أبو مرزوق: حماس لن تتخلى عن المقاومة
مقدمة
- التزامنا بالتهدئة لا يعني غياب العمل العسكري
- لن نقدم أي تنازلاتٍ للحصول على رضا الغرب
- نتحاور مع أي أحد إلا الكيان الصهيوني لأنه عدو
- فتح تسيطر على السلطة وتتهم حماس بتزوير الانتخابات.. كيف؟!
"حركة حماس لن تتخلَّى عن سلاح المقاومة أو برنامج المقاومة، وستواصل دعم صمود شعبنا الفلسطينيِّ في مواجهة الاحتلال الغاشم".. أكَّد هذا د. موسى أبو مرزوق- القياديُّ البارز في حركة المقاومة الإسلاميِّة حماس- في حديثٍ خاص مع المركز الفلسطيني للإعلام.
الدكتور موسى أبو مرزوق قال إنَّ حركته اتَّخذت قرارها بالتهدئة في فبراير الماضي في قمة نشاطها العسكريِّ النوعيِّ كحرب الأنفاق مثلاً؛ والتزامها بالتهدئة لا يعني غياب العمل العسكريِّ، وكل عدوان أو تجاوز صهيوني سيلقى الرد المناسب.
وأضاف أنَّ "الاعتبارات التي أملت علينا قرارانا متعلِّقة بالظرف الداخلي الفلسطيني والجو المحيط، ولا نزال نتحاشى وضع حد لهذه التهدئة، على الرغم من الاعتداءات الصهيونية المتكررة، والنوايا التي يفصح عنها القادة الصهاينة"، كما تناول في حديثه انتخابات المجلس التشريعيِّ القادمة على خلفية الانتخابات البلديّة والمحلية الأخيرة وما صاحبها من ضجيجٍ وزوابع مفتعلة، وكذلك رؤية حماس لكيفيّة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينيّة في ظلِّ غياب الإرادة اللازمة لإيقاظها من سباتها، ونوَّه أبو مرزوق إلى ضرورة تشكيل مرجعية عليا للشعب الفلسطيني تعالج الشئون الأمنية والسياسيّة.
وحول الحوار مع أوروبا وأمريكا قال أبو مرزوق: إنَّ حماس لن تقع في الفخ الذي وقعت فيه منظمَّة التحرير الفلسطينيّة في وقتٍ سابق، ولن تُقدِّم أيَّ تنازلاتٍ للحصول على رضا الأوروبيين أو الأمريكان، في الوقت الذي لن تغلق بابها في وجه الراغبين في محاورتها، وبابها مغلقٌ فقط في وجه الصهاينة.
ودعا في ختام حديثه العالمَين العربي والإسلامي إلى التنبُّه لأبعاد الهجمة الخطيرة التي تستهدف المقدَّسات الإسلاميَّة- وفي مقدِّمتها المصحف الشريف والمسجد الأقصى- منبِّهًا إلى أنَّ التصدي لهذه الهجمة مسئولية مشتركة لكلِّ المسلمين في أقطار المعمورة، وفي فيما يلي نص الحوار:
سترو: حماس على رأس الإرهاب!
- نبدأ من تصريحات وزير الخارجية البريطاني- جاك سترو- خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في رام الله مع وزير الشئون الخارجية في السلطة الفلسطينية- ناصر القدوة- حيث قال سترو بوضوح: "إنَّ حركة حماس ستبقى على قائمة المنظمات الإرهابية إلى أن تقوم بنبذ العنف وتتخلى عن شعارها بالقضاء على إسرائيل (الكيان الصهيوني)".. كيف تنظر حماس إلى هذه التصريحات؟!
- بلا شك أن مأساة الشعب الفلسطيني بدأت بدور بريطاني واضح، حين أعطت وعدًا لليهود في فلسطين دون أن يكون لهم حق في ذلك، وليس لصاحب الوعد أن يعطي ما لا يملك لمَن لا يستحق.
- فمأساة الشعب الفلسطيني بدأت من هنا، ومعروف أن الاحتلال الإنجليزي يتحمل الجزء الأكبر في مأساة الشعب الفلسطيني؛ لأنه سلَّم الأقلية اليهودية الموجودة في فلسطين والقادمة من أوروبا تحديدًا السلاح والخبرة والإدارة ليهجِّروا الشعب الفلسطيني، ولينسحبوا- أي البريطانيون- انسحابًا سريعًا لصالح اليهود، واليوم يخرج سترو بتصريحاتٍ يريد من خلالها تعزيز الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني.
- ومعلوم أنَّ قانون الإرهاب الذي يطبقه العدو الصهيوني هو قانون بريطاني، فقد كان البريطانيون يَعدِمون حاملي السلاح الأبيض من أبناء شعبنا، ويعلقونهم على أعواد المشانق، وفي الوقت ذاته كانوا يسلِّحون العدو الصهيوني بكل أنواع السلاح، ويدفعون الشباب اليهودي من أوروبا لينخرطَ في جيش الإمبراطورية البريطانية ثم يرحِّلهم إلى فلسطين، ليكونوا مادة الوعد المزعوم (وعد بلفور)، ولا أنظر إلى تصريحات سترو إلا من خلال هذه الزاوية المكملة لدور بريطانيا في ظلم الشعب الفلسطيني.
- حركة حماس يلتف حولها اليوم معظم الشعب الفلسطيني.. الأمر الذي أكدته نتائج المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البلدية والمحلية التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة.. حماس هي الحركة التي تعبر عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، فكيف تُوصف حركة حققت التفافًا شعبيًا واسعًا، بأنها حركة "إرهابية"؟!
- حركة حماس التفَّ حولها الشعب الفلسطيني بعد أن كان التأييد الأكبر لحركة فتح، وانتقل التأييد بسبب البرنامج السياسي، الذي حمله إخواننا في حركة فتح، وهو برنامج التسوية.. تأييد الشعب الفلسطيني لحماس كان من خلال برنامج المقاومة بالدرجة الأولى؛ ولهذا فإنَّ نزع سلاح المقاومة في ظل وجود الاحتلال هو عبارةٌ عن هزيمة للشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال الصهيوني، وبالتالي نأسف أن يبقى هذا الموقف البريطاني الاحتلالي على هذه النظرة، ونستنكر مثل هذه التصريحات التي أدلى بها في رام الله.
