الإخوان المسلمون والوعي التأسيسي بالمعركة الفكرية للاستعمار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والوعي التأسيسي بالمعركة الفكرية للاستعمار
(1-5)

بقلم: ح .ع

تقديم

(شعار الإخوان)
(شعار الإخوان)

نتناول في هذه الحلقة "الإخوان المسلمون" وإدراكهم للمعركة الفكرية للاستعمار ومضامينها الاجتماعية والثقافية والمعرفية، وأبعاد هذا الوعي وانعكاساته على الحركة الفكرية لمواجهة المشروع الفكري للاستعمار في البلدان المسلمة والذي عرضنا بعض جوانبه في الحلقة السابقة. وسوف نتناول في هذه الحلقة "الوعي" التأسيسي لدى "الإخوان المسلمون" لتلك المعركة الفكرية، من خلال تحليل المواقف الباكرة للجماعة ممثلة في مؤسسها "حسن البنا"، ثم نرصد مدى تتابعية الوعي بهذه القضية بعد وفاة المؤسس من خلال الحركة الفكرية داخل الجماعة والإنتاج الفكري الخاص بهذا الموضوع الحيوي والمهم الذي برز في أوليات القرن لـ19، والقرن 20 كأولوية فكرية ومعرفية ي معركة المقاومة المعرفية.

تمهيد معرفي

يكاد يتفق أصحاب الاتجاه الإسلامي على أن ما تعرض له العالم الإسلامي إبان القرنين الـ19و 20، لم يكن فقط غزوًا عسكريًا أو اقتصاديًا، بل امتد أيضًا إلى غزو "العقل المسلم" و"المجتمع المسلم" و"الثقافة الإسلامية" في وطنها الإسلامي، وخلصوا إلى تسمية المعركة التي قادها الاستعمار الغربي – آنذاك – بالغزو الفكري أو الغزو الثقافي، والذى كان هدفه بالأساس هو تحقيق الهيمنة القائمة بصورة كاملة على البلدان المسلمة، فتهيئة العقول للأفكار الغربية، بل والادعاء بأن خلاص تلك البلدان يكون بإتباع تلك الأفكار المستوردة وقيمها وتصوراتها ومفاهيمها في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية والثقافة هو ما من شأنه التمكين للمستعمر وتسهيل مهمته الاستعمارية العسكرية والسياسية. والهدف الثاني للغزو الفكري أو الثقافي هو تحقيق التبعية حال رحيل المستعمر وذهابه – حيث أيقن أنه لا يمكن أن يستمر في احتلاله العسكري إلى مالا نهاية وهذا ما أفرزته السنن الاجتماعية وحياة الشعوب. فكأن هذا النوع من الغزو لتطل هذه الدول المستعمرة في حالة "تبعية" دائمة على المستوى السياسي والاقتصادي، ومع الأسف نجحت هذه النظرية وحقق الاستعمار هذا الهدف في عالمنا الإسلامي بعد مرور ما يقرب من قرن من اتفاقات الاستقلال (!!) والتي ظنت الشعوب بأنها "اتفاقات" حقيقية وأنه "استقلال حقيقي".

ومهما يكن من تباين المصطلحات التى استخدمت لوصف تلك المعركة الفكرية سواء كانت "غزو فكري" أو "غزو ثقافي" أو "إحلال ثقافي" أو "تغريب"، إلا أن مضمون تلك المصطلحات الثقافي والفكري هو تعبير متشابه إلى حد التطابق لجوانب هذه المعركة الفكرية ونتائجها على المشهد الفكري والثقافي والاجتماعي الإسلامي.

ويرى برهان غليون (1) أن مفهوم الغزو الثقافي استخدام في القرن العشرين في اللغة العربية أكثر من غيره للإشارة إلى حركة انتقال العقائد والأفكار والقيم والعادات الغربية بشكل مكثف وغير مسيطر عليه إلى المجتمعات العربية... ويعرف أيضًا مصطلح "التبعية الثقافية "بأنها :نمط العلاقة التي تجعل بعض الثقافات تعتمد اعتمادًا بنيويًا في إنتاج القيم والمعاني والأفكار والمعارف التي تحتاج إليها مجتمعاتها على ثقافات أخرى، سواء كان ذلك بسبب تفوق هذه الثقافات الموضوعي في مقدرتها على مثل هذا الإنتاج أو بسبب انعدام الثقة بالنفس لدى الثقافات الضعيفة.

ومع الاعتبار لهذا الرأي، إلا أنه لا يمكن إغفال الاكراهات المعرفية والثقافية التي مارسها الاستعمار في تلك "المعركة الفكرية" التي خاضها ضد الشعوب المستعمرة واستخدم فيها كافة الوسائل والطرق وأساليب الترغيب والترهيب، والقهر والإغراء من أجل إخضاع تلك الشعوب ثقافيًا وحضاريًا، والتلاعب بخصوصياتها الثقافية والطعن في مقوماتها الحضارية والعبث بها مستخدمًا أدواته في الغزو المتقدمة. وهذه الحالة أسماها هربرت تشيللر "الهيمنة الثقافية" والتي يصنف فيها – بحسب النظام العالمي – العالم إلى قسمين أو نقطتين : المركز وهو (الغرب) والهامش وهم الباقي ومن ثم تعرف "الهيمنة الثقافية" بأنها "جماع العمليات التي تستخدم لإدخال مجتمع ما إلى النظام العالمي الحديث، وكيف تتم استمالة الطبقة المهيمنة والضغط عليها وإجبارها كي تشكل المؤسسات الاجتماعية في اتساق مع قيم المركز في النظام العالمي أو الترويج لها" (2) .

وكانت العولمة والتي ظهرت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين امتداد لتلك المعركة الفكرية التي حظت خارطة لمشروع تغريبي تبلور في عملية الغزو الفكري لعالمنا الإسلامي ثم جاءت العولمة أخيرًا كثمرة لتلك العمليات الباكرة في القرن الـ19، 20.

ولا شك أن المشروع الفكري الغربي الاستعماري قد استهدف عدة أبعاد أساسية في العالم الإسلامي هي:

1- الأبعاد السياسية ومفادها: تغيير المفاهيم السياسية وفصل الدين عن السياسة في مرحلة ما، ثم فصل الدين عن شؤون العمران كلها.
2- الأبعاد الاجتماعية ومفادها: تغيير القيم الأصيلة واستبدالها بالقيم الغربية الوافدة التي تنطلق من المفهوم المادي للحياة وتغييب / استبعاد الجانب الغيبي تمامًا.
3- الأبعاد المعرفية والفكرية ومفادها: تحول العقل المسلم في منهجية تفكيره من الانطلاق من نموذجه المعرفي التوحيدي إلى الانطلاق من النموذج المعرفي المادي ومفاهيمه وتصوراته التي نبتت في بيئة مناقضة للبيئة الإسلامية من حيث المفاهيم والقيم والتصورات, ومن ثم نقل صراعات العقل الأوروبي إلى العقل المسلم وقضاياه وإشكالاته بما يصرف العقل المسلم عن قضاياه الحقيقية وإشكالات نهضته وواقعه.

الوعي التأسيسي للمواجهة الحضارية للمشروع التغريبي بين جمال الدين الأفغاني وحسن البنا

أولاً: الوعي التأسيسي للمواجهة الحضارية للمشروع التغريبي بين جمال الدين الأفغاني وحسن البنا

نتناول في هذا المحور تأسيس "الوعي الإسلامي" للمعركة الفكرية بين جمال الدين الأفغاني ( 1838-1897م) وحسن البنا ( 1906-1949م) فالجهود الفكرية التي بذلت في مجال النهضة الإسلامية مهما تعددت روافدها، إلا أنها تصب في النهاية في معين واحد هو "الحالة الإسلامية" الكبرى للأمة, وجهود المقاومة المعنوية تصب أيضا في جانب المعركة الفكرية التي تخوضها الأمة مع الاستعمار وحتى الآن, وتدشين ثقافة "المقاومة الفكرية" لنتائج تلك المعركة ومواجهة مخاطرها.

يبحث الأفغاني في أسباب تراجع الأمة ونهضتها وأحوالها الحاضرة والماضية في مقالته (ماضي الأمة وحاضرها وعلاج عللها) (3) ، والذي نُشر في العروة الوثقى ( 1885م)، وينتقد في هذا البحث الاتجاه الفكري الذي رأى في الغرب أنه مخلصًا للأمة من عثرتها، وأنه لا سبيل لذلك إلا بالنقل والاستيراد من الغرب.

كما ينتقد الأفغاني نقل العلوم الغربية دون إدراك سياقها الحضاري والفكري لنشأة تلك العلوم معانيها الفكرية والثقافية التي نشأت في ظلالها وغايتها ومقاصدها، فالعلوم توظف بالأساس لخدمة بيئتها ووطنها الذي نشأت فيه. ويقول في ذلك "ويظن قوم آخرون أن الأمة لن يتم شفاؤها من الأمراض القاتلة إلا بإنشاء المدارس العمومية دفعة واحدة في كل بقعة من بقاعها وتكون على الطراز الجديد المعروف بأوروبا "ثم يقول مستطردًا "واعجبًا كيف يكون هذا وأن الأمة في بعد عن معرفة تلك العلوم الغربية عنها وكيف بذرت بذورها وكيف نبتت واستوت على سوقها وأينعت وأثمرت وبأي ماد سقيت وبأي تربة تغذت ولا وقوف لها على الغاية التي قصدت منها في مناشئها ولا خبرة لها بما يترتب عليها من الثمرات وإن وصل إليها طرق من ذلك فإنما يكون ظاهرًا من القول لأبناء عن الحقيقة، فهل مع هذا يصيب الظن بأن مفاجأة بعض الأفراد بها وسوقها إلى أذهانهم المشحونة بغيرها يقوم من أفكارهم ويعدل من أخلاقهم ويهديهم طرق الرشاد".

