الحركة الإسلامية في ماليزيا نشأتها منهجها تطورها
الفصل الرابع مقارنة تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا علي المستويين الداخلي والخارجي
أولا : المقارنة على المستوى الداخلي ثانيا : المقارنة على المستوى الخارجي
مقارنة تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا على المستويين الداخلي والخارجي
أولا:المقارنة على المستوى الداخلي
لما كان من سنة الله سبحانه وتعالي في خلقه تفاوت الناس في مداركهم وتفكيرهم واهتماماتهم فقد جاء نتيجة لذلك تعدد الجماعات والمنظمات الإسلامية في العمل الإسلامي وإن كان لهم جميعا اهتمام بحماية الدين وحفظه والدفاع عنه إلا ان القناعات المتفاوتة في أنجح السبل لحماية الدين جعلت كل فريق منهم ينحو منحي يختلف عن الآخر للوصول إلى الغاية .
وكذلك الحال بالنسبة إلى منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا التي لقيت في الساحة الإسلامية نجاحا بارعا من حيث استجابة الكثير من أبناء المسلمين لدعوتها وبالأخص الشباب المتوقد حماسا للإسلام حيث انخرطت الأعداد الهائلة منهم في هذه الجماعات والمنظمات وقد تختلف هذه المنظمات في التصور في أولويات العمل الإسلامي ومنهج الدعوة الإسلامية وأسلوبها؛
وقد تري بعض المنظمات وجوب الاقتصار على تصحيح العقيدة وخدمة السنة بينما تذهب الأخري إلى ضرورة استمرار الدعوة إلى شمول الإسلام ونصح الحكام وتصحيح مفهوم الولاء والبراء ومواجهة المؤامرات ضد الإسلام وفي هذا المبحث سأقوم بدراسة مقارنة وبيان مواقع الاختلاف والاتفاق بين المنظمات الإسلامية في ماليزيا باختصار في أربعة مطالب على النحو التالي:
أولا:من ناحية الأصول والمبادئ
- مهما كان اختلاف الجماعات الإسلامية في ماليزيا من حيث المنهج والأسلوب والوسيلة لكنها جميعا تتفق في أصول الدين الحنيف وفي عقيدة الإسلام التي تقوم على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ولهذا فهم جميعا يقصدون خدمة الإسلام وأمة الإسلام والدفاع عنها؛
- ويظهر لنا أثر هذا الاتفاق بين هذه المنظمات الإسلامية من خلال التعاون القوى الذي تقوم به هذه المنظمات فيما بينها في الأمور المتفق عليها من أصول الإسلام ولذلك فقد نصت دساتير معظم هذه المنظمات كما سبق على إمكانية التعاون مع الآخرين فيما يحقق الصالح العام للمسلمين ويحافظ على أصول عقيدة الإسلام .
- بناء على ذلك نجد أن الجماعات الإسلامية في ماليزيا كثيرا ما تعقد اجتماعات ولقاءات فيما بينها لمناقشة أحوال المسلمين ومشكلاتهم المعاصرة هذا بالإضافة إلى التعاون والأعمال المشتركة المنسقة التي قامت بها هذه المنظمات في أمر الدعوة إلى الله تعالي والمصلحة الإسلامية المشتركة التي لم ترتبط بالأمور القومية الحساسة أو السياسية .
- ومن تلك الأعمال التعاونية المشتركة التي تقيمها هذه المنظمات في مجال الدعوة تنسيق برامج الدعوة بين غير المسلمين وقد عقدت اتفاقية بين منظمات متعددة منها بركيم أوسيا الحكمة أبين وغيرها لتنفيذ برامج دعوية منسقة تهتم بشئون المجتمع غير الإسلامي
- كما شكلت هذه المنظمات لجنة للتنسيق تقوم بإنجاز هذا العمل برئاسة جمعية " بركيم " وتعقد هذه اللجنة اجتماعها الخاص مرة في كل سنة لمناقشة الخطوات اللازمة والمطلوبة في الدعوة وتنسيقها حتى تستطيع الوصول إلي الهدف المنشود .
- كما توحد هذه الجماعات صفوفها في الأمور المبدئية في الإسلام منها الجهود لحفظ اعتقاد الأمة الإسلامية في ماليزيا فقد ظهرت حديثا في ماليزيا قضية الردة التي أقلقت حياة المسلمين الماليزيين وهددت إيمانهم ولقد قام أعداء الله تعالي بتشكيك شباب المسلمين في عقيدتهم وتحويلها من الإسلام إلى الكفر ومن الإيمان بالله تعالي إلى عقيدة الشرك واللادينية؛
- ومع الأسف يقع بعض أفراد المسلمين في ذلك نتيجة المكائد التي يقوم بها أعداء الله مثل التسهيلات المالية ومحاولة ربط الشابات والشباب المسلمين مع غير المسلمين بعلاقات عاطفية وبأعمال السحر التي تؤدي إلى الردة .
- وقد أثارت مشكلة الردة انتباه الجماعات الإسلامية في هذه البلاد لإنقاذ عقيدة المسلمين ولهذا بذلت هذه التنظيمات جهودها في حل هذه المشكلة عبر الاجتماعات والمفاوضات والمحاضرات وغيرها
- ومن الجماعات التي لعبت دورا مهما في هذه القضية حركة الشباب الإسلامي أبيم والحزب الإسلامي وقد أقامت أبيم مثلا اجتماعا هاما شاركت فيه جميع المنظمات الإسلامية الرئيسية في ماليزيا سوي المنظمات الحكومية؛
- وفي هذا الاجتماع طالبت المنظمات الإسلامية بتشريع قانون خاص بظاهرة الردة على حسب الشريعة الإسلامية لمنع انتشار هذه الظاهرة القبيحة وصد مخططات أعداء الإسلام وخدعهم ومع ذلك للأسف تجاهلت الحكومة هذه المطالب حتى الآن باعتبارها قضية قومية حساسة ولم تهتم بحرمة الإسلام والمسلمين .
- ونموذج آخر من التعاون بين الجماعات الإسلامية في القضية الأصولية والإعتقادية هو ما حدث في آخر عقد الثمانينات حيث ظهرت في ذلك الوقت جماعة شككت في الاستدلال بالسنة النبوية المطهرة ورفضتها كإحدى المصادر الشرعية الإسلامية ومرة أخرى تعاونت المنظمات الإسلامية في مواجهة هذه الجماعة الضالة
- وعقدت عدة مؤتمرات ومناظرات عامة تهدف إلى هدم هذه النظرية الباطلة وإبراز العقيدة الإسلامية السليمة كما طلبت المنظمات من الحكومة منع هذه الجماعة والقبض على زعمائها ولكن الحكومة لم ترفع أى دعوى عليهم بل سمحت لهم بتسجيل جماعتهم رسميا باسم " جماعة القرآن " التي لا تزال موجودة حتى الآن .
- ولعل آخر تلك النماذج العملية لاتحاد الجماعات الإسلامية وبخاصة في القضايا المبدئية والعقدية ما حدث في الأزمة الأخيرة التي ألمت بالحياة السياسية والاقتصادية بماليزيا وقضية أنور إبراهيم التي تعد نموذجا وتطبيقا واقعيا لمبدأ التناصر الإسلامية؛
- إذ على الرغم من المخالفة والمعارضة الشديدة حول تجربة دخوله للحكومة في ظل الحزب الوطني من قبل التنظيمات الإسلامية الأخرى في ماليزيا وفي مقدمتها الحزب الإسلامي إلا أن هذا لم يمنع من توحيد الموقف والدفاع عن حقوق أنور إبراهيم والمطالبة بالإفراج عنه واعتبار هذه نقطة انطلاق جديدة لإحداث التغيير الإسلامي المنشود ... ولا شك أن هذه النماذج لها دلالات بالغة الأهمية نسأل الله تعالي أن تتم الاستفادة منها أكثر في المستقبل القريب .
ثانيا: من ناحية المناهج
- الأمر المهم في أى تنظيم إسلامي هو أن يكون على منهج صحيح وواقعي وذلك بأن يضع منهجه بعد دراسة الواقع والظروف المحيطة به ثم يحدد أهدافه ووسائله بناء عليه وفي ماليزيا اتخذت المنظمات الدعوية مناهج مختلفة في الدعوة الإسلامية ومن خلال النظر في هذه المناهج نجد أنه يمكن تقسيمها على النحو التالي .
- القسم الأول: تنظيمات دعوية تتخذ منهجا يركز على مجال معين من مجالات الدعوة الإسلامية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية أو "بركيم" وجماعة التبليغ حيث تهدف جمعية بركيم إلى نشر الدعوة الإسلامية في المجتمع غير الإسلامي ولهذا فإن المنهج الذي تتبعه الجمعية يركز على أسلوب الحكمة واستعمال المجادلة بالتي هي أحسن تجنبا لإحداث فتن واضطرابات في المجتمع لوجود نسبة عالية من الشعب غير مسلمة في المجتمع الماليزي التعددي؛
- كما تتعامل مع قضايا الدين والثقافة بصورة منهجية علمية ناضجة من شأنها أن تشيع روح التسامح والتعايش بين مختلف الملل الدينية والهويات الثقافية أما جماعة التبليغ فهي تعتمد على منهج الوعظ ولهذا فهي تطبق وسائل معينة لا تخرجها من دائرة الوعظ والتذكير مثل الخروج في فترة محددة إلى المدن والقرى التبليغ الدعوة الإسلامية من مسجد إلى مسجد آخر وأخذت هذه الجماعة منهجها وأفكارها من جماعة التبليغ في الهند .
- أما القسم الثاني: فهو التنظيمات التي اتخذت منهجا شاملا لمختلف مجالات الدعوة الإسلامية وهذه يمكن تصنيفها إلى نوعين الأول: منظمات لها منهج لإصلاح المجتمع في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها دون تدخل في العمل السياسي منها جماعة دار الأرقم المحظورة وجماعة الإصلاح
- وقد انتهجت جماعة دار الأرقم خط التصوف في حركتها وذلك باهتمامها بالتربية الروحية وبممارسة الأوراد الخاصة بها وإحياء بعض مظاهر السنة النبوية الشريفة إلا أنها لم تهمل جوانب أخري في اختيار منهجها الدعوي؛
- وقد سبق أن ذكرنا عن نشاطاتها الدعوية المكثفة في المجالات المتعددة بما فيها التعليم والاقتصاد والإعلام وغيرها كما تتخذ جماعة الإصلاح في عملها الدعوي منهجا متعدد المجالات تركز فيه على الجانب التعليمي والاجتماعي والتربوي كما سبق ذكرها ووضعت الجماعة لكل مجال من هذه المجالات وسائل معينة
- ففي المجال التعليمي مثلا أنشأت الجماعة مدارس متعددة من المستوى الثانوي إلى مستوى الدبلوم كما تهتم الجماعة بالجانب التربوي في أنشطتها عن طريق الأسرة وقيام الليل والمخيم وغيرها .
- أما النوع الثاني فهو تنظيمات تعمل على إصلاح المجتمع والحكومة معا وتتدخل في العمل السياسي مثل الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي أو "أبيم" ولقد تحدقنا سابقا عن منهج الحزب الإسلامي الدعوي في مجالات التربية والتعليم والإعلام والاقتصاد والاجتماع وغيرها ؛
- فإن المنهج الصحيح المتكامل للدعوة في نظر الحزب يقتضي أن تتبني نظرة شمولية للحياة البشرية ولم يكن لدعاة المنظمات الإسلامية خيار في تبني هذه النظرة لمعنى الإسلام لأن الإسلام الذي شرعه الله منهج متكامل الجوانب فهو شامل لكل نواحي الحياة في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها .
- وفي مجال السياسة يتخذ الحزب الإسلامي كل ما يستطيع من أسباب مقبولة في الشرع لإقامة دولة مسلمة وإن النظام الديمقراطي الذي ترفع شعاره الدولة يتيح للحزب الإسلامي الوصول إلى الأهداف العظيمة مع المحافظة على إستراتيجية الأساسية كإحدى الحركات الإسلامية في ماليزيا ؛
- وفي حالة ماليزيا فإن مفهوم الفيدرالية كما هي ممارسة الآن لا يمكنه تجاهل ظاهرة تحول الرأي العام في عدد من الولايات لصالح الحركة الإسلامية كما هو الواقع حاليا في ولايتي كلناتي وترجانو . وتحدث مثل هذه الأمور عند توفر قدر من " الديمقراطية " ويلتزم الحزب الإسلامي حينها بانتهاج أسلوب المواجهة السلمية .
- أما حركة الشباب الإسلامي فيشمل منهجها الدعوى مجالات مختلفة كما سبق ذكرها حيث إن إطار الدعوة الإسلامية عند الحركة لا ينبغي أن ينتهي بتوعية الجمهور وإرشادهم إلى التعاليم الإسلامية وتربيتهم تربية إسلامية فحسب
- بل يجب على المنظمات الإسلامية أن تكمل منهاجها ببدائل إسلامية في مجالات متعددة كالتعليم والاقتصاد والتنمية وغيرها كما ترى الحركة أن المنهج الصحيح للدعوة الإسلامية ينبغي كذلك أن يشمل الناحية السياسية لأنها لا يمكن فصلها عن الدين الإسلامي .
- ويختلف المنهج السياسي الذي تتخذه أبيم عن منهج الحزب الإسلامي وكما هو معروف فإن حركة أبيم ليست حزبا سياسيا بالمعني التقليدي إلا أنها قوة سياسية مسيرتها إلا أن الكثيرين لا تسرهم المواقف السياسية للحركة إلى درجة أن البعض حاول أن يستفزها لتعلن عن نفسها كحزب سياسي ؛
- وفي نفس الوقت فإن آخرين يتهمونها بأنها لا تأخذ الإسلام في شموليته لأنها لا تتعامل مع القضايا السياسية وفق المنطق الحزبي وهؤلاء يغفلون في الحقيقة عن أن مبدأ " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " في الإسلام يتسع جدا بحيث يشمل النضال من أجل تكريس الأخلاق والمبادئ في الممارسة السياسية والوقوف ضد كل انحراف بالطرق السلمية الأخلاقية هذا بغض النظر عن التطورات الأخيرة التي لحقت بالحركة كما تقدم بيانه .
