في رثاء الحاجّة زينب الغزالي

ألقى الشاعر جابر قميحة هذه القصيدة في سرادق عزاء الحاجّة زينب الغزالي بالقاهرة مساء الجمعة أمام جمع حاشد من المعزِّين .
وأنا أقدم هذه القصية بمناسبة مرور 7 سنوات على وفاتها .
علما بأن الحاجه زينب الغزالي توفيت يوم الأربعاء 3 / 8 / 2005 في القاهرة عن عمر يقارب التسعين عاما بعد أن أمضت أكثر من نصف قرن في حقل الدعوة الإسلامية عبر أنحاء عديدة من العالم الإسلامي.
بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
- وقال: أتبكي والقضاءُ محتم
فقلتُ: تعالى اللهُ، فالحزنُ ساعرٌ
- ولو كان فضلُ الراحلين مراثيًا
فلا كلُّ مفقودٍ يُراع لفقْدهِ
- ولا كلُّ من يحيا الحياةَ بحاضرٍ
فإن خلودَ المرْءِ بالعمل الذي
- أناديك- أمَّ الصابرين- بمهجتي
سلامٌ وريحانٌ وروْحٌ ورحمةٌ
- فقد عشْتِ بالحق القويم منارةً
وكنتِ- بحقٍّ- منبعَ الحبِّ والتُّقى
- ودارُكِ كانتْ مثل دار "ابن أرقم
فَرُحْنَ- أيا أماهُ- في كلِّ موطنٍ
- شبابًا حيِيًّا في شجاعة خالدٍ
يفرُّون عند المغريات تعففًا
- ومن كان للحقِّ القويم نهوضُهُ
ولا ضيرَ ألا تُنجبي، تلك حكمةٌ
- فقد عشْتِ أمًا للجميع، وأمَّةً
وكنتِ لسان الحقِّ في أمةٍ غَفَتْ
- وقلتِ: كتابُ الله فيه شفاؤكمْ
وقلتِ: هو الإسلامُ دينٌ ودولةٌ
- وإن النساء المسلماتِ شقائقٌ
لهن حقوقٌ قررتها شريعةٌ
- وقد كنَّ قبل الدين كمًّا مهمَّشًا
بذلك- يا أماه- كنتِ منارةً
- وأحييْتِ بالعزم الأبِّي ضمائرا
فأغضبتِِ فرعونَ اللعينَ وقد بغَى
- فقلتِ: لغير الله لم أُحنِ جبهتي
ولاقيتِ- يا أماه- أبشعَ محنة
- صَبرتِ وضجَّ الصبُر من صبرِك الذي
وجددتِ ذكرى أمِّ عمارِ التي
- فكانت- بفضل الله- خيرَ شهيدةٍ
وقلتِ- أيا أماه-: حسْبِيَ أننيِ
- فكان ظلامُ السجنِ نورًا مؤلَّقًا
أنيسُك فيه النورُ والفجرُ والضحى
- وكانت سياطُ الظالمين شهادةً
فكانوا- بفضلِ الله- أُسْدًا رهيبةً
- وخرَّ من الإعياء جلادُك الذي
فقلت: تعالى الله، يهوى معذِّبٌ
- سجينةَ حقٍّ لم ينلْ من إبائها
وغايتُهم في العيش مُتعةُ ماجنٍ
- وكلهمو في الشر والعارِ ضالعٌ
كأن عذاب الأبرياء لديْهمو
- أيُلقى بقاع السجن مَن عاش مؤمنًا
يُجنُّ أميرُ السجن: أنثى ضعيفةٌ
- أعيدوا عليها موجةً من سياطكم
ولم تجْدِ فيها: لا الكلابُ ينُشْنَها
- فيصْرخ: أنثى لا تبالي ببأسنا
فهان عليها سْوطنا وكلابنا
- إذن لن أُرقَّى، سوف يغضب سيدي
"ويلعنُ خاشي" إذ أفاق على يدي
- ولم يدرِ أن الله أقدرُ منهمو
وأن فصيل المؤمنين يفوقهم
- فإن غالطوا قلنا: الجنائزُ بيننا
مئاتُ ألوف في الجنازة حُضَّرٌ
- ولكنه الإسلامُ ألف بينهم
فإن كنتِ قد غادرتِ دنيا بزيفها
- ستلقيْن أمَّ المؤمنين خديجةً
وحفصةَ والخنساءَ والصفوةَ التي
- عليك سلام الله في الخلْد زينبُ
مضيتِ بذكرٍ ليس يُكتب أحرفًا
- فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ
وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهرب؟!
