الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الخامسة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الخامسة) الإمام الشهيد يرد على آراء طه حسين


إعداد: طارق عبد الرحمن


نتناول في هذه الحلقة كلمة الأسبوع التي ألقاها الإمام البنا، جاء فيها:


أيها الشعب المسلم ماذا يراد بك؟!

الإمام حسن البنا

القبعة في الجيش، حرية الفكر في الجامعة، الطبقات في الأندية، الإباحية على الشواطئ، التبشير في كل مكان، ثم ماذا بعد ذلك؟


منذ أسابيع أصدر الدكتور طه حسين كتابًا يدعو فيه إلى الانغماس التام في التقليد الأوروبي، ويستنكر بشدة هذه الدعوات "المنافقة" كما يريد أن يسميها إلى نزع هذا التقليد والرجوع إلى غيره من النظم أيًّا كانت، حتى ولو كانت نظم الإسلام الحنيف- ولم نشأ أن نتناول هذا الكتاب بالرد حتى لا يكون في الكتابة عنه إذاعة لأمره، ولا زلنا عند هذا الموقف من هذا الكتاب حتى نكتب عنه عند اللزوم إن شاء الله.


وتحدث المتحدثون بأن سلاح الطيران في الجيش قد لبس القبعة، فما كان أجملها، وما كان أحلاها، وما كان أحسن شكلها على رءوس ضباطنا الناشئين من أفراد سلاح الطيران، كأن الطربوش الجميل الزاهي بلونه وشكله قد صار من الأثريات. سمعنا فقلنا أول الغيث قطرة، وما لبثنا أن تلا ذلك قرار لبس الجيش للقبعة في وقت العمل فقط فأسرعت دقات القلب، وأخذت صدور المؤمنين تعلو وتهبط في انتظار الخطوة التالية، وتنبأ بها بعض المتنبئين، ولم يكن الوقت طويلاً حتى جاء القرار الأخير بأن يرتدي الجيش المصري القبعة في كل شأنه إلا في الحفلات، وكيف كان ذلك؛ لأن القبعة أعجبت رفعة رئيس الوزراء؟


هذا غريب حقًّا! حينما أرادت إنجلترا أن تغير بعض لباس الرأس في الجيش البريطاني استصدرت بهذا قرارًا من البرلمان؛ لأن أمر الزي- وبخاصةً زي الرأس- يتعلق بمشخصات قومية الأمة، وانفراد شخص بتقريره- أيًّا كان- إفتيات على حقوق ممثلي الأمة ونوابها. لا يكفي أن يعجب شكل القبعة رئيس الوزراء، ولا يكفي أن يفتي كبير أطباء الجيش الدكتور "سوسو باسيلي" ومساعده الدكتور "إبراهيم رزق" وكلاهما غير مسلم، وكلاهما متخرج في كلية الطب ببيروت؛ بأن القبعة أليق وأوفق وأكثر ملائمةً للجيش.


إن الحالة الدولية قد شغلت حكومتنا بل حكومات العالم عن عظائم الأمور. أفما كان يصح أن ننصرف عن هذه الشكليات إلى غيرها مما هو أعود بالفائدة والنفع على الجيش الذي لا يمنعه من النصر- ما دام مؤمنًا مدربًا- طربوش ولا عمامة ولا قلنسوة؟.


مرت على أبصارنا صور من تاريخ الانقلابات الحديثة التي جعلت من حكومات إسلامية ونظم إسلامية ما يتنافى مع الإسلام كل التنافي.. إن الخطوة الأولى في هذا الانقلاب كانت القبعة، فهل يا ترى تكون قبعة الجيش في مصر هي ناقوس الخطر والخطوة الأولى في انقلاب جديد لا يتفق مع الإسلام؟


ولم نكد ننتهي من صدمة القبعة حتى علا صوت نوابنا المحترمين في البرلمان حول ميزانية الجامعة، وتناول المتكلمون حرية الفكر والعلم والدين والدستور بكلام عجيب غريب.


لقد ارتضت مصر- حكومةً وشعبًا- الإسلام دينًا، ونصت على ذلك في دستورها، ولقد لاحظنا ولاحظ كل بصير وكل أعمى جهل طلبتنا بالدين، وبعدهم عن روح التمسك بالدين، وخلو المدارس من هذه الناحية، وخلو الجامعة هي الأخرى منها، وعلمنا وعلم الناس أن كتبًا تتحامل على الإسلام تدرس على أنها كتب مسلمة، ويتلقاها أبناؤنا على أنها مقررات رسمية قد آمن أساتذتهم بصحتها، وقدموها لهم ليعلموا ما فيها ويؤمنوا به، لا على أنها كتب فيها ما يتنافى مع عقائدنا ونحن ندرسه لنرده ولنعلم ما يقول عنا غيرنا من الناس، ولا شك أن الفارق عظيم في الحالتين، فنحن ندرس الأحاديث الموضوعة- مثلاً- على أنها مكذوبة على رسول الله، ولا يمنعنا ذلك من تدريسها، ولكن مع تعريف الطالب أنها مكذوبة.