ثالثا: من ناحية الأهداف
- حددت كل التنظيمات الإسلامية في ماليزيا أهدافا لها سبق ذكرها في الفصلين الثاني والثالث والمتأمل في هذه الأهداف يجد أن فيها أهدافا مشتركة ومتفقا عليها كثيرا بين هذه المنظمات كما أن هناك أيضا نقاط اختلاف بين المنظمات الإسلامية الماليزية في تعيين أهداف خاصة لها نظرا إلى الفكرة التي تتبناها المنظمة أو الجماعة والأسلوب الذي تراه الأمثل إضافة لسبب تأسيسها وظروف نشأتها ؛
إلا أن الصورة المجملة للأهداف المشتركة بين التنظيمات الإسلامية في ماليزيا هي:
- ترسيخ معني العبودية لله وإفراده بالربوبية وتوحيده دون شرك وهذه هي القاعدة العظيمة في هذا الدين وهي أساسه وجوهره عليها يقوم كل عمل وبها ينهض كل تشريع وهدف التربية والبناء في الدعوة الإسلامية هو ترسيخ هذه القاعدة في ضمير الإنسان لتصبح حقيقة ويقينا في القلب وعقيدة وتصورا في الفكر ونشاطا وحركة في الحياة لتشمل الحياة كلها فتصدر عنها العبادات والأحكام والتشريع .
- نشر الدعوة والتعاليم الإسلامية المتكاملة كما جاء بها القرآن والسنة النبوية وذلك لتوعية المجتمع وإرشاده إلى الحياة الإسلامية الشاملة بالحكمة والحقيقة أن العمل لإرشاد المجتمع ليس فقط حديثا يدور في المجالس والندوات وآيات وأحاديث تردد مع المناسبات ولكنه يحتاج كذلك إلى التزام وعمل وجهد وبذل وطاعة وعبودية حتى تبارك الجهود وتتسع القدرة والطاقة وتتنوع المحاولات والأساليب في مدرسة الدعوة وميدان العمل الإسلامي .
- تربية الفرد المسلم تربية إسلامية صحيحة تتناول كل الجوانب الشخصية الروحية والعقلية والبدنية والسلوكية ويجب أن تبدأ التربية من البيت المسلم بتربية أفراده جميعا وفق منهج الإسلام ونظامه فينتج البيت للمدرسة وللمجتمع أفراده صالحين قادرين على أداء ما يجب عليهم نحو المجتمع المسلم الذي تسوده قيم الإسلام ومبادؤه وأخلاقه .
- توثيق الإخوة الإسلامية والتضامن بين المواطنين المسلمين في المستوى الفردي والعمل على الاتصال والتفاهم والتعاون الصادق بين المنظمات والجماعات الإسلامية في أمور متفق عليها على المستوى الجماعي أما الأمور المنهجية والجانبية التي تختلف فيها هذه المنظمات فهي لا تؤدي إلى الترفق والانشقاق العدائي فيما بينهم .
- تقديم المساعدات الخيرية للمجتمع لتخفيف مشكلاتهم في أمور دينية ودنيوية وقد اعتبر هذا الهدف نوعا من أسلوب الدعوة بالحكمة خاصة في المجتمع غير الإسلامي .
أما الأهداف التي اختصت بها بعض التنظيمات الإسلامية دون البعض فهي كالتالي:
- نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ويعتبر هذا النوع من الدعوة مهمة عظيمة بالنسبة إلى بعض المنظمات الإسلامية مثل الجمعية الخيرية الماليزية " بركيم " وجمعية " أوسيا " في ولاية صباح و " الحكمة " في سراواك وذلك لأن هذه الجمعيات تعمل في أواسط المجتمع التعددي في الديانة والأجناس .
- تنفرد جماعة التبليغ بأنها تطلب من أتباعها الخروج إلى الجولات الدعوية التبليغية وذلك بتخصيص أوقات معينة من حياتهم وترك كل ارتباطهم الدنيوية وقد استوردت هذا الأسلوب بكامله من منهج جماعة التبليغ في الهند وسبق الكلام عن هذا المنهج في المطلب السابق .
- العمل على إيجاد الدولة الإسلامية والتي تطبق شرع الله والقيم الإسلامية على الإنسان الدولة بصفاتها الإسلامية التي أبرزها إحقاق الحق وتطبيق العدل والإحسان والأمانة وغيرها والمنظمة الوحيدة التي نصت على هذا الهدف العظيم في دستورها هو الحزب الإسلامي ويعمل الحزب الإسلامي على تحرير الدولة من التبعية لأي تيار من التيارات السائدة في العالم الإسلامي واتخاذ كافة الوسائل المشروعة في سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير.
- تجميع قوة المسلمين وتجنيدها لدعم المجتمع الملايوي الإسلامي ورفع مستوى حياته الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية ولهذا الغرض قامت المنظمات الإسلامية بإيجاد البدائل الإسلامية في مجالات مختلفة ومن الجماعات المتقدمة في هذا المجال هي حركة الشباب الإسلامي "أبيم" والحزب الإسلامي وجماعة الإصلاح وإن هذه العملية بالنسبة إلى أبيم وجماعة الإصلاح هي من أهم الأساليب في أسلمة المجتمع والدولة .
ومهما كان الاختلاف بين التنظيمات الإسلامية الماليزية في تحديد أهدافها . والذي قد يبدو فيه نوع من القصور في جوانب معينة من العمل الإسلامي كما سيأتي التي لم تركز عليها التنظيمات الأخرى إلا أن هذه الأهداف يكمل بعضها بعضا وتصل في مجموعها إلى الهدف المنشود ولتحقيق هذه الأهداف الكبيرة لابد أن تكون للمنظمات الإسلامية وسائل كافية ومناسبة تؤدي إلى تحقيقها .
رابعا: من ناحية الوسائل
- الوسيلة هي التوصل إلى الشئ برغبة وهي العمل الصالح الذي يتقرب به الإنسان إلى ربه والوسيلة في مجال الدعوة إلى الله هي العمل الذي يقوم به الداعي إلى الله فيحقق به أهداف الدعوة إلى الله أو يستعين به للوصول إلى الهدف والوسائل العامة للدعوة الإسلامية وتبليغها للناس يمكن أن تجملها في ثلاث وسائل الوسيلة
- الأولي: التبليغ بالقول
- والثانية: التبليغ بالعمل
- والثالثة: التبليغ بالقدوة ولكل وسيلة من هذه الوسائل فروع ومفردات متعددة .
- أما وسيلة التبليغ بالقول فهي الجهاد بالكلمة واللسان وهي تتنوع إلى أنواع عديدة لا يغني بعضها عن بعض ويمكن تقسيم هذه الوسيلة إلى خطبة ومحاضرة ودرس ،ومناظرة ،ورسالة ،ومقالة ،وكتاب .
- أما وسيلة التبليغ بالعمل فهي تتناول ثلاثة مناشط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبدء والعمل الميداني لتغيير الواقع وإقامة المنشآت والمؤسسات الخدمية وأما النوع الثالث من وسائل الدعوة إلى الله فهو التبليغ بالقدوة وهي وسيلة عملية ناجحة تضع أمام الداعي صورة حية لما يدعو إليه حيث يقتدي المدعوة بسيرة الداعي وير فيه الأنموذج الجيد لما يدعو إليه ؛
- وبذلك ينجذب المدعوون إلى دعوة الله ويقبلون بشغف عليها شأن النفس البشرية حينما تجد الرفيق والشريك والمعين وقد استخدمت كل منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا هذه الوسائل الثلاث في عملها الدعوي مع تفاوتها في التركيز على وسيلة من هذه الوسائل كما سنوجز في هذا المطلب من خلال نماذج مختارة للمنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا وهي جماعة التبليغ وجمعية "بركيم" وحركة الشباب الإسلامي والحزب الإسلامي .
- أما جماعة التبليغ في ماليزيا فهي تسير وفق منهج جماعة التبليغ في كل أنحاء العالم الإسلامي ولهذا فهي تطبق نفس الوسائل التي تطبقها الجماعة في كل بقاع العالم وأول هذه الوسائل وسيلة الخروج إلى الأقطار والأمصار لتبليغ رسالة الإسلام وللوعظ والإرشاد
- ولذلك فهم يجمعون الأنصار ويسافرون من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية يخرجون أياما أو أسبوعا أو شهرا يبلغون دعوتهم ثم يعودون وهذه هي وسائل جماعة التبليغ في ماليزيا فنجد أنها طبقت الوسائل الثلاث ولكن بحسب منهج التبليغ الذي رسمته الجماعة لأتباعها في العالم
- ففي مجال الوسائل القولية اعتمدت الجماعة على وعظ الناس وإرشادهم عند الخروج إلى القرى والمدن كما ينشرون بعض المؤلفات لعلماء التبليغ التي تحث على فضائل الأعمال والتزام السنن أما في الجانب العملي من وسائل الدعوة فهم يركزون على الخروج في سبيل الله ويعتبرونه جهادا
- ويعتبرون النفر في سبيل الله أى الخروج للدعوة هو من المبادئ الستة التي جعلها مؤسس الجماعة أساس دعوة التبليغ وفي جانب القدوة كما هو معروف فجماعة التبليغ تهتم بهذا الجانب ويمثل أفرادها قدوة عملية خاصة في مجال العبادة والبذل في سبيل الدعوة .
- وأما جمعية " بركيم" فقد كان هدفها الأساسي دعوة غير المسلمين ولهذا استعملت وسائل الدعوة الثلاث ففي جانب القول والكلمة اهتمت الجمعية بتوزيع المنشورات التي توضح مبادئ وتعاليم الإسلام لغير المسلمين وبلغات مختلفة مثل الصينية والهندية والانجليزية ؛
- ومع تنظيم بعض الاجتماعات والمحاضرات للمسلمين الجدد من هذه الأجناس والبدائيين وفي جانب الوسيلة العملية فقد اهتمت بها الجمعية اهتماما أكبر وذلك لاهتمام الجمعية بدعوة البدائيين الذين يستجيبون للوسائل العملية أكثر من استجابتهم للقول والكلمة ؛
- فقدمت لهم الجمعية المساعدة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية ودعوتهم للإسلام من خلال البرامج التعليمية والتربوية ومن خلال الأعمال الخيرية والتبرعات المالية والمنح الدراسية لأبنائهم وفي مجال القدوة فقد أسست الجمعية معهد الدعوة بهدف تدريب الدعاة وإعدادهم كقدوات ومربين في مجال دعوة غير المسلمين أو تربية المسلمين الجدد منهم .
- وحركة الشباب الإسلامي كذلك نجد أنها قد طبقت الوسائل الثلاث ففي جانب الوسيلة القولية اهتمت الحركة بنشر مؤلفات فكرية ودعوية ركزت فيها على توضيح فكر الحركة وعملها لفئات المجتمع خاصة من المثقفين ولكن الملاحظ أن الحركة تركز تركيزا أساسيا على الجانب العملي في الدعوة الإسلامية ؛
- وذلك من خلال البدائل الإسلامية التي تطرحها الحركة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومحاولتها فرض هذه البدائل على أجهزة الحكومة من خلال التجربة التي خاضتها الحركة لأسلمة الاقتصاد والاجتماع وفي جانب القدوة نلاحظ اهتمام الحركة بتربية أعضائها تربية أخلاقية فكرية سلوكية وفي هذا المجال أنشأت الحركة مؤسسة الدراسات الإسلامية ومكتب أبيم التعليم اللذين يخدمان مصالحها التربوية .
- واهتم الحزب الإسلامي بوسائل الدعوة الإسلامية في المجالات المختلفة القولية والعملية والقدوة وفي هذا نجد أن الحزب الإسلامي بحكم اتساع قاعدته الشعبية وتعدد جوانب عمل الحزب قد اهتم بهذه الوسائل الثلاث اهتماما كبيرا ففي مجال الدعوة بالقول والكلمة قام الحزب الإسلامي بإعداد الدعاة وبإلقاء الخطب في المساجد وفي الندوات والاجتماعات التي يقيمها الحزب في مختلف المدن والقرى الماليزية
- وكذلك اهتم الحزب بالإصدارات الإسلامية التي تشرح وتبين أحوال الدعوة والمسلمين في ماليزيا وتوجه الناس إلى الحل الإسلامي الصحيح لواقع ماليزيا فبالإضافة إلى مؤلفات علماء الحزب وقياداته يصدر الحزب صحيفة " الحركة" ومجلتي " المسلمة" و" التمدن " وأسس الحزب المركز الإسلامي للإعلام .
- وفي الجانب العملي تعددت مناشط الحزب الإسلامي في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتربوية إذ إن هدف الحزب الأساسي هو العمل على إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الحكم الإسلامي لماليزيا فقام الحزب بالمشاركة في الحياة السياسية من خلال الانتخابات والعمل الشعبي بتوعية الجماهير سياسيا بأسلوب سلمي قانوني ؛
- كما اهتم الحزب بالتعليم من مرحلة الروضة إلى المعاهد العليا التي تقوم بالمهام التعليمية والتربوية وفي مجال الاقتصاد أنشأ الحزب المؤسسة التعاونية التجارية بفروعها المختلفة واهتم كذلك بالعمل الخيري والتطوعي والإغاثة خاصة من خلال الجناح الشبابي ؛
- أما في مجال القدوة والتربية فكما تقدم قد اهتم الحزب بالجانب التعليمي والتربوي حيث يوجد تحت إشراف الحزب حوالي ألف روضة للأطفال بالإضافة لإنشاء معهد " إلهام " في العاصمة والذي يختص بتأهيل العاملين في مجال الدعوة وإعداد الكوادر والقدوات في هذا المجال .
- وأخيرا فإن من المعلوم أن وسائل نشر الدعوة الإسلامية ليست ثابتة لا تقبل الزيادة أو النقص وليست توقيفية كذلك بل هي قابلة للتطوير والتحديث بما يناسب العصر في إطار المشروعية الإسلامية ولهذا تستخدم بعض التنظيمات الإسلامية في ماليزيا كالحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي ..
