إخوان سوريا في حرب فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إخوان سوريا في حرب فلسطين


مقدمة

55شعار-الاخوان.jpg

فلسطين هي أرض الرّسالات السّماوية ومهد أنبياء العهد القديم وملجأهم الحصين فلقد كانت مهد الدّيانة اليهوديّة والدّيانة المسيحيّة فكانت مكان مهد سيدنا المسيح عليه السّلام وهي أيضاً قبلة المسلمين الأولى فلقد حدثت على أرضها رحلة الإسراء والمعراج التي قام بها النبي محمد صلّى الله عليه و سلّم والتي ذكرت في القرآن الكريم ولذلك تتمتّع فلسطين وأراضيها المقدّسة بمكانة عالية جدّاً في قلوب كل الأمة العربيّة بمختلف شعوبها وديانتهم.

و عن ذي الأصابع قال: قلت يا رسول الله: "إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: "عليك ببيت المقدس، فلعله ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذاك المسجد ويروحون".[أحمد ، والهيثمي].

و عن أبي هريرة عن النبي قال: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق - إلى أن تقوم الساعة".

لماذا شارك الإخوان في الحرب؟

إن قضية فلسطين لدى الأمة قضية محورية وجوهرية في اهتماماتها، بل هي قضية عقيدة. بقعة مباركة من الأرض لها وضع خاص في مجال العقيدة وفي مجال التاريخ. بقعة كما كانت مسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كانت مركز التقاء كل الأنبياء عليم الصلاة والسلام.

وإن أي أرض إسلامية احتلها مغتصب فقد وجب على أهلها استردادها حتى تخرج المرأة دون إذن زوجها، ويخرج الولد دون إذن والديه، ويخرج العبد دون إذن سيده، ذلك أن الدفاع عن الأرض والوطن في هذه الحالة فرض عين على جميع أهل الوطن المحتل، فإن استطاعوا ردها فبها ونعمت، وإلا فقد وجب على الدول المجاورة معاونتها.

ومن خلال أقوال الفقهاء يتعين على أهل الأرض المسلمة المحتلة الجهاد من أجل تحريرها؛ أي يُفرض عليهم الجهاد كالصلاة المفروضة وكصيام رمضان.

و الدفاع عن القدس وتحريرها بجميع الوسائل المتاحة فريضة شرعية، وضرورة قومية، ووطنية، وإنسانية. وأن التخلي عن هذه القضية هي التخلي عن هوية الأمة ومقدساتها.

ولذا تمثل فلسطين في فهم الإخوان

"أرض وقفٍ إسلامي على جميع أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يفرّط أو يتنازل ولو عن جزء صغير جدًا منها ولذلك فهي ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل هي ملك للمسلمين جميعًا... فعلى المسلمين في كلّ مكان أن يساهموا عمليًّا في تقديم المال والدم للدفاع عنها".

من أجل ذلك عمل الإخوان على تحقيق هتافهم[[[الجهاد]] سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا]

لقد تحدث كثير من الباحثين والكتاب عن دور الإخوان المسلمين في مصر نحو القضية الفلسطينية منذ مؤتمر القدس عام 1931م، حتى كللت بدورهم في الحرب حينما أرسلوا كتيبتين إلى فلسطين، وقد نال بعضهم الوسام الملكي من الدرجة الأولى ونشرت صحيفة الأهرام عام 1949م ذلك الخبر. لقد أدرك الإمام ما يبيت لفلسطين من شرور ومخططات ترمي إلى خطفها من أهلها ، وإحلال اليهود الوافدين إليها من كل الآفاق محلهم ، بدعم من البريطانيين، وقد عبر البنا عن ذلك بقوله: إن مصر والعالم العربي والإسلامي يفتدي فلسطين (1).

وكان لموقف البنا من القضية الفلسطينية دافع أن يمتدحه الدكتور مصطفى السباعي بقوله : فوالله ما رأيت إنسانًا أروع في الفداء ، وأخلص في النصح ، وأنبل في التربية ، وأكرم في النفس ، وأعمق أثرًا في الإصلاح من حسن البنا رحمه الل (2).

لكن لم يتحدث الكثيرين عن دور إخوان سوريا في هذه الحرب والتضحيات التي قدموها من أجل الدفاع عنها.