فهل يستطيع قائل أن يقول: إن مدرس كلية الآداب الإنجليزي حين يدرس للطلبة المحادثة الإنجليزية، أو مسرحية "جان دارك" أوقفهم على ما فيهما مما يتنافى مع عقائدهم الإسلامية؟ ومع ذلك فهل إباحة التفكير والنظر وحريتهما تبيح لكل أحد أن يتعاطى ما لا يدرك وما لا شأن له به؟


يا حضرات النواب: إن هذه كلها تكاد تكون بديهيات مسلمة، والذي يطلبه النواب عبد الحميد بك سعيد والشيخ دراز والشيخ رضوان والشيخ عبد الوهاب ومن إليهم ليس أمرًا عجيبًا، هم يريدون منكم أن تعلموا أبناءنا دينهم، وأن تحافظوا على عقائدهم، فهل في هذا ما يستحق ثورةً أو معارضةً؟ لم لا تصادر الكتب المثيرة للشهوات والمخلة بالآداب؟، ولم لا يقول إن حرية الفكر والبحث تبيح هذا؟ أريد الجواب من الأستاذ العقاد والأستاذ فكري أباظة(2)، وأظنهما سيوافقان على الإباحة؟!


ويتقدم نبيل فيدافع عن نظام الطبقات على صفحات الجرائد ويقول: إن ذلك ما يأمر به الإسلام. يا سيدي النبيل: لا، ليس هذا ما يأمر به الإسلام. إن الإسلام سوى بين الناس: ولم يقم للتفاضل في الدم، ولا في الجنس ولا في الآباء، ولا في الأجداد، ولا في الفقر والثراء وزنًا، فالناس من هذا الوجه في نظر الإسلام سواء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فخر لعربي على عجمي إلا بالتقوى(3)، أما في الأعمال وفي المواهب فنعم؛ عالم وجاهل يتقدم الأول ويترك منزلته من النفوس والقلوب، برٌ وفاجرٌ، كذلك نافع وضار، عامل وعاطل، هذه وأمثالها هي وجوه التميز بين الناس في الإسلام. ومن هنا نعلم أن الإسلام لا يقر نظام الطبقات. ثم يكتب الشيخ "أبو العيون" في تواضع وأدب جم طالبًا إلى بلدية الإسكندرية المحافظة على الآداب في الشواطئ. طلب جميل عادل لا شيء فيه ينافي الأدب ولا المروءة ولا الكمال. فتنبري السيدة "هدى هانم شعراوي"(4) وتشمر الآنسات الفضليات عن سواعد الجد ويتحدين ويهاجمن، ويحاورن ويداورن. لماذا يا حضرات الآنسات والسيدات؟ كل ما يريده رجل العلم والفضيلة أن يحافظ عليكن، فإن أبيتن فستلقين الجزاء شديدًا في الدنيا والآخرة. ومن يعش يره.


ثم نسمع أن مصر القديمة صارت وكرًا للتبشير، وأن كشفًا طويلاً عريضًا ليس فيه أقل من ثلاثين اسمًا قد اعتنقوا النصرانية ومرقوا من الإسلام بفضل إغراء مستشفى "هرمل" وجمعية التبشير هناك بين سمع الأمة والحكومة وبصرها، ومع هذا فأين نرى المخبرين؟ وأين يكثر البوليس الملكي والسري والعلني؟ أمام دور الهيئات الإسلامية والجمعيات الإسلامية وفي محاضراتها وأنديتها. ما هذا أيها الناس؟ لقد علمنا أن كتاب "زهرة الغابة" الذي صادرته النيابة وحققت فيه لأنه هجوم على عقائد الإسلام وتبشير بغيره من الأديان، قد وزع على المدارس الثانوية وجاءتنا عنه أنباء من قنا والفيوم، كما جاءتنا من شبرا الثانوية ومن الخديوية.


كل ذلك وأكثر منه تجري به الحوادث تباعًا سراعًا خلال أيام. فماذا يخبئ القدر لهذه الأمة؟ وماذا يراد بك أيها الشعب المصري البريء؟ اللهم إن الحياة هكذا صارت عبثًا لا يُطاق فرحماك.


إلى معالي وزير الشئون الاجتماعية

حضرة صاحب المعالي وزير الشئون الاجتماعية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فقد عني الإخوان المسلمون لأول نشوء فكرتهم منذ أكثر من عشر سنين بالشئون الاجتماعية المصرية عنايةً عظيمةً، وتكونت لديهم في علاجها آراء، وتقدموا إلى الحكومات المختلفة والمجالس النيابية المتعاقبة بمذكرات مستفيضة في ذلك رجاء أن يقوموا بنصيبهم من المساهمة في الإصلاح الاجتماعي.


ولقد كان سرورهم عظيمًا بإنشاء وزارة الشئون الاجتماعية؛ إذ لمسوا من ذلك روحًا جديدةً لهذه الشئون وشعورًا من الحكومة بخطورتها ووجوب العمل على علاجها.


والإخوان المسلمون يسرهم أن يتعاونوا مع الوزارة المختصة بالإصلاح الاجتماعي تعاونًا فعليًّا، إذا كانت جادةً في مهمتها تريد أن تتلمس وسائل العلاج لأمراض المجتمع المصري بحق على قواعد سليمة من مبادئ الإسلام وتعاليمه، ولهذا قرر مكتب الإرشاد العام تكوين لجنةً من أعضائه من حضرات الأستاذ عيسى عبده المدرس بمدرسة التجارة، والأستاذ عمر التلمساني المحامي، والدكتور محمد سليمان بالطب الشرعي، تكون مهمتها دراسة المشروعات الاجتماعية التي تدرسها الوزارة من جهة، وتقديم المقترحات والمذكرات الإصلاحية من جهة أخرى.


