عرائس في سجون عبد الناصر (2-2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
عرائس في سجون عبد الناصر(2-2)

مريم السيد هنداوي

كانت لنا وقفه في الحلقة السابقة عن بعض عرائس الدعوة في القرن العشرين وكيف كانت حياتهم منذ أول ليلة لهن مع شريك العمر، فقد عرفت كل أخت أنها تسير على طريق محفوف بالأشواك غير أنهن جميعا تحدين هذه الأشواك رضاء لله جل وعلا.


العروس الثالثة: نادية عبدالمجيد عبد السميع

نادية عبدالمجيد هي أخت القيادي الإخواني في تنظيم 1965م أحمد عبدالمجيد وأيضا أخت الحاجة فوزية عبدالمجيد زوجة الأستاذ سيد نزيلي احد قادة التنظيم والتي تحدثنا عنها من قبل.


نشأت نادية عبدالمجيد عبد السميع، حيث ولدت لأب كان يعمل سائقا وقد سافر إلى ليبيا للعمل فيها سائق للملك السنوسي أواخر الأربعينيات، وكانت والدتها ربة منزل وكانا من كرداسة، وكان إخوتها أحمد ومصطفى وكمال ومحمد وأسامة وفوزية وابتسام.

الأخ والزوج

أخوها الأكبر هو أحمد عبد المجيد والذي ولد في 27/9/1933م، وتخرج في كلية الحقوق جامعة عين شمس عام 1979م وكان أحد قادة تنظيم 1965م مع الشهيد سيد قطب، تعرف على علي عشماوي من خلال دعوة الإخوان المسلمين، وكانا عضوين في اللجنة الخماسية المسئولة عن إحياء التنظيم مرة أخرى حيث تولى علي عشماوي –والذي كان يعمل كاتب الحسابات في إحدى شركات القطاع العام- مسئولية القاهرة وتولى احمد عبدالمجيد مسئولية الصعيد وقسم المعلومات.


يقول أحمد عبدالمجيد: «ومن المعلوم أن نشاط الإخوان كان قد توقف بعد محنة 1954م، وقامت بعض المحاولات المتواضعة ولم تستمر، إلا أن المحاولة الهامة التي ارتبط بها وتولي قيادتها هي تنظيم 1965م، الذي تأسس عام 1957م بين كل من الضابط المهندس أمين شاهين – رحمه الله تعالي – وأحمد عبدالمجيد وعلي عشماوي من جهة، والشيخ عبدالفتاح إسماعيل التاجر والشيخ محمد فتحي رفاعي المدرس بالمعاهد الأزهرية من جهة أخري، تم دمجهما عام 1962م، وانضم لهم بعد ذلك تنظيم الإسكندرية والبحيرة ومثله بقيادة التنظيم مجدي عبدالعزيز متولي، وانضم كذلك صبري عرفة الكومى بدلا من الشيخ فتحي رفاعي الذي سافر للجزائر»(1).


تزوجت من علي عشماوي في يونيو 1965م، وقضت بضعة أيام من شهر العسل في ضيافة الشهيد سيد قطب في رأس البر، لكن هذه الفرحة وهذه السعادة لم تدم كثيرا، حيث قبض على زوجها وأخيها وزوج أختها وأختها في أغسطس 1965م، فما جزعت.


شجاعة نادرة

ما كادت تمر الأيام إلا وقد قبض على زوجها غير أنها صبرت واحتسبت الأمر لله، وقدم الزوج والأخ وزوج الأخت للمحاكمة فحكم على زوجها وأخيها بالإعدام شنقا وعلى زوج أختها الأستاذ سيد نزيلي بالأشغال الشاقة المؤبدة، ثم خفف الحكم عن زوجها وأخيها للأشغال الشاقة المؤبدة.


غير أن الزوجة كانت قد لاحظت ان زوجها منذ أول أيام اعتقاله يعامل معاملة حسنة فهي تأتي له بالملابس المكوية والأكلات الطازجة من البيت كل أسبوع، في حين أن أخوها وزوج أختها يعذبان ولا يلقيان معاملة حسنة، مما زاد من حيرتها، وسارت تبكي دموعا حارة في صمت.