دعوة الإخوان في قلوب السوريين

بداية عام 1937 استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: (دار الأرقم)، أي أن النشأة الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر الأميري، الأستاذ عبد القادر الحسيني، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذ فؤاد القطل، الشيخ عبد الوهاب الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل (3).

أما في دمشق فتأسست جمعية الشبان المسلمين، وكان على رأسها الشيخ محمد المبارك، ومن أعضائها الدكتور فايز الميت، والأستاذ محمد خير الجلاد، والأستاذ بشير العون، والدكتور زهير الوتار (4).

أما في حمص فتأسست جمعية الرابطة، وكان سكرتيرها العام الدكتور مصطفى السباعي (5).

أما في حماة فتأسست جمعية «الإخوان المسلمين»، وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الحموي، والتي أُنشئت عام 1939، وكان الشيخ محمد الحامد يرتبط بعلاقة قوية مع الإمام البنا (6).

عقدت الجمعيات المختلفة لشباب محمد مؤتمرها الخامس في حلب في ذي الحجة سنة 1364ه، الموافق نوفمبر 1945م، وقررت إلغاء المركز الرئيسي في حلب، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتبًا دائمًا، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا، هو الشيخ مصطفى السباعي (7).

نشط الإخوان خلف رموز دعوتهم واستطاعوا أن يتركوا بصمات قوية على أرض الواقع، وانتسب عدد كبير من الشباب، والذي امتلأ قلبه بحب الجهاد من اجل دينه ووطنه، فأخذ يترجم شعار [[[الجهاد]] سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا] ترجمة حقيقية.

جهود إخوان سوريا لنصرة فلسطين

منذ أن خطط اليهود للسيطرة على فلسطين، وحصولهم على وعد بلفور، وهم قد استعدوا لهذا الحدث من خلال التدريب الجيد، والاشتراك في الحروب لكسب المهارة، وشراء الأراضي من بعض الفلسطينيين، والعمل على إسقاط الخلافة الإسلامية – والتي كانت تمثل حجر عثرة أمام المخطط الصهيوني.

وجرت العديد من المذابح، حتى كان قرار الأمم المتحدة رقم 181 والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947م، ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، حيث كانت أكبر نكسة منى بها العالم الإسلامي.

ولقد وصف وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس فورستال في مذكراته تعليقاً على هذا الموضوع: "إن الطرق المستخدمة للضغط ولإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة" (8).

ولذا أصدر الإخوان المسلمون تصريحا رسميا بتاريخ 30/ 11/1947 بينوا فيه موقفهم المبدئي من قرار التقسيم كما يلي :

لقد حان الوقت كي يريهم العرب والمسلمون أن وعودهم وتهديداتهم ليست سوى أكاذيب ، وأن يتصدوا لعبيد الدولار ، الذين يمتصون دماء الشعوب ، ويعبثون بأسس العدالة ، فإن العرب اشد روحانية من الصهاينة ، وأقوى منهم تمسكا بالدين ، وأشد منهم تضحية بالدم والمال والنفس والشهادة ، فإن تلك المؤامرة التي تنم عن احتقار شديد لحقوق الشعوب واستهزاء بكرامتهم ، ليست سوى حلقة من مسلسل تساندت فيه كل الدول العظمى الثلاث لأجل مصلحتها من خلاله ، وكل منها أدت دورها (9).

لم يقف الأمر عند ذلك بل طالب الدكتور مصطفى السباعي بإعادة تقويم العلاقات الاقتصادية مع الدول الكبرى ، كما طالب بالمقاطعة البترولية ، والتوقف عن إعطاء تصاريح من اجل التنقيب ، أو إغلاق أنابيب البترول لمدة سنة لحل المشكلة الفلسطينية وتبديد الأحلام الصهيونية (10).

كما كتب الدكتور مصطفى السباعي يقول:

مأساة الأندلس تمثل مرة ثانية على مسرح الحياة في تاريخ العرب والإسلام ، تلك هي مأساة فلسطين! ووصف فلسطين بأنها قلب العرب النابض ، ومفتاح جزيرة العرب ، وأن كل ذرة من أرضها امتزجت بقطرة من دماء أجدادنا الطاهرين (11).

