الإرهاب الحكومي لن يثنيَنا عن دعوتنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

زوجة العريان : الإرهاب الحكومي لن يثنيَنا عن دعوتنا

د عصام العريان وتاريخ طويل من الإعتقالات

لم يكن اعتقال الدكتور عصام العريان مفاجئًا للجميع، خاصةً أنَّ مشواره لم يخلُ من رحلات مماثلة في أجواء ساخنة كتلك التي تعيشها مصر اليوم، فهو قد اعتقل عام1981م، وهي الفترة التي تميزت بالاحتقان الشديد الذي طال كل طوائف الشعب.. من حركات وأحزاب وسياسيين ومفكرين، وقد طالت تلك الاعتقالات كل النشطين السياسيين والمفكرين.


وكان الدكتور عصام العريان واحدًا من هؤلاء الذين دفعوا الثمن وزُجَّ بهم في اعتقالات 1981م، ثم ما لبث أن خرج من سجنه بعد حدوث تغييرات أزالت الاحتقان، وخلقت واقعًا جديدًا، ثم ما لبث أن عاد الاختناق بعد نجاح الإسلاميين في انتخابات النقابات والمجالس الشعبية والمجلس النيابي، فكانت انتكاسة 1995م التي زَجَّت مرةً أخرى بعصام العريان وعدد من القياديين الإسلاميين إلى السجون مرةً أخرى بطريقة فارقة وغير مسبوقة منذ انتهاء حكم ثورة يوليو لمصر، فقضى 5 سنوات أخرى في السجن بحكم محكمة عسكرية هدفت إلى كسر عظام التيار الوحيد القادر على المنافسة العملاقة في الساحة السياسية المصرية.


واليوم- ونحن في العام 2005م- يتعرَّض العريان مع زمرة من إخوانه لحملات جديدة في إطار انتفاضة الحرية التي لم يعد هناك مجال لتفوت بلادنا بعد أن تأخرنا عن مسيرتها الكثير.


ذهبنا إلى السيدة فاطمة- زوج الدكتور عصام- لتحدثنا عمَّا جرى في صبيحة اعتقال الدكتور عصام العريان لتحدثنا عن الوجه الآخر من هذا الحدث، فكان لنا معها هذا الحوار:


  • كيف كانت وقائع اعتقال الدكتور عصام؟!
    • لا أتكلم كثيرًا عن التجاوزات التي يرتكبها جنود وضباط أمن الدولة في اعتقالهم للشرفاء واقتحامهم للبيوت وترويعهم للآمنين.. فهذه الصورة متكررة في كل الأزمنة التاريخية والجغرافية في كل الحالات الديكتاتورية في العالم كله، ولا يخفى على أحد ما يمكن أن يصل إليه الحال من تدهور التعامل الإنساني مع الخصوم السياسيين في ظل غيبة تامة للقانون، ولكنني أريد أن أتحدث عن وجه آخر يمكن أن يخلقه هذا التعامل الشاذ من السلطة مع مواطنيها، فالدكتور عصام قد سبق وأن اعتقل مرتين أولاها عام 1981م، وثانيها عام 1995م، فهل غيَّر هذا من مواقفنا؟! وهل أخافنا؟! أو حتى أثَّر على أولادنا.. بأن أخذوا اتجاهًا معاكسًا لهدف الهروب من قمع السلطة؟!


إن شيئًا من هذا لم يحدث، وما زلنا كما نحن، وعلى مبادئنا التي يزداد يقينُنا بها كلما رأينا وجهَ الظلم الكالح وهو يكسر أبوابنا في همجية حمقاء، ويروِّع أطفالنا بشيطانية قبيحة، ويعتقل رجالنا في غباءٍ مستحكَم، وهو يعلم أنه مهما فعل فإنَّ سلطانه قد يكون على الجسد فيعتقله.. أما العقل والقلب فهما ملك لخالقهما، لا يستطيع أحد أن يعتقلهما، وهذا هو ما لا يفهمه الذين يتعاملون بمنطق قوة العضلات والسلاح دونما إدراك أنَّ معايير القوة في العالم قد تغيرت.


