, ولا ضحالة الهدف, وإحالة إلى التواريخ والسير,رجل يدخل موضوعه من زوايا بسيطة ويتجه إلى هذه عن طريق واضح ويصل إليه بسهولة أخاذة".
التقى به أحمد مرتضى المراغى وزير الداخلية السابق فوجده
- " ذا لحية لا هى طويلة ولا هى قصيرة.خفيف الخطى سريع الحركة والكلام.آية في الذكاء يركز عينيه اللامعتين على محدثه, يخفى وجهه, ثم يعود إلى التحديق دمث المعشر, حلو الحديث, خلت طبيعته الدينية من التزمت".
تكلم الشيخ الباقورى عن ثقافة البنا فقال:
- " إنه كان يحفظ ديوانا المتنبى مضمونا إلى ذلك ما متعه به الله من حفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة المحمدية العطرة. قرأ لابن خلدون والأفغاني ومحمد عبده والغزالى وابن تيمية وكان حريصا على اقتناء كل كتاب يظهر"
وصفته مجلة " آخر ساعة" المصرية فقالت:
- " وجهه مشوب بمسحة وقار لطيف حاد الملامح بين التعابير تحت جبين عريض لماح بقبس من الذكاء تقعد وسطه" زبيبة صلاة" كبيرة داكنة من أثر السجود.عيناه هادئتان بسيطتان في بساطتهما لمحة من " عيون المقطم" تحسبها قليلة الغور, فإذا ألقيت فيها الحجر, ظل يتدحرج إلى غير قرار.
- دائم الابتسام , فاره القامة يبدو قويا كشجرة السنديان في صوته عمق وعرض وطول وللسانه سحر إذا تكلم يتلاعب بالألباب وقد أمده الأدب العربى, على شتى أصوله بفيض هائل من الآيات والأحاديث, وأمجاد الجهاد الإسلامى يطلقها من فمه كالمدفعى الماهر في أنسب وقت, وأنسب مكان, فيكون لها فعل القذائف في معارضيه.
- مدرس خط, ومع ذلك فإن خطه بشهادته, هو نفسه ليس جميلا بل ولا مقروءا.وزعيم لمليون من المصريين ولكنه وبشهادته أيضا ليس زعيما وإنما هو مدرس فقط ولعل هذا مصدر لقبه الرسمى وهو المرشد العام للإخوان المسلمين.ميزه هذا الرجل الكبرى أنه يعرف كيف يخاطب الناس كيف يلهب شعورهم".
وقال عنه أحمد حسين زعيم مصر الفتاة أنه:
- من الرجال العظام الذين يصطفيهم الله لنصرة دينه".أجمع معاصروه على أنه يتمتع بشخصية قويه. يحمل دعوته إلى الناس في يسر ويشرحها بألفاظ سهلة دون تكلف. شديد التواضع زاهد لا يبغى مالا. لم يجمع من الدنيا شيئا, ولا يهتم فيها إلا مقدار. ولا يصيب منها إلا ما تدعو إليه الضرورة.
- ينام خمس ساعات ويأكل ما حضر من الطعام ويلبس ما تيسر له من الثياب, ويعيش عيشة الكفاف. زيارته للقرى تتسم بالبساطة. يتصرف بحكمة وذكاء وهو يسعى لاكتساب الأصدقاء ينام عند أعضاء الجماعة. وإذا لم يتوفر له ذلك نام في المسجد راضيا!
- أقام في بداية حياته بالقاهرة في حارة عبد الله بك في المغربلين بحى اليكنية عند بوابة المتولى يستأجر بيتا إبحاره خمسون قرشا كل شهر.
- ومنه انتقل إلى السبتية وأخيرا في شقة بحارة سنجر الخازن بقسم الخليفة يدفع عنها جنيهن كل شهر.كان البيت مفروشا بالحصير ولم تغط أرضه سجادة في يوم من الأيام.
- مرتبة كمدرس بوزارة المعارف للغة العربية لا الخط ! عشرة جنيهات يحصل منها على جنيهين لمصروفه الشخصى ولرحلات الدعوة وتساهم أسرة زوجته من الإسماعيلية في نفقات البيت.
- وبعد استقالته من عمله كمدرس عام 1946 أصدر "مجلة الشهاب" ولم يزد دخله منها على 15 جنيها.
- عرض عليه الإخوان 100 جنيه شهريا مقابل التفرغ ولكنه اعتذر وعرض عليه الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية خمسة آلاف جنيه ليكتب عن الديمقراطية فقال:
- أكتب عن ديمقراطية الإسلام باعتبارها الديمقراطية الحقيقية المثالية فرفض الإنجليز. قال تقرير للمخابرات البريطانية إن أحد أسباب الانتشار السريع للإخوان يرجع إلى حياة الزهد والورع التى عاشها البنا كمسلم.
- وفى مفكرته التى وجدت معه عند مصرعه كتب أنه أخذ من المستشار منير الدلة 150 جنيها لتسوية نفقات المعيشة!وفتشوا ملابسه في مستشفى القصر العينى بعد وفاته فوجدوا في جيبه كل تركته: ستة جنيهات وعشرة مليمات وساعة جيب معدنية ماركة " أوراتور" سلسلتها معدنية أيضا وقلم حبر!
- ووجدا في سيارة التاكسى التى نقلته إلى المستشفى لآخر مرة مسبحة رخيصة من 99 حبة!وقصدت شقيقته تزور زوجها المصاب عبد الكريم منصور المحامى في مستشفى القصر العينى بعد يومين من اغتيال شقيقها فشكا إليها زوجها عدم عناية المستشفى بأمره.
- وعدم كفاية ما يقدم إليه من طعام فأعطته كما يقول محضر الشرطة خمسين قرشا أوراقا نقدية من فئة العشرة القروش ثم عادت وقدمت إليه خمسة وعشرين قرشا فلم تكن تملك غير هذه القروش!
أثرت في الشيخ البنا عوامل كثيرة
ولد في قرية المحمودية بمديرية البحيرة التى أنجبت الشيخ محمد عبده عام 1906 والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا مأذون وساعاتى إمام وخطيب مسجد القرية درس الأدب على يد الشيخ محمد عبده وألف عدة كتب دينية وعنده مكتبة إسلامية كبيرة.
تتلمذ في الكتاب على يد أزهرى ورع. فتأثر بهذا المناخ الدينى وكانت كل موضوعه الإنشائية عن الدعوة الإسلامية.
وعلى المستوى الشخصى اعتاد الأسرة الكبيرة..كان له أربعة أشقاء وعندما تزوج من كريمة الحاج حسين الصولي من وجهاء الإسماعيلية أنجب خمس بنات هن:
- سناء ووفاء ورجاء وهالة وابنا واحدا هو أحمد سيف الإسلام الذى كان في الرابعة عشر من عمره عند مصرع أبيه وكانت صغرى بناته استشهاد جنينا فى بطن أمها يوم وفى أبيها!
فى المدرسة الابتدائية رأس جمعية السلوك الاجتماعي وأنشأ مع زملائه " جمعية منع المحرمات" التى يبعث أعضاؤها برسائل لمن يرتكبون منكرا وكان العمل السرى بعد ذلك أحد وسائله فى الدعوة اشترك فى التشكيلات الإسلامية وعمره 12 سنة.وبدأ يكتب مذكراته وهو صبى. ويشترك فى المظاهرات السياسة وعمره 13 سنة.
ويلتحق فى سن الرابعة عشرة بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور فيدرس الفقه الإسلامي ويحفظ 18 ألف ببيت من الشعر.يقرأ كتب الغزالى ويتأمل فلسفته ثم يشترك أثناء الدراسة فى " الجمعية الحصافية الخيرية " فيتعلم شئون الجمعيات ووسائل تنظيمها وعرف أن قيام هذه الجمعيات فى المدارس يترك أثرا ضخما فى نفوس الشباب!
قال:
- كم سهرنا الليالى ندرس حال أمة الإسلام
وعندما يسمع بروفة محمد فريد وهو طالب فى هذه المدرسة يؤلف قصيدة يقول فيها:
- أفريد لا تجزع على الأوطان
وينتقل إلى القاهرة فى مدرسة دار العلوم بحفظ القرآن والسنة النبوية والسيرة المحمدية وديوان المتنبى ويكتب فى آخر موضوع للإنشاء المدرسة " بعد قومى عن مقاصد دينهم ومرامى كتابهم والتبس عليهم الدين الصحيح"!
كان أول دفعته فى جميع مراحل التعليم تخرج فى دار العلوم وعمره 21 سنة.وقد تردد بعد نجاحه, بين أمرين: أن يعمل مدرسا أو يتقدم لبعثة فى الخارج.
حسم القدر الأمر فإن دار العلوم لم ترشح أحد للبعثة فى تلك السنة فبقى فى مصر يعمل , كما قال فى موضوع الإنشاء " على تصحيح الأوضاع ليغرس فى النفوس أن الإسلام دين ودنيا"
قال:
- " هذا الكتاب يخشاه المستعمرون لأنه ليس آيات تقرأ فى الصلاة وترددها الشفاه, وإنما كتاب تشريع وقيادة وحكم وإمامة".
ويكون هذا كله زاده لدينى, أما زاده السياسى فكان عريضا أيضا.جفلت الفترة من عام 1906 حتى عام 1928 بالأحداث السياسة دنشواى. شق الفلاحين المصريين, وجلدهم بالسياط أمام أهلهم فى قلب القرية...
أزمة طابا بين الإنجليز والأتراك والاختلاف بينهما على حدود مصر.. خلع الخديو عباس حلمى الثانى... الحرب العالمية الأولي ثم ثورة 1919 التى اشترك فى مظاهراتها وإضراباتها وعمره 13 سنة وأثناءها كان تلميذا بالاعدادية فى مدرسة المحمودية.ز
الاستقلال والدستور واغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك ووفاة سعد زغلول..... والأزمات العاتية التى عاشتها مصر!
وكان يكفى البنا أثناء دراسته بدار العلوم أن يمضى مسافة قصيرة للوصول إلى الأزهر أو سير فى ثلاثة شوارع ليدور حول دار المندوب السامى البريطانى بحديقته الواسعة شاطىء النيل. وقصر عابدين حيث يقيم الملك فؤاد . والبرلمان الذى يعقد حينا, ويعطله الملك فؤاد حينا آخر!
بعد وفاة سعد بأسبوعين تقريبا انتقل البنا فى 16 من سبتمبر 1937 إلى الإسماعيلية ليكون مدرسا للغة العربية بالمدرسة الابتدائية فحمل معه حصاد الأحداث التى عاشها طفلا. وشابا وسمع عنها حكايات كثيرة استقرت فى عقله وشكلت تفكيره.
وجاءت مرحلة الإسماعيلية لتترك تأثيرها السياسى المباشر فى مستقبل الإخوان وسياستهم وعمقت فى البنا مشاعر الكراهية للنفوذ الأجنبى.وكانت الإسماعيلية مدينة فرنسية على أرض مصرية. طغت الأسماء الأجنبية على الشوارع والمحلات التجارية,
أسلوب الحياة فرنسى وشركة قناة السويس تحتكر المرافق العامة وتنكر على المصرى حق الحياة الكريمة وتحمى قوات الجيش البريطانى هذه الأوضاع كلها!ويجد البنا فى ذلك كله إهانة للكبرياء الوطنية.
ولكنه يقبل من شركة قناة السويس 500 جنيه تبرعا للمساهمة فى إنشاء مسجد قائلا: هذا مالنا لا مال لخواجات. والقناة قناتنا. والبحر بحرنا والأرض أرضنا وهؤلاء غاصبون فى غفلة من الزمن!
بدأ دعوته الدينية فى الإسماعيلية بظروفها تلك, والتى لا تسمح بقيام أو تشجيع جمعية تريد تربية المسلمين على تعاليم الإسلام وتطالب بالإقامة دولة إسلامية حرة بدلا من أن يكون المسلمون مستعمرين ومستغلين ومستعبدين كانت الدعوة بطريقة مبتكرة... فى ثلاثة مقاه يتردد على كل منها مرتين فى الأسبوع.
وزارة ستة من عمال المعسكرات فى منطقة القتال يوم الجمعة 23 من مارس عام 1928 يهنئونه بأول أيام العيد الفطر ويعاهدونه ابتداء من ذلك اليوم على العمل للإسلام والمسلمين قد وجدوا فى الدين خلاصا من ذل الاحتلال البريطانى.
وهنا تبرز حقيقة هامة وهى أن منذ قيام حركته ظلت إحدى عينيه على الدين والأخرى على السياسة.وربما كان ذلك هو العامل الذى دفعه, إلى أن يكون الوحيد بين مؤسسى الجمعيات الدينية الذى ظل يرتدى البدلة الإفرنجية من قماش مصرى – ويضع فوق رأسه الطربوش, وإن لم يعرف لغة أجنبية!
حار العمال الستة فى اختيار اسم يطلقونه على حركتهم فقال لهم:ألسنا مسلمين فنحن إذن " الإخوان المسلمون" وهكذا منذ اللحظة الأولى وعمره 22 سنة يتخلص من المأزق الذى واجهته الجماعة إثر قيام [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة 23 يوليو]] عندما طالبت الأحزاب بإعادة قيدها وجدت أن الإخوان ليسوا حزبا
وينجو ببعد نظره من مأزق آخر!
أنشأ "فرق العمل" أى الجوالة وهى منظمة شبه عسكرية تتبع الجماعة حولها إلى جمعية الكشافة العامة..
وعندما أصدر الملك فاروق قراره عام 1937 بحل تنظيمات القمصان الزرقاء, والقمصان الخضراء التابعين لحزبى الوفد ومصر الفتاة لأنهما شبه عسكريتين لم ينطبق القرار على "فرق العمل " لأنها تتبع الكشافة!
لم تكتب صحافة مصر كلها عن ميلاد الجماعة فلم تعرف الصحافة شيئا عنها يوم ميلادها وإنما اهتمت الصحف فى اليوم التالى بتبادل أعضاء "جمعية الشبان المسلمين" التهانى فى العيد!
ونشرت صحيفة " المقطم " المسائية مقالا لمحمود أبو الحسن عمدة منفلوط عنوانه "الوزارة وشئوننا الداخلية" ولم تتوقع المقطم أن رجلا آخر من منفلوط وهو محمد حامد أبو النصر سيتولى منصب المرشد العام للإخوان بعد ستين عاما!
ولدت الجماعة والبلاد تستعد للإحتفال بعيد ميلا الملك فؤاد وكان عبد الخالق ثروت باشا قد استقال قبل أسبوع واحد من منصبه كرئيس لوزراء مصر وألف مصطفي النحاس باشا رئيس حزب الوفد أول وزارة له يوم 16 من مارس.
أما سر الاستقالة فيرجع إلى أن ثروت باشا تفاوض مع الإنجليز وانتهى أول مشروع معاهدة بين البلدين, وبعد ست سنوات من الاستقلال.
ولكن الوفد رفض مشروع المعاهدة لأنه لا يحقق مطالب مصر وكان أوستين تشمبرلين وزير خارجية بريطانيا يلوم مصر لرفض المعاهدة وصحافة القاهرة تدافع قائلة:"مصر لا تلام ومصالح البلدين كفيلة بحل الخلاف" أما فى برلين فإن المصريين كانوا يتظاهرون ضد المعاهدة.وكان علماء مصر يتكلمون عن.. نظام الوقف!
وإذا كانت مصر لم تدرك أهمية قيام الجماعة. فإن العالم فاته ذلك أيضا كان اهتمام العالم فى تلك السنة بتوقيع ايطاليا معاهدة الصداقة مع أثيوبيا وإعلان زوغو ملكا على البانيا والخطة الخمسية الأولى فى الاتحاد السوفيتى واختيار شيانج كاى رئيسا للصين وهربرت هوفر رئيسا للويلات المتحدة واغتيال أوبريجون رئيس المكسيك ووفاة حسين رشدى رئيس وزراء مصر أثناء الحرب العالمية الأولي!
