شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 4 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 4)

تنشر نافذة الفيوم الجزء الرابع من مذكرات د. عبدالمنعم أبوالفتوح والتي نشرتها جريدة الشروق تحت عنوان "عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر " ، فإلى الجزء الرابع من هذه المذكرات الهامة :-

الصدام مع السادات ..على الهواء !

كانت مصر تعيش توترا وأجواء غليان بسبب الرفض الشعبي لموقف الرئيس السادات واتجاهه للصلح مع العدو الصهيوني… وفي شهر يناير من عام 1977 أعلنت الحكومة رفع أسعار عدد من السلع الرئيسية ومن بينها الخبز الذي هو أهم سلعة للشعب المصري المطحون حتى إنهم يسمونه " العيش" كأنه لا يمكن العيش من دونه!، فكان أن اندلعت مظاهرات شعبية عارمة احتجاجا على هذا القرار وعلى غلاء المعيشة وهي المظاهرات التي عرفت بمظاهرات الخبز والتي سماها السادات " انتفاضة الحرامية" .

كانت مظاهرات شعبية عفوية وتلقائية دون تنظيم من أحد، ولكن اليساريين حاولوا أن يركبوا موجتها ويستغلوا الوضع وكأنهم هم المنظمون لها. وقد شاركت شخصيا في هذه المظاهرات ككثير ممن شاركوا، وكانت مشاركتي ومشاركة أخوة كثيرين كأفراد وليس كتيار سياسي؛ وجدنا مظاهرات تجتاح البلاد فشاركنا فيها ضمن حالة السخط والغضب على سياسات الحكومة وموجة الغلاء... والحقيقة أن ما حدث كان دليلا على حيوية الشعب المصري؛ فقد كانت ارتفاعات الأسعار طفيفة وقد لا تذكر إذا ما قورنت بما يجري الآن ولا يتحرك له أحد!... كان الشعب المصري أيام السادات على درجة عالية من الوعي والحيوية دفعته للتحرك مباشرة ومن دون توجيه من أحد للنزول إلى الشارع احتجاجا وغضبا... نزلنا الشارع كبقية الشعب ولم يكن لنا ولا لغيرنا أي دور قيادي لهذه الانتفاضة.

وقد تصور السادات أن هناك تنظيمًا وراء هذه الثورة الشعبية للإطاحة به، لذلك خرج بطائرته سريعا من القاهرة إلى أسوان ، وحين علم أن الأمر هو انتفاضة شعبية لم يكن وراءها أحد، عاد إلى القاهرة بعد سيطرة الجيش على الوضع، وألقى خطابه الذي ذكر فيه أن الديموقراطية لها أنياب.

بعد هدوء الوضع واستتباب الأمن بدأ النظام التحرك لامتصاص الغضب وإعادة الهدوء للبلاد… وقرر السادات- وكانت هذه عادته- أن يلتقي ببعض القوى السياسية والصحفيين والمفكرين، وكان من الذين التقى بهم، اتحاد طلاب الجامعات، وكنت في هذا الوقت رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة وأمين لجنة الإعلام باتحاد طلاب مصر.

أبلغنا بموعد اللقاء وكان في فبراير 1977 ، ذهبنا للقاء الرئيس في استراحته بالقناطر الخيرية وكان هناك عدد من أركان النظام، وكان منهم بطبيعة الحال حسني مبارك نائب الرئيس ومصطفى كمال حلمي وزير التعليم العالي وقتها ورئيس مجلس الشورى فيما بعد.

وكان هذا اللقاء على الهواء ينقله التلفزيون ووكالات الأنباء والصحف وكل وسائل الإعلام لكي يعطي انطباعًا للعالم أنه يلتقي مع جميع طبقات الشعب، وأن المصريين ملتفون حوله، وأن الذي حدث ليس إلا "انتفاضة حرامية " وليست انتفاضة شعبية.

وبدأ اللقاء بحديث الرئيس وبعد ذلك طلب منا الكلام، وكنت أنا الملتحي الوحيد في مجلس الاتحاد، وأذكر من زملائي الحاضرين حمدين صباحي وشعبان حافظ وزياد عودة وهو ابن الشهيد عبد القادر عودة ولكنه كان ناصريا!.

رفعت يدي أكثر من مرة لأتكلم ولكنه كان يتجاهلني ولم أكن أدري سبب هذا التجاهل، وحين لم يرد الرئيس أن يأذن لي بالحديث قمت واتجهت للميكروفون دون إذن من أحد، وتكلمت وكانت كلمتي قاسية.

تحدثت إليه عن دور الدولة تجاه الشباب وكيف أنه صار غير واضح ما تريده الدولة منّا، وأن هناك تناقضا بين العلم والإيمان الذي يدعو إليه الرئيس وبين الممارسات الفعلية للدولة، وضربت له مثلا بما حدث مع فضيلة الشيخ الغزالي الذي أبعد من وظيفته كداعية وعالم يتصل بالناس ويعلمهم ووضع في عمل إداري، وكيف تعاملت الدولة مع المظاهرات السلمية التي نظمها الطلاب اعتراضًا على ذلك، حيث هاجمتها قوات الأمن المركزي... وكيف أنه بهذا المنطق لم يعد حوله إلا من ينافقونه… وحين سمع السادات كلامي بدا عليه التأثر والانفعال ثم مال برأسه إلى أسفل حتى خشيت عليه من أن يكون قد أصابه مكروه… وخمنت- كطبيب -أنه ربما تأثر صحيا… لكنه سرعان ما رفع رأسه غاضبا غضبا شديدا واحتد عليّ وصرخ في وجهي: اقف مكانك… اقف مكانك… وأخذ يرد على كلامي بقسوة... ولم أستطع أن أكمل كلمتي أو أستعرض النقاط الأخرى التي أردت أن أكلمه فيها.

خوف عليّ... ومحاولات لسحب اعتذار للسادات

كانت المواجهة على الهواء، وخرجت بعض الصحف القومية تهاجمني وتتهمني بأنني قد تجاوزت حدود اللياقة، فيما طرح البعض الآخر الموضوع على أنه شجاعة وجرأة قابلتها سعة صدر من السيد الرئيس الأب والمعلم.

وقد كانت هذه المواجهة سببا في قلق الكثيرين من إخواني وأصدقائي وأقاربي على ما قد يحدث لي من جرائها... أذكر أن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد أرسل لي يطمئن علي وكان قد تأثر بما ذكرته من دفاع عن الشيخ ونقد لإبعاده عن منبره وجمهوره إلى وظيفة إدارية... وأتذكر أن محمد عبد القدوس قد زارني في اليوم التالي للواقعة، وأحسب أنها كانت بطلب من الشيخ الغزالي للاطمئنان عليّ، فقد كانت تجمع عبد القدوس والشيخ الغزالي وقتها محبة توثـقـت فيما بعد بزواج محمد عبد القدوس بابنة الشيخ الغزالي.

لم يتعرض لي أحد ولم أستدع من أي جهاز أمني، اللهم إلا محاولات غير مباشرة من بعض الشخصيات لكي أعتذر للرئيس، منها ما فعله د.صوفي أبو طالب الذي كان رئيسا للجامعة، فقد فوجئت به بعدها يسألني عن رأيي في زيارة للرئيس السادات.

فسألته: ماذا أفعل في تلك الزيارة؟ فرد قائلا: لكي تقول للريّس ما عندك.

وقد أدركت هدفه من هذه الزيارة وهو أن أظهر أمام الإعلام أنني ذهبت للاعتذار للسيد الرئيس... فقلت له: سوف أفكر في ذلك ثم أتخذ قرارًا... وأراد هو أن ينتزع مني موافقة فورية على هذه الزيارة، ولكنني اعتذرت أخيرًا بطريقة مهذبة، ولم أوافق عليها.

المستقبل: تنظيم جديد أم إحياء لقديم؟

  • وفي إطار تطور العمل الإسلامي في الجماعة جرى النقاش بيننا مبكرا في قضيتين منفصلتين ولكنهما متصلتان أيضا الأولى تتعلق بمبدأ تنظيم الجماعة الإسلامية الجديدة التي كانت عفوية تلقائية في ظهورها وتطورها، والثانية تتعلق بالشكل الذي يفترض أن يكون عليه تنظيم الجماعة؛ هل ننشئ تنظيما جديدا مستقلا أم نلتحق بتنظيم الإخوان بعد خروجهم من السجون؟

كانت القضية مطروحة للنقاش مبكرا وحتى قبل خروج الإخوان من السجون، ولكنها صارت أكثر حضورا وإلحاحا مع اقتراب خروجهم والذي يمكن أن نؤرخ له ببداية عام 1974 ، كان موت جمال عبد الناصر بداية الأمل... ثم وجدنا في سياسات السادات ما يؤشر بقوة علي قرب الخروج الكبير للإخوان.

في بداية السبعينيات لم تكن هناك تنظيمات إسلامية يمكن أن تغرينا بالتفكير في الانضمام لها، كانت هناك فقط بعض الجمعيات الدعوية والخيرية محدودة التأثير وغير منظمة العضوية مثل الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة؛ إضافة إلى تنظيمات سرية صغيرة علمنا بها في وقتها أو فيما بعد، ولم يكن لها من العلانية أو الرؤية ما يجعلها محط اهتمام لنا أو محور نقاش في مستقبل العلاقة معها على الرغم من محاولات بعضها الاتصال بنا أو استقطاب بعضنا... مثل بقايا (جماعة المسلمين) أتباع شكري مصطفى الذين أعتبرهم من بقايا تنظيم 1965 والذين جرت تسميتهم فيما بعد بجماعة (التكفير والهجرة) ومثل مجموعة الفنية العسكرية التي لم نكن نعرفها حتى فشل عمليتها الانقلابية والتي اكتشفنا معها أنها نجحت في استقطاب اثنين ممن كانوا يشاركوننا العمل العام في الجماعة الإسلامية بكلية طب القصر العيني.

كنّا – مجموعة الجماعة الإسلامية- نرفض الاتصال بتلك التنظيمات السرية الأخرى، ورغم ذلك أخذنا نتداول كل ما كانوا يكتبونه في كراساتهم الخاصة التي كانوا يأتون بها إلينا، خاصة جماعة المسلمين(التكفير والهجرة) فهؤلاء خاصة رفضنا أفكارهم بشكل قطعي، لقيامها على تكفير المجتمع كلية. وقد أدركنا خطورة هذه الأفكار -مبكرا- فتعقبناها وطاردناها بل طاردنا أصحابها الذين كانوا يتصلون بغيرنا وينشرون بينهم كراساتهم "التكفيرية" ،وأذكر أن أبرز أفراد مجموعتنا الذين تصدوا لهذه الأفكار التكفيرية وكان له دور فعال في هذا الأمر الأخ عصام حشيش (هو الآن أستاذ في كلية الهندسة بجامعة القاهرة)، والذي كان له اهتمام خاص بقضية التكفير وبتعقب أفكارها ومقولاتها.

نحن والفنية العسكرية

في أبريل من عام 1974 فوجئنا بأول عمل إسلامي مسلح في جيلنا، وهو محاولة بعض الشباب الإسلامي الهجوم المسلح على الكلية الفنية العسكرية والاستيلاء على أسحلتها ومن ثم التوجه للسيطرة على مقر الاتحاد الاشتراكي والقبض على الرئيس السادات وأركان حكمه المجتمعين وقتها وإعلان أول انقلاب إسلامي يذاع بيانه الأول من مبنى الإذاعة والتلفزيون الكائن على بعد خطوات من مقر الاتحاد الاشتراكي.

كان قائد التنظيم وعقله المدبر صالح سرية وهو فلسطيني كان يعمل موظفا بالجامعة العربية بالقاهرة وكانت له نشاطات إسلامية في بلده فلسطين ثم العراق قبل أن يستقر في مصر... وكان معه في القيادة عدد من الشباب الإسلامي في جامعة الإسكندرية وفي الكلية الفنية العسكرية من أشهرهم طلال الأنصاري وكارم الأناضولي.

وحين وقعت المحاولة التي كان محكوما عليها بالفشل وأعلن عنها في الصحف وجدنا أن بقائمة المتهمين عضوين في تنظيم الفنية العسكرية يعملان معنا في العمل العام بكلية طب القصر العيني، وهما مصطفى يسري وأسامة خليفة، ولم نكن نعرف أنهما منضمان لهذا التنظيم، إذ لم يخبرا أحدا منّا، ولم يكن هناك ما يدل – من سلوكهما – على أنهما بصدد القيام بعمل عسكري.

وباعتباري رئيسا لاتحاد الطلاب فقد حضرت جميع جلسات القضية مدافعا عن الطلبة المتهمين باعتباري رئيسا لاتحاد الكلية التي يدرسان بها، كما وكّل اتحاد الطلاب المحامي الأستاذ الدكتور عبد الله رشوان للدفاع عنهما... وقد حكم عليهما في القضية بالسجن بعد فشل عمليتهم.

في ذلك الوقت كانت فكرة استخدام العنف في التغيير مقبولة عندنا أو على الأقل لا تجد منا رفضا صريحا لها... فالمسألة لم تكن محسومة لدينا كما هي الآن... وكان أقصى خلافنا مع من تبنوا العنف منهجا للتغيير أنهم يتعجلون بطرح أفكارهم في غير أوانها... وكان خلافنا حول التوقيت فقط والملائمة لأننا كنّا نعتبر أننا – في هذا الوقت- لا نملك القدرة ولا نرى الوقت مناسبا... ولم يكن رفضنا مبدئيا... فالعنف كان مقبولا والاختلاف حول توقيته وجدواه فحسب... لقد كانت أفكارنا – في هذا الوقت- مزيجًا غريبا من السلفية والجهادية وبعض من الإخوان المسلمين ، ولذلك كانت مسألة استخدام العنف في التغيير مرفوضة من المبدأ.

لقد كان الإخوان : مصطفى يسري وأسامة خليفة يدعوان لمبدأ العنف من أجل التغيير ولكنهما لم يكونا يدعوان إلى تنظيم معين أو للمشاركة في عملية بعينها... لهذا لم نكن نعلم عنهما أنهما في تنظيم أصلاً، ومن ثم فقد فوجئنا بحادثة اقتحام الكلية الفنية العسكرية.

وما أعلمه يقينا أنه لم تكن هناك أي صلة بين هذين الطالبين – وقتها - وبين الإخوان المسلمين لا من قريب أو بعيد. ولم يذكر أحد منهما ولا من بقية المتهمين أي شيء يؤكد وجود علاقة بين الإخوان وبين تنظيم الفنية العسكرية.

وأنا أكتب هذه الشهادة نشرت شهادة طلال الأنصاري الوحيد الذي خفف عنه الحكم بالإعدام من بين ثلاثة هم صالح سرية (قائد التنظيم) وكارم الأناضولي، وقد نشرتها مجلة روز اليوسف المعادية للإخوان والتيار الإسلامي عموما! وقد لاحظت أن طلال يكرر في هذه الشهادة الحديث عن علاقته بالإخوان بما يوحي بصلة الإخوان بالتنظيم أو وقوفهم وراء محاولته الانقلابية، وهو يدلس في هذه الشهادة حين يدعّي وجود صلة من هذا النوع بالإخوان؛ فالحاصل أن الإخوان كانوا آنذاك محط احترام الشباب وكان من الفخر لأبناء جيلنا أن يجلس أحد منا مع أحد الإخوان الخارجين من المعتقلات حديثًا، ولا مانع أن يكون طلال قد اتصل بهم كما اتصل بهم كل الشباب الإسلامي من أبناء جيلنا دون أن يكون ذلك دليلا على صلة تنظيمية.

والدليل على أن ما ذكره طلال في شهادته محض افتراء وأنه لم يحدث، أن أحدا من المتهمين الآخرين لم يذكر الإخوان في أقواله من قريب أو بعيد، كما لم يتم التحقيق مع أي من أفراد جماعة الإخوان أثناء التحقيق في القضية.

كما أن حادثة الفنية العسكرية وقعت في نفس العام الذي بدأ السادات يفرج عن الإخوان ويخرجهم من المعتقلات. فكيف يعقل أن الإخوان يفكرون أو يقدرون على القيام بتنظيم انقلابي بهذا الشكل على السادات الذي أخرجهم من سنوات السجن والتعذيب؟!.

ولا يجب عزل شهادة طلال في هذا الموضوع عن طبيعته الشخصية، فقد كان طلال الوحيد من المجموعة التي قبض عليها الذي انهار واعترف بكل شيء من البداية إلى النهاية وأفشى أسرار زملائه... ومن ثم فلا أستبعد أن ما يقوله عن علاقته بالإخوان هو من خياله أو تأليفه.

جماعة واحدة ومراجع إسلامية مختلفة

حين بدأنا العمل الإسلامي في الجامعة كنّا مجموعة لا يجمعها فعليا إلا الهمّ والرغبة الحقيقية في العمل لنصرة الإسلام ، دون أن تكون لدينا مرجعية فكرية وشرعية تجمعنا.

كنّا نأخذ وننهل من مراجع فكرية وشرعية مختلفة بل ومتناقضة، كنّا قد سمعنا وقرأنا للشيوخ محمد الغزالي ومحمد أبو زهرة وسيد سابق ويوسف القرضاوي... وكذلك الأساتذة عيسى عبده والبهي الخولي وكمال أبو المجد... وغير هؤلاء من مدرسة الاعتدال والوسطية... كما انفتحنا مبكرا أيضا على نقيضها وقرأنا الكتابات الثورية للشهيد سيد قطب والأستاذ أبوالأعلي المودودي... والتي طالما ألهبت عواطفنا ومشاعرنا وغذتنا بروح الثورة والتمرد وحركت همنا للعمل.

كما كنّا نحضر دروس شيوخ الجمعية الشرعية القريبة في بعض أفكارها من الإخوان وإن غلبت العمل الخيري والدعوي وابتعدت عن العمل السياسي، كما كنّا نحضر لشيوخ جماعة أنصار السنة التي تقترب إلى حد كبير من الفكر الوهابي... وكان مؤسسها الشيخ حامد الفقي أهم من قدّم رموز السلفية الوهابية ونقلها لمصر.

وقد تأثرنا كثيرا بالتيار السلفي في مرحلة مبكرة من تكويننا الإسلامي، وأظن أن السلفية الوهابية أقحمت على المشروع الإسلامي في مصر إقحاما... في هذا الوقت كانت الكتب الإسلامية تأتينا من السعودية بالمئات بل والآلاف وكانت كلها هدايا لا تكلفنا شيئا.

كما مهد لانتشار الوهابية بيننا رحلات العمرة التي كنا ننظمها من خلال اتحاد الطلاب طوال الصيف، وكانت أول مرة اعتمرت فيها عام 1974 وكلفتني رحلة العمرة خمسة وعشرين جنيهًا فقط، وأذكر أنني زرت السعودية بصفتي ممثلا للجماعة الإسلامية في مصر ، وكان العلماء هناك يرحبون بنا كثيرا ويحسنون استقبالنا ويعتبروننا امتدادًا لهم هنا في مصر .