ثم جاءت المحاكمة لتزيل هذا الشك، فقد وجدت من زوجها موقف الخزي والعار، حيث انه اعترف على التنظيم بالتفصيل التام، مما سهل على المباحث معرفة كل أفراد التنظيم، فقد اعترف علي عشماوي بالأشياء التي أرادتها المباحث والأشياء التي لم تسأله عنها، مما كان السبب في صدور الحكام الشديدة ضد الإخوان مقابل أن يخرج من السجن، لكن القدر لم يعطه هذه الأمنية فبالرغم من كونه اعترف على التنظيم تفصيليا، إلا أنه ظل في السجن حتى وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970م.


لقد وجدت الزوجة من زوجها موقف لا تقبله الإنسانية فقد اعترف على شقيقها وعلى الشهيد سيد قطب ومحمد يوسف هواش غير أنها لم تجد الوقت مناسبا للنقاش.


يقول المهندس محمد الصروي (أحد شهود على أحداث 1965م: «ثم صدرت الأحكام فصدر الحكم بإعدام زوجها.. فصارت بين فرح إنها زوجة شهيد.. وألم فراق الزوج الحبيب.. وحيرتها من موقف زوجها في خدمة أهل الباطل الذين ضحوا به في النهاية وحكموا عليه بالإعدام .. تمزق نفسي قاتل.. ثم خفف الحكم وتم ترحيل الجميع من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة.. فشكا لها زوجها سوء معاملة الإخوان له فسألت أخاها الذي أخبرها بموقف زوجها الذي باع القضية كلها .. وسلم رقاب الإخوان كلهم قربانا لشمس بدران الذي صعد السلم إلى الوزارة على جماجم الشهداء .. وخاض في دماء الإخوان خوضا بالمعونة الكبيرة من علي عشماوي»(2).


ظل الزوج يبتعد شيئا فشيئا عن الإخوان وهي تناقشه وتتفاهم معه دون جدوى، ثم أعلن زوجها تركه الإخوان وبدأ يغمز ويلمز فيهم.


فما كان منها إلا أن خيرته وقالت له: لقد تزوجتك أخا من الإخوان وهذا هو الميزان الذي أزن به الرجال .. أما إذا بعدت عن الإخوان فلا شأن لي بك .. وعاشا شهورا قاسية فهو في سجن لا تبدوا له نهاية فلقد سبع من وعود الجلادين بالإفراج عنه غدا .. ومع ما فعله لهم لم يفرج عنه إلا بعد تسع سنوات سجن. أما هي فعندما لم يعد لإخوانه طلبت منه بشجاعة لا يقدر عليها إلا عظائم الرجال الطلاق وتم لها ذلك، إلا أن الله عوضها خير.. فما كاد الإخوان يخرجون من السجون حتى سارع إليها الأستاذ عبد الرحمن بارود –أحد مسئولي الإخوان بفلسطين والذي كان معتقل على ذمة التنظيم وحكم عليه بسبعة سنوات- وبعد زواجهما حصل على الدكتوراه في الأدب(3).


والشاعر الدكتور عبدالرحمن بارود ( أبوحذيفة ) من مواليد قرية بيت داراس ( محافظة غزة) عام 1937م، هجّر من قريته عام 1948 م وكان عمر آنذاك 11 عاماً، درس في قريته حتى الصف الخامس الابتدائي، نظم أول قصيدة له بعد الهجرة وكانت في أثناء الدراسة الابتدائية وتحدث فيها عن معركة بيت داراس، حصل على شهادة الليسانس من كلية الآداب - قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة بتفوق ومن ثم أكمل دراساته العليا ليحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من نفس الجامعة، انتقل بعدها للعمل في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة بوظيفة أستاذ جامعي وقضى في الجامعة ما يقارب الثلاثين عاماً متنقلاً بين أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية حيث تخرج على يديه الكثير من الطلاب والطالبات وكان له الكثير من المشاركات الأكاديمية والبحثية في هذه الفترة، تفرغ بعد ذلك للعمل العام حيث يقضي أغلب وقته في الكتابة وتأليف الشعر ومتابعة الشأن العام وله دور واضح وبارز ومؤثر في أوساط الجالية الفلسطينية في السعودية عموماً وفي جدة خصوصاً(4).


العروس الرابعة: زوجة الطيار ضياء الطوبجي

التحق ضياء الطوبجي بجماعة الإخوان المسلمين كباقي زملاءه الطيارين، وكان ضمن الأسرة التي أشرف عليها علي عشماوي.


