مهدي إيراهيم: اتفاق (نيفاشا) تغلب على قضايا السلام المستعصية
اذهب إلى التنقل
اذهب إلى البحث
مهدي إيراهيم: اتفاق (نيفاشا) تغلب على قضايا السلام المستعصية
[08-10-2003]
مقدمة
"مهدي إبراهيم"- نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان:
وجود "طه" و"جارانج" معًا ساعد على حل كثير من الأمور المعقدة.
الجولة القادمة ستبدأ في 10 من أكتوبر لوضع الأطر للاتفاق النهائي.
لقاء "البشير" و"جارانج" في واشنطن وارد... لكن الاحتمال الأقوى كينيا.
النظام الفيدرالي الحل الأمثل لمشاكل السودان.
جاء توقيع اتفاق (نيفاشا) بين الحكومة السودانية والمتمردين ليضيف أبعادًا جديدة لاتفاق (ماشاكوس)، ويضعه في محك "التنفيذ الفعلي" بعد أكثر من عام من توقيعه.
في هذا الإطار التقينا السيد "مهدي إبراهيم"- نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني السوداني الحاكم- أثناء وجوده بالقاهرة لمحاورته حول أبعاد الاتفاق الأخير وانعكاساته على الاستقرار في السودان.
نص الحوار
- بدايةً: ما هي الظروف التي أحاطت بتوقيع اتفاق (نيفاشا) الأخير؟
- الاتفاق ما كان له أن يتم لولا أمرين:
- الأول: توقيع (ماشاكوس) في يوليو 2002م قاعدة الاتفاق في الإطار الكلي لتأسيس العلاقة بين الحكومة والحركة الشعبية.
- الثاني: أنه رغم جهود الوفدين المتفاوضين (وفد حكومي- وفد الحركة) فإن مشاركة "طه" و"جارانج" والجهود التي بذلاها أعطت دفعة كبيرة لتوقيع الاتفاق.
- فالنائب الأول "علي عثمان طه" باعتباره رمزًا للسلطة العليا في الدولة بعد الرئيس مباشرةً، ويحمل الصلاحيات التي تمكنه من أن يمضي للتغلب على الصعوبات التي اعترضت توقيع الاتفاق، و"جارانج" بوصفه وجه الحركة الشعبية السياسي والعسكري، ويملك صلاحيات توقيع الاتفاق، إضافةً إلى أنهما لأول مرة في تاريخ المفاوضات يلتقيان في حوار مباشر، وبعيدًا عن الأطراف الأخرى من شركاء الإيجاد أو دول الإيجاد... هذا كله كان سببًا في أن يتحقق الانتصار الذي تم بتوقيع اتفاق (نيفاشا).
المفاوضات
- لماذا طالت فترة المفاوضات بين "طه" و"جارانج" إلى ثلاثة أسابيع رغم أن المتوقع أن تستمر لأيام؛ لأنهما كانا سيوقعان على ما تم الاتفاق عليه بين وفد الحكومة والحركة الشعبية؟
- طبيعة الملفات التي سيطرت على مفاوضات ("طه"- "جارانج") صعبة بطبيعتها، فالمفاوضات ناقشت الإجراءات العسكرية الأمنية؛ وهي أشق الملفات وأكثرها تعقيدًا، وتشكل النقطة الفارقة في علاقة الطرفين والسودان كله من حيث (انتشار القوات- حجمها- عددها- الصلة بين قوات الحكومة والحركة- مهمات القوات)، وكلها أمور معقدة، والانتصار على الصعوبات المتصلة بهذه الورقة (العسكرية الأمنية) انتصار كبير ونقطة انطلاق نحو التسوية الشاملة والنهائية بين الحكومة والحركة.
- فالحركة بدأت في المفاوضات من أنها تريد أن يخرج الجيش الوطني القومي من جنوب السودان؛ أي شمال الخط 13، والحكومة بدأت المفاوضات من نقطة أن يتم حل القوات التابعة لحركة التمرد تمامًا، وأن يكون الجيش السوداني وحده القوة التي تقوم على تأمين السودان، والاتفاق وصل إلى حل وسط بين هاتين النقطتين المتباعدتين.