ويرى الأفغاني – أيضًا- أن الفئة التي أخذت على عاتقها نقل تلك الأفكار والمعارف الغربية لا يستطيعوا إدراك ماهية تلك القيم والأفكار ووقعوا في التقليد الذي لا يزيد الأمة إلا فسادًا"، لعل الأقرب أن ناقلي تلك العلوم وهم من أمة هذا شأنها مع ما ينعكس إليهم من الأوهام المألوفة فيها ومارسخ في نفوسهم وما يعظمونه من أمر هذه الأمة التي تلقوا عنها علومهم يكون بين أمتهم كخلط غريب لا يزيد طبائعها إلا فسادًا".

يؤكد الأفغاني أن مشروع "التغريب" لا يستطيع إنجاز حضارة بل يزيد الأمة انحطاطًا وتراجعًا (ماذا يكون من أولئك الناشئين في علوم لم تكن ينابيعها من صدورهم ولو صدقوا في خدمة أوطانهم يكون منهم ما تعطيه حالهم يؤدون ما تعلموه كما سمعوه لا يراعون فيه النسبة بينه وبين مشارب الأمة وطباعها وما مرنت عليه من عاداتها فيستعملونه على غير وضعه ولبعدهم عن أصله ولهوهم بحاضره عن ماضيه وغفلتهم عن آيته يظنونه على ما بلغهم هو الكمال لكل نفس والحياة لكل روح فيرومون من الصغير ما لا يرام إلا من الكبير وبالعكس غير ناظرين إلا إلى صور ما تعلموه ولا مفكرين في استعداد من يعرض عليهم وهل يكون له من طباعهم مكان يصمد أو يزيدها على ما بها أضعافًا وما هذا إلا لكونهم ليسوا أربابها وإنما هم لها نقلة وجملة".

ثم يسوق – الأفغاني – تجربة الإصلاح على الطراز الغربي والتي حدثت في تركيا ومصر وأنها لم يثمر ما كان يرجو لها أصحابها من تحقيق نهضة أو تقدم. يقول في ذلك "لقد شيد العثمانيون والمصريون عددًا من المدارس على النمط الجديد [الغربي] وبعثوا بطوائف منهم إلى البلاد الغربية ليحملوا إليهم ما يحتاجونه إليه من العلوم والمعارف والصنائع والآداب وكل ما يسمونه تمدنًا وهو في الحقيقة تمدن للبلاد التي نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنساني "ويتساءل: هل انتفع المصريون والعثمانيون بما قدموا لأنفسهم من ذلك وقد مضت عليهم أزمات غير قصيرة؟ هل صاروا أحسن حالًا مما كانوا عليه قبل التمسك بهذا الجيل الجديد؟ هل استنفذوا أنفسهم من أنياب الفقر والفاقة هل نجوا بها من ورطات ما يلجئهم إليه الأجانب بتصرفاتهم؟ هل أحكموا الحصون وسدوا الثغور؟ هل نالوا بها من المتعة ما يرفع عنهم غارة الأعداء عليهم؟ هل بلغوا من البصر بالعواقب والتصرف في الأفكار حدًا يميل عزائم الطامعين عنهم؟

ويضيف مبينًا حقيقة التقليد والمقلدين، وأنهم يعدون من مداخل اختراقها الحضاري والفكري، ولا يضيفون لحركتها الحضارية والفكرية أي تطور أو نهضة "إن المقلدين من كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ وكوى [ خرق في الجدار ] لتطرق الأعداء إليها وتكون مداركهم مهابط الوساوس ومخازن الدسائس، بل يكونوا بما أفعمت أفئدتهم من تعظيم الذين قلدوهم واحتقار من لم يكن على مثالهم شؤمًا على أبناء أمتهم يذلونهم ويحتقرون أمرهم ويستهينون بجميع أعمالهم وإن جلت ... إن نتيجة العلم عند هؤلاء ليست إلا توطيد المسالك والركون إلى قوة مقلديهم واستقبال مشارق فنونهم فيبالغون في تطمين النفوس وتسكين القلوب، ولهذا لو طرق الأجانب أرضًا لأية أمة ترى هؤلاء المتعلمين فيها يقبلون عليهم ويعرون أنفسهم لخدمتهم ويكونون بطانة لهم ومواضع لثقتهم، كأنما هم منهم ويعدون الغلبة الأجنبية في بلادهم مباركة عليهم وعلى أعقابهم".

أما الإمام حسن البنا ( 1906-1949م) فانتقد نوعين من الاتجاهات الفكرية التي استمدت مناهجها الفكرية من الغرب وأدواتها البحثية لاسيما على الموضوعات والمصادر الإسلامية، ويكتب في هذا الصدد حول الاتجاه الذي بدأ تقتنع بآراء المستشرقين ويطبقها في البحوث العقدية وتحديداً حول كتاب "حياة محمد" لمحمد حسن هيكل فيكتب "الدكتور هيكل وكتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم"(4) .

وانتقد بعض الروايات التاريخية التي ذكرها هيكل في هذا الكتاب، ورأى أن الكاتب خالف المعايير العلمية في تناوله للوقائع التاريخية كما أن مضمون الكتاب اصطدم ببعض جوانب العقيدة الإسلامية ثم طرح مجموعة من التساؤلات المنهجية على سبيل النقد المنهجي وهي:

1- ما موقف الكاتب من المعجزات، وماهيتها، وثبوتها، وأمثلتها؟
2- ما رأي الكاتب في لجنة الحديث؟ وهل يرى أنه كلام الفنيين من العلماء الحديث الإثبات حجة في الفن يعتمد عليها ويصار إليها؟
3- وأخيرًا هل كان الكاتب متأثرًا بملاحظة ضرورة إقناع المستشرقين – ومن حذا حذوهم من الشرقيين بعظمة النبي صلى الله عليه وسلم أم كان كل مقصده أن يسير مع البحث إلى أية نتيجة يسير إليها؟

أما الاتجاه الثاني الذي انتقده الإمام البنا فهو التيار التلفيقي الذي أراد أن يلفق من خلال تأثره بالمنهج الغربي "نموذج إسلام" جديد يتفق مع الغرب وأوروبا ويذكر في هذا الفريق قوله "...وفريق ثان من رجال الدعوة إلى الإسلام أيضًا أو ممن ينادون بهذه الدعوة طالت بهم الطريق، وعز عليهم الوصول إلى الغاية، ونالت منهم عقبات السير، وأخذت بأبصارهم زخارف مدنية الغرب، وضعفت في نفوسهم المتعة الإسلامية؛ لتأثر بيئة، أو قلة من محصول علمي، أو بعد عن روح الإسلام الصحيح، أو لغير ذلك من الأسباب.. فجعلوا مدنية الغرب أساسًا يشكلون به الإسلام على غرارها، ويطيعون قواعده ونظراته وأحكامه في قوالبها، فما وافق هذه المدينة من الإسلام أشادوا به وطنطنوا بفضله واكتسبوا بذلك عطف الجماهير، ودعموا به ما ذهبوا إليه من الظهور بمظهر الزياد عن حمى الإسلام. وما استقصى من قواعد الإسلام ونظرياته على هذه المدنية وأبى أن ينطبق على قواعدها وأصولها قسروه على ذلك قصرًا، وقهروه قهرًا، وزادوا فيه أو نقصوا، وغالطوا أفهامهم وأفهام الناس معهم، ووجدوا في التأويل مندوحه أو شبه مندوحة واتخذوا منه تكأة لما يريدون حتى يخرجوا من ذلك بإسلام أوروبي، [أو بأوروبية شبيه بإسلام بعبارة أدق]، ثم تكون نتيجة جهادهم هذا أن يحللوا كل ما جاء به الغرب بنوع من أنواع الفتاوى عماده التأويل والحوار عن قصد السبيل".(5)

ويرى البنا أن مشروع التغريب الاستعماري استطاع اختراق حصوننا الثقافية وجدارنا المعرفي "إن الدعاية الأوروبية قد نجحت تمامًا في غزو الفكرة الإسلامية وإحلال غيرها من الفكرة المدنية [أي الغربية] محلها في مظاهر الحياة العامة، ولم تبق بين المسلمين إلا قشورًا لا تنفع ففي السياسة وفي القانون وفي الخلق وفي الاجتماع زاحمت الفكرة الإسلامية أفكارًا أخرى أضعفت قوتها وأذهبت ريحها وصرفت الأبصار عنها" (6) .