كان محمد ضياء الدين عباس الطوبجي قائد لطائرة بوينج بين القاهرة ولندن، وبعد السفر سنوات أراد أن يستقر مع زوجة طاهرة عفيفة فوقع اختياره على بنت خالته.


زواج على أعتاب الحربي

وافقت على الاقتران من ابن خالتها الطيار، فاخذ الزوج في إعداد شقة الزوجية، فاستأجر الدور الثاني في فيلا الحاجة زينب الغزالي لكي تنعم زوجته بالصحبة الطيبة، وتعيش وسط الأخوات اللاتي يترددن يوميا على الحاجة زينب.


جهز ضياء شقته على أحدث طراز حيث اشترى كثير من الأثاث من لندن، وتم تحديد موعد الزفاف يوم السبت الموافق 21 أغسطس 1965م ويومها ارتدت العروس ثوب الزفاف الأبيض، وارتدى العريس بدله العرس، وتوجه إلى بيتها ليأخذها معه إلى عش الزوجية غير أن القدر كان يخبئ له ولها شيء فقد قابلته المباحث الجنائية العسكرية واعتقلته وظلت الزوجة منتظرة الزوج حتى علمت باعتقاله وتعذيبه عذابا شديد في السجن الحربي.


وتقول الحاجة زينب: «وسألت غادة عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد عروسته والمأذون ، وقبضوا على عروسته وهى في ملابس الزفاف وعلى أخته منى وأخيه الدكتور». وتضيف: «تحت التعذيب سألني شمس بدران: أن عبد العزيز على كانت يجتمع مع على عشماوي وعبد الفتاح إسماعيل وضياء الطوبجي، ويحيى حسين، وعبد المجيد الشاذلي، ومجدي عبد العزيز، وأنه اجتمع مع سيد قطب عدة مرات بعد خروجه من السجن، قلت: لا أدرى شيئا عن هذه الاجتماعات».


قدم الزوج للمحاكمة وعمره كان 28 عاما، بناء على أمر إحالة إلى المحكمة العليا في الجناية رقم 12-1965م "أمن دولة عليا"، وحكم عليه بـ(15) عاما في القضية الثانية.


بدلت الزوجة فستانها الأبيض الجميل بفستان يملؤه الحزن والفراق، غير أنه مع مرور السنين ضغط أهلها عليها حتى تزوجت، فيحزن الزوج داخل السجن غير أنه فوض أمره لله.


يقول المهندس الصروي: «داعبت ضياء فقلت له يا ضياء تعرف تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أخطأك لم يكن ليصيبك)؟ فيقول: تقصد إيه؟، فأقول يعنى تبقى في بقك وتقسم لغيرك، فيقول لا تبقى في زورك وتقسم لغيرك، ثم يقوم فيتوضأ سريعا، فأقول له مداعبا ضياء أنت تتوضأ قصرا، فيقول لا .. أنت تتوضأ تحت الجلد أما أنا فأتوضأ فوق الجلد فقط».


خرج ضياء الطوبجي عام 1974م ويرزقه الله بزوجة صالحة تعوض له كل ما مر من حياته.


العروس الخامسة: زوجة مرسي مصطفى مرسي

كان مرسي مصطفى يعمل معيد بالمركز القومي للبحوث، حيث وفق للزواج من ابنة لواء في الجيش، وسكنا سويا في الشقة التي أعدها في المساكن الشعبية بإمبابة بلوك 15أ شارع 14، وعاشا سويا في هذه الشقة، كان الزوج قد التحق بجماعة الإخوان.


آتون المحنة

لم تكن تعلم الزوجة أن زوجها وشقتها ستكون طعما تتخذه المباحث العسكرية الجنائية للقبض على الإخوان، فقد سقط تنظيم 1965م أثناء التحقيق في قضية حسين توفيق أن اعترف احد المتهمين أن الأستاذ يوسف القرش –أحد إخوان ميت غمر- يمتلك قنبلتين، فتوجهت المباحث وقبضت عليه وعذبته وظلت تقبض على من تعرف أسمائهم غير أن الأمر كان عاديا لم يتجاوز بضعة أفراد، وتحت التعذيب اعترف الخ محمود فخري على شقة الباحث مرسي مصطفى مرسي، فتوجهت المباحث وقبضت عليه وعلى زوجته واتخذت منها مركز تقبض على كل من يأتي إليها، وممن قبض عليهم علي عشماوي وعبد الفتاح إسماعيل وغيرهم، ولم يكن التنظيم قد اكتشف غير أن اعترافات علي عشماوي كانت البوابة التي فتحت جهنم على الإخوان فما كاد عبد الناصر يعلم بأمر التنظيم حتى اصدر قرارا باعتقال كل من سبق اعتقاله.


