الإخوان المسلمون ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي ( حقبة عبد الناصر ) (الحلقة الخامسة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي ( حقبة عبد الناصر ) (الحلقة الخامسة)


بقلم : زياد أبو غنيمة

عبد الناصر والإخوان

بعد ستين عاما من قيام حركة 23 يوليو 1952 م لا تزال علاقة البكباشي جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان المسلمين حلبة جدال تتصارع فوقها روايات متضاربة ، رواية تؤكـِّـد مبايعة جمال عبد الناصر لمؤسِّـس الإخوان ومرشدهم الأول الإمام حسن البنا ، ورواية تنفي أية علاقة لعبد الناصر بالإخوان ، ورواية تؤكـِّـد عضوية عبد الناصر في الحزب الشيوعي المصري الذي كان يرمز إليه بحركة ( حدَّتو ) ، فأي الروايات هي الأصح .؟

الرواية الإخوانية :عبد الناصر بايع الإخوان

على الجانب الإخواني تلتقي معظم الروايات الإخوانية على أن البكباشي جمال عبد الناصر قد انضمَّ فعلا إلى تنظيم ضبَّـاط الإخوان المسلمين ، ففي كتابه ( حقيقة الخلاف بين ـ الإخوان المسلمون ـ وعبد الناصر ) يتحدَّث القيادي الإخواني محمد حامد أبو النصر ( المرشد العام الرابع ) عن بدايات العمل الإخواني داخل الجيش المصري قائلا : ( في أواخر الثلاثينيات كانت تـُلقى الدروس في دار المركز العام للإخوان المسلمين ويحضرها خليط من أفراد الشعب ومن هؤلاء الكثير من جنود الجيش الذين كانوا يتأثرون بمعاني الدروس والتوجيهات التربوية التي تدعو إلى الإقدام والتضحية في سبيل العقيدة والوطن ، وكان هؤلاء الجنود توزَّع عليهم مجلة) الإخوان المسلمون ) التي كانوا يحملونها إلى داخل وحداتهم العسكرية فكان يطلع عليها بعض الضباط الذين يُعجب بعضهم بما ينشر فيها من مقالات وما تناقشه من قضايا تمسُّ الوطن كالاحتلال البريطاني لمصر وبعض البلاد العربية فتغرس في نفوس الضباط والجنود معاني التضحية والفداء وحفظ الكرامة وما إلي ذلك من فضائل الأخلاق التي يجب أن يتحلَّى بها الجندي ، ولما كانت الوحدات العسكرية تحتفل بالمناسبات الدينية مثل ذكرى الهجرة والمولد النبوي الشريف وغيرها من المناسبات كان يُدعى لها العلماء والوعاظ ومن بينهم الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين الذي كان لأسلوبه العذب وطريقته السهلة في تناول الموضوعات تأثير على بعض الضبَّـاط والجنود الذين حرص الإمام البنا علي إلحاقهم بجماعة الإخوان المسلمين وضمِّهم في تنظيمات الجماعة الخاصة تحت إشراف الضابط الإخواني الصاغ محمود لبيب الذي كلـَّـفه البنا باختيار عدد من الضبَّـاط والجنود المُتدينين والوطنيين لتزويدهم سراً بالمنشورات التي كان يقوم على تحريرها الإخوان المسلمون والتي كانت تناهض الإحتلال البريطاني لمصر والبلدان العربية ، وتبث ُّ في الجنود روح اليقظة والشجاعة ، وكانت تصدر بتوقيع ( الجنود الأحرار ) ، وكان من أسبق الإخوان الضباط الذين اندمجوا في صفوف الجماعة الصاغ أبو المكارم عبد الحي ( اللواء لاحقا ) والصاغ طيار) اللواء لاحقا ) عبد المنعم عبد الرءوف ) هو الذي حاصر قصر الملك فاروق وأجبره على التنازل عن العرش بعد نجاح حركة 23 يوليو 1952 م ) ، وفي أوائل 1944 م التقي عبد المنعم عبد الرؤوف بالإمام حسن البنا في المركز العام للإخوان المسلمين بحضور الصاغ محمود لبيب الذي عينه المرشد العام وكيلا له للشؤون العسكرية ، وبايع عبد المنعم الإمام حسن البنا وأخذ على عاتقه أن ينشر الدعوة بين الضبَّـاط ، وتمكـَّـن بعد فترة أن يُكوِّن أسرة إخوانية من الضباط جمال عبد الناصر وصلاح خليفة وحسين محمد أحمد حمُّودة وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وسعد توفيق ، وكانوا يلتقون بالإمام الشهيد حسن البنا جماعات وأفرادا بحضور الصاغ محمود لبيب ، وفي لقاء في بيت القيادي الإخواني صالح العشماوي بايعوا على دعوة الإخوان ، ثمَّ لحق بهؤلاء في الإنضمام لتنظيم ضبَّـاط الإخوان وبايعوا علي دعوة الإخوان المسلمين علي فترات مختلفة ضبَّـاط آخرون هم حسن إبراهيم وحسين الشافعي وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وفؤاد جاسر وجمال ربيع ويلاحظ أن بعض هؤلاء الضبَّـاط الإخوان أصبحوا أعضاء في مجلس قيادة حركة 23 يوليو وهم : جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم وحسين الشافعي وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي ، ويلاحظ أيضا أن معظم هؤلاء الضبَّـاط نكثوا ببيعتهم للإخوان وانحازوا إلى البكباشي جمال عبد الناصر بعد أن غدر بالإخوان باستثناء أبو المكارم عبد الحي وعبد المنعم عبد الرؤوف الذي تمكـَّـن من مغادرة مصر بعد أن صدر حكم بإعدامه ، وباستثناء حسين حمودة وفؤاد جاسر وجمال ربيع الذين شملتهم حملة الإعتقالات التي شنـَّـها عبد الناصر على الإخوان بعد غدره بهم وحكم عليهم في قضايا الإخوان سنة 1954م وأمضوا فترة طويلة في السجن تحملوا فيها كثيرا من المعاناة .