ويرجو المكتب أن تعتمد الوزارة هذه اللجنة، وأن يكون الأثر العملي لهذا الاعتماد أن تمد أعضاءها بما يحتاجون إليه من بيانات ومعلومات، وأن تدرس بعناية ما تتقدم به من مقترحات.


وطبيعي أن جميع أعضاء هذه اللجنة الإخوانية سيقومون بعملهم متطوعين لا يريدون من ورائه إلا القيام ببعض الواجب للوطن العزيز في نهضته المباركة.


وحبذا لو دعت الوزارة الهيئات الأهلية العاملة إلى تأليف مثل هذه اللجنة والانتفاع بما لها من خبرة في هذا الميدان. وفق الله الجميع إلى الخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الروح والقدوة هما أساس الإصلاح الاجتماعي

علم الله أننا ما سررنا بشيء سرورنا باتجاه الحكومة إلى الإصلاح الاجتماعي، وإدراكها مبلغ التدهور الذي وصلت إليه الأمة في أخلاقها ومشاعرها، ومبلغ الضرر الذي استهدفت له في كل شئونها الاجتماعية لهذا السبب: "وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


وعلم الله أننا تفاءلنا خيرًا بوزارة الشئون الاجتماعية وأملنا من ورائها خطوات موفقة في سبيل هذا الإصلاح الاجتماعي.


ونحن- كجماعة زاولت إصلاح المجتمعات في محيطها وبحسب طاقتها ووسائلها- نعلم ونعلن دائمًا أن الزمن جزء من العلاج، وأن الطفرة- وبخاصة في إصلاح النفوس وتطهير المجتمعات- فوق المحال، إن صح هذا التعبير. ولهذا ما كنا ننتظر من وزارة الشئون الاجتماعية أن تظهر ثمار جهودها يانعةً دانيةً ما بين طرفة عين وانتباهتها فذلك أمر غير طبيعي- ومهما عرف عن علي ماهر باشا من السرعة في إنجاز الأعمال وأخذ الأمور بالحزم والتنفيذ العاجل، ومهما عرف عن الشاذلي باشا من الدربة والحنكة في مثل هذه الشئون، فإن سنة الوجود في كل شيء لا بد أن تأخذ مجراها، فلا عيب على وزارة الشئون الاجتماعية ولا على رئيس الحكومة إذا سارت مشروعات الإصلاح الاجتماعي سيرها الطبيعي متى روعي الحزم الواجب، والسرعة فيما لا بد فيه من السرعة، والتدرج فيما لا بد فيه من التدرج، وتقديم الأهم على المهم فضلاً عن الكمالي البحت.


وليس الإسراع والإبطاء مهمًّا ولا مبشرًا أو محزنًا بقدر الصواب أو الخطأ في اختيار الفكرة الأساسية للإصلاح المنشود، فإن من أراد بناء بيت إنما يعنيه أولاً الرسم الهندسي الذي يتفق مع رغباته وميوله: ثم الرجال الذين يقومون بالإنفاذ. ثم يأتي بعد ذلك دور العمل نفسه، فإذا كان الرسم الهندسي صحيحًا والقائمون بالإنفاذ أمناء كانت السرعة زيادة في الخير، وكان لصاحب البيت أن يعتقد أن بيته سيتم كما يحب ويهوى.


أما إذا كان الخطأ في الأساس في الرسم وفي العاملين، فسواء أسرعوا أم أبطئوا فإن عملهم هذا محكوم عليه بالهدم أخيرًا، وهنا يكون الإبطاء رحمةً من الله؛ فإن التجربة الفاشلة إنما يكون الخير في فشلها من قريب.


على هذا الأساس نصارح وزارة الشئون الاجتماعية ونصارح رفعة رئيس الحكومة بأن ما ظهر من خطوات وزارة الشئون إلى الآن يدل على أحد أمرين: إما أنها تعمل بغير فكرة أساسية في الإصلاح، فهي ترتجل القول ارتجالاً، وتضع البرامج كيفما اتفق، وإما أنها قد اختارت لنفسها السير على رسم أوروبي بحت، غير ناظرة إلى تعاليم الإسلام وقواعده ونظمه وما وضع من أصول الإصلاح، ولكنها لا تريد أن تصارح الناس بهذا، فهي تسايرهم في بعض المظاهر الإسلامية، وتستر بهذا ما تضمر من برامج منقولة عن أوروبا نقلاً كاملاً لا تجديد فيه. وإذا دام هذا الحال فإن وزارة الشئون الاجتماعية سوف تسلك بالأمة طريقًا شائكةً. تزاول تجربةً فاشلةً من الأساس.


هناك حقيقة لا يصح إغفالها أبدًا، وكل مصلح يحاول أن يغفلها أو يتناساها فعمله مقضي عليه بالزوال والفناء. تلك الحقيقة؛ هي أن هذه الأمة المصرية عريقة في تدينها وإيمانها وقد تشربت أرواحها هذا منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، فتغلغل في صميم مشاعرها وألبابها وعواطفها، فكل من يحاول أن ينال من هذه الناحية، أو ينحرف بالأمة عنها فهو مهزوم لا محالة. قد يبدو في ظاهر الأمر أن هذا الشعب قد أنساه بؤسه واختلاطه بغيره من الشعوب قدسية دينه فانصرف عن تعاليمه الظاهرة.


