حزب العدالة والتنمية التركي قراءة في تجربة إصلاحية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حزب العدالة والتنمية التركي قراءة في تجربة إصلاحية
اردوغان والعلم.jpg

7 -9 - 2007

عناصر الدراسة

· نبذة جغرافية

· لمحة تاريخية

o تاريخ التحول للعلمانية:

o الجهود المناهضة للعلمانية:

· النظام السياسي

· الأحزاب السياسية

· القوى المؤثرة

o الجيش

o الطرق الصوفية

o الأقليات والطوائف

1 - اليهود

2 - العلويون

3 - الأقليات الأخرى

o القوى الاقتصادية

1 - يهود الدونمة

2 - التوسياد

3 - الموسياد

· المشاركة السياسية للحركة الاسلامية في تركيا

· حزب العدالة والتنمية

o التعريف بالحزب

o مبادئ الحزب:

o السياسات الرئيسية للحزب

o نستخلص من ذلك بعض سمات لبرنامج الحزب

· عناصر التجربة الإصلاحية

· قراءة في التجربة الإصلاحية

· التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية:

o أولاً: على الصعيد الداخلي

o ثانياً - التحديات الخارجية

· هل يمكن نقل تجربة حزب العدالة والتنمية التركي إلى العالم العربي، أم أنها تجربة خاصة بتركيا؟

· الدروس المستفادة من حزب العدالة والتنمية

الدراسة

· نبذة جغرافية

الموقع: في غرب آسيا.

المساحة: 781 كم2، وتتكون من 81 مقاطعة.

العاصمة: أنقرة.

العملة الرسمية: الليرة التركية.

اللغة الرسمية: التركية.

عدد السكان: 70 مليون نسمة، وتدين النسبة العظمى من السكان ب الإسلام .

وينتمي للعرق التركي 80% من السكان يليهم من حيث الأهمية الكرد، وذلك وفق إحصائيات عام 2006 .

الأنشطة الاقتصادية: تعتمد تركيا في اقتصادها على تصدير المواد الغذائية والمنسوجات والمركبات الصناعات المعدنية، وتستورد الآلات والوقود والكيماويات.

إعلان الجمهورية: عام 1923 م.

· لمحة تاريخية

o تاريخ التحول للعلمانية:

لم تولد العلمانية على يد أتاتورك وإنما سبقتها محاولات للتغريب منذ عهد السلطان محمود الثاني

السلطان محمود الثاني

في القرن 18 حيث كان متأثرا بالقوانين الغربية وفي القرن 19 ظهرت تنظيمات ذات طابع تشريعي مقتبس من الغرب مثل (خط كلخانه – خط همايون) كما شكل الشباب الذين تأثروا بالثقافة الفرنسية أثناء وجودهم في فرنسا لطلب العلم جمعية الشباب العثماني عام ١٨٦٥وفي النهاية تم إعلان دستور 1876 بعد جهود حثيثة من العلمانيين وارتكز الدستور العثماني على الدستور البلجيكي وكان هناك دورا بارزا لجمعية الاتتحاد والترقي السرية لها علاقة بالمحافل الماسونية .

مهدت كل هذه الخطوات لأتاتورك مهمته الذي أخذ يعمل على تكريس مظاهر النظام العلماني فأصدر مراسيم عدة تضمنت إلغاء الطرق الصوفية ١٩٢٦ والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، بما في ذلك منع تعدد الزوجات وإعطاء المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم وأن تغير دينها، والمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، كما أعطت القوانين الجديدة للأب حق الاعتراف بولده الذي يولد نتيجة علاقة غير شرعية.

كما فرض أتاتورك السفور على النساء وحظر عليهن لبس الجلباب وألزمهن ارتداء الفساتين، وإلا قدم أزواجهن وأقاربهن للمحاكمة .

o الجهود المناهضة للعلمانية:

بدأ الرفض الداخلي في تركيا للإجراءات الكمالية لعلمنة الدولة منذ تأسيس الجمهورية على يد علماء الدين والطرق الصوفية مثل النقشبندية والتي واجهها أتاتورك بالعنف واعتمد سياسة فرض تياره بالقوة واستمر الأمر هكذا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية .

ثم ظهرت مجموعة من المنظمات والجمعيات الإسلامية منها جمعية الإسلام وجمعية التطهير .

وقد طالبت هذه التنظيمات حزب الشعب الجمهوري الحاكم الذي سبق أن أسسه أتاتورك بالتخلي عن سياسته العلمانية والتخفيف من تدخله في شؤون الناس ومعتقداتهم الدينية، كما طالبت بإلغاء القوانين العلمانية وبعد تأسيس جلال بايار الحزب الديمقراطي كحزب معارض سنة ١٩٤٦ وفاز الحزب بتأسيس حكومة رأسها عدنان مندريس الذي قام بإجراءات تصالحيه مع المظاهر الإسلامية رغم أنه لم يكن إسلاميا بالأساس حيث رحب بدور علماء الدين في تربية الجيل الجديد بروح الإخلاص للوطن والشريعة على حد وصفه فقام الجيش بالانقلاب العسكري وأعدم 15 شخص من بينهم جلال بايار وعدنان مندريس .

ثم عاد التهديد الإسلامي للعلمانية من جديد حينما حصل حزب السلامة الذي يقوده نجم الدين أربكان على نحو ١٢من الأصوات في انتخابات العام ١٩٧٣ ثم تعرض للحل بعد الانقلاب العسكري عام ١٩٨٠ إلى جانب الأحزاب الأخرى ليعود من جديد عام ١٩٨٣ تحت اسم حزب الرفاه الذي رفع شعار النظام العادل، ويقصد به إقامة الشريعة الإسلامية ولكن بأسلوب الحوار والإقناع .

وبعد تشكيل حزب الرفاه كثفت الحركة الإسلامية من نشاطها في كافة المدن التركية، لذلك اضطرت القوى العلمانية أن تكتل نفسها في تنظيم جديد في ٢٠ مايو / أيار ١٩٨٣ باسم حزب الوطن الأم بزعامة الاقتصادي الليبرالي توركوت اوزال الذي شكل الحكومة بعد فوز حزبه بالأغلبية في انتخابات ١٩٨٣وقد أفسح أوزال المجال للتيارات الإسلامية بالانتشار في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام حزب الرفاه، لكن هذا الأخير واصل صعوده وفاز بعد نحو عشر سنوات في الانت خابات البلدية سنة ١٩٩٤ ثم في الانتخابات النيابية سنة ١٩٩٥ ليتولى نجم الدين أربكان

نجم الدين أربكان

رئاسة الحكومة عام ١٩٩٦ بعد الائتلاف مع حزب الطرق القويم ، وبعد نحو عام واحد على توليه الحكومة أجبر الجيش أربكان على الاستقالة في ١٨يونيو ١٩٩٧ .

