عبدالقادر السبسبي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالقادر السبسبي .. نضال رغم المحن

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

مقدمة

كثير ممن هم تركوا الحياة بعدما تركوا فيها بصمات لمسها الداني والقاصي، ولقد كان الأستاذ عبد القادر السبسبي واحد من الذين تركوا هذه البصمة.

كان الأستاذ السبسبي عنواناً بارزاً للروح العلمية والدأب في البحث والدرس وطلب الحق وبيانه للناس ، وكان عنواناً للخلق الكريم والذوق الرفيع والمعشر اللطيف والحديث الحلو الممتع المفيد .. مما يحتاج كل جانب منه إلى حديث خاص ، وإلى تجلية يكون فيها الدرس النافع والقدوة الحسنة.

قالت عنه مجلة الرائد:

لقد كانت حياته من مطلعها إلى خاتمتها عملاً عقيدياً مستمراً في سبيل الله على كل المستويات ، ولم يحل تقدم السن ولا ضعف الجسم بينه وبين بذل كل ما يملك أن يبذل من جهد في أداء الواجب .. وهذا ما يجعل حياته مثلاً جديراً بأن يضرب للشباب وللعاملين للإسلام في هذا العصر ، وقد غدا العمل الإسلامي عند كثير منهم ثوباً يخلع ويلبس ، أو عملاً موسمياً يمارس ويترك ، أو مرحلة من مراحل الحياة يتجاوزها الفرد إلى حيث تستغرقه مطالب الدنيا.

النشأة

نشأ الأستاذ عبدالقادر السبسبي في مدينة حلب عام 1886م الموافق 1304هـ، في اسرة متدينة عمدت إلى تربيته تربية إسلامية.

التحق بمراحل التعليم حتى تخرج في كلية الحقوق، وعمل بالمحاماة عام 1919م، ثم مدرسا (19251959م)

في دعوة الإخوان المسلمين

تعرف عبدالقادر السبسبي على دعوة الإخوان بعدما وصلت إلى سوريا على يد الدكتور مصطفى السباعي، وساهم السبسبي في نشأة دار الأرقم بمساعدة بهاء الأميري، عبد الحميد الأصيل، يوسف الصقال،وعبد الحميد ميري، والشيخ عبد الوهاب التونجي، وذلك في حلب عام 1937م.

جهاده

اشترك عبدالقادر السبسبي ضمن المتطوعين في حرب فلسطين عام1949م تحت قيادة الدكتور مصطفى السباعي، حيث تشكل جيش الإنقاذ في حي الميدان بدمشق.

يقول الأستاذ زهير الشاويش:

وكانت الدعوة في الشام إلى تشكيل كتائب للجهاد في سبيل الله في فلسطين قد انطلقت من حي الميدان، الشهير في دمشق وكان "لِشُعْبَته الدور الواضح والأثر الكبير في التهيئة والتدريب، والاجتماعات الضخمة التي أقيمت لنصرة فلسطين"، ومن ذلك أول اجتماع عام عقد في دار "المهاييني" وحضرة الشيخ محمد الأشمر، كما كان للأستاذ محمد خير الجلاد باع طويل، وهو الذي أعلن افتتاح باب التطوع للجهاد ما بين 1946، 1947 وكذلك الأستاذ عبد القادر السبسبي وعمر الأميري في حلب، والشيخ نافع الشامي، في أدلب والشاعر محمد المجذوب في اللاذقية.

كتاباته

كتب الأستاذ عبد القادر السبسبي المحامي تحت عنوان (الرق والتسري في الإسلام): مجلة حضارة الإسلام، المجلد 1، العدد 9، سنة 1961

(1) إن القرآن العظيم شرع الجهاد للإيمان بأن دفع العدوان وتنكيس أعلام الطواغيب ومنع الاضطهاد ورفع لواء الحرية، ولم يأمر برقّ ولا استرقاق؛ لأنهما يتنافيان مع مبادئ الإنسانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وقد خول الحق للمسلمين حال انتصارهم على المحاربين وأخذهم أسرى بأن يتبعوا أحد ثلاثة أحوال:

  1. القتل
  2. الأسر
  3. العفو.

(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقابِ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحربُ أوزارها).

ومن اطلع على أسرار الشريعة الإسلامية وفهم معناها علمَ بأن الشريعة ما جوّزتْ استرقاق أسرى الحرب إلا من باب المجاراة للأمم المعادية المحاربة، ومقابلة بالمثل جرياً على عادتهم، ولذلك يكون الرق قد فرضه الأمر الواقع، لأن الأسر في الحرب واقع لا محالة، وقتْل الأسير لا يأتلف مع العدل الإلهي.