ومن الأشياء العملية الجميلة التي قام بها إخوان سوريا أن أرسلوا مجموعة من الشباب إلى يافا وتل أبيب وحيفا والقدس وكثيرا من المستعمران اليهودية حيث اطلعوا بأنفسهم على الوضع الحقيقي فيها وعادوا معبئين ضد ما يفعله اليهود (12).

ورفع الإخوان بعد ذلك مذكرة إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي بتاريخ 31-12-1947 نشرتها المنار في 4-1-1948 تضمنت ما يلي :

أ- فرض ضرائب إضافية من أجل فلسطين.
ب- مراقبة اليهود في سورية بسبب تعاونهم مع الصهاينة.
جـ- نشر الوعي لدى الشعب ، ولاسيما بين العمال والفلاحين عن طريق الراديو الصحافة والمناشير والأقلام والخطب والرحلات.
د- إدخال تاريخ فلسطين كمادة أساسية في مناهج التعليم.
هـ - تأسيس هيئة عليا من العلماء والمفكرين تتولى تطبيق هذه الاقتراحات ، وتشرف على تنفيذها. ثم أكدت المذكرة في القضاء على مظاهر التحلل والفساد ، وعلى مقاطعة البضائع الصهيونية ومحاربة قرار التقسيم ، وعدم عقد اتفاق مع شركة التابلاين (13).

دماء سورية على الأراضي الفلسطينية

عندما اندلعت حرب فلسطين شارك الإخوان في مصر وسوريا وكثير من البلاد في التصدي للصهاينة، وكان على رأس إحدى الكتائب التي خرجت من قطنة بسوريا المراقب العام مصطفى السباعي.

كان الإخوان في سوريا أول هيئة شعبية تتبنى قضية فلسطين وتتولى شرحها للرأى العام في سوريا، وأصبحت مراكزهم وشعبهم في جميع المدن السرية منابر للدعوة لقضية فلسطين من خلال المحاضرات والمؤتمرات التي يعقدونها لشرح مطامع اليهود في فلسطين (14).

وحينما قررت بريطانيا سحب قواتها اقبلت جموع الإخوان وأبناء الشعب السوري لتسجيل أسمائهم للتطوع في جيش التحرير، إلا أن الحكومة السورية منعت التطوع إلا من خلال الجامعة العربية وتحت مظلة جيش الإنقاذ، فأوعز الإخوان إلى شبابهم بالتطوع في جيش الإنقاذ، إلا أنهم أدركوا أن طبيعة تكوين هذا الجيش وأسلوبه في العمل لا تتلائم مع الروح الإخوانية، فطالبوا بأن تكون لهم كتائبهم الخاصة، وأمام إلحاحهم وافقت الجامعة العربية على كتيبة واحدة شريطة أن تتولى الجامعة العربية الإشراف عليها.

يقول الأستاذ السباعي :

أقبل الشعب إقبالا منقطع النظير على تسجيل أسمائهم كمتطوعين في جيش التحرير المرتقب ، ولكن الحكومة فاجأتنا بقرار يمنع أي الهيئة من تسجيل المتطوعين ، وكان واضحا أننا نحن المقصودون بهذا القرار ، إذ لم تكن هناك هيئة أعلنت عن قبول المتطوعين غير الإخوان، ويذكر الأستاذ السباعي أن الاتفاق تم مع طه الهاشمي- مسئول جيش الإنقاذ - على أن تذهب كتيبة الإخوان للتدريب على أساليب القتال في معسكر قطنا قرب دمشق ، وأن يكون المكان الذي يقاتلون فيه هو مدينة القدس التي كان القتال فيها من أخطر المعارك ، لأنه كان بين بيت وبيت ، ولا يفصل بين مواقع المجاهدين العرب وبين الصهاينة إلا شارع ضيق لا يزيد عرضه على بضعة أمتار (15).