خالد محي الدين يُعزِّز رواية وجود علاقة لعبد الناصر بالإخوان

في لقاء أجرته صحيفة ( الأهالى ) في عددها الصادر في 26 / تموز / 1978 م ( بعد وفاة عبد الناصر ) عزَّز الصاغ خالد محي الدين عضو مجلس قيادة الثورة الرواية التي تؤكـِّـد التحاق البكباشي جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان المسلمين قبل فترة من قيام حركة 23 يوليو 1952 م ، حيث يتحدَّث خالد محى الدين عن جذور العلاقة بين الإخوان المسلمين وبين جمال عبد الناصر قائلاً : إن الصاغ ثروت عكاشة طلب إليه في يوليو 1949 م أن يلتقى به في مكان هادىء ، وفى المقابلة أبلغه أن رئيس الحكومة إبراهيم عبد الهادى باشا عدو الإخوان اللدود استدعى صديقهما جمال عبد الناصر للتحقيق في أحد أيام شهر كانون الثاني ـ يناير 1949 م بحضور اللواء عثمان المهدى رئيس أركان حرب الجيش المصري ، وجرى في اللقاء تحقيق مع جمال عبد الناصر حول علاقته بجماعة الإخوان المسلمين ، وكان الخيط الذى تمسَّـك به إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء في التحقيق أن البوليس قد عثر في أحد مخابىء الجهاز السرِّي للإخوان المسلمين على أحد الكتب السرِّية الخاصة بالقوات المسلحة التى تدرس صناعة واستخدام القنابل اليدوية وكان على الكتاب إسم جمال عبد الناصر ، وبعد تحقيق عنيف ملىء بالتهديد استطاع عبد الناصر الإفلات متمسكاً بأنه كان قد أعار هذا الكتاب لليوزباشى أنور الصيحى الذي استشهد في حرب فلسطين وأنه لا يعرف لمن أعطاه ، كما ذكر خالد محى الدين أنه قد تعرف على جمال عبد الناصر في أواخر عام 1949 بواسطة قائد الجناح عبد المنعم عبد الرؤوف المعروف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين ، وتوطدت صلتهما معاً ، وكانا على علاقة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين عن طريق الصاغ بالمعاش محمود لبيب ، وارتبطا بعلاقة وثيقة مع الشيخ حسن البنا ، وكانت هذه المجموعة ذات الصلة بالإخوان تضمُّ ضباطاً آخرين منهم كمال الدين حسين وحسن إبراهيم وعبد اللطيف البغدادي .

وفي كتابه ( والآن أتكلم ) يقول خالد محي الدين : ( فى عام 1944 م عرَّفنى الضابط الإخوانى عبدالمنعم عبدالرؤوف بعبد الناصر ثمَّ بمحمود لبيب كضابطين من الإخوان ، وبينما كنت مُتشككا فى نوايا الإخوان فقد كان عبد الناصر على ثقة بهم ، وبعدها تقرر ضمّنا الى النظام الخاص للإخوان فاتجهنا الى منزل بحى الخليفة وقابلنا عبدالرحمن السندي ، وأقسمنا قسم البيعة للإخوان ، وفى بداية عام 1951 م أكمل عبد الناصر تشكيل هيئة الضباط الأحرار وتمَّ استبعاد عبد المنعم عبد الرؤوف منها بعد مشادة دارت بينهما عندما أصرَّ عبدالرؤوف أن يكون التنظيم جزءا من الإخوان المسلمين ، وقبيل قيام الثورة أبلغنا عبد الناصر أنه التقى بحسن عشماوى عضو مكتب الارشاد وأبلغه عشماوى أن المرشد والجماعة تدعم حركتهم لخلع فاروق وأبلغه عبد الناصر بموعد التحرك فى 23 يوليو ) .