  • ماذا تفعلين أثناء غياب الدكتور عصام؟ وكيف تديرين دفة الأمور؟!
    • كما قلت هذه ليست أول مرة يتم فيها اعتقال الدكتور عصام العريان فحياته الاجتماعية تسير بشكلٍ طبيعي، وليس هناك طوارئ أو توقف، وأمارس حياتي الدعوية والعمل الخيري كالسابق دونما تغيير، وحياة الأبناء من مذاكرة ودروس تسير وفق خطة المذاكرة المناسبة لفترة ما قبل الامتحانات، ولكنَّ الجديد فقط هو التواصل مع الإعلام، فهناك تدفق هائل من مراسلي وكالات الأنباء والصحف والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، وهؤلاء يتحسسون أخبار الدكتور عصام حتَّى وهو داخل المعتقل، وينتظرون بلهفةٍ أي تصريح أو خبر أنقله عنه إليهم أو ينقله المحامي من داخل السجن، وهم يتعاملون معه على أنه رقم سياسي هام، في مرحلة جديدة ومتقلبة، وهذا هو التغيير الحادث في حياتي فقط، وأعتقد أنه إيجابي وليس عبئاً!


  • وماذا عن الأبناء؟
    • كل شيء يسير على ما يرام، ولا تغير في حياتنا، وقد عودت أبنائي على أنَّ تلك الاعتقالات واردة في حياة كل الشرفاء وأصحاب الدعوات وصناع الحرية، وفي الاعتقالات السابقة كنت أصنع لهم جوًا جميلاً عند كل زيارة، فقد كنا نعتبر كل زيارة إلى السجن رحلة خلوية للتنزه ومقابلة الأب، ولذلك لم نكن نسميها زيارة، ولكن كنا نطلق عليها رحلة، وفي فترة الخمس سنوات التي قضاها الدكتور عصام في الحكم العسكري بالسجن، كانت فترة جميلة في حياة الأبناء الذين اقتربوا من أبيهم جدًا في تلك الفترة، واقترب منهم هو الآخر بصورةٍ كبيرةٍ وكانت فترة مباركة بشكلٍ لا يُوصف، ولم تتوقف حياتنا، ولا حياته، بدليل أنه خرج من السجن بنفس مستوى العطاء الذي دخل به.


  • هناك بعض الزوجات يحاولن إخفاء الأمر حتى عن الأطفال ويقولون لهم بأنَّ الأب في سفر؟
    • أرفض إخفاء الحقيقة، وهذا إبعاد للأبناء عن طريق أبيهم الذي من المفروض أن يؤمنوا به ويشاركوه مخاطره، وأنا أدفع بابني إلى المشاركة في المظاهرات، ولا أخاف عليه، وأدفعه إلى التعامل مع وسائل الإعلام والتواصل معهم ومراسلتهم، وأريده أن يكون فاعلاً كأبيه مؤمنًا بمبادئه، مشاركًا في صناعةِ مشروع الحرية لا منتظرًا لما سيفعله الآخرون في ذلك المجال ليكون فقط منتظرًا لمشاهده النتائج.


  • وقائع الاعتقال هذه المرة لم تكتف بترويع أهل البيت فقط، وإنما امتدت لتشمل الجيران- فما تأثير ذلك على علاقة الجيران بكم؟
العريان-3.png
    • الجيران يعرفون جيدًا مَن هو عصام العريان، وكذلك يعرفه العالم كله من خلال وسائل الإعلام التي يتفاعل معها من منطلق إدراكه لأهمية دور الإعلام في حياة الدعاة، وجيراننا لا يعرفون عصام العريان فقط من الشاشات، وإنما يعرفونه من قبل من خلال المسجد والمنابر، فنحن أفكارنا ليست سرية، وأعمالنا وأفكارنا أمام الناس ومن أجل الناس وهم يعرفون ذلك جيدًا ويثقون بنا، والجيران أنفسهم والذين طالتهم بذاءات قوات أمن الدولة التي استخدمت مكبرات الصوت، مهددةً لهم بعدم الخروج أو محاولة الإطلال من الشرف؛ لأن الضرب سيكون في المليان جاءوني بعد مغادرة عربات الأمن المركزي الشارع، وقالوا لي إنهم كانوا متوقعين اعتقال الدكتور عصام بعد ظهوره في الجزيرة وحديثه عن الحرية والانتخابات وتغيير الدستور!!