وأما العفو، فإنه وإن كان من شيمة الإسلام ولكن ليس من الحكمة أن يسترقّ المحاربون أسرى المسلمين ويستحيوا نساءهم، والمسلمون يقفون مكتوفي الأيدي أما هذه الحدث العظيم، ثم يعفون عن أسرى الأعداء ويرسلونهم إلى أهلهم مكرمين مبجلين، ومن يرى ذلك فقد بعُد كثيراً عن فهم حكمة التشريع التي غايتها مراعاة مصالح العباد ودرء مفاسدهم تفضُّلاً من الله ورحمة.

ولما كان تصرّف الإمام منوطاً بالمصلحة، وإن الاسترقاق ضرورة من ضرورات الحرب وإن الشريعة تتمشى مع العدل أنى وجد، وكانت العدالة تقضي أن تكون المعاملة بالمثل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أبيح للإمام ضرب الرق على الأسرى إذا رأى في ذلك مصلحة.

على أن الشريعة الغراء قبل أن تبيح الاسترقاق سدت جميع السبل التي كانت تتخذها الأمم الغابرة وسيلة للاسترقاق وقضت عليها ولم تُبقِ سوى أسير الحرب، وعملت على تقليص ظله بشتى وسائل البر والخير، وأدخلت من الإصلاح ما يكفل للأرقاء حقوقهم وللسادة مصالحهم وللمجتمع سعادته ورخاءه.

(2) التسرّي

إن الضرورة التي أباحت استرقاق الأسرى هي ذاتها اقتضت إباحة التسري؛ لأن المحاربين الأعداء عندما يأخذون النساء المسلمات أسيرات يعاملونهن شر معاملة، إذْ في نظرهم أن الرقيق كالحيوان مسلوب الإرادة كما هو مسلوب الحرية (على حد تعبير أرسطو وأفلاطون) وإن السبيّة عندهم تصبح كالمتاع يتمتع بها ويفترشها كل من يبتغيها كما يفترش أصولها وفروعها.

وهذا المنطق في الأمم الغابرة لم يزل موروثاً معمولاً به لدى الدول المدعية التمدن كابراً عن كابر حتى ألغي الرق باتفاق دولي.

وأما الإسلام فإنه يبرز فيما يختص بالإماء الجانب الإنساني فيهن، كي لا يحس أحد أن آدميتهن مهدورة، أو أنهن من الناحية الإنسانية هابطات، أو من نوع أو مستوى آخر غير مستوى الحرائر، فإنه يحظر نكاح السبايا إلا ضمن شروط اشترطها وراعى فيها الحقوق والمصالح والمجتمع،

وهي:

أولاً إذن الإمام بالاسترقاق، لأن الرق والتسري لا يثبت بمجرد الأسر، كما أشرنا إليه آنفاً.
ثانياً انتظار براءة الرحم بالعدة أو بالوضع إن كانت حاملاً. (1)
ثالثاً أن لا يكون زوجها أسيراً معها. (2)

وعند توفّر هذه الشروط تصبح الأسيرة مملوكة لمن هي في يده وتسمى ملك اليمين حسب التعبير القرآني، ولمالكها حق التسري بها عملاً بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) (النساء: 3) أم ما ملكتم من إماء.

وقوله جلت عظمته: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) (المؤمنون: 6).

وعند تسرّي مالكها بها تظل مملوكة إلى أن تلد فتصير أم ولد (3) ويعتبر المولود منها حراً. ولما كان ليس من العدل أن تبقى الأم رقيقة ويكون الولد حراً، فقد حظر الشارع الى السيد بيعها والتصرف بها، وأمره أن يكرمها كما يكرم الزوجة الحرة في جميع شئونها وأن يحسن معاشرتها ومعاملتها، وحكم لها بالحرية التي تستكملها بوفاة مالكها.

وقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بالأمة من مالكها زواجاً كزواج الحرة، ويتحقق من هذا مصالح عديدة، منها إعفاف النفس، ودفع الفاحشة، وتخفيف النفقات على الدولة، وإعادة كرامتها لها ورفع مستواها، وإشعارها بأنها امرأة مصونة كالنساء الحرائر. وقد تفضلهن بتقواها.

والله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) إذ المدار على القلوب، فرب رقيقة أفضل من حرة بسبب إيمانها.

قال الله تعالى:(ولأمَة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم)[البقرة: 221].

وقد أرشدتنا الشريعة الإسلامية المطهرة إلى آداب ينبغي مراعاتها في السبابا أجملتها الآية الكريمة:(ومن لم يستطعْ منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) (النساء: 25).

فالشريعة تهدينا إلى عدة أمور من شأنها رفع مستوى الأمة وجعلها بمصاف الحرائر من كل الوجوه، وإليك البيان.

فالله العزيز الحكيم

  1. أطلق على الرقيقات اسم (الفتيات) ليصرف عن أذهاننا كلمة الرقيق أو الأمة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل فتاي وفتاتي.
  2. أوجب استئذان السيد بزواجهن كما يستأذن البنت الحرة بزواجها.
  3. أمر بأداء المهر لهن تطييباً لقلوبهن كما هو الحال في البنات الحرائر.
  4. فرض عليهن التحصن ليرفع مستواهن ويكنّ طيبات طاهرات عفيفات كما هو حال السيدات الحرائر.
  5. حرّم عليهن الزنا واتخاذ الأخدان ليعشن شريفات قانتات عابدات سائحات.

ومن يتصف من الفتيات بهذه الصفات النبيلة ويتزوجهن يترتب عليهن ما يترتب على الأحرار من الأحكام الشرعية، وهي:

  1. حرمة الجمع بين الأختين. (4)
  2. تحريم أصولها وفروعها بالزواج منها كما يحرم عليها أصوله وفروعه
  3. لزوم الرجل بنفقتها وكسوتها وتهيئة مسكن لها.

إن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى الناس كلهم في عين الرأفة والرحمة، لا يفضل أحد منهم على الآخر إلا بالعبادة والتقوى.

وقد أرسل لهم الرسلَ وجعل لكل أمة شرعة ومنهاجاً لتهذيب أخلاقها وإصلاح ما فسد منها، مراعياً في ذلك مصالح الأفراد من ذكر وأنثى.

يقول العلامة العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الإحكام ( ص 38 ج1):

(إذا عظمت المصلحة أوجبها الرب في كل شريعة، وكذلك إذا عظمت المفسدة حرمها في كل شريعة وإن تتفاوتت رتب المصالح والمفاسد فقد يقدم الشرع بعض المصالح في بعض الشرائع على غيرها، ويخالف ذلك في بعض الشرائع، وكذلك المفاسد: ففي شرع عيسى عليه السلام حرم في النكاح الزيادة على امرأة واحدة نظراً للنساء وكيلا يتضررن بكثرة الضرائر والإماء.
وأجازه من غير حصر في شريعة موسى عليه السلام لمن قدر على القيام بالوطء ومؤن النكاح. وأجاز في شرعنا الزيادة على واحدة، وحرم الزيادة على الأربع نظراً لمصلحة النساء ورحمة بهن، ووطء الإماء من غير حصر نظراً لمصلحة الرجال).

أقول: وكذا لمصلحة الدولة علاوة المصلحة العامة لأنه بتوزيع السبايا على الرجال ينزل عن الدولة عبء النفقات وتقوم الرجال إدارة شئونهن، فيكون هذا التشريع الإسلامي الحكيم قد راعى مصلحة الرجال والنساء معاً.

ومن ينظر إلى التشريع الإسلامي النبيل نظر العالم المنصف يرى أن الإسلام وإن كان أباح الاسترقاق مقابلة بالمثل، ولكنه قصد من وراء ذلك اجتثاثه من أصله وترك للزمن القضاء عليه.

وعلى أية حال، فإن مسألة الرق كلها بالقياس إلى الإسلام مسألة ملابسة تاريخية، وليست أصلاً من أصوله. وقد انتهت بالمعاهدات التي عقدت مع الدول بمنع استرقاق الأسرى منذ أمد بعيد وبالقوانين التي صدرت سابقاً ولاحقاً.

فلم يعد الإسلام يبيح اليوم الاسترقاق لأنتهاء الأسباب التاريخية التي اضطرته في ذلك الزمن، إلا إذا الدول عادت إلى سيرتها الأولى وأعادت الشنشنة القديمة باسترقاق أسرى الحرب فتعود الدولة المسلمة إلى استرقاق الأسرى بحكم الاضطرار، لأن الضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلباً لمصالحها.

كما كتب تحت عنوان (المرأة الصالحة رابطة المجتمع)

إن الزواج هو عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي فيها الحقوق والواجبات، وهو علاقة روحية تليق برقي الإنسان وتسمو به عن دركة الحيوان. وهذه الناحية النفسية الروحية هي المودة التي جعلها الله تعالى بين الزوجين، وهي التمازج النفسي.
وأن الأسرة هي الوحدة الأولى لبناء المجتمع، وأن الشريعة الإسلامية قد أمرت بالمساواة بين الزوجين في كل شيء إلا القيام برياسة الأسرة، والقيام على مصالحها {الرجال قوامون على النساء}.

الزواج باعث للتراحم:

إن الزوجية أقوى رابطة تربط اثنين من البشر أحدهما بالآخر، فهي الصلة التي يشعر كل من الزوجين بأنه شريك الآخر في كل شيء مادي ومعنوي وقد قال الله تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} فقد جعل الله التواد والتراحم بعصمة الزواج، وقد كانت المجانسة من دواعي التضامن والتعارف.
وفي المثل (من جالس جانس) لأن النفس ميالة إلى ما يوافقها ويلائمها ويلتقي معها في الغرض العام ولذلك وجب بناء الزواج على أسس كريمة ودعائم قويمة تقوية للصلة الروحية، تلك هي صلة السكن والقرار، وهي صلة المودة والرحمة، وهي صلة الستر والتجمل يمنحها طابع النظافة والبراءة.
فينبغي للرجل أن يقصد بالتزوج حفظ النسل ونظام المنزل وحفظ المال والمطلوب في الزوجة العقل والعفة والحياء ورقة القلب وطيب الكلام وطاعة الزوج وقال عليه الصلاة والسلام (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) لأنها تحفظ حقوق الزوجية وتعين زوجها على القيام بالأمور الدنيوية والدينية.
وقال أيضاً: أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وبدناً على البلاء صابراً وزوجة لا تبغيه حوباً أي إثماً في نفسها وماله.
ان من يختار زوجة بدون أن يلاحظ فيها الجناب المعنوي من حسن الطباع والأخلاق الكريمة، بل يؤاثر عليها الجانب الحسي، بجعل الحياة الزوجية عرضة للزوال لأن الإعجاب الحسي قد ينتهي ولكن النواحي المعنوية فإن الإعجاب بها قد يتجدد الزمان.
ولذلك فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج من ذات الدين فقال: ((لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغين عليهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل).

طهارة الزوجة:

من المقرر عند العلماء بأن حسن الإختيار لدليل على ذوق المختار فالذين يتخيرون أزواجهن من المسارح والملاهي لمنظر خلاب بدا، لا يمكن أن تستمر حياتهم الزوجية سعيدة، وأنها سرعان ما تزول، لأن معظم هؤلاء النساء هن كأوراق الخريف ليس لها فرع تلوذ به أو تأوى إليه.

وقال أكثم بن صيفي يوصي بعض أولاده:

يا بني إياك واختيار اللئيمة بما عندها من المال فإنه يذهب وتبقى في حالة اللؤم الذي لا يغنيه وقال: لا يقصينكم جمال النساء فإن التزوج بالكرائم مدرجة الشرف. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إياكم وخضراء الدمن) وهي المرأة الحسناء في منبت السوء، فإنها تلد مثل أصلها وعليكم بذات الأعراق فإنها تلد مثل أبيها وعمها وأخيها.
فإذا لحظنا ذلك علمنا أنه لا ينبغي الاغترار بالمرأة الحسناء وجمالها الظاهري قبل البحث عن جمالها الباطني الحقيقي، وفي أي منشأ نشأت وأي خلق تعودت.

الزواج بالكتابيات:

لما كان الزواج أعمق وأدق وأقوى رابطة بين اثنين من بني الإنسان، فلابد إذن من توحد القلوب والتقائها في العقيدة.
ولكي تتوحد القلوب يجب أن تتوحد ما تنعقد عليه وما تتجه إليه، والعقيدة الدينية هي أعمق وأشمل ما يعمر النفوس ويؤثر فيها ويكيف مشاعرها ويحدد تأثراتها وإستجاباتها وإن كان الكثيرون يخدعهم أحياناً كمون العقيدة أو ركودها، فيتوهمون أنها شعور عارض يمكن الاستغناء عنه ببعض الفلسفات الفكرية أو بعض المذاهب الاجتماعية وهذا هو وهم وعدم خبرة بالنفس الإنسانية ومقوماتها الحقيقية.
فالله سبحانه وتعالى لم يحرم زواج المسلم من كتابية، لأنهما يلتقيان في أصل العقيدة في الله وإن اختلفت بعض التفصيلات. على أن الزواج بالكتابية وإن كان جائزاً ولكن إذا خشي أن تجذب المرأة الرجل إلى دينها لعلمها وجمالها وضعف أخلاقه كما يحصل كثيراً في هذا الزمن في تزوج بعض ضعفاء العقول من المسلمين ببعض الأوروبيات أو غيرهن من الكتابيات فيفتنون بهن، فلا يجوز له التزوج بهن سداً لباب الذريعة لأن سد الذريعة واجب في الإسلام.

الزواج بالأجنبيات:

وأما الزواج بالأجنبيات فهو أدهى وأمر، لأن خطورتها لا تقف على الزوج أو الأسرة فحسب بل قد يؤدي الأمر إلى تحطيم المجتمع وغضب الوالدين الذين أمر الولد بالإحسان إليهما وبذل الجهد لإرضائهما نظراً لما قد يحدث من المنازعات والمشاحنات وعدم الاستقرار، وقد تتغلب المرأة على أمر زوجها أو ولدها فتقوده إلى دعوتها.
ومرد ذلك كله هو البون الشاسع بين الشرق والغرب من اختلاف وعدم الاتفاق في العقيدة، لأن كلا الزوجين له آداب اجتماعية وتقاليد مشاعر مستقاة من محيطه وبيئته غير ما هي موجودة عند الآخر.
على أن المجتمع الغربي مهما تحفظ فهو مجتمع إباحي، وإن المجتمع العربي مهما تحرر فهو مجتمع يقوم على المروءة والأنفة قبل كل شيء.
ومما يتصل بالتربية هو الأخلاق فالأخلاق نسبية تختلف مفاهيمها من بلد إلى بلد، وإذا كانت الأم أجنبية فلن تشيء لنا أطفالاً يتصفون بالأخلاق العربية الأصيلة، وإنما يتصفون بالأخلاق التي درجت عليها في بلدها، وقد تكون مناقضة لما عندنا كل التناقض ومعنى هذا أن الزوجة الأجنبية سينشأ عنها أطفال غرباء عنا في طبائعهم، وأخلاقهم، مما يؤدي بهم إلى نفور أو كره لما يجدونه حولهم من طبائع وأخلاق مختلفة عما ألفوا وهذا ادعى ما يكون إلى تفتيت هذا المجتمع.

إقتباس الأخلاق:

على أنه إذا سلم الزوج من ضلال زوجته الكتابية أو الأجنبية أو إضلالها فلا يسلم ولده الذي يولد له منها نظراً لما يقتبسه عنها من أخلاق وعادات. مصداقاً للحديث الشريف مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه.
وفي صحيح ابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي).
على أن الوالدة هي المدرسة الوحيدة للطفل فلها التأثير الأكبر على الولد إذ ليس أفعل في النفس من رؤية أم تر أم ولدها وتحنو عليه بالعطف والشفقة، لأن قلب الأم مدرسة الطفل، وإن عظماء الرجال يرثون عناصر عظمتهم من أمهاتهم.
فإذا كانت الأم أوروبية أو كتابية فلن تحدث ولدها بتاريخ وطنه ولا بأمجاد أجداده وبطولاتهم وما حصلوه من العلوم والمعرفة، بل تلقنه حوادث أجدادها ومآثرهم وتدفعه إلى تقديس شارل مارتيل وذم عبدالرحمن الغافقي مثلاً، وتلقي في روعه احترام ريتشارد قلب الأسد والإغضاء عن ذكر صلاح الدين، وتحدثه عن مستعمرات قومها وامتهان العرب ولا تذكر له ما قاله غوستاف لوبون: لم ير التاريخ فاتحاً أرحم من العرب.
ثم تسعى لأن تنفث سمومها فيه لتجعله يشعر كأنه يتربى في محيط غربي. وما دام التوجيه الغريزي عند الأم قد أصبح أجنبياً محضاً، فبنتيجته الحتمية تدفع أولادها إلى كره وطنهم وتفضيل أخوالهم والتزوج من أولادهم ذكوراً وأناثاً.
وقد قرأت مقالاً في مجلة الحضارة الإسلامية في العدد العاشر سنة 1962م بأنه في حادث العدوان الثلاثي قد أسر عدد من الضباط المصريين وسجنوا في إسرائيل، ثم خيروهم بين العودة إلى بلادهم أو البقاء في إسرائيل فاختار أحدهم البقاء عندهم ثم رحل إلى انكلترا واتخذ الجنسية الانكليزية، وقد تستغرب هذا الخبر مع أن أباه عربي أصيل في مصر ولكن هذه الغرابة تزول إذا علمنا أن أمه كانت انكليزية.

المقابسة بين المرأة الغربية والمرأة الشرقية:

إن المرأة الغربية كانت تمتاز عن المرأة الشرقية بسعة ثقافتها، وأما الآن فإن المرأة الشرقية قد بلغت مبلغاً كبيراً في العلم وقطعت شوطاً بعيداً بالثقافة وأصبحت تدرك معنى العلم وتقدره وتسعى لتربية أولادها على أساس علمي صحيح.
هذا ما أغنانا عن الزواج بالأجنبيات. على أن الحياة الاجتماعية في الشرق جعلت العفة في أول قائمة الأخلاق عند النساء.
حتى أن الرجل يود لو أن الأرض ابتلعته إذا سمع خيانة عن زوجته أو ابنته أو احدى قريباته، نعم إن العفة فضيلة في النساء في الغرب ولكنها لم تقوم القيمة التي لها في الشرق، والعلة في ذلك هو أن الغرب قد هجر فكرة ارتباط الأخلاق بالدين ولم ينجح في إحلال شيء محله، وأما الشرق فإنه لا يزال يؤسس الأخلاق على الدين، ولذلك يقدسها.
وتمتاز المرأة الشرقية بأنها تنظر إلى نفسها كأم لأولادها وسيدة لبيتها وتحس إحساساً جديداً بحياة جديدة وشخصية جديدة عندما تصبح أماً، بينما المرأة الغربية تعنى أكثر ما تعني بنفسها كفرد ولا تود أن تكون أماً، وإذا أصبحت أما لم تحب أن تلد كثيراً خوفاً من ضياع وقتها لأولادها وحرمانها من وقتها لنفسها وهي ترهق نفسها بالمحافظة على جمالها، وكثيراً ما تحرم نفسها من عاطفة الأمومة.
ولا ينال الأولاد من أمهم في الغرب ما ينالونه من الأم الشرقية، وسبب ذلك هو أن الفردية والشخصية تغلبان على الغربيين ذكوراً وإناثاً، بينما يغلب في الشرق الرباط العائلي لأن الفرد في الغرب له أكبر الحرية فهو يفعل ما يشاء، فينصرف إلى الجد وينغمس في اللهو ما يشاء سواء كان ذكر أو أنثى وليس لأسرته أن تتدخل في شؤونه وعلى هذا المقتفى فإن الزوج لا يتدخل في شؤون زوجته فلا يحق له أن يمنعها حريتها في حدودها وهي كذلك بالنسبة له، على العكس من ذلك الحال في الشرق فأفراد الأسرة في الشرق أكثر ارتباطاً منهم في الغرب، يشعر الفرد في الشرق بالمسؤولية الكبيرة نحو أبيه وأمه وإخوته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وهو يعتز بعزة الأسرة ويذل بذلتها.

وصية أم لأبنتها:

مما يدل على بلاغة العرب وحص الأمهات على بناتهن ما كتبته عربية من كندة إلى ابنتها حين أرادوا أن يحملوها إلى زوجها قالت لها:
أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك منك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها لكنت أنت أغنى الناس عن ذلك الزوج ولكن النساء خلقن للرجال ولهن خلقت الرجال.
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي فيه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه. فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً فكوني له أمة يكن لك عبداً.
يا بنية احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً، الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، والاحتفاظ ببيته وماله، والارعاء على نفسه وحشمه وعياله، ولا تفشي له سراً ولا تعصي له أمراً فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان ترحاً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له موافقة واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله ولي الأمر والتدبير.
والخلاصة أنه من الواجب على الشخص المؤمن أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء سيما في المرأة التي يختارها زوجة له، وأن يؤثر ذات الدين الإسلامي على غيرها، ثم يجب أن يلحظ صلاح المرأة ومنشأها والبيئة التي عاشت فيها لأن صلة الزوجية أشد وأقوى صلة حيوية اجتماعية. قال عليه الصلاة والسلام (من رزقه امرأة صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي).

ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:

وإن تزوجت فكن حاذقاً واسأل عن الغصن وعن منبته
وابحث عن الصهر وأخواله من عنصر الحيِّ وذي قربته

وفاته

  • توفي الأستاذ عبدالقادر السبسبي بعد رحلة طويلة من الجهاد والدفاع عن دينه، حيث توفاه الله في 1393هـ الموافق 1973م.