انتشرت الجماعة فى الإسماعيلية والمناطق المجاروة بجهده وحده ومنحه عمله كمدرس القدرة والتجربة فى السيطرة على الشباب.كان يلجأ للمحضرات والمنشورات والخطابة فى المساجد مؤمنا بأنه لابد من الحصول على أكبر قدر من المساندة من الطلبة والفلاحين والعمال
وأن العقيد الإسلامية التى تقدم بطريقة ليست هيابة أو مهادنة قوة قادرة على اجتذاب سكان مصر.لم يضع حاجزا بينه وبين الناس ... أبدا. وكان يؤمن بأن الزمن معه ومع الجماعة
قال لصديق:
نحتاج لأجيال ثلاثة لتنفيذ خططنا
الجيل الثانى يحارب يقصد جيل التنفيذ والجيل الثالث ينتصر .. يعنى الذى يقطف ويجنى الثمار وبحماس لا يهدأ بدأ إعداد الجيل الأول .. المستمع.خلال عامين كان قد أنشأ شعبا للجماعة حول الإسماعيلية وبور سعيد و..العريش
وارتفع عدد الشعب إلى عشرة خلال أربعة أعوام من تأسيس الجماعة , ,لم ينس المرأة فأنشأ مدرسة الإسماعيلية لتأهيل الأخوات المسلمات. وحرص من البداية .
على الإدارة المركزية فجعل كل الشعب تتبع المقر الرئيسى فى الإسماعيلية وطاف , بكل الشعب واختار قادتها بنفسه ويكتشف البنا أنه حان الوقت لطفرة فيطلب الانتقال إلى القاهرة فى أكثر عام 1932 فينقل مدرسا بمدرسة عباس بالسبتية.وينتقل معه إلى القاهرة المركز العام للجماعة!
ويصدر فى العام التالى مجلة أسبوعية باسم " الإخوان المسلمين" وينطلق نشاط الإخوان فى العامين التاليين فى الدعوة الدينية.
وينشىء 50 شعبة فى هدوء وحذر دون إثارة السلطات داخل مصر ويلحق بمعظمها مراكز لتحفيظ القرآن ومدارس ومستوصفات صحية فى كتاب " الطريق إلى السويس" قال : ارسكين تشيلدرز أن البنا دأب منذ عام 1934 على تأسيس فروع للجماعة خارج مصر.
وقال الباحث الأمريكى ريتشارد ميتشيل فى رسالة دكتوراه عن الإخوان المسلمين إن دارهم صارت منتجعا لكل الحركات الإسلامية.. فى العالم الإسلامى.وهكذا امتدت شعب الإخوان إلى السودان وسوريا ولبنان وفلسطين وشمال أفريقيا.
ويقول الصحفى الألمانى ولهم ديتل:" كان للإخوان أعضاء فى جنيف قبل الحرب العالمية الثانية".
قال إسحاق موسى الحسينى فى كتابه " الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية" إن الإخوان حركة فى شخص البنا تمددت واتسعت بالأعضاء والمريدين.
يزور الشيخ البنا المقر الرئيس بالقاهرة صباحا ليترك تعليمات بنظام العمل اليومى ويتجه إلى مدرسة عباس بالسبتية يؤدى عمله كمدرس وبعد عودته من المدرسة يتوقف فى المركز ثم يعود إليه مرة ثالثة فى المساء.
كانت فى مصر فى ذلك الحين 120 جمعية دينية وكان تشكيل هذه الجمعيات . فى بعض الأحيان عملية تجارية لجمع التبرعات لحساب مؤسسيها ووجد موظف شكل 12 جمعية.
ولكن جماعة الإخوان دون غيرها كانت تستحق الفخر بها كما قال " هيوراث دان" رجل المخابرات البريطانية فى مصر الذى يجيد اللغة العربية واسلم وأصبح اسمه جمال الدين هيوراث دان وتزوج مصرية مسلمية فى بحث قدمه سرا للإنجليز ثم نشره بعد ذلك كتابا ولكن بأسلوب مختلف .
قال:
- " تتمتع الجماعة بشعبية تفوق ما كان يتمتع به الوفد عند نشأته وفى عصره الذهبى خاصة ذا أخذنا فى الاعتبار الموارد المتاحة للجماعة.
- ويرجع ذلك إلى البنا فهو رجل تنظيم على درجة عالية من الكفاءة يصوغ تعاليمه الدينية بطريقة بارعة تمكنه من جذب خيرة شباب البلد إليه , ومجموعه أخرى من أصحاب المناصب والمكانة الطيبة.وهو يتوجه إلى المشاعر الدينية ويستخدم التنويم المغناطيسى العميق خلال خطبه وأحاديثه"!
لم يتوقف الاتهامات عن ملاحقة الشيخ البنا] منذ بدأ دعوته اتهم وهو مدرس فى الإسماعيلية بأنه شيوعى ووفدى وجمهورى ضد الملك فؤاد فحقق معه وثبتت براءته.
قالت المفوضية الأمريكية
- " خطورة الإخوان تكمن فى المبادىء المعتصبة التى تعتنقها وطبقا لما يقوله الإخوان مادامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن"
وقالت السفارة البريطانية
- " الهدف المعلن للجماعة إقامة حكومة ومؤسسات مصرية على أساس المبادئ القرآنية الأصيلة ونبذ الثقافة الغربية التى تعتبرها الجماعة.
- مسئولية عما أصاب المجتمع المصرى من انهيار الأخلاق وانحلال السلوك وفساد القيم منذ جلبت على الشعب ما يعانيه من تعاسة وفقر.
- ومهمة الجماعة إقامة تنظيم قوى لديه مشاعر العداء للأجانب ووجه الإنجليز إلى الشيخ البنا] اتهامات ... متناقضة... كثيرة
قال تقرير لسارة البريطانية
تلقت جماعة الإخوان مشاهدة من دول المحور ألمانيا وايطاليا بين عامى 1934و 1939 مما حدا بالبنا أن يصبح من العناصر النشيطة المعادية لبريطانيا وأثناء الحرب العالمية الثانية عندما كانت الهزائم تحيط بالإنجليز فى كل مبادين القتال
قالت المخابرات البريطانية:
- " يبدو أن البنا تقلى تبرعات من السفير الأفغانى. ومن المفوضية الإيرانية.. وهناك ادعاءات بأنه تلقى أموالا من أعضاء بالمفوضية اليابانية"!!
واتهمه كثير من الكتاب بأن جماعته نازية فاشيةوقارنه البعض بهتار وموسولينى!وقالت السفارة البريطانية إنه درس تلك المؤسسات واستخدما كنموذج تحتذى به حركة الإخوان.
وفى دراسة للضباط الكندى ج.ب هاردى قدمها فى تقرير سرى لوزارة الحربية البريطانية قال:
- "هذه المقارنة عن مؤسس وقديس الإخوان لا يمكن التسليم بها إلا من وجه نظر سطحية.تحمل منظمة الإخوان شبه محدد مع الحركتين النازية والفاشية وخاصة فى تعاليمها الداعية إلى الطاعة المطلقة وغير المشروطة للمؤسس. وفى الشكل شبه السرى للتنظيم, والإستعداد الوسائل العنيفة لتحقيق الأهداف.
ولكن إلى هنا ينتهى التشابه
الإخوان حركة دينية صريحة برنامج إصلاحى يشكل غاية فى ذاته بينما النازية والفاشية يناهضان الدين بصورة سافرة.وكان هدف هتلر الأول كسب السلطة لنفسه قبل تحقيق منفعة للأمة وحتى آخر أيام البنا ظل رجلا مقتصدا متواضعا على نقيض التفاخر والعظمة لدى ديكتاتورى ألمانيا وإيطاليا.
والسلطة التى تمتع بها البنا لم تغره أبدا بعزل نفسه عن الناس كما حدث فى حالة هتلر وموسولينى. ويبدو أن البنا لم يعان أبدا من أوهام العظمة التى أصابت الديكتاتور الألمانى والديكتاتور الإيطالى.
وهناك شك هائل حتى بين الكتاب المصريين فى أن البنا رجل طموح يريد إعلان نفسه خليفة للمسلمين
وليس هناك دليل من حياة البنا يشير إلى أنه سعى إلى هذا المنصب لنفسه وربما يكون قد قبله لو أن الموضوع أثير اعتقادا منه بأنه ذلك لصالح الإسلام بوجه عام ومصر بوجه خاص
ويمكن تبرئته من الطموح الشخصى فى المجال الدينى أو السياسى وقد مارس الإشراف الشخصى والمباشر على تنظيم الإخوان كله وربما فعل ذلك لضمان الفاعلية وبدافع الاهتمام الشخصى لا بدافع الطموح الشخصى"
كان تركيز البنا فى الدعوة عند بدايتها يدور حول مسئولية الإنسان المسلم فى إصلاح معتقداته الشخصية وتنظيم حياته حول محور إسلامى وكانت أهدافه دينية ثقافية بحتة
كتب عام 1933 إلى الملك فؤاد يطلب إخضاع البعثات التبشيرية لرقابة الدولة.ويشكل بعد عامين. وفدا من الأعيان يطلب إلى شيخ الجامع الأزهر ورئيس الديوان الملكى ووزير المعارف جعل الدين مادة إسلامية فى برامج التعليم.
وعند وفاة صاحب الجلالة قالت مجلة الإخوان بعنوان " مات الملك يحيا الملك":
- " مصر تفتقد اليوم بدرها فى الليلة الظلماء. ولا نجد النور الذى اعتادت أن نجد الهدى على سناه.
من للفلاح والعامل. ومن للفقير يروى غلته ويشفى علته, ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع ومن للإسلام يعز شوكته ويعلى كلمته. ومن للشرق العربى يؤسس وحدته ويرفع رايته؟".
- ويعلن فاروق ملكا على مصر عام 1936 فيستقبله الإخوان فى محطات السكة الحديد على طول الطريق بيت القاهرة والإسكندرية ويهتف والتهم فى قصر عابدين قائلين:
- نهيك بيعتنا وأولادنا.
ولا يقتصر الهتاف على تلك الكلمات . بل يحددون شروط البيعة قائلين:
- على كتاب الله وسنة رسوله.
- فقد رغبوا فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم.
- فسر المرشد العام الشيخ عمر التلمساني موقفهم من فاروق بأنهم كانوا يأملون من ورائه أن يصلح به أحوال البلاد.
- ولذلك رحبت صحيفتهم بفاروق بأنه " أسوة حسنة" , " فخر الشباب" و" حامى المصحف" و" أمير المؤمنين"وحامى حمى الدين"!
- وشهد فاروق إحتفالا بعيد الهجرة قالت مجلة الإخوان إنه " أعاد صورة سالفة صورة الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره طلوع البدر"!
- ويكتفى المرشد العام فى تلك السنة 1936 بكتابة رسائل إلى الملك فاروق وإلى ملوك وزعماء الدول الإسلامية لإتباع منهج الإسلام وقوانينه وحضارته قائلا:" لم يبق إلا أن تمتد يد قوية . يظللها الله. وتحقق على رأسها آيات القرآن فإذا بالدنيا مسلمة هانئة , وإذا بالعوالم كلها هاتفة.الحمد لله"
- ويؤكد لفاروق فى رسالة أخرى حتمية الحكم بالإسلام
وفى رسالته إلى أحمد خشبة باشا وزير العدل أكد مطلب الحكم بالإسلام قائلا:" صدور الأمة محرجة أشد الحرج لشعورها بأنها تحكم بغير كتاب الله وقانونه وشريعته"
وعندما يدعو الفريق إبراهيم عطا الله باشا رئيس أركان حرب الجيش المرشد العام لحضور الاحتفال بعيد جلوس صاحب الجلالة يعتذر المرشد العام عن عدم الحضور قائلا:كنت أتمنى أن يكون الاحتفال بعرض عسكرى لا بحفل غنائى ساهر!
كل الجماعات الدينية فى مصر اقتصرت على الدين . ولكن جماعة الإخوان وحدها اشتغلت بالسياسة حتى غطت الطبيعة السياسية للجماعة على نشاطها الدينى.
وتعددت الآراء بين الكتاب العرب حول ما إذا كانت الجماعة قد شكلت أصلا وهى تستهدف أن تكون قوة سياسية لها وزنها.
فى رأى الضابط الكندى " هاردى" قال:
- " عند بحث جميع الحقائق نجد أن هذه الفكرة لم تكن موجودة ألاكان الإخوان من الناحية العددية قوة تمكنهم من تقديم برنامج عام على أسس سياسية, قبل عام 1936 بوقت طويل ولكنهم تجنبوا هذه المخاطرة"
وتفسر ذلك مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصرى الأسبق وكان من قيادات الإخوان. قال:
- "حرص الأستاذ البنا على أن يظهر الإخوان المسلمون بمظهر الدراويش الذين يتمتعون على تلاوة المأثورات. وكان أمله فى ذلك أن يصرف اهتمام العالم الغربى عن الإخوان المسلمين باعتبارهم هيئة سياسية يخشونها على نفوذهم فى الاستذلال والإستغلال"!
وفى أول مكتب للإرشاد العام الذى يدير شئون الجماعة كان نصف الأعضاء من علماء الأزهر!رحب الأزهر بالجماعة. وساعد الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر أعضاءها باعتبارهم دعاة للإسلام ومفسرين لتعاليمه وسمح لهم بالدعوة فى المساجد فكانوا يدعون للجماعة بعد الصلاة مباشرة.ونجح الشيخ البنا] فى اختيار الدعاة وتدريبهم.
وكان أغلبهم من الشباب ومن الفقراء وكان المرشد العام قدوة لهم فهو واحد منهم ولا يختلف أبدا عن الذين يوجه إليهم دعوته.منذ بدأت جماعة الإخوان عام 1928 حتى مصرع الشيخ البنا] عام 1949 واجه 12 رئيسا للوزارة هم مصطفي النحاس ومحمد محمود وعدلى يكن وإسماعيل صدقى وعبد الفتاح يحيى وتوفيق نسيم وعلى ماهر وحسن صبرى وحسين سرى وأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبد الهادى.
وكانت له مع بعض هؤلاء تحالفات وصدامات فرضتها طبيعة العمل السياسى.وواجه الشيخ البنا أربعة من المندوبين السامين والسفراء البريطانيين وهم اللورد جورج لويد والسير بيرسى لورين واللورد كيلرن والسير رونالد كامبل ولم يعرف الإخوان , أو شعب مصر ماذا جرى بشأنهم أو ماذا كان يقال عنهم بين رؤساء وزارات مصر سفراء بريطانيا والولايات المتحدة فى مصر أو بين هؤلاء جميعا وصاحب الجلالة ملك مصر.
وهذا الكتاب يقدم ذلك كله بوثائق تذاع لأول مرة عن الجماعة وعن المرشد العام الذى توقف أتباعه عن مقارنته بالأئمة الآخرين. واكتفوا بأن أطلقوا عليه لقب الإمام".
صدام... واعتقال
دخل الشيخ البنا الميدان السياسى بالتدريج وخلال السنوات العشر الأولى .أى منذ عام 1928 كان يؤسس جيل التكوين.
أفاد من فشل الأنظمة السياسية والفوراق الضخمة بين الحكام والحكومين وظل يحرص على نشر دعوته فحسب يتحسن مكانه بين الجماعات والأحزاب والقصر. ويعبر بين الحين والحين عن موقف سياسى.بعث برسائل إلى رؤساء الوزارات يدعوهم إلى الإصلاح الاجتماعى الشامل على هدى الإسلام.
وتضمنت الرسائل تهديدا مقنعا يحمل معنى بأن الإخوان يشكلون قوة على أرض الواقع ومن الأفضل أن تلتفت الحكومات إلى ما يقولونه.ولكنه فى كل الأحوال حرص على أن يكون الدين طابع دعوته وأن يؤكد أن الجماعة حركة تجديد إسلامى فى القرن العشرين هدفها الحكم بالإسلام لا " نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو دولة ووطن. أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة.