وقد يكون هذا صحيحًا إلى حد كبير بالنسبة للأعمال، أما بالنسبة للعقيدة والمشاعر والعواطف المستعرة في حنايا الضلوع، فإن هذا الشعب مستعد لأن يضحي بآخر قطرة من دمه في سبيل الإسلام وتعاليم الإسلام.


وحقيقة أخرى- هي أننا لماذا نخشى الأخذ بتعاليم الإسلام؟ بل لماذا لا ندعو الأمم الحائرة إلى الاهتداء بنور هذه التعاليم؟


قد يكون القائمون بهذا الإصلاح معذورين بعض العذر بسبب ثقافتهم الأوروبية وافتتانهم بها واستيلائها عليهم إلى حد كبير مع جهلهم التام بسمو التعاليم الإسلامية في كل نواحي الإصلاح الاجتماعي، ولكن لا عذر لهم أبدًا بعد أن يتضح لهم أن في الإسلام ما يكفي ويشفي ويزيد ويضمن كل نجاح وفلاح في كل وجوه هذا الإصلاح؛ لذلك نحن ندعوهم إلى دراسة هذه الناحية في الإسلام دراسةً عميقةً غير سطحية، ونحن مستعدون إلى أن نعاونهم في ذلك متى أرادوه، فإن لم يفعلوا فخير لهم أن يدعوا هذه المهمة لغيرهم، فإن ما يضعون من مناهج مقضي عليه بالعقم من الآن.


إنما يمتاز المصلح عن المصلح، والحكومة عن الحكومة بشيء واحد هو الجرأة في الحق والإقدام عليه، وبهذا تفاوتت الهيئات في الإنتاج. فإذا كانت وزارة الشئون الاجتماعية تخشى أن يقال عنها: إنها رجعية حين تأخذ بتعاليم الإسلام فتقعد بها هذه الخشية عن الإقدام والجرأة في الحق، فقد ألقت السلم من الآن، وستكون في وادٍ والأمة في وادٍ، ولا يحزننا شيء كهذه الخسارة المزدوجة في الجهود والوقت والمال، وما تقضيه بعد ذلك من يأس في النفوس وقتل للعزائم والإرادات.


قضت وزارة الشئون الاجتماعية أكثر من شهرين منذ ولدت إلى الآن، والمفروض أن القائمين بأمرها قوم ذوو خبرة في هذه الشئون، وأنهم- على الأقل- قد درسوا كثيرًا من نواحيها دراسةً نظريةً فلا ينقصهم إلا مزاولة التنفيذ.


وهنا نقطة هامة نحب أن نلفت إليها الأنظار؛ تلك هي أن العمل وحده والتنفيذ وحده هو خير مرشد لإصلاح ما في الخطط الموضوعة من أخطاء، وخير للمصلح المجد أن يضع الخطة وضعًا بدائيًّا، ثم يحاول تنفيذها بطريقة مرنة، ثم يعدلها بعد ذلك كلما رأى ما يدعو إلى التعديل على ضوء التجارب، وما يبدو له من نقائص تحتاج إلى إكمال.


قضت وزارة الشئون هذه المدة وهي مدة طويلة ولا شك، ولسنا نريد أن نقول: إن أعمار الأمم تقاس بالسنين لا بالشهور والأيام، فهذا كلام إنما يصح في أطوار التاريخ التي هي من عمل الزمن لا من عمل الناس، ونحن لا نحاسب التاريخَ الآن، ولكنا نحاسب رجالاً، كل يوم من أيام حياتهم محسوب عليهم ومحسوب على الأمة معهم، وهم يتقاضون أجره منها، وشهران في حياة مصلح جريء شيء كثير لا يستهان به أبدًا، ولا بد للمصلح القوي كل يوم من إنتاج إن لم يكن كل لحظة، فماذا فعلت وزارة الشئون في هذين الشهرين؟ لقد كتب فيها الكاتبون كثيرًا، وملئت أنهار الصحف السيارة بما تريد أن تقوم به من أعمال.


هي تريد إلغاء البغاء، وتنظيم الإحسان، ومحاربة الخمر والقمار، وإصلاح الأسرة، وحل قضية المرأة، ورفع مستوى الأخلاق، وتطهير الإذاعة، وإرشاد الصحافة، ونشر الثقافة العامة، وتهذيب السينما والتمثيل إلخ.


فماذا فعلت من ذلك كله في مدى شهرين؟ هذا سؤال، وسؤال أهم منه بكثير: على أي أساس تريد أن تزاول هذه المهمة؟ وسؤال ثالث لا يقل عن سابقة أهمية: مَن الذين سيقومون بالإشراف على إنفاذ هذا الإصلاح؟


إن الروح والقدوة هما الأساس في الإصلاح الاجتماعي، ونحن نريد أن تكون الروح المهيمنة على الإصلاح إسلامية قوية صريحة جريئة، ونريد أن يكون القائمون بالإنفاذ مشبعين إلى أقصى حد بهذه الروح، وتعاليم الإسلام كفيلة بكل ما يريد المصلحون الصادقون من إصلاح، ورجال هذه التعاليم كثير لو أرادت الوزارة أن تنتفع بهم، ويسرنا أن نسجل لوزارة الشئون كل يوم حسنة أو حسنات متى كانت من العاملين، ونسأل الله لها التوفيق.