يشير حسن البنا في هذا النص بوضوح إلى اصطلاحين شكلا بعد ذلك مدار المقاومة للحركة الثقافية الإسلامية ضد المشروع التغريبي هما: "الغزو الفكري" و"الإحلال الثقافي" اللذين مثلا – أيضًا – في نفس الوقت أبعاد المشروع الاستعماري الذي هدف إلى إقصاء الفكرة الإسلامية من العالم الإسلامي وإحلال الفكرة الغربية بدلاً منها، أو على الأقل إضعاف الفكرة الإسلامية في نفوس المسلمين والأجيال الشابة في المستقبل، ويصاحب عمليتي "الغزو" و"الإحلال" عملية أخرى لا تقل أهمي عنهما وهي عملية "تزييف الوعي" والتي تعني إشاعة حكمًا مزيفًا هو "نفاذ رصيد الفكرة الإسلامية الحضارية" لصالح الفكرة الغربية ونموذجها المعرفي المادي والإدعاء بأحادية هذا النموذج وصلاحيته لكل المجتمعات.

ويبين الإمام البنا – أيضًا – نقائض الحضارة الغربية ونقائصها العقدية والأخلاقية بما انعكس على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والفكرية كذلك، "فالحضارة الغربية أسقطت من حسابها جلال الربانية، والتسامي بالنفس الإنسانية، والاعتقاد بالجزاء الأخروي. واضطربت بذلك بين يديها المقاييس الخلقية وانطلقت غرائز الشر من عقالها تحت ستار الحرية الشخصية أو الاجتماعية، ونجم عن ذلك أن تحطمت الفضائل في نفوس الأفراد، وتهدمت الروابط بين الأسر، وفسدت الصلات بين الأمم، وصارت القوة لا العدالة شريعة الحياة، واندلعت نيران هذه الحرب فتذوق حرها المحاربون والآمنون على السواء". (7)

ويرصد الإمام حسن البنا جملة من آثار دعوات التغريب في الأدب العربي ومنها: (8)

1- الإسراف في التقليد الأوروبي والإعجاب بآداب الغرب، إعجابًا جعلهم يتصرفون عن محاسن لغتهم [أي اللغة العربية] ويبتعدون عن تذوق عذوبتها ومشاهدة ما فيها من روعة وجمال.
2- الغلو في التشكيك واتخاذ الفروض حقائق مسلمة تبني عليها نتائج ثابتة لتنقض آراء الأقدمين وتعفي على آثارهم والاعتماد في ذلك على أوهى الشبهات.
3- الزاوية على الأسلاف وإظهارهم للناشئة والمتأدبين بمظهر الأغرار الذين لا يأبهون بتحقيق الحوادث ولا يعنون بتصحيح الوقائع. وهذا الأصل وسابقة يقطعان الصلة بين ماضي الأمة وحاضرها، ويقتلان روح الإعجاب والشعور بالفخار والمجد التالد في نفوس الناشئة، وهي جناية لا تغتفر على قومية الأمة.
4- التستر بحرية البحث واحترام الفكر والتوصل بذلك إلى هدم العقائد الأدبية الثابتة.
5- التحلل من قواعد الأخلاق والعناية بكل ما يتصل بالإباحة والمجون والخلاعة والمتعة والإفاضة في ذلك، بما يظهر الأدب العربي في أبشع الصور، لا يحترمون فضيلة ولا يدينون بخلق.
6- الإبهام والغموض، فلا تجد في دعوات التجديد في الأدب العربي من يرسم لك طريقًا واضحًا أو منهجًا مرتبًا يسير عليه الأدباء للوصول إلى الغاية.

يؤكد حسن البنا على خطورة تيار التقليد للغرب في بلاد المسلمين "إن أكبر ما يخشاه الإخوان المسلمون أن تندفع الشعوب الشرقية الإسلامية في تيار التقليد [للغرب] فترفع نهضاتها بتلك النظم البالية التي انتقضت على نفسها وأثبتت التجربة فساداها وعدم صلاحيتها".(9) ويبين مبررات تلك الخطورة بتباين النماذج والأصول المعرفية والاجتماعية بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية أو بالأحرى بين المجتمعات الغربية بثقافتها وقيمها وتصوراتها وأخلاقها وبين مجتمعاتنا الإسلامية وثقافتها وقيمها وتصوراتها وأخلاقها. فيكتب تحت عنوان (أصول النهضة في الشرق غير أصولها في الغرب) موضحًا أن السياق الحضاري للنهضة الغربية الحديثة تختلف عن السياق الاجتماعي والثقافي لحالة الأمة الإسلامية وواقعها الاجتماعي "فمن الأسباب التي دعت بعض الأمم الرقية إلى الانحراف عن الإسلام واختيار تقليد الغرب دراسة قادتها [أي قادة الأمم الإسلامية] للنهضة الغربية واقتناعهم بأنها لم تقم إلا على تحطيم الدين وهدم الكنائس، والتخلص من سلطة البابوية وإلجام القساوسة ورجال الكهنوت، والقضاء على كل مظاهر السلطة الدينية في الأمة، وفصل الدين عن سياسة الدولة العامة فصلاً تامًا. وذلك إن صح في الأمم الغربية فلا يصح أبدًا في الأمم الإسلامية، لأن طبيعة التعاليم الإسلامية غير طبيعية تعاليم أي دين آخر، والقواعد الأساسية في الإسلام تساير العصور وتدعو إلى الرقي وتعضد العلم وتحمي العلماء.(10)

الشعور بخطورة الغزو الحضاري ووقوعه في الأمة

امتلك حسن البنا عقلية مستشعرة بالمخاطر التي تحيد بالأمة ورصدها وإدراك مكامن الاختراق فيها لحصون الأمة الحضارية وبناها الثقافي والاجتماعي، ويذكر فيما يتعلق بالغزو الحضاري للأمة الذي نشأ في ظل الاستعمار وكان أحد أهم تجلياته ما يلي: مواجهة التقليد الغربي "من الحق أن نعترف بأن موجة قوية جارفة وتيارًا شديدًا دفاقًا قد طغى على العقول والأفكار في عقله من الزمن، وفي غرور من أمم الإسلام، وانغماس منهم في الترف والنعيم... فقامت مبادئ ودعوات، وظهرت نظم وفلسفات، وتأسست حضارات ومدنيات ونافست هذه كلها فكرة الإسلام في نفوس أبنائها، وعزت أممة في عقر دارها، وأحاطت بهم من كل مكان، ودخلت عليهم بلدانهم وبيوتهم ومخادعهم، بل احتلت قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم، وتهيأ لها من أسباب الإغواء والأغراء والقوة والتمكن ما لم يتهيأ لغيرها من قبل، واجتاحت أممًا إسلامية بأسرها وانخدعت بها دول كانت في الصميم والذؤابة من دول الإسلام، وتأثر ما بقى تأثرًا بالغًا ونشأ في كل الأمم الإسلامية جيل مخضرم، إلى غير الإسلام أقرب تصدر في تصريف أمورها واحتل مكان الزعامة الفكرية والروحية والسياسية والتنفيذية منها، فدفع بالشعوب مغافلة إلى ما يريد، بل إلى ما ألف، وهي لا تدرى ما يراد بها ولا ما تصير إليه. وارتفعت أصوات الدعاة إلى الفكرة الطاغية: أن خلصونا مما بقى من الإسلام وآثار الإسلام، وتقبلوا معنا راضيين غير كارهين مستلزمات هذه الحياة وتكاليفها وأفكارها ومظاهرها، واطرحوا بقية الفكرة البالية من رؤوسكم ونفوسكم.(11)

ويرسم الإمام البنا خارطة البلدان الإسلامية تبعًا لحالتها من الغزو الحضاري والاحتلال الثقافي الغربي وإلى أي مدى وصل تغلغل هذا الغزو في نفوس المسلمين في تلك البلاد "حيث تغالت بعض الأمم الإسلامية في الإعجاب بهذه الحضارة الأوروبية والتبرم بصبغتها الإسلامية، حيث أعلنت تركيا أنها دولة غير إسلامية وتبعت الأوروبيين بعنف قاس في كل ما يصنعون. وحاول ذلك أمان الله خان ملك الأفغان (12)، وازدادت في مصر مظاهر هذا التقليد واستفحلت حتى استطاع رجل من ذوى الرأي فيها أن يجهر بأنه لا سبيل إلى الترقي إلا بأن نأخذ بهذه الحضارة خيرها وشرها وحلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يجمد منها وما يعاب[ هذا ما قاله طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر]، وأخذت في سرعة وقوة من مصر إلى ما جاورها من البلاد حتى وصلت إلى أقصى المغرب وطوقت بالمشاعر المقدسة في ربوع الحجاز. ونستطيع أن نقسم البلاد الإسلامية بحسب تأثرها بهذه الحضارة المادية وطغيان مادتها عليها إلى ثلاثة أقسام: (13)

1- بلاد بلغ بها هذا التأثر مبلغًا عظيمًا وصل إلى القلوب والمشاعر، كما غير الأوضاع والمظاهر، ومن هذه البلاد تركيا ومصر، فقد انحسر ظل الفكرة الإسلامية في هذه البلاد عن كل الأوضاع الاجتماعية وطوردت الفكرة الإسلامية لتقبع في المساجد والزوايا والربط والتكايا.
2- بلاد تأثرت بهذه الحضارة في أوضاعها ومظاهرها الرسمية، ولكنها لم تتغلب فيها على المشاعر القلبية كإيران وبلاد المغرب وشمال أفريقيا.
3- بلاد لم تتأثر بهذه الحضارة فيها إلا طبقة خاصة من المثقفين والحكام دون العامة كوريا والعراق والحجاز وكثير من أجزاء الجزيرة العربية وبقية ممالك الإسلام.

