هموم الأمة وعلاقات الشعوب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

هموم الأمة ... وعلاقات الشعوب بين وضوح الموقف في ضباب مقاييس دولية مضطربة


مقدمة

احتلت العلاقات بين الشعوب والصلات بين الامم في نظم الإسلام المكانة اللائقة باعتباره الدين الخاتم والرسالة السماوية التي ارتضاها للعالمين كافة .. وقد أدركت جماعة الإخوان المسلمين من خلال ما قامت عليه من قهم شامل للإسلام أخمية هذه الحقيقة الخالدة وهذا الركن الحيوي من أركان الفهم الصحبح للإسلام فنصت عليه مبكرا في متابات موسسها الأول الإمام الشهيد حسن البنا ـ خيث قال رضي الله عنه: " إن نظم الإسلام فيما يتعلق بالفرد أو الأسرة أو الأمة حكومتها وشعبها ، أو صلة الأمم بعضها ببعض ، نظم الإسلام في ذلك كله قد جمعت بين الاستيعاب والدقة وإيثار المصلحة وإيضاحها ، وإنها أكمل وأنفع ما عرف الناس من النظم قديما أو حديثا . هذا حكم يؤيده لتاريخ ويثبته البحث الدقيق في كل مظاهر حياة الأمة .


ولقد كان هذا الحكم يشهد به كل منصف ، وكلما تغلغل الباحثون في بحوثهم كشفوا من نواحي الجمال في هذه النظم الخالدة ما لم يكن قد خطر ببال سلفهم ، وصدق الله القائل :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) .


ومن هنا حرص الإمام الشهيد على التأكيد في البناء الفكري للجماعة على المعالم الرئيسية المحددة لفهم أبنائها في هذا الخصوص .

فالإخوان المسلمون يعتبرون الناس في حكم دعوتهم ( إخوة : أصلهم واحد ، وأبوهم واحد ، ونسبهم واحد ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى و بما يقدم أحدهم المجموع من خير سابغ وفضل شامل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .


فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ، ولكن ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان .


كما إنهم يعدون ما عدا ذاك من مقاييس تفاضل تقوم على عنصرية بغيضة أو تمايز مصطنع بين يني البشر " مزاعم باطلة " و " نزوات من غرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر علي أساسها نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات ، وما دام في الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الأخوة فيرفعونه خفاقاً ، ويستظلون بظله الوارف الأمين ، ولن يجدوا طريقاً معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذي يقول كتابه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13) . ويقول نبيه r : (ليس منا من دعا إلى عصيبة ، وليس منا من مات علي عصيبة) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم . ولهذا كانت دعوة الإخوان المسلمين ربانية إنسانية " .


ولعله من يمن الله على هذه الدعوة المباركة ، ومن بصيرة إمامنا الشهيد، أن وفقه الله سبحانه وتعالى للحديث عما أسماه رضي الله عنه " العالمية " منذ أكثر من خمسين عاما .. وهي القضية التي اضحت تشغل عالم اليوم تحت مسيات شتى من " العولمة - قرية كونية واحدة ... " حيث فال رحمه الله " أما العالمية : أو الإنسانية فهي هدفنا الأسمى وغايتنا العظمي وختام الحلقات في سلسلة الإصلاح . والدنيا صائرة إلى ذلك لا محالة فهذا التجمع في الأمم ، والتكتل في الأجناس والشعوب ، وتداخل الضعفاء بعضهم في بعض ليكتسبوا بهذا التداخل قوة ، وانضمام المتفرقين ليجدوا في هذا الانضمام أنس الوحدة ، كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية التي آمن بها الناس من قبل ، وكان لا بد أن يؤمنوا هذا الإيمان لتتجمع الخلايا الأصلية ، ثم كان لا بد أن يتخلوا عنها لتتألف المجموعات الكبيرة ، ولتحقق بهذا التآلف الوحدة الأخيرة. وهي خطوات إن أبطأ بها الزمن فلا بد أن تكون ، وحسبنا أن نتخذ منها هدفاً ، وأن نضعها نصب أعيننا مثلاً ، وأن نقيم هذا البناء الإنساني لبنته وليس علينا أن يتم البناء ، فلكل أجل كتاب ".