- وجماعة الإصلاح والحكمة وقسم التنمية الإسلامية الماليزية برئاسة مجلس الوزراء وسائل الإعلام الحديث كالـ" الانترنت" لنشر الدعوة الإسلامية والاتصال بدعاتها والمدعوين في داخل ماليزيا وخارجها عن طريق هذه الشبكة إن التغيير في الوسائل أمر واجب بسبب تغير الظروف وتبدلها سواء كانت هذه الظروف زمانية أم مكانية .
خامسا: التقويم العام لهذه المنظمات
إن الدعوة الإسلامية كأى عمل بشري يصيبه ما يصيب البشر من نقص واختلال في بعض مواطنه , وهذه سنة الله في خلقه والكمال لله ولدينه والدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا كغيرها من المنظمات الإسلامية في بلاد العالم الإسلامي تتصف بصفات إيجابية وسلبية وسأحاول بعون الله أن أتناول هذه الايجابيات والسلبيات بإيجاز من خلال هذا المطلب على النحو التالي :
أولا : الإيجابيات
إن تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا قد ساهمت مساهمة كبيرة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولعل من أبرز الآثار الإيجابية لهذه المنظمات ما نلخصه في النقاط التالية :
1- رفع مستوى العمل الدعوى وإعطاؤه الحجم اللائق به فلم يعد العمل الإسلامي هامشيا أو ضيقا محصورا في المساجد والزوايا والمدارس الدينية وليس حكرا على فئة معينة من الناس بل شارك الإسلامية في كل نواحي الحياة في التربية والتعليم والسياسة والاقتصاد والاجتماع وأثبتوا وجودهم في معترك الحياة . 2- تحقيق قدر لا بأس به من التعاون بين تلك المنظمات الدعوية الإسلامية خاصة في مجالات معينة كما هو الشأن في دعوة غير المسلمين , أو في الوقوف في وجه التيارات والأفكار المنحرفة المعادية للإسلام , كما في قضيتي الردة وجماعة القرآن كما تقدم . 3- الوقوف في وجه التحديات المتمثلة في المد الصيني والتنصيري الذي سعي بكل قوة إلى السيطرة على مقومات البلد خاصة في الاقتصاد بل يسعي الآن إلى السيطرة السياسية فكان للمنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا دور كبير في مواجهة هذه الأطماع في التوسع من خلال المنافسة الحقيقية في ميادين السياسة والاقتصاد وإعداد الخبرات الإسلامية في هذه المجالات كما هو منهج الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي ودار الأرقم , ومن ناحية أخرى اهتمت بدعوة غير المسلمين ومنهم الصينيين كما تقوم به الجمعية الخيرية الإسلامية ( بركيم ) مما يزيد من إقبالهم على الإسلام فتزيد قوة المجتمع الإسلامي في ماليزيا في مواجهة المد الصيني والتنصيري . 4- استجابة الحكومة لمطالبة المنظمات الإسلامية بتطبيق القيم الإسلامية في بعض أجهزة الدولة , وأصبحت الحكومة لا تستطيع تجاهل هذه المطالب لأن إهمالها في هذه القضية قد يؤدي إلى ميول الناخبين إلى الحزب الإسلامي في الانتخابات العامة ولذلك كلما زادت المنظمات الإسلامية ضغطها على الحكومة المركزية نجدها تحاول إقناع المسلمين ببعض المشاريع الإسلامية منها إنشاء مؤسسات دعوية خاضعة للحكومة بالتعاون مع جمعية بركيم , ورفع مستوى اهتمام وزارة التربية بتحسين وتطوير التعليم الديني الإسلامي في المدارس , وإنشاء كلية الدراسات الإسلامية في جامعة ملايا عام 1970 وغيرها . 5- إعادة ثقة المسلمين في ماليزيا بدينهم وعقيدتهم وصلاحية الإسلام كنظام متكامل يشمل كل جوانب الحياة من سياسة واقتصاد واجتماع , بعد أن غاب تطبيق شرع الله وأبعد عن الحكم في فترة الاستعمار البرتغال والهولندي والبريطاني , ثم الحكم العلماني في فترة ما بعد الاستقلال , وذلك من خلال إيجاد البدائل الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع كما فعلت حركة الشباب الإسلامي " أبيم " والتي كان لها دور بارز في مجال أسلمة العلوم في مختلف الجوانب , كما كان لها أنشطتها العملية في هذه المجالات بالمشاركة مع الحزب الإسلامي الذي ما فتئ يلح وينادي بضرورة تطبيق الإسلام في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
فهذه هي أبرز الآثار الإيجابيات التي يمكن استنتاجها من خلال النظر والتتبع لأعمال وجهود المنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا على اختلافها وتنوعها , وهذا لا يعني أن هذه المنظمات قد خلت من السلبيات وهذا ما نذكره في النوع الثاني
ثانيا : السلبيات
إن طبيعة العمل البشري هي القصور والنقص ولقد كان للتنظيمات الإسلامية في ماليزيا نصيب من هذا القصور والنقص كما هو الشأن في سائر تنظيمات الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي وسأحاول أن أبين أهم تلك السلبيات نصيحة أوجهها إلى كل العاملين في ساحة العمل الإسلامي في ماليزيا على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم ليأخذوها في الحسبان ويسعوا إلى تفاديها حفاظا على مبادئ هذا الدين ونشر تعاليمه وأخلاقه ومنهجه في كل حياة المسلمين ومن هذه السلبيات :
1- الاختلاف والتفرق بين هذه التنظيمات – رغم اتفاقها في الأصول والمبادئ والأهداف الكبيرة – ويظهر هذا خاصة في نقاط الخلاف التي يمكن اعتبارها من المسائل الجزئية كالاختلاف في بعض وسائل الدعوة أو في تقديم العمل السياسي أو التربوي أو الاجتماعي على غيره في مراحل معينة من مراحل الدعوة , وهذه وأمثالها في الفروع التي ليس لها أثر بالغ في مجمل سير الدعوة الإسلامية ما دام الاتفاق قائما على أهمية كل هذه الفروع , لكن التعصب لفكر جماعة معينة أو سوء الفهم لمنهج وأسلوب الآخرين قد يجعل أتباع هذه المنظمات يقومون بسلوكيات غير لائقة في حقل الدعوة الإسلامية , فللآسف رغم أن هذه المسألة قد تكون واضحة وفي حجمها الطبيعي لدي القيادات الموثوق بها لكنها ليست واضحة عند الأتباع وعامة الأفراد في هذه التنظيمات , وهذا أيضا يعتبر نقطة ضعف أخرى حيث لا يوجد وضوح في الرؤية متفق عليه بين القيادات والأتباع وهذا ربما يؤدي إلى اضطراب العمل والاختلال في سير الدعوة الإسلامية . 2- 2- النظرة الجزئية التي تنظر بها بعض التنظيمات إلى العمل الإسلامي فتحصر العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية في الجزئية التي رأت أنها هي الأهم أو أنها التي ينبغي أن توجه إليها الجهود , ورغم أن العمل الإسلامي في جانب من جوانب الدعوة الإسلامية لا يعتبر سلبية في حد ذاته إلا أن السلبية هنا تأتي من ناحية أن تلك التنظيمات – التي تتبني المنهج الشمولي في عملها – تنظر إلى غيرها ممكن يركز في غير تلك الجزئية على أنه على الخطأ أو أنه يسير على منهج غير صحيح أو يستعمل وسائل غير مشروعة فتبادر بإعلان المقاطعة والمخالفة بل أحيانا المعاداة بصورة مختلفة وبهذا يقع التنازع وهو من المخاطر الجسيمة التي تفسد الأعمال وتؤدي إلى ضعف الأمة كلها فقد قال تعالي : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم , واصبروا إن الله مع الصابرين ) 3- 3- تبنت بعض التنظيمات مناهج معينة في الجوانب السياسية أو الاجتماعية أدت بها إلى استخدام وسائل أو الخضوع لوسائل غير شرعية في بعض الأحيان ومن ذلك مثلا توسع حركة الشباب الإسلامي في العمل السياسي وانخراطها في الأنظمة الحكومية بناء على رأيها إمكانية الإصلاح من داخل الحكومة بل من داخل الحزب الحاكم نفسه أدي بها هذا إلى أن تخضع لسياسات علمانية مخالفة للإسلام وتعاليمه فرضتها عليها سياسة الحكومة التي اختارت الحركة التعامل معها مباشرة بل وتأييدها أحيانا في مواقف تعتبر مخالفة لأحكام الإسلام ولحدوده الشرعية , وكل هذا بناء على رأيها ومنهجها الذي اختارته كوسيلة للإصلاح, لكن هذا لا يسمح لها ولغيرها من المنظمات الإسلامية في كل زمان ومكان أن تستعمل للأهداف المشروعة رسائل غير مشروعة مهما كانت الظروف والأسباب وهذا موضوع يطول الخوض فيه إلا أن ما يمكن الإشارة إليه في هذه العجالة هو أن هذه التجربة لم تأخذ في الاعتبار - كما يلاحظ من تتبع سلوك معتنقيها – مآلات الأحداث إذ لم يكن بالخفي على أحد من المطلعين على شؤون الحكم في ماليزيا منذ مرحلة مبكرة ما تنتهجه الحكومة العلمانية من نهج استدراجي ذكي سعت من خلال لاحتواء الاتجاهات المناهضة لفكرتها تحت شعار القواسم المشتركة والتعاون على المصلحة الوطنية ونحوه من الشعارات التي هي في أمس الحاجة للتمحيص من قبل الحركات الإسلامية كافة ... فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني التي تجيد معظم الحكومات في العالم الإسلامي إتقان لعبتها ... فلا ينبغي للحركات الإسلامية أن تستدرج لمثل هذا إذ أنها تمثل قمة الوعي والنضج واليقظة في هذه الأمة التي أعيتها التجارب وأنهكتها المؤامرات ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . 4- 4- ضعف قدرة المنظمات الدعوية الإسلامية على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بسبب اختلافها وتفرقها , ومن أهم هذه المشكلات والتحديات 1: قلة الموظفين ذوي الكفاءة الإدارية وقلة الميزانية , وحركة الصهيونية التي تعادي الإسلام والتي تتحرك بأشكال مختلفة وتسعي لإفساد أخلاق المسلمين وخصوصا الشباب وكذلك مشكلات القيم الأخلاقية لأن شعب ماليزيا مكون من أجناس مختلفة وأديان متعددة ونسبة المسلمين منهم ليست عالية فالمحافظة على أخلاقيات المجتمع الملايوي المسلم تحتاج لاتحاد واجتماع الجهود الإسلامية وتعاونها في هذا السبيل . 5- لذلك فإن التعاون بين التنظيمات الإسلامية واتحادها أمر واجب ومهم جدا بالنسبة إلى العمل الإسلامي في ماليزيا التي تتميز بتعدد أجناس مجتمعها وبخاصة أن المسلمين في ماليزيا لا تكاد نسبتهم تتجاوز خمسة وخمسين بالمائة من جملة السكان , والتنظيمات الإسلامية في هذه الحالة في حاجة ماسة إلى الائتلاف ولو لم يكن من خلال تنظيم واحد , فيمكن أن يكون لكل جماعة تنظيمها الخاص فليست هذه دعوة لتوحيد التنظيم بقدر ما هي دعوة لتوحيد الكلمة والموقف تجاه قضايا الأمة ,فشرط هذا التعدد أن تتحد تلك الجماعات في الأهداف وتتعاون في المتفق عليه دون تنازع وتباغض لأن التنازع وفساد ذات البين من العوائق الخطيرة في العمل الإسلامي بل من المهلكات الموبقات والعياذ بالله .
ثانيا: المقارنة بين تنظيمات الدعوة الإسلامية على المستوى الخارجي
أولا : نقاط الالتقاء
تحدثنا سابقا عن كيفية دخول الإسلام إلى أرض الملايو عن طريق التجار العرب , وكيف كان تأثير حركة التجديد والإصلاح الديني في البلدان العربية في ظهور الدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا في العشرينات , فكان الإسلام في ماليزيا إذا نظرنا من ناحية التاريخ عبارة عن أحداث امتدادية لما وقع من تطورات إسلامية في البلدان العربية والإسلامية .
ذلك لأن ماليزيا ما كانت منعزلة عن تلك الأحداث والتطورات خاصة في مكة ومصر اللتين زارهما كثير من أبناء المسلمين الماليزيين لطلب العلم , وهؤلاء الطلاب بعد أن رجعوا إلى بلادهم قاموا بعملية التعليم والدعوة والتربية فيها وقاموا بنشر التعاليم الإسلامية في صورتها الحديثة متأثرة بالتجديد الديني .
وقد تغير وضع المسلمين الماليزيين عقب تحولهم في التعليم من المنهج الغربي إلى التعليم الإسلامي المتكامل خاصة مع ازدياد عدد المدارس الإسلامية الشعبية التي أنشأها العلماء الملايويون المصلحون في آخر السبعينيات والثمانينات ونتيجة لهذا التطور بدأ المسلمون في ماليزيا يستجيبون بحماسة لآراء مفكري الإسلام المشهورين مثل حسن البنا , وسيد قطب ,وأبو الأعلي المودودي وغيرهم رحمهم الله تعالي , من خلال مؤلفاتهم التي أثرت على العلماء المحليين والحياة الفكرية الإسلامية الماليزية تأثيرا جليلا عميقا .
وكانت الأفكار الإسلامية التي اقترحها هؤلاء المفكرون – خاصة الثلاثة المشهورون – كفكرة أن " الإسلام هو منهج الحياة " التي وضحها حسن البنا رحمه الله , والعدالة الاجتماعية الإسلامية " و" الجيل القرآني " أو " الجيل الصحابي " التي شرحها سيد قطب رحمة الله , والنظرية العالمية الإسلامية التي تبني على أساس التوحيد والسلطة الإلهية التي بينها أبو الأعلي المودودي , تنال إعجاب كثير من الدعاة المسلمين المحليين وتكمل فهمهم لدينهم لدينهم الإسلامي .