إذا كان هذا صحيحًا يا دكتور فقد اتفقنا

أقام الأساتذة والطلاب المناصرون للدكتور طه حسين بكلية الآداب حفلاً تكريميًّا لحضرته بمناسبة تعيينه مراقبًا للثقافة العامة وكان مما قاله الدكتور في هذا الحفل: "ثم أريد أن أنتهز هذه الفرصة أيها الأصدقاء لأقول ما قلته ألف مرة ومرة وما سأقوله ألف مرة، فقد يظهر أننا هنا لا نسأم من القول والتكرار؛ وهو أن الإسلام أثبت مكانه وأمكن في قلوب المسلمين وفي قلبي أنا كذلك من أن يتعرض لخطر لأن فلانًا قال أو أن فلانًا لم يحسن القول.


أيها الأصدقاء: أرجو أن نكون أحسن ظنًّا بالإسلام وأحسن ظنًّا بأنفسنا، وأن نكون أحسن ظنًّا بالله من أن نظن أن الإسلام معرض لأي خطر لأن فردًا يرى هذا الرأي أو ذاك؛ وأتمنى أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه كما أدافع أنا عنه، وأن ينشره ويحببه للناس كما أنشره أنا وكما أحبب مبادئه للناس".


هكذا قال الدكتور بالنص: فهل حقيقة يدافع عنه وينشره كما يفعل؟

إذا صح هذا يا دكتور طه فقد اتفقنا كل الاتفاق، واعتبرنا أيها الداعية المسلم من جندك منذ الساعة، فإننا للإسلام نعيش وله نحيا وفي سبيل الدعوة إليه نموت شهداء.


صدقني يا دكتور طه من غير أن أقسم لك- وإن شئت فأنا أقسم على هذا- أنني لأتمنى من كل قلبي مخلصًا أن أرى ذلك اليوم الذي تدعو فيه أنت للإسلام وتنشره بين الناس وتحبب تعاليمه إليهم، وأعتقد أنك حينئذٍ تستطيع أن تخدم الإسلام بأجل وأكثر مما يفعل كثير منا نحن الدعاة المتواضعين، فإنك رجل جريء لك قلم ولك لسان، ولك تلامذة معجبون وأصدقاء مخلصون، وفيك دأب ونشاط وإنتاج خصيب، وما نحسدك على هذا- علم الله- ولكنا نتمنى أن يكون ذلك في ميزان الإسلام لا عليه، ولا في كفة الخصومة له وتوهين أمره وبطريق غير مباشر. فهل يجيء حقًّا ذلك اليوم؟ أسألك يا دكتور مخلصًا لأطمئن لا متحديًا لأتعنت.


إن لك كتبًا كثيرةً ففي أيها ورد هذا الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه وتحبيب تعاليمه إلى الناس؟


وإن لك تلامذة قد اختصصت بهم واختصوا بك، فأيهم ظهر أثر دعوتك فيه فكان لسانًا إسلاميًّا أو قلمًا إسلاميًّا أو صفحةً من صفحات الفكرة الإسلامية أو مظهرًا من مظاهر التمسك بالإسلام؟


وإنك قد ساهمت في خدمة كثير من القضايا الاجتماعية، وحضرت كثيرًا من الأحفال والمؤتمرات في داخل القطر وخارجه، ففي أي هذه جميعًا نطقت باسم الإسلام أو دعوت إلى تعاليمه؟


وأنت يا دكتور أستاذ في الجامعة المصرية منذ أنشئت فأنشدك الحق: هل تذكر أنك عرضت في دروسك ومحاضراتك لطلبتك بما بلغت أنظارهم إلى جلال هذا الدين وروعته ومتانة تشريعه؟ هذا والمادة التي اختصصت بتدريسها ألصق مواد الدراسة بالإسلام وكتاب الإسلام؟!


ولا أحرجك فأقول: وأنشدك الحق يا دكتور؛ أفتحيا أنت في حياتك اليومية على نمط إسلامي وتطبع أسرتك كرب بيت بهذا الطابع، ودع البيت وما فيه؛ أفتقوم أنت في حياتك الشخصية بواجبات الرجل المسلم فضلاً عن الداعية الذي يتمنى أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه. لا أحرجك بهذا السؤال الأخير ولا أطالبك بجوابه، فأنتم معشر الدعاة المصريين تفرقون بين الحياة الشخصية والحياة العامة، كأن واجبات الفضيلة وتعاليم الإسلام لا تتناولهما جميعًا، وكأن الحياة العامة للفرد ليست مرتبطةً بحياته الخاصة كل الارتباط.


وبعد يا دكتور طه

فهل من الدعوة للإسلام أن تعرض للنظر في القرآن بالأسلوب الذي اخترته لنفسك من قبل ولعلك عدلت عنه من بعد- وهو ما أسر له- حتى مع تسليم الدعوي بأن البحث علمي بحت.

وهل من الدعوة للإسلام أن تقف وقفتك المعروفة في شأن الكتابين الإنجليزيين، وما كان عليك وعلى الجامعة ولا على حرية الفكر من بأس أن تستجيب لأبناء مؤمنين من تلامذتك رأوا في هذا الكلام طعنًا في مقدساتهم فلجئوا إليك بالطريق القانوني في هدوء وأدب. أو ما كان أولى بالداعية إلى الإسلام أن يشجع هذه الغيرة ويسر لها ويعطف كل العطف على القائمين بها؟.