ولم تقف الجماعة عند حد تقرير هذه المبادئ العامة الجامعة فقط بل فصلت في مواضع كثيرة وعبر سنين طويلة موقفها الواضح والصريح من كثير من القضايا التي تتصل بهذه المبادي الجامعة وتلك الأسس الكلية .


موقف الإسلام من الأقليات والأجانب

يقول الإمام البنا : " يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في الأمة المسلمة ، وينافي الوحدة بين عناصر الأمة ، وهي دعامة قوية من دعائم النهوض في هذا العصر ، ولكن الحق غير ذلك تماماً ، فإن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل ، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذي لا يحتمل لبساً ولا غموضاً في حماية الأقليات ، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) ... فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم " .


ولم يقف فهم الجماعة كما حدده الإمام البنا عند هذا الحد ، بل امتد ليشمل تقديس الوحدة الإنسانية .

وفي هذا يقول الإمام البنا رحمه الله : " إن الإسلام الذي قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13) .


ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعا في قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:136-138) .


ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10) .


هذا الإسلام الذي بني على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة ، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط .

وقد حدد الإسلام تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم فقال تعالى بعد الآية السابقة :(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9) .


موقف الجماعة من الأجانب عموما

فقد بينه الإمام البنا بقوله :

" وموقفنا من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا ، فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ، هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران:118-119) .

وبذلك يكون الإسلام قد عالج هذه النواحي جميعا أدق العلاج وأنجحه وأصفاه .


موقف الإسلام من العلاقة مع الغرب

كان فهم الجماعة الذي حدده الإمام الشهيد :

"قد يظن الناس كذلك أن نظم الإسلام في حياتنا الجديدة تباعد بيننا وبين الدول الغربية ، وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر ، وهو أيضاً ظن عريق في الوهم ، فإن هذه الدول إن كانت تسيء بنا الظنون فهي لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أم غيره ، وإن كانت صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساستها بأن كل دولة حرة في النظام الذي تسلكه في داخل أرضها ، مادام لا يمس حقوق الآخرين فعلى ساسة هذه الدول جميعاً : أن يفهموا أن شرف الإسلام الدولي هو أقدس شرف عرفه التاريخ ، وأن القواعد التي وضعها الإسلام الدولي لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها.


فالإسلام الذي يقول في المحافظة على التعهدات وأداء الالتزامات: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الاسراء:34) ، ويقول: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4) ، ويقول: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) (التوبة:7) ، ويقول في إكرام اللاجئين وحسن جوار المستجير: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6) ، وهذا بالمشركين فكيف بالكتابيين؟


فالإسلام الذي يضع هذه القواعد ويسلك بأتباعه هذه الأساليب: يجب أن يعتبره الغربيون ضمانة أخرى ، تضمن لهم . نقول إنه من خير أوربا نفسها أن تسودها هذه النظريات السديدة في معاملات دولها بعضها لبعض، فذلك خير لهم وأبقى ".


مفهوم الجماعة للمواطنة

أما مفهوم الجماعة للمواطنة فقد حددته بالدقة التي لا تسمح بالمزايدة عليه ، حيث قالت :"يري الاخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة ) ، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث ..." طبقا لعقيدة كل مواطن .


وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب وئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء .


ويمثل النصاري مع المسلمين في مصر نسحا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا واحدا تداخلت خيوطه وتآلفت الوانه وتماسكت عناصره" .


"الإخوان وقضايا معاصرة"

وقد أعاد الإخوان التأكيد على موقفهم الثابت من إخوانهم المواطنين المسيحين في العالم العربي :

" وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف ... لهم مالنا وعليهم ماعلينا ، وهم شركاء في الوطن ، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل ، لهم كل حقوق المواطن ، المادي منها والمعنوي ، المدني منها والسياسي ، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها ، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل ...