· النظام السياسي

تتمتع الجمهورية التركية بنظام سياسي شبيه بالأنظمة الديمقراطية الغربية، التي تنقسم عامة إلى جهاز تشريعي، تنفيذي و قضائي.

تبنت البلاد الحياة الديمقراطية بعد تطبيق دستور عام 1982 و بعد سنوات من الحكم العسكري. يشكل المجلس القومي التركي أو البرلمان الجهاز التشريعي.

المجلس يتكون من 550 نائب، يتم انتخابهم كل خمس سنوات مباشرة من الشعب.

كل مواطن تركي مقيم في تركيا له حق الإنتخاب ابتداءا من سن الثامنة عشرة، لذا لا يستطيع الملايين من الأتراك المغتربين المشاركة في الانتخابات.

أعلى سلطة سياسية في البلاد هي سلطة رئيس الدولة، الذي يتم إنتخابه كل سبع سنوات من قبل البرلمان.

لا يسمح بإعادة إنتخاب الرئيس حسب الدستور.

يوكل رئيس الدولة رئيس الحزب المنتصر بالإنتخابات النيابية مهمة تشكيل الحكومة، لكي يصبح بدوره رئيس الحكومة، بعدها يقوم رئيس الدولة بالموافقة أو رفض أعضاء الحكومة.

المحكمة الدستورية هي أعلى محكمة تركية.

تقوم المحكمة بفحص مدى مطابقة القوانين المشرعة من البرلمان مع بنود الدستور. تم إنتخاب تولاي توكو في عام 2005 لتكون أول امرأة ترأس أعلى محكمة في البلاد.

· الأحزاب السياسية

يبلغ عدد الاحزاب التركية 22 حزب اما بالنسبة الى النسب التي حققتها الأحزاب الفائزة في انتخابات 2007 فهي كالتالي:

الحزب

نسبة الفوز

توجه الحزب

حزب العدالة و التنمية

46.66%

إسلامي

حزب الشعب الجمهوري

20.85%

يسار

حزب الحركة القومية

14.29%

قومي

الحزب الديمقراطي

5.41%

محافظ

حزب الشباب

3.03%

قومي

حزب السعادة

2.34%

إسلامي

حزب الاستقلال التركي

0.51%

إسلامي قومي

حزب الشعب الصاعد

0.50%

وسط

حزب العمال

0.36%

شيوعي

الحزب الشيوعي التركي

0.22%

شيوعي

حزب الحرية والتضامن

0.15%

إشتراكي

الحزب الديمقراطي الليبرالي

0.10%

ليبرالي

حزب العمل

0.08%

شيوعي

· القوى المؤثرة

o الجيش:

تعتبر واشنطن وعواصم الناتو تركيا حليف إستراتيجي، ولم تتأخر في دعم الجيش التركي حتى أصبح أكبر جيش في المنطقة بعد أميركا، كما أنها دعمت بشكل خاص القادة العسكريين الأتراك الذين أثبتوا بدورهم وفي العديد من المناسبات وفاءهم لواشنطن أكثر من أنقرة، ولعل هذه الحقيقة تفسر الإيحاءات الدائمة لدور واشنطن في جميع الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا حتى الآن .

ويستمد الجنرالات الأتراك قوتهم من دعم ر جال الأعمال الكبار ووسائل الإعلام الكبيرة التي تلعب دورا أساسيا في إعداد وتهيئة الشارع التركي للانقلابات العسكرية وبأساليب ذكية، إذ لرجال الأعمال الكبار مصالح مادية كبيرة في العلاقة مع الجيش بعدد أفراده البالغ مليون عسكري، ويحتاجون يوميا للكثير من الحاجات التي تكلف الدولة الملايين بل المليارات من الدولارات التي طالما خصصتها جميع الحكومات للجيش الذي يتحجج دائما بحماية النظام العلماني والأمن الوطني والقومي ضد المخاطر الداخلية والخارجية وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني الذي كلف الدولة التركية حوالي ١٠٠ مليار دولا ر.

ولقوة تأثير الجيش التركي وتدخله المباشر في الشأن السياسي وفي تحديد شكل الحكومات وهوية الحكام جذور تاريخية تعود إلى الجيش الانكشاري العثماني الذي لعب أدوارا مهمة في تغيير السلاطين ورؤساء وزرائهم أو الإطاحة بهم خنقا أو شنقا أو قتلا !

o الطرق الصوفية:

حافظت الطرق الصوفية على وجودها وممارسة فعالياتها بعد منع تكاياها وإغلاق مدارسها، ولقد وقف التصوف أمام مجموعة من الجهات التي ناصبته العداء يذود عن حوضه ويذب عن حماه، و كان من أبرز أعدائه أولئك القائمون على الصحافة والإعلام آنذاك، وهم الذين ما فتئوا يستفزون الحكومة بشكل مستمر لمحاربة الطرق الصوفية وأهلها .

تمكنت كثير من الطرق الصوفية في تركيا أن تحا فظ على وجودها رغم كل العقبات التي مرت بها، ولعل من أبرز تلك الطرق الطريقة النقشبندية والقادرية والخلوتية والعشاقية والجراحية والبكتاشية والمولوية، وتشارك هذه الطرق في الحياة الاجتماعية ولبعضها علاقات ودور سياسي، ومن أهم هذه الطرق النقشبندية والقادرية ويمتد أثر الطرق الصوف ية حتى إلى غير المنتسبين لها من السياسيين ومنهم رئيس الجمهورية الأسبق تورغت أوزال الذي كان متعاطفا مع النقشبندية وقد كان كل من أخيه وأمه مريدا لدى الشيخ النقشبندي محمد زاهد كوتكو،ولا يمكن الجزم بكونه مريدا لدى الشيخ أم لا، إلا أنه من المعلوم أنه كان على ات صال مع الطريقة ويميل إليها بشكل واضح ما دفعه إلى التسامح وتوسيع الفضاءات أمام النشاطات الدينية والصوفية تحت مظلة الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الشخصية.

o الأقليات والطوائف:

1 - اليهود

تتمتع الأقلية اليهودية في تركيا بنفوذ واسع في الدولة وتحظى برعاية السلطة برغم أن عدد أفرادها لا يتجاوز ال ٣٠ ألف شخص، وقد كانت هذه الأقلية على الدوام مؤيدا جوهريا للقوى العلمانية السياسية وغير السياسية في تركيا، وأسهمت في تكريس العلمانية وتقاليدها منذ البداية .