وهل من الدعوة للإسلام أن تنادي في صراحةً- لا تعدلها صراحة- أنه لا سبيل لنا إلى الرقي إلا إذا قلدنا أوروبا وسلكنا مسلك الأوروبيين لنكون لهم شركاء في حضارتهم خيرها وشرها، حلوها ومرها، نافعها وضارها، ما يحب منها وما يكره، وما يمدح فيها وما يعاب، ومن زعم لك غير ذلك فهو خادع أو مخدوع؟ ولعلك تقول كما قلت: إنما أريد الدعوة إلى العلم وإلى القوة وإلى الخلق وإلى النظام. وهذا حسن جميل ولكن أفترى أن الإسلام لم يأمر بها ولم يسلك المسلمين السبيل إليه قبل أن تخرج أوروبا من ظلمات جهلها بمئات السنين؟ فلم تدعونا إلى العلم والقوة والخلق والنظام باسم أوروبا الناشئة المتخبطة ولا تدعونا إلى ذلك باسم الإسلام الثابت الدعائم الراسخ الأركان؟


وهل من الدعوة للإسلام يا دكتور أن تخلط بين الفتيان والفتيات هذا الخلط في كلية الآداب فتحذو حذوها غيرها من الكليات وتبوء أنت بأثر ذلك كله، وتزين للفتيات في صراحة هذا الاختلاط وتحثهن عليه وتدعوهن إليه، ولا تقل إن هذا من عمل غيرك فيداك أوكتا وفوك نفخ(9)؟، وما تحمس لهذا ودعا إليه وحمل لواءه واستخدم نفوذه كما فعلت ذلك أنت، ولعلك تعتبره هذا من مآثرك ومفاخرك، ولكني أخالفك يا دكتور وأصارحك بأن هذا الاختلاط ليس من الإسلام، وقد رأينا وسنرى ما كان وما سيكون له من آثار.


هذه صحيفتك يا دكتور طه في الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه. فهلا تزال بعد هذا الحساب اليسير غير العسير الذي لا مناقشة فيه ولا قسوة ولا عدوان مصرًّا على أن يقيض الله للإسلام مَن يدافع عنه كما تدفع عنه ومَن ينشر ويحبب تعاليمه إلى الناس كما تفعل؟

على أننا على استعداد لأن ننسى هذا الماضي جميعه ونأخذ في جديد مثمر منتج على الأساس الذي وضعته أنت وارتضيناه نحن أن نثبت في نفوسنا ونفسك مكانة الإسلام، وأن تدافع عنه، وأن تنشر تعاليمه، وأن تحببه للناس، وعلى أن يكون هذا الإسلام هو كتاب الله كما تفسره اللغة العربية الواضحة وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- الثابتة الصحيحة كما فهمها السلف الصالحون رضوان الله عليهم.


فهل يضع الدكتور طه بك يده في يدنا على هذا الأساس ثم نعاهد الله جميعًا أن نكون أمناء عليه مخلصين له مجاهدين في سبيله؟


وكلمة أخيرة يا دكتور: لقد قلت وهو قول حق: "إن حياتنا موقوتة، وكل ما فيها موقوت، وإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يسترد المنحة التي منحها لنا وهي الحياة في أي لحظة، وهو قادر على أن يسترد ما يمنحنا أثناء الحياة". ما أجمل هذا الإيمان! أذكرك هذه الكلمات، وأذكرك أنك الآن رجل قد جاوزت سن الآمال الخلب(10)، وصرت إلى الآخرة أقرب، وأسأل الله أن يطيل حياتك خادمًا مخلصًا للإسلام. وإن هذا الشعب شعب كريم النفس طيب القلب سرعان ما تنسيه الحسنة الواحدة كثيرًا من السيئات، وإن الله تبارك وتعالى واسع المغفرة عظيم الفضل عفو كريم، فلا عليك يا دكتور أن تختم المطاف بتوبة صادقة نصوح، وتتجرد للإسلام ولخدمة الإسلام ولنشر الإسلام ولتحبب تعاليمه بحق إلى الناس فتفوز بخير الدنيا وسعادة الآخرة، ذلك ما نرجوه منك ولك، وقلوب الناس بيد الله يصرفها كيف يشاء ﴿فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ (الأنعام: من الآية 125)، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.


جماعات عاملة وأخرى هازلة!

كتب الأستاذ العقاد مقالاً قيمًا في مجلة روزاليوسف انتقد فيه طائفةً من "الجمعيات" التي تتاجر بالإصلاح وتخرج بأعمالها عن البرنامج الذي وضعته لنفسها وظهرت به بين الناس، ولما كان الإخوان المسلمون يأخذون على كثير من "الجمعيات" ما يغلب على مسلكها من فوضى، وما تصطبغ به تصرفات أعضائها من خروج على أدب الإسلام، فقد سرتهم ملاحظات الأستاذ الأديب واهتموا بها وكتب إليه فضيلة المرشد العام الرسالة الآتية:


حضرة الأستاذ الكبير رئيس تحرير مجلة روزاليوسف المحترم حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد أطلعني أحد الإخوان على مقال الأستاذ الكبير "عباس العقاد" المنشور بالعدد رقم 876 من المجلة بعنوان "الجماعات الضارة"، وما انتهيت من قراءته حتى شكرت للأستاذ الكبير غيرته على تنقية المجتمع المصري من أمثال هذه الجماعات الضارة حقًّا. ونحن- الإخوان المسلمين- بوصف أننا جماعة تعمل للدعوة الإسلامية وتنشر مبادئها في الناس أول من يشعر بخطر هذه الجماعات التي تتجر بالمبادئ وتتظاهر بالإصلاح، فإن الصورة السيئة التي تتركها في نفوس الجمهور تحول دون ثقته بالجماعات الصالحة النافعة، وحبذا لو أخذت الحكومة باقتراح الأستاذ الكبير فأخذت بالعقاب الزاجر كل جماعة ثبت أنها تضر ولا تنفع، وتقول ولا تفعل، ولعل في تشريع الجمعيات الخيرية الذي عرض قريبًا على "البرلمان" ما يستدرك هذا النقص الذي طالما شكونا منه وتبرم به كل محب للإصلاح، ولهذا كتبت إليكم راجيًا أن ترفعوا للأستاذ الكبير عظيم شكر الإخوان المسلمين وأطيب تحياتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دعاية خطرة في دور سينمائية بالقاهرة

أرسل فضيلة الأستاذ المرشد العام الكتاب الآتي إلى حضرة صاحب الدولة وزير الداخلية:

حضرة صاحب الدولة وزير الداخلية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اتصل بنا أن سينما رويال ومتروبول وديانا تعرض في دورها نشرة فرنسية تشمل دعايةً للصهيونية قبل عرض الأفلام، وذلك منذ أول أمس (الإثنين)، وسيستمر عرضها إلى نهاية الأسبوع.


وبما أن موقف مصر من الصهيونية يحتم عليها ألا تسمح لمثل هذه الدعايات المثيرة أن تعرض في أرضها، فنرجو التكرم بإصدار أمركم إلى الجهات المختصة لوقف عرض هذه النشرات الخطرة.


وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

حول الصورة المخلة بالآداب

رسالتان إلى وزير الداخلية ووكيل الأزهر

بعث فضيلة المرشد العام بالرسالتين التاليتين إلى وكيل الجامع الأزهر ودولة وزير الداخلية عن الصور البذيئة التي تنشرها المجلات:


حضرة صاحب الفضيلة وكيل الجامع الأزهر... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فأبعث إلى فضيلتكم بصورة من الخطاب الذي وجهته إلى معالي وزير الداخلية بخصوص ما تنشره عادة بعض المجلات المصرية من الصور الخليعة والمناظر الفاجرة بلا تحرج أو حياء وغير ناظرة إلى اعتبار خلق أو دين أو وطنية، فيكون لذلك في أفراد الأمة والمجتمع نفسه من الآثار أسوأها مغبة وعاقبة.


ولا شك أن فضيلتكم يحملون بين أيدي الله والناس والتاريخ تبعةً كبرى من هذا الخطر الوبيل، لذا أناشدكم باسمها أن تتصلوا بالمسئولين من رجال السلطة التنفيذية ليضعوا لذلك الفساد حدًّا، وأنتم بحمد الله من أغير الناس على دين الله وأحرصهم على أداء الأمانة وحمل التبعة، فاعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


حضرة صاحب الدولة وزير الداخلية... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فيؤسفني أشد الأسف أن أضع أمام نظر معاليكم مجموعة من الصور الخليعة الفاجرة وما كتب بحقها من تعليقات آثمة المغزى ساقطة المعنى، نشرتها مجلة الاستديو في صفحتها الثانية من عددها الثاني الصادر بتاريخ 13 أغسطس الجاري، وهي مجلة مصرية، وما هذه المجموعة إلا مثال عادي لكثير غيرها مما تنشره هذه المجلة وأمثالها، وتروج له من ألوان الفجور ومثيرات الفساد بلا رقيب من القانون، فتتناقله أيدي الشباب وعامة الناس وخاصتهم، داخل البلاد وخارجها فيسري أثرها السيئ المتلف في النفوس سريان السم القتال والداء الوبيل.


ومما يزيد الأمر وضوحًا أن ذلك الداء آخذٌ في الاستفحال كأثر سيئ من آثار الإباحية العصرية والتحلل الخلقي، والمادية النفعية التي جلبتها المدنية الغربية إلى حضارتنا الشرقية فأفسدت مقوماتها، وأذهبت معالمها الفاضلة.


ولما كان مثل هذه الصور الساقطة والاتجاهات الفاجرة معامل هدامة لأخلاق الأمة على سلامة بنائها، فضلاً عما في ذلك من مصادمة للدين الإسلامي وسائر الأديان والشرائع، وخرق الدستور بالتالي، إذ ينص دستور البلاد على أن دينها الرسمي الإسلام، وأبسط مبادئ الإسلام يتنافى مع هذا الفساد وإشاعته في الأمة والناس.


فإن الأمر يبدو أخطر مما يظن الكثير من المسئولين ومما يقدر المقدرون في هذا التيار الجارف الخطير.