وهو رحمة وعدالة. وثقافة وقانون. أو علم وقضاء . ومادة وثروة . وجهاد ودعوة. أو جيش وفكرة. كما هو عقيدة صادقة وعبادة"وتجنب خلال تلك السنين الصراع العنيف بين الأحزاب من ناحية وبينهما وبين الملك وانجليز من ناحية أخرى
وبعد عامين من وفاة الملك فؤاد وجد أن الوفد لم يستطع ملء الفراغ الذى نشأ عن اختفاء شخصية الملك فؤاد الطاغية كما أن الوفد بدأ يضعف فقال رجالهم فى طنطا بإعداد جيش للترحيب بروميل وتجهيز عناصر موالية للمحور ومعادية للحلفاء.
حل النحاس مجلس النواب بعد 3 أيام من توليه رئاسة الوزارة فقرر الإخوان دخول المعركة الانتخابية التى قاطعتها الأحزاب الأخرى. وبلغ عدد مرشحى الجماعة 17 مرشحا.
قال البنا وهو يرشح نفسه عن دائرة الإسماعيلية: إن الترشيح يتم فى ظل الإسلام وتحت راية القرآن.
'وتركزت دعاية البنا على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وتحاشى الإخوان مهاجمة بريطانيا علنا ولكن استمرت الدعاية السرية ضد الإنجليز.
اعترض بعض الإخوان الذين يريدون قصر نشاط الجماعة على الدين على دخول زعيم الإخوان معترك السياسة بشكل رسمى.
وكانت التعليمات للإخوان كما تقول تقارير المخابرات البريطانية أن يصوتوا لصالح المسلمين الصالحين فى أية دائرة, أو لصالح مرشحى حزب العمال الذى أسسه النبيل عباس حليم ويدعمه القصر!
وجاء فى مقال نشرته إحدى الصحف أن البنا سيكون زعيم المعارضة فى البرلمان!
كان النحاس يعتقد أن الإخوان جمعية دينية فقد ذكر أحمد حسين زعيم مصر الفتاة للنحاس قائلا:
- الشيخ البنا رجل لا أكثر
- دعا رئيس الوزراء المرشد العام للاجتماع به فى منتصف مارس بفندق "مينا هاوس " فأقنعه بسحب الترشيح.
ويسافر النحاس عام 1937 إلى " مونتريه" لبحث إلغاء الامتيازات الأجنبية فيقدم إليه البنا مذكرة يطلب فيها أن يختار التشريع الإسلامى دستورا للأمة.
ويخطب النحاس بعد عودته من سويسرا فيقول:
- " تطالب جماعة لا وزن لها. ولا قيمة بأن يكون القرآن دستورا للأمة.. والإسلام عالى الجنبات ليس فى حاجة إلى هذه الصيحات".
رد الإخوان
" يا رفعة الباشا. قلتم إن الجماعة لا وزن لها ولا قيمة .. وهذا أمر متروك للزمن يقول فيه كلمته".. ويقيل الملك حكومة النحاس فى 31 من يوليو عام 1937 وتنشأ أزمة ثانية بين الوفد والجماعة.
حملت صحيفة "المصرى" الناطقة باسم الوفد فى يوليو 38 على طلاب الإخوان.وكررت الصحيفة هجومها أكثر من مرة.
ردت "مجلة النذير " بعنف قالت
- "وراء سطور الجريدة مؤامرة ضد الإسلام لأن المسيطر عليها هو الوفد وقد منع النحاس الصلاة فى الأزهر.. ورجال الوفد دعاة فساد يغررون بالشباب والطلبة... ومعسكرات الوفد أماكن تجمع للقوادين والنشالين والمجرمين وأرباب السوابق"!
ويجىء ذلك الزمان الذى تنبأ به الإخوان, فيعرف النحاس قيمتهم وقدرهم عندما يتولى رئاسة الوزارة فى أعقاب حادث 4 من فبراير 1942!استنكر الإخوان حصار قصر عابدين بالدبابات البريطانية فاتهم بعض .جماعة لها .. وزن.
اللقاء الأول بين مصطفي النحاس باشا رئيس وزراء مصر والشيخ البنا ثم عام 1936 عندما كان النحاس باشا يرأس الوزارة يومها كان الشيخ ضمن وفد يطالب بالتعليم الدينى فى المدارس فظن رئيس الوزراء أن المرشد العام... عمدة لقرية مصرية!
والصدام الأول بين الرجلين تم فى عهد تلك الوزارة أيضا.أشاد النحاس فى تصريح لصحيفة " الأهرام بكمال أتوتورك زعيم تركيا وقال إنه" من المعجبين بعبقريته... بلا تحفظ"!
رد المرشد العام فى صحيفة الإخوان فقال
- " موقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه معروف . فقد حذفت القانون الإسلامى وحكمت بالقانون السويسرى فهل يفهم من هذا أن يكون لأمة مصر برنامج كالبرنامج " الكمالى"؟!
ويعقد النحاس مع بريطانيا معاهدة 1936 فيعارضها الإخوان ويطلقون عليها اسم " المعاهدة المشئومة".ويهاجم البنا معظم وزراء النحاس..
انتقد وزير الخارجية لأنه أقام حفلا للبعثة الإيرانية لما فيه من خمر ورقص وعبث بأموال الفلاحين بما يخالف الدين!ووزير الداخلية لأنه سافر ظهر الجمعة وترك أداء فريضتها!ووزير المالية لحضوره ميادين السباق والمراهنة وهى قمار صريح!
الملك فاروق مصطفي النحاس رئيسا للوزارة
ولكن الإخوان وقفوا ضد حادث 4 فبراير وقرروا دخول الانتخابات النيابية القادمة.وتميزت الشهور التالية فى نشاط الإخوان بالهدوء المعتدل".
وتظل المخابرات تتابع الإخوان لتكتشف أنهم مستمرون فى " مخططاتهم التخريبية".. أى الاستعداد لتخريب المنشآت وخطوط المواصلات البريطانية إذا نجح الألمان فى غزو مصر.
ومن هنا تتضح الحقيقة وهى أن الإخوان هادنوا الإنجليز علنا وهاجموهم سرا لأنهم رأوا الوقت غير مناسب للصدام.ويتقدم الألمان داخل صحراء مصر الغربية فيسحقون القوات البريطانية فى العجيلة ودرنه ويختفى الخبر فى القاهرة وتقوم مظاهرات يهتف الطلاب خلالها قائلين " إلى الإمام يا روميل".
وقيل إن هذه المظاهرات نمت بتحريض من الوفد أو الإنجليز حتى يتسنى تغيير الحكومة.ولا يشترك الإخوان فى هذه المظاهرات
وتفسر السفارة البريطانية ذلك قائلة
- " يبدو أن أوامر صدرت للإخوان بالا يشتركوا فى هذه المظاهرات بصورة واضحة".وربما تقصد السفارة أن الإخوان رفضوا الإفصاح عن ميولهم الموالية للألمان إذا هتفوا لروميل!ولكن كان واضحا أن الإخوان لم يتعاطفوا مع الناية.
وعلى أية حال فإن عمر وزارة سرى باشا انتهى باستقالته فى 4 فبراير 1942 .. عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين. وفرضت على فترة تقل عن شهر , ثم الإفراج عنه جعلت الإخوان على درجة كبيرة من القوة.
أصبح باستطاعتهم فرض ما يشاءون بالتهديد على حسين سرى الذى بدأ يدرك جيدا ضعف حكومته التى لا تتمتع بتأييد فى البرلمان . والتى فقدت فى الوقت نفسه تأييد الملك والإنجليز.
ويتقارب الملك والإخوان وأخذ سرى باشا يسعى لتحسين صورة الإخوان لدى السلطات البريطانية التى اكتشفت أن رئيس الوزراء يفعل ذلك بناء على تعليمات الملك!
وكان الألمان قد أشاعوا أن هتلر أسلم ونشر وسيم خالد المتهم بالاشتراك فى اغتيال أمين عثمان وزير المالية فى عهد الوفد أن اتفاقا تم بين المرشد والإنجليز للتعاون على محو أسطورة الحاج محمد هتلر فى المساجد والامتناع عن أى نشاط معاد لبريطانيا مقابل التغاضى عن نشاط الإخوان فى المدن والقرى.
وفي كتاب ميتشيل قال : إن السفارة البريطانية عرضت مساعدة على الجماعة لتحقيق أهدافها.
واختلفت المصادر فيما إذا كانت الجماعة قد قبلت أو رفضت المساعدة والدعم المالى من بريطانيا ولكن مصادر الإخوان نفت قبولها "الأموال الكفرة".
وتقارير المخابرات البريطانية تؤكد هذا النفى كما تؤكده أيضا هيوارث دان وهو رجل بحكم صلته بالمخابرات ... كان يعرف الحقيقة.
وقالت تقارير المخابرات البريطانية
- " أصبح البنا أكثر حذرا فى حديثه عن الإنجليز.تجنب الإشارات العدائية إلى بريطانيا ولكن خطباء الإخوان فى الأقاليم استمروا يهاجمون بريطانيا.
قال البنا فى خطاب له أمام مؤتمر الجماعة:
- " الطريق طويل ولكنه الطريق الوحيد: إنه الصبر والاحتمال والجدية والعمل الدائم. ومن يريد اختطاف الثمرة قبل نضوجها فلست منهم.وعندما يصل عددكم إلى ثلثمائة كتيبة تزودت روحيا بالإيمان وفكريا بالعلم والثقافة وجسمانيا بالتدريب عندئذ أطلبوا منى أن أطلق عقالكم"
وكان واضحا من ذلك أن جيل المستمعين لم يكتمل بعد
اقترح الإخوان على الحكومة خطة تلزم الإنجليز بالتفكير عشرات المرات قبل إقدامهم على مس الوزارة بأذى أقنع المرشد العام عبد الرحمن عزام بأن تعلن الوزارة نفسها حكومة إسلامية فلن يجرؤ الإنجليز على المساس بهذه الحكومة وإلا كان ذلك مساسا بجميع المسلمين فى أنحاء العالم.ولكن على ماهر رفض تنفيذ الاقتراح.
وربما يكون الاقتراح لصالح على ماهر ولكن من المؤكد أنه لصالح الإخوان لأنهم بذلك يكونون قد حققوا أهم أهدافهم بإقامة حكومة إسلامية. وتغيير نظام الحكم المصرى كله. إلى حكم إسلامى وهو هدف الجماعة.
ولا يمكن لحكومة مصرية. بعد ذلك . التراجع!وعرض الإخوان على رئيس الوزراء المساهمة فى الجيش المرابط. وسكرتارية الشئون الاجتماعية أصبحت وزارة بعد ذلك
وبعث البنا بمذكرة إلى على ماهر قال فيها:
- " الإخوان مستعدون وما على الحكومة إلا أن تدعوهم . وتفسح لهم المجال.لسنا نريد بذلك أن نحتكر طريق الخير ولا أن نهيمن عل وسائله ومناهجه ولسنا بذلك نريد أن نفتح أبواب عمل وارتزاق للعاطلين من الإخوان المسلمين".
- " إن البنا كان فى ذلك الوقت يجمع السلاح ويشتريه ويخزيه. ولم لم يكن أقرب الناس إليه من كبار الإخوان على علم بشئ من ذلك".
حاول عزيز المصرى توحيد الإخوان ومصر الفتاة.... ولكنه فشل وكان البنا الوسيط بين عزيز المصرى والضباط الأحرار عن طريق الدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة وأنور السادات الذى أصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية مصر العربية!
بعد أسبوعين من تشكيل الوزارة أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا فى 3 من سبتمبر 1939.
وأعلنت فرنسا واستراليا ونيوزيلندا الحرب لى ألمانيا فى نفس اليوم وتضامنت جنوب أفريقيا مع هذه الدول فأعلنت الحرب يوم 6 من سبتمبر وكندا بعد أربعة أيام.طلب الإنجليز إلى على ماهر أن تعلن مصر الحرب على ألمانيا.
رفض على ماهر فى مذكرة بعث بها إلى السفير البريطانى. وقال فى مجلس الشيوخ إن سياسة حكومته تجنيب مصر ويلات الحرب".وفى كتاب" الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ " قال محمود عبد الحليم:" كان هناك تجاوب فكرى ونفسى بين الوزارة والإخوان.
كانت وزارة منطلقة بما توجيه غليها المصلحة العامة, وساعدها أنها كانت مؤيدة من الملك الذى كان فى مقتبل أيامه ولم يكن قد تلوث بعد ورغباته متوائم مع رغبات الشعب ويرى فى على ماهر المعلم الناجح القدير
وكان على ماهر يتصور أن الإنجليز لن يخاطروا بسمعتهم فيسقطوا حكومة مؤيدة من الشعب والبرلمان والملك".قالت تقارير المخابرات البريطانية أن "الملك قدم الحماية والمعونة المالية للإخوان"
وأيد الإخوان من ناحيتهم سياسة تجنيب مصر ويلات الحرب وعدم الاشتراك فيها والاكتفاء بتقديم المساعدات التى نصت عليها معاهدة 1936 فحسب.
ويبرق السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن
- " عمل على ماهر باشا بنشاط من وراء الكواليس لتأكيد سياسته الخاصة بالحركات المعادية للأجانب من خلال التنظيمات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين, وحركة مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين وعدد آخر من الجمعيات الإسلامية الأقل شهرة والتى تمارس نشاطها فى الخفاء.
- وأخذ على ماهر باشا يشجع نوادى وجمعيات الشباب وكان الهدف انتظام الأجيال القادمة تحت راية الملكية الوطنية المتطرفة وكراهية الأجانب والمفهوم التقليدى للإسلام فى مواجهة التيار الأكثر ليبرالية ولحزب الوفد وللأقباط نفوذ فيه فإن مكرم عبيد باشا كان سكرتيرا عاما للوفد وكذلك فى مواجهة الاحتلال الأجنبى.
- اختار على ماهر الفريق عزيز المصرى المكفتش العام للجيش المصرى رئيسا لأركان حرب هذا الجيش ومنحه رتبة الفريق . وكان على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين ولكن السفارة البريطانية أصرت على منحه إجازة وكان عزيز المصرى مدرسا للملك فاروق عندما كان وليا للعهد
- وأختير عزيز المصرى فى وزارة محمد محمود باشا عام 1938 مفتشا عاما للجيش المصرى ولكنه منع من ممارسة مهام وظيفته.ويلتقى أنور السادات بعزيز المصرى عن طريق المرشد العام للإخوان الشيخ البنا مما يدل على الصلة بين عزيز المصرى والإخوان
- وفى مذكرات أنور السادات التى كتبها بعنوان " صفحات مجهولة " قال....رفعوا إلى احتجاجا عنيفا ذكروا فيه أن الإخوان ليسوا هتافين . وإنهم لم يهتفوا لأشخاص . وإنما يذكرون الله وحده.
- طيبت خاطرهم بأن هذه تحية المسافر وأننا لا نحيى شخصا . ولكن نحيى عمله لفلسطين فاحتسبوها عند الله فى سبيل فلسطين".
كان الإخوان خلال الثلاثينات كما يقول الشيخ التلمسانى قد كونوا أرضية واسعة ومترامية عبر أقاليم ومديريات القطر المصرى كما استطاع المرشد العام أن يضع النظام الفكرى والتنظيمى للحركة وحدد تعريف الإخوان وعلاقتهم بالجماعات الإسلامية والأحزاب الأخرى.
وكان الإخوان على صلة غير مباشرة بعلى ماهر. كما تقول المخابرات البريطانية والأرجح أن هذه الاتصالات نمت عن طريق أحمد السكرى وكيل الجماعة.
رحب الإخوان بالوزارة الجديدة وكتب صالح عشماوى فى "مجلة النذير" يقول:
- " تحيط بعلى ماهر هالة كبيرة من الدعاية الطيبة. وتسبقه آمال حلو, وأمان عذبة فى الإصلاح والإنقاذ. والمفروض . فى المسلم, أن يحسن النية بأخيه وليس ما يمنعنا من أن نحسن النية بعلى ماهر ووزرائه"
كان على ماهر خصما للوفد
ولم يكن عضوا فى الحزب السعدى أو الحزب الأحرار المسلمين, وأيده فى ذلك صالح حرب وعبد الرحمن عزام وعزيز المصرى,وقيل هؤلاء جميعا الملك فاروق الذى كان يميل للألمان ويعادى الوفد والإنجليز ويرى أن تجمعات الإخوان يمكن استغلالها فى معارضيه الوفد!