ويطلق على أبناء الأقلية اليهودية في تركيا لقب الدونمة، وهي كلمة تركية تعني الهداية أو العودة إلى الحق،وجاءت هذه التسمية بعد أن تظاهر يهود تركيا باعتناق ا لإسلام علنا منذ زمن الدولة العثمانية واستخدموا أسماء إسلامية، لكنهم احتفظوا سرا بديانتهم وطقوسهم اليهودية وأسسوا محافل ماسونية نشطة في تركيا كان لها دور في تأسيس الدولة العلمانية التركية، وساندوا إجراءات أتاتورك في تحديث تركيا وفق النمط الغربي، وتغلغلوا في صفوف المجتمع التركي بأشكال مختلفة حتى اصبحوا من اصحاب الثروات

الطائلة وفرضوا سيطرتهم على المراكز التجارية والاقتصادية والإعلامية المهمة، وقد أسهم قيام إسرائيل عام ١٩٤٨ واعتراف تركيا بها عام ١٩٤٩ في منحهم قوة سياسية مضافة، تجسد في الحضور البرلماني لعدد من السياسيين المعروفين كيهود دونمة في الأعوام ١٩٣٥ و ١٩٦٠ و .1995

2 - العلويون

تتضارب الأقوال تجاه نسبة العلويين فالبعض يرى أنها تمثل 5% بينما يرى البعض أنهم 12 % والعلويين يقولون أنهم 25 % ومع أن العلويين هم جزء من الشيعة ترى بعض مؤسسات الدولة التركية أنهم أصل الشيعة البكتاشية والزيدية، في حين يعد العلويون أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية يتوزعون بين جماعات عرقية أبرزها وكبراها الأكراد إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون التركية والعربية والظاظا والكرما نسية، وللغتين الأخيرتين صلة باللغة الكردية والفارسية، فضلا عن تعدد الفرق العلوية وقد وجد العلويون في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وأصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني، وهم يرفعون صورة أتاتورك إلى جانب صورة علي بن أبي طالب وحاجي بكتاش في جميع مناسباتهم الوطنية والدينية، ومع الانفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية انضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام ١٩٦٠ وشاركوا في إعداد دستور ١٩٦١ الذي نص على الكثير من الحريات الدينية ما زاد من نشاطهم الديني والاجتماعي والإعلامي فضلا عن قيامهم ببناء قوة رأسمالية مهمة في بعض دول أوروبا الغربية توازي قوة المسلمين السنة .

3 - الأقليات الأخرى

تتوزع الأقليات الأخرى بين طيف واسع موزع على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي، لكن الأقلية العرقية الكبرى في تركيا هي بالتأكيد الأكراد الذين يشكلون نحو خمس عدد سكان البلاد .

وقد طغى صراع الأكراد مع الدولة التركية الذي رافق تاسيسها أواسط العشرينيات من القرن الماضي في توليد مشكلات بينهم وبين النظام السياسي التركي لا يترك الكثير من الهوامش لعلاقة ما لهم بمصير النزاع العلماني الإسلامي، لا سيما أن كل الأحزاب والقوى السياسية التركية علمانية كانت أم إسلامية ترفض مبدأ انفصال الأكراد، وإن كانت تتباين في رؤيتها للحلول الممكنة لمطالبهم القومية

ويمكن ملاحظة أن قوى اليسار الكردي في تركيا هي التي تنادي بالانفصال وتقود التمرد المسلح، ومن أبرزها بالطبع حزب العمال الكردستاني التركي، في حين يفضل الحزب الإسلامي الكردستاني التركي التآخي التركي –الكردي – العربي والحياة داخل الدول التي يوجد فيها أكراد على أساس مفهوم المواطنة الحديثة .

أما الأقلية العربية التي تشكل نحو ٢ % من مجموع السكان فهي لا تمثل خطرا سياسيا بأمن تركيا ووحدتها وليس لها علاقة واضحة بموضوع العلمانيين والإسلاميين، كما يتمسك المتحدثون باللغات القوقازية بقوة الدولة التركية ويعدونها حصنا منيعا للإسلام ويجمع الأرمن بين كونهم أقلية دينية صغيرة وأقلية قومية مستقلة ويبلغ تعدادهم زهاء ربع مليون نسمة يقطنون المدن الكبرى وشرق الأناضول ويعملون مع اليهود في التجارة، فضلا عن عملهم في المجال الصناعي والحرفي، ويحجم الأرمن بوعي عن المشاركة في الحياة السياسية لكيلا يثيروا حفيظة السلطات التركية ضدهم نظرا للحساسية التاري خية المفرطة بين الأتراك والأرمن .

ويقدر عدد اليونانيين في تركيا بين ٥٠ و ٨٠ ألفا يتوزعون بغالبيتهم في المدن الكبرى لا سيما إسطنبول ويعملون في المجال التجاري مع اليهود أيضا، ولهذه الأقلية تأثيرها في العلاقات التركية اليونانية، إذ تسعى اليونان لتحويل الوضع القانوني لمقر البطريركية الأرثوذكسية الرئيسة في العالم والموجودة في حي (فينير ) بإسطنبول إلى ما يشبه وضع الفاتيكان، الذي ترفضه تركيا .

ومن الأقليات الدينية الأخرى نجد مجموعة من السريان يدينون بالأرثودكسية ويقطنون إسطنبول والمناطق المحاذية لسوريا يقدر عددهم بنحو ٢٠ ألفا، فضلا عن الكلدان الذين يقطنون المناطق المحاذية للحدود مع العراق وسوريا يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف نسمة، توجد مطرانيتهم بإسطنبول وبطريكهم الأكبر في الموصل شمال العراق .

وهناك أيضا أقليات عرقية ودينية أخرى تتراوح أعدادها بين مئات وبضعة آلاف، ومن هؤلا ء الألبان الذين يبلغ عددهم نحو ٥٠ ألفا، إضافة إلى الروس والألمان والإستونيين ومجموعات عرقية من آسيا الوسطى وقفقاسيا وأوزبك وقرغيز وقازان وتتار وأويغور وأذريين وشركس.. وغيرهم.

o القوى الاقتصادية

1 - يهود الدونمة

في مطلع القرن التاسع عشر، بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة كان يهود "الدونمة" يسيطرون على الشؤون المالية وإدارة الديون في الدولة بفضل علاقاتهم واتصالاتهم بأوساط المال العالمية، وكان هؤلاء أنفسهم ضمن أهم الشخصيات التي أدارت الحملة الداخلية ضد السلطان العثماني والخلافة ، باسم القومية التركية، حيث كانت لهم الكلمة الأبرز في تحديد مسار الاقتصاد العثماني، وهم الذين تولوا المراكز الهامة والحساسة في النظام الاقتصادي والمالي لتركيا بعد إنهاء الخلافة واعلان الجمهورية، وبطبيعة الحال كان موقفهم ودورهم المضاد للخلافة وكذلك نفوذهم الاقتصادي في الأوساط المالية العالمية أسبابا مباشرة لوضع هؤلاء اليهود في قلب عملية بناء الدولة التركية الحديثة التي تبنت العلمانية والاتجاه نحو الغرب كهوية وإستراتيجية .