- حركة حماس ستبقى وفيةً لأبناء الشهداء ووفيةً لكل حفنة تراب في أرض فلسطين ؛ لأنها تعلم علم اليقين أن كل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج مع برنامج المقاومة؛ لأنه لا يمكن على الإطلاق أن تبقى فلسطين للفلسطينيين دون أن يدافعوا عنها وأن يحموا ترابَها ويقاوموا الاحتلال.
- كان يجب على وزير خارجية بريطانيا أن يدعو العدو الصهيوني للانسحاب من الضفة الغربية، وهي- كما يعتبرونها- أرضٌ محتلةٌ، كان يجب أن يدعو هذا الجيش المدجج بالسلاح أن ينسحب أولاً من الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم يقول للناس هذا الاحتلال قد انسحب فلا داعيَ للمقاومة، أما أن يدعو الضحية- في ظل استمرار الاحتلال- بأن تترك المقاومة ويُسمي هذه المقاومة عنفًا فهو أمرٌ في منتهى الغرابة ويستحق الاستهجان، ولا أرى هذه التصريحات إلا عونًا للعدو الصهيوني، ومساندةً له في بقائه محتلاً لأرضنا وجاثمًا على صدر شعبنا، وبالتالي فإنَّ هذه التصريحات نستنكرها وندينها بشدة.
- في هذا السياق لا أرى مجالاً لإخواننا في السلطة الفلسطينية إلا أن يستنكروا مثل هذه التصريحات، كان يجب عليهم أن يقفوا وقفةً مطلوبةً حيال شعبهم ويرفضوا مثل هذه التصريحات، ويقاطعوا مثل هذه الزيارة، وألا يسمحوا لـ"سترو" أن يُصنِّف أبناء شعبنا ويحدِّد مَن يشارك ومَن لا يشارك في الانتخابات التشريعية، ومَن له الحق في أن يكون جزءًا من هذه المنظومة ومَن ليس له حق، ومَن يمارس (الإرهاب) ومَن لا يمارس (الإرهاب)!!
- خلال اللقاء الأخير بين أبو مازن والرئيس الأمريكي جورج بوش في واشنطن وصف الأخير حركةَ حماس بأنها حركة (إرهابية)، وجاء سترو إلى رام الله ليقول الكلام ذاته من فوق الأرض الفلسطينية، وأمام مسئولي السلطة الفلسطينية أيضًا.
بوش في إصرار: حماس إرهابية
- ألا تعتقدون أن السلطة لم تقم بأداء الدور المطلوب منها، وهو الدفاع عن حركة تشكل جزءًا هامًا من مكونات النضال والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني؟! ثم كيف تنظرون إلى الدعوات الأمريكية الصريحة بتأجيل الانتخابات في الأراضي الفلسطينية؟
- أولاً.. ما يتعلق بما قاله بوش، المستغرب في الموضوع الأمريكي أن سياستهم بعيدةٌ كل البعد عن ما يُسمَّى بـ"القيمة" في العمل السياسي وأخلاق العمل السياسي والديمقراطية التي يزعمون أنهم ينادون بها لشعوب الأرض.
- فالأمريكيون أصروا أن تَجري الانتخابات النيابية في لبنان في موعدها دون تأخير يوم واحد، ليس يومًا قبل وليس يومًا بعد، وفي العراق ناشدت قطاعات واسعة من الشعب العراقي الإدارة الأمريكية بتأجيل الانتخابات، فلم تستجِب الإدارة الأمريكية وأصرَّت على إقامة الانتخابات؛ ظنًا منهم أنها ستساعد على وصول فريق من المتعاونين معهم للوصول إلى سُدة الحكم في العراق، وأصروا على أن تتم الانتخابات في موعدها لا يومًا قبل ولا يومًا بعد.
- وفي فلسطين تعبر كونداليزا رايس وكذلك لجنة الشئون الخارجية في الكونجرس الأمريكي عن رغبتهما في تأجيل الانتخابات، بل وبعدم إجراء هذه الانتخابات، ويخرج بوش نفسه ويقول لا أعتقد أنَّ الشعب الفلسطيني سيختار حماس؟! هناك في لبنان والعراق لا تأجيل للانتخابات، وهنا يطالبون بتأجيل الانتخابات؟! هنا الشعب الفلسطيني اختار حماس؛ لماذا لا يقبلون بما اختاره الشعب الفلسطيني؟! ما المعايير التي تحكم الموقف الأمريكي في قضية الديمقراطية؟ ما هذه المعايير المزدوجة!!
- أما موضوع الحرية فهو موضوع يهم شعوب الأرض، فما بالك بالشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال دون أن يرف جفن لبوش لمطالب الشعب الفلسطيني الذي يُقتَّل أبناؤه وتُهدَّم بيوتُه وتُقتلَع أشجارُه وتُصادَر أراضيه، ويعزل عن مصادر رزقه بجدار عازل؛ وهو يعلم تمامًا أنَّ موقفه حاسم في الموضوع الصهيوني، موقفه حاسم فيما يتعلق بالسياسة الصهيونية، موقفه ليس كموقف أي دولة في العالم من الموضوع الفلسطيني الصهيوني ، وبالرغم من ذلك فإنه ينصِّب نفسَه جلادًا جديدًا على الشعب الفلسطيني، وهذا فيه ظلمٌ شديدٌ للشعب الفلسطيني.
- أما بالنسبة لإخواننا في السلطة الفلسطينية فمما لا شك فيه أنَّ عليها أن تكون مسئولةً إذا أرادت أن تكون سلطة الشعب الفلسطيني، وأن تكون ممثلةً للشعب الفلسطيني، سواءٌ عن الأرض الفلسطينية بجملتها أو عن الشعب الفلسطيني، يجب أن لا يُقبل مثل هذا الانتقاد بحضور أبو مازن، وكان يجب على أبو مازن أن يقف موقفًا غير الموقف الذي وقفه من تصريح جورج بوش الذي عبَّر عن رغبته بأن لا يختار الشعب الفلسطيني حماس .
- على كل حال إن تصريحات بوش وتصريحات سترو وتصريحات العدو الصهيوني ، تجعل شعبنا الفلسطيني يعرف البوصلة أكثر، وتوجهه لحركة حماس أكثر؛ لأنه يعرف مصلحته، ويعرف ماذا يريد هؤلاء من مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني.
