اجتماع رام الله : دلالات.. وعبر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اجتماع رام الله : دلالات.. وعبر
علم فلسطين.jpg


بقلم : محمد السهلي

من غير المنطقي أن ينتاب المفاوض الفلسطيني شعور بالتذمر من أشكال التعبير الجماهيري والسياسي التي ترفض المفاوضات في ظل هذه الشروط المجحفة ترفض الإدارة الأميركية أية إشارة يمكن أن توحي بأن المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قد تعطلت.

ويصر المبعوث ميتشل على تصنيف تحركاته مؤخرا في خانة المفاوضات غير المباشرة (!) وأن جولاته المكوكية بين الأطراف ذات الصلة والاهتمام إنما هي جزء لا يتجزأ من جهود جسر الهوة بين الجانبين لتمكينهما من الخوض في جدول أعمال المفاوضات المباشرة.

يحصل هذا بعد نحو شهر من تدشين المفاوضات في واشنطن، وقبل شهر من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة.

وهذا يفسر النشاط الأميركي المحموم من أجل دفع عجلة المفاوضات قدما وتوسيع دائرة الجولة التي قام بها المبعوث الأميركي في المنطقة.

فهل تتمكن هذه التحركات من إعادة المفاوضات إلى مشهدها السابق أم أن المفاوض الفلسطيني سيتمسك بالموقف الذي أكد عليه اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله ورفض الاستمرار في المفاوضات دون توقف الاستيطان؟

لقد أكد اجتماع رام الله في سياقه ونقاشاته والاستخلاصات التي خرج بها حقائق سبق وأن تم التأكيد عليها منذ بداية الحديث عن إطلاق المفاوضات. وقلنا بأن الدخول في المفاوضات سيضع جهود التسوية السياسية في طريق مسدود.

وإن الوقت المهدور في الجولات التفاوضية سيجري تثميره من قبل الجانب الإسرائيلي في توسعة الاستيطان وتسعير التهويد وهو ما حصل فعلا.

ومن يقرأ البيان الصادر عن اجتماع رام الله يلتبس عليه فيما إذا كان الفريق الفلسطيني المفاوض قد شارك فعلا في صياغته إذ أنه يركز على المعادلة ذاتها التي رفضنا الدخول بموجبها إلى المفاوضات لأنها تتزاوج مع استمرار الاستيطان، وأن ما كان يسميه نتنياهو بالتجميد ليس إلا يافطة خادعة بعد أن نزلت الإدارة الأميركية عند اعتباراته وضغطت باتجاه تجميد جزئي مكّن من انجاز ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة.

· ويؤكد ما دار في اجتماع رام الله أن الذهاب إلى المفاوضات قد تم بناء على الدعوة الأميركية حصرا وبدون شروط مسبقة وأن لا صحة لما حاول البعض تصويره من أن الالتحاف بالمفاوضات قد تم بناء على بيان الرباعية الصادر في 20 آب /أغسطس، الماضي، الذي رفضه نتنياهو لأنه يشير إلى بيانات الرباعية السابقة وخاصة الصادر في 19/3/ 2010 ، ولأنه يلحظ دورا ما للرباعية ترفضه تل أبيب كما ترفضه واشنطن التي تصر على أن تكون إدارة المفاوضات والإشراف عليها امتيازا أميركيا خالصا.

· ويؤكد الاجتماع أيضا صحة التقدير بان ما يسمى بالراعي الأميركي لا يقف على مسافة واحدة من الجانبين المتفاوضين، ويعتبر الطلبات الفلسطينية المحقة شروطا مسبقة تهدد جهوده المبذولة في التسوية السياسية وتعيقها، في الوقت الذي ينظر فيه إلى الشروط الإسرائيلية كاعتبارات يجب أخذها بنظر الاعتبار «حرصا» على سلامة الائتلاف الحكومي في إسرائيل و«احتراما» لمشاعر المستوطنين الذين ينظرون إلى مجرد طرح تجميد الاستيطان وكأنه اعتداء صارخ على حق طبيعي لهم في التمدد الاستيطاني في القدس وباقي أنحاء الضفة الفلسطينية.