لذلك كانت الأفكار الإسلامية التي تبنتها التنظيمات الإسلامية الماليزية تشبه فكر ة الحركات الإسلامية في البلاد العربية والهند في المبدأ والاتجاه العام فيها , واكتسب المسلمون الملايويون هذه الأفكار والعلوم الإسلامية المتطورة عبر المحاضرات الدينية الرسمية وغير الرسمية والبرامج التربوية نحو الأسرة والكتيبة والتمرين والدورة وغيرها , ومن الكتب التي تستخدم كثيرا لنشر هذه الأفكار " مجموع الرسائل " للأمام حسن البنا ,معالم في الطريق " و" المستقبل لهذا الدين " و" في ظلال القرآن " لسيد قطب و " مبادئ الإسلام " و " الجهاد في سبيل الله " لأبي الأعلي المودودي هذا بالإضافة إلى تأليفات الإسلاميين الآخرين المشهورين مثل عبد القادر عودة , وحسن الهضيبي وأبو الحسن الندوي وغيرهم وبهذه الكتابات الفكرية المعاصرة استطاع الإسلاميون الماليزيون إدراك حقيقة التعاليم الإسلامية وصلاحيتها لتدبير العالم وحل جميع مشكلات الحياة الإنسانية , فردية أو اجتماعية , كما أنهم حاولوا تطبيق هذه الأفكار الإسلامية حسب إمكانياتهم المحدودة وفي أطر معينة.
والظاهر من خلال المتابعة لتطور الدعوة الإسلامية في ماليزيا وتأثرها بالحركات الإسلامية في العالم الإسلامي أن واقع الدعوة الإسلامية المنظمة الماليزية وتطورها في الوقت الحاضر على يد العلماء المصلحين الماليزيين الذين نشروا الوعي الإسلامي وفكرة التجديد الإسلامي منذ منتصف القرن السابق هو ثمار وآثار الاتصال مع الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي ؛
ولذلك فإن المشابهة بين الدعوة الإسلامية الماليزية والدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي (خاصة في الشرق الأوساط وجنوب الهند) لم تقتصر على الفكر والمبدأ فحسب بل هناك مشابهة بينهما في الأهداف والمناهج والوسيلة وسأحاول هنا عرض أوجه الشبه والالتقاء بين المنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا وبين أبرز المنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي .
فبالنسبة لمنهج جماعة التبليغ التي نشأت في الهند أصلا وانتشرت بعد ذلك في كل أنحاء العالم تقريبا قد وجد في ماليزيا أرضا خصبة حيث هناك نوع من الانسجام والتوافق بين أسلوب التبليغ وطبيعة البيئة التي يعيشها المسلمون الملايويون لهذا نلاحظ أنها حظيت بقبول لدي كثير من المسلمين الماليزيين خاصة في السبعينيات مع بداية ظهور الصحوة في ماليزيا إلا أن درجة الإقبال قد نقصت مع تطور الدعوة الإسلامية وتغير الظروف التي أصبحت تقتضي تغيير وتعديل كثير من أساليب ووسائل الدعوة بما يتوافق مع الظروف الجديدة ولكن يمكن القول إن التشابه تشابه تام بين منهج التبليغ في ماليزيا وبين منهجها في الهند وفي أكثر العالم الإسلامي وهذا هو المعروف عن جماعة التبليغ في كل مكان تقريبا .
أما بالنسبة للجماعة الإسلامية التي تأسست أصلا في باكستان على يد أبي الأعلي المودودي والذي كان له تأثير فكري كبير على العالم الإسلامي كله , ومن ذلك التأثير على الدعوة الإسلامية في ماليزيا , حيث انتشر فكر الجماعة الذي ينبني أساسا على أن الإسلام ليس نظاما فلسفيا محضا للحياة , بل هو نظام كامل تام للحياة , ومد لم نر نموذجا له ممثلا أمامنا فلن نتمكن أبدأ من تقديم أى خدمة للإسلام عن طريق الكلام ؛
ولهذا فقد شمل برنامج الجماعة الإصلاحي في أربع نقاط أساسية هي : تزكية الأفكار وتطهيرها وإصلاح ذات الفرد , وإصلاح المجتمع ,ثم إصلاح نظام الحكم وتلقي هذه الأفكار دعاة وعلماء ماليزيا بالقبول وذلك من خلال الطلبة الماليزيين الذين اتجهوا إلى الهند وباكستان لتلقي العلوم الشرعية فتأثروا بعلماء باكستان والهند الذين يحملون هذا الفكر وبعد رجوعهم دعوا إلى هذه الأفكار ؛
وكذلك انتشرت هذه الأفكار من خلال التواصل العلمي وانتشار مؤلفات المودودي وعلماء الجماعة الإسلامية في ماليزيا بل إن كثيرا من هذه المؤلفات قد ترجمت إلى اللغة الملايوية مثل كتاب الأستاذ المودودي " مبادئ الإسلام " وكتاب " الجهاد في الإسلام " ويظهر لنا الاتفاق جليا في أهداف معظم المنظمات الإسلامية الماليزية التي ترفع شعار شمولية الإسلام وتنادي بتطبيقه في أرض الواقع كما تقدم ذكره في نماذج هذه المنظمات الدعوية .
والتنظيمات الإسلامية الماليزية تلتقي مع جماعة "الإخوان المسلمون " التي ظهرت أولا في مصر ثم انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي وامتد تأثيرها لأكثر بلاد العالم الإسلامي , ومنها ماليزي , وتلقي علماء ودعاة ماليزيا أفكار هذه الجماعة بكثير من القبول خاصة فكرة شمولية الإسلام التي نادي بها حسن البنا أولا ردعا إليها من بعده تلاميذه وأتباعه وزادها توضيحا وشرحا كما فعل سيد قطب والهضيبي وعبد القادر عودة ومن بعدهم , وقد أخذ الدعاة الماليزيون من هؤلاء المفكرين فهم الإخوان للإسلام بالشمولية وعدم اقتصاره على جانب دون جانب , كما تأثرت المنظمات الماليزية بالمنهج الشمولي للإخوان في الدعوة للإسلام ابتداء من أركان الدعوة التي أسسها الإمام حسن البنا في رسالة التعاليم , وكذلك مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق كما رتبها رحمه الله بداية بإصلاح النفس ثم تكوين البيت المسلم وإرشاد المجتمع وتحرير الوطن من كل سلطان أجنبي وإصلاح وإعادة كيان الأمة الإسلامية والخلافة الإسلامية .
كما يتضح لنا الالتقاء بين التنظيمات الإسلامية الماليزية وبين جماعة "الإخوان المسلمون " في المنهاج التربوي , ففي مراحل الدعوة تسير المنظمات الإسلامية في ماليزيا وفق المراحل الثلاث للدعوة التي وضعها حسن البنا وهي : التعريف , التكوين , والتنفيذ كما أن وسائل التربية التي اعتمدت عليها معظم المنظمات الماليزية خاصة الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي وجماعة الإصلاح مأخوذة من المنهج التربوي للإخوان مثل : الأسرة والكتيبة ولا رحلة والمخيم وقيام الليل وغيرها من وسائل التربية وهذا الالتقاء الكبير مع "الإخوان المسلمون " لعل أبرز أسبابه مزايا تلك الحركة المباركة التي ملاءت أرجاء العالم الإسلامي في وقت كانت الأمة أحوج ما تكون لهذا البعث الحقيقي الحي الذي أنعش جسم الأمة المثخن بالجراح والمؤامرات وتداعي عليه الأكلة كما تداعي الأكلة على قصعتها , إضافة للتواصل العلمي بين ماليزيا ومصر باعتبارها مركزا من المراكز العلمية التي اتجه إليها كثير من طلبة العلم الماليزيين منذ فترة ما قبل الاستقلال والذين تأثروا بهذه الدعوة ونقلوها إلى ماليزيا كما كان لانتشار مؤلفات مفكري الجماعة وترجمتها إلى اللغة الملايوية أثر كبير كذلك على التنظيمات الإسلامية الماليزية .
أما عن حزب التحرير الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني (19099 -1979م) في أوائل الخمسينيات والذي ركز في عمله على الجانب الثقافي والسياسي حيث يري أن الأمم لا تنهض بالأخلاق بل بالأفكار كما ذكر الشيخ النبهابي في كتاب التكتل الحزبي فيمكن أن نقول إن تأثيره على منظمات الدعوة التكتل الحزبي فيمكن أن نقول إن تأثيره علي منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا كان محدودا وذلك ربما يرجع لسببين رئيسيين أولهما أن ظهور الحزب كان في فترة متأخرة قليلا ؛
حيث أن بدايته كانت في 1952 ولم ينتشر إلا بعد هذه الفترة والسبب الثاني أن انتشار الحزب كان مكثفا في الأردن وسوريا ولبنان ولم يكن لماليزيا اتصال وثيق مع هذه البلاد كما هو الحال بالنسبة لمصر والهند وباكستان فهذا سبب قلة معرفة هذا الحزب على الساحة الماليزية ورغم هذا فهناك التقاء واضح بين حزب التحرير وبعض منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا خاصة الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي في الهدف الأساسي , ألا وهو استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية واستخدام الوسيلة السياسية في تحقيق هذا الهدف.
ثانيا : نقاط الافتراق
ذكرنا في المطلب السابق كيف تأثير الدعوة الإسلامية في الشرق الأوسط على تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا , وكيف تأثرت الدعوة الإسلامية في ماليزيا بالدعوة في البلاد العربية والهند , وعلى الرغم من ذلك هناك بعض نقاط الاختلاف بينها لأن مناهج الدعوة ومخططاتها دائما تقوم على دراسة الواقع وفهمه , وواقع ماليزيا وظروفها يختلف اختلافا كبيرا عن واقع مصر والأردن وأغلب البلاد العربية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها وهذا هو السبب الرئيسي للافتراق بين المنظمات الماليزية وبين غيرها من المنظمات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية فليست المنظمات الدعوية الماليزية نسخة مكررة عن هذه الدعوات الإسلامية .
وإن نقاط لافتراق بين الدعوة الإسلامية في ماليزيا وغيرها من المنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي بخاصة في البلاد العربية تتركز في النواحي الاجتماعية والسياسية التي تسود ماليزيا مما جعل أكثر المنظمات الإسلامية الماليزية رغم اتفاقها مع أكثر التنظيمات الإسلامية الأخرى في الأهداف وفي كثير من الوسائل تستعمل وسائل مناسبة لظروف ماليزيا وأحوالها السياسية والاجتماعية ولهذا سوف أوضح أهم تلك الظروف من الجانبين الاجتماعي والسياسي واللذين كان لهما الأثر البالغ على أداء تنظيمات الدعوة الإسلامية الماليزية .
أولا : من الناحية الاجتماعية
إن ماليزيا بلد ذو تركيبة اجتماعية ثقافية دينية معقدة , لأن شعبها يتألف من عدة أجناس مختلفة منهم الملايويون والصينيون والهنود وجنسيات أخري قليلة والمسلمون فيها لا تكاد نسبتهم تتجاوز خمسة وخمسين بالمائة من جملة السكان , ومع ذلك يملك المسلمون السلطة السياسية الفيدرالية والإسلام هو الدين الرسمي للدولة وهذه الظروف الاجتماعية التي تحيط بماليزيا قد لا تجد لها مثيلا مقارنا في غيرها من بلاد المسلمين .
وفي مثل هذه الحالة لابد للجماعات الإسلامية أن تكون لها خطة مناسبة لتحقيق التفوق الإسلامي والمحافظة عليه بإدخال غير المسلمين إلى الإسلام وتكثير سواد المسلمين , ذلك لأن كثافة غير المسلمين قد تعرض السكان المسلمين للخطر وتؤدي إلى اضطرابات قومية في المستقبل , ولا سيما أن الصينيين هم الذين يمثلون نسبة عالية من السكان غير المسلمين , وهم المسيطرون على زمام الاقتصاد في البلاد , ولهم فكرة سياسية تعرف بفكرة الصين الكبرى وهي حلم تحلم به الدولة الشيوعية الصينية ولها سعي حثيث في تحقيق هذا الحلم .
لذلك تهتم التنظيمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا بنشر الدعوة بين المجتمع غير الإسلامي اهتماما بالغا , وتساهم في ذلك منظمات إسلامية مختلفة تركز على هذا العمل الدعوي نحو جمعية " بركيم " و" أوسيا , كما شكلت معظم الجماعات الإسلامية على المستوى القومي نحو حركة الشباب الإسلامي والحزب الإسلامي لجانها الخاصة التي تعمل في هذا المجال وهذه الأنشطة الدعوية وربما لا تجدها في المنظمات الإسلامية الأخرى في العالم الإسلامي إلا بقدر محدود .
ثانيا : من الناحية السياسية تمارس ماليزيا العملية الديمقراطية والتداول على السلطة عبر الانتخاب والاحتكام إلى صناديق الاقتراع منذ أن حصلت البلاد على استقلالها عام 1957.
وهذا النظام الديمقراطي يمنح الجماعات الإسلامية قدرا من الحرية في حركتها ما دامت هذه المنظمات لم تتورط في إحداث اضطراب ولم تمس الأمن القومي الماليزي , كما أن هذا النظام يفتح المجال لمشاركة التنظيمات الإسلامية في الانتخاب والسيطرة على أى ولاية فازت فيها هذه التنظيمات ولعل هذا من أبرز أشكال الاختلاف بين التنظيمات الإسلامية الماليزية وبين غيرها من التنظيمات الإسلامية في العالم الإسلامي ؛
إذ أن وسائل الدعوة كما تقدم تخضع لتغير الظروف والبيئات , فهنا نلاحظ أن تغير الظروف السياسية بين ماليزيا وغيرها من البلاد الإسلامية أثر تأثيرا مباشرا على الوسائل التي تستعملها التنظيمات الماليزية في المجال السياسي .
وعلى عكس بعض تجارب الانفتاح والتعددية السياسية في المنطقة العربية لم يستبعد الإسلاميون في ماليزيا من العملية الديمقراطية والتنافس مع الأحزاب الوطنية الأخرى عبر صناديق الاقتراع بشكل مباشر , كما هو الحال مع الحزب الإسلامي الذي استمر منافسا قويا للحزب الحاكم منذ الخمسينيات , ولم يكن موقع الحزب الإسلامي في العملية الديمقراطية عبر دوراتها الانتخابية المتتالية مجرد هامش لإضفاء " ديكور " ديمقراطي على النظام السياسي بل شارك هذا الحزب في الائتلاف الحاكم كما حكم – منفردا - بعض الولايات مثلما هو الحال الآن في ولاية كلنتن وتعتبر كلنتن الآن من أنجح الولايات الماليزية في محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر الدعوة الإسلامية .