وتكتب المخابرات البريطانية تقريرا تقول فيه
- " بلغ عدد شعب الإخوان فى مصر نحو 500 شعبة.ويرجع انتشارها السريع إلى أسباب منها فشل السياسيين الفاسدين فى مصر فى كبح جماح القلاقل الاجتماعية فمكن ذلك من يدعو لاتخاذ الإسلام منهجا من جذب أتباع من البيئة المضطهدة
وتقصد المخابرات بذلك التمويل المالى من على ماهر والقصر للإخوان! اعترض بعض الإخوان على التقارب بين المرشد العام والوزارة وطالبوا بقطع كل اتصال بين الجماعى ورئيس الوزراء.
وكان بعض المعارضين ينتمون إلى الوفد والبعض الآخر يريد استقلال الجماعة. ولكن المرشد العام رفض ذلك.أعلنت ايطاليا الحرب يوم 10 من يونيه 1940 وطلبت بريطانيا من على ماهر مرة أخرى إعلان الحرب فرفض على ماهر قائلا إن مصر لن تدخل الحرب إلا إذا هوجمت المدن المصرية أو مواقع الجيش المصرى.
ويصرح رئيس الوزراء فى جلسة سرية للبرلمان بأن السياسة المصرية لن تتغير.رحب المرشد العام بقرار على ماهر وقال:إعلان الحرب على إيطاليا شر متسطير
سأل " هيوارث دان" المرشد العام عن شعور المصريين تجاه الإنجليز أجاب البنا:
- المصريون يبغضون الإنجليز كالألمان والإيطاليين فالإنجليز لا يحترمون وعدا, ولا عهدا. ودخول مصر الحرب إلى جانب انجلترا يجعل مصر تبحث عن حقها.
ويقطع على ماهر العلاقات السياسية مع ايطاليا. ولكن السفير البريطانى يهاجم فى أحاديث الخاصة على ماهر والوزارة وصاحب الجلالة قائلا:
- فاروق ألماني الهوى يسر لانتصارات النازية, ولهزائم بريطانيا.
وفى 17 من يونيه عام 1940 قدم السفير البريطانى إنذارا لفاروق يطلب تشكيل حكومة صديقة لبريطانيا..ويستقبل على ماهر يوم 23 من يونيه.. وكانت أول وزارة ساندت الإخوان فى عملهم السياسى.
ويقبل فاروق فى 27 من يونيه استقالة الوزارة التى لم تعمر سوى عدم شهور وسبعة أيام!وتسند رئاسة الوزارة إلى حسن صبرى باشا فى اليوم نفسه ولكن هذه الوزارة لا تعمر سوى 139 يوما فقد توفى حسن صبرى يوم 4 من نوفمبر 1940 وهى يلقى خطاب العرش داخل البرلمان . ولم تتح له أو للإخوان فرصة الاتفاق أو الخلاف.ويتولى رئاسة الوزارة حسين سرى باشا فى اليوم التالى.
كان على باشا ماهر عدوا للإنجليز فى تلك الفترة وحسين سرى باشا هو صديق للإنجليز فى كل فترة وقد طلبوا إليه الحد من النشاط السياسى لعلى ماهر ومن هنا تعقب رئيس الوزراء على ماهر ورجاله فأعد مشروع قانون يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسى. وكان الإخوان المسلمون الهدف الأول لهذا التشريع.
رد البنا فكتب مقالا انتقد غيه حكومة سرى باشا لانحرافها عن مبادئ الإسلام.وكان هذا المقال أكثر مما يحتمل رئيس الوزراء" كما يقول تقرير السفارة البريطانية". فهو مهندس مثقف ثقافة غربية ويتمتع بشخصية قويه!.
فى مذاكرات الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف فى وزارة حسين سرى التى تولت الحكم فى 15 نوفمبر سنة 1940 قال " إن السلطات البريطانية أبغلت حسين سرى ان البنا يعمل فى أوساط الإخوان لحساب إيطاليا.
وطلبت هذه السلطات إلى رئيس الوزراء العمل على الحد من نشاطه" رأى رئيس الوزراء أن نقل البنا] إلى بلد ناء بالصعيد يحد من نشاطه فطلب نقل المرشد العام إلى قنا.
لم يجد هيكل باشا بأسا من إجابة طلب رئيس الوزراء فنقل مدرس فى مدرسة ابتدائية ليس أمرا ذا بال. إذ يقع مثله خلال العام الدراسى فى كل سنة ولا يترتب عليه أثر.
نقل البنا إلى قنا ونقل أحمد السكرى وكيل الجماعة إلى دمياط وصدر القرار بتنفيذ النقل فورا.
ويضيف الإخوان سببا آخر شجع الدكتور هيكل على الإسراع بنقل المرشد العام فقد انتقدت مجلة الإخوان كتاب " حياة محمد " الذى ألفه الدكتور هيكل!
وقال المرشد العام فى أحاديث " إن الدكتور هيكل اقتدى فى كتابه بمؤلف فرنسى أعرض عن معجزات النبى عليه الصلاة والسلام ولم يستثن منها إلا القرآن الكريم .. مع أن المعجزات ثابتة بصحيح السنة".
كان البنا يحاضر فى المركز العام للإخوان مساء الخميس عن "نظرة الإسلام للمرأة" عندما تقدم إيه أحد الأعضاء بورقة مكتوبة فلما قرأها اعتذر عن المحاضرة وخرج.
وبعد فترة وقف الشيخ عبد العزيز عبد الستار ليقول بأنه صدر أمر عسكرى بنقل الأستاذ البنا] إلى قنا!
اجتمع مكتب الإرشاد ورأى معظم الأعضاء تحدى القرار والامتناع عن تنفيذ النقل وأن يستقيل المرشد العام حتى لا يكون لأحد سلطان عليه .
ولكن المرشد العام , فى ظل الحرب والأحكام العرفية وتقهقر الإنجليز أمام الزحف الألمانى فى أوربا وشمال أفريقيا . وجد أن الإنجليز لن يتراجعوا أمامه . ورأى أن مرحلة المواجهة لم تأت بعد ولا يحسن التعجيل بها.
قال للأعضاء :
أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة . إن أمرا عسكريا سيصدر باعتقالى فى الحال فالأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد.والنقل أيسر الأضرار, وأنفع للدعوة من الاعتقال . وهى فرصة تعطى للصعيد حقه فى نشر الدعوة.
وحتى يبدو الإخوان بمظهر سلمى وافق الشيخ على النقل.
قال السير مايلز لامبسون – اللورد كيلرن – فى البرقية 388 لحكومته :
" كانت الملامح الرئيسية لتى تميزت بها التطورات السياسية فى مصر إزدياد حدة الصراع بين رئيس الوزراء وعلى ماهر باشا. هاجم رئيس الوزراء علي ماهر فى معاقله الإدارية وشتت صنائع خصمه بالتنقلات.
وهاجم سرى باشا , على ماهر باشا فى التنظيمات الإسلامية التابعة لماهر باشا بنفيه البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين إلى قنا.
ويبدو أن رئيس الوزراء تصرف فى هذه المسألة بشكل فج فقد صرح بأنه اتخذ هذا الإجراء بناء على اقتراح السفير البريطانى. ولم يتعامل فى هذه المسألة يمقتضى السلطات المحولة له بوصفه حاما عسكريا".
سافر البنا إلى قنا فى أول قطار لينقل نشاط الجماعة إليها . وتكون مناسبة لتثبيت مواقعه ونشر تنظيماته فى صعيد مصر.
ويستهل نشاطه بعقد مؤتمر للمسلمين والمسيحيين.
فى هذا المؤتمر بين المرشد العام أهمية الحكم بالشريعة الإسلامية وبدد مخاوف الأقباط من لدعوة للحكم بالقرآن الكريم قائلا:
فى ظل الشريعة الإسلامية عاش المسلمون والمسيحيون فى وئام ليس له مثيل.
وقال:
-الإسلام لا يعرف معنى الديمقراطية التى يحدد مدللوها الناس حسبما تقضى مصالحهم والإسلام لا يعرف المتغيرات بل هو شريعة العدل لا تتغير ولا تتبدل تبعا للمصالح والأهواء. لم يكن البنا مدرسا عاديا يسرى عليه ما يسرى على مدرسى التعليم الابتدائى من قرارات فينقل إلى قنا, المدينة التى اعتادت الحكومات المصرية المتعاقبة أن تنقل إليها الموظفين المشاغبين للتكفير عن أخطائهم أو عقابا لهم!
ترك البنا] لأنصار الإخوان أو لمن يريدون استمالة الإخوان إليهم, أن يتحركوا لعادته إلى القاهرة
وتحرك أول من تحرك أعضاء حزب الأحرار الدستورين الذين ينتمى إليهم هيكل باشا فقدم أحد نوابهم سؤالا إلى سرى باشا فى البرلمان.
برر سرى باشا. فى أحاديثه الخاصة.
قرار النقل بأن البنا] قصر فى عمله ولكن الإخوان أعدوا تقارير إدارة التفتيش بوزارة المعارف التى ترد على أقوال رئيس الوزراء و وتثبت أن البنا] كان موفقا فى عمله وحريصا عليه وزاد ضغط النواب المؤيدين للحكومة على رئيس الوزراء بعد أن ضاقوا بانتشار نفوذ الإخوان فى الوجه القبلى.
ورأوا إبعاد البنا عن صعيد مصر.
وفى مذكرات هيكل باشا وصف لهذا كله.قال هيكل باشا
أدى نقل البنا] إلى مالم يؤد إليه نقل مدرس غيره'
جاءنى غير واحد من النواب الدستوريين يخاطبنى فى إعادته إلى القاهرة ويرجونى فى ذلك بالحاح.
ولما لم أقبل هذا الرجاء هب هؤلاء النواب إلى رئيس الحزب عبد العزيز فهمى باشا وطلبوا إليه أن يخاطبني فى الأمر.وخاطبنى الرجل فذكرت له أن حسين باشا هو الذى طلب نقل الشيخ بحجة أن له نشاطا سياسيا, وأن النشاط السياسى محرم على رجال التعليم, كما أن محرم على غيرهم من الموظفين , ولا مانع عندى من إعادة الرجل إلى مدرسة المحمدية بالقاهرة.
خاطب عبد العزيز باشا رئيس الوزراء فى الأمر وذكر له إلحاح طائفة من النواب الدستوريين ذوى المكانة.
أبدى لى سرى باشا أنه لا يرى مانعا من إعادة الرجل إلى القاهرة فأعدته".
وكان من الصعب على سرى باشا أن يغضب أحد الحزبين المؤلفين فى الوزارة ويركن غلى نوابهما فى تأييد استمراره فى الحكم وخشى سرى أن يزداد ضغط النواب جسامة فأراد اتقاء ما قد يجر إليه.
وهكذا عاد البنا] إلى القاهرة فى يونيو من العام نفسه.
ويقول السفير البريطانى السير مايلز لامسون إن القصر الملكى بدأ يجد فى الإخوان أداة مفيدة . وإن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديرى الأقاليم محافظين بعدم التدخل فى أنشطة الإخوان" الذين يعلمون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد".
وقال السفير :
لاشك" أن الجماعة استفادت كثيرا من محاباة القصر لها. كما نالت التأييد المادى والمعنوى من العصبة المعادية لبريطانيا التى يرأسها على ماهر".
وعلى أية حال فن نتيجة قرار النقل والعدول عنه أفادت البنا] كما يقول هيكل باشا فإن تراجع رئيس الوزراء " أشعر الشيخ حسن بأن له من القوة ما يسمح بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشى مغبة ذلك النشاط, وأن هذا الشعور كان له أثره فى تطوير الإخوان المسلمين.
وقوبلت عودة الشيخ البنا] للقاهرة بالحفاوة والترحيب مما يدل على الشعبية المتزايدة للجمعية ومرشدها العام.ولكن أحمد حسين زعيم مصر الفتاة لم يعجبه ذلك.
قال :" فى الوقت الذى يفصل فيه بعض الموظفين فإن البنا كموظف لم تفعل الكومة معه إلا نقله من القاهرة إلى قنا ثم ما لبث أ، أعادته مرة أخرى بعد فترة غير طويلة فهو ينال عطف الحكومات على التوالى فضلا عن تلك الإعانات التى تقدمها الحكومة وهيئاتها للجماعة".
جاءت المواجهة الثانية بين سرى والبنا] بعد شهور
طلبت السلطات البريطانية من سرى باشا اعتقال البنا وأحمد السكرى وكيل الجماعة.
وكان السبب فى لذلك تقارير المخابرات البريطانية التى أجمعت على أن الإخوان " يقومون بدعايات مضادة للإنجليز, ويخطبون ضد الإنجليز فى اجتماعات شعبية ويجمعون معلومات عن تحركات القوات البريطانية ويجرون اتصالات مع موظفى السكك الحديدية ومع العاملين فى المستودعات والمعسكرات البريطانية".
وقالت هذه التقارير:
" هناك شكوك فى أن الإخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات البريطانية"
ورغم أن الإنجليز لم يكونوا على يقين كامل بأن الإخوان يعدون خطط تخريبية إلا أن تقارير المخابرات سببت للسفارة قلقا كبيرا دعاها لأن تطلب من حسين سرى اعتقال البنا] وأحمد السكرى وعبد الحليم عابدين فاعتقلتهم الحكومة فى 16 من أكتوبر عام 1941 فى معتقل الزيتون بالقاهرة.
وكانت هذه أول مرة يعتقلون فيها. وتم ذلك وسط الحرب والأحكام العرفية وسيطرة الإنجليز على كل شئ فى مصر, مما لا يعطى أملا للمرشد ووكيل الجماعة فى إفراج قريب!
قال حامد جودة وزير التموين لفهمى أبو غدير المحامى وعضو الجماعة إن البنا] اعتقل بتهمة العمالة للمحور.
أوقف سرى باشا صحف الإخوان " التعارف " و"الشعاع" الأسبوعية و" المنار" الشهرية وأغلق مطبعتهم وحظر اجتماعاتهم ومنع الصحف من نشر أنباء عن الإخوان المسلمين واجتماعاتهم.
ولكن, تحرك كثيرون مرة أخرى للدفاع عن البنا] وبينهم توفيق دوس باشا مسيحى ونائب منفلوط ووزير المواصلات السابق الذى قدم استجوابا إلى مجلس النواب بشأن اعتقال البنا وانهالت العرائض والالتماسات على الملك ورئيس الوزراء تطالب بالإفراج عن الشيخ.
واعتصم الطلاب فى مسجد السلطان حسن بالقاهرة.
وفى 12 من نوفمبر ألقت الشرطة القبض على 16 طالبا كانوا يحاولون تنظيم اجتماع للاحتجاج على اعتقال زعيم الجماعة.
أصاب الرعب سرى باشا فقرر إطلاق سراح زعماء الإخوان فى اليوم التالى روى فتحي رضوان المحامى ورئيس اللجنة العليا للحزب الوطنى الذى كان مع البنا فى المعتقل . قال:
"ذات يوم. رأينا باب المعتقل يفتح وسيارة ضخمة من سيارات الوزراء تدخل إلى حديقة المعتقل.
وسمعنا أن لقادم فى السيارة محمد حامد جودة وزير التموين وسكرتير الحزب السعدى وفى وزارة حسين سرى باشا.
ورأينا البنا يدعى إلى النزول إلى مكتب مدير المعتقل حيث اختلى بالوزير الذى جاء ليفاوض المرشد العام فى المسائل التى وقع فيها الخلف بين الإخوان والحكومة.
ويبدو أن المفاوضات أثمرت الإفراج عن الأستاذ المرشد".
وهكذا صدر قرار الإفراج عن البنا] فى 13 من نوفمبر أى بعد أقل من شهر سأل الشيخ البنا] قائد المعتقل:
هل شمل قرار الإفراج كلا من أحمد السكرى وعبد الحليم عابدين وكيل الجماعة وسكرتيرها العام؟
أجاب القائد بالنفى فرفض الشيخ البنا] الخروج أو النجاة بنفسه قال:
كيف أخرج وأترك زملائى
قام القائد باتصالات كثيرة مع المسئولين ثم أعطى وعدا للشيخ باستصدار قرار الإفراج عنهما فخرج البنا آسفا.