2 - التوسياد

تأسست جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك "توسياد " عام ١٩٧١ في إسطنبو ل وكان عدد كبير من مؤسسي هذه الجمعية من اليهود العلنيين ويهود الدونمة، ويبلغ عدد أعضائها حاليا ٥٤٥ شخصا هم الأكثر ثراء على الإطلاق في تركيا يمتلكون ١٣٠٠شركة يعمل فيها نحو ٥٠٠ ألف شخص، وحجم تعاملها أو نشاطها الذي يتركز على الدول الغربية بشكل خاص يصل إلى ٧٠ مليار دولار، وتتحكم في ٤٧ % من القيمة الاقتصادية التي تنتجها تركيا ولا زالت هذه الجمعية أبرز قوة اقتصادية علمانية مؤثرة على الحكومات التركية المتعاقبة، ولها تأثير لا يستهان به أبدا على القرار السياسي والتوجه الاقتصادي لتركيا.

3 - الموسياد جمعية جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك "موسياد" التي ضمت فئة رجال الأعمال والصناعة ذوي التوجه الإسلامي وتبلغ عدد شركاتها 100 شركة .

· المشاركة السياسية للحركة الاسلامية في تركيا:

في 26 يناير 1970 أسس نجم الدين اربكان حزب النظام الوطني ( وهو مزيج من الطرق الصوفية و طلاب رسائل النور و تيار من الاصلاحيين المتأثرين بجماعة الاخوان المسلمين ) ثم تحول حزب السلامة الوطني ثم إلى حزب "الرفاه" الإسلامي الذي تحول إلى حزب "الفضيلة"، ثم استقر أخيرا على اسم حزب "السعادة"، الذي لا يمتلك تمثيلا في البرلمان، ولم تتجاوز نسبة الأصوات التي حصل عليها 2,5%.

أما حزب العدالة والتنمية تحت زعامة رجب طيب أردوغان فهو الصيغة الثانية التي انشقت عن الرفاه، ونجحت في بناء مشروع حزب سياسي مدني، اعتبر أن إطاره الفكري هو إطار محافظ يمزج بين الحداثة والتراث، ويحمل موقفا إيجابيا من التاريخ الإسلامي، دون أن يتقاطع مع الخطاب الإسلامي التقليدي السائد في العالم العربي.

· حزب العدالة والتنمية

o التعريف بالحزب:

(ttp://eng.akparti.org.tr/english/index.html)

حزب العدالة والتنمية دخل الساحة السياسية التركية في 14 اغسطس 2001 بقيادة رجب طيب اردوغان .

رجب طيب أردوغان

وسعى الحزب بعدها على الفور لتوسيع شبكة أعضائه وتطوير هيكله وبدأت أنشطته تشمل جميع أنحاء تركيا في غضون سنة واحدة .

وقد نجح في الانتخابات العامة في نوفمبر عام 2002 بنسبة 34% من أصوات الناخبين وفي الانتخابات المحلية في 28 مارس 2004 كان الاختبار الثاني للحزب حيث زادت نسبة التصويت للحزب من 34 ٪ الى 42 ٪.

o مبادئ الحزب:

الانفتاح امام المعرفه والخبرة ، والتطورات التكنولوجيه الجديدة والفرص وفتح قنوات اتصال مع جميع الفئات الاجتماعية والمثقفين من البلاد ، تبنى مفهوم القيادة بالمشاركة والتفكير الجماعي ، يعتبر حرية الفرد حقا ثابتا لجميع البشر ، الدعوة للنزاهه والاستقلال الكامل للسلطة القضائية ، يقبل مبدأ العمل على أساس من العدالة والكفاءه والجداره والثقة فيما يتعلق بالتعيينات في المجال العام.

o السياسات الرئيسية للحزب :

· ضمان الحريات المدنيه والسياسية ، ولا سيما حرية الفكر والتعبير والاعتقاد ، والتعليم ، وتكوين الجمعيات والمؤسسات ، كشرط مسبق للسلام والمصالحة.

· تحويل البنيان الهش للدولة إلى دولة قوية وظيفيه مع هدف تحقيق الكفاءه والفعاليه وتقديم خدمات ذات نوعية جيدة مع اعتماد اللامركزيه.

· البشر هم رأس المال وحجر الأساس في التنمية الاقتصادية.

· تشجيع اقتصاديات السوق التي تعمل مع جميع القواعد والمؤسسات ، وعدم مشاركة الدولة في اي نوع من النشاط الاقتصادي بل يقتصر دورها على الوظيفة الرقابيه والاشرافيه والاستقرار الاقتصادي لن يتحقق إلا بالنمو الناجم عن الاستثمارات التي ستزيد من فرص العمل.

· دور الحكومة العمل على خدمة الشعب ، و توفير الرفاهيه والسعاده لجميع المواطنين.

· التعليم هو أهم عنصر من عناصر التنمية في كل ميدان وبالتالي لابد من تشجيع الاستثمار في مجال التعليم.

· الضمان الاجتماعي حق دستوري و يتعين على الدولة جعل هذا الحق في متناول كل فرد.

· اتباع سياسة خارجية واقعيه تناسب التاريخ والموقع الجغرافي لتركيا ، بعيدا عن الاحكام المسبقه وقبل تصور الافكار. السياسة الخارجية ستكون على اساس مبدأ المصالح المتبادله.

· اعادة تحديد اولويات السياسة الخارجية فى مواجهة التغير الاقليمي والعالمي .

· اتخاذ مبادرات لايجاد حلول منصفة لمشاكل تركيا مع جيرانها.

· وضع المزايا الناجمة عن الموقع الاستراتيجي لتركيا في تصرف المجتمع الدولي من اجل تحسين مساهمتها في السلام والرخاء العالميين.

o نستخلص من ذلك بعض سمات لبرنامج الحزب :

1 - برنامجه برنامج انتخابي سياسي صرف لا وجود لمسحة دينية فيه، وهو يعلن التزامه الكامل بالعلمانية، وبفصل الدين عن السياسة، وذلك لا يعني فصل الدين عن المجتمع أو الدولة.

2 - إعادة ترتيب العلاقة بين الديني والسياسي بعيدا عن كل أشكال التنازع أو التوظيف و تقر بأهمية القيم الدينية في تحقيق الرقي الاجتماعي .

3 - لا اعتراض للحزب على العلمانية السائدة، ولكن على مفاهيم خاطئة لها تقيد حريات الشعب حيث تقتصر دعوته الإسلامية على تمكين المتدينين من حرية أداء شعائرهم ، وإزالة القيود عن استخدام حجاب الرأس للمرأة كجزء من الحريات وحقوق الإنسان وليس كفرض ديني ، ورفع القيود عن المدارس الدينية الخاصة التي تخرج أئمة وخطباء للمساجد.

4 - لا يدعو لدستور إسلامي يعتمد الشريعة ولا يسعى لتطبيق الحدود الإسلامية، يطرح ديمقراطية علمانية لا تعادي الدين بل تستوعبه.

