المشروع التغييري للشهيد "أحمد ياسين"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المشروع التغييري للشهيد "أحمد ياسين"

بقلم / حمدي عبدالعزيز

استغاثة.jpg

عاش الشهيد "أحمد ياسين" عمره للدعوة والجهاد؛ حيث بدأ مشروعه التغييري منذ بداية الخمسينيات، وأخذ هذا المشروع بعدًا تربويًا وتنظيميًا في الستينيات والسبعينيات أفضى بعد ذلك إلى تأسيس حركة (حماس) لتقوم بدورها في الجهاد وضرب الاحتلال ودحره بكل ما يمكن من قوة، وعدم الخروج بهذه العمليات عن دائرة فلسطين كلها، وتحريم توجيه السلاح إلى صدر فلسطيني، فالدم الفلسطيني حرام، وشاركت (حماس) بفعالية في الانتفاضة من 1987 م وحتى2004 م، وزلزلت بعملياتها الفدائية الأمن الصهيوني.

وظهور هذا المشروع وتطوره برغم الضغوط الاستعمارية الهائلة على المنطقة العربية والإسلامية- وفي القلب منها فلسطين- يُشير إلى ثقة أكيدة في تحقيق وعد الله بتحرير فلسطين- مهما طال الزمن- على أن يتم الإعداد له بإستراتيجية جهادية متكاملة، تبدأ من تربية الأجيال تربية إسلامية تعتمد على آداء الفرائض الدينية، ودراسة كتاب الله دراسة واعية، ودراسة السنة النبوية، والاطلاع على التاريخ، مع دراسة العدو وإمكاناته ومواطن ضعفه والقوى التي تناصره حتى يتحقق للمسلم وعي صحيح بالواقع وتصور سليم في الفكر والاعتقاد.

المشروع التربوي

وبدأ الشهيد هذا المشروع التغييري من خلال الدعوة والتربية، وفي هذا الإطار لمع نجمه وسط دعاة (غزة) في بداية الستينيات، وهو ما أدى لاعتقاله عام 1965 م، من قِبَل المخابرات المصرية، التي كانت تدير شئون قطاع (غزة) آنذاك، ولخص الشهيد درس الاعتقال بقوله: "إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية.

وبوقوع هزيمة يونيو 1967 م، بدأ الانقسام بين نهجين:

الأول: رسمي يدعو إلى الصلح مع الصهاينة وفق مبدأ (خذ وطالب)؛ وذلك وفق اعتبارات من قبيل مراعاة موازين القوى الإقليمية والدولية، والقول بعدم إمكانية هزيمة الكيان الصهيوني المتحالف مع القوى الكبرى .

الثاني: ويرى في العقيدة والمنطلقات الإسلامية أساسًا ثابتًا للعمل ضد عدو يحمل منطلقات عقائدية، ومشروعًا مضادًّا لكل مشاريع النهوض في الأمة، وبناءً عليه لا يجيز الصلح مع المغتصب؛ لأسباب متعددة، ويعتبر أن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير الأرض والمقدسات، على أن تأتي عملية انطلاقها بعد تكوين قواعد اجتماعية قوية، وتوفير البيئة المناسبة لاستمراريتها، بتوفير المساندة من جانب القوى الفلسطينية المختلفة، والتحصن بالشعب الفلسطيني، من خلال تنفيذ مشروع تربوي طويل الأمد يهدف إلى تحقيق الإيمان بخيار المقاومة، والحصول على تأييد غالبية الشعب الفلسطيني.

وكان الشيخ "أحمد ياسين" يعتنق أفكار جماعة (الإخوان المسلمون) التي تأسست في مصر على يد الإمام "حسن البنا" عام 1928 م، والتي تدعو إلى فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، والشمول في تطبيقه في شتى مناحي الحياة، وانطلاقًا من هذا النهج اتجه الشيخ في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي نحو تدعيم الأرضية التي بوسعها أن تتحمل بناءً عملاقًا لمواجهة الاحتلال، وكان الخيار مشروعًا عملاقًا للإحياء والمقاومة، مشروعًا لأجيال، يبدأ بترسيخ الأسس والقاعدة البشرية الصلبة.

وقد نشط الشهيد في تنفيذه عقب الهزيمة مباشرة فبدأ يخطب في مساجد غزة، وألهب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد (العباسي) الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، وعمل في نفس الوقت على جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين.