ويضيف الشيخ:

عدنا إلى الإلحاح مرة أخرى في السماح لشبابنا بتشكيل كتائب خاصة بهم ، فكان الجواب : إذا أردتم أن تذهبوا في أفواج خاصة ، فنحن لا نقدم لكم سلاحا ، بل يجب أن يكون سلاحكم منكم ، فلم يكن امتناع المسئولين عن إعطائنا السلاح إلا تحميلنا مالا نقدر عليه ، فلم نجد بدا من عروض الأمر على الإخوان المتطوعين ، فكان من حماستهم ما يذهب ويدهش ، فنهم من تبرع بثمن بندقية ، ومنهم من اشترك مع أخ أو أخوين في ثمن بندقية ، وقد رأيت بعضهم وكان على أهبة الزواج يبيع أحدى سجادتيه اللتين اشتراهما لزواجه. ورأيت من باع منهم بعض ثيابه ، ورأيت من استدان ، وهكذا (16).

ويقول عارف العارف:

اشترك الإخوان السوريين في حرب فلسطين زهاء أربعمائة أخ، مئة منهم بقيادة الشيخ السباعي، والباقون انخرطوا في صفوف جيش الانقاذ، وقد استشهد منهم أحد عشر شخصا وجرح زهاء خمسين (17).

انطلق الإخوان يبيعون من أثاث بيوتهم، ويجمعون التبرعات ليشتروا بها السلاح والذخيرة لإخوانهم المتطوعين، ونجحوا في تخطى العقبات التي وضعتها القيادة الرسمية، وبدأت أولى كتائبهم تدريبها في معسكر قطنة بجوار إخوانهم المصريين.

دخلت كتيبة الإخوان السوريين بقيادة السباعي وعملت بهمة ونشاط في مناطق القدس والمثلث، وساهمت مساهمة فعالة في الدفاع عن هذه المناطق (18).

وصل الفوج الأول للقدس برفقة المجاهد عبد القادر الحسيني وكان يقود الإخوان الملازم عبد الرحمن الملوحي وعدنان الدبس، وما أن وصلوا كانت المعارك محتدمة في القسطل، فاندفع الإخوان يخوضون المعركة جنبا إلى جنب مع إخوانهم مجاهدي فلسطين.

وأثناء مرور الفوج الثاني بقيادة السباعي المتجه للقدس استنجد به الفلسطينيين الذين كانوا يخوضون معركة مع اليهود في مستعمرة النبي يعقوب، فتعاونوا معهم على دحر اليهود ثم أكملوا مسيرتهم للقدس حيث اشتركوا في المعارك الضارية فيها (19).

ويقول السباعي:

ثم سافر الفوج الثاني ، وكان معنا مقاتلون آخرون بقيادة ضابط مسيحي من أبناء فلسطين اسمه عيسى ، فاجتزنا جسر النبي إلى فلسطين ، وتقرر أن نتجه إلى أريحا قرب القدس ، ثم ننتقل منها إلى القدس ، ثم قال رحمه الله : وتوزعنا على بيوت قرية مجاورة - البيرة- وكان نصيبي أن أبيت تلك الليلة في بيت خوري القرية - رجل الدين المسيحي فيها- وقد لقيت منه ومن أسرته كل ترحاب وإكرام.

قام السباعي بتوزيع الإخوان على مناطق القدس العربية التالية : الشيخ جراح ، المصرارة ، سعد وسعيد ، القطمون. وكانت مسئولية القيادة فيها موزعة على المجاهدين السادة : عندنا الدبس وزهير الشاويش وكامل حتاحت ، وكان مقر السباعي في غرفة القيادة - بالروضة - المطلة على المسجد الأقصى مع الضابط فاضل عبد الله - العراقي- والملازمين عبد الرحمن الملوحي وجمال الصوفي (20).

وتمكن الإخوان السوريين المرابطون في بيت المقدس بالتعاون مع الإخوان المصريين والأردنيين المرابطين في صور باهر وعين كارم من إحكام الحصار حول اليهود داخل القدس والمستعمرات القريبة، ولقد استبسل الإخوان في الدفاع عن القدس.

ورغم الخطط التي فرضها الاستعمار وأذنابه، إلا أن الإخوان المجاهدون استطاعوا التسلل والدخول إلى الأراضي الفلسطينية، ويواجهوا اليهود في العديد من المدن (21).