5 - أعلنوا التزامهم الكلي بقواعد التعددية السياسية.

6 - أعلنوا عزمهم على حماية حقوق الإنسان, وعدم التدخل في الحياة الخاصة لمواطنيهم, أو التعسف بتغيير نمط حياتهم عن طريق سلطة الدولة.

· عناصر التجربة الإصلاحية:

هناك عدة عوامل ساعدت على نجاح حزب العدالة والتنمية والذي على الرغم من تعدد واختلاف الأوعية التي غرف منها العدالة والتنمية، تبقى الرافعة الكبرى التي رفعته إلى السلطة، في انتصار ساحق، على أحزاب وزعامات عريقة، هي قاعدة إسلامية، ولكن كانت الرؤية في ترك الصدام مع المجتمع والجيش فلم تر مناص من تغيير في الخطاب والوجوه والتكتيكات... فكان العدالة والتنمية، وذلك أن:

· القاعدة الإسلامية التي رفعت أربكان إلى سدة الوزارة الأولى، تجاوزت نسبتها 22% من أصوات الناخبين، ولم يذهب منها إلى حزب السعادة غير 2%، فأين ذهب البقية إذا لم يكونوا هم غالبية من صوت للعدالة؟

· إن أداء الإسلاميين في الحكم لم يكن سلبياً، وكانت في إدارة المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأرض روم ممتازة، وهو الأداء الذي جعل من أردوغان نجماً ساطعاً في سماء إسطنبول ببرامجه وإنجازاته مما فرض التسليم بحقيقة أن رصيد الإسلاميين في الحكم، وحل مشاكل الناس، ليس مجرد شعارات تدغدغ المؤمنين، وتعدهم بالجنة، وتخوّفهم بالنار، على أهمية أثر ذلك لو حصل، وإنما برامج عملية لحل مشكلات معيشية، فشلت أحزاب العلمنة في حلها، بسبب انفصالها عن ضمير الشعب، وما تلوثت به من مفاسد.

· إن كل المؤشرات في العالم الإسلامي، وحيثما وجد مسلمون، تشهد على ارتفاع مذهل لنسب التدين، حتى تلك التي طبقت فيها بشراسة ووحشية وتواطؤ دولي ومحلي خطط الاستئصال وتجفيف الينابيع مثل تونس.

· إن حملة رسالة الإسلام اليوم هم في الصف الأول من جبهة الذود عن الأمة وعن دينها في مواجهة الحملات المتصاعدة عليهاوالتي أسهمت في تأجيج المشاعر الدينية في الأمة، بما ضاعف من شعبية الإسلاميين، على حساب الجماعات العلمانية.

· غلبة الروح العملية على المناظرات النظرية والآيدولوجية جعل حركة التطور في هذا الحزب سهلة ميسرة، مكتفين في المجال الفكري بالرصيد الهائل والتشكيلة المتنوعة من منتوج التيار الإسلامي الوسطي في كل انحاء المعمورة، فعملوا على الإستفادة منه، وصياغته بالشكل الذي ينسجم مع واقع الشعب التركي وميوله، فجاءت برامجهم النظرية استجابة لحلم الغالبية الساحقة من الشعب التركي ومن كل الأطياف والأطراف ...

· التأكيد على قيم الحداثة في الساحة الإسلامية من قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، مما جعلهم جزءا متصلا بالمجتمع لا منفصلا عنه، مستجيبا بذكاء لمتطلباته لا متصادما معه، فأحبوا الناس وأحبهم الناس ....

· الإتفاق الداخلي والتماسك التنظيمي، والإبتعاد عن الخلافات الشحصية والنزاعات القيادية، والتناحر على مناطق النفوذ والإيثار وتغليب المصلحة العليا للمجموع على الأطماع الفردية، وسلامة الصدر وحسن النوايا والشعور بالمسؤولية تجاه ما يحملون من برامج تستحق فناء الذات، وإحترام الإتفاقيات وعدم التمسك بالكراسي والمناصب حيثما جاء وقت الإستحقاق الرسمي والأخلاقي والسياسي .

إن تنازل عبدالله غول عن رئاسة الوزراء لأردوغان مع بداية الدورة قبل خمس سنوات، بعدما حالت قضايا قانوية دون تسلمه المنصب، وعدم تمسك غول رغم قدرته على ذلك، كانت الدليل على عمق ولاء رموز الحزب للمبدأ وللأخلاق بعيدا عن وهج المناصب ولمعان المواقع ...

· البعد عن العنف في معالجة قضايا الخلاف الداخلي والخارجي، وإختيار الأساليب العقلانية والقانونية في حماية حقوقهم الدستورية، والرهان على سلامة التقدير عند الرأي العام عن الحاجة والضرورة، وهذا الذي أمَّن لهم طريق العودة الكبيرة الى السلطة، ومهد لهم السبيل وبقوة الى قلوب الناس قبل أي شيئ آخر .

· الواقعية الشامخة ... وقد تجلى ذلك في السياسة الداخلية والخارجية، فهم واعون تماما أنهم أصحاب رسالة، وأتباع نبي علمهم كيف يكون العمل الدؤوب، والهادئ والمنضبط والعاقل الذي يزن كل شيئ بميزان مهما قال الناس أو ادَّعوا ... عرفوا انها أمانة سيسألون عنها أمام الله والتاريخ، وعرفوا أيضا انه لو كان هنالك على وجه الأرض من يستحق أن تتحق له الأهداف دفعة واحدة، لأستحق ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلا أن ذلك لم يحص له، فكيف لا يكون الأمر آكدا مع اوليائة عبر العصور كما أن ثمة منهجاً ما اتصف به حزب العدالة والتنمية التركي، وهو منهج الاعتدال والوسطية، ومنهج البحث عن المشترك مع الآخر كيفما كانت مشاربه الفكرية والإيديولوجية، وهذا ما عزز ثقة الشعب، وثقة الناخب به.

من اهم اسباب تجدد فوز حزب اردوغان تلك الانجازات على الصعيد الاقتصادي التي لمسها الشعب التركي فخلال ثلاث سنوات من عمر حكومة حزب العدالة و التنمية في تركيا نجح في الرفع من حجم التجارة الخارجية عام 2005 الى ما يقارب عن 200 مليار دولار ، و حجم الصادرات التركية الى 70 مليار دولار ، و استطاعت ان ترفع احتياطي البنك المركزي التركي الى 58 مليار دولار في حين انه كان لا يتجاوز 26 مليار دولار قبل تسلم اردوغان السلطة .

و على المستوى السياسي نجح أردوغان في تحقيق حدّ أدنى من التوازن بين حكومته و مراكز النفوذ العلمانية و خاصة المؤسسة العسكرية ، و استطاع لأول مرّة أن يعدّل توجهات السياسة الخارجية لتركيا ليوازن بين مشروعها الاوروبي و بين مصالحها مع بقية الأطراف الدولية .

