بـداية جـديدة للعـالم العـربي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:٣٥، ٢٥ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "بـداية جـديدة للعـالم العـربي" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بـداية جـديدة للعـالم العـربي

بقلم : د‏.‏ جمال عبدالجواد

الثورات تجتاح العالم العربي مسببة حالة من الاضطراب ستبقي معنا لعدة سنوات‏.‏ لا أحد يستطيع التنبؤ بالشكل الذي ستبدو عليه المنطقة بعد انحسار هذه الموجة‏.

لكن يبدو أن بعض دول المنطقة ستجتاز هذه الموجة متعافية ومنتقلة إلي مرحلة جديدة فيها نظم سياسية أكثر ديمقراطية وشفافية وتعبيرا عن طموحات شعوبها, أما بعضها الآخر فقد يختفي ككيانات موحدة, لينقسم إلي أكثر من دولة يعبر كل منها عن هوية وتطلعات جماعة عرقية أو دينية معينة.

وبينما لا يمكن استبعاد ظهور كيانات جديدة ناتجة عن توحد أقسام من دول قائمة الآن لتشكيل كيانات جديدة, كما في حالة الأكراد المنتشرين في سوريا والعراق وربما تركيا, فإن عملية الهدم والبناء المعقدة لن تكتمل إلا بعد مرحلة من العنف المدمر نشهد مثالا عليها في ليبيا المجاورة.

دول شمال أفريقيا الرئيسية, مصر وتونس والمغرب, هي المرشحة أكثر من غيرها للانتقال إلي حال أفضل في نهاية الأزمة الراهنة. ففي البلاد الثلاثة توجد درجة كافية من التماسك الاجتماعي وتبلور الهوية الوطنية وتقاليد ومؤسسات الدولة والحكم المركزي القادر علي الحفاظ علي كيان الدولة رغم الاضطراب الثوري.

فقضية بناء الدولة والحفاظ عليها لا تتعلق فقط بوجود الأقليات والأثنيات المتعددة من عدمه, وإنما تتعلق أيضا بتقاليد الإدارة والحكم ومؤسساتهما والاندماج السياسي, وليس بالضرورة القومي والثقافي والديني, لمكونات المجتمع, وهو ما يتوافر في البلاد الثلاثة التي عرفت استمرارا للكيان الجغرافي-السياسي لعدة قرون, كما عرفت وجود هيئات للإدارة والحكم لم ينقطع وجودها, وتمتعت باستقلال ذاتي نسبي في إطار الإمبراطورية العثمانية أو باستقلال كامل عنها.

ينطبق هذا علي تونس المتجانسة ثقافيا وعرقيا ودينيا, والتي عرفت شكلا من أشكال الملكية الوراثية حتي في ظل الدولة العثمانية, كما ينطبق علي المملكة المغربية التي احتفظت باستقلالها فلم تكن يوما جزءا من الممتلكات العثمانية.

ورغم وجودة أقلية كبيرة من الأمازيج في المملكة المغربية, إلا أن هذه الأقلية اندمجت في الكيان الوطني والسياسي المغربي لقرون طويلة سبقت قدوم الاستعمار وتكوين الدولة الحديثة وتواصلت بعده, فكانت جزءا رئيسيا من قاعدة تأييد ودعم الدولة المغربية لقرون.

بين دول شمال أفريقيا يبدو وضع ليبيا هو الأكثر صعوبة. فرغم التشابه الثقافي بين الليبيين, إلا أن التركيب القبلي للمجتمع, وتأخر دخول الحداثة في مؤسسات الحكم والاقتصاد والتعليم حتي الاستقلال في الخمسينيات وظهور النفط في الستينيات, ثم الحكم الاستبدادي الطويل لنظام القذافي, والذي عزز القبلية لتسهيل السيطرة بينما غطي البلاد بقشرة من الحداثة الشعبوية التي لم تعاد شيئا قدر عدائها للمؤسسات والقانون, وهما أهم أدوات بناء المجتمع والدولة الحديثة.

فالصراع الجاري الآن في ليبيا أكبر من أن يختزل في صراع بين حكومة ومعارضة, ولكنها حرب أهلية حقيقية في مجتمع منقسم بين تحالفات قبلية وجهوية متعارضة, وليس من قبيل الخيال الجامح القول أن هذه الحرب لن تنته إلا وقد انقسمت ليبيا إلي دولة في الشرق وأخري في الغرب, وربما ظهر كيان ثالث للطوارق يرتبط بالسكان من الطوارق في بلاد الصحراء الأفريقية المجاورة أو يظل مستقلا.

المشرق العربي هو برميل البارود الحقيقي, فالدولة في هذه المنطقة ليست سوي حالة مثالية للاصطناع الاستعماري.