- إذن ما هي أهم بنود أو ملامح اتفاق (نيفاشا)؟
- اتفاق (نيفاشا)- واسمه "ورقة الأمن والأوضاع العسكرية"- يقوم على أن تكون هناك:
- - قوات للحركة في جنوب السودان (ذات قيادة مستقلة).
- - وقوات مشتركة بين القوتين تنتشر في أماكن محددة تكون نواة للجيش الموحد إذا قدر الله بانتهاء التسويات بوحدة السودان، وستكون الفترة الانتقالية كلها عملاً دءوبًا للوحدة.
- والقوات المشتركة هي قوة رمزية تؤسس لبرنامج الثقة المطلوبة بين الطرفين بعد حرب امتدت لمدة 55 عامًا، عدا عشر سنوات في عهد "النميري".. هذه الحرب- بتطاول سنينها والدمار والخراب وتدخل الأطراف المختلفة- خلقت شكوكًا بين الطرفين، ومن الأهمية أن تُبنى جسور الثقة بين القوات، وجعلها لَبِنَات أولى للجيش الجديد.
- ما هو الشكل المقترح لانتشار القوات طبقًا للاتفاق؟
- القوات التي ستكون في جنوب السودان24 ألفًا، مناصفةً بين القوات المسلحة السودانية وحركة التمرد، وهي أكبر حجم للقوات المشتركة في باقي الأماكن.
- وستكون هناك قوات مشتركة في جبال النوبة، وفي شرق السودان، وفي الخرطوم على النحو التالي: 6 آلاف جندي مناصفةً بين الجيش والحركة في جبال النوبة، وما زاد عن هذا العدد من قوات الحركة يترك جبال النوبة ويعود للجنوب، وما زاد عنها من الجيش الوطني يبقى خارج القوات المشتركة، ولكن يظل في جبال النوبة، و6 ألاف جندي مناصفةً في جبال الإنجاسا، أقصى النيل الأزرق بجوار إثيوبيا، ويصدق عليها ما صدق على جبال النوبة.
- وفي الخرطوم: أعداد رمزية (مشتركة)، وما فوق العدد يكون للجيش الوطني؛ لأن قوات الحركة لم يكن لها أساسًا قوات في الخرطوم، أما شرق السودان فقوات الحركة الشعبية الموجودة هناك ستعود للجنوب وفق ترتيب زمني.
- ولكن وجود قوات للحركة في الشمال سوف يثير معارضة البعض؟
- موافقتنا على هذا التواجد لقوات من الحركة في إطار القوات المشتركة هو حرص منا على بناء الثقة ومد جسور للمستقبل.
- والترتيبات الأمنية كلها بالأساس تقوم على هذا الفهم؛ وهو ما أدَّى إلى التغلب على أصعب ملفات الاتفاق؛ وهي الترتيبات الأمنية والعسكرية.
- وما هو المتوقع بالنسبة لباقي الملفات؟
- كما ذكرت، فإن الملف الأمني والعسكري كان أصعب الملفات، وتم التغلب عليها في (نيفاشا)، وتبقى ثلاث ملفات؛ وهي (توزيع السلطة بين الشمال والجنوب- والقسمة العادلة للثروة- والمناطق الثلاثة المتنازع عليها، أو ما يطلق عليها "خطأ المناطق المهمشة")..
- هذه الملفات الثلاث ستكون محط التداول في الجولة القادمة في العاشر من أكتوبر، مع العلم أن ملفي (الثروة والسلطة) تم بشأنهما تحاور كثيف وموسع من قبل؛ وهو ما سيسهل مهمة المتفاوضين خلال الجولة القادمة، ولكن الحكومة ترى- ابتداءً- أن المناطق التي تعرضت للحرب الأهلية ستكون الأَوْلى بالاهتمام.