كما قبلت الحكومة بإدخال المزيد من المبادئ الإسلامية على الحياة الماليزية نتيجة لمطالبة الحركات الإسلامية نحو الحزب الإسلامية وحركة الشباب الإسلامي , أما حركة الشباب الإسلامي فعلي الرغم من أنها لم تطرح نفسها كحزب سياسي بالمعني التقليدي فإنها ذات أثر واضح على مجمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية في البلاد , وقد تعزز نفوذها خلال عقد الثمانينات ومطالع التسعينيات في ظل أجزاء المشاركة التي توافرت لها مع الحزب الوطني هذا وليس أثر مشاركة الإسلاميين في ماليزيا بأشكالها ومستوياتها المختلفة أثرا سطحيا أو عابرا على بنية الحكم وتوجهاته وسياساته , بل إنه العكس في عملية متأنية ومتدرجة لأسلمة الحياة العامة في جوانبها الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية .
أما ما حدث لحركة الشباب الإسلامي " أبيم" أخيرا من اعتقال رئيسها السابق أنور إبراهيم وكثير من أنصاره فليس دليلا على تأثر الحياة السياسية في ماليزيا أو تغير الظروف لأن تجربة أنور إبراهيم في العمل السياسي تختلف عن تجربة الحزب الإسلامي السياسية التي لا زالت تحقق نجاحا كبيرا حتى الآن , أما تجربة أنور إبراهيم فقد كانت من داخل الحكومة نفسها , ثم إن ما حدث كان لأسباب خارجية مثل المنافسة بين أنور إبراهيم ومحاضر محمد على القيادة وجمع التأييد من الجماهير واختلافه مع محاضير في أسلوب معالجة الأزمة الأخيرة وهذه الظروف قد تختلف عن أوضاع بعض البلاد العربية في السياسة بما فيها من تضيق وتهميش للديمقراطية أثر على عمل دعاتها في العمل الإسلامي .
كما أن النهج المسلح الذي نهجته بعض الجماعات الإسلامية في البلدان العربية وغيرها لم يكن يتوفر له من المبررات في ماليزيا ما توفر لغيرها بصرف النظر عن شرعيته التي تختلف باختلاف الظروف والإمكانات ولم يحظ باهتمام التنظيمات الإسلامية في ماليزيا حيث إن المجال للعمل السلمي السياسي القانوني مفتوح , وقد نجح الإسلاميون هناك في تحقيق كثير من المكاسب في هذا المجال بالإضافة إلى أن التعدد الذي هو طابع المجتمع الماليزي يجعل من الصعب جدا الإقدام على مثل هذه الحركات المسلحة حيث ستؤثر على باقي الأديان والأجناس الأخرى التي يتكون منها المجتمع الماليزي وهذا ليس في صالح الجميع .
الفصل الخامس:قراءة في نتائج الانتخابات العامة للعام 1999 ومع الحركة الإسلامية فيها لقد جاءت الانتخابات العامة في ماليزيا للعام 1999م – في مجملها – مؤثرا للواقع الذي وصلت إليه الأوضاع السياسية وتداعياتها الأخيرة التي وضعت الحياة العامة في موقع لم تشهده من قبل – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – وهذا من ناحية
ومن ناحية أخري جاءت هذه الانتخابات معبرة عن التغير الواضح والصريح في مفاهيم الإسلام والدعوة الإسلامية لدي الغالبية العظمي من مسلمي ماليزيا وظهر ذلك من خلال الإقبال الكبير الذي لاقاه المشروع الإسلامي الذي قدمته الحركة الإسلامية في ماليزيا من خلال برنامجها في الحملة الانتخابية الأخيرة مستغلة آثار ونتائج الظروف التي مرت وتمر بها البلاد والتي هيئت لها مناخا مناسبا جدا لعرض ذلك البرنامج بوصفه المخرج والسبيل الوحيد – إسلاميا – للخروج من هذه الأزمة التي هي في حقيقتها ليست نتيجة لأحداث الأزمة الاقتصادية وما رافقها من مشاكل وتغييرات جوهرية بقدر ما هي نتيجة طبيعية للنهج العلماني الذي تسير عليه الحكومة المركزية رغم تسترها ببعض الشعارات البراقة والخدع السياسية التي انطلت على الجماهير فترة طويلة من الزمن مع كون الأحداث والتطورات الأخيرة هي – كما يقال – القشة التي قسمت ظهر البعير حيث كان لها دور كبير في كشف وتعرية سياسات وبرامج الحكومة التي كانت تنتهجها سابقا وبخاصة تلك التي واجهت بها الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بماليزيا منذ عام 1997م والتي كان من تداعياتها الخلاف الكبير الذي نشب بين رئيس وزراء ماليزيا الدكتور محاضير محمد ونائبه أنور إبراهيم والتي أسفرت عن اعتقال الأخير وتلفيق التهم إليه بصورة لم تكن متوقعة وفي وقت حرج أثار ذهول المراقبين والمحللين السياسيين المحليين منهم والأجانب.
ولنحسن قراءة نتائج هذه الانتخابات الأخيرة قراءة منهجية صحيحة للوصول بعد ذلك لتحديد الموقع الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية بعامة في ماليزيا ممثلة في الحزب الإسلامي الماليزي فإنه لتحقيق ذلك لابد لنا من البدء أولا بعرض تلك النتائج مع إيجاز لأهم التحليلات السياسية التي صدرت عن مختلف الأطراف المعنية حول تلك النتائج وتتبع ذلك بمحاولة تحديد موقع الحركة الإسلامية في ماليزيا سياسيا ودعويا وما مدى نجاحها في تحقيق الأهداف المنشودة ثم تقييم عام نبدي فيه أهم الملاحظات والاستنباطات حول كل ذلك مما ينبغي التركيز عليه والاهتمام به والاستفادة منه في هذه التجربة الحركية التي تعيشها ماليزيا بوصفها إحدي الحركات الإسلامية العاملة في الساحة مما يمهد بدوره للقارئ والمتتبع لسير الحركة الإسلامية – في العالم الإسلامي بعامة وفي ماليزيا بخاصة – الطريق لفهم هذه التجربة ومواطن الاستفادة منها في العمل الإسلامي وبخاصة في الميدان السياسي مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الظروف والملابسات من بلد لآخر , وتحقيقا لهذا الغرض جاءت إضافة هذا الفصل أخيرا بعد أن تم الفراغ من إعداد هذه الأطروحة وبعد مناقشتها بهدف تتميم الصورة وربط الأحداث والأسباب بمسبباتها والنتائج بمقدماتها فكان هذا الفصل الخامس على النحو التالي :
- عرض نتائج الانتخابات وتحديد موقع الأحزاب والتكتلات السياسية المشاركة فيها . - ردود الفعل حول نتائج هذه الانتخابات وتقييمها وموقف وسائل الإعلام من ذلك . - تحديد موقع الحركة الإسلامية سياسيا ودعويا بعد هذه الانتخابات مع تقييم موجز لذلك .
نتائج الانتخابات العامة في ماليزيا للعام 1999م ومواقع الأحزاب والتكتلات السياسية المشاركة فيها
نظام الانتخابات العامة في ماليزيا:
تعقد الانتخابات العامة في ماليزيا بصفة دورية في مدة أقصاها خمس سنوات يحق لكل الأحزاب السياسية المسجلة بصورة رسمية لدي " سجل المؤسسات " تحت إدارة الحكومة المركزية , وتعقد هذه الانتخابات على مستويين على مستوى الولايات حيث يتم الاقتراع على مجالس الولايات التي تعرف بـ " المجالس التشريعية الولائية " والتي تتوزع على مناطق انتخابية يتم تحديدها من قبل الهيئة الانتخابية التي تدير شؤون الانتخابات , وعلى المستوى المركزي ( الاتحادي ) يتم أيضا الانتخاب للبرلمان المركزي الذي يعتبر السلطة التشريعية الأولي في ماليزيا ويضم مجلس الأعيان والنواب , وتتداخل المناطق الانتخابية للمستويين إلا أن مناطق انتخاب البرلمان المركزي أوسع بحيث قد تضم تحتها ثلاث أو أربع مناطق من مناطق الانتخابات على المستوى الولائي .
ويتم تشكيل الحكومات على مستوى الولايات بحسب الأغلبية التي تحصل عليها الأحزاب المتنافسة على مستوى مجالس التشريعية للولايات , وأما على المستوى المركزي فإن الأغلبية تعتبر بحسب الأغلبية التي تحصل عليها الأحزاب في انتخابات البرلمان المركزي , وبناء عليه فإنه يحق لأي حزب أن يتفرد بحكم الولاية التي حقق فيها الأغلبية ولو لم يكن له وجود في البرلمان المركزي كما أن الحزب الذي يحقق أغلبية بثلثي مقاعد البرلمان فإنه يشكل الحكومة المركزية (الاتحادية)
نتائج انتخابات 1999.
كما سبقت الإشارة أن هذه الانتخابات قد جاءت دليلا واضحا لما وصلت إليه الأوضاع في ماليزيا وسنعرض هنا النتائج التي أسفرت عنها لنقوم بعد ذلك بقراءتها بإذن الله تعالي وستكتفي هنا بذكر نتائج الأحزاب التي كان لها وجود وحققت نتائج إيجابية ونحيل في الباقي على الملحق الخاص بذلك في نهاية البحث , وذلك على النحو التالي :
أ- نتائج انتخابات المجالس التشريعية على مستوى الولايات :
1- حصلت الجبهة الوطنية بقيادة الحزب الحاكم UMNO على 280 مقعد في جميع الولايات الماليزية وذلك من أصل 394 أى ما نسبته 71,06% تقريبا . 2- حصل الحزب الإسلامي PAS على 98 مقعد في تسع ولايات من أصل 11 ولاية أجريت فيها انتخابات المجالس التشريعية على مستوى الولايات وهذا العدد يعادل ما نسبته 24,87% 3- حصل حزب DAP على 11 مقعدا وذلك في خمس ولايات أى ما نسبته 2,79 %. 4- حصل حزب العدالة على 4 مقاعد وذلك في أربع ولايات أى ما نسبته 1,01%. ب – نتائج انتخابات البرلمان على المستوى المركزي : 1- حصلت الجبهة الوطيةBN على 147 مقعدا من أصل 193 مقعدا أى ما نسبته 76,16% وذلك في جميع ولايات ماليزيا ما عدا ولاية ترنجانو حيث لم تحصل الجبهة الوطنية فيها على أى مقعد بينما حصلت في ولاية كلنتن على مقعد واحد فقط . 2- حصل الحزب الإسلامي على 27 مقعدا , وذلك في أربع ولايات : كلنتن وترنجاتو وقدح وبيراق أى ما نسبته 13, 98% 3- حصل حزب DAP على 10 مقاعد وذلك في أربع ولايات أيضا أى ما نسبته 5,18% 4- حصل حزب العدالة على 5 مقاعد وذلك في ثلاث ولايات أى ما نسبته 2,59%. ج- ملاحظات عامة على نتائج الأحزاب وتوزيع مناطق النفوذ بعدها . 5- أولا : بالنسبة للجبهة الوطنية بقيادة الحزب الحاكم نلاحظ أنها قد فازت بالنصيب الأكبر من المقاعد على المستويين الولائي والمركزي ولكنها في الوقت نفسه حققت تراجعا واضحا في هذه الانتخابات عما حققته في الانتخابات السابقة حيث تراجعت حصف تحالف الجبهة الوطنية الحاكم الذي يضم 13 حزبا على مستوى البرلمان المركزي من 162 مقعدا في انتخابات عام 1995 م إلى 148 مقعدا عام 1999م وانخفضت نسبة من صوت لها من الناخبين من 65% عام 1995 إلى 56 % عام 1999م . 6- أما التحالف المعارض فقد أحرز تقدما وإن كان أقل من المتوقع فقد كسب 42 مقعدا برلمانيا موزعة بين الحزب الإسلامي الماليزي مقعدا وحزب العمل الديمقراطي مقاعد وحزب العدالة الوطني مقاعد كما أن الحزب الوطني قد خسر إضافة لذلك عددا كبيرا من كبار المسئولين وفي مقدمتهم خمسة من الوزراء ( في درجة وزير ) : 7- 1- مصطفي محمد وكان يشغل منصب وزير المالية الثاني وهو في الوقت نفسه وزير تنمية التجارة . 8- أنور موسي وزير تنمية الريف . 9- وإن مختار أحمد كبير وزراء ولاية ترنجانو ( حاكم الولاية لمدة خمسة وعشرين عاما ) 10- عبد الحميد عثمان , بمنصب وزير في رئاسة الوزراء وهو القائم بأعمال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . 11- ميجت جنيد ميجت أيوب , وغيرهم من المسئولين السابقين في القائمة الانتخابية للحزب الوطني الحاكم .
وأيضا نلاحظ أن تركز مناطق النفوذ للجبهة الوطنية كان في مناطق وسط وجنوب وشرق ماليزيا وبخاصة في ولايات : جوهر وسلنجور وسرواك وصباح ونجري سمبيلان وملاكا وبينانج حيث كانت سيطرة الجبهة قوية جدا في هذه الولايات وهي ولايات ذات أغلبية غير مسلمة من المالايو – العرق المسلم في البلاد – لكن نسبة تلك السيطرة تتناقص وتتراجع بشكل كبير وواضح في الولايات ذات الأغلبية من المسلمين مثل كلنتن وترجانو وبهنج وقدح كما يظهر ذلك من خلال الملحق الخاص بذلك .