وقد سبق للرئيس عباس أن طرح في اجتماع سابق للجنة المتابعة العربية (آب /أغسطس/ 2010) بأن الرئيس الأميركي أوباما قد تراجع عن وعود كثيرة قطعها له وتتعلق بحدود الـ67 وتجميد الاستيطان، بل ووجهت الإدارة الأميركية تهديدات سافرة للجانب الفلسطيني في حال لم يلتحق بالمفاوضات المباشرة.

وفي الوقت الذي تضيق فيه الإدارة الأميركية الخناق على الجانب الفلسطيني، تحذره من اللجوء إلى الأمم المتحدة ومطالبتها بتنفيذ قراراتها الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني بدءا من تقرير المصير وانسحاب الاحتلال حتى حدود الرابع من حزيران 67، ورفض أية تغييرات في الأراضي المحتلة عامة وفي القدس على وجه الخصوص باعتبارها جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967.

· وما تم التأكيد عليه في اجتماع رام الله من عدم الاستمرار في المفاوضات مع استمرار الاستيطان يجعلنا نلفت الانتباه إلى ضرورة التعامل مع وقف الاستيطان كمبدأ لا يقبل الإدراج في سلم العروض التوفيقية.

فعندما يبدأ الحديث عن وقف الاستيطان لمدة قصيرة (شهران مثلا) نكون قد وضعنا هذا المبدأ في كفة ميزان المناقصة، وإذا كانت الإدارة الأميركية ومعها الرباعية قد دعتا إلى التوصل إلى اتفاق خلال عام، فلماذا يجري الحديث عن وقف الاستيطان لمدة شهرين فقط..

ألا يعيد هذا الثنائية المرفوضة وهي مزاوجة الاستيطان مع المفاوضات؟

والمشكلة الأخرى أن ما تتم فيه التجزئة والمناقصة في مجال مدة تجميد الاستيطان سيسحب نفسه على جغرافية هذا التجميد (إن حصل) وقد بدأ الحديث منذ الآن وعلى لسان المبعوث ميتشل عن استثناءات يجب أن يقبلها المفاوض الفلسطيني بشأن تجميد الاستيطان.

من هذه الزاوية، نرى أن المطلوب استكمال ما جرى ونوقش في اجتماع رام الله من خلال متابعة اللجنة السياسية التي أحيلت إليها بحث الخيارات البديلة في حال أصر الجانب الإسرائيلي على مواصلة الاستيطان، لأن المماطلة في عمل اللجنة وتسويفه سيضع هذه الإحالة في دائرة الشك من أن الهدف من هذه الخطوة هو توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية لعلها تبحث عن حلول وسط «أفضل» في مقاربة موضوعة تجميد الاستيطان.

· وإذا كان من غير المطلوب ولا المفيد في هذا الوقت أن نواصل تذكير المفاوض بصحة مواقفنا، فإنه من غير المنطقي أيضا أن ينتاب المفاوض الفلسطيني شعور بالضيق والتذمر والشكوى مما يجري على الأرض من أشكال التعبير الجماهيري والسياسي التي رفضت ولا تزال الدخول ومن ثم الاستمرار في المفاوضات في ظل الشروط المجحفة.

ولا يصح أن ينظر لهذه الفعاليات على أنها تربة خصبة «للتشكيك والتخوين».

ولا نعرف هنا من هي هذه الجهة التي تجد مصلحة في تصوير هذه الفعاليات بهذا الشكل المسيء إلى من نظمها ودعا إليها وهو شريك في إدارة الشأن الوطني وجزء أساسي من حوامل المشروع الوطني الفلسطيني التحرري وإحدى الدعامات التي استندت إليها الثورة الفلسطينية المعاصرة في انطلاقها ونهوضها.

إن مثل هذه التحركات الرافضة للمفاوضات بهذه الشروط، إنما تشكل عنوانا يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يستقوي به في وجه الضغوط الخارجية ولا يجب أن يترك هذه الميدان لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي يستفيد من كل تصريح وتحرك يجري ضد تجميد الاستيطان ولو كان شكليا.

اجتماع رام محطة يمكن أن ننطلق منها باتجاه استخلاص الدروس والعبر...

ويمكن أيضا ألا يحصل ذلك في حال بحث البعض عن أنصاف حلول..

المصدر