- أكد جاك سترو في تصريحاته أن دبلوماسيين بريطانيين اتصلوا بمسئولين من حركة حماس .. هل تعتقدون أنَّ البريطانيين والأوروبيين سيضطرون في نهاية المطاف للتعامل مع حركة حماس كأمر واقع؟
- إذا أراد الأوروبيون أن يكون لهم دور في الموضوع الفلسطيني فلا يمكنهم إغفال موقف وأثر وتأثير حركة حماس ، إذا أرادوا لهم دورًا فلا مجالَ لاستثناء حركة حماس ، فقبل أيام كان هناك حديث مطول مع السيد حسن نصر الله في لقاء جرى بيننا، وكان الحديث حول السياسة الأمريكية تجاه سلاح حزب الله ، كان من الواضح أنَّ هناك تحريضًا أمريكيًا كبيرًا على نزع سلاح حزب الله بأيدٍ لبنانية وبدعمٍ أمريكي، محاولات تفتيت الشعب اللبناني أو الشعب الفلسطيني بضغوط خارجية، أعتقد أنَّ وعي الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني كفيل بإفشالها.
- ومؤخرًا قام دبلوماسيون بريطانيون- وهم ليسوا دبلوماسيين في الحقيقة لأنهم رجال أمن بريطانيون سابقون معروفون- بالاتصال بالحركة لينقلوا لها نصيحةً أوروبيةً بنزع سلاح المقاومة!! وبريطانيا تمسك بالملف الأمني في فلسطين، وإذا ما أرادوا- كما ذكرتُ سابقًا- أن يلعبوا أي دور في فلسطين لا يمكن على الإطلاق أن يغفلوا هذا الحوار مع حركةٍ تتجه الإرادة الفلسطينية نحو أن تكون في موضع المشاركة باتخاذ قرار في الساحة الفلسطينية، ولكن هذا الحوار لن يكون على حساب ثوابتنا وحقوق شعبنا، والذي سنظل أمناءَ عليه متمسكين به، بصرف النظر عن مواقف القوى العظمى في العالم.
- هل حماس بصدد التعاطي مع المطالب الأوروبية، خاصةً فيما يتعلق بسلاح المقاومة؟
لن نلقي سلاح المقاومة
- نحن في حماس مواقفُنا واضحةٌ من هذا الموضوع، سلاحنا سلاح مقاومة، سلاحنا سلاح شرعي، بل هو السلاح الأكثر شرعيةً في المنطقة، سلاحنا سببه هو الاحتلال، ومَن أراد أن يتكلم عن السلاح فليتكلم عن الاحتلال قبل أن يتكلم عن السلاح؛ لأن السلاح نتيجة وليس سببًا، السبب هو الاحتلال، سياستنا هي الانفتاح على الآخر باستثناء العدو الصهيوني، وهذا الموقف سيبقى سياسةً ثابتةً، وسنوضح موقفنا للجميع.. نحن في مقاومتنا نعبر عن إنسانية الإنسان، ونعبر عن القيمة المطلقة لحق الإنسان في أن يعيش حرًّا وأن يعيش عزيزًا ويعيش كريمًا، وبالتالي لا يمكن أن نتنازل لا عن كرامتنا ولا عن حقنا في العيش الكريم، ولا عن حريتنا ولا عن وطننا، وسنبقى نخدم شعبَنا وندافع عنه، ولن نفتح المجال لمَن يتدخل في جزئيات اختيارنا السياسي واختيارنا المقاوم، وهاجسنا لا يتركز حول ما إذا كانت بريطانيا ستفتح ملف الحوار معنا أو لا تفتح.
ا: لأسلوب الذي مارسته الإدارة الأمريكية في أسلوب الحوار أو عدمه مع منظمة التحرير مسألة لن تتكرر مع حماس، ولن يكون ذلك بابًا لتغيير المواقف السياسية من أجل الحوار مع الأوروبيين أو مع الأمريكان.

- لكنَّ حماس لا تغلق الباب في وجه الأوروبيين الذين يدقونه.. ما الذي تأملونه من الحوار مع الأوروبيين؟
- نحن نشأنا في المخيمات التي أقامتها الأمم المتحدة.. أنا ولدت في خيمة للأمم المتحدة، والممرضة التي أشرفت على ولادتي كانت ممرضةً أوروبيةً، وأول ما بدأ الإنسان ينظر للحياة كان يرى- للأسف الشديد- أكياس الطحين مكتوبًا عليها "مساعدات من الشعب الأمريكي مقدمة للشعب الفلسطيني"، وفي نفس الوقت كانت البندقية والطائرة التي على الحدود والتي تقصف شعبنا هي طائرة أمريكية وبندقية أمريكية.. المشكلة أنَّ المشروع الصهيوني هو مشروع غربي؛ الغربيون والأمريكان هم أداة هذه المشروع، وبالتالي هم حريصون على أن يكون هذا الكيان قويًّا وأن يكون كاملاً، وليس لديهم مانع من أن يتمدد ليتسع لبقية اليهود الموجودين على جانبيهم أو في أكثر بقعة.
- نفهم من هذا أنكم لا ترون فائدةً من الحوار مع أوروبا أو مع أمريكا؟
- لم أقل ذلك.. أنا قلت لك العكس، تجربتي التي صحوت عليها جعلتني على قناعة بأنَّ هناك فائدةً في الحوار.. الحوار ليس مع الصديق فحسب وإنما مع الخصم الذي كان له دور أساسي في نشأة الكيان الصهيوني .. الحوار ضروري لتوضيح قضيتنا ومواقفنا للآخرين، دون أن يكون ثمن ذلك التنازل عن أي من ثوابتنا وحقوق شعبنا
- الحوار مع الخصم حتى مع إسرائيل (الكيان الصهيوني )؟
- لا.. إسرائيل (الكيان الصهيوني ) هي عدوٌ وليست خصمًا، هؤلاء كانوا خصمًا لنا.. الأوروبيون والأمريكان اختاروا خصومتنا. نحن ليس لنا ناقة ولا جمل في معاداة الأمريكي أو الأوروبي، على العكس نحن نسعى لتحييده، هم الذين وضعونا موضع الخصومة من خلال موقفهم إلى جانب هذه الحركة الاحتلالية في فلسطين ؛ لأن فلسفتهم كانت في وقتٍ مبكر هي احتلال ونفي الآخر، واحتلال الأرض واستعباد الشعوب.. كانت هذه هي الأيديولوجيا الأوروبية في التعامل تجاه العالم الآخر آنذاك، وبالتالي لست مستغرِبًا أن يكون عندهم هذا التيار من التعصب للاحتلال والوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني .
- من جانب آخر في الذهنية والعقلية الأوروبية مساحة إنسانية واسعة لمساعدة الآخر، أكثر الناس مسارعةً لمساعدة الآخر هم الأوروبيون، ومن هنا كانوا أكثر الناس مسارعةً لمساعدة الشعب الفلسطيني إنسانيًّا، وبالتالي يوجد جانب إنساني، أنت تخاطبهم حتى تُبيِّن لهم الحق.. وحتى تبين لهم أين موقعك وأين يجب أن تكون؛ خلال حوارات كثيرة جرت مع الأوروبيين، كان الذي يحاورنا عنده موقف رسمي، وعنده موقف إنساني أقرب إلى الحق، كانوا يقولون لنا في نهاية الجلسة: أنتم على حق.. أكثر من مرة سألتهم لو كنتم مكان الشعب الفلسطيني ماذا كنتم ستفعلون؟ قالوا كنا سنفجِّر أنفسنا كما تفجِّرون أنفسكم، هذا هو الموقف الإنساني، الجانب الإنساني الذي تخاطبه في الأوروبي قد يصبح موقفًا رسميًا في لحظة من اللحظات.. مَن يدري!!
- هل قدمت حماس مبادرةً محددةً للجانب الأوروبي؟
- الأوروبيون أرسلوا أكثر من مندوب قبل موجة الاغتيالات التي طالت عددًا من قيادات الحركة، منهم مستر كروك عام 2000 م الذي ذهب واجتمع مع قيادات الحركة في غزة ، وعدد من الأوروبيين التقوا مع قيادات من الحركة في بيروت، ولقاءات أخرى جرت في أكثر من عاصمة أوروبية، الحوارات كانت معمقةً بين الحركة وهذه الأطراف، ومطلب الأوروبيين هو أن على حماس أن تترك قضية العمل المسلَّح داخل الأراضي المحتلة، وتحديدًا العمليات الاستشهادية، حتى لا توضع حماس على قائمة الإرهاب، ويتوقف الضغط المتواصل على الحركة، وكان الموقف الأمريكي المرسل إلى الاجتماع مع قيادات الحركة في قطاع غزة أن أمريكا ممكن أن توقف إسرائيل (الكيان الصهيوني) عن استهدافها لقيادات الحركة ورموزها، وطبعًا موقفنا هو رفض أي استجابة لهذه المطالب الأمريكية- الأوروبية فكان الثمن هذه الموجة العاتية من الاغتيالات التي طالت رموز وقيادات الحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان الموقف الآخر هو وضع الجناح السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب، وأعتقد أن على الأوروبيين الآن مراجعة هذا الموقف، وهناك اعتراض من قطاع واسع من الهيئات والمنظمات في الدول الأوروبية، التي تقرُّ بخطأ القرار الذي اتخذوه بوضع الجناح السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب، والأمر يعود إليهم.
- هل أرسل لكم الأوروبيون إشاراتٍ أنهم بصدد مراجعة مواقفهم إزاء حماس؟
- ليس هناك حتى الآن من وعود محددة في هذا الاتجاه.. المسألة في النهاية في الذهنية الغربية، بالنسبة لنا سنبقى نحاور وسياساتنا سنحددها نحن، وهي لن تكون على حساب مصالح شعبنا، وخطواتنا سنخطوها بناءً على معرفتنا بالضبط ما النتيجة التي ستؤول إليها هذه الخطوات لصالح شعبنا الفلسطيني، وليست نتيجةَ ضغوط خارجية، لن تتغير ولن تتبدل حماس نتيجة أي رغبة أوروبية أو أمريكية فيما يتعلق بسياساتها المتعلقة بالصراع في المنطقة، فإن أرادوا التعامل معنا فليتعاملوا معنا كما نحن عليه ولا يطمحوا إلى تغييرنا.
التهدئة على الطريقة الصهيونية!!
- منذ إعلان التهدئة في الثامن من شهر فبراير الماضي استشهد برصاص الاحتلال 45 فلسطينيًا وأصيب 440 آخرون واعتقل أكثر من 1050.. ما حقيقة الدافع وراء التزام حماس بالتهدئة؟
- الذي دفع حماس والفصائل إلى اتخاذ خطوة التهدئة مسائل متعلقة بالوضع السياسي الداخلي الفلسطيني، ومتعلقة بالجو المحيط.. قراءتنا كانت أنَّ الظرف الذي مرَّ به الشعب الفلسطيني يتطلب أن يكون هناك موقف متعلقًا بالتهدئة، مع الإشارة إلى أن التهدئة لم تُتخذ؛ لأن هناك تراجعًا في العمل العسكري؛ وبالتالي لا بد من استراحة توقف هذا التراجع، بل على العكس فإنَّ التهدئة اتُّخِذت في قمة عمليات الحركة النوعية، مثل أنفاق رفح ودير البلح وبعد العمليات النوعية في اختراق أكثر من مغتصبة، عمليات نوعية كبيرة، وبالتالي فإن قرار التهدئة اتخذ في قمة النشاط العسكري النوعي، والتهدئة جاءت في ظل ظروف وفاة الأخياسر عرفات- رحمه الله- ومجيء أبو مازن المعروف بتفاؤله الزائد أحيانًا عن الحد فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، التركيبة الفلسطينية الداخلية هي الدافع الأساسي للتهدئة، وأعتقد أن الظروف ما زالت تدفع باتجاه استمرار التهدئة، وهو ما يحتِّم علينا عدم وضع خاتمة للتهدئة، وإن كنا نعتقد أن العدو الصهيوني حتى اللحظة لم يوفِ بهذه التهدئة المشروطة، وأيضًا نحن لم نسمها هدنةً وإنما أسميناها تهدئةً، والتهدئة معناها ليس غياب الفعل العسكري.
- صحيح أن الفعل العسكري قد انخفضت وتيرته التزامًا بقرار التهدئة، ولكنه ليس غائبًا، فإذا كان هناك عدوان صهيوني فهناك رد على هذا العدوان، وإذا كان هناك اعتداء وتجاوز فهناك رد على الاعتداء والتجاوز.. في الأسبوع الماضي كانت هناك صواريخ استهدفت مغتصبة أسديروت وصواريخ سقطت على المغتصبات الصهيونية، وردود معينة على التجاوزات الصهيونية؛ ولذلك سميناها تهدئةً.