ازدواجية التعليم المرتكز الأساس لازدواجية منهج التفكير (14)

يبين الإمام البنا أن قاسم وحدة الأمة الذي بدأ يُستغل من أنصار التغريب هو التعليم والذي يظهر في انقسام نظام التعليم بين النظام الديني والنظام المدني إلى المقتبس من الغرب ويذكر في رسالة أرسلها إلى وزير المعارف وشيخ الأزهر إننا أمة متحدة في كل شيء إلا في شيء واحد لعله أهم مظاهر الوحدة هو الثقافة والتفكير، ولقد طفت هذا القطر المصري الكريم من أقصاه إلى أقصاه، وجبت مدنه وقراه، واتصلت بأوساطه المختلفة وبيئاته العديدة فوجدت الوحدة تشمل كل مظاهر حياته من نظام معيشة وتقاليد وعادات إلا بعض الخلاف الموضعي الذى هو وليد الظروف الخاصة فقط وليس هناك تخالف جوهري في نظم الحياة العامة. فنظام حياة الطبقي الوسطى مثلا في أسوان هو نظام حياة هذه الطبقة في القاهرة وفي طنطا وفي الزقازيق وفي غيرها شرقا وغربا، فالمأكل واحد والمشرب واحد والملبس يكاد يكون واحدا وهكذا، ولكن الخلاف الصارخ؛ الخلاف العظيم في التفكير والثقافة والآمال والآلام، ولهذا لا تكاد تلتقي وجهات النظر إذ دار بحث قضية من القضايا في مجتمع من مجتمعاتنا المصرية.

هذا الخلاف طبيعي بالنسبة للظروف التى اجتازتها الأمة قديما وحديثا ولخطوات التطور التى نخطوها ولعصر الانتقال الذى نجتازه.. مما جعل ثقافة الأمة ذات طابعين متميزين تميزا تاما لا يكاد يلتقي أحدهما بالآخر وإن أخذا يتقاربان. فلقد أتى على مصر زمان كانت ثقافتها فيه تدور حول محور واحد هو فروع الدين وتنحصر في معهد واحد هو الأزهر وفروعه ففي الأزهر يتخرج العلماء والأئمة والوعاظ والقضاة والحاكمون، وأبناء الأزهر هم الذين يثقفون الأمة ويطبعونها بالطابع الذى يريدون، واستمر ذلك وقتا رسخت فيه أصول هذه المدرسة وثبتت دعائمها، ثم جاء دور الاتصال بأوروبا والنقل عن أوروبا في أطواره المختلفة. فأنشئت المدارس المدنية إلى جوار الأزهر، وعدت على اختصاصاته واحدا فواحدا حتى حصرته في نطاق ضيق هو نطاق الفكرة الروحية، وأخذت منه كل المظاهر العملية تقريبا، وتعددت أنواع التعليم وتكاثرت وتكررت التجارب فإذا بنا نرى سلسلتين من أنواع المدارس :فهناك الأزهر وأقسامه وفروعه من الابتدائي والثانوي والكليات وأقسام التخصص ويلحق به في مهمته مدارس المعلمين الأولية والمدارس الأولية إن شئت ذلك.

وهناك كذلك المدارس المدنية من رياض الأطفال والابتدائي والثانوي والجامعة ويلحق بها المدارس الخصوصية والفنية من زراعية وصناعية وتجارية إن شئت ذلك، وهناك معهدان حائران بين القسمين هما: دار العلوم ومعهد التربية.لكل من هاتين السلسلتين أثر بالغ في نفوس قسم من أقسام الأمة، وكل نوع من هذه المدارس يهيمن على عقول وأفكار يوجهها كثيرا ما يكون بعيدا عن توجيه القسم الآخر، وفي ذلك ما فيه من الخطر على أمة ناهضة لا سناد لها إلا الوحدة.

تباين منطلقات الحضارة الغربية مع منطلقات الحالة الإسلامية

يحلل عبدالقادر عودة ( 1906-1954م ) التباين بين مقدمات الحضارة الغربية الحديثة ومنطلقات الحالة الإسلامية وأسسها المعرفية, ويؤكد أنه تم تزييف الوعي الإسلامي لدى فئة المتغربين الذين شكلوا وعي قطاع من الأمة على أساس تطابق الحالتين الأوروبية والإسلامية في المقدمات ومن ثم يتطابقان في النتائج, ويقصد في ذلك تطابق مفهوم الدين , ورجال الدين, وشكل الحكومة...ويشير في هذا الشأن بقوله " ...وقد اسُتغل المسلمون إلى حد كبير حين أُفهموا بأن سبب تقدم أوروبا هو الفصل بين الدين والدولة، لأن الدين المسيحي الذي تدين به أوروبا لم يأت بمبادئ وأحكام يقوم عليها نظام الحكم والإدارة والسياسة والمعاملات وغيرها. وقد جاء هذا الدين في عصر الدولة الرومانية، فاحتضنته تلك الدولة ونشرته بين الناس، وكان لهذه الدولة قانون كامل هو القانون الروماني الذي يعتبر أساساً ومصدراً لكل القوانين الأوروبية العصرية، ولذلك لم يكن للدين محل في التشريع خصوصا وأن الدين المسيحي لم يأت بتشريع خاص، ولكن احتضان الدولة للدين الجديد وقيامها بنشره اقتضى أن يضاف إلى القانون بعض النصوص التي تلائم هذا التطور. ثم جاء بعد ذلك عهد استغل فيه رجال الكنيسة سلطانهم وثقة الجماهير فيهم، فاتبعوا أهواءهم، وجروا وراء مطامحهم وألبسوا كل ذلك ثوبا من الدين ليخضعوا له الناس باسم الدين، وليتغلبوا بسهولة على منافسي سطلانهم من السياسيين والمفكرين، ولكن الغلبة كانت للآخرين، حيث انتهت المعركة بعزل رجال الدين عن الحكم والسلطان".(15)

فالمنافسة بين رجال الدين ورجال السياسة لم تكن على الدين أو السياسة، وإنما كانت على السلطان ولا شئ غيره، والنزاع الذي حدث في أوربا لم يكن نزاعا بين الدين والدولة بالمعنى الصحيح، وإنما كان نزاعا بين أهواء رجال الكنيسة وأهواء رجال السياسة، وحربا بين التدجيل باسم الدين، والتدجيل باسم الشعوب...

ولعل كل الذي ترتب على الفصل بين الدين والدولة لا يخرج عن نتيجتين: (16)

الأولى: حرمان رجال الكنيسة من أن يكون لهم سلطان دنيوي لحماية سلطانهم الديني فقد كانوا يرون أن قيامهم على الدين يقتضي أن يكون لهم من سلطان الحكم ما يمكنهم من أداء وظيفتهم.
الثانية: إعلان الحرية الدينية. فقد كان رجا الكنيسة يكرهون الناس على عقيدة معينة، فلما ذهب سلطانهم ترك للناس أن يعتقدوا ما يشاءون.

وحدوث هاتين النتيجتين ليس فيه فصل حقيقي بين الدين والدولة، لأن قيام الدولة على الدين لا يقتضي أن يكون لرجال الدين أي سلطان خاص ولا يقتضي حمل الناس على عقيدة معينة، وأفضل مثل لذلك هو الإسلام فالإسلام يوجب أن تقوم الدولة على أساس الدين الإسلامي، ويوجب أن يكون الحكم والسياسة والإدارة والتشريع، وكل ما له أثر في حياة الأمة مستمدا من الدين الإسلامي وقائما عليهن وبالرغم من ذلك فإن الإسلام لا يعطى علماء الإسلام وفقهاءه أي سلطان، ولا يميزهم من هذه الوجهة عن أي فرد عادي، كما أن الإسلام يحمي كل الحماية حرية التدين، ويحرم أن يكره شخص على عقيدة معينة، أو دين معين وذلك قوله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : 256] .

لا وجه لقياس البلاد الإسلامية بأوربا:

يؤكد عبدالقادر عودة أنه لا وجه لقياس الحالتين: الأوروبية والإسلامية "... وإذا كانت هذه هي حقيقة الحال في أوربا، فإن حال البلاد الإسلامية جد مختلفة، إذ فيها دين أتى بنصوص صريحة وأساليب واضحة واجبة الإتباع في كل شأن من شئون الحياة، وهذه النصوص تكون شريعة كاملة ناضجة هي الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة ظلت تحكم بلاد الإسلام على خير وجه ثلاثة عشر قرنا على الأقل، ففصل الدين الإسلامي عن الدولة ليس جزءا من الدين، وأقصاه الشريعة الإسلامية التي يتعبد بتطبيقها المسلمون، وإحلال القوانين الوضعية محلها، ليس إلا خروجا على الدين أو إخراجا له من قلوب المسلمين. ولا وجه لقياس البلاد الإسلامية على البلاد الأوروبية، لأن الدين الإسلامي أتى بشريعة كاملة أوجب تطبيقها، والدين المسيحي لم يأت بشئ، ولأن الدين الإسلامي يجعل الحكومة جزءا من الدين، وليس الدين المسيحي كذلك، ولأن فصل الكنيسة عن الدولة لم يؤد إلى تعطيل المسيحية وإلزام المسيحيين قوانين غير قوانينهم، أما فصل الدين عن الدولة في بلاد الإسلام فقد أدى إلى تعطيل الإسلام وإلزام المسلمين قوانين خارجة على أحكام الإسلام، ولأنه ليس من بلاد الإسلام سلطة دينية وسلطة مدنية يتنازعان الحكم والسلطان كما هو الحال في أوربا، وإنما في بلاد الإسلام سلطة واحدة تجمع في يديها شئون الدنيا والدين وتقيم الدولة على أساس الإسلام الذي مزج بين الدين والدولة مزجا جعل الدولة هي الدين وجعل الدين هي الدولة".(17)

الوعي التأسيسي في التثاقف مع الغرب عند حسن البنا

رغم حالة التعبئة الوجدانية لدى الإمام البنا نحو التعامل مع الغرب الاستعماري, إلا أن ذلك لم يفقده قيمة " العدالة الحضارية" التي ينبغي أن يكون عليها المفكر الحضاري, لذا نراه يتلمس طريقًا ومنهجية للتثاقف مع الغرب وهي جزء من ثقافة المقاومة الحضارية التي تهدف بالأساس إلى بناء منهج حضاري ذاتي منفتح على الآخرين وفقا لمبادئ التكافؤ الحضاري وليس الخضوع أو التبعية.

