تراث الإمام البنا في موسم الحج (2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تراث الإمام البنا في موسم الحج (2)

مقدمة

لم يذهب الإمام البنا للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج فحسب، بل للدعوة إلى الله أيضًا، ولتوحيد الأمة على كلمةٍ واحدة، فكان له أكثر من خطابٍ حول الحج وأثره في وحدةِ المسلمين، ونسوق إلى قرائنا الكرام هذه الكلمات، والتي قالها الإمام البنا في الأراضي المقدسة.


كلمة الإمام البنا في منًى عام 1945 م

الإمام حسن البنا بذي الإحرام في رحلة الحج

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

يا أتباعَ القرآن، ويا أمةَ الإسلام، ويا حجاجَ بيت الله الحرام، يا مَن وفدتم إلى البقاعِ الطاهرة، والأرض المقدسة من كل فج، يحدوكم الشوق، ويقودكم الحب، ويراوح بين نفوسكم الأمل. يا أيها المؤمنون.. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..

أيها الإخوان، واسمحوا لي أن أخاطبكم جميعًا بالإخوان؛ فهو اللقب الذي اختاره الله لنا في كتابه، وهو الوصية التي أوصانا بها في قرآنه؛ فقد قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10)، وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، ونحن في هذا الموقف العظيم نلقى الله- تبارك وتعالى-، يجمعنا وصف واحد، قد تحررنا من كل شيء؛ من زهونا، ومن أمجادنا، ومن ألقابنا، ومن أعراض دنيانا، وخلفنا وراءنا أبناءنا وأهلينا، ودخلنا هذه الديار المباركة لا يدخلها منا إلا القلب، وتجردنا من كل شيء، حتى من ثيابنا، ولقينا الله- تبارك وتعالى- عند كعبته، وبين الأماكن التي طهرها، لا فرقَ بين كبير وصغير ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ للهِ..﴾ (المؤمنون)؛ فالكل لله أولاً وآخرًا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

في هذا الموقف أيها الإخوان وقد نسينا أمجادنا، ولم يبقَ لنا إلا مجد واحد هو ديننا، ووقفنا جميعًا أمام الكعبة متساوين لا فضلَ لأحدٍ على أحد، ووقفنا في موقف عرفة الذي أعلن فيه نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم المساواة، وقالها مدوية صائحة قبل أن تعرفها الدنيا بأجيال عديدة، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والناس لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لأعجمي على عربي ولا فضلَ لأحمرٍ على أبيض إلا بالتقوى".

في مثل هذا الموقف، في مكةَ المكرمة ومنى المطهرة، في هذا الحرم الآمن الذي أقسم الله به فقال: ﴿لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)﴾ (البلد)، ونزل به الوحي وانبثق منه نور النبوة وأشرق فيه شمس الرسالة، في هذا المؤتمر الجامع الذي جمع خلاصات القلوب المؤمنة من أقطار الأرض، من المغرب الأقصى إلى إندونيسيا، من المحيط الهادي إلى المحيط الهندي.

مشاعر وخواطر كثيرة يزحم بعضها بعضًا نحن نريد في هذا الاجتماع الحاشد الجامع أن نلخص عواطفنا ومشاعرنا، وأن نعرفها جيدًا ونحفظها، ثم نرسم طريقًا نسير فيه جميعًا لنصل إلى الغاية المرجوة، إن شاء الله. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "العلم علمان؛ علمٌ في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم".

باسم جماعة الإخوان بالبعثة، وباسم الإخوان في العالم الإسلامي أشكر لحضراتكم جميعًا أنكم أجبتم الدعوة، وفي الحق أننا ما كنا نظن ولا نتصور أن يكون مؤتمرنا هكذا بهذه الروضة من رياض الجنة، فشكر الله لكم وجزاكم خيرًا.

نحن الآن وقد جدد منا الحج الأكبر ذلك الشعور العظيم، وقد علمنا أن نعتز بالله وحده ونذل لله وحده ونشعر بالمساواة الكاملة، علينا أيها الإخوان، على كل مجموعةٍ منا في أنفسنا وبلادنا إذا رجعنا إن شاء الله واجبان ولنا قضيتان.

الدنيا هذه الأيام بها دوامة، تتهيَّأ لعصرٍ جديدٍ ولحياةٍ جديدة.