- قويٌّ، عتيٌّ، والفقيدةُ زينبُ
لجادَ بمرْثاها الحطيمُ، ويثربُ
- ولا كلُّ حيٍّ فائقٌ، ومحبَّبُ
ولا كل من في القبرِ ماضٍ مغيَّبُ
- يقودُ مسارَ الخير لا يتهيَّب
وكلِّي دعاءٌ ِمْن سناكِ مُطيَّبُ
- عليكِ، وممدودٌ من الظل طيبُ
تشدُّ إليها كلَّ قلبٍ وتجذبُ
- ومدرسةً فيها العطاءُ المذهَّبُ
تخرجَ فيها من بناتِكِ أشْهُبُ
- يربِّين أجيالاً على الحقِّ أُدِّبوا
له الحقُّ نهجٌ، والشريعةُ مذْهبُ
- وحين ينادي الرْوعُ هَبُّوا وأجْلبوا
فليس لغير الله يرضى ويغْضبُ
- طواها عن الأفهام سرٌّ مُحَّجبُ
يباهي بكِ التاريخَ شرقٌ ومغربُ
- كأنهمو عن عالم الناس غُيَّبُ
وبالسنة السمحاء نعلو ونغْلبُ
- وقوميةٌ نعلو بها حين نُنْسبُ
لجنسِ الرجالِ المسلمين وأقْربُ
- من الله حقٌ ناصعٌ ومُطيَّبُ
كسقْط متاع يُستباحُ ويُسلبُ
- فأهْوَى صريعًا جاهلٌ متعصبُ
تعاورها بومٌ ضريرٌ وأذْوُبُ
- لتستسلمي للظلِم أيّانَ يرغبُ
وللحقِّ صولاتٌ أعزُّ وأغلَبُ
- يخرُّ لهوْليهْا شبابٌ وشُيَّبُ
أذل كبارًا في الفجور تقلبوا
- تحدَّتْ أبا جهلٍ ومن كان يصحبُ
وليس كتحصيل الشهادة مكسبُ
- على درب طه أستقيمُ وأَضْرِبُ
من الملأ الأعلى يطوف ويُسكبُ
- كما يُؤنس الإنسانَ في التيه كوكبُ
بأنَّ دعاةَ الحق أقوى وأصلبُ
- وهل يغلب الأسْدَ الرهيبةَ أرنبُ؟!
تعهد أن يُرْديَك وهو يُعذِّبُ
- ويبقى رفيعَ الرأس حرًّا معذَّبُ!!
عتاةٌ على قتل العباد تدربوا
- وعدتُهم في الحكم نابٌ ومخلبُ
وللحقَّ نهَّاب عُتلٌ مخرِّبُ
- ألذُّ من الشهد المذاب وأعذبُ
ويطلق لصٌّ آثمُ القلب مذنبُ؟!
- تُذِل رجالي بالثبات وترعبُ؟!
وركْلاً وصعقًا علَّها تتذبذبُ
- ولا القيدُ والسجان بالسوط يُلهبُ
فلا السوط جبارٌ ولا الكلبُ مرعبُ
- أذلك سحرٌ؟! بل من السحر أغربُ
ويا ويلتاهُ إذ يثورُ ويغضبُ
- وقد كان في أُنْسٍ يهيصُ ويشربُ
وأن سياطَ الله أقوى وأغلبُ
- ثباتًا وعدًّا، لا يخاف ويرهبُ
سَلُوها؛ فحكم الموت ما كان يكذبُ
- ولم تْدّعهم أمٌ ولم يدعهم أبُ
وجَمعهم حبٌّ مكين مقرِّبُ
- إلى عالمِ الخلْد الذي هو أرحَبُ
وفاطمةَ الزهراءَ فرحى ترحِّبُ
- ظللن شموسًا للهدى ليس تغربُ
وإن نعيم الله أبقى وأطيبُ
- ولكنه بالنورِ والعطرِ يُكتبُ
المصدر
- مقال:في رثاء الحاجّة زينب الغزالي موقع:رابطة أدباء الشام