وفي الحقيقة الجيران أصبح تعاملهم معنا اليوم أكثر احترامًا من السابق، وهذا لا ينفي وجود الاحترام والثقة والحب فيما بيننا من قبل، وحتى غير الجيران فإنني أفاجأ بمكالمات من أماكن بعيدة ومتفرقة من سيدات مثقفات ومتعلمات ومن وسط اجتماعي متميز، وتطلب مني مساعدتها في إيجاد عملٍ لكسب لقمة العيش التي لا يجدنها، ونحن نقوم بمساعدة الكثيرات وأغلبهن يملكن سيارات ملاكي، ونساعدهم بتحويل سيارتهن إلى مشروعات توصيلات مدراس وتوصيلات خاصة بدلاً من التاكسي، وقد نجحنا مع كثيراتٍ في التحول بهن من مرحلة الحاجة إلى مرحلة العطاء، ولذلك فإنني أرى أنَّ أي داعية يجب أن يكون له عطاء ملموس ومحسوس لدى الناس.


أقول إنَّ هذه المخالطة والمشاركة تصعب المهمة على سلطات الاعتقال، فهذه رسالة واضحة إلى الدعاة بضرورة الالتحام بالمجتمع ومشاركة الناس آمالهم وآلامهم وجراحهم والتفاعل معهم وعدم الاعتكاف في المحراب بعيدًا عنهم لأنَّ الله تعالى جعل محرابنا في الميدان ووسط الناس وجعل السعي في حاجة الناس خير من قيام عام.


  • الكثيرون يتكلمون عن التأثيرات النفسية والاجتماعية للاعتقال ويتغافلون الجانب الاقتصادي.. فماذا عنه في حياة أسرة المعتقل؟


    • الجانب الاقتصادي مهم جدًا في حياة الداعية وأسرة الداعية، وهنا أتوجه إلى الدعاة بأن يسمحوا لزوجاتهم بممارسة أعمال ما ذات عائد مادي كافٍّ حتى لو كان الزوج ميسور الحال؛ لأن قدرة الزوجة على العمل وإدخال دخل للبيت يحرر الداعية وهو في معتقله من همِّ البيت والأولاد في حالة الاعتقال، وليس المهم فقط أن تصبح الزوجة قادرة على إدخال دخل للبيت في غياب الزوج، وإنما كونها تعمل من السابق يجعلها قادرة على إدارة الحالة الاقتصادية للبيت بكفاءةٍ أكثر ودراية أكثر دونما الاحتياج لأحد.


  • كيف تخططين للتعامل مع المحنة؟
    • لقد بدأنا المشوار منذ لحظة اقتحام قوات أمن الدولة للطوابق الثمانية التي يتكون منها البيت، ولم يروعنا ما فعلوه من كسر الأبواب وتهديد أهل البيت جميعهم بالسلاح والضرب في المليان، فنحن لسنا بالمستأجرين ولا بالعاملين تحت تأثير أفكار غير مؤمنين بها أو داعين لها، فنحن أصحاب دعوة معلومة الملامح، وعميقة الجذور في مصر والعالم ولهذا لا يذهلنا إرهاب سلطات الاعتقال ولا يفقدنا الطريق الصحيح إلى الكفاح والتصحيح، وقد واجهنا سلاحهم المنتشر في الشارع وعلى السلم وفي الشقق بالدعاء والاحتساب عليهم، وعندما اقتادوا الدكتور وضيوفه الثلاثة إلى عربات الاعتقال، وقفنا وكل سكان العمارة مرددين بأعلى أصواتنا بأننا أصحاب حق، وبأننا لن نسكت ولا نتكاسل ولا نخاف من قول الحق رددنا جميعًا "مش هنخاف وهنقول الحق.. وهي دي الحرية إللي بتقولوا عليها.. إلخ".


وسمع الناس كلامنا وقارنوا بين أسلوبنا وبين إرهابهم وعرفوا هذه المرة في وضح النهار مَن الإرهابي؟ وهذا كان إنجازًا مهمًا، والبقية بعد ذلك كانت مع وسائل الإعلام، والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وسأتواصل مع كل جمعيات حقوق الإنسان المصرية والدولية ولن أترك طريقًا إلا سلكته حتى يخرج زوجي وكل معتقلي مظاهرات الحرية والتجديد في مصر.

المصدر:إخوان أون لاين