· قراءة في التجربة الإصلاحية

أهم شيء أثبتته التجربة السياسية التركية الحديثة، وتجربة حزب العدالة والتنمية بشكل أخص، أن إمكانية التوصل إلى أرضية وفاقية يمكن العمل على أساسها بين مختلف التيارات السياسية والفكرية ممكن إذا التزم الجميع قواعد اللعبة السياسية وكان المعيار هو الاحتكام لمدى إمكانية الأحزاب السياسية في خدمة الشعوب التي تمثلها، أجدى بكثير من خيار القطيعة والتناحر الذي كلف الجميع ثمنا باهضا.

· التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية:

o أولاً: على الصعيد الداخلي:

يواجه حزب العدالة والتنمية, على الصعيد الداخلي أربعة تحديات أساسية:

1- معالجة الانهيار الاقتصادي. فتركيا تمر بواحدة من أكثر أزماتها حدّة من حيث الاقتصاد.

وهي أزمة مستفحلة وليست جديدة.

وفي هذا المجال أكد قادة حزب العدالة والتنمية الاستمرار في التفاوض مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى حلول مناسبة لوضع تركيا الاقتصادي انطلاقاً من كونهم جماعة إنقاذ يقودون ثورة شعبية هي الثالثة في تاريخ تركيا المعاصر: عدنان مندريس ( 1950 ) وتورغوت اوزال ( 1983 ) و رجب أردوغان (2002 ) .

إنه زمن التغيير الذي يحلم به الأتراك!

2- التفاهم مع الجنرالات: يعتبر الجنرالات الأتراك أنفسهم حرّاس هيكل كمال أتاتورك, أي النظام الجمهوري العلماني الذي أرساه باني تركيا الحديثة في بداية العشرينات.

ولكي لا يعيد أردوغان تجربة نجم الدين اربكان في منتصف التسعينيات, (مع فارق في حجم التأييد الشعبي وعدد المقاعد) فقد سعى, ولا يزال, على رغم صدور حكم بمنعه من الترشح للانتخابات, للتفاهم مع الجيش.

فهو يدرك أن المفصل القاتل لتجربته السياسية هو الصدام مع الجنرالات.

ومما ساعد على ذلك الطابع الإسلامي المعتدل لحركة أردوغان, التي وإن نشأت من رحم الرفاه (الاسلامي), فإنها كانت أكثر وعياً وتفهماً لوضع تركيا وواقعها الإقليمي والدولي.

وفي المقابل كانت تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش التركي حلمي أوزكوك مطمئنة اذ أعلن (إن النتائج تعكس إرادة الشعب وأنا أحترمها... وإن الانتخابات جرت وفقاً للقواعد الديموقراطية).

فهذا الكلام إقرار بشرعية النتائج واحترام لها.

وسيكون محك العلاقة بين الجانبين موضوع المبادئ التي تقوم عليها الجمهورية بحسب المفهوم الأتاتوركي القائم على ثلاثة: الجمهورية - العلمانية - الديموقراطية.

3- احترام المبادئ الجمهورية: (كما أشرنا) وهذا يعني العمل على التوفيق بين الاسلام من جانب والعلمنة والديموقراطية من جانب آخر.

وقد أعلن أردوغان أنه يعمل على التوفيق بين الإسلام والديموقراطية.

ومثل هذا التوجه يؤكد وعي القيادة الجديدة لمخاطر الانزلاق في صراع على الطريقة الجزائرية (بين الناخبين والجيش).

وبهذا المعنى يقدّم أردوغان صورة كارزمية للإسلامي المعتدل.

لكن هذا لا يمنع وجود عقبة أساسية في عملية التوفيق هذه, يسميها بعض المحللين (التوفيق بين ما ليس متوافقاً) مشيرين إلى صعوبة وربما استحالة التوفيق بين العقيدة الإسلامية ومفهومي العلمنة والديموقراطية كإنتاج للحضارة الغربية (المسيحية), ومحذرين من وجود عناصر راديكالية داخل الجهتين بعضها يسعى للصدام ، وبعضها يسعى لتغيير الطابع العلماني للدولة وهذه المحاولة, من أي اتجاه أتت, خطيرة جداً على مستقبل تركيا!

4 - التعاطي بوعي تاريخي مع قضية الأكراد.

حتى الآن كان تعاطي السلطة التركية مع موضوع الأكراد (سياسياً وعسكرياً) ينطلق من مفهوم (الوحدنة) غير آبه بقضايا العصر: قضايا الأقليات والحق بالاختلاف والتعدد ورفض مبدأ التذويب والتوحيد القسري, واحترام حقوق الإنسان والجماعات والتنوع الثقافي.

وفي ضوء ما يقدّمه العالم المعاصر على صعيد هذه الأمور, فإن حزب العدالة والتنمية (كما يدل اسمه عليه) لن يكون ظالماً ومهمّشاً لفئة كردية تشكل نحو خمس سكان تركيا.

ومن المهم أن يسعى إلى حل بالتفاهم مع الجيش يجنب تركيا الانفصال من جانب والاضطهاد من جانب آخر!

إن التعاطي مع مثل هذا الموضوع يشكل تحدياً جوهرياً لأردوغان ولوعيه التاريخي خصوصاً أنه موضوع متصل بدول الجوار (العراق وسورية وإيران).

o ثانياً - التحديات الخارجية :

وهي ليست بأقل صعوبة وحدّة من التحديات الداخلية ونشير إلى خمسة منها:

1 - الدخول إلى الأسرة الأوروبية - وهو ما يتفق عليه زعيما الحزبين الفائزين في الانتخابات. فالدخول إلى السوق الأوروبية أولوية بالنسبة إلى القيادة التركـية الجـديدة لأنه العامل الأول في إنهاض تركيا اقتصادياً.

وقد عمل أردوغان وسيعمـل على تطـمين الأسـرة الأوروبية التـي لا تـزال إلى الآن تمـانع في دخول تركيا إليها لأسباب مبدئية (احترام حقـوق الإنسان - الممارسة الديموقراطية - الأقليات).

غير أن صحيفة (لوموند) ذكّرت بكـلام للمستشار الألماني السابق هلموت كول قال فيه : إنه يفضل أن تبقى أوروبا (نادياً مسيحياً)! ومهما يكن فإن دخول تركيا إلى الأسرة الأوروبية سيناقش في قمة كوبنهاغن.

والأكيد أن هذا الاحتمال لن يكون سهلاً... وإن لم يكن مستحيلاً!

2 - الاستمرار في السياسة الدفاعية للأطلسي - تشكّل تركيا الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

وسيكون على أردوغان أن يوفق بين التوجّهات الإسلامية العامة (في موقفها من الغرب والعولمة ومحاربة (الارهاب)) وبين التزامات تركيا الأميركية والأوروبية.

