الشريعة الوطن والمواطنة والهوية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشريعة والوطن والمواطنة والهوية


بقلم:القاضي محمود رضا الخضيري

نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية


كنت أحد المشاركين في المؤتمر السنوي لجمعية مصر للثقافة والحوار الذي عقد بنقابة الصحفيين يوم الأحد 13 / 5 / 2007 وذلك بدعوة كريمة من الصديق الدكتور / محمد سليم العوا رئيس الجمعية ، وكان موضوع مشاركتي بحث عن الشريعة في القضاء المصري ، وكان في المؤتمر كوكبة من المشاركين سواء بالبحث أو برئاسة الجلسات وكانت الأبحاث جميعها على مستوى عال من العلم والدقة والموضوعية والمشاركة من الحضور فعالة ، ولكن ما أريد أن أركز عليه في هذا المقال أن موضوع الهوية والمواطنة كان حاداً ومسيطراً على جو المؤتمر بجلساته الثلاثة لدرجة أني عندما حان دوري في إلقاء بحثي وجدت أنه من الأجدى الحديث في هذا الموضوع دون إلقاء البحث لأن البحث مكتوب وبين يد الحاضرين يمكنهم الرجوع إليه أما ما أريد قوله في شأن الهوية والمواطنة فقد لا يتاح لي قوله خاصة وأني لم أستطيع التعليق أثناء إثارة هذا الموضوع لكثرة عدد طالبي الكلمة وضيق الوقت ، ورغبتي في عدم المزاحمة واستأذنت صديقي الدكتور محمد العوا رئيس الجلسة أن أخرج على النص وأتحدث في موضوع الهوية والمواطنة قبل إلقاء بحثي فقد وجدت ذلك من الأنسب نظراً لأن البحث قانوني محض والوقت الساعة الخامسة عصراً بعد تناول الغذاء والحاضرين يتثاءبون ويقاومون النوم ولو أنهم سمعوا شيئاً غير جذاب سيغطون في نوم عميق ونسمع أصواتاً تصدر من الفم ولأنف بدلاً من التصفيق .

بدأت حديثي برواية قصة زميلي في الدراسة في كلية الحقوق جامعة عين شمس مسيحي الديانة الذي أدين له بمستقبلي حيث أنقذني من الرسوب في مادة الالتزامات المقررة على طلاب الفرقة الثانية في كلية الحقوق في هذا الوقت والتي كان يدرسها لنا أستاذنا المرحوم الدكتور / عبد الحي حجازي ونفذ كتابه من السوق في هذه السنة ولم يستطيع الأستاذ إخراج طبعة جديدة لنا لحاجة الكتاب إلى تنقيح لم يسعفه الوقت بالقيام به وقد طلب منا الدكتور أن نبحث عن نسخ قديمة مع زملائنا في الأعوام السابقة علينا وقد تمكن البعض من الحصول عليه ولم يتمكن البعض الآخر من ذلك ، وكنت أنا منهم ويئست من ذلك وسلمت أمري إلى الله وطلبت العوض منه في هذه المادة الشاقة وإذا بي وأنا في هذه الحالة من اليأس بزميل لي في الدراسة في ذات السنة مسيحي الديانة يطرق باب بيتي حاملاً معه نسخة قديمة عثر عليها مع أحد الطلاب وأنقذ بذلك مستقبلي من الرسوب في هذه الماد ة وهذا ما أذكره له بالعرفان حتى الآن ، وقد كان لدى بعض المواقف الأخرى التي يمكن أن أسوقها للتعبير عن مشاعر الإخوة التي تظللنا جميعاً في مصر مسيحيين ومسلمين ، إلا أن الدكتور العوا نبهني أن وقتي قد انتهي فطلبت من الحاضرين الرجوع إلى البحث وأنهيت كلامي ورأيت من الواجب عليّ أن أقول بعض ما كنت أنوي أن أقوله في هذا الموضوع الشائك في هذا المقال لعلي بذلك أسهم ولو بجهد بسيط في إزالة بعض الاحتقان الحاصل في هذا الموضوع .

