مقومات البناء التنظيمي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / د. محيي حامد


لا يمكن لأي بناء أن يستقيم عوده، ويزداد قوة وصلابة إلا بقوة تماسكه وترابط أجزائه وتلاحم ذراته، ولقد فقه الإمام البنا- رحمه الله- حقيقة الدعوات والجماعات، فأدرك أهمية البناء التنظيمي وما يحققه من وحدة الأعضاء وقوة الروابط الأخوية المتمثلة في التعارف والتفاهم والتكافل، وما يحققه أيضًا من قوة التماسك والالتفاف حول القيادة والمنهج؛ ولذا فقد حدَّد الإمام البنا- رحمه الله- أركانًا ثلاثة تدور عليها فكرة الإخوان:

أولها: المنهاج الصحيح: وقد وجده الإخوان في كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام، حين يفهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات، فعكفوا على دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واسعة مستوعبة.

ثانيها: العاملون المؤمنون: ولهذا أخذ الإخوان أنفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقًا لا هوادةَ فيه ولا لين، وهم بحمد الله مؤمنون بفكرتهم مطمئنون لغايتهم، واثقون بتأييد الله إياهم ما داموا له يعملون، وعلى هدي رسوله يسيرون.

وثالثها: القيادة الحازمة الموثوق بها: وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك، فَهُمْ لها مطيعون وتحت لوائها يعملون" (1).

ولقد حرص الإمام البنا على وضع أسس هذا البناء التنظيمي بصورة متفردة عن غيرها، فنجده- رحمه الله- في رسالة التعاليم، يوجه حديثه إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين فيقول: "أيها الإخوان الصادقون أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة.

وهذه الأركان العشرة منها ما يتعلق بمقومات البناء التنظيمي التي تقوم عليها الجماعة، والتي منها الأخوة والثقة والطاعة.


(أ) الأخوة

وهي تشكل الرابطة التي تجمع هذه اللبنات الصالحة في بناء واحد متماسك، وكما يطلق عليها هي المونة التي تتخلل هذه اللبنات، فتجمعها في ترابط وتراصٍ قوي، ويقول عنها الإمام البنا- رحمه الله-:

"وأريد بالأخوة؛ أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب, وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر)، والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، "وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، "والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا"، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية 71)، وهكذا يجب أن نكون (2)".

وفي موضع آخر يُعبِّر عنها الإمام البنا بقوله:

أيها الإخوان.. لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة، فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين، عظيم الأمل في المستقبل، ما دمتم كذلك إخوة في الله متحابين متعاونين، فاحرصوا على هذه الوحدة؛ فإنها سلاحكم وعدتكم.

ونخلص من ذلك بمثل هذه المعاني:

- أهمية ارتباط القلوب والأرواح برباط العقيدة.

- أن الأخوة هي أخت الإيمان، والتفرق هو أخو الكفر.

- أن أول القوة هي قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب.

- أن أقل مراتب الحب هي سلامة الصدر، وأعلاها الإيثار.

- أن الأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.


(ب) الثقة

وهي ركن من أركان البيعة، والتي حرص الإمام البنا على تربية الأفراد عليها، وعنها يقول- رحمه الله- (3):

"وأريد بالثقة؛ اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه؛ اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾ (النساء).

والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ (محمد: من الآيتين20 و21).

وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.

ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:

1- هل تعرّف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟

2- هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟

3- هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًا لا مجالَ فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير، مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟

4- هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة والصواب، إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟

5- هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.

بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال) (4).

ومن هذا التعريف الدقيق والواضح نخلص إلى عدة معانٍ أساسية منها:

- أن الثقة في القيادة ينتج عنها الحب والتقدير والاحترام والطاعة.

- أنه على قدر الثقة المتبادلة بين القيادة والأفراد، تكون قوة نظام الجماعة ونجاحها.

- أن مكانة القيادة في دعوة الإخوان روحية واجتماعية وعلمية وتنظيمية.

- أن أساس نجاح الدعوات هو الثقة بالقيادة.

ولذا فإن الثقة تعتبر سياجًا واقيًا للجماعة، فإذا ضعفت ضعفت الجماعة، ولقد حرص الإخوان على مر السنوات الطوال والمحن والابتلاءات ألا تهتز الثقة بينهم فكانت لهم حافظًا.


(ج) الطاعة

والطاعة ثمرة ونتاج طبيعي للحب والأخوة، وتحقق الثقة بين القيادة والأفراد، وبين الأفراد بعضهم البعض، ولقد عرَّفها الإمام البنا بقوله:

"وأريد بالطاعة؛ امتثال الأمر، وإنفاذه توًّا في العسر واليسر والمنشط والمكره؛ وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:

1- التعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس.. والدعوة في هذه المرحلة عامة، ويتصل بالجماعة فيها كل مَن أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها، ووعد بالمحافظة على مبادئها، وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.

2- التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد، وضم بعضها إلى بعض.. والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعدادًا تامًّا حقيقيًّا؛ لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.

3- التنفيذ: وهي مرحلة جهاد لا هوادةَ فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك.. فقدّر التبعة التي التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها" (5).

ومن خلال هذا التعريف نخلص إلى عدة معانٍ منها:

- أن الطاعة هي نتاج للأخوة والثقة.

- تكون الطاعة بامتثال، وإنفاذ الأمر في جميع الأحوال التي تمر بها الدعوة أو الفرد.

- الطاعة المبصرة لازمة؛ لأنها مبنية على النزول لرأي الشورى، والشورى في اختياراتنا الفقهية ملزمة.

- الطاعة تبدأ باحترام النظم والمبادئ العامة للجماعة، وتنتهي بكمال الطاعة (أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج).

ومن هنا كانت الطاعة تمثل سياجًا واقيًا للجماعة مانعًا للتفتت والتفرق، وكم من الأمور لو تُركت لهوى النفس وتقدير الأفراد ما تم إنجازها، ولكنها في إطار الحب والثقة والطاعة المبصرة يتم إنفاذها ويكون لها عظيم الأثر.

إن المواقف العملية والتربوية المعبرة والموضحة لأركان الأخوة والثقة والطاعة كثيرة، ولكن خلاصة الأمر أن هذه الأركان الثلاثة تمثل الروابط التنظيمية ومقومات البناء التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، وبفضل من الله عزَّ وجلَّ كانت على مدار التاريخ سياجًا واقيًا للجماعة من كل فتنة أو تفرق أو تشرذم.

ولذا يجب علينا الالتزام بمثل هذه الواجبات؛ حتى نحافظ على قوة البناء التنظيمي للجماعة:

- التجرد لله في كل الأقوال والأفعال والأعمال، وترك أهواء القلوب وحظوظ النفوس وراء الظهور.

- الحرص على تحقيق معاني الحب والأخوة بين الأفراد بكل الصور والوسائل المحققة لها.

- التغافر والتسامح بين الأفراد دون نظر للحقوق، بل لأداء الواجبات.

- التحلي بكل معاني الثقة بين الأفراد والقيادة، وبين القيادة والأفراد؛ حتى تتحقق اللحمة القوية في هذا البناء الضخم.

- المبادرة الفعَّالة لمعالجة ما قد يطرأ من معوقات ومشكلات في جوٍّ من الحب والود والصفاء الالتزام بنظم الجماعة ولوائحها والطاعة المبصرة لقيادتها الراشدة.

نسأل الله العظيم أن يُفرِّج كرب أمتنا الإسلامية، وأن يحفظ دعوتنا من كل سوء، وأن يلهمنا الرشد والسداد، وأن يوفقنا الله لما يحبه ويرضاه.. اللهم آمين.

المصدر : نافذة مصر