ويمكن تحديد أهم معالم التثاقف الحضاري عند الإمام البنا في المحددات التالية:

1- تشخيص موقف العقل العربي من الحضارة الغربية

يقسم البنا العقل العربي حيال الحضارة الغربية والموقف منها إلى قسمين ويرى أن الرأي العام العربي يذهب في هذه الناحية مذهبين مختلفين: فمن الناس من يدعو إلى الحضارة الغربية ويحض على الانغماس فيها وتقليد أساليبها "خيرها وشرها، حلوها ومرها، نافعها وضارها، ما يحب منها ما يعاب"، ويرى أنه لا سبيل للنهوض والرقى إلا بهذا "ومن زعم لنا غير ذلك هو خادع أو مخدوع". ومن الناس من ينفر من هذه الحضارة أشد التنفير، ويدعو إلى مقاومتها أشد المقاومة، ويحملها تبعة هذا الضعف والفساد الذى استشرى في الأخلاق والنفوس. ولا شك أن كلا الفريقين قد تطرف، وأن الأمر في حاجة إلى دراسة أعمق وأدق، وإلى حكم أعدل وأقرب إلى الإنصاف والصواب.

2- جوانب العدل الحضاري في النظر إلى الحضارة الغربية

لا ينفي البنا ما وصلت إليه الحضارة الغربية من تقدم ونهضة مادية واضحة وهو جانب ضروري للاستفادة منه واستيعابه للبناء عليه لأي نهضة مرجوة لأي أممه من الأمم" لقد وصلت الشعوب الغربية من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة والرقى بالعقل الإنساني إلى درجة سامية عالية، يجب أن تؤخذ عنها وأن يقتدي بها فيها، وهى إلى جانب ذلك قد عنيت بالتنظيم والترتيب وتنسيق شئون الحياة العامة تنسيقا بديعا يجب أن يؤخذ عنها كذلك، وهذه الحقائق لا يكابر فيها إلا جاهل أو معاند".

3- الوعي بنقائص الحضارة الغربية المعاصرة

وهو مع هذا الوعي بحالة التقدم الغربي والذي أكد على ضرورة استيعابه كانطلاق لطرح حضاري جديد, إلا أنه وفي الوقت نفسه رأى خطأ من يؤكدون أننا يجب أن ننقل هذه التجربة بالكامل إلينا أو على حد تعبير ذلك الاتجاه " حلوها ومرها" وذلك لأن الحضارة الغربية تفقد لجوهر مهم في هذه النهضة وهو جوهر الدين الذي أفقد الإنسان مكانته الحقيقية ورسالته العمرانية في الكون والأخلاقية "... ولكن هذه الحياة الغربية والحضارة الغربية التى قامت على العلم والنظام فأوصلها إلى المصنع والآلة، وجبى إليها الأموال والثمرات، وملكها نواصي الأمم الغافلة التى لم تأخذ في ذلك أخذها ولم تصنع صنيعها– هذه الحياة المادية الميكانيكية البحتة مع ما صحبها من خصومة حادة بين علماء الدنيا وحراس الدين قد أغفلت هذه الأمم عن أخص خصائص الإنسانية في الإنسان؛ عن الغرائز ومستلزماتها، والمشاعر ومطالبها، والنفس وعالمها، وطرائق تنظيم ذلك كله وضبطه ضبطا يضمن خيره ويحبس شره، ودفعت بها دفعا عنيفا إلى التبرم بالعقائد والأديان والخروج عليها خروجا قاسيا شديدا وإقصائها إقصاء تاما عن كل نواحي الحياة الاجتماعية العملية. فأسقطت الحياة الغربية من حسابها جلال الربانية، والتسامي بالنفس الإنسانية، والاعتقاد بالجزاء الأخروي. واضطربت بذلك بين يديها المقاييس الخلقية وانطلقت غرائز الشر من عقالها تحت ستار الحرية الشخصية أو الاجتماعية، ونجم عن ذلك أن تحطمت الفضائل في نفوس الأفراد، وتهدمت الروابط بين الأسر، وفسدت الصلات بين الأمم، وصارت القوة -لا العدالة- شريعة الحياة، واندلعت نيران هذه الحرب فتذوق حرها المحاربون والآمنون على السواء".

4- بذور التيارات الاحتجاجية في أوروبا

ويرصد البنا بعض الشعور الأوروبي تجاه هذه النقص والنقض في الحضارة الأوروبية وهي البذور الأولى لحركات الاحتجاج الداخلي في أوروبا والتي ظهرت بشكل واضح خلال القرن العشرين "...وقد أدرك هذه الحقيقة أخيرًا ساسة الأمم الغربية أنفسهم فهبوا ينادون بوجوب العناية بالشئون الروحية، ويتغنون بالمثل الخلقية العليا، ويهيبون بالحكومات أن تصبغ المدارس ومناهج التعليم والتربية بعد الحرب بهذه الصبغة، وأن تعود بالشعوب إلى الأديان والعقائد الموروثة. وفى الكتاب الأبيض الذى أصدرته الحكومة الإنجليزية عن التعليم بعد الحرب، وفى تقارير الأحزاب التى وضعت في ذلك، وفى مناقشة مجلس العموم واللوردات لهذا الكتاب من هذا الشيء الكثير".

5 - الانطلاق من الذات نحو التثاقف الحضاري مع الغرب

ويرى البنا أن المبدأ الجوهري للتثاقف مع الغرب هو الانطلاق من الذات أم من الميراث القيمي الديني وأبعاده الإصلاحية والحضارية "...ونحن العرب قد ورثنا مفاخر هذه الحياة الروحية ومظاهرها، فأقطاب الرسالات العظمى وأنبياؤها المطهرون في أوطاننا نشأوا وعلى أرضنا درجوا، ورموز الديانات المقدسة لا زالت شامخة باذخة في ديارنا تهوى إليها قلوب المؤمنين بالكتب والرسل في أنحاء الأرض وهذا القرآن الكريم الذى ورثناه -نحن العرب- فخلد لغتنا، ورفع الله به ذكرنا، وخاطب به نبينا فقال: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾[الزخرف: 44]. كما خاطبنا فقال: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾[الأنبياء: 10]. هذا القرآن قد حدد أهداف الحياة الروحية تحديدًا دقيقا مبسطًا بعيدًا عن الأوهام الخيالية والفروض الفلسفية، ووفق بينها وبين مطالب الحياة العملية توفيقًا عجيبًا لم يستقم لغيره من الكتب، ولم يتح لسواه من مناهج الحياة ونظمها. فإذا كنا -نحن العرب- نملك هذه الثروة الروحية الجليلة التى تصل القلب الإنساني بجلال الربانية فتملؤه بذلك إشراقا وريّا، وتكرم في الإنسان معنى الإنسانية فترفع في عينه قيم الفضائل العليا، وتذكر الناس بجزاء الآخرة فتسموا بهم عن الوقوف عند أغراض الحياة الدنيا، وتوثق بين بني الإنسان رابطة من الأخوة لا تمتد إليها يد التفريق والبلى، وتقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات على أساس من التعاون والرضى، وتضع لأصول المشكلات حلولا ترتكز على الحق لا على الهوى. إذا كنا نملك ذلك كله، فإن من العقوق لمجدنا وكتابنا وللإنسانية كذلك ألا نتقدم للدنيا بهذه الدواء الواقي والعلاج الشافي".

6- المبدأ الثاني للتثاقف مع الغرب هو :التكافؤ الحضاري

والمبدأ الثاني الذي يطرحه البنا للتثاقف مع الغرب هو الانطلاق من: التكافؤ الحضاري يقول في ذلك "...ولهذا نعتقد أن من واجب الأمة العربية أن تعمل على الاستمساك بقواعد حضارتها التى تقوم على ما ورثت من فضائل نفسية وأوضاع أدبية ودوافع روحية، على أن نقتبس من الحضارة الغربية كل ما هو نافع مفيد من العلوم والمعارف والصناعات والأساليب، وعلى أن ندعو أمم الغرب إلى الانتفاع بهذا الميراث الروحي الجليل، ونبصرها بما فيه من خير، ونذكرها بما تحتويه من نفع وضر، وبذلك تقوم الصلة بيننا وبينها على أساس من التعاون المشترك يتآزر فيه العقل والقلب على إنقاذ الإنسانية واستقرار الأمن والسلام".