وقد يظن القارئ لأول وهلة أن هذا الفوز يعطي مؤشرا صريحا لقوة ونفوذ الجبهة الوطنية في ماليزيا وأنها تتمتع بقبول واسع على مستوى الشعب الماليزي إلا أن هذا الحكم قد يبدو متسرعا إذا ما أخذنا بالاعتبار عدة أمور هامة هي :
1- قوة التمكن والسيطرة من قبل الجبهة الوطنية بعامة ومن قبل الحزب الوطني الحاكم بخاصة في الفترة السابقة وذلك منذ استقلال وبداية تأسيس دولة ماليزيا على يد الاستعمار الانجليزي كبديل له في البلاد , ولا يخفي ما يدل عليه هذا الانفراد بالسلطة ولفترة طويلة من الزمن من ترسيخ وتثبيت للجذور في جميع نواحي الدولة ومجالات الحكم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بحيث انصبغت الحياة برمتها – أو كادت – بصبغة علمانية متجذرة ليس من السهل اقتلاعها مهما كانت القوة المقابلة وبخاصة إذا كانت قوة مضطهدة ومضيق عليها ومحاربة بشتي الوسائل والطرق كما هو الحال مع الحركة الإسلامية في ماليزيا أو غيرها من البلاد . 2- السيطرة التامة على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقرؤة والتي كانت السلاح الأقوى ويكاد يكون الوحيد والأخير بيد السلطة الحاكمة للتأثير على أفراد المجتمع الذي يعاني من الأصل من ضعف فهم لكثير من أمور الدين والدولة وكيف تدير دقتها حكومة البلاد , وهذا الدور الخطير الذي لعبته وسائل الإعلام لم يكن نزيها على الإطلاق وهذا مما لا يخالف فيه منصف إذ كانت الحملات المغرضة وتلفيق الاتهامات جزافا والتأويلات الباطلة لقادة الحركة الإسلامية وأساليب الاستهزاء والتهكم والسخرية برموز الحركة في وسائل الإعلام وبصفة يومية تقريبا إضافة لخطط أخرى مدروسة بعناية تهدف لتشويه برنامج الائتلاف المعارض بقيادة الحزب الإسلامي واستغلال أدني الثغرات وتصيد الهفوات , ولعل من ذلك ما تعرض له البرفسور هارون دين – من قادة الحزب الإسلامي – في ولاية برليس عندما كان يخطب الناس مبينا أن سياسات الحكومة ومنهجها في التعامل مع حكومات الولايات التي تظهر التأييد والدعم للحركة الإسلامية فإنها تحاصر ويضيق عليها من قبل الحكومة المركزية حتى ترجع عن هذا التأييد وأضاف مازحا أن هذه السياسة قد تدفع بمواطني الولاية إلى المطالبة بالخروج عن كيان الدولة إذ لم يعد لذلك معني في ظل القهر والظلم والتعسف الذي تعاني منه المجالس الحاكمة في بعض الولايات , فلتقفت هذه الكلمة وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأولتها وحملتها أكثر مما تحتمل واعتبرت أن هذا بمثابة الدعوة للخروج عن الحاكم , وغير ذلك من التأويلات والتهم والمؤامرات. 3- الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد كان مردود سلبي على تفكير فئة من المجتمع الماليزي حيث كانت سببا لأن يصوت هؤلاء لصالح الحزب الحاكم ظنا منهم أن ذلك هو الذي يحقق نعمة الاستقرار في البلاد ويجنبها تقلبات وقلاقل هي في غني عنها في مثل هذه المرحلة , وبخاصة أن الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها أولا كانت تؤكد في كل مناسبة أن سبب ما نحن فيه هو الإسلاميون من أمثال أنور إبراهيم وغيره الذين يتسترون بالدين للوصول إلى أطماعهم وأغراضهم الشخصية وهذا ما هو مبثوث في وسائل الإعلام الرسمية إلى وقت قريب من بدء الحملة الانتخابية , ولا يخفي أن هذا تحذير ضمني للشعب ألا ينتخب أمثال هؤلاء وفي مقدمتهم مرشحو الحزب الإسلامي بخاصة والائتلاف المعارض بعامة , وقد قامت وسائل الإعلام بدورها في تغذية هذا التوجه ولو بشكل غير مباشر . 4- سبب آخر مهم وهو ما قامت به الحكومة من استبعاد عدد كبير من الناخبين قد يصل إلى مليون ناخب وذلك بتعجيلها لموعد الانتخابات بحيث أدي ذلك إلى منع كل من بلغ السن القانوني من أبناء الشعب الماليزي خلال هذا العام 1999م من الإدلاء بأصواتهم في هذه الدورة وفق ما ينص عليه نظام الانتخابات العامة في ماليزيا , وتزداد أهمية هذا السبب إذا علمنا أن هذه الفئة من المجتمع هي فئة الشباب وطلاب الجامعات والمثقفين من أبناء ماليزيا والذين كان من المؤكد أن أصواتهم ستنصب في كفة الائتلاف المعارض وبخاصة الحزب الإسلامي كما هو الظاهر للمتتبع لأوضاع البلاد بعد تلك الأزمة السياسية والتي خرج فيها هؤلاء الشباب والطلاب في مظاهرات ومجابهات واسعة مع الحكومة لم تشهد لها ماليزيا مثيلا من قبل .... فهذه الأسباب مجتمعة وغيرها مما قد يخفي على الكثيرين هو من أهم أسباب تحقيق الجبهة الوطنية لفوز كبير نسبيا إذ أنه يعتبر – كما سبق – تراجع في نفوذ الجبهة والحزب الحاكم مقارنة بالمرات الماضية . 5- ثانيا: بمقابل هذه النتائج للجبهة الوطنية التي أظهرت تراجعا واضحا عما كانت عليه في الانتخابات السابقة حقق الحزب الإسلامي تقدما كبيرا عما كان عليه في الانتخابات الماضية , وأبرز المناطق الجديدة التي ظهر فيها ذلك هي ولاية ترنجانو التي أحكم الحزب الإسلامي قبضته عليها بشكل شبه تام حيث حصل على المستوى الولائي على 28 مقعدا من أصل 32 , وعلى المستوى المركزي حصل على 7 مقاعد من أصل 8 وبذلك حق له تشكيل الحكومة في الولاية باستقلال تام وقد عين الشيخ حاج عبد الهادي أوانج كبيرا لوزراء الولاية إلى جانب مكانه في البرلمان المركزي كما أن الحزب الإسلامي حقق تقدما كبيرا في ولاية قدح وبخاصة على المستوى المركزي حيث حصل علي أغلبية المقاعد بحصوله على 8 مقاعد من أصل 15 مقعدا , كل هذا بالطبع إضافة للنتائج المتقدمة التي حققها الحزب الإسلامي في ولاية كلنتن – معقل الحزب – حيث حصل على الأغلبية العظمي في المستويين فعلي المستوى الولائي حصل على 41 مقعدا من أصل 43 , وعلى المستوى المركزي حصل على 10 مقاعد من أصل 14 , إضافة أيضا إلى نتائج الحزب في ولايات سلنجور وبرليس وبيراك وبهانج والتي إن لم تشكل أغلبية ولكنها تعتبر تقدما واضحا عما كان في الانتخابات السابقة حيث كانت السيطرة فيها تامة تقريبا للجبهة الوطنية , وبهذا يظهر بوضوح أن مناطق نفوذ الحزب الإسلامي هي الولايات ذات الأغلبية المسلمة وبخاصة من العرق الملايو الذي يتركز وجوده في هذه الولايات في شمال وغرب البلاد إضافة إلى وجود أقل في باقي الولايات . 6- لكن هذا لا يعني أن لا وجود للحزب الإسلامي في باقي الولايات ذات التكافؤ والتساوي بين جانب المسلمين وغيرهم من الديانات والأعراق الأخرى بلي إن هذه الانتخابات دلت على حدوث تغير كبير في توجهات تلك الفئات من مختلف الأعراق والأجناس وبخاصة الذين سلموا من إغراءات وخدع الحملة الانتخابية التي قامت بها الجبهة الوطنية في ظل ما تستحوذ عليه من إمكانات وما تنفرد به من وسائل وأجهزة مختلفة استطاعت من خلالها أن تزرع في أذهان وأفكار عدد كبير من هؤلاء الناس الذين لم يكن لهم أساس من دين أو حتى انتماء للوطن بل كانوا يغلبون المصالح الظاهرة والأغراض القريبة فلم يكن يعنيهم من الأمر أكثر من أن تستمر الأمور في المساء الذي يحقق لهم مصالحهم الشخصية والتي نالوا وعودا بها من قبل قيادات أحزاب الجبهة الوطنية وهذا مما لا يخفي علي أحد في الساحة الماليزية .
ردود الفعل حول نتائج هذه الانتخابات وتقييمها
وموقف وسائل الإعلام من ذلك
لا يخفي على أحد هذه النتائج تعتبر صعة كبيرة وانتكاسة واضحة للجبهة الوطنية وما ينطوى تحتها من أحزاب وتنظيمات قومية علمانية وليس أظهر من ذلك ما سبقت الإشارة إليه من انتصارات عريضة حققتها الحركة الإسلامية وبخاصة الحزب الإسلامي من خلال الائتلاف الذي خاص الانتخابات في مواجهة السلطة الحاكمة حيث انفرد الحزب الإسلامي بحكم ولايتي كلنتن وترنجانو انفرادا تاما إضافة إلى تحقيق نتائج أكثر إيجابية في ولايات أخري كانت تحت السيطرة الكاملة للحزب الوطني الحاكم منذ آماد بعيدة , ولهذا فإن ردود الفعل تجاه هذه النتائج وما تضمنته من تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية للبلاد كانت بطبيعة الحال متفاوتة متباينة فجاءت بين مقر معترف أو جاحد منكر من جهة وبين تذمر وتشاؤم أو تفاؤل واستبشار من جهة أخري .
فأما التفاؤل والاستبشار فقد كان هو رد فعل الكم الأكبر من أبناء ماليزيا المسلمين وفي مقدمتهم قيادات الحزب الإسلامي والحركة الإسلامية في ماليزيا بعامة وأما الإنكار والتذمر والجحود فقد كانت بطبيعة الحال من جهة الكتلة الوطنية العلمانية ممثلة أولا في الحزب الوطني الحاكم وبخاصة أولئك الذين سقطوا أمام مرشحي الحركة الإسلامية في عقر دارهم من وزراء ومسئولين كبار في الحكومة السابقة .
وقد تفاوتت ردود أفعال هؤلاء المنكرين فمنهم من اكتفي بمجرد الاستهزاء بما حققه الحزب الإسلامي والائتلاف المعارض وهذا هو الغالب والأكثر في التصريحات التي صدرت عن بعض قيادات الجبهة الوطنية , والبعض الآخر صب الشتائم وكال الاتهامات لأعضاء الحزب الإسلامي والحركة الإسلامية وهؤلاء قد أضروا بأنفسهم من حيث لا يشعرون إذ أن الشعب الماليزي بمختلف انتماءاته واتجاهاته وأعرافه يعلم مدي نزاهة هؤلاء الذين تكال لهم التهم والدسائس ؛
ولهذا فمن طعن في أمثال فضيلة الشيخ نئ عبد العزيز كبير وزراء ولاية كلنتن أو في فضيلة الشيخ حاج عبد الهادي بن أوانج كبير وزراء ولاية ترنجانو أو الأستاذ فاضل نور رئيس الحزب الإسلامي ورئيس كتلة المعارضة في البرلمان المركزي وأمثال هؤلاء المعروفون بالنزاهة والأمانة والبعد عن الفساد بأنواعه , وأما البعض فقد حاول أن يشتت وحدة صف الائتلاف المعارض الذي يتزعمه الحزب الإسلامي ؛
وذلك من خلال التصريحات أو التلميحات التي أبداها مسئولون في الحكومة الحالية ومنهم نائب رئيس الوزراء عبد الله بدوى حيث ذكر لوسائل الإعلام المختلفة أن الائتلاف المعارض الذي يتزعمه الحزب الإسلامي إنما كان مجرد خدعة أو مجرد غطاء استغله الحزب الإسلامي ليحقق لنفسه المكاسب الكبيرة التي توصل إليها كما تدل على ذلك نتائج الانتخابات التي كانت لصالح الحزب الإسلامي في أغلب المناطق التي انتصر فيها الائتلاف المعارض .
هذه التصريحات وغيرها من قبل المسئولين في الجبهة الوطنية ليس لها أثر تقريبا على الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم, كما لم يكن لها أثر كبير من قبل أعضاء وقيادات الحزب الإسلامي ويؤكد هذا الموقف ما صرحت به الدكتورة وإن عزيزة رئيسة حزب العدالة المعارض أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة لن تغير من موقفها وموقف حزبها من الائتلاف مع الحزب الإسلامي وأنها وأنصارها في الحزب لا يلتفتون لمثل هذه الدعاوى التي تطلقها جهات مسئولة في الجبهة الوطنية بهدف تفتيت وحدة الائتلاف المعارض خاصة بعد ما أظهره هذا الائتلاف من أداء متميز في حملته الانتخابية ؛
وذكرت الدكتورة وان عزيزة في حديثها ضرورة التفريق بين هذه التجربة التي يخوضها حزبها مع الحزب الإسلامي وبين التجربة السابقة التي خاضها الحزب الإسلامي عندما شكل ائتلافا مع حزب " الروح 46" بأن هذا الأخير هو في حقيقته ذو توجه علماني وهو في أصله منشق من الحزب الوطني ولذلك فهناك فرق بين بيننا وبينه في المنطلقات والأهداف وخلافنا معه جذري ولهذا فلا مجال للمقارنة بين التجربتين لأن بينهما اختلاف جذري ؛
وهذا الموقف الذي أعلنته الدكتورة وان عزيزة هو نفس الموقف الذي أعلن عنه قادة باقي أحزاب المعارضة المؤتلفة مع الحزب الإسلامي عقب الانتخابات إذ اجتمع هؤلاء مع قادة الحزب الإسلامي وقرروا استمرار الائتلاف وبقاء هذا التجمع رغم النتائج التي تحصل عليها مرشحوا تلك الأحزاب والتي لم تكن مرضية لتلك الأحزاب .