قضيتنا الأولى: علينا نحن المسلمين سواء كنا في المغرب أو في إندونيسيا أن نشعر أن بين أيدينا وديعة أمانة لنُسألَنَّ عنها يوم القيامة، هذه الأمانة في كتابكم هذا- القرآن الكريم- أنتم حراسه، والله يقول: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ (الأنبياء: من الآية 10)، ويخاطب نبيه فيقول: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾ (الزخرف)، فيا أيتها الأمة العربية إن مجدك وخلودك وعزتك وتاريخك في كتاب الله، ويا أيها المسلمون في أقطار الأرض عربًا أو غير عرب، في هذا القرآن هدايتكم ونوركم وطريقكم المستقيم.. ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ..﴾ (المائدة).

فتمسكوا به، وأعلنوا دعوته، وانشروا مبادئه، وعضوا عليه بالنواجز، اللهم قد بلغت، اللهم اشهد.

قضيتنا الثانية: لقد أتى على الأمة الإسلامية حينٌ من الدهر، نشرت فيه دعوة دينها، واستمسكت برسالةِ قرآنها؛ فنصرها الله وأيَّدها، وكان ملكها من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب.

ونحن قد غيرنا وقلَّدنا غيرنا من الأجانب، ونقضنا عهد الله، واتبعنا الشهوات، وتركنا عزتنا فسَّلط الله علينا عدونا، فانتقص أرضنا، واحتلها أعداؤنا؛ ذلك بما كسبت أيدينا.

واليوم قد تغيَّرت الدنيا، واستيقظت الأفكار، وتنبَّهت الأمة الإسلامية لعزتها وكرامتها؛ فعلى كلٍّ منكم أن يعمل في قطره لأن ينال حقه كاملاً لنعيش أحرارًا.

إننا سنجاهد في مصر، وإن إخوانكم في فلسطين قد وطدوا العزم على أن يعيشوا، وإن إخوانكم في سوريا يجاهدون، وإن إخوانكم في إندونيسيا يبذلون الدم في سبيل الحرية، وفي المغرب أعلنوها صرخةً داوية.

وليس في الدنيا الآن قوة تستطيع أن تكبت أو تحد أو تقف في وجه عملنا أو تنال من صفوفنا، وإن كانت قوة الحديد والنار ستؤخر النصر قليلاً، ولكنا سننتصر أخيرًا..﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ﴾ (التوبة: من الآية 32).

ما دمنا قد اتجهنا إلى مطالبنا؛ فعليكم أن تعرفوا حقوق أوطانكم الخاصة، وعلى أهل كل وطن أن يساعدوا إخوانهم في الوطن العام.

وجزى الله شاعر الإخوان خيرًا إذ يقول:

ولست أدرى سوى الإسلام لي وطنًا

الشام فيه ووادي النيل سيان

وحيثما ذكر اسم الله في بلد

عددت أرجاءه من لب أوطاني

فكل أرض الإسلام أوطاننا أيها المسلمون، وعلى كل أمةٍ أن تدافع عن وطنها ما استطاعت، وعليها أن تعمل على مساعدة غيرها، وتلك فرص إن أفلتت فلن تعود أبدًا.

أيها الإخوان، اسمعوا ذلك من كتاب الله ﴿ طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾ (القصص).

فيا أيها الإخوان: لا تيأسوا أبدًا، نحن اليوم خيرٌ من أمس، وباكر سنكون أحسن، وأساس العزة والمجد والنجاح أن تعتمدوا على هذا الكتاب الكريم، ولو خذلكم جند الأرض أيَّدكم الله بجندٍ من السماء.. ﴿إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِى في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ (الأنفال: من الآية 12).. ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 25 )، ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ﴾ (التوبة: من الآية 40)، وأخيرًا أيها الإخوان، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم.

وفي الختام أُبشركم بأن في مصر كتائب الله مجهزة، ونحن سنعمل ولن نهدأ حتى ينتصر ديننا وقرآننا؛ فإن عشنا عشنا كرامًا، وإن متنا متنا شهداء، ويأبى الله إلا أن يتم نوره".