واعتبر الشهيد أن المساجد ودور تحفيظ القرآن هي المحاضن الطبيعية لتحقيق الأهداف المنشودة؛ حيث يمكن من خلالها تربية الأطفال لتنشئتهم النشأة الإسلامية، ثم تعهدهم من سن المراهقة، بمناهج تربوية تشتمل على الجانب التعليمي والتثقيفي وتحفيظ القرآن الكريم.

وفي السبعينيات أسس الشهيد "أحمد ياسين" المجمع الإسلامي؛ وهو المنظمة التي تولى قيادتها، وبدأ بتجنيد الشبان بها، وفي بداية الثمانينيات في أوج الثورة الإيرانية أنشأ الشيخ ياسين منظمة (مجد المجاهدين)، وقد أزعج نشاط الشيخ سلطات الاحتلال التي اعتقلته عام 1983 م، ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة، فأصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا؛ لكن الشيخ "ياسين" عاد إلى الحرية من خلال عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في عام 1985 م.

تأسيس (حماس)

شعار حماس.jpg

ونتيجة الجهود الدعوية والتربوية للشهيد وإخوانه، شهدت فلسطين تطورًا واضحًا وملحوظًا في نمو وانتشار الصحوة الإسلامية- كغيرها من الأقطار العربية- الأمر الذي جعل الحركة الإسلامية تنمو وتتطور فكرةً وتنظيمًا، في فلسطين المحتلة عام 1948 م، وفي أوساط التجمعات الفلسطينية في الشتات، وأصبح التيار الإسلامي في فلسطين يُدرك أنه يواجه تحديًا عظيمًا.

وقد أسهمت المواجهات الطلابية الإسلامية- وهي الذراع الطلابية للحركة- من خلال الجامعات الفلسطينية مثل جامعة (النجاح) الوطنية، وجامعة (بير زيت) في الضفة الغربية، و(الجامعة الإسلامية) في (غزة)، في إنضاج الظروف اللازمة لانخراط الجماهير الفلسطينية في الانتفاضة ومقاومة الاحتلال بدءًا من 1987 م، وفي هذا التوقيت اتفق الشيخ "أحمد ياسين" مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي الذين يعتنقون أفكار (الإخوان المسلمون) في قطاع (غزة) على تأسيس تنظيم إسلامي لمقاومة الاحتلال الصهيوني بغية تحرير فلسطين، أطلقوا عليه اسم حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصارًا باسم (حماس).

وتعد حركة (حماس) امتدادًا لحركة (الإخوان المسلمون)، وقبل الإعلان عن اسم الحركة علنيًا من قبل (الإخوان المسلمون) تم استخدام أسماء أخرى للتعبير عن مواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية، منها: (المرابطون على أرض الإسراء) و(حركة الكفاح الإسلامي) وغيرها.

وتشير المادة "33" من ميثاق (حماس) أنها تجاهد اليهود المغتصبين؛ دفاعًا عن الإنسان المسلم والحضارة الإسلامية والمقدسات الإسلامية، وأيضًا دفاعًا عن الحضارة الإسلامية التي استهدفتها الهجمة الصهيونية الشرسة وفق المادة (15) تعتمد الحركة على الجهاد وتعتبره إستراتيجية، وليس تكتيكًا، وتنص على أن الجهاد فرض عين على كل مسلم، ولم ينته الجانب التربوى والدعوي بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية، فإلى جانب تولي قيادة الحركة استمر الشهيد بالقيام بهذا الدور انطلاقًا من المساجد ومن خلال استخدام الوسائط الإعلامية الحديثة، ومع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت السلطات الصهيونية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشهيد فقامت في أغسطس 1988 م، بمداهمة منزله وتفتيشه وهددته بالنفي إلى لبنان.

عمليات استشهادية حماس.jpg

وعندما ازدادت عمليات المقاومة، وقتل الجنود الصهيونيين قامت سلطات الاحتلال الصهيونية في 18/5/1989 م باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة (حماس)، ثم أصدرت إحدى المحاكم العسكرية الصهيونية حكمًا بسجنه مدى الحياة في 16/10/1991 م، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة، وتأسيس حركة (حماس) وجهازيها العسكري والأمني.

ولم يتم الإفراج عن الشيخ إلا في عملية تبادل في أول أكتوبر عام 1997 م جرت بين الأردن والكيان الصهيوني في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لـ(حماس) "خالد مشعل" في العاصمة الأردنية (عمَّان) وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما للكيان الصهيوني مقابل إطلاق سراح الشيخ "أحمد ياسين".

برنامج (حماس)

تنطلق (حماس) من كونها حركة إسلامية تتخذ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة منهاجًا لها ودستورًا، وتعمل على تطبيق هذه البرامج من خلال عدة نشاطات، تتمثل في حلقات تعليم القرآن والتربية في المساجد، أو من خلال عدد من النشاطات الدعوية العامة عبر الندوات أو المؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض الدعوية.

وتعتمد في هذه البرامج على شريحة المثقفين والمتعلمين، حيث تعمل الجامعات الإسلامية من خلال (الكتلة الإسلامية)، على تخريج أفواج من المثقفين في هذه الجانب.

وإضافةً إلى هذا الجانب التربوي الذي بدأه الشيخ "أحمد ياسين" منذ أواخر الستينيات هناك برامج أخرى هي :

1- البرامج الاجتماعية: وتتميز في هذا الجانب عن باقي الحركات الفلسطينية؛ حيث تعمل على الاندماج بالمجتمع، وذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية التي تقيمها، ويشرف عليها أبناؤها، لكن دون أن يكون بشكل مباشر، ومثال على ذلك لجان الزكاة، وبعض المشاريع والمصانع التي تتيح فرص عمل للشباب الفلسطيني،كما تعمل على توفير المساعدات المادية والعينية بشكل متواصل للعائلات الفقيرة وعائلات الأسرى والشهداء، عبر عدد من حملات الإغاثة.

2- البرامج السياسية: وتختلف (حماس) في هذه البرامج عن باقي الحركات الفلسطينية، في كونها ترفض المشاركة في السلطة أو الحكم ضمن الاتفاقيات التي توقَّع مع الجانب الصهيوني، والقيادة السياسية للحركة تعمل بمعزل عن القيادة العسكرية، باستثناء بعض الربط القاعدي للحركة ككل.

3- البرامج الجهادية: وتتمثل هذه البرامج من خلال الجناح العسكري للحركة كتائب (الشهيد عزالدين القسام)، التي تقوم بدور العمل العسكري الجهادي، وتشكل الوسيلة الإستراتيجية لدى الحركة من أجل مواجهة المشروع الصهيوني، وهو- في ظل غياب المشروع العربي والإسلامي الشامل للتحرير- سيبقى الضمانة الوحيدة لاستمرار الصراع وإشغال العدو الصهيوني عن التمدد خارج فلسطين.

وتوضح (حماس) هدفها من الأعمال العسكرية قائلة: "ليست موجهة ضد اليهود كأصحاب دين، وإنما هي موجهة ضد الاحتلال ووجوده وممارساته القمعية"، و(حماس) تحرص على تعاليم الإسلام السامية وقواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي، في مقاومتها المشروعة.

وتستهدف في مقاومتها للاحتلال ضرب الأهداف العسكرية، وتحرص على تجنب سقوط مدنيين، وحتى في بعض الحالات التي سقط فيها عدد من المدنيين في أعمال المقاومة التي تمارسها الحركة، فإنها جاءت من قبيل الدفاع عن النفس والرد بالمثل على المذابح التي تمارس بحق المدنيين الفلسطينيين.

استمرار الدعوة والجهاد

انتفاضة فلسطين.jpg

وبعد أن نجح الصهاينة وظهيرهم الخارجي في الالتفاف على نجاحات الانتفاضة الفلسطينية من خلال إبرام الاتفاقات السياسية والأمنية، أدخل الشهيد أبعادًا جديدة في مشروعه التربوي والجهادي؛ فمن ناحية عمل على ترسيخ مبدأ أن الصراع على الوجود وليس على الحدود، ولعل هذا ما يفسر استمرار الانتفاضة إلى الآن، وبالرغم قلة الإمكانات والحصار الشديد الذي تفرضه القوات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، ورغم سياسة الإذلال والتجويع والاغتيال وتدمير المنازل والبنى التحتية للشعب الفلسطيني- فالانتفاضة من بدايتها 1987 م وإلى الآن 2004 م- فإن الكيان الصهيوني لم ينجح في القضاء عليها، وبدأ التراجع في جيش الاحتلال بالإضراب عن تنفيذ الأوامر، مثل ضباط في القوات الخاصة وعدد غير قليل من الطيارين، وأضعاف هذا العدد أيضًا من الجنود.