وإذا كان البعض يرفع راية حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مدعيا أنه المدافع عنها وحامل لوائها الأول .. فإن جماعةالإخوان المسلمين قبل هؤلاء جميعا فد ارتقت بهذا الحق ورفعته إلى مصاف الفريضة الدينية معلنه " أن الإسلام كان ولا يزال النموذج الفكري والسياسي الوحيد الذي كرم الانسان والانسانية مرتفعا بهذا التكريم فوق اختلاف الألسنة والألوان والأجناس ، وأنه منذ اللحظة الأولي لمجيئه قد عصم الدماء والحرمات والأموال والأعراض وجعلها حراما ، جاعلا من الالتزام المطلق بهذه الحرمات فريضة دينية وشعيرة إسلامية لا يسقطها عن المسلمين إخلال الآخرين "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوي " ..


" وبقي - هنا كذلك - أن نقول لأنفسنا ولكل الأخذين عنا وللدنيا من حولنا ، أننا في مقدمة ركب الداعين الي إحترام حقوق الإنسان وتأمين تلك الحقوق للناس جميعا ، وتيسير سبل ممارسة الحرية في إطار النظم الأخلاقية والقانونية ، إيمانا بأن حرية الانسان هي سبيله الي كل خير ، والي كل نهضة وكل إبداع ...


إن العدوان علي حقوق والحريات تحت أي شعار ولو كان شعار الاسلام نفسه يمتهن إنسانية الانسان ، ويرده الي مقام دون المقام الذي وضعه الله فيه ، ويحول بين طاقاته ومواهبه وبين النضج والازدهار ، ولكننا ونحن نعلن هذا كله نسجل أمام الضمير العالمي ، أن المظالم الكبري التي يشهدها هذا العصر إنما تقع علي المسلمين ولا تقع من المسلمين ، وأن علي العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة الي المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الانسان ، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي الي السلام الدولي والاجتماعي وإلي نظام عالمي جديد يقو م الظلم والأذي والعدوان " .


"بيان للناس" إبريل 1994

وفي خضم الحرب العالمية الثانية، حيث ادعى كل طرف فى هذه الحرب المأساوية أن له رؤاه وتصوره للحياة على هذه الأرض التي يسعى لتحقيقها بخوضه لغمار هذه المأساة البشرية .. كان لجماعة الإخوان المسلمين رؤيتها الخاصة وتصورها المحدد تجاه ما يجري ، لاعتبارها حاملة قارورة الشفاء لآلام الإنسانية المعذبة، والذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر السادس ( يناير 1941 ) ..

تقول رسالة المؤتمر السادس :

" لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد " ... فهتلر يريد أن يتقدم للناس بنظام جديد ، وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة ستحمل الناس على نظام جديد ، وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا النظام الجديد ، والجميع يشيرون الى أن هذا النظام الجديد سينظم أوروبا ويعيد اليها الأمن والطمأنينة والسلام ، فأين حظ الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟

نريد هنا أن نلفت أنظار الساسة الغربيين الى أن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست فى الماضى مرة ، فهى فى المستقبل أشد فشلاً لا محالة ، وقد تنبهت المشاعر وتيقظت حواس الشعوب ، وان سياسة القهر والضغط والجبروت لم تات فى الماضى إلا بعكس المقصود منه ، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب ، وهى فى المستقبل أشد عجزاً .

وأن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية إن هدأ بها الجو حينا فلا تلبث أن تهب العاصفة قوية عنيفة . وقد تكشفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات ، وهى فى المستقبل أضعف من أن توصل الى المقصود .

وإذن فلا بد من سياسة جديدة ، وهى سياسة التعاون والتحالف الصادق البرىء ، المبنى على التآخى والتقدير ، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية فى الشرق والغرب ، لابين دول أوروبا فقط ، وبهذه السياسة وحدها يستقر النظام الجديد وينتشر فى ظله الأمن والسلام .


ان حكم الجبروت والقهر قد فات ، ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم أن تحكم الشرق بالحديد والنار . وأن هذه النظريات السياسية البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة الأمم الإسلامية ، ولا مع المبادىء والمشاعر التى ستطلع بها هذه الحرب الضروس على الناس .