كلمة الإمام البنا في حفل شركة مصر للملاحة البحرية

وخلال الفترة التي أقامها الإمام البنا وصحبة في مكة، أقامت البعثة حفلاً كريمًا بفندق شركة مصر للملاحة البحرية "بنك جمهورية مصر العربية|" إحياءً لسنة الحق- تبارك وتعالى- في فرض الحج بأن يكون برلمانًا جامعًا، ومؤتمرًا عامًّا للمسلمين يتلاقون فيه؛ فينظروا إلى أحوالهم، ويحاولوا رسم خطة عملية لأمورهم؛ ولذا فقد دعت البعثة إلى المؤتمر علية القوم من الوزراء وكبار رجال الأعمال بمكة والقائمين بشئونها الحكومية والتجارية والعملية، كما دعت الإخوة الأفاضل مبعوثي الأقطار الإسلامية كالهند وفلسطين والمغرب وبلاد الشام، وقد حضر الحفل صاحب السمو الملكي الأمير منصور وزير الدفاع للمملكة العربية السعودية، والأمير عبد الله الفيصل نيابة عن جلالة الملك عبد العزيز، وازدانت ردهة الفندق بالعلمين المصري والسعودي، واحتشدت جموع الحجيج بعد خروجهم من صلاة العشاء في عرض الميدان، يستمعون إلى ما يُلقى من كلمات وخطب، وأشرف إخوان البعثة بالاشتراك مع شباب مكة على الحفل.

وقد خطب في هذا الحفل سعادة صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين، والأستاذ نمر الخطيب رئيس جماعة الاعتصام بفلسطين، وشاعر جلالة الملك عبد العزيز السيد أحمد الغزاوى، والشاعر أحمد العربي.

كما خطب فيه الإمام البنا فجاء في خطابه:

"بسم الله الرحمن الرحيم.. نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن عمل بسنته إلى يوم الدين.

يا صاحب السمو، ويا حضرات السادة، ويا أيها الإخوان الأحبة، تحيةً من عند الله مباركةً طيبة، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، يا حضرات السادة إن علينا نحن- بعثة الإخوان- في هذا الموسم وفي هذا الاجتماع حقوقًا كثيرةً، نحن أضعف من أن نقوم بالوفاء بها، ولكنا نستعين الله تبارك وتعالى، وما لا يُدرك كله لا يُترك كله، ولقد جاء في الحديث القدسي يقول الله تعالى: "عبدي لم تشكرني إن لم تشكر مَن أنعم عليك"؛ فأول الحقوق حق الملك المعظم الملك عبد العزيز، أيَّد الله ملكه، ونصر به شريعته، لقد أسدى إلينا جميلاً لا نفي شكره؛ إذ إنه حفظه الله قد أذن لصاحب السمو الأمير منصور ولصاحب السمو الأمير عبد الله الفيصل أن يشرفا هذا الحفل.

ليس عجيبًا يا حضرات الإخوان أن نجتمع في هذا الحفل بهذه المجموعة الكريمة التي ألَّف بينها الإسلام ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10)، وفي الواقع لا نرى أنفسنا غرباء بعيدين عن وطننا ونحن نطالع هذه الوجوه النيرة وتلك القلوب المؤمنة المشرقة، ونذكر قول شاعرنا "وطني الإسلام لا أبغي سواه".

