سيد شراقي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيد شراقي


إعداد : موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

بقلم: حسن دوح

مقدمة

قليل من الناس من يستمتع بطبيعة سيد شراقي ... وقليل جدا من يدانيه في صبره وإخلاصه وشجاعته ... نسمع الآن عن البطل "جيفارا" يملأ اسمه سماء هذه الأمة .. ويتواثب الشباب وثبات عليه ليلحقوا بركب الثائر العظيم .. وشهيد البروليتاريا! أما سيد شراقي وأمثاله فتراب تذروه الرياح والعواصف!!

إن سيد شراقي وأمثاله إشراقة ومضت في سماء الشرق المظلمة فبهر نورها الجميع ... الشباب المؤمن استهدى بهديها ومضى على طريقها ... أما أحلاف الشيطان فأثاروا عاصفا من الدخان ليحجبوا الشمس المشرقة ... وقصة سيد شراقي يمكن أن أسجلها في كلمات ويمكن أن تتسع لها كتب ومجلدات ... الكلمات تقول .. فلاح، فقائد، فمعلم، فشهيد ... والموضوع يتسع فيفرد لكل كلمة بابا يفيض في ذكرى سيد .. ولندخل لدنيا سيد من أوسط الأبواب ...

التحاقه بالإخوان

بعد أن أعلن الإخوان المسلمين عن فتح باب التطوع لحرب فلسطين في أوائل سنة 1948 توافد الشباب والشيوخ على دار الإخوان لتحملهم إلى الميدان .. وبدأت معسكرات التدريب تباشر نشاطها، كما بدأت حملة إعلامية كبرى لجمع التبرعات للحرب ...

سمع سيد شراقي بالدعاية الكبيرة للحرب وجمع التبرعات .. إلا أنه لم يعجل بالحضور للقاهرة لتسجيل اسمه في كشف المتطوعين، وانتظار دوره في الطابور .. بل تخط خطوات هادئة ومتعقلة، جمع بعض أبناء حوض نجيح الذين يثق بإخلاصهم .. وناقش معهم قضية فلسطين ... وانتهى لقرار عجيب تفرد به من دون المقاتلين ..

قال لأبناء القرية، وهم يتحلقون حوله في الدوار ... لم لا نجمع التبرعات من الإخوة والأقارب بما يفي ثمن السلاح والتموين ... ثم يهيئ أنفسنا للتدريب ... ونتقدم بعد ذلك لدار المركز العام للإخوان ومعنا عدتنا من السلاح والتموين ... وبذلك نقطع الطريق على الحجيج التي تعترض طريق سفرنا .. وهي عدم توفر المال والسلاح ...

وافق أبناء القرية على فكرة "الشيخ سيد" كما كانوا يسمونه علما بأن "الشيخ" لم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره، وبدأ الشباب العشرة بأنفسهم ثم بزوجاتهم وأهليهم يجمعون منهم القروش القليلة يقتطعونها من أقواتهم ... حتى تجمع لكل مقاتل مبلغ يكفيه لزاد الطريق وثمن قطعة السلاح ...

وكان طبيعيا أن يختاروا الشيخ سيد أميرا عليهم فهو قائد بفطرته وسليقته .. وعلى الفور بدأ القائد يمارس وظيفته، فأرسل إلى قيادة الإخوان رسالة، يخبرهم فيها بكل الخطوات التي قام بها أبناء القرية، ومدى استعدادهم للسفر لأرض المعركة ... فلم يملك الإخوان إلا الاستجابة لرغبة أبناء حوض نجيح ..

لم يشأ الشيخ سيد أن يترك القوة المرافقة له تتبعه على غير هدى وعلم، فقد كان بعضهم لا يكاد يلم بالقراءة والكتابة .. فبدأ معهم دراسة منظمة على هيئة مناقشات وقراءات، يدور أغلبها حول شرعية القتال وآدابه وثواب المقاتل الشهيد ...

وكان تركيزه كبيرا على الشهادة يفيض في الحديث عنها ... ويحرص على أن يلزم نفسه بكل ما يؤهله لبلوغها ... كان يدقق في محاسبة قلبه على النية ويصفيها وينقيها من كل شائبة .. ويفرض على نفسه أسلوبا دقيقا في العمل والسلوك ... وبنفس الفهم كان يحاول أن يستوعب كل شيء عن السلاح وطريقة استعماله .. ثم الالتزام المبصر بطاعة قادته واتباع أوامرهم بدقة ...

علاقته بإخوانه

أما مسلكه الشخصي وعلاقته بزملائه المقاتلين فكان سيد رقيقا لينا سهلا أليفا، يتسع قلبه لكل من يعرفه .. ومن أبرز خصاله التواضع الجم فقد كان يشعرنا أنه يحتاج لمعونتنا للتعرف إلى أمر دينه ودنياه، كان يقول لنا إنه فلاح بسيط وليس له من زاد من الشهادات الدراسية والعلمية ...

ثم يأخذ مجلس التلاميذ ... وبعد أن يحصل على حاجته يفيض عليك من الشكر وكأنك أعطيته كنزا من ذهب .. وقد يكون سيد أوفر علما من محدثه .. أما إذا اضطرته الظروف ليجلس في مقام المعلم، فإنه يأخذ بأسلوب سقراط في الدراسة .. ويحاول عن طريق التساؤل أن يصل إلى النتائج، حتى لا يشعرك بأنه أستاذك ...

إن أكبر ميزة أذكرها للشهيد سيد تطلعه للمعرفة والتماسه لأسبابها، والحرص عليها .. وأعنى بالمعرفة هنا كل ما يتصل بها ... المعرفة بالتاريخ والفقه والسلاح والطب والعلوم .. كان حريصا على أن يكون جامعة متحركة ...

في وسط القتال

قدر لأبناء حوض نجيح أن يكونوا ضمن أول كتيبة تدخل فلسطين، وهي الكتيبة التي رافقت الشهيدين محمد فرغلي ويوسف طلعت ... واتخذت لها معسكرا في "النصيرات" منطقة تقع ما بين خان يونس وغزة...

وبدأ رجال حوض نجيح يمارسون أعمالهم على أحسن وأكمل وجه ... واندمجوا في عمليات القتال الأولية، من استطلاع لمواقع العدو ... إلى استكشاف للمناطق المحيطة بنا ... هذا عدا التدريب العملي المتصل، وكان سيد شراقي متألقا في كل هذه العمليات ... يقفز فوق الحواجز العالية ويتخفى في كثبان الرمال، ويبدع أيما إبداع في كل المناورات الحربية التي كنا نقوم بها ...

وعلى الرغم من ميزة الصمت التي كان يتحلى بها سيد شراقي إلا أنه كان يفاتحني بكثرة برغبته في نزال العدو .. إلا أنه كان يتردد كثيرا في الإلحاح على قادته حتى لا يخرج عن آداب الجندية ...

ووقعت معركة "كفار ديروم" الأولى ... وكان سيد مكلفا بقيادة قوة البنادق والمرابطة على الجانب الغربي من المستعمرة ... فنفذ دوره بدقة في انتظار صدور الأوامر إليه ... ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد كشف ضوء الفجر مخططنا بالكامل، وتمكن العدو من تصيد رجالنا الذين كانوا قد تقدموا من المستعمرة حتى هموا بدخولها .. واستشهد في هذه المعركة إثنا عشر شابا مؤمنا ...

عدنا بعد المعركة إلى معسكرنا، وقد أخذ منا الحزن كل مأخذ على زملائنا، أما سيد فكان حزنه على نفسه أشد من حزنه على الآخرين .. كان شعوره بأن هؤلاء الشباب قد مضوا إلى حياة أسعد من حياتهم، يكاد يكون شعورا بأن هؤلاء الشباب قد مضوا إلى حياة أسعد من حياتهم، يكاد يكون شعورا حيا وحسيا، وأنهم ماضون إلى جنة أرحب من أرضهم وديارهم .. أما هو فلا يزال مشدودا إلى الأرض بضيقها وظلامها ... إنه في سجن الدنيا .. لقد كان يتمنى الخروج من هذا السجن ولكن لم يوافق في جولته الأولى ...

وكان الجولة الثانية والثالثة ... والمعارك تتابع ويعود سيد من جميع معارك فلسطين دون أن تمسه رصاصة واحدة ... ويعود إلى تساؤله عن الشهادة والطريق الموصل إليها .. ولكنه لا يجرؤ على سؤال واحد كلما اقترب من لسانه ابتعله وآثر السكوت ... كان السؤال الذي تنطق به عيناه ويكتمه لسانه لم حرمت الشهادة؟ كنت أقرأ هذا السؤال في عينيه الباسمتين.

ولكنه لفرط حرصه على أدبه مع الله تعالى لم يستطع أن يبوح بما يختلج في صدره ...قال لي ذات يوم إن أخانا .. قد استشهد!! ثم سكت طويلا .. فقد ثقلت عليه العبارات ولم يستطع أن يطلقها .. وكان أخونا هذا يؤثر الضحك كما كان مغرما بتقليد الديكة في صياحها .. وكأن لسان حال سيد يقول إن الشهيد إنسان عادي .. وإن الشهادة يمكن أن ينالها حتى الذين لا يهتمون بها !!!

قال لي سيد ما قاله بعينيه ثم استسلم لتفكير عميق تحكمه انفعالات وتساؤلات متكومة ... وتقع أحداث أقرب ما تكون إلى الخيال منها إلى الحقيقة، ولا يتسع المقام هنا لأتعرض لها تفصيلا، ولكن أكتفي بالقدر الذي يصلنا بسيرة سيد ومسيرته ..

فقد صدرت أوامر من الحكومة المصرية للواء صادق القائد العام للجيش في فلسطين بإلقاء القبض علينا في الميدان، وإرسالنا للطور مع إخواننا المدنيين الذين سبقونا إلى هناك عقب مقتل رئيس الوزراء النقراشي، واستشهاد الأستاذ حسن البنا مرشد الإخوان...

ولكن القائد الأبي يرفض إطاعة الأوامر .. وتتأزم الأمور فنؤثر تسليم سلاحنا للجيش بعد أن تم وقف إطلاق النار نهائيا ... وينتهي الأمر بأن يحتجزنا القائد العام مضطرا في معتقل عسكري بمنطقة رفح إلا أن يبقى على كل امتيازاتنا العسكرية من راتب ورتب، وقد قام الرجل بزيارتنا أكثر من مرة في معتقلنا مواسيا لنا بل منح بعضنا أنواطا وأوسمة عسكرية تقديرا لجهودهم في المعارك الحربية ...

تجربة الإعتقال

كان سيد شراقي من بين المعتقلين .. إلا أنه لم يكن غاضبا من الاعتقال، بقدر ما هو آسف لأن الفرصة قد أفلتت منه ... فرصة الاستشهاد .. وفي المعتقل أشرقت نفسه بمعنى كبير .. أفاض عليه اطمئنانا وسكينة، فقد اعتبر المعتقل مدرسة صامتة تلقن في الصبر والتحمل فتقبله بصدر رحب ... وتصل قلبه بالأنبياء والرسل الذين سجنوا في سبيل الله، تذكر قصة يوسف ..

وتذكر معتقل الشعب الذي حوصر فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ... واسترجع تاريخ الأئمة الذين سجنوا في سبيل عقائدهم .. تذكر أحمد بن حنبل وابن تيمية .. فسعد بصحبتهم جميعا .. ولكن هذه النشوة الروحية كانت تنحسر في نفسه إذا اقترب من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمعسكر، ومد بصره بعيدا إلى حيث تقوم القلاع اليهودية في صحراء النقب ... كان لسان حاله يقول لقد أقام قومنا بيننا وبين عدونا حاجزا!!

كان من برنامجنا في المعتقل عقد اجتماع دوري بعد صلاة العصر من كل يوم نتبادل فيه الآراء ونناقش مشاكلنا العامة ونتدارس فيه أمر ديننا ودنيانا .. كان الحديث يمتد ما بين فقه العبادات إلى فقه الجهاد، وكان الشيخ سيد يحرص على هذه الندوات حرصه على الصلاة نفسها .. كان يفتح كل نوافذ قلبه وعقله لتلقي كل جديد ويثبته بإحكام في أعماقه .. وبعد أن يفرغ من درسه يحاول استرجاع ما سمعه من زملائه ليتأكد من صحته ..

العودة إلى الأرض

وينتهي المعتقل بنهاية حكم إبراهيم عبد الهادي الذي خلف النقراشي في الحكم، وتفتح الأبواب أمام المعتقلين ليعودوا لبيوتهم .. ويرجع سيد إلى قريته الحبيبة "حوض نجيح" ويبدأ على الفور ممارسة مهنته الزراعية فيمسك بالفأس طيلة النهار يضرب بها الأرض ليخرج مخبؤها، حتى إذا غربت الشمس اجتمع بأبناء قريته يتدارس معهم أمر دينهم يناقش مشاكلهم .. ثم يفرغ نفسه مسترجعا الماضي .. فتلح عليه الذكريات وتؤرقه الآمال .. فيلجأ لربه داعيا سائلا في إلحاح أن يهبه نعمة اللقاء به ..

