سلام فياض ومشروعه بين الهجوم والدفاع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سلام فياض ومشروعه بين الهجوم والدفاع

بقلم: ياسر الزعاترة


سلام فياض

خلال الأسابيع الماضية، وعلى خلفية تصريحاته لصحيفة "هآرتس" مطلع الشهر، والتي تحدث فيها من جديد عن مشروعه العظيم لإقامة الدولة، وتنازل من خلالها طوعا عن حق العودة (قال إن اللاجئين سيستوعبون في الدولة العتيدة)، على هذه الخلفية انبرى عدد من كتاب التسوية ومنظريها، تحديدا أولئك المصابون بعقدة الإسلاميين (من شتى الدوافع)، انبروا للدفاع عن رئيس الوزراء في حكومة رام الله (سلام فياض) ومشروعه لإنشاء ما يسميه "دولة الأمر الواقع"، أحيانا بالحديث عن رأي الناس الإيجابي في الضفة الغربية ممن يلمسون تغيرا في واقع حياتهم، وأحيانا بالحديث عن الآفاق الإستراتيجية للمشروع في ظل فشل برنامج المقاومة، بحسب رأيهم.

ما ينبغي قوله هنا، وقبل كل شيء، هو أن الهجوم على سلام فياض لا يبدو محقا من جانب واحد هو أن الرجل لا يعدو أن يكون موظفا لدى جهة هي الأولى بالنقد، فهو ليس قياديا في حركة فتح، ولا هو زعيم فصيل كبير ينافس على تمثيل الشعب وجماهيره، وجل ما يمثله في الواقع السياسي الفلسطيني لا يتعدى كتلته في المجلس التشريعي الفلسطيني (مقعدان من أصل 124 مقعدا).

من هنا، فإن النقد الحقيقي ينبغي أن يستهدف الجهة التي تشغله، أعني مؤسسة الرئاسة، وعلى نحو أكثر وضوحا حركة فتح، ولن نضيف هنا منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت بدورها مؤسسة ملحقة بالمجموعة التي سيطرت عمليا على السلطة وفتح.

نعم، النقد ينبغي أن يوجه لحركة فتح، ولقيادتها بالضرورة، لاسيما أننا إزاء حركة يحدد مسارها من يمسك برئاستها، بدليل أن من ورثوا ياسر عرفات هم أنفسهم الذين سعوا للانقلاب عليه، ليس فقط لاعتبارات الزعامة، بل لاعتبارات البرنامج المغاير أيضا.

صحيح أن فياض قد فُرض من قبل ذات القوى التي منحت الغطاء لقتل ياسر عرفات، وهي ذاتها التي يسرت للمجموعة إياها سبل السيطرة على فتح ومنظمة التحرير، لكن ذلك لا يجعله مسؤولا بشكل مطلق عن سلوكه السياسي، اللهم إلا إذا أعلنت تلك المجموعة أن الرجل لم يعد يمثلها، بقدر ما يمثل القوى التي تدعمه.

لذلك كله، فإن قيادة حركة فتح (هي ذاتها قيادة السلطة)، هي التي تتحمل وزر أي برنامج سياسي يشتغل عليه الرجل، ولا قيمة لأية انتقادات نسمعها من هنا وهناك من بعض الرموز في الحركة، فالشعب الفلسطيني لا يحاسب أفرادا داخل الحركات، وإنما يحاسب الحركات على سلوكها العام وبرنامجها المعتمد.

هكذا يغدو سلام فياض هو الممثل الحقيقي للبرنامج السياسي لحركة فتح، وأي كلام غير هذا هو محض تدليس، والنتيجة أن برنامج "دولة الأمر الواقع" وشطب قضية اللاجئين، ورفض المقاومة هو برنامج الحركة، ولن يقنعنا حملة بطاقات "الفي آي بي" أنهم يمارسون الانتفاضة الشعبية أو المقاومة السلمية لمجرد أن أحدهم قد اعتقل لبضعة أيام، أو أن بعضهم قد شاركوا في مسيرة ضد الاحتلال.

المقاومة السلمية هي اشتباك واسع النطاق مع الاحتلال، الأمر الذي لا يتوفر في الضفة الغربية، بينما نتابع تنسيقا أمنيا مع الأجهزة الإسرائيلية، وانتظارا لبركات المحتلين وامتيازاتهم، إلى جانب فعالية أسبوعية ضد الجدار في بلعين ونعلين يتصدرها المتضامنون الأجانب، مع العلم أن الجدار المذكور قد صدر بحقه قرار من محكمة العدل الدولية في لاهاي ولم يطبق، فلماذا يكون علينا التسليم بأن المؤسسات الدولية ستغدو ضامنة للحقوق الفلسطينية؟!