ولئن تقدمت الشكوى وصيحات الاحتجاج والاستنكار من جانب ذوي الغيرة على الفضيلة والدين والمعنيين بالمحافظة على كيان الأفراد والأمة وسمعة البلاد في الأقطار العربية والعالم الإسلامي، الذي تعد مصر زعيمةً له وقدوةً يقتدى بها، فلقد بلغ الأمر مبلغًا لا يصح بحال من الأحوال السكوت عليه والتهاون معه، ولا بد إذن من علاج حاسم ورقابة دقيقة لإنقاذ الأمة من هذه السموم التي تحقن بها في العروق على مرأى ومسمع من الحكام والمسئولين، وصيانة كيانها من هذا التدهور والتحلل باستصدار قانون أو استكمال تشريع.


ولا شك أن معاليكم خير من يستطيع الضرب على أيدي مروجي هذه السموم والحد من هذا الفساد والخطر، وإنا لذلك منتظرون، واعملوا بقول الله تعالى ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)﴾ (الحج).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإخوان المسلمون يكافحون الوباء

40 ألف جوال * 1500 شعبة * طلبة الإخوان

كتاب فضيلة المرشد العام إلى معالي وزير الصحة

أرسل أمس فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين إلى معالي وزير الصحة الكتاب التالي: حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

في غمرة هذه المحنة التي تهدد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا والتي تنادي كل وطني صادق أن يساهم بكل ما يسعه من جهد وطاقة، تتقدم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرف وزارة الصحة 40 ألف جوال من خيرة شباب الأمة وزهرة أبنائها الأطهار، منبثين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكفور والدساكر(15) كلهم على أتم الاستعداد للقيام بما عهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء.


ومما يزيد في الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوة من هذا التجنيد- إن شاء الله- أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكونون مجموعات كاملة الأجزاء محكمة النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان.


ولما كنا حريصين على العمل الجدي؛ لذلك نتقدم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يمكن لهذه المجموعات القيام بها علاوة على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:


1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.


2-التبليغ عن المصابين والإصابات كل في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبًا وطنيًّا لا يعذر المتخلف عنه.


3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.


4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.


يا صاحب المعالي: قد جندنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولا شك أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كلفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبًا إن شاء الله.

هذا ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة 1500 شعبة من دور الإخوان المسلمين تكون مركزًا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولاسيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة.

وفي انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول أرجو أن تتقبلوا أصدق التحيات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


إلى هنا انتهى حديث الإمام البنا عن محاربة الفساد، ونستعرض في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى حديث البنا عن قضايا المرأة والأسرة.

المراجع

(1 جريدة النذير، العدد (17)، السنة الثانية، الإثنين 24 ربيع الثاني سنة 1358 ه/13 يونيو 1939م، ص(3-5).

(2) فكري أباظة (000- 1399ه) (000- 1979م) تخرج في كلية الحقوق عام1917، اعتزل المحاماة عام 1944 وتفرغ للصحافة، وانتخب نقيبًا للصحفيين أربع مرات، وعمل رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، وكان رئيس تحرير مجلة المصور أكثر من ربع قرن.

(3) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد في مسنده: 47/478 وانظر: "السلسلة الصحيحة" (6/449).

(4) هدى شعراوي، اسمها عند الولادة نور الهدى محمد سلطان، ولدت في مدينة المنيا في 23 يونيو 1879، بنت محمد سلطان رئيس مجلس النواب أثناء ثورة عرابي، تحالف مع الإنجليز حتى قضوا على ثورة عرابي واحتلوا مصر. تزوجت من على شعراوي وتسمت باسمه. كانت من أوائل من نادى بتحرير المرأة. توفيت في 13 ديسمبر عام 1947.

(5) مجلة النذير، العدد (33)، السنة الثانية، 25 شعبان 1358ه/10 أكتوبر 1939م، ص(10).

(6) مجلة النذير، العدد (35)، السنة الثانية، 10 رمضان سنة 1358ه/24 أكتوبر 1939م، ص(3-5).

(7) أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن. [تفسير ابن كثير، دار الفكر، بيروت، 1410، (3/60)].

(8) مجلة التعارف، العدد (7)، السنة الخامسة، 21 صفر1359ه/ 30 مارس 1940م، ص(4).

(9) يداك أوكتا وفوك نفخ. يضرب لمن يجني على نفسه الحين. قال المفضل: أصله أن رجلاً كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه فلم يحسن إحكامه. حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ. [مجمع الأمثال، (1/376)].

(10) خلبه يخلبه خلبًا وخلابة: خدعه وخالبه واختلبه: أي خادعه. [مختار الصحاح، (1/89)].

(11) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (57)، السنة الثالثة، 6 جماد أول 1364ه/ 18 أبريل 1945م، ص(13).

(12) مجلة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (239)، السنة الأولى، 21 ربيع أول 1366ه/ 12 فبراير 1947م، ص(2).

(13) مجلة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (239)، السنة الأولى، 21 ربيع أول 1366ه/ 12 فبراير 1947م، ص(2).

(14) الإخوان المسلمون اليومية، العدد (433)، السنة الثانية، ذو القعدة 1366ه/ 30 سبتمبر1947م، ص(2-15).

(15) الدَّسْكَرَةُ القَرْيَةُ، والصوْمَعَةُ، والأرضُ المُسْتَوِيَةُ، وبُيوتُ الأعاجِمِ يكونُ فيها الشرابُ والملاهي، أو بِناءٌ كالقَصرِ حولَهُ بُيوتٌ ج دَساكِرُ. [القاموس المحيط، (1/405)].


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.


للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg