شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 9 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٥٧، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات) (حمى "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 9 )" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر (الحلقة التاسعة) ..‬


إعادة بناء تنظيم الإخوان بعد حادث المنصة

‬‫قضينا معظم من اعتقلوا من الإخوان وخاصة أبناء جيلي نحو عام في المعتقل، فلم نخرج إلا‬ ‫في سبتمبر من عام 1982، وكان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة‬ ‫تنظيم جماعة الإخوان من جديد والإهتمام بالبناء الداخلي،؛

وهو ما شرعنا فيه فور الخروج‬ ‫مباشرة، خاصة وأن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان فقد‬ ‫استمر نشاطنا قويا إلى نهاية عقد الثمانينيات تقريبا، وإن كنًّا على قناعة وقت خروجنا أن‬ ‫عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي.

‬‫يمكن القول بأن الدكتور أحمد الملط هو أبرز من حملوا عبء هذه المرحلة وتولًّوا عملية إعادة‬ ‫البناء، وكان أول ما فعله رحمه الله االتصال بمجموعتنا التي كانت ناشطة في قيادة الجماعة‬ ‫اإلسالمية في الجامعات المصرية، وكان كالمه واضحا في أن األولوية هي إلعادة البناء‬ ‫الداخلي وهو ما بدأ العمل فيه على قدم وساق تحت مسؤوليته مباشرة بعد أيام قليلة من‬ ‫خروجنا من المعتقالت، وقد كنت على رأس تلك المجموعة المسؤولة عن إعادة البناء وترتيب‬ ‫صفوف الجماعة التي اهتزت كثيرا بعد أحداث سبتمبر 1981.‬

‫وقد أطلق على مجموعتنا (مكتب مصر) تمييزا عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر،‬‫ووضعنا خطة لتقسيم القطر المصري إلى قطاعات، فكان الأخ ممدوح الديري هو مسؤول شرق‬ ‫الدلتا، والأخ إبراهيم الزعفراني مسؤول غرب الدلتا، والأخ أنور شحاتة مسؤول وسط الدلتا‬ ‫والأخ محمد حبيب مسؤول قطاع الصعيد، والأخ السيد عبد الستار المليجي مسؤول القاهرة...‬ ‫

ولحق بنا في هذه المجموعة الأخوان جابر رزق وإبراهيم شرف رحمهما الله. ثم بدأنا في‬ ‫ترتيب المكاتب الإدارية للجماعة في كل محافظات مصر والتي تنقسم إلى مناطق وشُعب، مع‬ ‫التركيز على تعميق وتقوية التنظيم ووضع القواعد الإدارية التي تضمن فاعليته وكفاءته‬ ‫وانسجام تكويناته وتراتبيته، وهو عمل استغرق الجهد الأكبر من نشاط الجماعة ما يقرب من‬ ‫سنوات متواصلة، فلم يأت عام 1987 حتى تبلور التنظيم وظهر بشكله الضخم واستقر النظام‬ ‫الإداري للجماعة.‬

‫وفي هذه الأثناء كان هناك جهد مواز في ترتيب الجماعة على المستوى الخارجي، فبعد تولي‬‬ ‫مكتب مصر مسؤوليته عن القطر المصري تحت إشراف الدكتور أحمد الملط، تفرغ الأستاذ‬ ‫مصطفي مشهور رحمه الله للتنظيم خارج مصر فكان صاحب الجهد الأكبر في تأسيس‬ ‫التنظيم الدولي وهيكلته ووضع لائحته التي صدرت في مايو من عام 1982، وكان أبرز‬ ‫الإخوة الذين ساهموا في بناء التنظيم الدولي وتنشيط عمله الأستاذ مهدي عاكف المرشد‬ ‫الحالي والمهندس خيرت الشاطر والدكتور محمود عزت، وكانوا جميعا قد خرجوا من مصر‬ ‫قبيل اعتقالات سبتمبر 1981 وبعدها واستمروا في الخارج حتى عام 1986.‬

استقرار جماعة الإخوان المسلمين‬‫

أذهب إلى القول بأن جماعة الإخوان المسلمين لم تستقر فكرا وتنظيما على الصورة التي نراها‬ عليها الآن إال عام 1989 على الأرجح وهو العام الذي أجريت فيه أول انتخابات الختيار‬ ‫مسؤولي الجماعة بعدما كانوا يتولون مناصبهم في كل القطاعات تقريبا بالتعيين، وأن‬ ‫الحسم على المستوى الفكري والتنظيمي بما يرسم الصورة التي عليها الآن مر بعدة محطات‬ ‫وأحداث تاريخية مهمة.‬

‫فإذا تكلمنا عن الموقف من التكفير سنجد أنها حسمته مبكرا مع أول فتنة تكفير واجهتها بعد‬ ‫اعتقالات عام 1965، في هذه الفترة الحالكة من تاريخ الجماعة وقعت فتنة التكفير بعدما‬ ‫تعرض كثير من شبابها للظلم والتعذيب والقهر في سجون العهد الناصري، فتغذى بعض‬ ‫الشباب من كتابات الشهيد سيد قطب ثم أضافوا إليها رؤيتهم الخاصة فخرج ما عرف بالتيار‬ ‫القطبي ثم تيار التكفير والهجرة كما تجسدت في تنظيم جماعة المسلمين الذي أسسه الشاب‬ ‫شكري مصطفى الذي كان سجينا مع الإخوان.

والحق أن التاريخ سيشهد بفضل الأستاذ‬ ‫المستشار حسن الهضيبي مرشد الجماعة وقتها والذي تعالى على جراح التعذيب والتنكيل‬ ‫وتصدى لفتنة التكفير التي بدأت في السجون، فأصدر كتابه المرجع "دعاة لا قضاة" التي‬ ‫استعاد بها منهج الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله، مؤكدا أن منهج الجماعة هو‬ ‫دعوة الناس وليس القضاء فيهم، وأنها لا تكفر مسلما مهما كان جرمه حتى ولو طالها أذاه‬ ‫مثلما حدث معها في السجون الناصرية، وقد حسم فيها حسن الهضيبي رحمه الله موقف‬ ‫الجماعة نهائيا وللأبد في قضية التكفير، وأحسب أنها كانت القاضية في هذه القضية فتطهر‬ ‫منها الصف الإخواني من دون رجعة.‬ ‫

كان موقف الجماعة من قضية التكفير حازما وحاسما وفوريا بعكس موقفها من قضية العنف‬ ‫والذي تأخر وتم بطريقة تدرجية وعملية وليس بمراجعة أو موقف واضح ونهائي كما في‬ ‫قضية التكفير، ويمكن القول بأن النقاشات التي دارت في بداية عام 1984 تمهيدا لحسم‬ ‫الموقف من المشاركة في الإنتخابات البرلمانية كانت مهمة في نقل وجهة الحركة باتجاه التيار‬ ‫السلمي في التغيير الذي تزعمه أستاذنا عمر التلمساني على حساب بعض القادة الذين لم يكن‬ ‫لديهم رفض مبدئي لفكرة استخدام العنف على الرغم من عدم لجوئهم إليه فعليا.

وأتصور أن‬ ‫نبذ فكرة استخدام العنف تم داخل الجماعة تدريجيا ومع دخولها في العمل العام حتى انحسرت‬ ‫تماما إلا ربما في قناعات مستترة لبعض الأفراد القليلين الذين لا يجدون سبيلا لنشرها‬ ‫داخل الجماعة فضلا عن الدعوة إليها علانية، وقد تم هذا الحسم بتدرج وهدوء ولم تضطر‬ ‫الجماعة فيه إلى تكرار ما فعله الأستاذ حسن الهضيبي مع فتنة التكفير في نهاية الستينيات.‬ ‫

أما القطع مع العمل السري وحسم قضية علنية الجماعة ورفضها للسرية فقد تم بشكل رسمي‬ ‫ومكتوب عام 1987، حيث اجتمعت كل قيادات الجماعة من مسؤولي المحافظات إلى أعضاء‬ ‫مكتب الإرشاد وتداولنا هذه القضية وظهر ما يشبه الإجماع على الإقرار بعلنية الجماعة‬ ‫ورفض العمل السري، وخرجنا وقتها بوثيقة رسمية مكتوبة عرفت باسم "جماعة الإخوان‬ ‫جماعة علنية"، أقر بها مكتب الإرشاد وأرسلت إلى كل أقسام الجماعة ومكاتبها الإدارية‬ ‫للإلتزام بما جاء فيها.‬ ‫

لقد كان النصف الأول من عقد الثمانينات في رأيي امتدادا لعهد السادات؛ عهد الإنفتاح‬ ‫وحرية العمل والتنظيم السياسي، فكان حاسما في بناء جماعة الإخوان المسلمين واستقرار‬ ‫منهجها الفكري واستراتيجية عملها وصورتها لدى الرأي العام ولدى قواعدها أيضا، وقد‬ ‫شهدت سنواتها القطع في قضايا كثيرة كانت غير واضحة من قبل مثل الموقف من العنف‬ ‫والعمل السري، كما شهدت وضع القاعدة الصلبة للتنظيم الإخواني وتحديد قواعده الإدارية‬ ‫ومناهج التكوين والتربية ورسم مسار حركته.

وهو ما أهل الجماعة لللإنطلاق بقوة وملأ فراغ‬ ‫العمل العام في مصر والعالم العربي على الرغم من أن عقبات كثيرة بدأت تظهر في الأفق كان‬ ‫من شأنها أن تعرقل سير الجماعة وحركتها.‬

علماء الجماعة وشيوخها‬‫

ومما يجب التوقف عنده كثيرا عند حديثنا عن استقرار رؤية الجماعة ووضوح منهجها الفكري‬‫ موضوع علماء الجماعة وشيوخها، فعلى خالف ما يتصوره البعض لم تعرف الجماعة في هذه‬ ‫الفترة ما يمكن أن نسميه بجناح أو تيار المشايخ والعلماء، وإنما كان لدى الجماعة علماء‬ ‫وشيوخ أجلاء ظلوا طوال فترة إعادة بناء الجماعة جزءا من نسيج حركتها وبنيانها الفكري‬‫ والتنظيمي، ولم نشهد في حركتنا ونقاشاتنا الطويلة التي قضيناها في إعادة البناء خلافات ذات‬ ‫وزن تؤشر إلى أن هناك انفصالا بين الشيوخ والعلماء وبين الحركيين أو إخوان العمل العام.‬ ‫

اللهم إلا مواقف قليلة بل ونادرة جدا أشهرها ما حدث مع الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد.‬ ‫كنًّا قد حسمنا أمرنا بالدخول في تحالف مع حزبي العمل والأحرار عرف بـ "التحالف‬ ‫الإسلامي" في الإنتخابات البرلمانية عام 1987، وقد رشح حزب العمل على قائمته بإحدى‬ ‫دوائر محافظة الجيزة امرأة هي السيدة عزيزة سند؛

وكان الموقف المبدئي للإخوان هو‬ ‫الترحيب بهذا الترشيح وعلى أن يضم الإخوان امرأة في قوائمهم لما يعنيه ذلك من مواجهة‬ ‫الاتهامات التي تطلقها التيارات العلمانية وتشيع فيها أن الإخوان أعداء للمرأة وسيقفون ضد‬‫ مكاسبها، لكن الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد وهو أستاذ للتفسير في جامعة الأزهر من قدامي ‫الإخوان وكان عضوا بمكتب الإرشاد وقتها رفض الأمر تماما وبقوة، وساق جميع الآراء‬ ‫الشرعية التي تعارض مشاركة المرأة بالبرلمان.‬ ‫

والحقيقة أن ما ساقه فضيلة الشيخ عبد الستار في المسألة كان أقرب لرأي شرعي يقبل‬ ‫المراجعة، فهو غير مجمع عليه كما أن كثيرا مما طرحه من حجج شرعية كان مردودًا عليها.‬