وفى تقرير المخابرات الحربية البريطانية أن " حكومة حسين سرى اعتقال البنا ضمن آخرين ولكنها أطلقت سراحه فورا بسبب الضغوط عليها"
سأل السفير البريطانى سرى باشا عن سبب الإفراج عن البنا رغم السفير نفسه الذى أصر على الاعتقال. أجاب رئيس الوزراء:
إن افتتاح البرلمان سيجرى بعد يومين ز ولا أستطيع ضمان النظام والأمن ذلك اليوم إذا استمر اعتقال البنا وزميليه.
ولو كان الملك هو الذى تدخل للإفراج عن المرشد لعام لكان حسين سرى قد أبلغ الإنجليز أو حرص على نشر ذلك بوسائل متعددة, خاصة وأنه أفشى سر الإعتقال وأعلن أنه تم بناء على اقتراح السفير البريطانى.
قال حامد جودة لفهمى أبو غدير , إن وساطته نجحت فى الإفراج عن الشيخ لأن الاتهام يقوم على الظن والهوى.
وقالت الصحف إن السعديين اشتروا الشيخ البنا] وجماعته بالإفراج عنه وقيل إن السعديين رغبوا فى استغلال الإفراج عن المرشد العام لمصلحتهم وهكذا ألقى المسئولون جميعا تبعة الاعتقال على الإنجليز ونسبوا لأنفسهم فضل الإفراج.
إذا كان البنا] قد أفاد من نقله إلى قنا وعودته السريعة إلى القاهرة فإن اعتقال ه انفصل عنه أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي – الرجلان اللذان توليا فيما بعد رئاسة الوزارة – وأحس الشيخ البنا] بأن الجماعة يجب أن تمارس دورها السياسى.
فى مايو عام 38 بدأت الجماعة اشتغالها العلنى بالسياسة مع صدور العدد الأول من مجلتها الأسبوعية " النذير" وبعد أن بلغ عدد الشعب ثلثمائة شعبة
فى هذا العدد وقع البنا مقاله باسم " البنا المدرس بوزارة المعارف العمومية والمرشد العام للإخوان المسلمين"
وفى هذا التوقيع وحده دلالة على أنه يرى أن عمله كمدرس أهم من منصب المرشد العام للإخوان!
كان عنوان المقال" خطوتنا الثانية إلى الأمام دائما الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة . أيها الإخوان تجهزوا".
فى هذا المقال البنا]" إن دعوة الإخوان بدأت منذ عشر سنين.. وكانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلا ولا كثيرا يحكمها الغاضبون".
" أصبح للإخوان دار فى كل مكان ودعوة على كل لسان, وأكثر من ثلثمائه شعبة وقد حان وقت العمل وآن أوان الجد. ولم يعد هناك مجال للإبطاء فإن الخطط توضع والمناهج تطبق وكلها لا يؤدى إلى غاية ولا ينتج ثمرة والزعماء حائرون والقادة متذبذبون متأرجحون.
ستنتقل من حيز دعوة العامة فقط إلى حيز دعوة الخاصة أيضا , ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال وستتوجه إلى المسئولين من قادة البلد ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وهيئاته وأحزابه وسندعوهم إلى منهاجنا".
وقال:
" إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزبا وهيئة كما أنكم لم تنضموا إليهم ولقد تقول الناس عليكم فمن إنكم وفديون نحاسيون, ومن قائل إنكم سعديون ماهريون,ومن قائل أنكم أحرار دستوريون. ومن قائل أنكم بالحزب الوطني متصلون, ومن قائل أنكم إلى مصر الفتاة تنتسبون"
إنكم من كل ذلك بريئون". وحدد برنامجه فقال"
" كان موقفكم أيها الإخوان سليبا فيما مضى أما اليوم فى هذه الخطوة الجديدة فستخاصمون هؤلاء جميعا , فى الحكم وخارجه خصومه شديدة".
ولكن الإخوان الذين أعلنوا أنهم يخاصمون الأحزاب كلها تركوا الملك فقال البنا فى ختام مقاله: " إن لنا فى جلة الملك المسلم أيده الله أملا محققا, وفى الشعب المصرى الذى صقلته الحوادث ونبهته التجارب ومعه الشعوب الإسلامية المتآخية بعقيدة الإسلام , نظرا صادقا".
ومن العدد الأول "ل[[مجلة النذير" وخلال سبعة شهور يهاجم الإخوان معاهدة 1936.
قالوا: " أنها غل فى عنق مصر. فرضت عليها قيودا ثقيلة غليظة تنوء بحملها الجبال وقبلها المفاوضون المصريون لظروف خاصة".
ودعت الجماعة إلى " عدم بناء ثكنات لقوات جيش الاحتلال والضغط على انجلترا لتعديل المعاهدة أو إعلان الجهاد"
ويهاجم صالح عشماوى الوكيل العام للجماعة فى يوليو محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر فى مقال عنوانه" يا مصر حطمى أصنامك وطهرى ديارك للصالحين" قال فيه:
" زعماء مصر لا يملكون نفعا ولا ضرا: يستفيدون ولا يفيدون.
نحن نعبد أصناما في شكل زعماء وأصنام اليوم يمتصون دماء الأمة. ويستأثرون بخيراتها يخدعونها ويغررون بها.
هؤلاء الزعماء جميعا ومن ورائهم أحزابهم. ليس لهم إلا برنامج واحد يتلخص فى كلمة ورادة هى الحكم".
ويصف الكاتب رئيس الوزراء بأنه " قبل أن يرتدى الرياسة خلع عصبيته للإسلام وما كاد يجلس على كرسى الحكم حتى تنكر لأمال المسلمين. وفاز بثقة الإنجليز".
ويرفض الشيخ البنا] دخول الإخوان فى معركة مع خصوم الجماعة والمنشقين عليها أكثر من عشر سنوات قائلا:
" الخلاف لا يكون حائلا دون ارتباط القلوب . وتبادل الحب , والتعاون فى الخير".
بل إن تجنب المعارك والصدام ظل شعار المرشد العام سنوات طوالا وتعترف السفارة البريطانية بأنها " لم تتنبأ بأهمية الإخوان والدور الذى سيعلونه فى المستقبل".
ولكن الجماعة رغم ذلك استطاعت أن تكون فى وقت واحد حزبا سياسيا وجمعية دينية ورابطة اجتماعية وهيئة خيرية.
أما السر الكبير لنجاح الحركة فهو أنه توارى عن أنظار الإنجليز الذين يختلون مصر فلم يفطنوا إليه وإلى أهدافه زمنا طويلا.
عندما قام شباب مصر الفتاة بالهجوم على حانات الخمر فى القاهرة أعلن البنا فى " النذير" إن" الإخوان لا يوافقون على مسلك مصر الفتاة باعتبار أنه تحد للقانون".
قال تقرير للمخابرات البريطانية
" خلال السنوات الثمانى الأولى أى منذ عام 1928 حتى عام 1936 لم تخط حركة الإخوان باهتمام سلطات الأمن البريطانية"!
وكان الفضل فى ذلك للشيخ البنا]"'
تولى على ماهر رئاسة الوزارة يوم 18 من أغسطس عام 1939 فشكل وزارته من 14 وزيرا.
ضمت الوزارة 9 من المستقلين وخمسة من السعديين وامتنع حزب الأحرار الدستوريين عن الاشراك فيها.
دخل الوزارة رجلان عرفا بعدائهما الشديد للإنجليز. وهما محمد صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين وزيرا للدفاع. وعبد الرحمن عزام باشا وزيرا للشئون الاجتماعية وقد أصبح فيما أمينا عاما للجامعة العربية.
كان على ماهر باشا أول رئيس للوزراء فى مصر اكتشف أهمية الجماعة وأراد اجتذاب هذه الحركة الإسلامية لنفسه وللملك!
وكان الإخوان على صلة بعلى ماهر منذ عام 1937 عندما سافر إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة الذى يبحث قضية فلسطين.
قال الشيخ البنا] فى مذاكرته
وبعد حضوره ذهب وفد من الإخوان إلى المحطة لاستقباله وعلى رأسه الأستاذ أحمد السكرى وكيل الجماعة- فهتف بحياته . وأمر الإخوان أن يهتفوا بحياته كذلك . فهتف بعضهم وامتنع الآخرون.وعادوا ثائرين.
ويبرق جاكوبس القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن فى 29 من أبريل 194 قائلا: ينظر النحاس إلى البنا باعتباره قوة يحسب لها حساب وقيل أنه منح الجماعة إعانة مالية كبيرة.
ومن الواضح أن الإخوان مستعدون للتعاون مع الحكومة الحالية الموجودة فى السلطة
ومن المشكوك فيه أن يتبع الإخوان هذه الحكومة إلى المعارضة فى حالة سقوط الوزارة
ونشاط الجماعة المقبل غير واضح ويمكن أن نصبح مثارا للإزعاج أو حتى للخطر من زاوية طابعها الدينى المتعصب"
زاد اهتمام بريطانيا بالإخوان . خلال الحرب بصورة لم يسبق لها مثيل منذ إنشاء الجماعة.
وكان السبب فى ذلك تجربة الحرب العالمية الأولي.فى تلك الحرب التى استمرت من عام 1914 – حتى 1918 كان سعد زغلول خارج الوزارة بعد خلافة مع الخديو عباس حلمى الثانى واللورد كتشير المعتمد البريطانى فى مصر.
وبعد الحرب مباشرة قام الوفد برئاسة سعد زغلول يطالب بالاستقلال وكانت ثورة 1919 وما جرى فيها.
وخافت بريطانيا أن تتكرر تلك الثورة فى مصر ويقوم بها الإخوان بدلا من الوفد . فالإخوان خارج الحكم ولذلك فإن الجماعة يمكن أن تقود الثورة بعد انتهاء الحرب.. كما فعل الوفد عام 1919 عندما كان معارضا وسعد زغلول خارج الوزارة وهذا هو السبب الذى دفع بريطانيا إلى متابعة الإخوان عن كثب تتعرف اتجاهاتهم.
والغريب فى أمر السفارة أنها كانت تخشى حينا أن يثور الإخوان ضد الإنجليز وضد الوفد.... وفى حين آخر تخشى أن يستغل الوفد الإخوان للثورة ضد الإنجليز!
قالت السفارة
" يصبح الإخوان خطرا داهما إذا استغلتهم شخصية قوية مثل الملك. أو على ماهر أو حتى النحاس باشا
وربما يكون الوقت فى صالح الإخوان فهم يسعون إلى تحقيق إصلاحات تربوية, واجتماعية.
وأخلاقية فى الوقت الذى فقد فيه الوفد شعبيته ببطء وسيفقدها بالتأكيد . كما اهتزت سمعة زعيم الوفد مصطفي النحاس من الاتهامات حول إساءة استغلال نفوذه .
(.... تقصد السفارة الكتاب الأسود...)
وقد يأتى يوم يتصارع فيه الإخوان مع الوفد للوصول إلى الحكم طبقا لبرنامجهم. ويشكل الإخوان على المدى البعيد خطرا محتملا على الجالية الأوربية فى مصر إذا جاء يوم تتقدم فيه بريطانيا مزيدا من التنازلات إلى القومية المصرية.
ومن وجهة النظر قصيرة المدى فى زمن الحرب فقد تثور أسئلة حول ما إذا كان يتعين علينا النظر إلى الإخوان على أنهم يشكلون خطرا مباشرا.
ومنذ بداية الحرب لم تتدعم مكانة الجلاء كما هى الآن. ولم تتدهور مكانة دول المحور كما هى الآن.
وكنا نحرص بوجه عام على عدم استعداء الرأى العام المصرى ضدنا كما تتميز علاقاتنا بالحكومة بالتفاهم التام وقد ألمح الناس إلى أن البنا منافق .
وقد نفى أنه ديماجوجى مثل أحمد حسين وان طباعه وثقافته الدينية يفضل سياسة التطور السلمى لا العنف الذى يؤدى إلى دمار الجماعة, وهناك عدة أحداث تجعل الإخوان يشكلون خطرا من جديد
( أ) إذا تدهور الموقف العسكرى بصورة خطيرة أو كانت خسائرنا ضخمة
(ب) وإذا نجح الحلفاء فى إبعاده شبح الحرب عن مصر وتركوا المجال مفتوحا أمام الصراعات السياسية المحلية فقد نواجه بمطالبة الإخوان المسلمين لنا بإنهاء النفوذ البريطانى فى مصر وجلاء قواتنا (جـ) يمكن أن يؤدى أى حادث فردى مثل الحادث الذى وقع أخيرا عندما لقى طالب مصرعه بسبب تصرفات غير مسئولة للجنود البريطانيين, فتثور المشاعر . وتتحرك المظاهرات المعادية لبريطانيا ويشترك فيها الإخوان.
ورغم ذلك أحسن الإخوان التصرف فى هذا الحادث بصورة تدعو إلى التقدير.
ويجب علينا فى جميع هذه الحالات أن نأخذ فى اعتبارنا احتمالا هاما. وهو أن الجماعة قد تمتنع ككل عن الاشتراك فى الاضطرابات الآن إلا أن المتطرفين من أعضائها وهم يشكلون جزءا لا يستهان به قد يقدمون من تلقاء أنفسهم بأعمال تخريب خطيرة.
وأخيرا عندما ندرس أهمية تأمين المستقبل بالنسبة للإخوان يصبح من قليل التسرع أن نتجاهل تماما ثورة عام 1919 ويصبح من قبيل التسرع أيضا أن نهتم بها أكثر مما يجب.
زمن ثم فالمصريون جميعا يحركهم السخط على الاحتلال العسكرى الذى دام 4 سنوات لم تنل أمانيهم القومية خلالها أى قدر من الاهتمام بل تعرضت حرياتهم الشخصية وممتلكاتهم ومشاعرهم للامتهان.
وشهدت البلاد ارتفاعا فى أسعار القطن جعل الفرحين مهيئين للإستجابة إلى دعايات الأفراد المعادين لبريطانيا فى المدن. ولكن عادت الأوضاع ما هى عليه مع حدوث انخفاض فى أسعار القطن.
ومن ناحية نجد أن البلاد تديرها حكومة من اختيار أبنائها تقريبا أى حكومة الوفد وعلى الرغم من نقص المواد التموينية فإن معاناة الشعب قليلة نسبيا ورغم تعرضنا لبعض المشاكل بسبب وجود مئات الألوف من قواتنا فى مصر والعادات المصرية الصعبة وما يتميز به المصريون من تهور واندفاع فإن هذه المشاكل ليست على درجة كبيرة من الخطورة.
والعوامل التى أفروت أحداث 1919 ليست موجودة حاليا بنفس الدرجة الماضية وقدرتنا الآن أفضل على التنبؤ بأى احتمال لتدهور لموقف فى بدايته واتخاذ الخطوات الكفيلة بوقف هذا التدهور وإزالة بعض أسبابه".
ولعل أهم مافى هذه البرقية الإشارة إلى أن المتطرفين من الإخوان قد يقومون بأعمال تخريبية خطيرة من تلقاء أنفسهم, وهو ما حدث عام 1948 والسنوات التالية!
وتلوح نهاية الحرب فى الأفق بعد انتصارات الحلفاء على المحور . وتبدأ المخابرات البريطانية فى رسم صورة لمستقبل العلاقات بين الوفد والإخوان.
قالت فى 25 من يوليو عام 1944. قبل 3 شهور من إقالة النحاس " يحتمل أن يبقى البنا ملتزما بالهدوء نسبيا طالما ظل الوفد فى السلطة وسيركز على الإفادة من ميزة الحرية التى يتيحها النحاس ليجعل من جماعته القوة بالفعل جماعة أكثر قوة.
القرار فى حشد قوتها للدفاع عن قضية الوفد وفتحت مئات المقار التابعة لها فى جميع أنحاء البلاد.