في هذه الاثناء كنّا- مثلا- نؤمن بجواز استخدام العنف بل وجوبه في بعض الأحيان من أجل نشر دعوتنا وإقامة فكرتنا، وكان العنف بالنسبة إلينا مبررا بل وشرعيا، وكان الخلاف بيننا في توقيته ومدى استكمال عدته فحسب. كانت الفكرة المسيطرة على مجموعتنا نحن ألا نستخدم القوة الآن، وإنما نُعدُّ أنفسنا لاستخدامها حين تقوى شوكتنا ونصبح قادرين على القضاء على هذا النظام الممسك بالحكم. ولكن الفرق بيننا وبين من مارسوا العنف وأطلقوا على أنفسهم اسم (جماعة الجهاد) أنهم تعجلوا الأمور، ونفذوا ما اعتقدوه بسرعة ودون حسابات دقيقة!!

وقد ظلت هذه الفكرة مسيطرة علينا حتى أواخر السبعينيات، حتى بعد دخولنا جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن بدأنا نراجعها تدريجيا وكان للأستاذ عمر التلمساني رحمه الله الدور الرئيس في حسم مسألة العنف وتأكيد التوجه السلمي ليس لدينا فقط – نحن أبناء الجماعة الإسلامية التي قررت الانضواء تحت الإخوان بل ولدى كثير من الإخوان المسلمين أيضا من أجيال سابقة علينا خاصة أبناء تنظيم 1965 الذي عرف بتنظيم سيد قطب. (وهو ما سنشير إليه لاحقا).

وأعتقد أن هذا التوجه الاستراتيجي الجديد الذي خطه أستاذنا التلمساني هو الذي مكن للإخوان في المجتمع المصري وقضى على بذور الفكر الاستئصالي الذي كان يمكن أن ينمو ويترعرع بين بعض الإخوان وكنّا كجماعة إسلامية ناشئة بلا تراث ولا تقليد سياسي قصار النظر في مسألة الدولة ومنطقها وفلسفتها... وكنّا نستحضر في أذهاننا تجارب بدائية بسيطة ترجع إلى ما قبل نشأة الدولة الحديثة، إقامة الدولة في نظرنا كان يعني عودة الخلافة الإسلامية، وعودتها تتم من منطلق عقائدي بحث وليس من منطلق سياسي، وتخضع لحسابات عقائدية وأخلاقية وليست لسنن وضوابط واقعية، وكانت دولتنا "الحلم" دولة الشريعة التي تقيم الحدود وتجري العقاب دون تردد أو نظر لأي خلاف أو مقاربة فقهية معتبرة.

وكانت مؤسسات الدولة في نظرنا تمثل خروجًا عن روح الإسلام ويجب أن تزال ويقام بدلا منها نموذج إسلامي. وكانت السيطرة على الدولة تقوم على تفكير انقلابي بسيط ساذج، وهو ما تم بالفعل، حين قام به بعض الشباب المخلصين الطيبين من التنظيم الذي عرف باسم "تنظيم الفنية العسكرية"، فقد تدربوا على بعض الأسلحة الخفيفة وتجمعوا للاستيلاء على الحكم بأن يتوجه بعضهم للسيطرة على مكان إقامة الرئيس السادات والبعض الآخر على مبنى الإذاعة والتليفزيون ليعلنوا منه إقامة الدولة، ثم يقومون بتطهير المجتمع من الرجس السائد فيه!!

كان هذا تفكير مجموعة إسلامية من جيلنا لإقامة دولة جديدة في بلد كمصر من أقدم بلاد العالم وأكثرها مركزية!... وبالطبع كان لابد لهذا الانقلاب الساذج من الفشل الذي دفع ثمنه الضحايا من الجنود البسطاء الذين لا ذنب لهم... ورغم ذلك كنّا ننظر لهذه العملية التي قام بها زملاء من جيلنا على أنها تجربة حقيقية لإقامة الدولة ولكنها فشلت ولم توفق، فلم نرفضها في ذلك الوقت، ولم نكن ننظر إليها على أنها تجربة ساذجة لن تجدي نفعًا!.

المصدر :نافذة مصر