‫وكنت ممن عارضوا رأي فضيلته، فعرض عليه الإخوان في مكتب الإرشاد تكوين لجنة من‬ ‫علماء الشريعة تدرس القضية ثم تخرج بعدة آراء يختار منها مكتب الإرشاد ما يراه مناسبًا‬ ‫للجماعة، إلا أن فضيلته رفض الإقتراح وقال إن الرأي الراجح الذي ستراه اللجنة هو الذي‬ ‫يجب أن يلتزم به مكتب الإرشاد وأنه سيكون ملزما للجماعة، وهو ما قوبل بالرفض.‬

‫كنت ممن عارضوا رأي الشيخ عبد الستار فتح الله، وكان من أشد معارضيه ومن تولى الرد‬ ‫عليه الأستاذ المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله وكان مشرفا على القسم السياسي وقتها‬ ‫(تولي منصب المرشد السادس للجماعة)، كنًّا نرى أن جماعة الإخوان ليست ملزمة بمذهب ‬‫فقهي أو برأي شرعي محدد لا تتجاوزه إلى غيرها؛

بل يسعها ما يسع الإسلام، وأن الأفضل في‬ ‫قضية ترشيح المرأة للبرلمان أو عملها بالسياسة أن نوسع المسألة ونعرضها على فقهاء‬ ‫وعلماء من هيئات ومؤسسات دينية معتبرة حتى من خارج الجماعة، ونسمع لما تراه في ‬‫القضية المثارة ثم نأخذ بما يناسبنا طالما وسعه الشرع. ولكن الشيخ عبد الستار فتح الله رفض‬ ‫رأينا وأصر على موقفه بل وتطور الأمر إلى أن قدم استقالته من مكتب الإرشاد!.

وقد ظل‬ ‫حفظه الله متمسكا برأيه مخلصا له، وتجددت معارضته حين رشح الإخوان الأخت جيهان‬ ‫الحلفاوي (زوجة الأخ إبراهيم الزعفراني) في الأنتخابات البرلمانية عن دائرة الرمل بمحافظة‬ ‫الإسكندرية عام 2000؛

ثم عاد مجددا لينتقد هذا الموقف حين رشح الإخوان الأخت مكارم‬‫ الديري (زوجة المرحوم الأخ إبراهيم شرف الذي عمل سكرتيرا للمرشد) في الإنتخابات الأخيرة‬ ‫2005 عن دائرة مدينة نصر بالقاهرة، وانتقد بحدة هذا العمل حتى في خطبة الجمعة بالمسجد‬ ‫الذي يؤم الناس فيه، على الرغم من أنه مازال واحدا من جماعة الإخوان وأن استقالته كانت‬ ‫من مكتب الإرشاد فقط وليس من عضوية الجماعة.‬ ‫

وقد كانت الواقعة مهمة جدا في تأسيس منهج للتعامل مع القضايا التي يختلط الشرعي‬ ‫بالسياسي فيها، فحين بدأنا النقاش عام 1994 لإصدار الوثيقة الشهيرة عن موقف الإخوان‬ ‫من الشورى والتعددية الحزبية وعمل المرأة في السياسة، وكان المستشار مأمون الهضيبي‬ ‫وقتها مسؤولا عن القسم السياسي؛

انتهينا في مكتب الإرشاد إلى دعوة مجموعة من علماء‬ ‫الشرع لحضور مناقشات القسم السياسي في الجماعة مع عدد من أعضاء مكتب الإرشاد‬ ‫وإدارة حوار موسع حول هذه القضايا خاصة قضية التعددية وإمكانية قبول الجماعة بالتعددية‬ ‫الحزبية؛

وقد دام هذا الحوار وقتًا طويلا نوقشت فيه قضايا أخرى مثل قضية الأقباط وكان ممن‬‫ حضروه فضيلة الشيخ طه ريان عميد كلية الشريعة آنذاك مع الإخوة من القسم السياسي عصام‬ ‫العريان وعبد الحميد الغزالي (األستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة)

إقرأ إيضا

المصدر