زوج بالزوج إلى السجن الحربي حيث العذاب الرهيب، كما زجت زوجته إلى سجن القناطر مع بقية الأخوات اللاتي اعتقلن(9).


وقدم زوجها للمحاكمة بناء على قرار النيابة وحكم عليه بالشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما. عاش الزوج في السجن يرتل القرآن كما وصفه المهندس الصروي بقوله:" ولقد كنت أتبادل الحفظ مع الأخ الدكتور مرسي مصطفى مرسي حتى أتممنا حفظ القرآن الكريم بفضل الله".


خرجت الزوجة من المعتقل وبعدها بسنين عددا خرج الزوج لينعما بالحياة في رحاب أرض الله الحرام حيث عمل بكلية الزراعة جامعة الملك عبد العزيز بالرياض.


الهوامش

1- أحمد عبد المجيد عبد السميع: سيد قطب بين مؤيديه ومعارضيه، كتاب المختار الإسلامي.

2- محمد الصروي: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م... الزلزال والصحوة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، ص (381).

3- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ أحمد عبد المجيد عبد السميع يوم 25/7/2007م. 4- موقع الشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود.

5- محمد الصروي: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م، مرجع سابق ص (375).

6- زينب الغزالي: أيام من حياتي، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

7- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 1755، الموافق 9/6/2007م.

8- محمد الصروي: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م، مرجع سابق ص (376).

9- أحمد عبدالمجيد: الإخوان وعبد الناصر، القصة الكاملة لتنظيم 1965م، كتاب المختار، الطبعة الثالثة، 1427هـ، 2006م، ص(80).

المجاهد الصامت عبد الله سلطان الكليب

بقلم : المستشار عبداللـه العقيل

المجاهد عبد الله سلطان الكليب

عرفت الأخ الكريم المجاهد الداعية عبدالله سلطان الكليب عن طريق إخواني الزملاء من الطلبة الكويتيين الذين التقيتهم أوائل الخمسينيات أثناء الدراسة الجامعية بمصر، حيث حدثوني عن نشاطه الإسلامي في الكويت وسعيه مع إخوانه لتقديم العون للمحتاجين ووقوفه بجانب المظلومين وغيرته على حرمات الدين ومقدساته، ولقد زرت الكويت بعد ذلك سنة 1955 م ثم 1958 م ثم حيث استقر مقامي بها إلى عام 1986 م فتوثقت صلتي به وبإخوانه وعملت معهم في حقل الدعوة الإسلامية داخل الكويت وخارجها.


وكان رحمه الله كريم النفس يبذل بسخاء في مواطن الخير ويسعى في قضاء حوائج إخوانه المسلمين ويشفع لمن يستحق الشفاعة، ويقول كلمة الحق لا يخاف لومة لائم، وهو مقدام شجاع لا يتردد في مواقف الرجولة ينجد الملهوف ويقف بجانب الضعيف ويؤثر أخوّة الدين على أخوّة الطين، لأنه يؤمن بأن جنسية المسلم هي عقيدته، وليس ثمة شيء يعلو عليها أو يتقدمها، وهو يعرف لأصحاب السابقة والفضل سبقهم وفضلهم ويذكرهم بالخير ويدعو لهم.


وكان صاحب همة ونشاط، ينافس إخوانه العاملين في الحقل الإسلامي، من أجل رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته وتطبيق شريعته والوقوف إلى جانب إخوانه المسلمين في بقاع الأرض.


يلقاك ببشاشة الوجه وطيب الكلام ودماثة الخلق ويحدثك ببساطة ويكثر من الدعابة والطرافة لإدخال السرور على رواد مجلسه.