وبالرغم من تحالفها المعلن مع الوفد كانت سياستها تهتم بأمور دينية بحتة وتساند الجماعة الحكومة بصورة غير مباشرة عن طريق تأكيد اهتمامها بالقضايا ذات الطابع الدينى وقلقها بشأن اوضاع العرب المسلمين.
ويقال إن الجماعة تتقاضى إعانة من الحكومة على إصدار صحيفتها بصورة منتظمة.
ويصعب التنبؤ بمستقبل نشاط مثل هذه الجماعة فى حالة تغيير الحكومة طالما أنها مستعدة للمزايدة على ولائها لمن يدفع أكثر"!
فى أبريل تنهمر رسائل الاحتجاج من أعضاء الإخوان على السفارات الأجنبية احتجاجا على الإجراءات التى اتخذت لصالح اليهود فى فلسطين. ومنح الجنسية الفرنسية لطبقات معينة من الجزائريين.
وتتلقى المفوضية الأمريكية التى لم تكن قد تحولت إلى سفارة – 320 رسالة فى هذا الشأن خلال يوم واحد.
وتلاحظ المفوضية أن الرسائل وردت من 70 مركزا للإخوان فى القاهرة و143 مركزا فى الأقاليم.وكتبت كل رسالة بأسلوب مختلف
وبعث البنا إلى القائم بالأعمال الأمريكى يقول:
" يحتج الإخوان المسلمون والعالم الإسلامى على الموقف الأمريكى فيما يتعلق بفلسطين وهم يتوقعون إعلانا صريحا يهدىء المشاعر ويضمن للعرب وطنهم".
وتستخدم الجماعة الوفد حالا لتحقيق أغراضها الخاصة وبذلك يمكن أن تصبح السيطرة على الجماعة أمرا مستحيلا وتكون مصدرا كبيرا للقلق والاضطرابات
ويبدو أن الوفد بدأ ينتبه إلى ضرورة الحذر
وتعمل الجماعة حاليا على زيادة عدد أعضائها اعتمادا على مساندة الوفد ومن غير المحتمل أن تحل الجماعة محل الوفد. وخطر الإخوان ليس مباشرا وحقيقيا. وربما يكون خطرا محتملا فى المستقبل".
ويكتب سكريفنر رئيس القسم المصرى بوزارة الخارجية إلى مركز مخابرات الشرق الأوسط قائلا:
" لا يوجد ما يدعو للاهتمام الجدى بأعضاء هذه الجماعة"!
ويطلب البنا مقابلة السفير البريطانى فيعتذر عن ذلك بلباقة وتحذر السفارة البريطانية لندن مرة أخرى من الجهاز السرى.
قال تقرير للسفارة البريطانية فى 25 من فبراير 1944:" كونت عناصر معينة من كتائب الإخوان فرقة انتحارية.
والبنا له كتيبته الخاصة من 40 رجلا يختارهم بنفسه ,أصبحت الجماعة خطرا محتملا لا يمكن أن نسقطه من حساباتنا بسبب طابعها العسكرى والمعادى للأجانب . وبسبب التقارير التى تفيد بأنهم يحتفظون بكميات كبيرة من الأسلحة فى جميع أنحاء البلاد ويمكن استخدامها عند الضرورة"
ويصف كيرك الوزير الأمريكى المفوض تأييد الإخوان لوفد فيقول فى برقية رقم 142 بتاريخ 13 من مارس 1944:
" بعد أن كانت جماعة الإخوان المسلمين فى المعارضة تحت رقابة صارمة اتخذت أسلوبا جديدا فى ممارسة نشاطها بناء على قرار من زعيمها البنا ... تمثل هذا أغلبية فالوفد لم يقدم برنامجا للمستقبل ولا يقدر على تبنى أية حركة إصلاحية كالإخوان.
والإخوان أكبر مجموعة مؤثرة فى مصر . التى تقف على أبواب مرحلة خطيرة تشبه الفترة التى مرت بين عامى 1919 و 1928 والإخوان يمثلون خطرا داهما للتطرف.
وقد وصل عددهم إلى ربع . أو نصف مليون نسمة ودعوتهم الموجهة إلى الشباب المثقف أكسبتهم تأثيرا يفوق ذلك الرقم . وبرنامجهم بلا شك مجرد غطاء لمشاعر معادية للغرب.
وسنربطهم أهداف الإصلاح الدينى الاجتماعى بالقيادات الإسلامية التى تحظى باحترام شعبى وتوثق علاقاتهم بعدد من الدوائر السياسية
وغذ تقترب مصر من تحقيق استقلالها فإن الغرض من وجود الوفد قد انتهى من الناحية العملية.ومن المحتمل أن تتمكن حركة إصلاحية مثل الإخوان من إلغاء وجود الوفد أو احتوائه.
وليس فى إمكاننا التغاضى عن هذه الجماعة نستكشف وجهات نظرها وندعو لإضفاء طابع أكثر تحررا على برنامجها.وربما نستطيع توجيه الإخوان . فى الطريق الذى نراه صحيحا بالنسبة لمصر وجاراتها والإمبراطورية البريطانية.
ومن المرغوب فيه أن نوضح للنحاس باشا أننا لا ننافسه فى ود البنا ولكننا فقط نسعى للحصول لى معلومات"!
رد تيرينس شون القائم بأعمال السفير البريطانى فى القاهرة يوم 10 من أكتوبر يقول:" ربما يصبح الإخوان قوة سياسية خطيرة إذا قام تعاون حقيق طويل بينها وبين الوفد أو تلقت منه دعما كبيرا.ودعم الجوالة. وتدريب أعضائها تدريبا شبه عسكرى بأسلحة نارية!
واتفق الوفد والإخوان على أن فى التقارب فائدة سياسية لكل منهما! ولكن الإخوان لم يقطعوا اتصالهم بالمعارضة
قالت السفارة البريطانية
" اتسم موقف الإخوان من المعارضة بالتسامح والمهادنة لم ير قادة الجماعة آية فائدة تعود عليهم من وراء الوقوف ضد أحزاب المعارضة أو تأييدها فإن الأحزاب ليست على درجة كبيرة من القوة بحيث ينظر إليها كخصم سياسى له شأن .
ورغم أن القصر أفاد من جهود الجماعة منذ نشأتها تقريبا فإنه قطع إعانته المالية عنها بسبب تنازل البنا عن ترشيحه ضد الوفد ولا يبدو حاليا سوى تفاهم محدود بين القصر والإخوان.
وكان عنصر المبادرة فى أى تحركات لدعم العلاقات بين الإخوان والقصر يجئ بصفة عامة من جانب القصر" وفى هذه البرقية اعتراف من السفارة بأن القصر هو الذى يسعى للتقارب من الجماعة وليس العكس
ويطلب مركز المخابرات السياسية البريطانية فى الشرق الأوسط من لندن . فى 19 من يوليو و4 من سبتمبر 1943 إقامة اتصالات مستمرة غير رسمية بين الإنجليز والشيخ البنا.
قال المركز
علينا أن نستمر فى تأييد الوفد باعتباره أكثر الهيئات تمثيلا لمصر ونوجهه بكياسة على ضوء تجاربنا ولكن علينا أن نقيم علاقة قوية وغير رسمية مع البنا زعيم ثانى الجماعات تمثيلا لشعب فهم أفضل الجماعات تنظيما بعد الوفد. وقد يحلون محله كحزب
ويعلن أحد الوزراء أنه يريد أن يكون جنديا فى جيش البنا الجرار!
ويكون بين الحاضرين الوزير محمود سليمان غنام ومحمد صلاح الدين سكرتير عام مجلس الوزراء – وزير الخارجية فى وزارة الوفد التالية – وبعض النواب والشيوخ.
ويصبح وزراء الوفد الأربعة أعضاء شرف فى جماعة الإخوان!
ويخطب البنا فى حضور الوزراء قائلا بشجاعة:
" يظن بعض الناس أن الإخوان هيئة مصنوعة صنعتها أيد وأهواء لتنال من الوفد أو من غيره. فتنتصر لحزب على حزب أو تظاهر قوما على قوم, وذلك وهم لا أصل له. وباطل لا خير فيه".
قالت المخابرات البريطانية
" سر تحالف البنا مع الوفد سيئ السمعة يرجع إلى خوف المرشد العام من اجراءات قمع تتخذها الحكومة ضد الجماعة كما يتطلع إلى المستقبل.
فعندما أسس الجماعة. أعلن أنه يلزمها 15 سنة لتصل إلى مرحلة النضج ولكن ها قد انقضت تلك السنون ولم تصبح الجماعة قوية كما كان يأمل.
وحتى تتطور الجماعة وتنمو بغير اضطراب . فإنه من الضرورى أن يصل إلى اتفاق مع الوفد بحيث لا يمكن لهذا الحزب الاستغناء عنه يكون الوفد مستعدا لمعارضة أى طلب للإنجليز باتخاذ إجراءات ضد الجماعة.
وكانت مهنة البنا الأولى إقناع أنصاره بحكمة مساندة الوفد فقد انتقده الأعضاء بشدة لأنه يساند نظاما فاسدا. وانفصل عنه كثير من أتباعه وبدا كما لو أن المرشد العام ارتكب خطأ ضخما.
ولكن البنا استطاع ببطء وثبات . استعادة أنصاره" كثف البنا جهوده لزيادة شعبية الجماعة وضم مزيدا من الأعضاء
بداية الاغتيالات
أصدر مكرم عبيد الكتاب الأسود فى 29 من مارس 1943 متضمنا وقائع عن فساد الوفد. فرأى مركز المخابرات البريطانى فى مصر " أن الأمل فى إحياء القيم الأخلاقية فى مصر يعتمد على الإخوان المسلمين"! ويخطب البنا فى أبريل 1943 فيعلن أن " نظام الحكم فى مصر كله عفن ويحتاج إلى اعادة تنظيم شاملة يلعب فيها الإخوان دورا بارزا".
ويخشى النحاس, هذه المرة أن يؤيد الإخوان مكرم عبيد, وأن يتضامنوا معه مستغلين الكتاب الأسود, فيسعى النحاس مرة أخرى, وإلى الحصول على تأييد الإخوان والتحالف معهم فليغى قرار إغلاق شعب الجماعة ويسمح للإخوان فى 8 من مايو بعقد مؤتمراتهم.
وتستفيد الجماعة من جديد بهذه الفرصة السانحة لتحقيق مزيد من الانتشار.
قالت السفارة:
" أبلغ البنا الإخوان بعدم انتقاد الوفد وقال فى أكثر من مناسبة إن الكتاب الأسود وثيقة مضللة وبأمل ألا يتأثر بأكاذيبها أحد"!
ويزو أربعة من وزراء الوفد المركز العام للإخوان فى الشهر نفسه مايو 1943 للمصالحة والتعريف على قوة الإخوان.
ويشهد وزراء الوفد فى ذلك اليوم اجتماعا يخطب فيه سراج الدين وعبد الحميد عبد الحق وأحمد حمزة , ويبدون علانية إعجابهم بأفكار الجماعة.
أصدر النحاس باشا فى أواخر يناير من عام 1943 قرارا بحظر جميع اجتماعات الإخوان باستثناء تلك التى تتم فى مقرها الرئيسى بالحلمية الجديدة بالقاهرة بعد أن وصلته تقارير تفيد بأن مقار الجماعة فى الأقاليم متورطة فى أنشطة سياسية وتقوم بدعايات معادية للوفد.
وصدرت التعليمات بإغلاق فروع الجماعة فى الأقاليم
ويفسر الشيخ عمر التلمساني موقف الوفد قائلا:" تولد إحساس لدى الوفد بأن الإخوان يسحبون بساط الأغلبية والشعبية من تحت أقدامه , وأنهم ينافسونه فى مجال اجتذاب الشباب فقد تسلل كثير من شباب الوفد إلى صفوف الإخوان.
وقد سبب الانتشار السريع لتشكيلات الجماعة وشبها قلقا بالغا لدى زعماء حزب الوفد وسرعان ما تحرك هذا القلق فى اتجاه الصدام مع الإخوان".
وقال:
" إن ترمومتر العلاقة بين الإخوان والنحاس كان مرتبطا بالإنجليز".
وقد التزم البنا بنصيبه من الاتفاق بالامتناع عن توجيه النقد الاستفزازى للحكومة رغم أن موقعه الفكر من مبادئ الوفد لم يتغير .
أما الوفد فما زال ينظر إلى أنشطة هذه الجماعة بعين الشك ويحرص على القيام بالمراقبة الدقيقة لها" وتبقى العلاقات بين الطرفين متقلبة لا تستقر....والهدنة لا تدوم.
وتراقب السفارة . لأول مرة . الجهاز السرى للإخوان
ولكن السفارة لا تستطيع أن تحدد طبيعة الجهاز . دوره . وأعضائه بل تكتفى بالإشارة إلى أن الجماعة فى تسليح أعضائها.
وقال تقرير السفارة البريطانية فى 2 من ديسمبر:" تجمعت لدينا على مدى 3 سنوات تقريبا تقارير هائلة عن وجود خطط يضعها الإخوان للتخريب والقيام بعصيان مسلح.
ولا توجد من الناحية الفعلية آية أعمال تخريبية أو اضطرابات معادية لبريطانيا على نحو خطير.وقد يكون الإخوان أكثر جرأة فى تفكيرهم عن المصريين العاديين ولكن لا يوجد دليل على أنهم يستعدون للتضحية بأرواحهم.
لقد ظل المصرى معروفا على مر العصور بأنه يمكن أن يقوم بتمرد عندما ينفذ صبره تماما ولكنه فى الوقت نفسه ليس بالإنسان يقبل على تعريض حياته للخطر.
إنه يخضع رغما عنه. ويظل يخطط للانتقام وإسالة الدماء إلى مالا نهاية واضعا أمله على الظروف الخارجية فى تغيير الأوضاع لصالحه"
والإخوان المسلمون, فى اتجاههم العام يعتقون أفكارا اشتراكية ديمقراطية. ومن الممكن أن نتصور أنهم قد يصبحون يوما ما حزبا عماليا يعارض الوفد وأحزاب المعارضة الصغيرة التى تتكون فى معظمها من الأثرياء.
ولا أحد يعرف عل وجه الدقة العدد الحقيقى لأعضاء الجماعة.
وتقدره مصادرنا بما يتراوح بين 100 ألف و200 ألف عضو ولكن مسئولا كبيرا بالشرطة المصرية يضاعف هذا الرقم كثيرا ويصل به إلى 500 ألف".
وتكشف السفارة خطة الإخوان. قالت:" الجماعة تتحاشى الصدام معنا. ومع الحكومة الوفدية, بينما تستمر فى تدعيم قوتها. ولا يعقل أن يعرض الإخوان مستقبلهم للخطر عن طريق القيام بعمل مندفع , غير عاقل , عندما تلوح أمامهم فرصة ورئيس الوزراء عازم على التصدى لجميع أشكال العصيان المدنى, ولديه القدرة على ذلك".قال أمين عثمان وزير المالية للسفير البريطانى:
- ينتشر الإخوان فى جميع أنحاء البلاد وعددهم يفوق جميع أحزاب المعارضة الرسمية من حيث شعبيتهم وقوتهم ولا يمكن مقارنتهم فى هذا العدد إلا بالوفد نفسه والغالبية العظمى منهم يتميزون بالإخلاص.
- وكن أمين عثمان على حق فيما يقول فإن المرشد العام كان مقتنعا بضرورة ان يكتمل جيل الإخوان الأول.. الجيل المستمع.. أو جيل التكوين..
- ويكتب السفير:
- تتخذ العلاقات بين الإخوان والوفد شكل الهدنة من الناحية الفعلية ومن المفيد بالنسبة للإخوان أن يحتفظوا بعلاقات طيبة مع الوفد.
وطالما أن العارضة من شأنها أن تؤدى إلى إغلاق مقارهم, واعتقال قادتهم, وإلحاق أضرار جسيمة بمستقبل الجماعة.
" بعض الوفد أن الإخوان يستغلون حزب الوفد لمصلحتهم وأنهم يميلون الآن إلى تأييد الملك.