ومن جهة أخري كان لحملة الوسائل الإعلامية المختلفة ضد البرنامج الإنتخابي للائتلاف المعارض وضد الحزب الإسلامي بخاصة مردود إيجابي على النتائج التي حققها الحزب الإسلامي كما سبق الإشارة لذلك فقد نالت تلك التهم والادعاءات سخط أعداد كبيرة من أبناء الشعب الماليزي وبخاصة من الطبقات المثقفة والواعية لأوضاع البلاد وأحوالها السياسية والمطلعة على حقائق وخفايا ما كان يحاك ويدبر للحملة المغرضة ضد الاتجاه الإسلامي منذ مرحلة مبكرة من بدء الحملة الانتخابية للأطراف المتنافسة , وهذا ما أكده قادة الحزب الإسلامي عقب ظهور نتائج الانتخابات كما صرح بذلك المرشد العام للحزب الشيخ نئ عبد العزيز في أكثر من مناسبة .
ومن جهة أخري وفيما يتعلق بردود فعل الحزب الإسلامي نفسه عن نتائج الانتخابات صرّح الحزب باعتقاده أن هذه النتائج وإن كانت قد جاءت ضمن أهداف الحزب وسياساته الإصلاحية , وأنها جاءت على نحو من المتوقع والمستهدف إلا أنه في الوقت ذاته أكد أنها ليست نهاية المطاف بل إنها بداية الطريق الفعلي للوصول إلى أهدافه الإسلامية المنشودة واعتبرها بداية مبشرة لمرحلة قادمة أكثر استقرارا للبلاد وأكثر ملاءمة لإقامة أحكام الشريعة في إدارة دفة البلاد وتسير أمورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؛
وفي هذا الإطار وجه نائب رئيس الحزب الإسلامي الشيخ حاج عبد الهادي أوانج دعوة عامة لأعضاء الحركة الإسلامية عامة بين في أولها أن ما تحقق من انتصارات جديدة للحزب الإسلامي إنما هو في حقيقة الأمر وأولا وقبل كل شئ هو من نصرة الله تعالي , ثم لامتثال أمره عزوجل باتخاذ الأسباب المتاحة والعمل بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات لتحقيق الأهداف الإسلامية المرحلية وصولا لإقامة أحكام الشريعة على المستوى المركزي (الفيدرالي) لماليزيا كافة بإذن الله تعالي
وأضاف إن هذه الأسباب التي أخذنا بها وعملنا في إطارها لم تكن أسباب مادية وحسب بل هناك أسباب معنوية مهمة وذات أثر كبير وفي مقدمتها الدعاء والتوكل على الله تعالي في أعمالنا إلى جانب البذل والتضحية بالنفس والمال والوقت والجهد , وصرح الشيخ في كلمته أن الفوز لم يكن بتلك الصعوبة وبخاصة أن إقبال الناس على الإسلام
وعلى تأييد الحركة الإسلامية والانتماء إليها كان له دور كبير في تحقيق هذا الفوز ولكن الأصعب من تحقيق الفوز هو المحافظة عليه , وهي تعني أكثر من أن نحافظ علي المقاعد التي حصلنا عليها في الانتخابات بل تعني المحافظة على إقبال الناس على دين الله تعالي والتزامهم به واستعدادهم للتضحية في سبيله وفي سبيل إقامة أحكامه في المجتمع ليس في ولايتي كلنتن وترنجانو فقط بل في كل ماليزيا
كما أفاد أمرا مهما آخر جدير بالبيان وهو رد على ما يثار ضد برنامج الحزب الإسلامي في الحكم والسياسة حيث بين أن تبني الحزب الإسلامي لمشروع تطبيق الشريعة على مستوى ماليزيا لا يعني أنه بمجرد وصول الحزب إلى مركز السلطة سواء على المستوى الولائي أم على المستوى المركزي سوف يباشر القتل وقطع اليد والجلد والعقوبات بأنواعها ويسجن النساء في البيوت و.... الخ من التهم التي تلفق من قبل المغرضين
بل على العكس تماما فإن تطبيق السريعة هو " سفينة النجاة " لكل أفراد المجتمع بما في ذلك غير المسلمين لأن تطبيق الشريعة إنما يعني تهيئت كافة الظروف أولا وإعادة الحقوق والحريات لكافة أفراد المجتمع وتمكينهم من إبداء أرائهم والعمل وفق قناعاتهم بعد تعريفهم بالإسلام وأحكامه وحدوده وأخلاقه ونظامه الشامل لكل نواحي الحياة ؛
ثم بعد ذلك سيكون إعطاء كل ذي حق حقه ويكون ردع الظالم المعتدي أيا كان بالوسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية على الجميع بالتساوي وذلك عند توفر الشروط اللازمة لذلك وانتفاء الموانع , وهكذا فإن الأمر ليس بالفوضي المزعومة ولا بالكبت والاضطهاد والمصادرة للحريات التي هي مظاهر وأسس للنظام العلماني القائم حاليا كما لا يخفي على أحد في الوقت الراهن .
فنلاحظ في هذا التصريح ونحوه من رجال الحركة الإسلامية في ماليزيا المدى الذي وصل إليه الوعي الحركي والدعوى ومدي الفهم والاعتدال الذي يسير عليه العمل الإسلامي وبخاصة بعد الظروف الأخيرة التي مرت بها البلاد والتي شهدت نموا ملحوظا في التيار المعتدل المنصف الذي هو الأصل والغالب في جسم الحركة الإسلامية في ماليزيا كما شهدت تقاربا كبيرا بين مختلف الاتجاهات الإسلامية وتلاحما واضحا كان له دور بارز في النتائج التي تحققت على أرض الواقع , وهذا كما لا يخفي من تاريخ الحركة الإسلامية منذ مراحل متقدمة أن الضيق والشدة والمحن ما كانت تزيد الدعوة الإسلامية والعاملين فيها إلا صلابة وشدة في الحق وكذلك تزيد من ترابط الصف ووحدة الكلمة إذ أنه في مثل هذه الظروف يتميز الخبيث من الطيب ويظهر العدو الحقيقي مكشرا عن أنيابه ومصرحا بأهدافه ومراميه التي تفضحه أمام الجميع فلا يبقي مجال لمخلص إلا أن ينحاز إلى صف إخوانه المسلمين مؤيدا ومسددا وناصحا ومعينا .
تحديد موقع الحركة الإسلامية سياسيا ودعويا بعد هذه الانتخابات مع تقييم موجز لذلك
لقد سبقت الإشارة في ثنايا هذا الكتاب إلى أن الشعب الماليزي بطبيعيته يميل إلى التدين واحترام الدين والانقياد لأحكامه رغم ما قد يتصف به عدد كبير من أفراده – كما هو الحال في معظم بلاد المسلمين – من قلة معرفة بأحكامه أو خلل في الفهم بسبب مؤثرات خارجية ومؤامرات تحاك ضد الأمة الإسلامية برمتها , فهذا الجانب المميز لدي غالبية هذا الشعب كان ويتأمل أن يكون لها دور إيجابي وكبير في تمكين دعوة الإسلام في ماليزيا حتى بين غير المسلمين , فهناك جهود بذلت وتبذل لا يمكن إنكارها أو التنقص منها أو التقليل من شأنها لأجل إعادة الحكم الإسلامي لماليزيا وإقامة أحكام الله تعالي
وإن كان هذا ليس بالأمر السهل في الواقع ولكن بالعمل الجاد والمتواصل والمنظم والمحكم سيكون بعد ذلك التمكين كما وعد الله عزوجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا .. (النور 55)
لقد أخذ موقع الحركة الإسلامية في ماليزيا في الاتساع منذ مراحل مبكرة من النمو الذي شهدته أكثر بلاد العالم الإسلامي وقد اتخذ هذا النمو في الوعي الديني والحركة أشكالا متعددة وأنماطا مختلفة كما قد سبقت الإشارة في مباحث الكتاب إلا أن الوضع الذي وصلت إليه الحركة في هذه الفترة وبخاصة بعد الانتخابات الأخيرة يعتبر أفضل الأوضاع التي وصلت إليها على الإطلاق , وهذا ما تشير إليه بشكل مباشر نتائج الانتخابات حيث سجلت تقدما ملحوظا لنفوذ الحزب الإسلامي أوسع التنظيمات الإسلامية العاملة في ماليزيا , كما يشير إلى ذلك بشكل غير مباشر الأداء المتميز الذي أظهرته الحركة مع المتغيرات والظروف التي واكبت هذه الانتخابات والتي تنم – في الواقع – على سعة في الفهم وحنكة في استغلال الفرص والتعامل مع الآخرين , وهناك أمور هامة يمكن الخروج بها من خلال استقراء الواقع تدل على ذلك وتؤكده ومنها :
1- الائتلاف الإسلامي لكافة الجماعات والحركات الإسلامية العاملة على اختلاف مناهجها وتباين وسائلها وتفاوت نفوذها واتجاهاتها بشكل لم يسبق له مثيل والذي يعد من حيث الأصل ضرورة من ضرورات النصر والتمكين كما قال تعالي " وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " ( الأنفال 46) فكل الجماعات العاملة للإسلام مدعوة لهذا الأمر في كل أقطار العالم الإسلامي إذ أنه – كما لم يعد يخفي على أحد – فريضة شرعية وضرورة حركية لابد منها كمقدمة للتمكين لدين الله في الأرض , وبفضل الله تعالي وتوفيقه أولا وأخرا , وبما قدره الله تعالي من ظروف صعبة ومحن مرت بها البلاد كان لها دور كبير في تأييد الاتجاه إلى تقارب الصفوف وتوحيد الكلمة في مواجهة الأخطار الداهمة التي هددت وما زالت تهدد الوجود الإسلامي في ماليزيا , كما نلاحظ أن هذا التقارب والائتلاف كان في مرحلة مبكرة من ظهور الأزمة الأخيرة حيث كما سبقت الإشارة كان بداية الائتلاف المعارض الذي خاص الانتخابات هو ذلك الاجتماع الناجح الذي ضم كافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية في ماليزيا مما كان له دور كبير في إبراز القوة الإسلامية وإثبات الوجود الفعلي لها على الساحة السياسية وبالتالي كان له دور مؤثر في دفع بقية الاتجاهات المعارضة حتى من غير المسلمين إلى خطب رد الحركة الإسلامية والتقارب معها لإدراكها إنها هي الملاذ والملجأ الذي تحتمي به في مطالبتها بحقوقها وتحقيقها للعدالة والمساواة ورفع الظلم . 2- ولقد كان من ثمار هذا الائتلاف والاجتماع أن أصبح للحركة الإسلامية كيان واضح ووجود قوى لا يستهان به مما يضطر كل الأطراف الأخرى – بما في ذلك الجبهة الوطنية – لأن تتعامل مع هذا الكيان بصورة فيها نوع من الندية ووفقا للأمر الواقع وهذا بالنتيجة يعني فرض الوجود الإسلامي ومراعاة أحكام الشريعة ولو على مستوى القضايا الكبيرة فقط كقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وقضية التبعية للغرب ونحوها من القضايا الكبيرة التي لم تفتأ الحركة الإسلامية تجاهر بموقفها الحازم وتصر على بيانه أمام الجماهير كي لا تخدع وقد حققت في ذلك نتائج طيبة كان لها دور كبير في تنوير الرأي العام للمسلمين وتعبئته في اتجاه الرفض المطلق لكل أنواع الانخلاع من الأصول الإسلامية ونبذ الارتماء في أحضان الغرب والدوران في فلك القوى العظمي وصراع الأقطاب بلا ثوابت من دين ولا أسس من الحفاظ على الحقوق الوطنية والإسلامية والذي أضاعته الحكومات العلمانية المتعاقبة أو كانت مستعدة لذلك لو لا خشيتها من معارضة الحركة الإسلامية ومعارضة الرأي العام الذي تعبئه ضد هذا التوجه طيلة مراحل مختلفة إلا أن الحكومة بدأت تسفر عن وجهتها أخيرا بشكل أكبر مما سبق مع تنامي شعورها بالخطر من المد الإسلامي مما دفعها إلى الضرب وبيد من حديد على يد القوى الإسلامية والمؤيدين لها مهما كانت مستوياتهم وشعبيتهم حفاظا على وجودها أولا ووضع حد – في تصورها – لتنامي هذه الأفكار بين أفراد المجتمع .
3- وضوح الصورة لدي السواد الأعظم من أبناء المجتمع الماليزي بخاصة ولدي المجتمع الإسلامي والعالم بأسره بعامة عن حقيقة النظام العلماني وممارسته القمعية التي كان يخفيها متسترا بشعارات براقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب , حيث كانت تروج بأن لها توجه إسلامي في مختلف المجالات والميادين وأيدت بعض المشاريع الإسلامية التي لا تعدو أن تكون مجرد ذر للرماد في العيون وإن كانت – من باب الإنصاف – تعتبر نسبيا أفضل بكثير من غيرها من بلاد المسلمين الأخرى التي تعاني من ويلات القمع والكبت وأنواع الظلم والاضطهاد ولكن الفرق الحقيقي بين هذه الأنظمة وتلك هو طريقة التمثيل ومدى إتقان الدور , والدليل على ذلك في حالة ماليزيا واضح للعيان وبخاصة منذ أن بدأت تداعيات الأزمة السياسية واعتقال المؤيدين للمشروع الإسلامي بداية من نائب رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم مرورا بأتباعه وغيرهم من المعارضين لسياسات الحكومة التي تسعي لتأصيل العلمانية نهجا للحكم في ماليزيا .
إن هذا الأمر غاية في الأهمية إذ أنه يكشف عن المدى الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية من النجاح وتحقيق الأهداف من عدة وجوه لعل أولها النجاح الكبير الذي حققته الحركة في وضع الناس أمام الواقع الذي كان ملبسا عليهم في السابق وتجليه الغبش الذي كان يحيط بحقيقة الموقف العلماني من قضايا الدين الإسلامي الكبرى كما أنه يظهر مدى النضج الذي عليه تلك الحركة
حيث أنها رغم التصعيد المتعمد والمدروس من قبل أجهزة الدولة المختلفة إلا أنها لم تستثار بذلك ولم تدخل في مواجهات وأعمال عنف كما حدث في بلاد أخري كما أنها لم تحافظ على مواقعها فحسب بل إنها استطاعت بتوفيق الله لها أن تحقق تقدما ملحوظا على ما كانت عليه سابقا وغني عن القول أن ذلك ما كان ليتحقق لولا فضل الله أولا ثم الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلتها الحركة وعملها الدؤوب الذي كان علي مستوى من التنظيم والتخطيط أكسب الحركة مرونة واعتدالا
في نفس الوقت مكنها من تحصين موقعها بحيث لن يكون من السهل على أى جهة كانت اقتلاعها من هذا الموقع أو الانتقاص منه سواء في قبول الشعب الماليزي أم على مستوى نضج الصحوة الإسلامية التي تشهد كل يوم تطورا وتقدما جديدا .