وكانت بيني وبينه زيارات متبادلة، وكان يحضر الندوة الأسبوعية مساء الجمعة ويشارك الإخوة الحاضرين في موضوعاتها ويدلي بدلوه في الحوار والنقاش على ضوء تجاربه في العمل الدعوي.


وكان شديد الوطأة على الأنظمة الظالمة والطغاة المستبدين الذين يحاربون الإسلام ودعاته، ويضيِّقون على شعوبهم بقطع الأعناق والأرزاق، إرضاء لشهواتهم وطاعة لأسيادهم المستعمرين، وكان يكرر القول بأن الأمة المسلمة لابد أن تلتقي على القواسم المشتركة، وأن يتعاون الدعاة إلى الله في كل مكان، ليكونوا في خندق واحد للتصدي لدعاة الباطل، وأعوان الشرق والغرب في الداخل والخارج الذين ينطلقون في حربهم للإسلام والمسلمين عن قوس واحدة لأن الكفر ملة واحدة، وأنه ليس كالتربية الروحية والعناية ببناء الرجال من وسيلة للصمود أمام هذا الطوفان من الأفكار الوافدة، والنظريات الهدامة، والأخلاق والعادات المستوردة، التي تصادم عادات المسلمين وتقاليدهم وأخلاقهم وقيمهم، وأن منهج الإخوان المسلمين التربوي الذي أرسى قواعده الإمام الشهيد حسن البنا هو المنهج الأمثل لبناء الجيل الجديد وتربية الرجال المؤمنين لأنه منهج مستقى من الكتاب والسنة، وقد أثبتت التجربة صلاحيته وصمود نماذجه من دعاة الإخوان المسلمين في كل مكان وفي جميع المواقع أمام كل المحن والابتلاءات التي تعرضوا لها من الطغاة المتعاقبين في أكثر من قُطر.

يقول الكاتب السعودي والصحفي الكبير مؤسس جريدة "عكاظ" الأستاذ أحمد عبدالغفور عكار في كلمة نشرها بجريدة "المسلمون" بتاريخ 26 رمضان 1407هـ:


"... رحم الله شهيد الإسلام الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم العام وطيب الله ثراه وأنزله الفردوس الأعلى وعوَّض عنه بني الإسلام خيراً، ونفع بجهاده الصادق وجهوده المباركة المستمرة.


لقد كان من صفات الشهيد العظيمة الجمة تربيته الدعاة إلى الله ودفعهم إلى المزيد من البذل مما وهب الله لهم من الخير والفضل.

لقد دأب الاستعمار على الوقوف في وجه كل حركات الإسلام والإيحاء للحكام بأن هذه الحركات تهديد لهم ومنها حركة الإمام الشهيد حسن البنا زعيم حركة الإخوان المسلمين في مصر حتى استشهد رضي الله عنه، واضطهد غير مرة قبل التخلص منه، ومازالوا بحركة الإخوان المسلمين ظلماً واضطهاداً فسجنوا الآلاف وقتلوا المئات وشردوا آلاف الأسر وكان من أبرز الشهداء: الفقيه الكبير عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، والمحامي إبراهيم الطيب، و يوسف طلعت ، و سيد قطب ، و عبد الفتاح إسماعيل ، و محمد هواش، وغيرهم رحمه الله رحمة واسعة" انتهى.


تأسيس جمعية الإرشاد

إن الأخ عبدالله الكليب كان له الدور الأساسي في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي ، حيث عُقد الاجتماع الأول التحضيري في ديوانيته سنة 1952 م بحضور الإخوة "محمد العدساني ، عبدالرزاق العسكر ، علي الجسار، عبدالعزيز العلي المطوع ، عبدالرزاق الصالح المطوع ، خالد العيسى ، وغيرهم فكانت ثمرة هذا الاجتماع تأسيس هذه الجمعية المباركة التي قدمت الصورة المشرقة المضيئة عن الكويت وأهل الخير فيها وسعيهم الدؤوب لنصرة الإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان.


وقد بادرت الجمعية لتشكيل وفد ضم الحاج عبدالرزاق الصالح المطوع وعبدالله سلطان الكليب وآخرين للسفر إلى الأردن وتقديم العون والمساعدات المالية والعينية من الخيام والملابس والأغذية إلى إخواننا اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم بالأردن عام 1952 م، مما كان له أطيب الأثر في نفوس إخواننا الفلسطينيين الذين وجدوا الإخوان المسلمين معهم متطوعين في ميدان الجهاد والقتال سنة 1948 م، ومتطوعين في مجال العون والإغاثة في المخيمات وتلك أخوّة الإسلام الحقة.