- يجري الحديث حاليًا في الأوساط العسكرية الصهيونية عن إمكانية توجيه ضربة قاصمة لحركة حماس قبل الانسحاب من قطاع غزة.. كيف تنظرون إلى ذلك؟
- بلا شك إنها رغبةٌ صهيونيةٌ قديمةٌ وليست جديدةً.. الجدل الذي يدور في إسرائيل (الكيان الصهيوني ) الآن يتركز حول كيف أن لدى حماس هذا الكم من السلاح الذي تواجهنا به وتصل إلى أسديروت ونحن موجودون في : غزة، فإذا انسحبنا فكيف سيكون الموقف والسلاح لا زال في يد حماس ، فلا بد من نزع سلاح حماس.
- إن الشيء الذي يتبادر إلى الذهن فورًا هو أن الصهاينة كانوا يسمحون بسلاح حماس ، وأنهم وهم يهمون بالانسحاب من غزة ينزعونه؟! الكيان الصهيوني خاض عدة حروب من أجل كسر شوكة حماس ونزْع سلاحها.. أنا أذكركم أنه بعد احتلال الضفة الغربية مباشرةً توجهت حاملات الدبابات والمدرعات حاملةً أرتالاً إلى حدود قطاع غزة، وكان التهديد هو المرحلة الثانية لشارون وهو اجتياح قطاع غزة، ثم بعد ذلك لم نرَ اجتياحًا.. الاجتياح الذي تعرضت له رفح من تل السلطان ومنطقة يبنا أذكركم به.. الاجتياح الذي في الزيتون.. الاجتياح الذي في جباليا وخان يونس من مغتصبة "غوش قطيف".. كل تلك الاجتياحات هل كان العدو الصهيوني يرى فيها هدم أول خمسة بيوت ثم الانسحاب، هو كان يرى أن يستمر في الهدم إلى المدى الذي تصل إليه نيران البندقية الصهيونية؛ ليعتقل وينزع السلاح ويفرض إرادته ثم يخرج أو لا يخرج، هو أصلاً جرَّب كل هذه الوسائل.
اجتياح المدن الفلسطينية بصفة مستمرة
- لا أتوقع الآن.. فتجربة مخيم جباليا كانت تجربةً قاسيةً على العدو الصهيوني ، صحيح أن المقاومة قد خسرت عددًا كبيرًا من الشهداء، لكنَّ خسائر العدو الصهيوني لا تقل عن خسائر المقاومة، والصهاينة لم يستطيعوا أن يتقدموا إطلاقًا في مخيم جباليا وانسحبوا اضطراريًا، وفي اعتقادي هم يعلمون تمامًا أنَّ الشباب ما زالوا مرابطين على الحدود، فإذا أرادوا أن يجربوا معركةً جديدةً فهذا خيارهم.. هل أعطت حماس تطمينات- عبر جهات معينة- بأن خروج الصهاينة من قطاع غزة لن يتم تحت ضربات المقاومة، خاصةً أن الظرف حينها سيكون مواتيًا لتوجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال، هذا الموضوع لم يُطرَح مع أي طرف، ولم يَطرح أحد هذا الموضوع على حماس.. على كل حال التهدئة أفقها السياسي حتى نهاية العام والمفروض أن يتم الانسحاب في 15/8 (مع معرفتنا بأنَّ المواعيد غير مقدسة لدى العدو).. أي أن انسحابهم سيتم في فترة التهدئة، فإذا أرادوا ذلك فلهم الخيار.
- الانسحاب يجب أن يُفهم بأنه مصلحة صهيونية قبل أن يكون مصلحةً فلسطينيةً، المصلحة الفلسطينية أن يكون هناك ربط بين الانسحاب من غزة والانسحاب من الضفة الغربية وليس منفردًا من قطاع غزة .. المصلحة الفلسطينية ألا يعزز الاحتلال في الضفة الغربية .. المصلحة الفلسطينية ألا تُجزَّأ القضية الفلسطينية هكذا وأن تكون هناك حلولٌ بهذا الشكل، هذه هي المصلحة الفلسطينية.. المصلحة الصهيونية أن يهرب الصهيونيون من التكلفة الباهظة في مناطق انتشار المقاومة، وبالتالي نظريتنا أن "المقاومة هي التي ستجبر الاحتلال على الانسحاب" نظرية صحيحة بالأمس ونظرية صحيحة بالمستقبل.
- إذا كان شعبنا و حماس قد أنجزا الانسحاب من قطاع غزة بالمقاومة.. فكيف نترك الوسيلة التي تجبر العدو على الانسحاب؟!
- نحن نسأل عن الوضع في قطاع غزة.. هل ستستمر المقاومة فيقطاع غزة بعد الانسحاب الصهيوني؟
- هذا سؤال سابق لأوانه بالمطلق، نحن لم نرَ انسحابًا حتى نتحدث عن مرحلة ما بعد الانسحاب.. السؤال في عالم السياسة (ما بعد) هذا أمر افتراضي بالكلية؛ لأن ظروف اليوم التي تجيب فيها غير ظروف الغد.. أنا لا أدري ما الظرف الذي سيكون.
القسام أثار الذعر وسط الصهاينة
- هل حماس حريصة على أن يخرج الاحتلال تحت وقع ضربات المقاومة؟
- المقاومة في حد ذاتها هي وسيلة تستهدف انتزاع حرية شعبنا وتحرير أرضنا؛ ولذلك القضية كلها تصبح هوامش في الحديث وتفصيلات في الهدف، وبالتالي تحت الضربات أو بعد الضربات.. تحت الخاصرة أو فوق الخاصرة.. نحن نريد تحرير شعبنا وأرضنا.. اشترطت إسرائيل (الصهاينة) أن يتم نزع سلاح المقاومة من جانب السلطة قبل أن تقوم هي بالانسحاب، وبالتالي هي تتطلع إلى (فلسطنة) النزاع، واندلاع حرب أهلية بين المقاومة والسلطة، ولكن حكمة حماس الممزوجة بالحزم تمكنت من نزع الفتيل.