وينفي أن يكون ذلك المعنى انطلاقا من التعصب الديني الذي ينحدر بالعاملين له والداعين إليه أو التحزب المذهبي يمزق وحدة الوطن المجتمع ويفرق بين المسلم وغير المسلم، ويؤكد أن هذا وهم خاطئ؛ فنحن إنما ندعو إلى الفضائل الروحية والمثل الدينية العليا التى يدعو إليها أهل الأديان جميعا، كما ندعو إلى الانتفاع في حياتنا العملية بهذا التراث القرآني المجيد الذى هو للمسلم دين ونظام، ولكل عربي قومية ومجد، وللدنيا بأسرها طمأنينة وسلام.

الحركة الثقافية داخل "الإخوان المسلمون" وتأسيس وعي "المقاومة الفكرية"

نقصد بالحركة الثقافية: حركة "التنظير الفكري" التي أحدثت تتابعية للوعي التأسيسي للإمام البنا فيما يتعلق بالمعركة الفكرية الاستعمارية والتي بدأت منذ القرن الـ19 وبلغت أوجها في القرن الـ العشرين.

ومنهجيتنا في هذا التناول على طريقين:

الأول: إدراك حالة "التنظير المعرفي" لثقافة المقالات الفكرية" من خلال الوقوف على أهم الكتَّاب داخل "الإخوان المسلمون" الذين أسهموا بشكل بارز في هذه الحركة الثقافية الواعية.
والثاني: إدراك القضايا الحيوية التي عنيت بها كتابات هؤلاء المفكرين إدراكًا عامًا وليس تفصيلاً للوقوف – أيضًا – على أهم الإشكالات الفكرية التي واجهت الأمة إبان الغزو الحضاري الغربي.

أولاً: أهم مفكري الحركة الثقافية داخل الإخوان المسلمين ونتائجهم الفكري

نحاول هنا الوقوف على نماذج من المفكرين داخل الحركة الثقافية في الإخوان المسلمون، والذين أسهموا بشكل واضح ومؤثر في "التنظير الفكري" لحركة المقاومة الفكرية للمشروع التغريبي الاستعماري، ومن أهم هؤلاء المفكرين:


الكاتب بعض المؤلفات الخاصة بثقافة المقاومة الفكرية والوعي بالمشروع الفكري الاستعمار
على جريشة - أساليب الغزو الفكري. - حاضر العالم الإسلامي. - الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام . - الاتجاهات الفكرية المعاصرة.
عبد الستار فتح الله سعيد - الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام.
عبدالقادر عودة - الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه.- الإسلام وأوضاعنا السياسية.- الإسلام وأوضاعنا القانونية.
مصطفى السباعي - الاستشراق والمستشرقون. - السنة النبوية ومكانتها في الإسلام وفيه فصل في الرد على شبهات المستشرقين حول السنة .
سيد قطب - الإسلام ومعركة الرأسمالية. - معركتنا مع اليهود.
يوسف القرضاوي - الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا. - التطرف العلماني في مواجهة الإسلام.
محمد المبارك - الإسلام والتيارات الفكرية العالمية. - بين الثقافتين الغربية والإسلامية. - الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية.
فتحي يكن - العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري.
محمد الغزالي - الغزو الثقافي يمتد في فراغنا. - الإسلام والمناهج الاشتراكية . -صيحة تحذير من دعاة التنصير. - الإسلام في وجه الزحف الأحمر.


1- محمد الغزالي (19171996): انضم في شبابه إلى الإخوان المسلمون وكتب في مجلاتهم وجرائدهم له أكثر من خمسين مؤلفًا تحمل هم الأمة الأزمة وقضايا الإصلاح والنهوض.

2- مصطفى السباعي (19151964م): مؤسس حركة الإخوان المسلمين في سوريا، حصل على درجة الدكتوراه من الأزهر الشريف في موضوع "السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي".

3- على جريشة (19352011م): انضم للإخوان المسلمين في فترة باكرة من حياته وعمل أستاذًا للشريعة الإسلامية، الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

4- فتحي يكن (19332009م) لبناني المولد، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية واللغة العربية، من الإخوان المسلمين، وكتاباته تحتل حيزًا مهمًا في برنامج الإخوان الثقافي لاسيما كتاب "ماذا يعني انتمائي للإسلام".

5- 5- عبد الستار فتح الله سعيد (1931 - ): حصل على رسالة الدكتوراه من الأزهر الشريف في موضوع (المنهاج القرآني في التشريع، 1975م). كان عضوا بمكتب الإرشاد.

6- محمد المبارك (19121982م): من مؤسسي جماعة الإخوان في سوريا، له كتابات عديدة في الفكر الإسلامي وإسلامية المعرفة.

7- سيد قطب:( 1906م - 1966م)كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.

8- يوسف القرضاوي: (1926- ) انضم إلى الإخوان المسلمون منذ شبابه, ويعتبر المنظر الرئيسي لجماعة الإخوان في العصر الحديث, من مؤلفاته كتاب "الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد "يتناول فيه تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهايات القرن العشرين ودورها الدعوي والثقافي والاجتماعي في مصر وسائر بلدان العالم التي يتواجد فيها الإخوان المسلمون.

9- على عبدالحليم محمود: (1910 - 1978) من علماء الأزهر الشريف, ومن مفكري الإخوان, من كتاباته: منهج التربية عند الإخوان المسلمين, وسائل التربية عند الإخوان المسلمين.

10- عبدالقادر عودة: (1906-1954م) قاضي مصري, ومجدد في مجال التشريع الجنائي , يعد كتابه (التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي) تجديدًا في مجال الشريعة لم يسبقه إليه أحد في القرنين الأخيرين, من شهداء الإخوان في مذبحة 1954م.

ثانيًا: القضايا الحيوية في تأسيس "ثقافة المقاومة"

القضية الأولى: تأصيل مفهوم الغزو الفكري

اهتمت الحركة الثقافية داخل الإخوان بتأصيل مفهوم "الغزو الفكري" وهو المفهوم الذي طرح جانب منه حسن البنا, ويمكن أن نقف في هذا المجال التأصيلي عند ما طرحه على عبدالحليم محمود في دراسته " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" (18)

وقد طرح عدة مضامين توضح أبعاد المفهوم الذي تم تأسيسه في الفكر الإسلامي خلال القرن العشرين ومن هذه المضامين:

1- الخضوع للإمبريالية الاستعمارية: إن هذا الغزو الفكري هو أن تظل الشعوب الضعيفة أو النامية خاضعة لنفوذ القوى المعادية لها، تلك القوى التي تتمثل في عدد محدود من الدول الكبيرة التي يحمى بعضها بعضا ويتبادل ساستها الدفاع عن المصالح التي تهم أي طرف من أطرافها، بغض النظر عما يبدو على السطح في بعض الأحيان من خلافات، إذ الحق أنها خلافات قشرية لا تتجاوز السطح بحال.

2- التبعية الدائمة:إن هذا الغزو الفكري يعني أن تظل بلدان العالم الإسلامي خصوصا والعالم النامي عموما تابعة لتلك الدول الكبيرة المتقدمة تبعية غير منظورة، وفي هذه التبعية يكمن دهاء تلك الدول المتبوعة وذكاؤها، فليس أقتل للشعوب من أن تحس بالحرية والاستقلال بينما هي ترسف في قيود الذل والتبعية، إن ذلك مقتلة ذريعة لكل ما يجب أن تفكر فيه الدول الضعيفة لتقوي، وليس أضيع لمستقبل أمة من الأمم أن تعجز عن أن تخطط لمستقبلها ومصيرها إلا وهي دائرة في فلك دولة كبيرة واهمة ذاهلة عن حقيقة ما تعانيه من تبعية.

3- تبني الأفكار والمعتقدات الغربية: الغزو الفكري هو أن تتبنى أمة من الأمم – وبخاصة الأمة الإسلامية – معتقدات وأفكارًا لأمة أخرى من الأمم الكبيرة – وهي غير إسلامية دائمًا – دون نظر فاحص وتأمل دقيق لما يترتب على ذلك التبني من ضياع لحاضر الأمة الإسلامية – في أي قطر من أقطارها – وتبديد لمستقبلها، فضلا عما فيه من صرفها عن منهجها وكتابها وسنة رسولها، وما يترتب على هذا الصرف من ضياع أي ضياع، إذ لا يوجد مذهب سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يغني الأمة الإسلامية عن منهجها الإلهي، ونظامها الشامل المتكامل في كل زمان ومكان.

4- تغريب التعليم وعزله عن فلسفة الأمة وعقيدتها: الغزو الفكري هو أن تتخذ أمة من الأمم مناهج التربية والتعليم دولة من هذه الدول الكبيرة، فتطبقها على أبنائها وأجيالها، فتشوه بذلك فكرهم وتمسخ عقولهم، وتخرج بهم إلى الحياة وقد أجادوا بتطبيق هذه المناهج عليهم شيئًا واحدًا هو تبعيتهم لأصحاب تلك المناهج الغازية أولا، ثم يلبس الأمر عليهم بعد ذلك فيحسبون أنهم بذلك على الصواب، ثم يجادلون عما حسبوه صوابا ويدعون إليه، وهم بذلك يؤكدون تبعيتهم من جانب آخر، فيعيشون الحياة وليس لهم منها إلا حظ الإتباع والإذناب.