لقد ساهمت جمعية الإرشاد الإسلامي في أنشطة مختلفة داخل الكويت وخارجها، واستقطبت أعداداً ضخمة من رجال الكويت وشبابها فانتظم في صفوفها الخيّرون من أبنائها أمثال: "عبدالرحمن العتيقي، خالد الجسار، محمد بودي، يوسف الرفاعي، عبدالله العلي المطوع، غانم الشاهين، عبدالرحمن الدوسري، أحمد الغنام، عبدالرحمن الولايتي، خالد الرويشد، يعقوب الغنيم، عبدالرحمن المحجم، وغيرهم كثيرون لا تحيط بهم الذاكرة، وقد لقيت الجمعية القبول لدى المسؤولين وأعيان الكويت فضلاً عن عامة الناس، فانتشرت دعوتها، وتوسَّع نشاطها، بحيث شمل جميع المناطق ومختلف الطبقات، وصار شباب الجمعية كالشامة في جبين الكويت لصدقهم وإخلاصهم وخلقهم ووفائهم وبذلهم وعطائهم وجهدهم وجهادهم، فصدرت مجلة الإرشاد الإسلامي وقامت مدرسة الإرشاد الإسلامي وفتحت مكتبة الإرشاد الإسلامي ومركز الشباب الرياضي والثقافي وأقيمت الندوات والمحاضرات والدروس والحفلات والكتائب والرحلات والمخيمات والمعسكرات الكشفية وانتشرت الكتب الإسلامية والأناشيد الحماسية، وتحفيظ القرآن الكريم وقيام الليل وصيام الإثنين والخميس، وقام شباب الجمعية برحلات إلى العراق وسورية ولبنان والأردن والحج والعمرة، واستضيف العديد من الدعاة لزيارة الكويت وإلقاء المحاضرات فيها حيث زارها البشير الإبراهيمي ومحمد عبدالرحمن خليفة و كامل الشريف وعبدالحكيم عابدين و سعيد رمضان ومحمد محمود الصواف وغيرهم من الدعاة في أنحاء العالم الإسلامي] .


وصارت الكويت رغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها مصدر إشعاع للدعوة الإسلامية، ومقصد الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي، حيث يجدون عند الصالحين من أهلها، كل الحب والتقدير والإجلال والاحترام والمؤازرة والمناصرة، بل كانت الكويت من الدول السباقة في نصرة الجهاد الإسلامي سنة 1936 م بفلسطين حين زارها وفد من الشام يضم "كاظم الصلح وفخري البارودي" مناشدين الكويتيين نصرة إخوانهم الفلسطينيين، فتشكلت لجنة من "يوسف أحمد الغانم، نصف يوسف النصف، سلطان الكليب" لجمع التبرعات وتقديم العون للمجاهدين الفلسطينيين وهو الذي فعله الإخوان المسلمون بمصر في الوقت نفسه، ذكر ذلك أديب العربية بلا منازع الأستاذ الكبير مصطفى صادق الرافعي في كتابه "وحي القلم" الجزء الثاني تحت عنوان "قصة الأيدي المتوضئة".


وكذا فعل أهالي الزبير في العراق عندما زارهم الوفد المكوَّن من سماحة الحاج محمد أمين الحسيني، ومحمد علي علوبة باشا عام 1963 م لجمع التبرعات، حيث شكَّلوا لجنة من (حمد الذكير، محمد العقيل، حمد البسام، أحمد العنيزي) لنجدة إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين.


وحين انطلقت "فتح" لإعلان الجهاد ضد اليهود بفلسطين، سارع الخيِّرون من أهل الكويت لنصرتها، ولما تركت الجهاد وركنت للاستسلام لليهود وصدَّقت عهودهم ومواثيقهم، انفض الناس عنها وتركوها.


حياتــه ودراســته

إن الأخ الكريم عبدالله سلطان الكليب من الأسر العريقة في الكويت ، وكان والده سلطان الكليب عضواً في أول مجلس للمعارف سنة 1936 م ومديراً للبلدية ومديراً للمكتبة الأهلية وكان الابن باراً بأبيه مطيعاً له.


وقد ولد الأخ عبدالله الكليب 1925 م بالحي القبلي بالكويت، ودرس في مدرسة الشيخ محمد العجيري، ثم في مدرسة الشيخ أحمد الخميس، ثم في مدرسة إبراهيم العريض بالبحرين، ثم في مدرسة المباركية بالكويت، حيث كان من أساتذته فيها الأستاذ سيد عمر والأستاذ عبدالملك الصالح المبيض وأخيراً في مدرسة الأحمدية ثم مارس الأعمال الحرّة وتقلد بعض الوظائف الحكومية وكان آخرها وكيل وزارة البريد والبرق والهاتف.


وظل الأستاذ عبدالله الكليب على وفائه للإسلام والتزامه بالحركة الإسلامية حتى بعد حل الجمعيات والأندية 1958 م بسبب الخطاب الذي ألقاه أحمد سعيد مذيع صوت "العرب" في الكويت الذي خرج فيه عن الأدب وحاول إحداث الفتنة بين أهل الكويت وولاة الأمر، ولكن الله قدَّر ولطف، حيث تدارك العقلاء الأمر وطُرد أحمد سعيد من البلاد.


لقد عاش الأخ "أبو سلطان" بقية حياته عازفاً عن الدنيا مقبلاً على الآخرة مكثراً من الصيام وخاصة يومي الإثنين والخميس، مجتمعاً مع النخبة من خلصاء إخوانه كل أسبوع، يتدارسون شؤون المسلمين ويعيشون قضاياهم ومشكلاتهم ويسهمون قدر المستطاع، في تخفيف الآلام عن المصابين وإقالة عثرات الكرام من المحتاجين، والإصلاح بين المتخاصمين والتعاون على البر والتقوى وتحقيق التكافل بين العاملين للإسلام وشد أزرهم ونصرتهم على أعدائهم، ولستُ أنسى له مواقفه النبيلة التي ساعد فيها إخوانه المسلمين في تقلد الكثير من المناصب والوظائف بحكم الكفاءة والاستقامة والنزاهة والإخلاص في العمل وأداء الواجب.


حبـه للجهــاد

كنت وإياه في زيارة سماحة الحاج محمد أمين الحسيني أثناء إقامته بلبنان، وكان الحديث كله عن الجهاد وضرورته ودور الشباب المسلم في حمل رايته، بعد أن تخلى عنه الحكام وساروا في ركاب المستسلمين، وكان الأخ الكليب شعلة من الحماس يتحرَّق لإحياء فريضة الجهاد وينادي بإصرار وعزم على تبني هذا الخط، فليس لأعداء الله اليهود من علاج إلا القوَّة، وقد زار جماعة عباد الرحمن في لبنان وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن وسورية والعراق والتقى الكثير من قادتها وشبابها وتوثقت صلاته بهم.


وفي آخر حديث صحفي له مع جريدة القبس الكويتية بعددها المرقم 6331 بتاريخ 23-12-1989 م قال الكليب: ".... لقد أسسنا جمعية الإرشاد الإسلامي سنة 1952 م كجمعية إسلامية خيرية، وبدايتها عقد اجتماع في ديواننا بحضور عدد من الإخوة منهم: محمد العدساني وعبدالرزاق العسكر، وعلي الجسار، وخالد العيسى وآخرون.... وأذكر أن الأخ عبدالعزيز العلي المطوَّع اصطحب معه ذلك العام وفداً منمصر وبدأنا النقاش معه حول تأسيس هذه الجمعية بالكويت فتم الاتفاق وأسسناها، وكانت جمعية لمساعدة المحتاجين، بدأنا بتعليم من فاتهم التعليم في محو الأمية وأقبل الكثير على الفصول التي فتحناها في ذلك الوقت، كما قمنا بجمع تبرعات وخيام ومواد غذائية لمساعدة الفدائيين في الأراضي الأردنية والسورية آنذاك...." انتهى.


ذلك هو الأخ الحبيب والمجاهد الصامت والداعية المسلم عبدالله سلطان الكليب وتلك نبذة عن سيرته وجهاده داخل الكويت وخارجها ذكرتها وفاءً له ودرساً للجيل الجديد.


رحمه الله رحمة واسعة وتقبَّله في الصالحين من عباده وحشرنا وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.