يا حضرات السادة، نحن في هذا الاجتماع لا نظهر لكم بمظهر رائع ولا بمظاهر رسمية، ولكنه مظهر من عواطفنا، ونرجو من وراء هذا الاجتماع توجيهًا صالحًا وتعاضدًا قويًّا، تتجلى فيه نعمة الإسلام وثمرة الإيمان الذي مَنَّ الله به على المؤمنين.. ﴿قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(الحجرات: من الآية 17)، هذا الإسلام وهو نعمة الله ومِنَّتُهُ قام يوم قام على عقيدةٍ واحدة وأحكام عادلة، وليس في كتاب الله إلا هذا؛ فأول ما تناول العقيدة السليمة الصحيحة، فعلمنا أن الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، ثم ذكر عن إبراهيم ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾ (الشعراء)، ثم ذكر أنه سيحاسبهم على ما قدَّموا من عملٍ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ (الزلزلة)، وألزمهم أن يؤدوا ما وجب عليهم من صلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج حتى يكونوا عابدين ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ (5)﴾ (البينة)، وما كان الحق تبارك وتعالى ليناله من أعمالنا شيء ﴿وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ (الحج: من الآية 37)، ولقد كان قبل الإسلام مجموعة من ألفاظ وعبادة فاسدة، جاء الإسلام فقوَّم معوجهم، وهذَّب من ألفاظهم وعاداتهم، وإذا كان القانون يحفظ الأموال والدماء؛ فقد جاء القرآن يحفظ للناس أموالهم وأعراضهم ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللهِ﴾ (الروم: من الآية 39) ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ﴾ (المائدة: من الآية 38]، حرَّم الربا ليقضي على الشحناء والبغضاء؛ ولذا فرض الزكاة، وحقن الدماء بالقصاص ﴿وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الألْبَابِ﴾ (البقرة: من الآية 179)، وحرَّم الزنا ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾ (الإسراء)، وسدَّ منافذ جريمته.. ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)﴾ (النور)، وأحاط ذلك بالجزاء الرادع ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾ (النور)، ولقد عمل على حفظ الأعراض وصيانتها ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4)﴾ (النور).

بهذه الآيات جاء الإسلام بشريعةٍ كاملةٍ شاملة، كما استوعب كل القوانين في أروع صورها؛ عقيدة سليمة، وعبادة صحيحة، وأحكام عادة، جعل العربي أخًا للصيني والصيني أخًا للهندي، ولكن اتصالنا بالأمم الأجنبية أضعف فينا الخلق الإسلامي والفكر الإسلامي؛ ففسدت أخلاقنا، ووهنت عقائدنا، وضلت عبادتنا بالتقليد الأوروبي والفلسفة والزندقة؛ فأصبحت الأمة القوية الحرة المستقلة تضعف أخلاقها وتنحل قوتها، ولكن رحمة الله الذي تكفل لدينه بالنصر ولشريعته بالحفظ أراد أن يعيد الإسلام روحًا من قوته ونورًا من هدايته، ونحن الآن في مبدأ نهضة كريمة وفي مفترق الطريق، فسلَّط هذه الحرب الضروس على تلك الأمم الظالمة، وجعل بأسهم بينهم، فأكلت الأخضر واليابس، وإن لنا في هذه الآونة فرصة سانحة؛ فها هي الأمم القوية تجتمع لتقرر مصير العالم، وإن من واجبنا نحن المسلمين أن نعمل جاهدين في تقوية شعوبنا في الدين والدنيا ومحاربة الرذائل والمنكرات على أنواعها؛ حتى تصبح الأمة الصالحة القائمة على حدود الله، وذلك هو الفوز العظيم ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾ (التوبة).

وإن من واجبنا أيضًا وأمتنا أن نطالب بحريتنا؛ فإن كانوا يريدون سلامًا فنحن كذلك نريد السلام، ولن يكون سلام حتى يعترفوا لنا بحقوقنا، وإن قضايانا كثيرة؛ قضية سوريا ولبنان والهند وما إليها من البلاد الإسلامية المستعبدة، وقضية القضايا فلسطين؛ فعلينا أن لا نتردد، وأن نقول للأمم القوية: إن الحق حق والباطل باطل، وأن نبين لهم أن المبادئ غير المبادئ والنظريات غير النظريات، وأن نعمل على توحيد الجهود في داخل بلادنا وخارجها بالسهر على حقوقنا وإزعاج الدنيا، وقد تهيأت لنا الفرص؛ فقامت الهيئات الإسلامية، وقامت الحكومة العربية على دعوة الحق، وما أولاها أن تظل على هذا، واتحدت الوحدة العربية، وعملت على توثيق الصلة بين الأمم العربية؛ فكان لذلك أثر عميق وإنتاج مجيد، وإذا اجتمعت حكمة الشيوخ مع شدة الشباب؛ فسننتصر إن شاء الله، وسيكون رائدنا الحق، والحق أحق أن يتبع، ولن نهن في طلبه ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 139).

أما إخوانكم في مصر فقد عاهدوا الله على بذل التضحية وتوحيد الصفوف لنصر قضية الحق، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الإسلام والمسلمين؛ فإنه أكرم مسئول، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم".


الإخوان والحج

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وثائق وأحداث في صور

Banna banner.jpg