ما يجري في الضفة ويدافع عنه البعض هو صفقة لا تختلف عن صيغة روابط القرى التي تتلخص في العيش المريح مقابل التحرير الكامل والسيادة الكاملة (طبعا على 22% من فلسطين فقط)، والدولة هنا هي هيكل خارجي يخفي شطب حق العودة والتنازل عن القدس (سيغدو الوضع محض نزاع حدودي بين دولتين)، ومن لديه كلام آخر، فليتفضل ويقنعنا كيف سينتزع القوم من نتنياهو دولة على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس الشرقية، بينما يعجزون عن إقناعه بتجميد الاستيطان لمدة محدودة في القدس؟!

عندما يتحدث أولئك عن التحسن في حياة الناس، وينظّر كبيرهم مستشهدا بآية من كتاب الله "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، عندما يفعلون ذلك، فهم يشوهون صورة الشعب الفلسطيني، ويظهرونه بمظهر من يبيع الأرض والكرامة مقابل لقمة العيش، فضلا عن تجاهلهم لحقيقة أن الشعب الفلسطيني قبل أوسلو لم يكن جائعا، بل كان يعيش على نحو أفضل من حاله بعد قيام السلطة، وبالطبع لأن القوانين الدولية تلقي عبء إدارة حياة السكان الواقعين تحت الاحتلال على عاتق المحتل. والأسوأ أن بعض التحسن الذي طرأ أيام أوسلو إنما صبّ في جيوب رجالات السلطة ورموزها ومن يدورون في فلكهم، بينما ساءت أحوال قطاعات عريضة من الناس.

ليس هذا فحسب، إذ أن مشروع دولة فياض هو ذاته مشروع "الدولة المؤقتة" الذي نظر له قادة الدولة العبرية بمسميات شتى، والذي يقضي بإقامة دولة ضمن حدود الجدار، تغدو ذات نزاع حدودي مع جارتها سيغدو نسيا منسيا مثل سائر النزاعات المشابهة في العالم، ومن يتوقع أن حدود دولة فياض ستتجاوز الجدار واهم أيما وهم، مع التذكير بأن سيادة تلك الدولة ستبقى منقوصة، بحيث لن يكون بوسع صاحبنا إعادة اللاجئين إلى مناطق سلطته حتى لو أراد ذلك ووافقوا هم، فيما يدرك الجميع أن دولة الجدار (مقطعة الأوصال) لن تكون مغرية لأي أحد كي يعود إليها.

أما قول المدافعين عن المشروع بأن برنامج المقاومة قد فشل، ولا حل سوى برنامج فياض (برنامج محمود عباس وفتح الحالية)، فهو محض تدليس، ذلك أن برنامج المقاومة الحقيقية التي توحد الشعب وترفع شعار دحر الاحتلال دون قيد أو شرط لم يختبر بعد، وهو برنامج نجح في لبنان ويمكن أن ينجح هنا بكل تأكيد، لاسيما أن دعمه سيُفرض من قبل جماهير الأمة على الأنظمة، فيما لن يملك العالم سوى التعامل معه كمشروع إجماع للشعب الفلسطيني، من دون أن يعني ذلك التخلي عما تبقى من فلسطين (قلنا دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط).

لا حاجة هنا لتكرار طرح حل السلطة، بوصفه القادر على حرمان الاحتلال من الامتيازات التي ترتبت على إنشائها، لأن مسار المقاومة المجدي معروف للمعنيين، لكن من يرفض حتى مجرد وقف التنسيق الأمني، ويريد الاستمتاع بامتيازات الاحتلال لا يمكن أن يقاومه بحال.

هكذا يمكن القول إنه بقليل من المنطق، معطوفا على التخلص من العقلية الحزبية والفئوية المريضة، سيكتشف أولئك أنهم يدافعون عن مشروع بائس لن يرضى عنه الشعب الفلسطيني، حتى لو سكت عليه لبعض الوقت بسبب الظروف القاهرة. وسيكتشفون أيضا أن المصالحة التي يدعون إليها هي في حقيقتها دعوة لاستسلام فلسطيني شامل للمشروع المذكور وليس شيئا آخر.