وتوجد أدلة وقع فى معمل تكرير السويس التابع لشركة البترول الإنجليزية المصرية من تدبير اثنين من أعضاء الجماعة لا يعملان فى الشركة وتم تكوين تنظيمات جديدة للإخوان تتزايد قوتها وتأثيرها باستمرار فى جميع أنحاء البلاد.
وقطع القصر إعانته عن الجماعة بعد انسحاب البنا من الانتخابات ثم استأنف القصر تقديم هذه الإعانة ى ديسمبر 1942 وخفت تدريجيا المعارضة التى سادت صفوف الإخوان واستعاد البنا سيطرته على الحركة"
كان الإخوان يأملون كما تصر السفارة البريطانية فى انتصار المحور ألمانيا وإيطاليا وحلفائهما... ومن هنا حرصت المخابرات البريطانية والسفارة على مراقبة الجماعة لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقات بينها وبين المحور.
وتبرق السفارة البريطانية إلى لندن بنتائج الرقابة . قالت: " لا توجد سوى دلائل بسيطة للغاية على اتصالهم بعملاء دول المحور منذ نشوب الحرب فالألمان والإيطاليون يرفضون مبادئ هذه الجماعة شأنهم فى ذلك شأن سائر الأوربيين. والفارق الوحيد أنهم قد يكونون أدوات لتخليص مصر من البريطانيين واليهود.
ورغم أن الإخوان المسلمين قلدوا الفاشية والنازية فى تنظيماتهم إلا أنهم لا يتعاطفون كثيرا مع مبادئهما وأفكارهما كما يشاع بين الناس.
والإخوان معادون للأوربيين والبريطانيين خاصة بسبب الوضع المتميز لبريطانيا فى مصر من جهة. وهم مسلمون متعصبون من جهة أخرى. دينى . وإذا كان قد صدر من بعض رجالنا أو من بعض شعبنا أى عمل يخالف هذا الخط, أو يدل على اتجاه سياسى فأنا استنكره وسأوقفه عند حده فورا,
ويجتمع النحاس بالمرشد العام مرة أخرى في أواخر سبتمبر ليوجه إليه تحذيرا عنيفا من القيام بنشاط ضد الإنجليز ويهدد باعتقال زعماء الجماعة.
وينتهى الأمر بتسوية الخلافات مع الحكومة. ويوقف المرشد العام كل ما يشكو منه النحاس وسراج الدين ويلزم رجاله بالانضباط فإن تهديدات النحاس كانت مؤثرة,
وتتجنب الجماعة النشاط السياسى وتقتصر على تدعيم الكشافة . والدروس المسائية للعمال, وتنتشر شعب الجماعة وتزداد قوتها ونفوذها في الأقاليم.
قال هيوارث دان " إن الجماعة عندما تواجه حكومة قوية تقتصر نشاطها على الدين , وتتحول إلى السياسة أمام الحكومات الضعيفة"!
وتهاجم الشرطة منزل البنا يوم 24 أكتوبر بحثا ‘ن أية كتيبات أو منشورات دعائية لصالح المحور, وتلقى القبض على اثنين من قيادات الجماعة بالأقاليم بتهمة التورط في طباعة منشورات لدول المحور وتوزيعها.
قال تقرير للسفارة البريطانية
"بذل البنا قصارى جهده لفرض الالتزام على أتباعه. ونجح فى الحصول على موافقة الحكومة بإعادة فتح عدد من مقار الجماعة التى أغلقتها الشرطة. أخذت الجماعة تتحاشى التعرض للمسائل السياسية.
وركزت جهودها على زيادة عدد أعضاء الجوالة وتدريبهم وتنظيم الفصول الدراسية المسائية للعمال وكان لتهديدات النحاس باشا بتوجيه اجراءات عقابية صارمة ضد الإخوان أثرها فجعلهم أكثر حذرا".ويكتب السفير البريطانى اللورد كيلرن إلى لندن يوم 17 من نوفمبر 1942:
الحرب فستنال الجماعة تأييدا كاملا من دول المحور. أما إذا انتصرت بريطانيا فستتعامل مع المصريين على نحو ما تعاملت به مع عرب فلسطين".
ويحاول الإخوان التقرب إلى صاحب الجلالة الذى غضب لتنازل البنا عن الترشيح فى الانتخابات ضد الوفد فيتوجه المرشد العام إلى قصر عابدين ليرفع إلى فاروق العدد الأول من مجلتهم نصف الشهرية.
وتتدخل السفارة البريطانية ضد الإخوان فحظرت الحكومة الوفدية فى سبتمبر 1942 الاجتماعات العامة وهددت الإخوان باتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية نحوهم.
ويتلقى المرشد العام تحذيرا قويا من القيام بأية أنشطة معادية لبريطانيا أو الحكومة حتى لا تتعرض قيادات الجماعة للاعتقال ويستدعى فؤاد سراج الدين المرشد العام . قال له:
- يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسى ؟ أحنا ما عندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسى.
- أعلنوا على الملأ أنكم يتشغلوا بالسياسة وأنكم كونتم حزب سياسى ولا تتستروا بستار الدين ولا تتخفوا فى زى الدين.أما أن تتستروا تحت شعار الدين. " والله أكبر ولله الحمد" وفى نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسى وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية
أنا كرجل سياسى حزبى لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادى بشعارات دينية سامية وإلا سأكون محل استنكار من الرأى العام.
رد الشيخ البنا
- نحن لم نفكر فى العمل بالسياسة ونحن رجال دين فقط, ورجال فكر المخابرات البريطانية بأن البنا ذكر لبعض رجاله المقربين أن انتصار الألمان والإيطاليين أصبح وشيكا وأنه فى انتظار تعليمات من الألمان لتنفيذ مخططات تخريبية وراء خطوط الإنجليز".
قالت السفارة البريطانية:
يعتمد موقف الإخوان تجاه الألمان على مبدأ تبادل المنفعة معهم.
ونحن بدورنا أى الإنجليز لا نثق فى الرغبة التى أبداها البنا فى التعاون مع الوفد وتركيز نشاط جماعته على قضايا الإصلاح الدينى فما زالت التقارير تتوالى عن الخطط التخريبية التى تعدها الجماعى.
وليس بمقدور المرء أن يغفل أصالة البرنامج الاجتماعى للجماعة فقد أعلن متحدث باسمها أن الفقر الذى يطحن جماهير الشعب فى وقتنا الحالى نتج عن طغيان الأغنياء وتصدير المواد الغذائية إلى الخارج بطريقة غير مشروعة.
وهاجم تسامح الحكومات مع بعض العادات المذمومة التى وفدت إلى البلاد من الغرب مثل القمار وشرب الخمور وطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا.
وأرجع البنا كافة أشكال انحلال الخلقى التى تعانى منها البلاد إلى النفوذ الغربى.وفى سبتمبر ظهر العدد الأول من مجلة الجماعة الأسبوعية " الإخوان المسلمون" بعد أن حصلت على موافقة الحكومة لم يحو هذا العدد شيئا سوى المقالات البلاغية المستحسنة والتى جديد فيها".وقالت تقارير المخابرات البريطانية:
" أن قيادات الجماعة أعلنت فى اجتماع سرى لها أنه إذا خسرت بريطانيا الذين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة فمبادئ الجماعة تدعو إلى العودة إلى الشريعة الإسلامية.
ومن غير المتوقع أن تحل مثل هذه الجماعة ضيقة الأفق, والمعوقة للتقدم محل حزب قومى كبير مثل الوفد رغم ما يلجأ إليه الإخوان. بين الحين والآخر من محاولات لاجتذاب هذه العناصر ذات الثقافة السطحية إلى معاداة الأجانب"غضب الإخوان من النحاس عندما قبض على على ماهر فى أبريل واعتبروا ذلك ضربة موجهة إليهم.
قالت المخابرات البريطانية:
" عقد الإخوان هدنة مع الوفد ربما فى جو من الاحترام المتبادل بعد أن أدرك البنا أن بمقدور النحاس أن يشجع الجماعة بينما أدرك النحاس أن الإخوان يمكن أن يسببوا له مشكلة كبيرة إذا تحدوه.
وصار بوسع البنا أن يعتمد على تعاطف أعداد لا بأس بها من رجال الشرطة والمسئولين الحكوميين من الإخوان وخاصة فى الأقاليم.
ولكن عندما تقدم الألمان نحو العلمين زاد حماس الإخوان فألقوا بعض الخطب المؤيدة للألمان".وقالت المخابرات البريطانية:
" ألقى البنا خطابا أعلن فيه تأييده القوى للألمان ولكن ذلك لم يثبت أبدا وظلت خطبة الأخرى تدور حول سياسته الدينية.
وأعطى لمعاونيه فى أحاديثه الخاصة انطباعا بأنه يرغب فى تحاشى وقوع صدام مع حكومة الوفد أو الإنجليز"
تقدم الألمان إلى العلمين على بعد مائة كيلو متر من الإسكندرية . فقالت وبنى النحاس حساباته على تأمين نفسه من مؤامرات القصر ودسائسه التى تحاك ضده بواسطة الإخوان المسلمين.وانتهجت الجمعية سياسة الدعم السلبى للوفد.
ولجأ البنا إلى سياسة الترقب وكله أمل فى انتظار الفرج واتسم تعاونه مع الوفد بأن أهدافه أخرجت الجمعية ومرشدها العام من المعمعة ... سالمين"!
بعث السفير البريطانى إلى لندن يوم 28 من مارس 1942 يقول:
" كتب رئيس الإخوان المسلمين , عند انسحابه من الترشيح للبرلمان خطابا إلى رئيس الوزراء يعده بالتعاون مع الحكومة مما يعنى ضمنا الولاء للمعاهدة الإنجليزية المصرية.
وربما تم التوصل إلى هذه النتيجة بمزيج من الإرهاب والرشوة ولكن قيمتها مشكوك فيها.وأخذ الإخوان يتباهون بما يتمتعون به من تأثير لدى جميع وحدات الجيش المصرى. وقرر النحاس فرض قيود على بيع المشروبات الكحولية فى أوقات معينة يوميا وخلال شهر رمضان وفى الأعياد الدينية.
واتخذ بعض الإجراءات الضرورية لحظر ممارسة الدعارة
وقام فورا بإغلاق بعض لمواخير وسمح باستئناف الجماعة لبعض أنشطتها, بما فى ذلك إصدار بعض المطبوعات وعقد الاجتماعات"
ولكن السفير البريطانى السير ما يلز لامبسون اللورد كيلرن كان قصير النظر فلم يتوقع للإخوان ما تحقق لهم كتب إلى لندن يقول:
" تجذب جماعة الإخوان المسلمين إل صفوفها المسلمين المتدينين البسطاء أعلنتموه متمسكين دائما بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القوية وأخلاقه الفاضلة".وفى هذا البيان أو الرسالة المفتوحة التى وجهها الشيخ البنا إلى النحاس باشا إعلان بولاء المرشد العام للحكومة والتزامه بمعاهدة 1936!
فسر أعضاء الجماعة الانسحاب بأنه استسلام مهين وانتقدوا بعنف البنا.
وأصيبت الجماعة بانقسام مؤقت وتأثرت أنشطتها تأثيرا بالغا رغم جهود البنا لتبرير الانسحاب وإلقاء اللوم على البريطانيين بتحريض النحاس ضده...
كان بين الغاضبين على انسحاب البنا, عمر التلمساني الذى أصبح – فيما بعد مرشدا عاما للإخوان. فانقطع عن التردد على المركز العام. افتقد البنا صاحبه وسأل عن السبب.
قيل: إنه غاضب لانسحابك من المعركة. أرسل البنا خطابا إلى التلمسانى لمقابلته .
رد عليه بخطاب فحواه عدم الجدوى من المقابلة.
بعث البنا إليه عبد الحكيم عابدين وعبده قاسم من قيادات الإخوان فحملا التلمسانى على الحضور حيث لقيه وأقنعه.
واعترفت السفارة البريطانية فى برقياتها بان النحاس عرض مساعدة الإخوان إذا تعاونوا معه ولذلك أعلن البنا ولاءه للحكومة والتزامه بالمعاهدة.
وفى كتاب الكاتب السوفيتى سيرانيان وعنوانه " مصر ونضالها من أجل الاستقلال" قال: " أكتفى النحاس بتأكيدات البنا بأنه سيساند الحكومة الوفدية. ونشر النبأ بهذه الصورة دانه للنحاس باشا وإقرار بأن التنازل عن الترشيح تم بناء على ضغوط الباشا التى قيل إنها نصيحة!
وقالت الأهرام": إن رئيس الوزراء استقبل المرشد العام للمرة الثانية على رأس وفد من الجمعية وقدم إليه كتابا يؤيد سياسة الوزراء.
قال المرشد العام فى رسالته لرئيس الوزراء مقدمة قصيرة.
"تحدثتم رفعتكم إلى الأمة المصرية الكريمة حديثا رائعا جليلا ضمنتموه كثيرا من المبادئ القويمة والأمانى الطيبة التى يسر كل مصرى أن يحققها الله على يديكم.
دعوتكم الأمة إلى مصارحتكم والتقدم غليكم بالنصح" فنحن أبناء أسرة واحدة وهى الأسرية المصرية الكريمة وقررتم رفعتم انه من دواعى سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة فى هذه الظروف الدقيقة" فى تنفيذ سياسة خارجية حكيمة وتعميم سياسة داخلية بصيرة..
والواجب يقضينا والمصلحة تدعونا إلى أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التى وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومى والاحتياط لمثل هذه الظروف العميقة.
وختمتم هذا الحديث بأن علينا أن " نعبر الطريق المحوط بالمخاطر. متعاونين متحدين كالبينان المرصوص , مترقبين بزوغ فجر الحرية, فيقوم عدل الحكام على أنقاض الظلم والاستبداد وتتفيأ الأمة ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام".
" أصغينا إلى هذا الحديث القيم ثم قرأنا فى الصحف أن معالى وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدا لتخليص مصر من وصمته الشائنة أنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو المقبل.
فالإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة والأعمال الطيبة النافعة, يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم ويعلنوا أنهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا عونا لكم وللحكومة المصرية فى تحقيق
برنامجكم الاصلاحى الذى وفى مقال كتبه محمد عفيفى شاهين رئيس تحرير مجلة " الحوادث " الوفد قال : إن البنا أصبح شهيدا بانسحابه.
ولكن انسحاب البنا كان عملا صائبا وإذا كان النحاس قد هدد بالاعتقال فإن رئيس الوفد فى ذلك الزمان . وفى ظروف الحرب لم يتردد بعد ذا اعتقال مكرم عبيد وعلى ماهر وغيرهما كثيرون.
وفى كتاب رتشارد ميتشيل قال : إن الاجتماع بين النحاس والبنا جمع بين الترغيب والرشوة أو الرغبة والرهبة فإن النحاس عرض على البنا مقابل الانسحاب:
1- حرية الجماعة فى استئناف أعمالها على نطاق شامل.
2- أن تعد الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة.
عقد الإخوان اجتماعا قرروا فيه عدم الإذعان لرغبة النحاس تماما كما حدث عندما نقل سرى باشا زعيم الإخوان إلى قنا.
وكما حدث فى قرار النقل فى عهد سرى وافق لبنا فى نهاية المطاف على الانسحاب من المعركة الانتخابية!
نشرت صحيفة الأهرام " سوم 23 مارس 1942 أن رئيس الشئون الدينية بمجلس الوزراء.
ودار الحديث حول تنازل الشيخ البنا عن ترشيح نفسه لمجلس النواب عن دائرة الإسماعيلية.
وقد أصغى المرشد العام إلى نصائح رفعة رئيس الوزراء وتوجيهاته السديدة وعلى إثر ذلك أعلن تنازله عن ترشيح نفسه عملا بنصح الرئيس".
قال لنحاس:
- يا حسن. أنا مسلم مثلك . وأعرف قواعد الدين وأصوله. من حقك الوعظ والإرشاد والدعوة إلى احترام القيم. ولكنى أرفض دخولك فى السياسة للوصول إلى الحكم إنى أمنع ذلك بكل قوة
- نفى البنا أنه يريد الحكم والسلطة . قال:
- سمعا وطاعة. وإذا كان أحد زملائى قد انحرف فى هذا فأنا كفيل برده إلى حقيقة الدعوة وهى مكارم الأخلاق والقيم الدينية.