وأولى تجارب هذا الاختبار ستكون عبر الأزمة العراقية وسعي أميركا لإسقاط نظام صدام حسين , مما يرتب على تركيا اتخاذ مواقف صعبة ودقيقة وخطرة يقتضي فيها التوفيق بين مشاعر الشعب التركي والتزامات تركيا العسكرية وهذا ليس سهلاً.

3 - تجديد العلاقة بالولايات المتحدة: تعتبر الولايات المتحدة الحليف الأول ل تركيا منذ زمن الحرب الباردة.

ولعل آخر نموذج لهذه العلاقة حث أميركا صندوق النقد الدولي لتقديم قروض إلى تركيا بقيمة 31 بليون دولار.

إضافة إلى الدعم العسكري والمناورات والعمليات المشتركة بين البلدين.

ومن نماذجها التعاون الكامل في حرب الخليج الثانية.

وتسعى أميركا لإدخال تركيا في الأسرة الأوروبية وتضغط على الأوروبيين في هذا الاتجاه.

ولديها قواعد في تركيا أبرزها قاعدة أنجرليك المعروفة.

وتزداد هذه العلاقة صعوبة مع ازدياد التباعد بين أميركا والعالم الإسلامي على خلفية أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والحرب ضد الإرهاب!

وفي هذا المفترق بالذات يتوجب على أردوغان أن يجد الوسيلة المناسبة لاحتواء مثل هذا التباعد جاعلاً هدفه مصالح تركيا في عالم اليوم.

4 - تحجيم العلاقة بإسرائيل: لقد توصلت إسرائيل إلى شبه تحالف استراتيجي مع القيادات التركية السابقة: التنسيق العسكري, التمارين المشتركة, سماء تركيا للطيران الإسرائيلي (تدريب), عتاد عسكري, إصلاح معدات عسكرية (طائرات ودبابات)... ولا ننسى مسألة بيع المياه إلى إسرائيل من نهر افنانات!

وطبيعي أن مثل هذه العلاقة لن تستمر كما كانت من قبل بل سيجري تحجيمها, على الأرجح, من دون قطعها.

ذلك أن قطعها يفتح مشكلة مع أميركا وأوروبا أيضاً.

فأردوغان لا يستطيع لأسباب نفسية ودينية وسياسية أن يسـتمر في (تدليل) إسرائيل داخل تركيا.

كما أنه لا يستطيع إعلان عدائه للدولة العبرية لأسباب دولية وعسكرية وربما قومية (ذات علاقة بدول الجوار التركي).

وعليه سيحاول كالعادة أن يـصل إلى مألفة بين المتناقضات وهذا ليـس بالأمر السهل ولا بالأمر اليسير! أما الإسرائيليون فقد رأى بعضهم في هذا التحول (كارثة حقيقية)!

5 - حلّ مشكلة قبرص - وهي مشكلة تطرح نفسها باتجاه الداخل التركي من جانب, وكونها أحد شروط دخولتركيا إلى الأسرة الأوروبية من جانب آخر.

ذلك أن دخول قبرص إلى الأسرة مرهون بموقف تركيا من القسم الشمالي من الجزيرة: بين الفيديرالية والكونفيديرالية ودور الأمم المتحدة حول وضعية الجزيرة القانونية.

فما الذي سيكون عليه موقف أردوغان من قبرص خصوصاً أنها نقطة اللقاء والافتراق في العلاقات التركية - اليونانية. وهناك حرص ظاهر للتفاهم بين قيادتي البلدين على معالجة هذه المشكلة.

لكن مثل هذه القضايا لا تحل بالنيات الطيبة فقط!

· هل يمكن نقل تجربة حزب العدالة والتنمية التركي إلى العالم العربي، أم أنها تجربة خاصة بتركيا؟

وإذا كان العديد من المراقبين يرى في تطور أفكار أردوغان وزملائه خصوصية تركية، بمعنى أن له علاقةً بتاريخ تركيا وقوة الأطراف العلمانية فيها وخصوصا الجيش، فإن البعض الآخر يرى فيه نموذجا مغريا للأحزاب الإسلامية في العالم العربي.

فبدأت كثير من الدعوات في العالم الغربي والإسلامي التي تطالب بتعميم تجربة حزب العدالة كنموذج لـ"الاعتدال" في الإسلام حتى تجاسر عدد كبير من الكتاب والمثقفين على إطلاق مصطلح "العلمانية المؤمنة" على أيدلوجيا الحزب وتوجهاته السياسية .

أمّا الأحزاب والمثقفون الإسلاميون في العالم العربي فقد انقسموا إلى اتجاهين رئيسين :

الاول – (المعارض) أنّ حزب العدالة والتنمية قد تحول من حزب إسلامي إلى حزب علماني بسبب تخليه نهائيا عن الشعار الإسلامي وقبوله الكامل بالرؤية السياسية والاقتصادية الليبرالية الغربية (التي تتضح من البرنامج الانتخابي للحزب ومن تصريحات قياداته مثل اعلانه تأييده لمسيرة السلام العربية – الإسرائيلية و أقر بالعلمانية على مستوى الافكار والبرامج و وأعلن بأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على رأس أولوياته واستجاب الحزب لبرامج صندوق النقد الدولي بالكامل)

الثاني – (المؤيد) رأى فيها تجربة عملية بامتياز تتسم بالابتعاد عن الجمود على الشعارات والمواقف السياسية والانتقال إلى مرحلة السياسة الشرعية المبنية على المصلحة السياسية والوطنية وتقديمها لرؤى واقعية تستند إلى لغة الأرقام والمعلومات .

ولم ير هذا الاتجاه أن حزب العدالة والتنمية قد تخلى عن هويته الإسلامية وإنما استطاع تحويل قواعد الصراع مع العسكر التركي والخروج من الحلقة المفرغة في خبرة الأحزاب الإسلامية التركية مع العسكر.

    • تقييم لاراء المهتمين فيما حدث : -

الاحتمال الاول : ظن الفريقان أنّ قادة حزب العدالة والتنمية قد تخلوا فجأة وبتواطؤ كبير عن الخيار الإسلامي واتفقوا على الخيار العلماني الليبرالي، وقد تنكبوا عن خط الحركات الإسلامية وهو احتمال يبدو ضعيفا للغاية بالنظر إلى العمر الزمني لقادة الحزب الجدد وهم في أغلبهم من الشباب المثقف المتعلم، وأيضا بالنظر إلى تاريخهم القريب، والذي يؤكد على تمسكهم بالإسلام والذين كانوا بمثابة جزء رئيس من الصف الأول والثاني والثالث من قادة حزب الرفاه والفضيلة الإسلاميين

الاحتمال الثاني : فهو أن الحزب ما زال يتمسك بالهوية الإسلامية وبالشعارات التقليدية للحركات الإسلامية، وأن كل ما حصل في عملية "إعادة الهيكلة الفكرية والسياسية" ما هو إلا تكتيك في إطار اللعبة السياسية الداخلية، وهذا الاحتمال يصطدم كذلك بكثير من الحقائق أبرزها البرنامج الانتخابي للحزب وتصريحات قادته ومؤتمراتهم الصحفية، بل وتأكيدهم أن الخيار الفكري والسياسي الحالي هو خيار استراتيجي لا رجعة عنه، وأنه تم بعد تفكير طويل وعميق من قبل مؤسسي الحزب.