5- العبث بذاكرة الأمة ووعيها التاريخي: الغزو الفكري هو أن يحول العدو بين أمة من الأمم – وبخاصة الأمة الإسلامية – وبين تاريخها وماضيها وسير الصالحين من أسلافها، ليحل محل ذلك تاريخ تلك الدولة الكبيرة الغازية وسير أعلامها وقادتها، فيشب المثقف من أبناء تلك الأمة المقهورة وليس في نفسه مثل إلا ما يقرأ عنه في تاريخ الدولة الغازية، وليس في خلده أبطال إلا أبطالها ولا مفكرون إلا مفكروها، بل يصبح وهو لا يعرف من الحق والباطل إلا ما رأته هذه الأمة الغازية حقا أو باطلا، فتشوه بذلك رؤيته الحقة للناس والأشياء ويذهل عن تاريخه وسير الصالحين من أسلافه فيذهب عن حاضره ومستقبله ويضل عن معالم طريقه.

6- تبديل وعاء الفكر "اللغة" بلغة المستعمر: الغزو الفكري هو أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب فضلا عن أن تحل محلها أو تحاربها بإحياء اللهجات العامة والإقليمية، ومادام الإنسان لا يفكر إلا باللغة – كما يجمع على ذلك العلماء- فإن إضعاف لغة أمة هو إضعاف لفكرها، وإحلال لغة أمة محل لغة أمة هو إجبار للأمة المغلوبة على أن تفكر كما تفكر الأمة الغالبة وأن ترى من العادات والتقاليد مثل ما ترى الأمة صاحبة اللغة الغازية، وما سكتت أمة غازية في تاريخنا المعاصر عن لغة أمة مغزوة، وإنما تخطط لحربها بنفس الضراوة التي تخطط بها للاستيلاء على مقدارتها الاقتصادية، وليست الصورة المثالية أمامنا في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وفي كثير من بلدان العالم النامي بعيدة عن الأذهان.

7- التقليد الأخلاقي: الغزو الفكري هو أن تسود الأمة المغزوة أخلاق الأمة الغازية وعاداتها وتقاليدها، ومادامت الأخلاق السائدة في أمة من الأمم هي المعيار الدقيق الذي تقاس به هذه الأمة فإن هذه الأخلاق يجب أن تكون نابعة من القيم الأصلية التي تسود الأمة وتحكم سلوكها وتوجهه، فإذا ما استوردت أمة من الأمم أخلاقها وقيمها من أمة أخرى مسخت بذلك شخصيتها وتنكرت لأصالتها وعاشت تابعة ذليلة للأمة التي قلدت أخلاقها وخسرت من مستقبل أجيالها ما يزيدها اقترابا من أصالتها ووجدت نفسها أمام التبعية والضياع.

8- الطعن في الثوابت العقدية وتشويهها: الغزو الفكري للإسلام والمسلمين يستهدف الجذور لا القشور ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض، ويركز على تشويه الأصول لا الفروع، ومن هنا تركز الغزو الفكري ضد الإسلام في حرب ضارية ضد أمرين خطرين هما: القرآن الكريم أصل الشريعة وما شرحه وفصله من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلم الإسلامي كله. واللغة العربية لغة القرآن والإسلام، في العالم العربي بالدرجة الأولى، وفي كل مكان يمكن أن يعني باللغة العربية بعد ذلك.

وكل عمل وكل خطة يقوم بها أعداء الإسلام والمسلمين في الفكر أو الثقافة أو المبدأ والمذهب أو العادات والتقاليد، أو الأدب والفن، أو الزي والشكل، إنما يعد معركة جانبية فرعية تخدم المعركة الكبرى معركة حرب أصل الإسلام وجذره وهو القرآن الكريم وحرب لغة القرآن اللغة العربية، وما أكثر المعارك الجانبية وما أ؛بت خططها، إذ تتناول مظاهر حياة المسلمين كلها ابتداء من تغيير الزي وتغيير العادة إلى تغيير الخلق والسلوك، وانتهاء بتغيير المنهج والشريعة، ومروراً بإفساد اللغة وإقصائها عن ألسنة المسلمين، أي إقصاء القرآن عن ألسنتهم وقلوبهم وحياتهم.

9- تيارات الغزو الفكري وركائزه: يعتمد هذا الغزو الفكري على عدة ركائز فكرية هي: الصهيونية والتبشير والاستعمار والنظريات والمذاهب المعادية كالديمقراطية والشيوعية والاشتراكية وإحياء القوميات، ومن فلسفات هدامة مثل الوجودية والفوضوية والعرى وتخنث الرجال، وترجل النساء، وما لذلك كله من وسائل وأساليب.

ويرى عبد الستار فتح الله سعيد أن مفهوم "الغزو الفكري" تعبير دقيق ودال يصور خطورة الآثار الفكرية التي تنتج عنه ويعد من أدوات الحرب الناعمة والصامتة التي استخدمتها الدول والشعوب في حروبها قديمًا وحديثًا رغم حداثة المفهوم لكن المضامين على المستوى التاريخي كانت دالة وموجودة. ويرى –أيضا- " أن هذا التعبير على حداثة مبناه إلا أنه قديم المدلول والمعنى، وتتفاوت الأمم والجماعة فيه من حيث الدرجة لا النوع، ذلك لأن الجماعات البشرية تعيش أبدا متنافسة في سبيل هدف ما: كالاعتقاد حقا أو باطلا، وكالتفوق المادي أو الأدبي وحب السيادة، والاستئثار بالمنافع ونحو ذلك مما عبر عنه القرآن الكريم في إيجاز وإعجاز: (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ) [النحل 92]. ومن ثم تبذل كل أمة غاية جهدها لكسب هذا الصراع باليد والسلاح أو بالفكر واللسان، أو بأي من أنواع المؤثرات الأخرى التي زينت للناس، كالمال هدية أو رشوة ..إلخ". (19)

ويضيف أيضا أن هذا "الغزو الفكري" واحد من شعب الجهد البشري المبذول ضد عدو ما لكسب معارك الحياة منه، ولتذليل قياده، وتحويل مساره، وضمان استمرار هذا التحويل حتى يصبح ذاتيًا إذا أمكن، وهذا هو أقسى مراحل الغزو الفكري بالنسبة للمغلوب وإن كان – في نفس الوقت – هو أقصى درجات نجاح الغزاة.!. أما عن سلاح هذا الغزو فهو : الفكرة، والكلمة، والرأي، والحيلة، والنظريات والشبهات، وخلابة المنطق، وبراعة العرض، وشدة الجدل، ولدادة الخصومة وتحريف الكلم عن مواضعه، وغير ذلك مما يقوم مقام السيف والصاروخ في أيدي الجنود، والفاروق بينهما هو نفس الفارق بين وسائل وأساليب الغزو الفكري قديما، وحديثًا". (20)

ويتميز "الغزو الفكري" بالشمول والامتداد، فهو حرب دائمة دائبة، لا يحصرها ميدان، بل تمتد إلى شعب الحياة الإنسانية جميعا، وتسبق السلاح، وتواكبها، ثم تستمر بعدها لتكسب ما عجز السلاح عن تحقيقه، فتشل إرادة المهزوم وعزيمته حتى يلين ويستكين، وتنقض تماسكه النفسي حتى يذوب كيانه، فيقبل التلاشي والفناء في بوتقة أعدائه أو يصبح امتدادا ذليلا لهم، بل ربما تبلغ حدا من الإتقان يصل بها إلى أغوار النفس، فتقلب معاييرها ومفاهيمها، وتشكل لها أنماطا جديدة في السلوك، والأخلاق، والأذواق إلى الدرجة التي تجعل المهزوم يفخر فيها بتبعيته، ويراها شرفا خليقا بالرضا والشكران، أي "أن الرمية تختفي بالرامي" ولا نبالغ إذا قلنا : إن كل جماعة بشرية (قبيلة، أو أمة أو دولة...إلخ) قد عرفت هذا اللون من الغزو، واستخدمته في سبيل كسب معارك حياتها الاجتماعية والاقتصادية بل والعسكرية ذاتها".(21)

ويبين فتح الله سعيد كيف واجه الأنبياء هذه الحروب الفكرية بتمثلاتها المختلفة وكيف عبر القرآن عن تلك الحرب وأهدافها ومقاصدها "...فقصص الأنبياء عليهم السلام أبلغ شاهد على ضراوة ما واجهوه من هذه الحروب الفكرية التي قادها شياطين الإنس، وبرعوا في وسائلها من : إرجاف، وتشنيع، واختراع النقائص، وإلصاق التهم، وإثارة الجدل، وإطلاق الشبهات، واقتراح المعجزات تعجيزاً، وكثرة السؤال عنادا، حتى أساليب الاستهزاء والاستخفاف والاستضحاك لم تفتهم في هذا المجال، بغية أن يسقطوا عن الرسل الأكرمين ما يحيطهم من هالات القداسة، والرزانة والكمال".(22)

ويضيف أيضا أن هذا القصص نفسه يعطينا الوجه الآخر للقضية، فيقدم لنا المبادئ والأصول، والوسائل والأساليب الصحيحة للغزو الفكري القائم على الحق، الهادف إلى خلاص البشر مما هم فيه من ضلالة، وقيادتهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم بلا طلب لمجد شخصي، أو غلب قومي، أو شئ مما يصطرع عليه وحوش البشر.ولقد كان من تمام حكمة الله تعالى أن جعل حجة الرسالة الخاتمة معجزة تخاطب القدر الثابت في الإنسان، على اختلاف الأجيال، فكان القرآن العظيم خطابا للعقل والفكر، يعتمد على الدليل والبرهان، بل يوجب الفقه، والنظر. ويخص على التيقن والاستدلال، ويطاول خصومه ويطالبهم بالحجة حتى في دعواهم الباطلة عن تعدد الآلهة (23) (أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) – [النمل 64] ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.) [الأحقاف-4].