فعند قيام الحرب العالمية الأولي كان المشرق العربي أو منطقة الهلال الخصيب, التي تشمل الأراضي الممتدة من العراق وحتي البحر المتوسط, هي القسم الوحيد من العالم العربي الذي بقي تحت حكم الأتراك العثمانيين, وبنهاية الحرب التي خسرتها تركيا شرع المنتصرون في تقرير مصير الأقاليم العربية التابعة لها.

منذ زمن الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية ومن بعدها الإمبراطورية العربية الإسلامية, عاش عرب هذه الأقاليم في ظل إمبراطوريات كبيرة متعددة القوميات.

مفهوم الدولة القومية الحديثة, التي تقوم علي مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها, ومبدأ التطابق بين الهوية القومية للشعب الذي يسكن الدولة وبين حدود الإقليم الذي يعيش عليه هذا الشعب وبين هوية النخبة التي تتولي حكم الإقليم, هذا المفهوم لم يعرف طريقه للمنطقة إلا في مطلع القرن العشرين, وفي النطاق الضيق للنخب المثقفة, آخذا شكل عقيدة القومية العربية, التي طالبت في البداية باستقلال العرب الذاتي في إطار الدولة العثمانية, ثم تطورت بعد سقوط الدولة العثمانية بتكوين دولة عربية موحدة مستقلة.

أما جموع العرب الموزعين علي قبائل وعشائر وجهات بعيدة معزولة فلم يكونوا طرفا فاعلا رئيسيا في كل هذا الجدل, فالجماهير لا تدخل ساحات السياسة, وبالتأكيد فإنها لا تبقي فيها لفترات ممتدة بلا انقطاع إلا بفضل أدوات مثل انتشار التعليم ووسائل الإعلام والاتصال, وكلها أشياء لم تكن معروفة خارج بعض المدن المشرقية الكبيرة في تلك الفترة.

لقد نشأت دول العراق وسوريا ولبنان والأردن بقرار استعماري, وتم فرضها علي أهلها الذين لم يوجد بينهم أي طلب أو سعي لإنشاء هذه الدول قبل تأسيسها, وهو ما ترتب عليه تأسيس كيانات ضعيفة تفتقد للهوية الوطنية, أجبر علي العيش في ظلها الكثير من الجماعات المختلفة عرقيا ودينيا وقوميا.

لكن هذه الدول صمدت لما يقرب من المائة عام بالاعتماد علي ثلاثة أساليب وآليات رئيسية, كان أهمها القمع المفرط الذي لجأت إليه نظم الحكم المتعاقبة لضمان الاستقرار وصيانة الكيان.

وإلي جانب القمع كانت هناك توازنات القوي الإقليمية والدولية التي وظفتها النخب الحاكمة في هذه الدول بنجاح لخدمة بقاء هذه الكيانات, أما الآلية الثالثة والأخيرة فكانت القدر الذي تحقق تدريجيا من هوية وطنية كانت هشة بحكم طبائع الأمور وأصل الأشياء, لكنها كانت أحيانا كافية لتحقيق قدرا من التماسك الطوعي ساهم في تليين أثر أساليب القسر المحلية والإقليمية.

مع انفجار ثورات الشعوب العربية بات واضحا أن القمع المحلي فقد جانبا كبيرا من أثره في ضمان استقرار الحكم وبقاء الدول.

ومع انشغال حكومات المنطقة بهمومها الداخلية, تراجع أثر التوازنات الإقليمية في الحفاظ علي الاستقرار والبقاء, ولم يبق هناك لحماية الدول المشرقية سوي القدر المتحقق من تبلور الهويات الوطنية التي تتعرض لضغوط وتحديات كبيرة من جانب مشاعر وهويات طائفية وقبلية وقومية كاسحة.

تحت ضغط هذه الظروف فإن انقسام بعض دول المشرق العربي لم يعد أمرا مستبعدا, وينطبق هذا بشكل خاص علي سوريا التي تتكون من مزيج قومي وديني, تسيطر علي السلطة فيه نخبة تنتمي للأقلية العلوية, كما ينطبق علي لبنان الذي حافظ علي بقائه لعقود بفضل توازن قوي إقليمي دقيق لم يعد قائما.

وإذا أضفنا إلي كل هذا اليمن الذي يواجه نزعات انفصالية صريحة, وإن هدأت في ظل المواجهة الراهنة مع النظام, يتبين أن العالم العربي الجديد سيكون فيه عدد من الدول أكبر مما فيه الآن, ويبقي للمستقبل أن يحكم ما إذا كان هذا تطورا أفضل لصالح شعوب المنطقة.


المصدر