تقسيم السلطة
- ولكن: كيف سيتم تقسيم السلطة، خاصةً في ظل وجود تنوع عرقي وثقافي وديني ولغوي؟
- أصبح هناك تراث إنساني (تجارب الولايات المتحدة وغيرها) في نظام الحكم الفيدرالي، ويمكننا الاستفادة من ذلك في موضوع قسمة الثروة والسلطة.
- هل تقسيم الثروة يشمل البترول فقط أم ثروات أخرى؟
- خلال تاريخ السودان الطويل كل الثروات القومية (الوطنية) تعتبر ملكًا للحكومة أو الدولة السودانية، وليس للمنطقة التي توجد فيها، وثروات السودان كثيرة وآخرها البترول، وهو يضاف للثروات الوطنية القومية، والبترول موجود في كل السودان.
- نعم، بدأ التنيقب في الجنوب، ولكن الآن هناك شركات تنقيب في شمال السودان، وربما يكون البترول في شمال السودان أكثر من جنوبه.
- كذا السودان بلد زراعي؛ وهو محط الرجاء القادم للحصول على الغذاء والماء غير الملوث، والسودان يملك ما يكفي جيرانه وأشقاءه العرب.
- والثروة الحيوانية (120 مليون رأس)، ونأمل أن يتم توظيف البترول في تنمية باقي الثروات والبنية الأساسية.
- هل سيشترك كل من "طه" و"جارانج"- أيضًا- في الجولة القادمة يوم 10 من أكتوبر؟
- الجولة القادمة تنقسم إلى مرحلتين:
- الأولى: تقوم على مشاركة خبراء في الأمور الفنية من الجانبين، إضافةً لخبراء من دول أخرى متفق عليها للاتفاق على الأمور الفنية.
- أما الثانية: فهي تتعلق بالجانب السياسي؛ حيث يأتي النائب الأول "علي عثمان طه" والدكتور "جون جارانج"؛ لإكمال الجولة، والوصول بمفاوضات الفنيين إلى المرحلة النهائية بالتوقيع النهائي على الاتفاق.
- ولكن البعض يرى أن السودان- بهذا الاتفاق- يمضي نحو التقسيم؟
- على العكس، أنا أرى أننا نمضي نحو سودان موحد من ناحية مجهوداتنا، وتقسيم الثروة والسلطة على أساس فيدرالي يحافظ على الوحدة والتنوع في الوقت ذاته.
- فنحن نسعى خلال السنوات الست القادمة إلى تقريب المسافات من خلال (الثقة- رفع الغبن والظلم- عودة المواطنين إلى مناطقهم بعد سنين من النزوح- عودة التنمية).
- أثار البعض القول بأن "البشير" و"جارانج" سوف يوقعان الاتفاق النهائي في البيت الأبيض بعد الجولة القادمة؟
- سيكون هناك لقاء وتوقيع على الاتفاق في وجود الدول التي قامت برعاية المفاوضات، خاصة كينيا، ودول الإيجاد وشركاء الإيجاد، وأتوقع أن يكون التوقيع في كينيا، أما مسألة اتوقيع النهائي في واشنطن فهو حديث لم يصل إلى شكله النهائي حتى الآن.
- وإذا تم التوقيع في واشنطن فهو جزء من التقدير للدول الغربية التي ساهمت وشاركت في تشجيع وضع السلاح والاتفاق على تسوية نهائية ورغبة في إسهامها في متابعة الاتفاق وتأمين مستلزمات (التمويل).
- أخيرًا: هل تثقوا في أن "جارانج" سيلتزم بالاتفاق؟
- نحن نطبق الآية القرآنية: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال:61)، فنحن لا نبحث في النوايا، فالله تعالى أمرنا- إن جنحوا للسلم- أن نجنح، ولا ننظر إلى النوايا، ولكن نتوكل على الله؛ لأن السلم في السودان مطلب عام لدى الشمال والجنوب على السواء بعد 20 سنة متواصلة من الحرب التي أعاقت التنمية في السودان، وشردت الملايين، ومات فيها أكثر من مليون ونصف المليون سوداني.
المصدر
- حوار: مهدي إيراهيم: اتفاق (نيفاشا) تغلب على قضايا السلام المستعصية موقع اخوان اون لاين