الاحتمال الثالث : يبدو أقرب إلى الموضوعية في قراءة تجربة الحزب، ويبتعد بنا عن دائرة الجدل والاختلاف في الفواصل بين التكتيكي والاستراتيجي بين الردة السياسية والفكرية وبين البراغماتية العملية ويضعنا أمام ملحوظة رئيسية وهي ضرورة قراءة تجربة العدالة والتنمية في إطار شروطها الموضوعية والذاتية، وعدم فصلها عن تلك الظروف والتي من اهمها :

1 - وضعت إطار الصراع - بين العلمانية والعسكر من جهة وبين المجتمع وهويته الإسلامية من جهة أخرى - محددا عاما لأفاق التجربة السياسية التركية.

2 - حالة العجز التي تنتاب الخطاب السياسي الإسلامي وعدم استناده الى الدراسات المعرفية ( برنامج الحزب يغلب عليها الطابع الليبرالي نعم وإن كان هناك استدراكات عليه في البعد الاجتماعي بما يجعل أفكار الحزب أقرب إلى الليبرالية الأوروبية المعتدلة [ الرفاه الاجتماعي ] من الليبرالية الأمريكية المحضة )

3 - هذه بالفعل رؤية الحزب للخيارات والبدائل للمشكلات الكبرى التي تعصف بتركيا في أن الحل للأزمة الاقتصادية هو اللجوء إلى المؤسسات الدولية ومشاريع الخصخصة والهيكلة العامة للاقتصاد وهو ما يعكس خصوصية هذه التجربة.

· الدروس المستفادة من حزب العدالة والتنمية:

بغض النظر عن اختلاف الاراء فإن الحركات السياسية الإسلامية والأحزاب أيضًا مطالَبة بالاستفادة من التجربة التركية، وأهم هذه الدروس المستفادة:

· العمل في ظل ظروف صعبة بالغة القسوة مع عدم الرضا بالواقع المرّ؛ أملاً في تغييره، مع التدرج في تغييره، والنفس الطويل والصبر الجميل.

· القدرة على بناء حزب سياسي حقيقي مفتوح لكل المواطنين، يُشعِر كلَّ من ينتمي إليه بقدرته على المشاركة في القرار، والاستفادة من عضوية الحزب، وأن الحزب يمثِّل مظلةً وطنيةً للجميع في ظل القواسم المشتركة.

· الحوار والتنافس مع القوى السياسية من مختلف التيارات حتى تلك المغالية جدًّا والمتشددة في عدائها لكل ما هو إسلامي، وعدم القطيعة معها، واحترام ثقلها ووجودها السياسي؛ أملاً في تحييدها أو تغييرها إلى الأفضل، فإن لم يكن فأملاً في تحجيم وزنها السياسي وليس شطبها من الحياة السياسية، بشرط الزامها بالدستور والقانون، ولا شك أن عدم نزول مظاهرات مضادة إبَّان اشتداد الأزمة الرئاسية كان قرارًا حكيمًا وصائبًا.

· الحفاظ على التوازن في العلاقة مع المؤسسات الوطنية المهمة كالجيش والمخابرات والقضاء ورجال الأعمال والصناعة وعدم الصدام معها.

· التعبير عن مصالح الغالبية العظمى من الشعب والدفاع عن حقوقه القانونية والدستورية، والسعي إلى تحقيق العدل والمساواة والدفاع عن الحريات العامة.

· الإصلاح الاقتصادي اليوم هو المفتاح السحري لكسب ثقة الشعب، فلا شكَّ أن هناك مؤشراتٍ اقتصاديةً حقَّقتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال أقل من 5 سنوات من خفض العجز والتضخم، ونموّ الدخل القومي، ونسبة نموّ عالية، وكانت بداية ذلك هو ما أعلنه أردوغان في خطاب الفوز الكبير عندما قرر الاستمرار في مقاومة وحرب الفساد وكشف المافيا، وعندما يواجه الإسلاميون الفساد فإنهم يحاربون على نفس جبهة الاستبداد، فهما قرينان وشريكان في إفساد المجتمعات، وعلى الحركات والأحزاب الإسلامية بناء تصوُّر اقتصادي واقعي للحرب على الفساد والمافيا وبناء اقتصاد وطني وقومي سليم.

· التواضع وخفض الجناح وعدم الغرور شرط الاستمرار في النجاح.

· بناء علاقة جيدة مع الغرب والخارج بعيدًا عن الصفقات السرية وفي العلن مع موقع القوة الشعبية، مع عدم الرضوخ للإملاءات والشروط المجحفة، بل تقوم هذه العلاقة على الاحترام والقيم المشتركة والمصالح المشتركة؛ من أجل بناء حضارة إنسانية، وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم كله.

· إن إقناع الغرب لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في العلاقات الدولية، وإن الغرب عليه أن يغيِّر من نظرته إلى الإسلام كعقيدة، ويحترم حق المسلمين في اختيار طريقة حياتهم وشريعتهم التي تحكمهم، ولا يفرض عليهم نظامًا معينًا، على عكس ما يقوله بوش بأن المتطرِّفين الإسلاميين هم الذين يريدون تغيير نظام الحياة في الغرب.

· العمل على وجود مجتمع مدني مستقل وقوي بعيدا عن الاختلافات السياسية والتيارات الحزبية على صعيد الحراك (الاجتماعي – الاجتماعي ، الاجتماعي – الاقتصادي ) اي استحداث مؤسسات يتم انشاءها ترعى كافة الاحتياجات الشعبية سواء كانت اجتماعية ( عمل خيري ، بر ......) او اقتصادية ( جمعيات حقوق المستهلك ، ومحاربة الغلاء ، ...) او فنيه ( محبي الفنون ، المحافظة على البيئة ، ........... ) وغيرها ......... دون الاصطدام مع السلطة ، اي من منطلق اهتمامات الشعب وذلك لتوسيع دوائر مشاركة الجماهير ذات الاتجاتهات والاهتمامات المختلفة في عملية اصلاح المجتمع وايضا في تنمية شعور الانتماء للدولة.

المصدر

للمزيد عن علاقة الإخوان بتركيا

وصلات داخلية

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أعلام من تركيا

أخبار متعلقة

وصلات خارجية


وصلات فيديو