قنبلة" القدومي ومستقبل السلطة الفلسطينية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"قنبلة" القدومي ومستقبل السلطة الفلسطينية
فاروق القدومي

جاءت تصريحات "أبو اللطف" فاروق القدومي، أحد القادة التاريخيين المؤسسين لحركة "فتح" و"منظمة التحرير الفلسطينية" بمثابة قنبلة مدوية ما زالت شظاياها تتناثر في المنطقة كلها، وأثارت تساؤلات عديدة أهمها المؤتمر السادس القادم لحركة فتح، ومستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي بدا أن القابضين على أزمتها اليوم جاءوا على أشلاء الجسد المسموم للزعيم التاريخي "أبو عمار" ياسر عرفات والمتهمين بالمشاركة الفعلية في تسميمه لتخلو لهم الساحة؛ كي ينفذوا خطة "شارون" لإنهاء القضية الفلسطينية توهمًا أنه ليس في الإمكان الحصول على شيء إلا ما يجود به الصهاينة، وأن المقاومة عبث ولا جدوى منها.

الشكوك حول مصداقية "الوثيقة"، وكيفية وصولها إلى السيد القدومي؛ ستظل محل نقاش طويل، لكن حجة "أبو اللطف" الأساسية ستظل قائمةً، وهي أن الوقائع على الأرض هي أقوى دليل على صحة الخطة التي حملتها الوثيقة، والتي تمثلت في الأمور التالية:

1- قتل عرفات واختفاؤه عن الساحة، وليس مجرد حصاره أو طرده إلى الخارج.

2- تصفية قادة فصائل المقاومة من كافة الاتجاهات.

3- إنهاء الوجود القوي لـ"حماس" في قطاع غزة.

وبغض النظر عن صحة الوثيقة أو زيفها؛ فإن الوقائع على الأرض قد أثبتت تنفيذ الخطة إلى حد كبير، رغم أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي، وهو إخضاع الشعب الفلسطيني، وإنهاء المقاومة.

فقد تمَّ إزاحة "عرفات" من المشهد الفلسطيني، ويتفق الجميع على أنه قد تمَّ قتله بالسم، ويجمع الكل على أن الكيان الصهيوني هو المتهم الرئيسي، وأن شارون هو الذي أصدر الأوامر بقتله، ويبقى أن يبحث المسئولون الفلسطينيون عن اليد التي دست السم لعرفات، وهي بلا شك من الحلقة الضيقة المحيطة به، وهنا يبرز السؤال الأكبر: لماذا لم تتم تحقيقات شاملة واستجوابات مفصلة حول الحادث الأليم؟ ولماذا لم يتم كشف طبيعة السم مبكرًا؛ حتى يمكن الضغط على العدو الصهيوني للحصول على الترياق اللازم، كما فعل الملك "حسين" عندما حدثت محاولة اغتيال "خالد مشعل

ولماذا سكت الجميع عن هذا الصمت المطبق حول حادثة في هذا الحجم المهول؟

بلا شك يُثير هذا الموقف الشكوك حول تواطؤ كافة الأطراف المعنية، بدءًا من القيادات الفلسطينية المتهمة بالمشاركة في الاغتيال أو السكوت عنه، انتهاءً بالقيادات العربية التي عملت بالمثل السائر "علمني رأس الذئب الطائر"، فسكتت، وصمتت صمت القبور، ولعلها انشغلت بالتفتيش في الحلقات المحيطة بها لتكتشف: هل هناك متآمرون على حياتها مثل عرفات أم لا؟ مرورًا بفرنسا التي تعلم الحقيقة، ولم تعلن عنها.

وإذا انتقلنا إلى الهدف الثاني فقد تمَّ تنفيذه أو تحقيق معظمه؛ فقد تمَّ اغتيال معظم القيادات التي أشار إليها محضر الاجتماع، وتمَّ ذلك بمعونة واضحة على الأرض، وفي مقدمتهم الشهيد "الرنتيسي" و"أبو شنب"، وفشلت محاولات مماثلة لاغتيال "الزهّار" و"الشامي"، وتمَّ اعتقال قيادة الجبهة الشعبية وكتائب الأقصى، أو اغتيالهم.

وإذا كان اغتيال الشهداء في غزة لم يؤثر إلا قليلاً على مواقف حركتي المقاومة الأساسية "حماس" و"الجهاد"؛ فإن إزاحة الشهيد "عرفات" من سُدّة السلطة الفلسطينية، ومن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن رئاسة "فتح" قد أثمر سياسة جديدة، أو قل إستراتيجية جديدة، تتماهى تمامًا مع الإستراتيجية الصهيونية، وبرعاية أمريكية على الأرض يشرف عليها الجنرال "دايتون" الذي يوجه الجهاز الأمني الفلسطيني مباشرة، بغرض تصفية المقاومة في "الضفة الغربية"، ومنع أي مصالحة فلسطينية حقيقية على قاعدة المزج بين المفاوضات وبين المقاومة؛ كورقة أخيرة في يد الفلسطينيين.

كان المحور الأهم هو اغتيال الرئيس "عرفات"؛ لأن المتواطئين باتوا يملكون الشرعية الفلسطينية، ويقومون بإصدار الأوامر، وتنفيذ السياسات، ويسيطرون على كافة المؤسسات الفلسطينية؛ سواء أكانت المتصلة بالسلطة الفلسطينية التي لم يعد للفصائل الفلسطينية جميعًا أي دور فيها، بل تمَّ تسليم الحكومة لشخصية مستقلة، ليس لها أي ماضٍ نضالي أو سياسي؛ مثل "سلام فياض"، ومعه مجموعة من الشخصيات التي لا لون لها ولا طعم، ولا تمثل الشعب الفلسطيني ولا تكتسب أي شرعية تمثيلية، وكذلك تلك المتصلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" كبرى الحركات الفلسطينية، والخطوة الأخيرة للسيطرة على فتح هي المتعلقة بالمؤتمر القادم الذي تأخَّر عشرين سنةً، والذي أصرَّ "أبو مازن" على عقده بالداخل الفلسطيني تحت الرعاية والسيطرة الصهيونية التامة التي تسمح بمن تشاء للحضور وتمنع من تشاء، والهدف هو إزاحة كافة القيادات التاريخية، وإحكام السيطرة على مفاصل فتح تمامًا، وعزل فتح الداخل عن فتح الخارج، وبالتالي تكريس الانقسامات ليس فقط بين "غزة" و"الضفة"، بل داخل فتح ومنظمة التحرير المنظمة الكبرى والوعاء الجامع للشعب الفلسطيني، وبذلك يتم شطب أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني.

تولى "دحلان" مهمة إسقاط حماس من قلوب الناس في غزة، ومن مقاعد السلطة في الحكومة التي أعقبت الانتخابات النزيهة في يناير 2006م، وكان الانقلاب الشهير الذي واجهته حكومة "حماس" بحزم شديد، وفرّ "دحلان" وعصابته إلى مصر التي لا يزال مقيمًا بها، ويتحرك بحرية شديدة فيها، ومنها وإليها، ويتولى تكريس الانقسام الذي صاحب محاولة الانقلاب الفاشلة، ولا يزال إلى يومنا هذا، ويساعده في ذلك "محمود عباس" الذي يرفض الجلوس إلى قادة "حماس"، بينما يجلس يوميًّا إلى الصهاينة وغيرهم، ويصرّ على رفض كافة المقترحات المصرية التي تريد إنهاء الانقسام، وحتى يرفض مقترحات وفد "فتح" للمصالحة، ويعمل ضد أي تقارب بين قيادات فتح وقيادات حماس، وكان آخر مواقفه هو رفض المقترح المصري حول القوات المشتركة على معبر "رفح" في مسعى مصري لفتح المعابر التي طالبت قمة الثماني الكبرى بفتحها جميعًا، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة الذي يتسبب في قتل بطيء لمليون ونصف المليون إنسان.

ولا تتحرك جفن لمحمود عباس الذي يقف وحيدًا مع الصهاينة المتطرفين ضد رفع الحصار، وهو الذي لم يعد يتمتع بأية شرعية رسمية ولا نضالية، بعد هذه القنبلة المدوية لفاروق القدومي الذي يتهمه صراحة بالمشاركة- على الأقل- بالصمت والعلم المسبق في تصفيته أهم قيادة فلسطينية، عرفها الشعب الفلسطيني، خلال النصف قرن المنصرم.

ردُّ فعل "عباس" فاتر وبارد، واكتفى بالقول إنها خُزَعْبلات وأوْهام، وأن وراءها محاولة لمنع انعقاد المؤتمر السادس لحركة "فتح".

بينما جاء رد الفعل المتوتر والسريع من مكتب "ياسر عبد ربه" الذي لا ينتمي لحركة "فتح" أصلاً؛ ليثير شكوكًا كثيرة بسبب قربه الشديد من "عرفات" خلال سنوات الحصار في المقاطعة، وفق القول المأثور "يكاد المريب يقول خذوني"، وجاء حديث أحد قيادات المنظمة "عباس زكي" لا ينفي، ولا يثبت بل يزيد الشكوك والارتياب حول مصداقية ما قاله "أبو اللطف".

لا يتوقع كثيرون انقسامات في "فتح"؛ لأن "عباس" و"دحلان" وزمرتهما أحكموا السيطرة على مفاصلها، ويملكون المال اللازم لإحكام السيطرة.

ولا يتوقع كثيرون هَبّة وصَحْوة في منظمة التحرير الفلسطينية التي استولت السلطة المحمية بقوات الاحتلال على كافة اختصاصاتها، وباتت في حالة موت أكلينيكي سريري في ظل القيادات المسنة والمنهكة بدنيًّا وصحيًّا ونفسيًّا.

الذي ننتظره جميعًا هو حساب الشعب الفلسطيني، وصحوة النخبة الفلسطينية الصامتة على ما يقوم به فريق عباس- دحلان من تصفية القضية الفلسطينية، وتحويل السلطة إلى جهاز أمني يحمي الاحتلال في الضفة الغربية، وشوكة في جنب قطاع غزة، ويكرِّس انقسام الشعب الفلسطيني ليس بين الضفة وغزة، بل بين كافة قطاعات الشعب الفلسطيني في أرض 1948م، والشتات وكل مكان.


المصدر : نافذة مصر