ولم تكن هذه القدرة غير العادية على احتمال الضغوط الصهيونية؛ لتنجح إلا بعد أن استطاع الشهيد وإخوانه تكريس البعد الديني في الصراع من خلال التبشير بالنصر رغم مآسي الواقع، والتأكيد في آن على الحق في العزة والشهادة، فيقول في هذا الإطار: إن السر يكمن في الإرادة، وإيمان الإنسان بالمبدأ الذي يسير عليه؛ فالدنيوي يقول: لو أن الدنيا ذهبت منه فقد خسر كلَّ شيء، لكن الإنسان المؤمن الذي يؤمن أنه ذاهب إلى جنة عرضها السموات والأرض يريد أن ينتقل من دنيا فانية إلى الراحة والطمأنينة والاستقرار عند رب العالمين؛ فهو ينتظر هذا اليوم، ويستبسل ويقاتل من أجل الفوز في هذا اليوم، ويثبت في الميدان حتى آخر رمق في حياته.

ويؤكد أيضًا: "أن الشعوب أقوى من الأنظمة؛ فالشعوب تتحرك في هذه الأيام على عكس ما ترى تلك الأنظمة وما يخطط له العدو؛ فسينتصر الإسلام، وسيهزم المشروع الأمريكي الصهيوني على فلسطين بإذن الله، خاصةً أن مبشرات النصر قائمة يرسمها شعبنا كل يوم بثباته وتضحياته ومقاومته التي فرضت موازين الردع والرعب مع هذا العدو الذي ظن أنه لا يقهر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وتجدر الإفادة أن إضفاء البعد الديني لا يعني استغلال الدين في الصراع- مثلما تفعل الصهيونية- أو أن يشن المسلمون- ما يسميه الغربيون- الحرب المقدسة وإنما رد العدوان الذي لا يستهدف فلسطين فقط وإنما الهوية الإسلامية أيضًا بما يؤكد أن الجهاد يعني أمرين: مقاومة المشاريع الصهيونية والإمبريالية وإعادة المنطقة إلى هويتها الإسلامية.

ومن ناحية أخرى دعا إلى الحوار مع جميع الفصائل بما فيها السلطة الفلسطينية حيث كان دائمًا من المنادين بالوحدة الوطنية، وتحسين العلاقات مع السلطة، ومع ذلك فإنه رفض بشدة مشاركة حركته في الحكومة الفلسطينية التي تشكلت تحت غطاء ونجح الشيخ "أحمد ياسين" تقريب وتوحيد فصائل المقاومة الفلسطينية؛ سواءٌ إسلامية أو وطنية، كما كان عقلاً حكيمًا واسع الأفق، فلم يرفض المبادرات المصرية لعقد هدنة مع الكيان الصهيوني، وأعلن قبول الهدنة؛ ليثبت أن تاريخ الكيان الصهيوني هو الخيانة ونقض العهود والمواثيق، وكان الكيان الصهيوني بالفعل- وفي كل مرة- هو الذي ينقض الهدنة باعتراف الجميع.

وأخيرًا فالتساؤل المثار هو: هل تتوقف المقاومة بعد استشهاد الشيخ "أحمد ياسين

والإجابة: إنه بغض النظر عن أسباب اغتيال شيخ قعيد فإن "أحمد ياسين" قد استطاع بالدعوة والتربية تأسيس تيار سياسي- اجتماعي واسع على الساحة الفلسطينية، تولدت منه حركة مقاومة أثبتت مرونة في التعامل مع معطيات الصراع وقدرة في ضرب الجسد الصهيوني من داخله، وبالتالي الإبقاء على الصراع ساخن، وتؤكد عملية الاغتيال أن مصير الكيان الصهيوني في أيدي حفنة من السياسيين والعسكريين المفلسين الذين لم يستطيعوا هزيمة الشعب الفلسطيني ويحاولون تغطية فشلهم بهذا التصعيد الذي سيؤدى بلا شك إلى متغيرات جديدة تصب في صالح هذا الشعب المستضعف.