ولسنا وحدنا الذين نقول هذا ، بل هم الساسة الأوروبيون أنفسهم ، ونحن نضع هذه النظريات أمام أعين الساسة البريطانيين والساسة الفرنسيين وغيرهم من ساسة الدول الاستعمارية ، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هى مطالب تنفعنا ، فليأخذوا أو ليدعوا ، وقد وطَنًا أنفسنا على ان نعيش أحراراً عظماء أو نموت أطهاراً كرماء .


ونحن لا نطمع فى حق سوانا ، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا. وان خيراً لكل أمة أن تعيش متعاونة مع غيرها ، من أن تعيش متنافسة مع سواها حينا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة فى البلاد المغصوبة ، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة " .


وبعد أن وضعت هذه الحرب المأساوية أوزارها، وقبل أن تبرد نيرانها التي اكتوت بها البشرية عامة والشعوب الأوروبية خاصة، خاطب الإمام الشهيد في إبريل من عام 1945 المؤتمر العالمي الذي انعقد في واشنطن وسان فرنسيسكو وضم الفحول من أقطاب الأمم وزعماء العالم للبحث في شئون أمم العالم المختلفة بمقال تحت عنوان " الإسلام شريعة الحضارة الإنسانية " ، قال فيه:


" ... إن عدة آلاف من من زعماء الشعوب والدول قد احتشدت في هذه البقاع الآن تفكر في مستقبل الإنسانية وتتلمس سبل السلام والهداية والخير والطمأنينه للناس .


.. هذه فرصة لنا نحن العرب ، ونحن المصريين لنقول للعالم : هاؤم أقرءوا كتابيه .. إننا لسنا كما يظن الناس همجا ولا متأخرين ، ولكنا منذ القديم وقبل أن تتفتح عين أوروبا على النور ، أو تكتشف أمريكا في العالم المتمدين المعروف .. كنا نتعامل بشريعة سامية المبادئ عالية المقاصد خصبة فصيحة تماشي العصور والأجيال وتسد حاجة من شاء من الأمم والشعوب.


.. هذه فرصة لنا وللعالم ، نريد أن نقول فيها للناس عامة وللمؤتمربن خاصة بملء أفواهنا .. إنكم تنشدون السلام وقد اجتمعتم هنا للناس ، وهذه الأمم كلها ترقب على أيديكم الطمأنينه والسلام .


ونحن العرب ، ونحن المسلمين ونحن الشرقيين قد ورثنا السلام في فلسفاتنا وفي أدياننا وفي كتنبا وفي تاريخنا الطويل العريض الزاهي المشرق ، حتى صار قطعة من أرواحنا ومعنى من معاني وجودنا وكياننا فقرآننا هدى ورجمة ونور وشفاء يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .. وإنجيلنا يعلن في الناس ´المسرة وعلى الأرض السلام ..


وليس في الدنيا كلها دين ولا نظام اجتماعي جعل السلام تدريبا عمليا يطبع به أنصاره ومعتنقيه كما جعل ذلك الإسلام في شريعته " الحج " وهي شريعة السلام .. فمنذ يحرم الحاج فقد صار سلاما لنفسه ، فلا يقص ظفرا ولا يحلق شعرال .. وصار يلاما لغيره من بني الإنسان فلا يجادل أدا ولا يعلن حربا ولا يثأر من خصم حتى ولو لقي قاتل أبيه لما استطاع أن يبسط له بالقول لسانا ولا بالأذى يدا " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " .. بل إنه ليكون سلاما لغيره من من الحيوان والنبات فلا يصطاد حيوانا ولا يعلم طائرا ولا يعضد شجرا ولا يقطع نباتا .


وهكذا يظل الحاج في هذا الميدان من السلام ختى يتحلل .. فهل في الدنيا شريعة فرضت على أبنائها السلامم كما فرضه على الحاج ، الإسلام ؟.


نريد أن نقول للناس في هذه الفرصة ، ونصيح في أذن الدول القوية والشعوب القادرة المتحكمة .. هذه عناوين حياتنا ... سلام في سلام ، فمم تحافون !!؟ .