لن أقول كلاماً مرسلاً ولن استدل بعبارات جميلة أو أحداث تاريخية أحول بها رأب ما قد يتصور البعض من صدع في العلاقة بين شطري الشعب المصري ولكن سأروي تجارب عشتها وأعيشها مثل التجربة التي ذكرتها وادع هذه التجارب تتحدث فهي أبلغ في إيصال المعنى الذي أريده من كل حديث ، في بداية تعييني في النيابة العامة عام 1963 عينت في مدينة أسيوط وكانت جامعة أسيوط قد ظهرت إلى الوجود ولم تكن المدينة مستعدة بعد لاستقبال الطلبة والطالبات الوافدين من باقي المحافظات مما دفعها لاستئجار شقق سكنية عادية لإيواء الطلبة والطالبات ونظراً لأن المدينة لم تكن مستعدة لذلك فحدثت أزمة في السكن اكتويت أنا وزملائي ممن تحدد محل إقامتهم فيها بنارها ووجدنا مشقة كبيرة في العثور على سكن ملائم وكان مرتبنا في هذا الوقت لا يحتمل الإقامة في لوكندة وظللنا على هذا الحال فترة وأثناء جلوسي في النيابة العامة مهموماً بهذا الأمر دخل علي زميلي عزت بطرس رئيس الاستئناف حالياً وكان في هذا الوقت وكيلاً للنائب العام وقدم لي مفتاح شقة وعقد إيجار قائلاً إنني بنيت عمارة جديدة في أسيوط وعلمت أنك تبحث عن سكن وهذا مفتاح شقة فيها وعقد إيجارها موقع مني ولا ينقص إلا توقيعك أنت عليه واستلام الشقة فكانت مفاجأة لم أنسها حتى الآن ولازالت تربطني به علاقة صداقة ومودة حتى الآن بارك الله فيه وأكثر من أمثاله في المودة والمحبة ، بقي في هذا السياق قصة لا تخلوا من طرافة وإعجاب ، زميلنا المستشار / أحمد مكي له صديق يمكن أن يقال عنه أنه توأم روحه هو الزميل المستشار / سعد كامل نصر الله تزاملا في الدراسة وبعد التخرج جمعهما التجنيد في معسكر واحد وتوثقت الصلة بينهما إلى درجة كبيرة كانت تثير إعجاب من يعرفهما حتى أنه عندما كان أحدهما يوقع عليه جزاء المنع من الراحة كان الآخر يفضل البقاء معه في المعسكر على الخروج لرؤية الأهل والأحباب ، وبعد التخرج بدرجات عالية في السنة النهائية عام 1961 كان طبيعياً أن يعينا سوياً في النيابة العامة إلا أنهما فوجئا بعدم وجود اسميهما في قرار التعيين وعندما سألا عن سبب ذلك قيل لهما أنهما ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين وهنا استغرق زميلنا سعد كامل نصر الله في الضحك ، وقال : " كيف ذلك ؟! أنا مسيحي الديانة فكيف أكون من الإخوان المسلمين ؟! " ولم يدق المسئول ذلك إلا بعد الإطلاع على بطاقة الهوية وسارعت الشرطة إلى تغيير التحريات للاثنين ومعاقبة الضابط الذي قام بها وتم تدارك ذلك وإن كان قد فوت عليهما ترتيبها في التعيين ولكن لا بأس فنحن في أول السلم ، المستشار / سعد كامل نصر الله هذا من أفضل رجال القضاء قوة في الحق ودفاعاً عنه ، قصير القامة حاد النظرات عندما تراه غاضباً للحق ترى أسداً يدافع عن عرينه ترى أيها الأخ الذي تتحدث عن المواطنة والهوية أيها تحب وتعتز وتصادق وتحترم سعد كامل نصر الله أم مسلم لا يرعى حق الله والوطن ويزور الانتخابات ويبيع الوطن من أجل منصب زائل ، مسلم يدافع عن الباطل ويساعد الحكومة على كبت الحريات ويضحي بمصلحة الشعب والوطن في سبيل مصلحته هو الشخصية أفضل أم سعد كامل نصر الله أترك الإجابة لضميرك ودينك مسلماً كنت أم مسيحياً أم حتى بوذياً .