عاد السباعي إلى القدس ، وبعد أيام وقعت الهدنة المشؤومة - كما وصفها السباعي رحمه - قال :

أ- إن جيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية ، ووكلت قيادته إلى فوزي القاوقجي لم يكن إلا تسكينًا لشعور العرب الهائج في كل بلد ، وإنه لم يكن يقصد منه جديًا أن يقاتل ويمنع سقوط المدن والقرى العربية بأيدي اليهود.
ب- كانت مهمة جيش الإنقاذ تحطيم منظمة الجهاد المقدس التي انخرط فيها شباب الفلسطينيين ، وأبدوا فيها من البطولات ما سجله لهم التاريخ بإعجاب وإكبار ، وكان قائدها الشهيد البطل عبد القادر الحسيني يحاول أن يحصل من الجامعة العربية على السلاح فخاب مسعاه ، وعندما جاء إلى قطنا ليأخذ الفوج الأول من الإخوان قال : طلبت منهم مدفعًا واحدًا فرفضوا ، وأعطوني مائة بندقية لا تصلح إلا لوقود النار.
ج- لم تخض قيادة جيش الإنقاذ معركة جدية واحدة في فلسطين ، فالقاوقجي كان مقيما قرب نابلس ، وصفوت باشا وطه الهاشمي لم يدخلا فلسطين قط ، بل كان مقر الهاشمي في دمشق ، وكان صفوت باشا ينتقل بين القاهرة ودمشق، أما الهزيمة فحسبي أن ألخصها لك بكلمة واحدة هي- الخيانة (22).

انتهت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى بالنسبة لمعظم الدول العربية ، إلا أن تلك النهاية لم تكن مقبولة لدى الإخوان المسلمين ، ففي لقاء كبير في الجامع الأموي في دمشق ، أرسلت البرقيات إلى رؤساء الدول العربية تطالب برفض قرارات مجلس الأمن ، وبمتابعة القتال ، وفي نهاية اللقاء خرجت مظاهرة في سوق الحميدية متجهة إلى البرلمان ، يرأسها معروف الدواليبي ومحمد المبارك ومصطفى السباعي (23).

كانت مواقف الإخوان وبطولاتهم في ساحة القتال ، وتضحياتهم مبعث إعجاب وإكبار لدى قادة الجهاد الفلسطيني من أعضاء اللجنة العربية العليا ، ومن القادة الميدانيين ، ومن المؤرخين لأحداث فلسطين ، فقد جاء في كلمة الأستاذ أميل الخوري المقرب من الحاج أمين الحسيني ورفيق دربه لفترة طويلة ، تحت عنوان : ذكريات من جهاد السباعي جاء فيها في ليلة الثني من مايس/ مايو عام 1948 ، وفيما كانت طلائع المجاهدين تتقدم نحو مستعمرتي عطاروت ونفي يعقوب فوجئنا بقدوم عدد من الرجال المسلحين ، أكد لنا الحرس أنهم من العرب ، وأنهم يريدون المساهمة في الجهاد والانقضاض على المستعمرتين ، فلما ذهبنا للاتصال بهم ، وجدنا أنهم قوة سورية مؤلفة من 150 رجلاً ، جلهم من الشبان ، يتحرقون شوقًا لخوض غمار القتال ، وكان على رأس هذه القوة المرحوم الشيخ مصطفى السباعي في لباس الميدان متمنطقًا سلاحه للجهاد في سبيل الله ، فهلل المجاهدون وكبروا ، ورحبوا بإخوانهم في الجهاد أجمل ترحيب ، وقبيل خوض المعركة الخطيرة حاولنا إبقاء الشيخ مصطفى السباعي في مقر القيادة ، وهو بعيد نسبيًا عن أرض المعركة ، كما سعيت شخصيًا لإقناع الشيخ بالبقاء في القيادة للقيام بأعمال خطيرة ومهمة ، لكنه أبى ورفض ، وأصر على خوض غمار المعركة مهما كلفه الأمر ، ولما لم نستطع ثني الشيخ عن عزمه ، وافقناه على ما يريد ، واخترنا مركزًا يشغله وأترابه ، ولكنه لم يقبل ذلك ، وصمم أن يشترك بنفسه في الطليعة ، فكان له ما أراد ، وخاض الشيخ السباعي ورفاقه المعركة ببطولة عظيمة ، إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين ، وانتهت المعركة بنصر مؤزر. انتقل الشيخ مصطفى ورفاقه بعد معركة المستعمرات في لواء القدس ، وانضم إلى قوات الجهاد المقدس في المنطقة الوسطى ، متعاونًا مع القائد المرحوم حسن سلامة ، وظل يجاهد في فلسطين حتى وقعت كارثة 15- 5- 1948 ، فاضطر هو ورفاقه إلى الانسحاب من فلسطين تنفيذا لأوامر القيادة العسكرية العربية النظامية وتعليماتها (24).

