تاريخ الأسرة
تاريخ الأسرة فى الجماعة
إن تاريخ نظام الأسر فى الجماعة مرتبط بظروف سياسية بم عاشتها الجماعة ، نذكرها هنا بصورة موجزة على النحو التالى :
- فى أوائل أكتوبر 1941 م ، عقد الإمام البنا اجتماعات فى مدينة دمنهور
هاجم فيها السياسة البريطانية هجوما سافرا ، فصدر أمر رئيس الوزراء ' حسين سرى ' باعتقاله ، فاعتقل فى 13 أكتوبر سنة 1941 م .
وأمضى الأستاذ مدة شهر فى معتقل الزيتون ، وكان معه الأستاذان ' أحمد السكرى ' و ' عبد الحكيم عابدين ' ، وعندما صدر أمر بالإفراج عنه ؟ رفض أن يخرج حتى يفرج عن زميليه ؛ لولا أن ألح عليه أخواه فى الخروج ،لما فى ذلك من المصلحة العامة للجماعة .
وأخذت الحكومة تضيق على الجماعة وتصادر مطبوعاتها ، وتمنع ظهور اسم ' الإخوان المسلمون ' فى أى صحيفة أو كتاب ، مستجيبة فى ذلك لأمر المستعمرين الإنجليز .
- فى ذلك الوقت - وقت الحرب العالمية الثانية – كانت جيوش الألمان تكتسح أمامها جيوش الحلفاء فى الصحراء الغربية ، حتى كادت تقتحم دلتا مصر ، فسقطت وزارة ' حسين سرى ' وجاءت وزارة ' النحاس ' ، وتقرر إجراء انتخابات جديدة .
وتقدم الأستاذ مرشحا نفسه عن دائرة الإسماعيلية ، وللإخوان فيها مالهم من النفوذ ، وفى أثناء المعركة الانتخابية استدعى ' النحاس ' المرشد وحدثه بصراحة قائلا : إن الإنجليز طلبوا منه أن يحول بين ' حسن البنا ' و دخول المجلس بأى طريقة ، مبديا دهشته من إصرار الإنجليز على منع رجل من الشعب من دخول مجلس النواب !!
ب- واستشار الأستاذ مكتب الإرشاد ، ثم قابل ' النحاس ' وأبلغه أن الإنجليز يريدون أن يوقعوا بين الإخوان والوفد ، وقال الأستاذ ' البنا ' ' للنحاس ' : إن من الخير أن تدخر جهود المصريين ؛ لتحرير وطننا ، فعدونا ليس مصريا ، وقدم الأستاذ دليلا على صدق نيته بأن تنازل عن ترشيح نفسه ، فحفظها
النحاس جميلا ، فصرح بصدور مجلة باسم ' الإخوان المسلمون ' وسمح للجماعة بإقامة المؤتمرات العامة ، وبنشاط فرق الجوالة - وكل ذلك كان مما حرمته حكومة ' حسين سرى ' على الجماعة .
وجاء دور الانجليز مع الأخوان فحاولوا التقرب من الجماعة بل حاولوا شراء الجماعة بالمال ، فطلب الإنجليز أن يقابل مندوبهم الأستاذ ' البنا ' فقابله فى غير دار السفارة وفى غير دار الإخوان ، وطلب المندوب البريطانى من الأستاذ أن يعرف أهداف الإخوان ، فوضح الأستاذ له أهداف الجماعة ، ومنهجها ، وموقفها من الأجانب ، وعلاقة الإسلام بالأديان السماوية . . فقال المندوب للأستاذ : إن فكرتهم عن الإخوان كانت سيئة ، ولكنها تحسنت الان بعد هذا الاتصال المباشر بالأستاذ.
وأرادوا أن يشتروا الجماعة بالمال ، فقال المندوب للأستاذ : تعبيرا عن تقديرنا للإخوان : بعد أن فهمنا أهدافهم نود أن نقدم بعض المال للجماعة ؛ لتستعين به على تحقيق أهدافها الديموقراطية .
وكان الأستاذ فى هذه المقابلة قد عرف من المندوب البريطانى شيئا عن مدى استعانة الإنجليز بالزعماء ، وبرهن له المندوب على أنهم يعينون أصدقاءهم فى تكاليف العمل السياسى ، وأن هذا شىء عادى .
ويحدث الأستاذ عن ذلك قائلا : كان الكلام ينزل على قلبى كأنه الخناجر وكان رده عليهم - بعد أن ظنوا أنهم أقنعوه لحسن استماعه - أن قال للمندوب البريطانى : إنكم مادمتم تعتبروننا رقيقا يباع ويشترى بالمال ، فلن تستطيعوا أن تتفاهموا معنا ، ولابد لكم من أن تعترفوا بحقيقة التطورات التى حدثت فى العالم الإسلامى ، وأن تغيروا عقلية التجار التى دخلتم بها أرضنا .
ت- وبعد هذه المقابلة الحاسمة ؛ ضغط الإنجليز على النحاس ليضيق على الإخوان ففعل ، إذ أصدر أمرا بإغلاق جميع شعب الإخوان فى القطر المصري كله ، وإن أبقى على المركز العام غير مغلق تحت المراقبة الشديدة ، واشتطت الحكومة فى تعقب الإخوان ورصد حركاتهم ، وحاول الإنجليز استفزاز الإخوان ليقاوموا هذا الضغط ؛ فيجد الإنجليز فرصة للبطش بالإخوان بطشتهم التى يريدون -وبخاصة أن البلاد فى ظل حرب عالمية وحكم عسكرى .