القضية الثانية: مجالات عمل الغزو الفكري

(1) التعليم: من الميادين الأولى التي اهتمت بها الحركة الثقافية داخل الإخوان، ميدان التعليم لاسيما لأن إصابات الغزو الفكري لحقت به مبكرًا وتمثل ذلك في:

أ- تغييب العلوم الدينية عن الواقع التعليمي. الهدف الأول للغزو الثقافي كما يراه محمد الغزالي هو إصابة العلوم الدينية في مقاتلها بعد إسقاطها من مكانتها التقليدية. وترتبط بعلوم الدين علوم اللغة وفنون الأدب، فيجب أن تتضعضع هي الأخرى !! ولما كان الإسلام عقيدة وشريعة وتربية وتقاليد، وكانت الثقافة المصاحبة لهذا كله متشعبة متكاثرة، فإن الاستعمار قدر لتدمير هذه الثقافة أمدًا يترواح بين نصف قرن وقرن كامل.(24)
ب- إقامة مدارس على غرار الطراز الأوروبي ومناهجه التى تعتمد على "إقصاء الدين" وتشويه الفكرة الدينية.
ج- تأسيس مدارس أجنبية انتسب إليها أبناء الطبقات الميسورة في العالم الإسلامي.
د- تعدد أنماط التعليم في العالم الإسلامي وإضعاف التعليم الوطني.

(2) الاستشراق: رصدت الحركة الثقافية – أيضًا – حركة الاستشراق وبحثت في غاياتها، وترجمة الكتابات الأصيلة للمستشرقين حول الإسلام وقضاياه، والعالم الإسلامي وأفكاره، وأهداف الاستشراق ووسائله وأساليبه وطرقه. بل ومعايشة عدد من المستشرقين وتلامذتهم في الغرب ومناظرتهم في قضايا الطعن في القرآن والسنة والسيرة النبوية. وأنتجت كتبًا ومؤلفات علمية في الرد على المستشرقين.

(3) التبشير: اهتمت – أيضًا الحركة الثقافية بمروع التبشير في العالم الإسلامي، ومسارات عمله وملاحقته على مستوى الواقع الاجتماعي، وتكوين فرق ولجان لمواجهته – كما حدث في مصر – وإقامة ندوات للتعريف به وخطورته على العقيدة والثقافة الإسلامية.

(4) التيارات الفكرية الوضعية: من القضايا التي أثارتها الحركة الثقافية – أيضًا – ما يتعلق بالتيارات الفكرية الوضعية التي نشأت في أوروبا وحاول الاستعمار [واستطاع] نشرها والترويج لها في العالم الإسلامي وتكوين أنصار لتلك التيارات والمذاهب الفكرية الوضعية وجذب قطاعات من المثقفين لها.

ومثلت الحركة الثقافية – داخل الإخوان – مع أقرانها في الحركة الإسلامية مركزًا لمقاومة تلك الأفكار موضعية من أهم هذه الأفكار [التيارات] الوضعية:

أ- العلمانية.
ب- الشيوعية – الماركسية.
ج- الرأسمالية.
د- الديمقراطية.
هـ- الوجودية.
و- الماسونية.

أما المنهجية التي تم تناول بها هذه التيارات الفكرية فكانت كالتالي:

1- تحليل الأسس المعرفية التي قامت عليها تلك الأفكار.
2- بيان ميادين التأثير لتلك في الأفكار في المشهد الفكري والثقافي والسياسي والتشريعي والتعليمي في العالم الإسلامي.
3- بيان الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها هذه التيارات في الواقع الإسلامي.
4- الكشف عن وسائل تلك التيارات الفكرية في التغلغل داخل العقل والواقع الإسلامي.
5- تقويم هذه الأفكار الوضعية من ميزان الإسلام والحاجة الحضارية الحاضرة والمستقبلية للأمة.

(5) الظاهرة الصهيونية: مثلت الظاهرة الصهيونية التي بدأت في التغلغل منذ ثلاثينات القرن العشرين محورًا أساسيًا لعمل الحركة الإسلامية – داخل الإخوان- على المستوى الفكري والتطبيقي معًا، من خلال التوعية بمخاطر هذه الظاهرة التي تحولت إلى دولة للكيان الصهيوني، وبيان دورها في تمزيق الأمة، وإعاقة نهضتها، وانتهت الحركة الثقافية في طرحها الفكري إلى اعتبار هذه الظاهرة الصهيونية وكيانها القائم أخطر عدو يواجه العقل المسلم والأمة ويعوق مسيرة نهضتها واستغلالها، فضلاً على اغتصابه لمقدساتها.

مجالات الوعي التأسيسي بالمشروع الفكري للاستعمار

نتناول في الحلقات القادمة –بإذن الله- مجالات الوعي التأسيسي بالمشروع الفكري للاستعمار

في مشروع التجديد الحضاري عند الإخوان المسلمون.

المراجع

(1) محمد سيد محمد: الغزو الثقافي والمجتمع العربي المعاصر، القاهرة، دار الفكر الغربي، 1994.

(2) هربرت تشيللر: الاتصال والهيمنة الثقافية، ترجمة : وجيه سمعان، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، ص21.

(3) جمال الأفغاني "ماضي الأمة وحاضرها وعلاج عللها"، جريدة العروة الوثقى، القاهرة، دار العرب، 1957، ص13.

(4) حسن البنا: "الدكتور هيكل وكتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم"، جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية، السنة الثانية، العدد (6)، 18 صفر 1354 هـ - 21 مايو 1935 ، ص30.

(5) حسن البنا: "طريقان"، جريدة الإخوان المسلمين، العدد (17)، السنة الثالثة، 7 جمادي الأولى 1354هـ - 6 أغسطس 1935، ص3.

(6) حسن البنا: "من قواعد الإصلاح"، جريدة الأخوان المسلمين، السنة الرابعة، العدد (47)، 26 ذو الحجة 1355هـ، 9 مارس 1937م، ص1 .

(7) حسن البنا: "الأمة العربية بين حضارتين"، مجلة الإخوان المسلمين، السنة الثانية العدد (55)، 3 ربيع ثان 1364هـ - 17 مارس 1945م، ص12.

(*) قارن مع رأي المسيري في النموذج الغربي، ومفهوم القوة في النموذج الغربي.

(8) حسن البنا : "التجديد في الأدب الغربي"، جريدة الإخوان المسلمين، السنة الأولى، العدد الأول، 21 صفر 1352 هـ - 15 يونيو 1033م، ص17.

(9)حسن البنا: رسالة إلى أي شئ ندعو الناس، مجموعة الرسائل, ص85.

(10) حسن البنا: رسالة إلى أي شئ ندعو الناس، مجموعة الرسائل, ص85.

(11) حسن البنا: رسالة الإخوان المسلمون تحت راية القرآن، مجموعة الرسائل, ص113.

(12)أمان الله خان ) 1892 - 1960 (هو ملك أفغانستان تنازل عن العرش بضغط من بريطانيا، وعاش في منفاه في سويسرا. أصبح أمير أفغانستان عام 1919 قبل أن يحولها إلى ملكية عام 1926 –ويكيبيديا الموسوعة الحرة .

(13) حسن البنا : رسالة بين الأمس واليوم، مجموعة الرسائل, ص158.

(14) حسن البنا : "مستقبل الثقافة في مصر .. للحقيقة والتاريخ" جريدة النذير، العدد (6)، السنة الثانية، 6 صفر 1358ه / 28مارس عنوان وصلة1939م.

(15) عبدالقادر عودة: الأعمال الكاملة, ص 233.

(16) عبدالقادر عودة: الأعمال الكاملة, ص 234.

(17) عبدالقادر عودة: الأعمال الكاملة, ص 234.

اعتمدنا في تحليل منهجية الإمام البنا في التثاقف مع الغرب على هذه المقالة :حسن البنا: "الأمة العربية بين حضارتين ", مجلة الإخوان المسلمين، العدد (55)، السنة الثانية، 3 ربيع ثان 1364/ 17 مارس 1945، ص(12).

(18)على عبدالحليم محمود : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" ضمن مؤتمر: الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام, الرياض, جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية, 1981, ص3-174 .

(19)عبدالستار فتح الله سعيد : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" ضمن مؤتمر: الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام, الرياض, جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية, 1981, ص175.

(20)عبدالستار فتح الله سعيد : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" مرجع سابق, ص175.

(21)عبدالستار فتح الله سعيد : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" مرجع سابق, ص180.

(22)عبدالستار فتح الله سعيد : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" مرجع سابق, ص180.

(23)عبدالستار فتح الله سعيد : " الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام" مرجع سابق, ص181.

(24) محمد الغزالي: الغزو الثقافي يمتد في فراغنا, عمان, مؤسسة الشرق, 1985, ص47.