ويذكر المؤرِّخ الدكتور عاصم الدسوقى أن علاقة عبد الناصر بالإخوان كانت علاقة خاصة ومتينة جدا لدرجة أنه أخبر قياديين كبيرين فى الجماعة بساعة الصفر للتحرك فى 23 يوليو هما عضوى مكتب الإرشاد حسن عشماوى وصالح ابو رقيق .

علاقة عبد الناصر بالإخوان

علاقة مبدئية ، أم علاقة مصلحية عابرة .؟

تلتقي معظم الروايات الإخوانية وغير الإخوانية على أن جمال عبد الناصر ارتبط بعلاقة ما بجماعة الإخوان المسلمين ، ولكن السؤال الذي ما زال يتردَّد هو : هل كان ارتباط عبد الناصر بالإخوان ارتباطا مبدئيا ، أم أنه كان ارتباطاً مصلحياً عابراً .؟ .

أمَّا أنه كان ارتباطاً مبدئيا فإن هذه المقولة تتهاوى أمام ما فعله عبد الناصر بالإخوان على مدى خمسة عشر عاما أذاقهم فيها الويلات ، فلا يهضمُ عقلٌ أن يُقدم عبد الناصر على مافعله بالإخوان لو كانت علاقته بهم علاقة مبدئية .

وأما أنه كان ارتباطا مصلحياً عابراً فإن الأرجح أنه كان كذلك لأن عبد الناصر كان يبحث عن الجواد الذي يستطيع أن يُراهن عليه ليُحقق له طموحاته ، وهذا ما يشهد به عبد الناصر نفسه ، ففي لقاء مع أعضاء فى منظمة الشباب الإشتراكي فى عام 1964م ردَّ عبد الناصر على سؤال أحد الشباب الإشتراكي عن علاقته بتنظم الإخوان المسلمين قائلاً : ( أنا قبل الثورة كنت على اتصال بجميع الحركات السياسية الموجودة فى البلد ، يعنى مثلا كنت أعرف الشيخ حسن البنا لكن مكنتش عضو فى الإخوان ( هذا الكلام يتناقض مع شهادات سابقة لعبد الناصر نفسه بعلاقته بالإخوان)، وكنت أعرف شيوعيين ، وانضميت فترة لحزب ( مصر الفتاة ) واختلفت معاهم فانضميت للوفد ، وبعد دخولى الجيش اتصلت بكل الحركات السياسية ، وبعد ما شكَّلنا اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار حاول عبدالمنعم عبد الرؤوف ضمَّها للإخوان ورفضنا طلبه وأقصيناه عن التنظيم ، فى الوقت ده مات حسن البنا يرحمه الله وكانت لي به علاقة قوية ، علاقة صداقة ومعرفه زى ما قلت لكن مكنتش أبدا عضو فى الإخوان ( ؟؟؟؟ ) . ( توفي البنا اغتيالا في عام 1949 م ، وقاد عبد المنعم عبد الرؤوف القوة التي حاصرت الملك فاروق وأجبره على التنازل عن العرش في حركة يوليو 1952 م مما ينسف كلام عبد الناصر عن إقصاء عبد الرؤوف عن تنظيم الضباط الأحرار .؟ ) .

وفي نفس السياق يُعزِّز الكاتب المصري أحمد حمروش الذي كان أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار ما ذكره عبد الناصر عن تقلُّبه بين الأحزاب والقوى المصرية فيذكر في مقابلة أجرتها الصحفية المصرية سهير حلمي ونشرتها في ( الأهرام ) أنه كان مع زميليه في تنظيم الضباط الأحرار خالد محي الدين ويوسف صدِّيق أعضاء في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى ( حدَّتو ) التي كانت واجهة للحزب الشيوعي المصري ، ويذكر أن زميلهم جمال عبد الناصر كان على صلة بالعديد من التنظيمات السياسية قبل الثورة حيث كانت تربطه صلة بالإخوان المسلمين وبحزب مصر الفتاة وبحركة (حدَّتو) الشيوعية .