- قال النحاس:
- لا تشتغلوا بالسياسة ولا ترشحوا أنفسكم فى مجلس النواب.وقال البنا لإبراهيم فرج بعد اللقاء:
- كان النحاس باشا عنيفا ومنفعلا.
والرواية الثالثة جاءت فى تقرير للمخابرات البريطانية:
" خشى النحاس أن يثبت البنا أنه منافس قوى للوفد وهدده بالاعتقال مع كبار قادة الإخوان إذا لم يذعن وهدده بمحاكمته أمام محكمة عسكرية بتهمة التجسس.
وهدده النحاس أيضا بنشر اتهامات مزعومة حول أسلوب البنا فى التصرف فى أموال الجماعة!
ورد النحاس للبنا 450 جنيها كتعويض عن التأمين الذى دفعه مقابل الترشيح ونفقات الدعاية التى صرفها!
وهذا التقرير يكشف عن حقيقة هامة هى ان الوفد بدأ يخشى من منافسة الإخوان ويعنى الوفد للبنا وانسحابه أيضا يدل على أنه عنصر هام فى الشارع السياسى المصرى.
وهناك عدة روايات لما جرى فى الاجتماع بين مصطفي النحاس والمرشد العام..
الرواية الأولى قالها البنا فى اجتماع بالشارع الثلاثين بالإسماعيلية عقب تنازله عن الترشيح مباشرة:
- دعانى مصطفي النحاس باشا إلى مكتبه وطلب منى التنازل عن الترشيح قلما سألته عن الأسباب قال:
- البلد فى حالة حرب.. ومصلحة البلد أن تتنازل قلت:
- ألا يكفى أن الحكومة قيدت خطواتى ولا تسمح لى بالسفر خارج القاهرة إلا بإذن من وزارة الداخلية والدعوة بهذه الصورة لا تجد مجالا للإنطلاق فيكون التنازل عن الترشيح حجرا على الدعوة والداعية.
- قال مصطفي النحاس:
- فى حالة قبولك التنازل لا مانع عندى من أن تكون لك حرية الدعوة فى كل مكان.
- قال البنا:
- أمام هذا التصريح أوافق على التنازل عن ترشيح نفسى وقال البنا فى خطابه بالإسماعيلية.
- لم نرد من الترشيح إلا أن نجد منبرا نعلن فيه عن دعوتنا فإذا تيسر لنا فى حدود الظروف التى يتاح لى أن أفصلها حين تسمح الظروف نكون قد وفقنا إلى أحسن الحلول!
- والرواية الثانية نشرها إبراهيم فرج الوزير الوفدى فى كتابه " ذكرياتى السياسية " بعد أكثر من ربع قرن, وكان كل من البنا والنحاس قد انتقلا إلى رحاب الله. وعندما يترك الوفد الحكم فى النهاية فسيواجه البنا ببديلين يتعين عليه الاختيار بينهما.
1- أن يجرب حظه مع الوفد ويسعى لمناصرته وهو فى المعارضة أو:
2- أن يعرض خدمات الإخوان على الحكومة الجديدة أملا فى الحصول على معاملة تفضيلية مثل التى كان يتمتع بها فى حكم الوفد.
وإذا اختار البنا الطريق الأول فسيكون حظ آية حكومة قادمة صعبا للغاية وسيصبح أمن البلاد مهددا بدرجة خطيرة.أما إذا سلك الطريق الثانى وساعد الحكومة غير الوفدية فى الصمود أمام هجمات الوفد المعارض مقابل مزايا مختلفة فسيؤدى الصدام الناتج عن هذا الأسلوب إلى وقو تهديد خطير للأمن العام.
ويبدو واضحا أن الإخوان فى طريقهم ليلعبوا دورا بارزا فى آية تطورات سياسية مقبلة".
اقبل مصطفي النحاس يوم 8 من أكتوبر 1944 بعد 24 ساعة من توقعه بروتوكول الجامعة العربية وتولى أحمد ماهر باشا رئاسة الوزارة فى اليوم نفسه فشكلها من أحزاب الأقلية الأربعة : الحزب السعدى الذى يرأسه ماهر باشا والأحرار الدستوريين والكتلة والحزب الوطني.
كان أحمد ماهر فى التاسعة والخمسين.
درس الحقوق فى مصر ونال الدكتوراه من جامعة مونبليية الفرنسية واختاره سعد زغلول وزيرا للمعارف فى وزارته عام 1924 .
وأتهم مع محمود فهمى النقراشى وزير خارجية بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى .. ولما صدر الحكم ببراءته عام 1926 استقال القاضى البريطانى كيرش والذى رأس الجلسة احتجاجا على حكم البراءة
وكان سعد زغلول يصفه " بالوطنى الصامت"
اختير نائبا أكثر من مرة وتولى منصب رئيس تحرير صحيفة " كوكب الشرق الوفدية عام 1934 وأختير رئيسا لمجلس النواب عام 1936.
وبعد طرد النقراشى من الوفد عام 1937 انضم إلى النقراشى وانفصل عن الوفد وأسس حزب السعديين قائلا أنه وأنصاره الممثلون الحقيقون لسعد زغلول.
تولى منصب وزير المالية عام 1938 وانتخب رئيسا لمجلس النواب عام 1939 وهو شقيق على ماهر باشا رئيس الوزارة السابق.
أراد أحمد ماهر تدعيم صلته بالسفارة البريطانية ليستعين بها على مقاومة رغبات القصر والوقوف فى وجه الملك قدر الطاقة. وبدأ الوزراء اتجاها ليبراليا بالامتناع عن اعتقال خصومه السياسيين وغيرهم.
وحل أحمد ماهر مجلس النواب يوم 15 من نوفمبر وحدد 8 من يناير 1945 موعدا لإجراء الانتخابات.
رشح البنا نفسه فى الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية كما رشح خمسة من الإخوان أنفسهم فى دوائر أخرى فقد وجدوا الساحة شبه خالية أمامهم فالوفد قاطع الانتخابات وبعيد عن المعركة. والحكومة لا تمثل إلا أقلية شعبية ولذلك يمكن اعتبار الانتخابات اختبارا لقوتهم السياسية.
مهد الإخوان لذلك..
كتب الشيخ أبو زهرة : الإسلام يبيح دخول الانتخابات طالما أن فى ذلك نشر الإسلام" وقال الشيخ على الخفيف:" لا مانع شرعا يمنع الجماعات الدينية من دخول البرلمان والاشتراك فى الحكم بصفة عامة".
وكتب المرشد العام: ليس البرلمان وفقا على أصوات دعاة السياسة الحزبية على اختلافها ألوانها ولمنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة, ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب".
بدلا من أن يطلب ماهر من البنا سحب الترشيح كما فعل النحاس, وتركه يخوض المعركة ليزعم أن الانتخابات حرة يدخلها من يشاء!
وكان يجب ان ينجح البنا من الجولة الأولى فالإسماعيلية شهدت ميلاد الجماعة ونموها كما أقام الإخوان ستين سرادقا للدعاية الانتخابية للمرشد العام وجاءوا من كل شعب الجماعة لتأييده وهم يهتفون" إلى البنا..يا برلمان"!
ولكن أعيدت الانتخابات بين البنا وأقوى منافسيه وهو الطبيب الدكتور سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطانى فى منطقة القناة لأن أيا منهم الم يحصل على العدد المطلوب للفوز فى الجولة الانتخابية الأولى.
وفى الإعادة تدخل الإنجليز والحكومة بصورة أكثر سفورا
منع الحاكم العسكرى البريطانى مندوبى البنا من دخول اللجان الانتخابية فى سينا والتصويت فيها وقام مندوبو مرشح الحزب السعدى بملْ الصناديق بالأصوات المؤيدة على هواهم.
وتولت سيارات الجيش البريطانى نقل العمال من المعسكرات البريطانية غلى مراكز التصويت.
وحشدت الحكومة أنصارها وقامت بتزوير الانتخابات ضد البنا وزملائه الخمسة الذين رشحوا أنفسهم فى دوائر أخرى كمستقلين حتى لا يدخل الإخوان مجلس النواب ومبادئهم معروفة ولأنهم تعاونوا يوما مع الوفد وإن لم يكن هذا التعاون السبب الوحيد لإسقاطهم.
وكانت نتيجة التزوير سقوط البنا وجميع مرشحى الإخوان, وقيل إن[[ أحمد ماهر]] علق على عدم فوز الشيخ قائلا:
-لا شأن للحكومة المصرية بدائرة الإسماعيلية . والإنجليز هم الذين يديرونها!
وعندما أعلن فوز مرشح الحكومة فى الإسماعيلية كادت تحدث فتنة لولا تدخل البنا.
خطب فى الجموع قائلا:
هذه الحشود الهائلة بهذه الصورة الرائعة تصم الحكومة بالتزوير والتضليل إن مراجلكم تغلى بالثورة وعلى شفا الانفجار . ولكن اكظموا غيظكم وانصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين. لتفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم.
وقال:
إن عجز أمة عن أن تدفع بأحد أبنائها إلى البرلمان . ليقول كلمة الحق والسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء, وأن الاستعمار سر البلاء وتهاجم صحيفة الإخوان نظام الانتخابات لأنه " فاشل فى أداء رسالته " ومع ذلك أعلن البنا أن سيشترك فى اقرب انتخابات قادمة .
وأنه فى انتخابات حرة يستطيع ان يحصل على أغلبية ساحقة ولكن الجماعة لن تتقدم إلا فى عدد محدود من الدوائر.
قال الشيخ لمرتضى المراغى مدير الأمن العام ووزير الداخلية بعد ذلك
-عملت الحكومة جهدها على إسقاط مرشحى الإخوان مع أنهم تقدموا باعتبارهم مستقلين لا باعتبارهم ممثلى الإخوان المسلمين.
وأضاف:
- أتدرى متى نستطيع دخول الانتخابات بصفتنا إخوانا مسلمين؟
- قال المراغى:
- متى؟
قال الشيخ البنا: حين يقبل الملك أن يكون لنا فى الوزارة وزيران أو ثلاثة وزراء . عندئذ نعرف كيف نحظى بعدد من كراسى مجلس النواب.
قال المراغى: هل يعنى هذا أنكم تقبلون دخول الوزارة إذا دعاكم الملك من دون شروط
قال البنا: نعم دون أية شروط لأن وجودنا ضرورى لخدمة البلد إن برنامجنا الاجتماعى إصلاحى يقوم على أسس قوية
قال المراغى:
- يا أستاذ حسن.وماذا يصنع وزراؤكم فى رخص نوادى الميسر والملاهى " البارات والخمارات"؟
- ضحك البنا وقال:
- هذه قفشة لا بأس بها عسى أن يستطيع وزراؤنا إزالة ذلك المنكر . - قال المراغى:
- لعل هذا من باب " والله لنخوض إليكم الباطل حتى نصل إلى الحق" أو من " باب الضرورات تبيح المحظورات".
- قال البنا:
- نعم لك حق.
وربما يكون من حسن حظ الإخوان أنهم لم يدخلوا مجلس النواب وإلا أصبحوا مثل أحزاب الأقليات الممثلة فى البرلمان فتذوب الجماعة فى الخضم السياسى المضطرب فى مصر ولا تستطيع أن تفرض رأيا.
وعلى أية حال فإن البنا أدرك فشله فى انتخابات الإسماعيلية انه ليس من مصلحة الإخوان الصدام مع الحكومة والإنجليز وأن ساعة المواجهى لم تأت بعد.
لم يطل عهد أحمد ماهر فى رئاسة الوزارة سوى أربعة شهور فقد فكر التنظيم السرى للإخوان فى اغتياله. وعهد بذلك إلى أحد أعضائه وهو أحمد عبد الفتاح طه.
ولكن أحمد عبد الفتاح طه جبن فى اللحظة الأخيرة عن قتل أحمد ماهر وعاد إلى أعضاء الجهاز السرى يعترف بجبنه!
وفى اليوم التالى اغتال محمود العيسوى رئيس الوزراء داخل دار البرلمان يوم 24 من فبراير 1945 وهو ينتقل من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب ليعلن قرار مصر بدخول الحرب حتى يتسنى حضور مؤتمر الصلح طبقا لقرارات الحلفاء فى اجتماعهم بمدينة يالتا
اعترف العيسوى بجريمته: قال إن قرار إعلان الحرب. وما قد يجره على البلاد من نكبة محققة لو دخلت حربا دفعة غلى قتل رئيس الوزراء.
وقال إنه ينتمى إلى الحزب الوطني وتبين انه كان يتمرن على المحاماة فى مكتب عبد الرحمن الرافعى ثم فى مكتب عبد المقصود متولى وهما من كبار رجالات هذا الحزب.
ألقى القبض على عبد العزيز على وهو من قادة النضال السرى للحزب الوطنى وصهره عبد السلام مصطفى المحامى بتهمة الاشتراك فى الجريمة لأنهما من الحزب الوطني ومن أصدقاء القاتل أيضا.
وفى مذكرات عبد العزيز على" الثائر الصامت" قال إن العيسوى
- من شباب الحزب الوطني وقد أصر العيسوى رغم التعذيب والتهديد والإغراء على أنه وحده القاتل والمدبر للجريمة.
قال الشيخ سيد سابق وهو من زعماء الإخوان للكاتب الأستاذ خالد محمد خالد:
محمود العيسوى من صميم الإخوان المسلمين.
وفى مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري قال إن النظام الخاص أو الجهاز السرى للإخوان رأى الانتقام من أحمد ماهر لأنه أسقط الشيخ البنا فى الانتخابات بالإسماعيلية فوجه محمود العيسوى لاغتيال رئيس الوزراء.
وفى اعترافات أعضاء جماعة الإخوان أمام محكمة الشعب التى شكلها جمال عبد الناصر برئاسة جمال سالم قالوا إن الإخوان هى التى اغتالت أحمد ماهر ,ولكن لا يعوّل على اعترافات المتهمين أمام هذه المحكمة فقد لقى المتهمون شر أنواع التعذيب"
ولكن الدكتور محمود عساف عضو الهيئة التأسيسي للجماعة ومدير شركة إعلانات الإخوان ينفى انتماء العيسوى قائلا انه كان يحضر فقط درس الثلاثاء الذى يلقيه المرشد العام فى مقر الجماعة أسبوعيا.
طلب العيسوى سماع رأى زعماء مصر, وبينهم الشيخ البنا فى قرار إعلان الحرب فقبض على المرشد العام وزميليه أحمد السكرى وعبد الحكيم عابدين للتحقيق معهم!
رجل العام
أسند الملك رئاسة الوزارة إلى محمود فهمى النقراشي باشا وزير الخارجية والرجل الثانى فى حزب أحمد ماهر الحزب السعدى.
كان النقراشى فى الثامنة والخمسين ولد من أسرة فقيرة حصل على دبلوم المعلمين. وأوفده سعد زغلول فى بعثة إلى انجلترا وبعد عودته عين مدرسا ناظرا لمدرسة رأس التين بالإسكندرية.
اختاره سعد زغلول عندما تولى رئاسة الوزارة وكيلا لمحافظة القاهرة ثم وكيل لوزارة الداخلية وأتهم بالاشتراك فى اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك عام 1924 فاعتقل ثم أفرج عنه.
واتهم مرة ثانية مع أحمد ماهر , بالاشتراك فى قضية الاغتيالات الكبرى عام 1925 فاعتقل عاما كاملا حتى صدر الحكم ببراءتهما سنة 1926
انتخب عضوا فى مجلس النواب عن الوفد واختاره مصطفي النحاس زعيم الحزب, وبعد وفاة سعد زغلول وزيرا للمواصلات عام 1930 وعضوا فى هيئة المفاوضات فى معاهدة 1936 واختلف – كوزير للمواصلات – مع النحاس فى العام التالى فأخرجه النحاس من الوفد ومن الوزارة فأسس مع أحمد ماهر الحزب السعدى عام 1938 وتولى منصب الوزارة أكثر من مرة منذ ذلك الحين.