- هذه الزوابع التي أثيرت مؤخرًا حول مسألة الانتخابات البلدية في بعض مناطق غزة.. ألا يخالجكم الشعور بأنها مقدمات لإعادة إشعال فتيل هذه الحرب؟
- حماس بالمطلق لن تكون أداةً ولن تكون فاعلةً في أي خلاف أو نزاع داخلي بأي حال من الأحوال، وإن كنَّا سنرفض أن نكون جوزةً تُكسر، وسنقاوم أية محاولة للكسر، لكن في ظل تركيبة سياسية وعسكرية وتنظيمية تحُول دون الاقتتال وتحُول دون سرقة إنجازات المقاومة، وخيارات الشعب الفلسطيني بهذه المعادلة سنسير داخل الأرض المحتلة.
- جرت انتخابات.. في البداية كان هناك اتهامٌ لحماس ، لكن شعور الناس كلهم أن المطروح لا منطقي.. المنطق المطروح بعيد عن كل منطق، لجنة الانتخابات الرئيسية من فتح، ولجنة الانتخابات الفرعية من فتح، والشرطة والأمن من فتح.. فكيف تتهم المعارضة- ولأول مرة في التاريخ- بتزوير الانتخابات وفي يد فتح كل شيء؟! ولذلك كانت القضية أنَّ لجنة الانتخابات الرئيسة تتهم لجنة الانتخابات الفرعية، يعني أن فتح تتهم فتح، وفتح تجيء بشهود من فتح وتجيء بالمحامين من فتح والقضاة من فتح؛ من أجل أن يحكموا على فتح ولصالح فتح!! ويكون الخاسر في النهاية حماس حيث سرقت إرادة الشعب الفلسطيني في ثلاث مدن فلسطينية!!

- هل أخطأت حماس حين وافقت على التحكيم؟
- أعتقد أن القبول بمسألة التحكيم على هذا الشكل كان خطأ.. من الصعب أن تقبل محكمًا ثم ترفض حكمه، وكان الواضح بشكل جلي أن القضية هي عبارة عن التفاف على إرادة الشعب، وكان المفروض رفض تزوير إرادة الشعب بأي حال من الأحوال، وأن تتم المعالجة من خلال حوار وطني مسئول يتم عبره تجاوز هذه المسألة.
- هل تم حلَّ الخلاف بشأن إعادة الانتخابات في تلك الدوائر؟
- بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات بإجراء الانتخابات في الموعد المحدد ورفض حماس ذلك وافقت فتح على تأجيل الانتخابات، وتمَّ التوافق على تأجيل الانتخابات حتى يتم الاتفاق على المعايير والأسس التي تضمن نزاهة الانتخابات، وبالتالي نحن بصدد أن يكون هناك توافق فلسطيني على أسس ومعايير تضمن عدم تزييف إرادة الشعب الفلسطيني، ثم بعد ذلك القبول بقرار المحكمة بإعادة الانتخابات في بعض الصناديق التي تم إلغاؤها، وهذا الذي تم التوافق عليه، وهذا ما اتخذه أبو مازن.. هم كانوا ينتظرون عودة أبو مازن، وهذا الموضوع طُرح مع أبو مازن أثناء زيارته لغزة.
- هل تمَّ وضع سقف زمني لإعادة الانتخابات في تلك الدوائر؟
- يعني في حدود شهر إلى شهرين، ليس أكثر، الزمن ليس مشكلة.
الانتخابات تحتاج إلى ترتيبات كثيرة
- بالنسبة للانتخابات التشريعية كانت هناك تصريحات غير واضحة من بعض قيادات حماس فُهم منها أن حماس توافق على تأجيل الانتخابات التشريعية، هل ستذعن حماس للأمر الواقع وتكتفي بتسجيل موقفها على النحو الذي تم.. أم أن حماس ستعمل وفق آليات محددة للضغط على السلطة لتحديد موعد نهائي للانتخابات التشريعية؟!
- الانتخابات التشريعية مسألة فيها شيء من التعقيد، هناك مدخل المجلس التشريعي، ومدخل القانون، ومدخل رئاسة السلطة، ومدخل النزاع الفتحاوي الفتحاوي، ومدخل التوجه الفصائلي، بالتاريخ الذي تم تحديده من قبل السلطة، هناك خمسة أو ستة مُدخلات في موضوع الانتخابات، وهناك خشيتها من أن تفوز حماس في هذه الانتخابات التشريعية.
- رفضنا التأجيل لأن تحديد الموعد جاء من فتح، ثم حصل التوافق الفصائلي على هذا الموعد لإجراء الانتخابات، كان المفروض أن يتم التأجيل بتوافق، كما كانت المشاركة بالتوافق الفلسطيني، بمعنى أنه كان على الأخ "أبو مازن" أن يفتح حوارًا مع الفصائل الفلسطينية حول القضايا الموضوعية المتعلقة بالانتخابات وتحديد موعدها القادم،، أتصور كان هذا هو الأوفق للسلطة فعلاً، أما وقد حصل وأجلَّ موعد الانتخابات فلن نقوم نحن منفردين بإجراء الانتخابات، الانتخابات التشريعية تجريها السلطة، والسلطة قررت التأجيل.
- خطأ التأجيل أنه لم يتم بتوافق فلسطيني، وقد خطَّأت حماس هذا القرار من هذا المبدأ، وحرصًا على التوافق الفلسطيني.. القضية الثانية أن أبرز دواعي التأجيل هي الخلافات عند إخواننا في فتح، وهنا يبرز سؤال: إذا لم تنته الخلافات داخل فتح هل معنى ذلك أن الانتخابات لن تعقد؟! سؤال مشروع يجب أن يطرح في الساحة الفلسطينية.. القضية الثالثة قضية قانون الانتخابات.. القانون أصلاً بيد فتح، وإقراره بيد فتح، وبالتالي قد يُفهم أن تعطيل القانون من أجل تأجيل الانتخابات حتى يتم تجاوز الخلافات داخل حركة فتح ، أو من أجل تجاوز قضية الانتخابات بذاتها خوفًا من قدوم حماس ؟!
- كلها احتمالات وكلها قضايا، وموقفنا هو لا بد من إجراء انتخابات، ولا بد من إقرار القانون وبالسرعة القصوى، وإذا كان هناك من تأجيل فليس لأمد بعيد، حتى تحدد إرادة الشعب الفلسطيني وخياراته.
وفاة عرفات فتحت موضوع انتخاب قيادات جديدة
- ثمة من كان يقول إن أبو مازن سيجعل من عام 2005 عام الانتخابات الفلسطينية، يركض الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة طيلة العام إلى صناديق الاقتراع إلى الانتخابات البلدية والانتخابات التشريعية.. إلى أن ينتهي العام، ويتوفر للأمريكان والصهاينة الوقت لترتيب مسائل معينة (اكتمال الجدار مثلاً) كيف تنظرون إلى الأمر؟
- أنا لا أرى خطأً في موضوع الانتخابات.. ما المانع من إجراء انتخابات داخلية في فتح لفرز قيادة جديدة بعد أن تعطلت فيها الانتخابات عدة عقود؟! وما المانع من أن تكون هناك انتخابات بلدية بعد ما يقارب التسع سنوات على التعيين في ظل السلطة؟! المجلس التشريعي انتهت مدته.. فما المانع من إجراء انتخابات تشريعية؟! موضوع الانتخابات فتحه رحيل الأخ ياسر عرفات (يرحمه الله) ومجيء أبو مازن.. هناك استحقاق قانوني لا بد أن يَجري.. أبو مازن يريده لكسب الشرعية في قيادته للمنظمة والسلطة؛ في النهاية لا بد من إجراء انتخابات، وبالتالي من المنطقي أن يُفتح باب الانتخابات، وخاصةً أنه لم تنته فقط ولاية "أبو عمار" الرئاسية بالوفاة، بل أيضًا كانت منتهيةً من فترة طويلة ولاية المجلس التشريعي، وبالتالي كان لا بد من هذه السلسلة من الانتخابات، هذه استحقاقات كان لا بد أن تجري، والمناسبة الثانية أن الحديث عن انتخابات داخل حركة فتح كان قيد التداول قبل وفاة أبو عمار، وكانت هناك ضغوط شديدة كي تجري الانتخابات داخل فتح، أي أن الانتخابات جاءت في وقتها الطبيعي.
- ماذا تريد حماس من المجلس التشريعي؟
- حماس موقفها في كل تاريخها أنها هي مشارك سياسي أساسي في كل انتخابات تجري في الساحة الفلسطينية، ولم ترفض أي انتخابات جرت في الساحة الفلسطينية باستثناء انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية، كان رفضها لهذين الاستحقاقين آنذاك ينطلق من تقديرها أن الخط السياسي والطرح السياسي والنتيجة السياسية المتعلقة بهذه العملية تحديدًا تتنافى ومصالح الشعب الفلسطيني وسياسات وأهداف الحركة في تلك المرحلة.
- أما البلديات، فلم تقل حماس مرة واحدة أنها لن تشارك في الانتخابات البلدية، والتأجيل في الـ :1994والـ1995 لم يتم لأن حماس قاطعتها؛ وإنما بناءً على توصية من رئيس الأمن الوقائي في
- قطاع غزة محمد دحلان الذي كان يرى بأنه إذا جرت انتخابات في قطاع غزة فستفوز "حماس"، وكانت النصيحة ألا تجري انتخابات، وأُجِّلت الانتخابات من العام 1994 حتى اليوم. والذي دعا وأجبر على أن تجري الانتخابات هذا العام هو أنه أصبحت هناك مشاكل حقيقية داخل البلديات من المعينين، وأصبح هناك نزاعات حقيقية ولا بد في النهاية من أن يحكموا الناس في هذه القضية، وبالتالي هذا الاستحقاق كان لا بد أن يكون.
- في المجلس التشريعي السابق رفضت حماس المشاركة في الانتخابات في ذلك الوقت، الآن الظروف تغيّرت بالكلية، سواء تركيبة القيادة الفلسطينية أو الظرف الفلسطيني، أو موضوع فلسطين والمنطقة: احتلال العراق والحرب الدائرة والانتخابات التي جرت بها، موضوع لبنان وما جرى.. كل هذه القضايا متغيرات سياسية.
- كان تقدير الموقف السياسي من كل هذه المتغيرات بأنه لا بد أن يكون هناك خطوة سياسية تمنع أن تدفع المقاومة ثمنًا لمرحلة صعبة أبرز ملامحها أن اتجاهات الريح تواجه المقاومة، فكان لا بد من عملية الانتخابات البلدية والتشريعية حتى نحافظ على برنامج المقاومة ولا نجعله يصطدم ببرنامج آخر تصادمًا تدفع المقاومة ثمنه أو يدفع الشعب الفلسطيني أيضًا ثمنه.
- أين وصل موضوع إصلاح منظمة التحرير؟
- موضوع منظمة التحرير وإصلاحها بالغ الأهمية، وحتى الآن لا نلمس جدية من إخواننا في "فتح" والمنظمة، إن موضوعًا بحجم منظمة التحرير التي يتحدثون أنها (الممثل الشرعي والوحيد)، ثم يجعلون هذا الممثل الشرعي والوحيد ينام طيلة الفترة الماضية، ولا يبدون جدية لإيقاظه؛ الأمر المستغرب أنهم لا يتذكرون هذا النائم إلا حينما يريدون خطوة سياسية معينة..
- لا توجد إرادة سياسية لإصلاح منظمة التحرير وإيقاظ هذا النائم، بل على العكس، هناك استلاب للصلاحيات الأساسية، على سبيل المثال الآن الصندوق القومي الفلسطيني وهو الدائرة المالية لمنظمة التحرير، والمفروض أنها الدائرة الرئيسة، نقلت الآن وأصبحت جزءًا من صلاحيات مسئول المالية في السلطة.
- وكالة الأنباء الفلسطينية لمنظمة التحرير وهي الجهاز الإعلامي الكبير، نقلت الآن وأصبحت جزءًا من وزارة الإعلام في السلطة.
- السفارات الفلسطينية- على الرغم من أن اتفاقيات أوسلو تنص على أنه لا يوجد تمثيل خارجي للسلطة- الآن نقلت السفارات إلى وزير خارجية السلطة.
- أريد أن أقول إنَّ هناك عمليات تحويل لصلاحيات واسعة كانت جزءًا من صلب صلاحيات منظمة التحرير، ليس هناك جدية في إحياء وإيقاظ هذا النائم على الرغم من ورقة القاهرة، وعلى الرغم من تأكيدها أنه لا بد من إعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية.. في رأينا لا بد من وجود قيادة فلسطينية شاملة تعمل بدأب لصالح وحدة شعبنا في الداخل والخارج، لصالح الأرض الفلسطينية وعودة اللاجئين، لصالح ألا تحشر السلطة الفلسطينية تحت السيادة الصهيونية.