- ولكن الإخوان فهموا المخطط ، وفوتوا على الإنجليز هدفهم ، واتجه الإخوان إلى المساجد ، يقرأون فيها رسالة ' المأثورات ' ، ويلقى بعضهم عظة ، أو كلمة فى المسجد ، إذا أتيح ذلك له .
ث- وأشيع فى ذلك الجو الرهيب أن الإتجليز سوف يلقون القبض على الأستاذ وربما نفوه من مصر - كما فعلوا من قبل مع عدد من الزعماء والمصلحين - وأحس الأستاذ بذلك فكتب رسالة إلى إخوانه سميت : ' رسالة النبى الأمين ' ، وهى نفس الرسالة التى اشتهرت فيما بعد باسم : ' بين الأمس واليوم ' وهى هى التى نشرت آنا آخر باسم : ' من تطورات الفكرة الإسلامية وأهدافها ' .
وإن الناظر فى هذه الرسالة على اختلاف أسمائها ، ليحس من خلالها أنها وصية مودع ، يوصى إخوانه باستمرارية العمل من أجل الإسلام ومجمل الرسالة فى كلمات هو :
1 - توضيح رسالة النبى الأمين عليه الصلاة والسلام ليلتزم الإخوان بتحقيق هذه الرسالة فى المجتمع .
2 - توضيح المنهج القرانى فى الإصلاح الاجتماعى .
3 - تحديد الشعائر العملية لهذا المنهج القرانى فى الإصلاح ، بل وللإسلام كله وما يشتمل عليه من نظام .
4 - حديث عن الدولة الإسلامية الأولى وكيف قامت قوية فتية ؛ ليعرف الناس كيف تبنى الدول.
5 - حديث ضاف عن أسباب الضعف والانحلال التى حلت بالدولة الإسلامية ، فصيرتها دويلات ضعيفة تابعة .
6 - بيان لأنواع الصراع الذى يجتاح الأمة الإسلامية المعاصرة ، الصراع السياسى والصراع الاجتماعى .
7 - بيان لطغيان المادة على بلاد المسلمين ، مما ترك أسوأ الاثار.
8 - تحديد عمل جماعة الإخوان فى ظل هذه الظروف مجتمعة وهو : البعث والإنقاذ .
9 - وصية من المرشد للإخوان يوضح لهم مكان جماعتهم ومكانتها من التيارات الحزبية والسياسية المعاصرة.
10 – تحديد لواجبات الإخوان ، ومطالبتهم بالالتزام بها ؛ من إيمان واع وأخلاق فاضلة وإقبال على منابع الدعوة الأولى ، ومن تآخٍ وتحاب فى الله ومن سمع وطاعة فى المنشط والمكره .
- غير أن هذه الظروف مرت بسلام ، ولم يعتقل الإنجليز المرشد ولا أغروا بالجماعة رئيس الوزراء - ربما لظروفهم السيئة فى الحرب مع الألمان ، وإيثارهم ألا يفتحوا فى هذه الظروف العصيبة جبهة داخلية فى مصر .
ج- بل حدث ما هو أكثر من ذلك ؛ إذ أصدر رئيس الوزراء أمراً بفتح شعب الإخوان المسلمين فئ نفس عام 1943 م ، وعقد الإخوان اجتماعا ضخما ضم المسئولين من الإخوان فى القطر كله ، وكان أهم ما فى هذا الاجتماع أمرين :
الأول : قراءة رسالة النبىالأمين .
الثانى : تقرير نظام الأسر - التى سميت حينها بالأسر التعاونية .
تلك صورة واضحة لتاريخ نظام الأسرة فىالجماعة ، وهو نظام قديم فى تاريخ الجماعة ، ورسالة الأسر التعاونية قديمة كذلك ، لم تسبقها من الرسائل سوى ' رسالة المنهج ' ، تلك التى حدد فيها المرشد مراحل العمل ، وتكوين الكتائب عام 1937 م .
ولقد كان نظام الأسر فى الجماعة وتاريخها ، هو البناء الدقيق للجماعة من الداخل. لكى تستطيع الجماعة مواجهة التحدى الذى يستهدف القضاء عليها ، وهذا البناء الداخلي كان يتطلب من الجماعة أن تقيم بناءها الداخلي على الأسس التالية :
ا - الفهم الجيد للدين : أهدافه ووسائله .
2 - الإيمان العميق بهذا الدين ، والاعتزاز بالانتماء إليه .
3 - تنظيم صفوف الجماعة وتقوية العلاقات بين أفرادها .
4 - التعاون بين الأفراد فى كل أمر يخدم الإسلام .
5 – التعارف الكامل بين الأفراد .
6 - التناصح والتواس بالحق والصبر.
7 -أن يحمل الفرد عبء الجماعة ، وأن تحمل الجماعة عبء الفرد .
8 - أن تحمل الجماعة وأفرادها عبء الدين .
9 - تطبيق الإيمان تطبيقاً عملياً فى العقيدة .
10 – تطبيق الإسلام تطبيقاً عملياً فى العبادة والمعاملة والسلوك والأخلاق .