المهندس / جورج إسحق الناشط السياسي المعروف واحد من مؤسسي حركة كفاية الذي لا يهدأ في المطالبة بالحرية والديموقراطية وسيادة القانون ويتعر ض في سبيل ذلك لمضايقات كثيرة من الأمن ويبذل صحته ووقته في سبيل ذلك ترى هل هو الأجدر بالاحترام والتقدير أم المسلم الذي لم يسلم المسلمون من لسانه ويده التي تقوم بتزوير إرادة الشعب وقهره والتعدي على حريته وسلق القوانين والدفاع عن الباطل من أجل كرسي الحكم .

يا أخواني : تذكروا دائماً أن حب الوطن والأخلاق والمواقف الصلبة في الحق هي الأولى بالإتباع ومن لا يتحلى بهذه الصفات فليس مسلماً ولا مسيحياً ولا حتى إنسان يستحق التقدير والاحترام ، تقطع يد ولسان من يفرق بين المواطنين لغير الأخلاق الحميدة ومحبة الوطن والإخلاص له وهذه هي مبادئ الإسلام والمسيحية التي يجب أن نتحلى بها جميعاً بالفعل وليس بنص في الدستور والقانون لا يجد من يحترمه ويدافع عنه .

عندما أتذكر موقف قساوسة ورهبان كنيسة بيت لحم في فلسطين المحتلة أيام الانتفاضة الفلسطينية من المقاومين الفلسطينيين المسلمين واحتمائهم بالكنيسة ظناً منهم أن أمريكا المسيحية ستحول دون مهاجمتها وتمنع إسرائيل من ذلك وهذا لم يحدث ولم تتحرك أمريكا المسيحية غضباً للكنيسة وقامت إسرائيل بحصارها ومهاجمتها ومنع إمدادات الطعام و الشراب عن المقيمين فيها وصمود القساوسة والرهبان مع إخوانهم ورفض تسليمهم وتحملهم الجوع والعطش معهم وحمايتهم حتى انقضت الغمة ، أتذكر ذلك وعيني تفيض من الدمع وقلبي يخفق بشدة تأثراً من هذا الموقف الإنساني وأقول لكل من يحاول النيل من وحدة شطري الأمة العربية خاب مسعاك وضل سعيك ولن تنال في النهائية سوى الخيبة والندامة .

محاولة الوقيعة بين شطري الأمة محاولة استعمارية تقوم بها بلا شك أمريكا وتعاونها فيها إسرائيل لعلمها أن ذلك هو الطريق الصحيح للحيلولة دون وجود أمة عربية قوية يمكن أن تسبب لها المتاعب ولذلك فهي تزكي نار الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين ، والمسلمين بعضهم بعضاً سنة وشيعة والسنة أنفسهم عرب وكردي وهكذا يجب أن نتنبه لذلك ونحول دون وقوعه، علينا أن نحبط هذا المخطط الخبيث الذي يُرسم لنا ويحاول النيل من وحدتنا وتماسكنا .

هل يمكن لأحد أن ينسى موقف قداسة البابا شنودة من منع المسيحيين من زيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي ، هل يمكن لأحد أن ينسى المواقف الوطنية القوية للنائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة ، تذكروا ذلك وأنتم تسمعون أبواق الدعاية تحاول أن تزين لكم وجود عداوة بين شطري الأمة للوقيعة بكم ، هل يستحق رجل أو امرأة مسيحية تغير دينها من أجل الحصول على الطلاق من زوجها أو الخلاص من حكم قضائي أو الحصول على ميزة مادية أن نقف إلى جواره ونحارب ونشق صف الأمة الذي لن يستفيد منه سوى عدونا ،( لا إكراه في الدين ) هذا هو أساس الدين الإسلامي والذي يعني أننا لا نستطيع إرغام أحد على اعتناق دين الإسلام أو البقاء عليه إذا أراد الخروج منه بإرادته الحرة .

ياأخوتي، المسلمون كُـــثر وللأسف أنهم اليوم غثاء كغثاء السيل ولا فائدة أن نضيف إلى هذا السيل قطرة أو قطرات وإنما الفائدة في أن نحول هذا الغثاء إلى قوة تدافع عن نفسها وأوطانها ومصالحها وحريتها ومستقبلها فإنه هو الطريق الصحيح لكي يتحقق الإسلام الصحيح ويتقدم المسلمون ووقتها سنجد الناس يدخلون فيه أفواجاً باقتناع وليس عن مصلحة والله و لي التوفيق .