- هناك أسباب موضوعية كثيرة لا بد من تناولها من أجل تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، وهذه نقلناها بوضوح في لقاء القاهرة، قلنا ليس لدينا مانع من أن نشارك في منظمة التحرير، ولكن تعالوا جميعًا نتشارك في إيقاظ هذا النائم، ونعيد ترتيبه حتى يصبح غير مشوه.
أبو مازن
- هل ترون أن السلطة بالظروف المحيطة بها لا تشكل مرجعية فلسطينية؟
- معروف أصلاً أن السلطة لا تتمتع بالسيادة، هي سلطة خدمية، ولا بد من العمل في الداخل الفلسطيني، لتدعيم صمود شعبنا وتوحيد مواقفه وتوفير العيش الكريم له، وجعله أقدر على مواصلة المقاومة في مواجهة الاحتلال.
- أما قضية المرجعية الفلسطينية فنحن كنا ولا زلنا نعتقد أنه لا بد أن يكون هناك مرجعية سياسية للشعب الفلسطيني، هذه المرجعية لا بد أن تكون شاملة للداخل والخارج، وألا تكون مقيدة باتفاقيات خارجية وإنما تكون بإرادة فلسطينية حرة وليس عندنا مانع أن تكون هذه المرجعية هي منظمة التحرير، وطالبنا ولا زلنا نطالب بتشكيل هذه المرجعية على أسس ديمقراطية تشمل الجميع ولا تستثني أحدًا، وتحاول أن تكون هي مرجعية لكل عمل فلسطيني في الداخل والخارج حتى نستمر في نضالنا حتى تحقيق أهداف شعبنا، وهذا هو موقف حماس في هذا الموضوع.
- هل مشاركة حماس في المجلس التشريعي المدخل لتفعيل دور منظمة التحرير، ما برنامج حماس داخل التشريعي؟ ما الذي تريد أن تفعله داخل التشريعي؟
- "حماس " تريد في النهاية من أي مؤسسة من مؤسسات الشعب الفلسطيني أن تكون خادمة لهذا الشعب وتسهر على مصالحه، وبالتالي نحن نريد شفافية في التعامل ونفي للفساد وتقديم الأصلح وتقويم العمل التشريعي والعمل القويم داخل المجلس.
- السلطة يجب أن لا تتدخل في قضيتين أساسيتين، القضية الأمنية والقضية السياسية والسياسيات المتعلقة بها، القضية السياسية المفروض أن تكون من صلاحيات المرجعية العليا للشعب الفلسطيني التي تحدثنا عنها، الأمن والسياسة من صلاحيات المرجعية الفلسطينية، ومن ثم فإنَّ الأمر يجب أن ينسحب على المجلس التشريعي أيضًا، الذي عليه أن يتولى الصلاحيات المتعلقة بالوزارات الخدمية والوزارات المهنية والتعليمية التي تسهر على مصالح الشعب الفلسطيني، وتظل القضية السياسية والقضية الأمنية من صلاحيات المرجعية الفلسطينية، نجعل لها إطارًا غير المجلس التشريعي.
صورة المصحف وقد مزقته أيدي الصهاينة مزقهم الله
- جرى في سجن "مجدو" الصهيوني في الأسبوع الماضي تمزيق للمصحف الشريف بالتزامن مع محاولات صهيونية متكررة ومتواصلة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك ، ما تعليقكم على ذلك؟
- في المرحلة الأخيرة بدأ الصراع ينحو منحى جديدًا، أبرز مظاهره جاءت في ظل الحملة الأمريكية وربط الإرهاب بالإسلام، ومحاولة المس بقدسية أشياء كثيرة في هذا الجانب، واضح جدًا أنها قد تكون بدأت في أفغانستان و"جوانتنامو"، ولكن هذه القضية هي كالثقافة، والعولمة، وما إلى ذلك، أصبحت تنتشر بشكل كبير، والآن تتكرر مثل هذه الحوادث في سجون الاحتلال التي يؤسر فيها أبناء شعبنا وراء القضبان، وهذا شيء المفروض أن يتنبه له ليس الأسرى والسجناء فقط، المفروض هذه مسئولية عامة، هذا مقدس يشترك به الجميع، وهذا الكتاب هو كتاب رب العالمين، يجب أن يكون لكل واحد منا موقف، ليس فقط حركة حماس أو السجناء الموجودين في الداخل.
- القضية الثانية هي قضية جعلت الأمة كلها تتجه بقلوبها قبل أنظارها إلى فلسطين وهي قضية الأقصى؛ فقضية الأقصى ليست قضية بقعة من أرض فلسطين، إنها قضية تهم كل مسلم في كل المعمورة، وبالتالي، لا بد من حملة واسعة النطاق لأن التهديد الصهيوني للمسجد الأقصى تهديد جدي، تهديد متكرر، ولم يعد بين سنة وسنة، أصبح يثار ضمن فترات متقاربة، في محاولات جادة إما لهدم المسجد الأقصى أو لاقتحامه، وبالتالي لا بد من أن تتنادى كل الأطراف الإسلامية في هذا العالم، سواء شعبية أو مهنية أو نقابية أو منظمات مجتمع مدني أو حكومات لمعالجة هذه القضية ومحاولة المساهمة في إنقاذ المسجد الأقصى.
- إن شعبنا الفلسطيني وهو في الأسر، في سجن كبير، يدافع ويحمي المسجد الأقصى بقدر استطاعته، ولكن على الأمة بكاملها أن تدافع عن المسجد الأقصى .
- هل هناك كلمة أخيرة؟
- القضية المفروض أن ننتبه لها هي وهم التسوية، ووهم الانتخابات والاستغراق فيه. هذه أوهام كثيرة قد تجعل الناس كلهم ينصرفون للاعتقاد بأن المسألة أصبحت عملية انتخابات، ومن يفوز ومن يخسر.
- قضتينا هي قضية أرض محتلة، وقضية شعب مهجر وهي قضية مقدسة، لا بد من الانتباه أن الانتخابات مجرد ترتيبات، وأن المسيرة طويلة، وهدفنا الأساس مقاومة الاحتلال وعودة شعبنا، وهذا يجب أن يظل الأولوية الأولى، والهدف الأساسي، وكل ما هو دون ذلك هو عبارة عن رتوش وتحسينات لخدمة هذه القضية.
المصدر
- مقال:أبو مرزوق: حماس لن تتخلى عن المقاومةإخوان أون لاين