بعد إعلان الهدنة التي فرضت على القيادات العربية ، توقف القتال ، وعادت كتائب الإخوان من فلسطين ، وعاد السباعي إلى دمشق يحمل جراحات قلبه (25).

وعندما سدت جميع الطرق أمام الإخوان لمتابعة القتال على أرض فلسطين ، تحركوا في ساحات أخرى لنصرة القضية المأساة ، عن طريق المحاضرات والصحافة وإصدار النشرات والكتب والمجلات الأسبوعية والشهرية ، والقيام بجولات على المدن والقرى لتعبئة المواطنين ، وإدخال موضوع فلسطين في المناهج التعليمية ، وتقديم المذكرات إلى الحكومات وجميع الجهات المعنية ، وتخصيص أسبوع من كل عام لإحياء القضية الفلسطينية في النفوس والضمائر ، وتأليف الجمعيات الخاصة بالدفاع عن فلسطين في بلاد الشام والعراق.

المراجع

  1. رسالة مؤتمر رؤساء المناطق والشعب ومراكز جهاد الإخوان المسلمين على مستوى القطر المصري 2شوال 1364ه- 8 سبتمبر 1945م، صـ630
  2. مصطفى السباعي: عظماؤنا في التاريخ، دار الوراق للنشر والتوزيع، 1420هـ/ 1999م، صـ247.
  3. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السابع، صـ 66.
  4. المرجع السابق
  5. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، مرجع سابق، صـ 123
  6. سعيد حوى: هذه تجربتي وهذه شهادتي، (القاهرة، مكتبة وهبة، 1987م)، صـ39.
  7. حسني أدهم جرار: الدكتور مصطفى السباعي: قائد جيل ورائد أمة، طـ 1(دار البشير للنشر والتوزيع،1994م) صـ 66- 67.
  8. فهد حجازي: لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف،طـ1، الجزء الثالث، (بيروت لبنان، دار الفارابي للنشر والتوزيع، 2013م)، صـ 40
  9. يوهانس رايسنر: الحركات الإسلامية في سوريا، ت محمد عبد الله الأتاسي، الطبعة الأولى(بيروت،رياض الريس للكتب والنشر ، 2005م)، صـ 258
  10. مجلة المنار 3-12-1947
  11. مجلة الفتح: العدد 448، 5 ربيع الأول عام 1354هـ/ 6-6-1935م
  12. كامل الشريف: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، 1987م)صـ 324
  13. عدنان سعد الدين: الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) صـ 130.
  14. حسني أدهم جرار: الحاج أمين الحسيني رائد جهاد وبطل قضية، عمان، دار الضياء للطبع والنشر والتوزيع, 1987، صـ379
  15. محمد مصطفى السباعي: مصطفى السباعي بأقلام محببة وعارفيه، دار الوراق للنشر والتوزيع, 2000، صـ459.
  16. الإخوان المسلمون في حرب فلسطين: مرجع سابق، صـ226.
  17. عارف العارف: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، 19471949م، الجزء الثاني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2012م، صـ 436.
  18. الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، مرجع سابق، صـ 70
  19. زياد أبو غنيمة: الحركة الإسلامية وقضية فلسطين، عمّان: دار الفرقان، 1985، ط1، صـ 94
  20. الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، مرجع سابق، صـ 329-331.
  21. محمود سالم عبيدات: أثر الجماعات الإسلامية الميداني خلال القرن العشرين، مكتبة الرسالة الحديثة, 1989م.
  22. جوزيف إلياس: تطور الصحافة السورية في مائة عام 1865م - 1965م ، جـ2 ، طـ1، دار النضال للطباعة والنشر والتوزيع، 1983م، صـ 169- 181
  23. الحركات الإسلامية في سورية: مرجع سابق، 280.
  24. حسني أدهم جرار: الدكتور مصطفى السباعي: قائد جيل ورائد أمة، دار البشير للنشر والتوزيع،, 1994م، صـ 89- 90.
  25. المرجع السابق: صـ 92