بذلك تظهر لنا الملامح العامة للحركة الإسلامية والنمو الإيجابي لها على كافة المستويات وفي شتى المجالات تقريبا وهو كما في كل أنحاء العالم الإسلامي من المبشرات بقرب التمكين لدين الله عزوجل رغم تكالب الأمم والحكومات ورغم الدسائس والمؤامرات ورغم كل أشكال الابتلاء والمحن فإنه بشارة بقرب النصر بإذن الله تعالي لأن كل ذلك في حقيقته ؛
وفي الوقت نفسه علامة بينة ودليل ظاهر على النمو الإسلامي إلا أن كل ذلك لا يعفينا من أن تنظر في هذه النتائج وما أسفرت عنه وفي ما تحتاجه الحركة الإسلامية من جهد متواصل وعمل دوؤب وما تقتضيه ظروف المرحلة الحالية وتستلزمه لكي تكون الحركة في المكانة المرجوة منها نظرة تفحص وتدقيق وفق الواقع المشاهد والملموس لهذه الحركة التي شأنها في ذلك شأن كل الحركات الإسلامية في بلاد المسلمين تحتاج للتصويب والنصح والتوجيه وهذا ما سنحاول التعرض له في الفقرة القادمة في محاولة لتقييم الأوضاع الحالية ومستلزماته وما تفرضه من تكاليف وواجبات جديدة وما تؤكده من ثوابت ومبادئ ينبغي على الحركة ألا تهملها .
إن الحركة الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي هي معقد الآمال وهي صفوة الأمة وحصنها الحصين ودواء أدوائها وبلسم أمراضها وفيها – برغم كل ما ينتقد عليها – من صفات النبل والفضل والنزاهة وما يجعلها فعلا مؤهلة ومرشحة لإنقاذ الأمة بل والبشرية جمعاء وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله وهي في هذا العصر بخاصة صفحة المجد الناصعة في زمن الإنتكاسات والانهيارات والهزائم التي منيت بها أمتنا على يد ثلة من أهل الفساد أبعدوها عن دينها وحالوا بينها وبين منهج ربها ؛
فأبناء الحركة الإسلامية هم أخلص الناس للأمة وهم الذين يحملون همومها ويسعون لمجدها ويتفانون من أجل إعزازها ويتنافسون لتحصيل قوتها وسؤددها ومكانتها بين الأمم كما أنهم هم أهل الوعي النقي في عصر التلوث العقدي وهم أهل الأصالة في زمن البغاء الفكري وهم منارات الثبات والنصاعة بين المتفاخرين بأنوثة التلقي من أفكار الشرق والغرب فهم قد تميزوا بالاعتصام بالوحي في الوقت الذي ذابت فيها أفئدة كثيرة من حكومات وأبناء المسلمين على فتات موائد الشرق والغرب تتلمس خلاصها في وحول الماديات وتبحث عن مقوماتها ودعائمها في مستنقعات الإفرازات البشرية ؛
والدعاة الذين يقودون مسيرة الحركة الإسلامية المظفرة بإذن الله تعالي هم الذين يميزون بين الأصيل والدخيل فيثبتون على أصولهم ومبادئهم وينظرون بأبصارهم اليقظة وبصائرهم الواعية للاستفادة المستبصرة من كل جديد نافع فسيري المنصف المتجرد من خلال كل ذلك فضائلهم الكثيرة وكمالاتهم العديدة التي يطول المقام بحصرها .
ولسنا نعني بكل هذا مجرد الثناء والمبالغة في المدح فكل هذا ليس إلا حقيقة واضحة يلمسها الأعداء قبل الأصدقاء وتشهد بها حقائق الواقع وشواهد التلويح إلا أن ما نرمي إليه أبعد من ذلك , إذ أن هذه الصفات وتلك الكمالات التي تتصف بها الحركة الإسلامية ينبغي توفرها في أفراد هذه الحركة بقدر أكبر أو مكافئ على الأقل لتلك الواجبات العريضة الملقاة على كاهل أبناء الحركة وهم يواصلون تقدمهم من مرحلة إلى آخري وتزداد مسؤولياتهم مع استمرار تقدمهم ومن هذا الباب نعرض لأهم ما تتطلبه المرحلة القادمة في ضوء نتائج هذه الانتخابات وفي ضوء التطورات الأخيرة للأزمة في ماليزيا وأهم الأولويات التي يحتم الواقع الحركي الدعوي والسياسي على الحركة الإسلامية في ماليزيا الإلتزام بها ولعل من أهم تلك الأمور مد يلي :
1- ضرورة التأكيد على وحدة الصف ولم الشمل لكافة أجزاء الحركة من مختلف التحديات الكبيرة والمتعددة من تمتين لبنيان الدعوة الإسلامية وإعداد الكوادر المؤهلة لهذه المهمة العظيمة إلى العمل على تبصير الناس والمجتمع بحقيقة الإسلام وسماحته ونزاهته إلى الإدارة الفاعلة والحكيمة من قبل الحكومات الإسلامية للولايات التي انفرد بحكمها الحزب الإسلامي , إضافة للحفاظ على الوحدة الوطنية ومراعاة حقوق غير المسلمين وتطوير لكل مناحي الحياة ومجالاتها من سياسة واقتصاد وجوانب اجتماعية وثقافية وأخلاقية وغيرها مما يعد ضرورة من ضرورات بناء الدولة وتكوين المجتمع المتماسك . فهذه وغيرها من المهام العظيمة لن تقوم لها قائمة لو لم تتحد صفوف الحركة الإسلامية وتتجاوز مرحلة التنازع والمواجهات والخصومات التي لا يستفيد منها أحد وبصورة مباشرة إلا الأعداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ويمكرون بالليل والنهار ويغتنمون الفرص ويصطادون الهفوات ويتلفقون المتساقطين ويؤون الشامتين فيجب على جميع فصائل الحركة أن تغرس هذا المبدأ الذي عانت الحركة من فقدانه فترة لا بأس بها كلفتها الكثير دون مقابل ويجب عليها – إن أرادت الاستمرار والمحافظة على المكاسب وقبل ذلك المحافظة على مشروعية قيامها – أن تبث هذا الوعي بين الصفوف وتغرسه في القلوب وتربي عليه الناشئة الجدد وترعاه في النفوس وتوجه إليه لب اهتمامها لأنه هو الهدف الأول والخيار الاستراتيجي الذي منه تنطلق لأداء دورها وتبليغ رسالة ربها والقيام بتكاليف دينها وإلا فإنها ستفقد مبرر وجودها إذا ما غدت مجرد أحزاب سياسية وتنظيمات عصبية لها إلا لتحقيق المكاسب الدنيوية وزيادة النفوذ والسيطرة ولو على حساب غيرها من المسلمين .
2- الأخذ بالأسباب المتاحة وحسن الإعداد والتأهيل للكوادر الملتزمة بالإسلام المتربية على منهجه المتشبعة بأخلاقه الخبيرة بأمور دينها ودنياها كي تكون صفحة ناصعة وقدوة تقتدي ونموذجا يحتذي لباقي فئات المجتمع وليتحملوا العبء الأكبر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العمل الإسلامي في ماليزيا التي يمكن اعتبارها أكثر المراحل تقدما وأكثرها تكاليفا ينبغي على كل عضو في الحركة الإسلامية أن يقدم فيها كل ما يستطيع وأنه يضرب فيها بسهمه ليكون من الغانمين عند رب العالمين وحتى لا يقول : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما "!!. نعم إنها غنيمة ولكنها غنيمة أخروية لا يرجو منها الأخ المسلم العامل لدينه وأمته جزاء ولا شكورا إلا مرضاة الله أولا وقبل كل شئ لا يسعي لإرضاء أحد على حساب ذلك أيا كان ومهما كان لا يحركه إلا الحرص على دينه ومصلحة أمته والحفاظ على مقدراتها ومكتساباتها يشارك إخوانه المسلمين يستفيد ممن سبقوه ويبني على ما بنوه ويستدرك ما فاتهم ويكمل الآخرين ويعمل معهم في التحام وتماسك لا يري عنه بديلا ولا إلى غيره سبيلا. 3- التركيز على الجوانب التربوية وبخاصة داخل صف الحركة الإسلامية وبين القيادات التي تعد لتسلم الراية ومواصلة المسيرة وتزويدهم بجرعة إيمانية كافية وزاد من العلم الشرعي الذي ينير لهم الطريق ويبصرهم بالحلال والحرام ليعرفوا أين يضعوا أقدامهم فإن الغاية لا تبرر الوسيلة وإن الاضطرار لا يبطل حق الغير .... كما أن استمطار رحمة الله وتوفيقه واستجلاب عنايته ورعايته لمسيرة الحركة وأبنائها لا يكون بالجهل وبالغفلة والركون إلى الدنيا وحب المناصب والجاه واعتلاء الكراسي وتولي المسؤوليات من غير أهلها بل ينبغي إنزال الناس منازلهم وتقديم من حقه التقديم وتأخير من حقه التأخير بميزان الله تعالي " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..." ( الحجرات 13 ) وبميزان الإحسان والقوة والأمانة .. إن خير من استأجرت القوي الأمين " ( القصص 26) ... وإنه بغير هذه المعايير الإيمانية والتربية المتينة والإعداد المتكامل لن تقوم للحركة قائمة ولن تستكمل بناءها ولن تتحمل الأعباء الملقاة على كاهلها وسيسهل اختراقها وانقيادها للمتآمرين والماكرين المتربصين . إن هذا الواجب – الإعداد المتكامل المتوازن تربويا ودعويا وحركيا وفنيا لكوادر الحركة – ليس من النوافل أو المندوبات بل هو من الضرورات التي لا ينبغي للحركة إغفالها أبدا ولا التهاون فيها وعليها أن تحاول في ذلك بكل ما أوتيت من قدرة وإمكانيات مستفيدة من الآخرين ومعتبرة بما تراه حولها من التجارب والمحلولات كي تكتسب خبرة إلى خبرتها وتزداد قوة وبصيرة في قراءتها للأحداث ومواجهتها بالطرق المثلي وهذا كله يحتاج لأهل العلم والخبرة من الكفايات الذين يشكلون أعمدة البنيان يقوم عليهم ويحملونه بثبات وتجرد لا يرجون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا . 4- تمتين الصلة بباقي أجزاء الحركة الإسلامية في كل أرجاء العالم والتواصل المستمر والمثمر معها وتبادل الآراء والتشاور وبذل النصيحة وقبولها وأداء كل حقوق الإخوة الإسلامية والولاية الإيمانية تحقيقا لوجود الأمة الإسلامية في المستقبل القريب إن شاء الله تعالي , وهذا انطلاقا من طبيعة هذا الدين الذي ما جاء ليكون أنماطا وأشكالا مختلفة ودويلات منفصلة وإنما ليكون ساحة واسعة تجمع شتات المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويصلح ذات بينهم في تكاتف وتكامل وتحاب لا يترك مجالا معه للطامعين ولأصحاب الأهواء الحاقدين . 5- الاهتمام بدعوة غير المسلمين وبيان الصورة الصحيحة الناصعة لسماحة الإسلام التي كانت منذ القدم مضرب المثل وجعل ذلك واقعا معاشا وبخاصة في المناطق التي أصبح للحزب الإسلامي سيطرة عليها وحفظ حقوق هذه الأقليات ما داموا لا يناصبون الإسلام والمسلمين العداء ومحاولة كسبهم في صف الإسلام ولو لم يدخلوا فيه , وذلك امتثالا لأوامر الشرع الحنيف الذي أمر بالإحسان لهؤلاء تأليفا لهم وتحبيبا في الإسلام ولعل الحركة قد حققت تقدما ملحوظا في هذا المجال فيبقي عليها المحافظة عليه واستثماره الاستثمار الأمثل وتفويت الفرصة على المؤامرات التي تحاك لتأليبهم على الإسلام والمسلمين . 6- الصبر والتأني وعدم استعجال الثمرة قبل بدو صلاحها وعدم الاستجابة للاستفزاز والاستثارة من قبل الأعداء والسير وفق الخطط المرسومة والوسائل المشروعة لا بردود الأفعال وحسب تقلب الأهواء والأمزجة أو بتغير الأحوال والظروف بل ينبغي أن تسير الحركة وفق غاياتها المحددة وأهدافها المعينة لا تستعجل مغنما ولا ترهب موقفا ولا تستفزها حماسة المتحمسين ولا يقعدها تقاعس المثبطين ولا يؤثر فيها مدح المادحين ولا ذم الذامين بحيث تكون ذاتية الحركة لا تابعة لأهواء ولا أغراض دنيوية بل لا يحركها إلا مرضاة الله وفق منهج الله لإقامة شرع الله عزوجل .
وبعد .. فإن هذا أهم ما يمكن ملاحظته من الثوابت والمبادئ العامة التي ينبغي على الحركة التأكيد عليها والتمسك بها واتخاذها ديدنا وسبيلا أوحد لأهدافها لأنه لا قيام للحركة ما لم تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار وبكامل الجدية والحذر والوعي والتربص لأن المرحلة حرجة والظروف صعبة لا تحتمل التقصير والتهاون في واجب من الواجبات أو إهمال حق من الحقوق أو جانب من الجوانب بل على الحركة أن تواصل تقدمها مستمسكة بثوابتها عازمة على تحقيق أهدافها وإقامة مشروعها الحضاري الإسلامي الضخم ... وكما قال المصطفي عليه الصلاة والسلام :" لقد مضي زمن النوم " !!..
وقال عزوجل:
"لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ( الروم 4- 6)
صدق الله العظيم