لا تقفوا في طريق حريتنا ولا تحولوا بيننا وبين أن نستكمل قوتنا ولا تتهيبوا العدوان في وحدتنا بل ساعدونا على ذلك وإعينونا عليه ، وسترون من هذه النفوس التي طبعت بالسلام سدا منيعا يقف دون المبادئ الهدامة والأفكار المدمرة والثورات المخربة والمطامع الفاسدة، ويشيع في الدنيا كلها معنى الطمأنينة الحقة والسلام الدائم الصحيح .


نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم .. إنكم تريدون أن تعلنوا فكرة الإخاء والمساواة ، وهذه من مواريثنا وذخائر كنوزنا نحن المسلمين.. فإنما جاء ديننا ليقضي على نعرة الأجناس والألوان ، ويعلن المساواة بين بني الإنسانية " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " .


.. نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم إنكم اجتمعتم هنا لتقروا فكرة العدل لتكون دعامة السلام ومبدأ العقوبة لمن أبي إلا سبيل الإجرام ، وهذا بعض ما يحفظه صبياننا في المكاتب ويدرسه علماؤنا في المساجد، ونعلنه في مجتمعاتنا في الصباح وفي المساء ، لأن القرآن يقول :

في العدل المقرون بالرحمة " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " .

وفي العدل في الحكومة " وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل ".

وفي العدل مع الخصوم " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى " .

وفي العدل مع الأقارب والأصدقاء " كزنوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا "

ثم يقول في حماية العدل بالقوة حين لا يجدي إلا العقاب " فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فاصلحوا بينهم بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .

... نريد أن نقول كل هذا ، وأن نؤدي بهذا القول واجبنا نحو أنفسنا وميراثنا وديننا ووطننا ، ونحو العالم كله .. فنحن مطالبون ولا شك بأن نضع لبنة في هذا البناء الإنساني الجديد ، والعجيب أن عندنا نحن أفضل اللبنات .. بل إننا لنستطيع أن نقيم على دعائم حضارتنا ، للناس لو أرادوا ، بناء على أمتن القواعد وأحدث النظم والمبتكرات وصدق الله العظيم : " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم " .

فإلى الذين يستطيعون القول ويكون لقولهم أثره وخطره ، وإلى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة .. نتقدم بهذه الكلمات .


الحادي عشر من سبتمبر ماذا وراءه

عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي ، أضحت كلمة "إرهاب" Terrorism .. أكثر الكلمات إثارة للجدل واستخداما في مختلف وسائل الإعلام العالمية .. بل وأصبح هذا المصطلح بالرغم مما غلف به رافعيه ، مفهومه من غموض ، مقياس فارق في العلاقات ، وأساس فاعل تبنى عليه السياسات المريبة وتتخذ به القرارات العادلة وغير العادلة ، حتى قسم به البعض العالم إلى محورين للخير والشر .. فما هي جذور هذا المصطلح في الفكر الغربي الذي رفع به أبنائه لوائه وقسموا العالم بمقتضاه ؟ .


الإرهاب في الثقافة الغربية

تتكون كلمة "إرهاب" في اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسمTerror بمعنى فزع ورعب وهول، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع .


ويرجع استخدام مصطلح Terrorism في الثقافة الغربية تاريخيا للدلالة على نوع الحكم الذي لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية في عامي [[[1973]] – 1974] ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة.


وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التي يطلق عليها Reign of Terror اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالي 17 ألفا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة.


وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيرا، حيث يفترض أن الإرهاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنساني وفى جميع أنحاء العالم.


وقد استخدم حكام رومان من أمثال "Tiberius " ( 14-37 ) .. "Caligula" ( 37-41 ) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما.


ولعل محاكم التفتيش التي قام بها الأسبان ضد الأقليات الدينية (المسلمين أساسا) أهم محطات الإرهاب الرئيسية في تاريخ الثقافة الغربية .


محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام

بعد أن شهدت أغلب الدول الإسلامية، وبصفة خاصة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، بروز وتنامي ظاهرة الإحياء الإسلامي أو الصحوة الإسلامية، واتخاذ هذه الظاهرة صورا وأشكالا متعددة، ثقافية وفكرية، اقتصادية واجتماعية، سياسية وسلوكية ، كثير من الكتابات والدراسات الغربية نفسها في سبيل البحث عن وسائل النيل من هذه الظاهرة عبر وصفها بمجموعة ضخمة من المصطلحات ذات الإيحاء لتعريفها، منها على سبيل المثال: الإسلام السياسي Political Islam ويقصد به توظيف الإسلام لتحقيق أهداف سياسية ...الإسلام التقدمي Progressive Islam وهو الذي يتضمن تطبيق الاشتراكية ولا يتعارض مع التحديث ... الإسلام التقليدي Traditional Islam وهو الذي يتعارض مع العلمانية والتحديث .. والإحياء الإسلامي Islamic Revival .. والأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism .. وغيرها.


ثم ذهبت هذه الكتابات والجهات التي تقف خلفها خطوة أبعد بإنشاء مصطلحات وتعريفات ومفاهيم تربط بين الإسلام وأنماط من العنف والإرهاب مستغلة بعض المظاهر غير الصحيحة التي صاحبت هذه الصحوة الإسلامية نتيجة لفهم خاطئ ساد بعض قطاعات الشباب المسلم .. مثل: الإسلام الثوري Revolutionary Islam .. والإسلام الراديكالي Radical Islam .. والإسلام من أعلى Islam from Top .. والإسلام المتشدد Rigidified Islam .. والإسلام المسلّح Militant Islam .. والعنف الإسلامي Islamic Violence .. وأخيرا الإرهاب الإسلامي Islamic Terrorism.


ثم جاءت المرحلة الأخيرة والتي استغلت فيها القوى الصهيونية أحداث الحادي عشر من سبتمبر في محاولة وصم عمل فصائل وجماعات تنتمي إلى الإسلام كمرجعية سياسية تستخدم حق وقوة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال كما في حالة حماس والجهاد في فلسطين، وحزب الله في جنوب لبنان، ومجاهدي كشمير في الهند، ومسلمي الشيشان ضد الروس، ومن قبلهم المجاهدون الأفغان في الثمانينيات ، بالارهاب.


ولربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسي لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب .. فقد دأب الخطاب الغربي الأمريكي أساسا على وصم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وجنوب لبنان بصفة الإرهاب .. ولا تزال منظمات مثل حماس وحزب الله والجهاد وغيرها مصنفة في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفها منظمات إرهابية في ظل التغاضي عن أبشع الممارسات الإرهابية التي يقوم بها الكيان الصهيوني.


وقد ساهم الكتّاب والمؤرخين اليهود بشكل واضح في رسم صورة ذهنية سلبية للعرب والمسلمين لدى الغرب وترسيخ بعض الأفكار التي تستعدي الأوروبيين والأمريكيين على العالم العربي والإسلامي.


وقد قام كتّابا ومؤرخين صهاينة مشهورين من أبرزهم المؤرخ اليهودي "برنارد لويس الذي تناول ما أسماه الصراع التاريخي بين الإسلام والحضارة المسيحية اليهودية، باعتبار أنه صراع أيديولوجي وقدري لا فكاك منه، بجهد جهيد لتكوين رأي عام أوروبي حول هدف وفكرة إحلال العرب والمسلمين محل الخطر الشيوعي كتهديد حتمي للغرب.


وقد استغل هؤلاء من خلال خبرتهم الثقافية الممتدة وكثرة العلماء اليهود في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وجمعيات الصداقة المنتشرة في العديد من الدول وإجادتهم لعدة لغات بحكم تجمعهم من الشتات، وإقامتهم لشبكات متنوعة عبر الإنترنت ومن خلال وسائل الإعلام التي انفتحت على مصراعيها أمامهم بحكم السيطرة الصهيونية عليها إقناع العقول الأمريكية والأوروبية بتبني الصورة الإدراكية التي صاغها العقل اليهودي للشخصية العربية الإسلامية .


ولكن لماذا تحاول تلك القوى الربط الدائم والجلي التعسف بين الارهاب بمفهومه الكريه وبين الإسلام ؟ .. وما جذور شعور العداء الذي تحاول قوى غربية بثه تجاه الإسلام في نفوس شعووبها ؟ .


يقول الكثير من المحللين إنه من الواضح والجلي أن الخطر الحقيقي على حضارة غربية فشلت، في شكلها الحالي، في ان تكون حضارة عدالة ومساواة بين البشر .. يأتي من نظام القيم الذي يمثله الاسلام .


فإذا امكن النظر الى هذا الافتراض بامعان، سوف يكون مفهوما، لماذا يتم الربط بين الاسلام والارهاب ... فالهدف هو تشويه صورة الاسلام، لاسيما في نظر الاجيال الغربية الجديدة، وذلك للحيلولة دون ان يكون هناك نظام قيم اخلاقية بديلا للنظام الغربي السائد.


ولذا استخدم الغرب مصطلح الإرهاب في معجمه الإعلامي اليومي وكافة محافله السياسية والإقتصادية ومنتدياته الثقافية بشكل واسع.. بغية توسيع دائرة حصار الإسلام وتشكيل رأي عام عالمي لكره الإسلام باعتبار أن الإرهاب لازمة من لوازم الإسلام!!


وخاصة أنه برغم كل التعتيم الاعلامي، وقف الكثير من هذه القوى على حقيقة ، ان الاسلام حتى هجمات 11 سبتمبر، كان يكسب مواقع جديدة في معظم ارجاء العالم الغربي، ويقدم نموذجا اخلاقيا وقيميا، من الناحيتين السياسية والاجتماعية، اكثر تماسكا واستقامة من نظام القيم الغربي السائد.


فقد يمكن لنظام القيم الغربي ان يقدم مزاعم كثيرة عن العدالة الاجتماعية والمساواة بين الاجناس واحترام حقوق الانسان، وصولا الى المزاعم القائلة بان هناك حاجة الى اقامة نظام دولي جديد تحترم فيه مبادئ الشرعية والقانون الدولي، الا ان الكثيرين في الغرب والشرق، وعلى امتداد العالم بأسره، يعرفون جيدا ان هذه المزاعم ليست سوى مزاعم شكلية وتنطوي على اهانة حقيقية لكل قيم العدالة والمساواة واحترام القانون .. وخاصة بعد مآسي البوسنة وكوسوفو والشيشان وكشمير والمأسة الدائمة فلسطين ..


فالولايات المتحدة، كنموذج لنظام القيم الغربي، حتى وان قدمت نفسها كدولة حريات وعدالة وقانون، فانها، في سياستها الخارجية، كما في سياستها الداخلية ، لا تقدم دليلا متماسكا واحدا على انها دولة حريات وعدالة وقانون.


فالقانون يكون مقبولا فقط عندما يلائم المصالح الانانية للولايات المتحدة. وحقوق الانسان تحترم فقط عندما تكون اداة للضغط على بعض الحكومات التي تميل الى تبني سياسة خارجية مستقلة. والعدالة بين البشر لا تشمل كل الشعوب بالضرورة. ومبادئ الشرعية الدولية ليست ذات قيمة عندما تكون مرجعية لادانة الاحتلال الاسرائيلي. وبينما يمكن لاسرائيل ان ترتكب كل المجازر الوحشية التي ترغب بها ضد شعب مظلوم ومضطهد، فانها تفعل ذلك تحت حماية الولايات المتحدة، بل وربما بتشجيع منها أيضا.


يضاف إلى ذلك أن الغرب يمر بحالة من عدم اليقين تجاه المستقبل ، وهناك شعور قوي بأن الحضارة الغربية تتعرض للكثير من المشكلات التي يمكن أن تؤدي إلى ضعفها أو إلى انهيارها في المستقبل ، ولذلك فإنه يظل في حاجة لعملية تعبئة مستمرة للرأي العام ضد عدو خارجي .. ومن هنا ظهرت فكرة صراع الحضارات التي تمت صياغتها في الولايات المتخدة منذرة بأن الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تقع بين الحضارةى الغربية من جانب الحضارة الإسلامية من جانب آخر .