وينصرم عامان بعد الخروج من المعتقل .. ويأتي عام 1951 حافلا بأخطر الأحداث في تاريخ مصر .. فقد بلغت الثورة المصرية أوج قوتها .. وحطم الشباب كل القيود التي كانت مفروضة عليه .. وتمرد على العرض وسدنته من رجال الأحزاب .. ورفض وجود الاحتلال في أرضه وكان حزب الوفد ذكيا فأدرك أن الموج الهادر قد يقتلعه من جذوره ..

فسدد ضربة قاسية لخصومه وذلك بإلغائه معاهدة سنة 1936 .. فخرج الشباب بغير تنظيم لمواجهة عدو مزود بأحدث الأسلحة .. وتنشب معارك ارتجالية ما بين أولئك الشباب وبين أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط ..

ويفكر الإخوان في تنظيم عمليات حربية قوية لتحطيم كبرياء العدو وإرغامه على الجلاء ... ويدب النشاط في شعب الإخوان، فيتدافع الشباب للتطوع، فيقع اختيار قادة الإخوان على مجموعة من الشباب الذين سبق لهم التدريب في فلسطين وفي الخلايا المنظمة ...وبنفس الأسلوب، وبنفس التفكير، وبنفس الهدوء جمع سيد رجال "حوض نجيح" ليواجه بهم "بريطانيا العظمى" !!

التقيت بسيد عند "تل بسطة" (جبل صغير يقع بالقرب من الزقازيق) حيث أعد الإخوان مركزا للتدريب ولإمداد الرجال .. وأبى سيد إلا أن يدخل الميدان على أصول ثابتة فبدأ يسترجع التدريبات السابقة ويضيف إليها ما يستجد في دنيا السلاح ...

التقيت به عند مشارف تل بسطة .. وكان يقف على كومة من "قش الأرز" ويداه تديران عصاه الصغيرة .. أما عيناه فكانتا تدوران في عالم آخر تنشد شيئا بعيدا .. وإن كانت العشرون سنة الماضية قد أنستني الكثير من الأحداث الكبار، إلا أن الذاكرة المنهكة لا تزال تسجل روعة المشاعر والأحاسيس التي كنا نستمتع بها ..

كان حبنا كبيرا ورائعا وممتعا .. وكان أجمل ما فيه أننا كنا نسمع همس القلوب وخفقاتها .. كنا نستشف المشاعر والأحاسيس وكأننا نراها رؤيا العين .. وهذا ما كان بيني وبين سيد فقد كنت أقرأ خلجات قلبه مرتسمة في عينيه، شاخصة في وجه السمح .. كانت عيناه تؤكدان عزما وتصميما على أمر ما .. وتأملا في تحقيق رجاء تستعذبه النفس ...

قال لي سيد بقلبه ما تمتمت به شفتاه .. ألم يئن الأوان؟

ونظر بعيدا بعيدا في الأفق يحاول أن يستجلي جوابا واضحا .. ثم عاد ثانية يسألني عن نية المقاتل .. وعن الاستشهاد .. وعن رضاء الله وكيف يتحقق وعن الصدق في العمل .. وعلى الرغم من إيماني بأن سيد كان على علم بهذه الأمور كلها، إلا أنه كان يحب أن يستزيد علما ومعرفة ..

وفي أدب التلاميذ حاولت استدراج سيد ليجيبني على كل أسئلته .. فقد شعرت أن زميلي وحبيبي يوشك على الرحيل إن إشراق وجهه ينبئ بأن سيد لم يعد منا .. وكان وجهه يشرح صفات أهل الجنة .. فقط قدماه ترتبطان بأمراس الأرض وجسده مشدود إليها .. أما روحه فقد اتصلت بالأسباب أسباب السموات .. والتحمت في إخاء أبدى مع حمزة وأبى أيوب وإرتال الشهدات على الطريق الطويل ..

استشهاده

وكان استشهاد سيد على غير ما ينتظر وننتظر، فقد أصابته رصاصة خاطئة وهو يزحف فوق تلال بسطة حيث كانت تجري مناورات عسكرية .. وأسند الرجل العظيم وفلاح مصر الكريم، والمسلم الكبير سيد شراقي رأسه فوق الرمال ورفع وجهه المشرق الباسم ليتلقى تهاني الملائكة .. عشت حيا عند ربك وعشت حيا في ضمير إخوانك .. وعشت حيا في قلب شعبك يا سيد ...

للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية