تقرير جولدستون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الإخوان يدينون تأجيل تقرير جولدستون ويحذرون من مكر الصهاينة

ريتشارد جولد ستون

أدان الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الارشاد السلطةَ الفلسطينيةَ لطلبها تأجيل نظر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق، التي شكَّلتها المنظمة الدولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الصهاينة فيقطاع غزة.

وقال د. مرسي: (إن الإخوان يرون أن التقرير الذي أعدته اللجنة التي يرأسها القاضي ريتشارد جولدستون؛ يُثبت بالدليل القاطع إجرام الصهاينة، وتأجيله يُثبت أيضًا "مدى ما وصلت إليه الأوضاع في السلطة الفلسطينية من عمالةٍ وخيانةٍ، واستسلامٍ للقرار الأمريكي والأوامر الصهيونية".

وأضاف أنَّ "الاستجابة الكاملة التي أبدتها السلطة الفلسطينية للإملاءات الأمريكية والصهيونية و"التضامن" الذي أبدته الحكومات العربية والإسلامية مع السلطة، في هذا الشأن؛ هو جريمةٌ في حق الفلسطينيين، ومشاركةٌ من السلطة والأنظمة العربية والإسلامية في عدم مساءلة الصهاينة عن إهدار دماء أكثر من 1400 شهيد فلسطيني سقطوا في العدوان على غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال"، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعوَّقين وهدم آلاف المنازل.

وأعرب الدكتور محمد مرسي عن استنكاره لهذا الموقف من السلطة الفلسطينية التي تُسهم في ضرب المقاومة الفلسطينية عبر الاعتقالات والاغتيالات في الضفة الغربية والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، في غياب أي أثر للأنظمة العربية التي تشارك بالصمت والتواطؤ في حصار الشعب الفلسطيني الأعزل.

كما لفت في تصريحه إلى أن جريمة تأجيل التقرير لا تنفصل عن التطورات الأخرى الحالية في المسجد الأقصى، ومحاولة اقتحامه من اليهود وحصار المصلين داخله، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، طبقًا للمخططات الصهيونية والأمريكية في المنطقة العربية.

وأوضح أنَّ تأجيل نظر تقرير جولدستون تزامن مع تصاعدٍ خطيرٍ في الاعتداءات الصهيونية على الحقوق العربية والإسلامية في القدس الشريف، وفي القلب منه المسجد الأقصى، وأضاف قائلاً: "إنَّ الاعتداءات الصهيونية تزايدت، سواء بحفر المزيد من الأنفاق أسفل المسجد أو بمصادرة المزيد من أراضي المقدسيِّين ومنازلهم لحساب المغتصبين الصهاينة اليهود.

وحذَّرد.مرسي من وجود مخططاتٍ أمريكيةٍ صهيونيةٍ جديدةٍ تصاغ لمستقبل المنطقة، وقال: "إن الأخطر من ذلك هو ما تداولته الدوائر الدبلوماسية والإعلامية مؤخرًا من وجود خططٍ أمريكيةٍ جديدة سيتم طرحها في إطار ما يُعرف بالتسوية في الشرق الأوسط".

وأضاف أنَّ اللقاء الثلاثي الذي جرى في نيويورك مؤخرًا على هامش اجتماعات الدورة السنوية الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة بين كلٍّ من محمود عباس والصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ كان مفتاحًا لتحركاتٍ أكثر خطورةً تشهدها المنطقة قريبًا.

وأكد د. مرسي أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اعترفت بذلك وهي تبرِّر الضغوط الأمريكية على السلطة والبلدان العربية والإسلامية لتأجيل نظر تقرير جولدستون، والذي يعني في الواقع قتل التقرير ودفنه وليس تأجيله فحسب، موضحًا أنَّ الموقف الأمريكي يرفع الستار عن حقيقة الإدارة الأمريكية الجديدة وسياساتها؛ بعكس ما حاولت إيهام العرب والمسلمين به في أوائل أيامها بمعسول الوعود والكلام فحسب.

وختم د. مرسي تصريحه بدعوة الجماهير الحرَّة، في العالم العربي والإسلامي وفي فلسطين بل والعالم كله، إلى الانتفاض دعمًا لحقوق الشعب الفلسطيني ولإحياء القضية الفلسطينية "التي يبغي جميع الأطراف قتلها"، مؤكدًا أنَّ جميع التطورات الأخيرة تُثبت أنَّ الرهان سيظل على الشعوب، وعلى خيار المقاومة ضد الصهاينة، بعيدًا عن استسلام الأنظمة وأوهام السلام.

الكاشفة

فهمي هويدي

الخبر الجيد أن لجنة دولية أثبتت أن "إسرائيل" ارتكبت جرائم حرب في عدوانها على غزة. أما الخبر البائس فإن القيادة الفلسطينية تدخلت لإنقاذ "إسرائيل" من الفضيحة المجلجلة، وطلبت تأجيل التصويت على تقرير الإدانة لمدة ستة أشهر.

إن شئت فقل إنها فضيحة تم سترها بفضيحة أكبر. ذلك أنها من المرات النادرة في التاريخ التي يتطوع فيها القتيل لتمكين القاتل من الإفلات من العقوبة رغم إدانته.

وقعت الواقعة في جنيف يوم الجمعة الماضي 2/10 بعد أن قدم إلى مجلس حقوق الإنسان الدولي تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي عد أول وثيقة دولية شاملة أثبتت ارتكاب "إسرائيل" لقائمة طويلة من جرائم الحرب أثناء عدوانها الأخير على غزة.

كان القاضي غولدستون قد عرض التقرير على المجلس يوم الاثنين 28/9 لمناقشة استمرت حتى يوم الجمعة الذي كان يفترض أن يصدر فيه المجلس قراره بشأنه، وحسبما سمعت من أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماع فإن المجموعة العربية بما فيها ممثل فلسطين كانت متحمسة للتقرير وراغبة في إحالة القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة و"إسرائيل" كانتا رافضتين له. أما دول الاتحاد الأوروبي فقد كان متململة، حتى إن مندوب السويد سأل أثناء المناقشة عن التداعيات التي يمكن أن يسقطها التقرير على عملية السلام الجارية، مستدعياً بذلك الحسابات السياسية الخارجة عن اختصاص المجلس، ومردداً الحجة "الإسرائيلية" التي تذرعت بأن من شأن تبني التقرير أن يصيب بالشلل جهود السلام الراهنة (التي نعرف مصيرها مقدماً).

طبقا للنظام المعمول به في المجلس فإن القرار الصادر عنه إما أن يتم بالتوافق بين الأعضاء، وإذا تعذر ذلك فإنهم يحلون الإشكال بالتصويت عليه. ثم يرسلونه بعد ذلك إلى الجمعية العامة (التي يتبعها المجلس) أو إلى مجلس الأمن. وإزاء إدانة التقرير لقائمة طويلة من الممارسات "الإسرائيلية" في غزة. ولبعض ممارسات حكومة حماس بالقطاع، فقد كان مفهوماً انزعاج "إسرائيل" وحلفائها منه، لأنه يجرم أفعالها التي لم تتوقف عن القيام بها منذ عام 1948 لكنها ظلت طوال تلك السنين بمنأى عن الإدانة والتنديد، محتمية في ذلك بالتحيزات الغربية التي ظلت تتستر عليها طوال الوقت. وبعد الذي حدث في العدوان على غزة شاءت المقادير أن يتم اختيار قاضٍ مشهود له بالنزاهة والكفاءة وله تاريخ في تحري جرائم الحرب في رواندا ويوغسلافيا السابقة هو ريتشارد غولدستون، ليرأس الفريق الذي تقصى حقائق الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في القطاع. تصادف أن كان القاضي يهودياً ومن جنوب إفريقيا. والصفة الأولى حصنته ضد زعم العداء للسامية، وانتماؤه الثاني مكنه من أن يقف على حقيقة النظام العنصري، بكل ما يمثله من امتهان لكرامة البشر.

هذه الخلفية مكنت الرجل من أن يعد تقريراً وافياً ورصيناً في 600 صفحة يتعذر الطعن فيه، إلا إذا أخذ عليه أنه كان أميناً في ذكر الحقيقة. وهو ما تجلى في تصريح المتحدث باسم الخارجية البريطانية المنحازة تاريخياً لـ"إسرائيل"، الذي وصف التقرير بأنه "متوازن".

الشائع أن صدور قرار الإدانة في المجلس القومي لحقوق الإنسان يسوغ تقديم كل القادة "الإسرائيليين" المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويفتح الباب واسعاً لملاحقتهم حيثما ذهبوا خارج بلادهم. وهذا صحيح لا ريب، لكن الأمر يتجاوز هذه الحدود، لأن من شأن قرار من هذا القبيل أن يلزم جميع الدول الغربية التي تقدم مساعدات تسهم في دعم الجهاز العسكري "الإسرائيلي" بأن توقف تلك المساعدات. (في بريطانيا الآن قضية مرفوعة ضد الحكومة ادعت عليها بأنها قدمت أسلحة لـ"إسرائيل" استخدمت في العدوان على غزة). إضافة إلى ذلك فإن القرار يوفر لمنظمات المجتمع المدني في أوروبا والولايات المتحدة سنداً قانونياً قوياً للمطالبة بفك ارتباط بلادهم مع "إسرائيل"، فيما يخص الأنشطة العلمية والأكاديمية التي تعزز القدرة العسكرية لـ"إسرائيل" باعتبارها دولة ثبت بحقها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

كانت تلك أسباباً كافية ليس فقط لإزعاج "إسرائيل"، من حيث إنها ترتب انتكاسة في علاقاتها الخارجية، إلى جانب فضحها سياسياً وأخلاقياً، ناهيك عما تسببه من حرج لأصدقائها الذين اعتادوا تغطية جرائمها، ولم يكن مستغرباً إزاء ذلك أن تمارس كل ما تملك من ضغوط وتستخدم ما بيدها من أوراق لكي توقف إصدار قرار من جانب مجلس حقوق الإنسان. وفي حدود علمي فإن الولايات المتحدة لعبت دوراً رئيسياً في ذلك. وإن إحدى الدول العربية ذات الصلة الوثيقة بـ"إسرائيل" اشتركت في ممارسة الضغوط على الفلسطينيين والعرب. وكانت الحجة الرئيسية التي استخدمت هي أن من شأن صدور القرار وتأييد المجموعة العربية له أن يفشل الجهود التي يبذلها الرئيس أوباما لمد الجسور وتحقيق التسوية المنشودة. واستند أصحاب تلك الحجة في ذلك إلى أن الرئيس أوباما يمثل "فرصة" ينبغي عدم إهدارها. ومن شأن المضي في التداعيات المترتبة على إصدار قرار مجلس حقوق الإنسان أن تضيع تلك الفرصة.

لم يكن ذلك كل ما في الأمر، لأن "إسرائيل" ألقت في وجه السلطة الفلسطينية بقنبلة أخرى، حين أعلنت على لسان وزير خارجيتها أفيجدور ليبرمان أن السلطة في رام الله تطالب بمحاكمة "إسرائيل" على ما ارتكبته قواتها في الحرب على غزة، في حين أنها من ضغط لكي تذهب "إسرائيل" في حربها إلى أبعد مدى لإسقاط حكم حماس في القطاع. (جيروزاليم بوست 25/9). وهذه المعلومة أيدها تقرير نشرته صحيفة "الشروق" المصرية في 4/10 حين نقلت عن مصدر بمنظمة سياسية دولية في غزة قوله إن "إسرائيل" لديها ما يثبت قيام جهاز الأمن التابع للسلطة بتوفير معلومات لـ"إسرائيل" في إطار التعاون الأمني الوثيق بين الجانبين حول نشاطات المقاومة في غزة.

هذه المعلومات ظهرت تصديقاً للقول الشائع بأنه إذا اختلف الشريكان ظهر المستور. ويبدو أن ما خفي كان أعظم، لأن "الإسرائيليين" هددوا أيضاً بإيقاف بعض المشروعات الاقتصادية التي تهم السلطة في رام الله، وفي مقدمتها عقد إقامة شركة اتصالات جديدة تخص ابن الرئيس أبو مازن، رجل الأعمال الكبير في الضفة.

مورست هذه الضغوط كلها على رئيس السلطة قبل وفي أثناء اجتماعات جنيف، إلى أن حدثت المفاجأة أو الفضيحة الكبرى في يوم التصويت على القرار (الجمعة 2/10)، حين طلب المندوب الفلسطيني إبراهيم خريشة تأجيل النظر في القرار لدورة المجلس المقبلة في شهر مارس / آذار من العام المقبل، أي بعد ستة أشهر. وقالت صحيفة هآرتس (عدد 4 / 10) إن الرئيس أبو مازن هو من اتخذ قرار التأجيل بعد زيارة القنصل الأمريكي له يوم الخميس 1 /10. علماً بأن 33 دولة من أصل 47 عضواً كانت تعتزم الموافقة على التقرير.

وقع الطلب الفلسطيني كان مدوياً على جميع الأصعدة. إذ قبلت السلطة بأن تغطي الموقف "الإسرائيلي" فتعرت تماماً، إذ لم يخطر على بال أحد أن تقدم السلطة على تعطيل وإجهاض تقرير يدافع عن شعب تدعي أنها تمثله. وذلك هو المخيف في الأمر لأن هذه السلطة بما فعلته لم تعد مؤتمنة على مستقبل القضية ومصيرها.

تعددت التسريبات من رام الله التي حاولت تبرير ما جرى. مرة بالتلويح بالضغوط الأمريكية. ومرة بالإحالة إلى رئيس الوزراء سلام فياض واتهامه بممارسة تلك الضغوط. ومرة ثالثة بالادعاء بأن ذلك موقف الحكومة وليس موقف حركة فتح التي حاول متحدث باسمها أن يغسل أيدي الحركة من الفضيحة. لكن ذلك كله لم يقنع أحداً، حتى بين أعضاء الحكومة أنفسهم. التي استقال منها وزيرا الاقتصاد وشؤون القدس احتجاجاً على سياساتها، وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية: إن موقف السلطة ألحق أضراراً بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني. في الوقت ذاته، توالت الأصداء الأخرى في الساحة الفلسطينية، حيث أدانت 14 منظمة حقوقية موقف سلطة رام الله وتعالت الأصوات في غزة معتبرة ذلك الموقف "خيانة للشهداء وإهداراً لدمائهم" و"فضيحة سياسية وأخلاقية" و"صفعة لضحايا العرب". وهو ما عبر عنه الكاتب والسياسي الفلسطيني بلال الحسن بقوله: إن السلطة في الضفة تسقط في أوساط شعبها أولاً، ثم تسقط على صعيد مكانتها وسمعتها. حين تظهر كسلطة مطواعة أمام الأوامر الأمريكية.

هذا الاستنكار الفلسطيني كان له صداه في أنحاء العالم العربي الذي صدم لموقف السلطة. بل تجاوز حدود المنطقة حتى عبرت عنه منظمة العفو الدولية "أمنستي" التي أدانت تأجيل التصويت على التقرير وطالبت بتحويله إلى مجلس الأمن.

صادم ومفجع هذا الموقف حقاً، لكن هل هو مفاجئ؟ ردي على السؤال بالنفي. لأن تاريخ الصراع حين يكتب، سوف يكتشف كثيرون أن القيادة الفلسطينية منذ انخرطت في اللعبة السياسية في مناخ الانكسار العربي الذي عبرت عنه اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 ما برحت تقدم لـ"إسرائيل" الهدايا المجانية. وهذه الهدايا جميعها صبت في مجرى تآكل القضية من ناحية، والتمكين لـ"إسرائيل" من ناحية أخرى.

فقبل توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 وجّه ياسر عرفات رسالة إلى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" إسحاق رابين أيد فيها اعتبار المقاومة "إرهابا" وتعهد بنبذه. وفي الاتفاق أخذت "إسرائيل" الموافقة الفلسطينية الرسمية على شرعية الوجود والتمتع بالأمن دون مقابل، سوى الاعتراف بمنظمة التحرير وبتمثيلها للشعب الفلسطيني. وبعد الاعتراف مباشرة قامت "إسرائيل" بتحويل الأراضي المحتلة عام 1967 إلى منطقة متنازع عليها، وعاثت فيها تهويداً واستيطاناً. وكانت القيادة الفلسطينية هي التي طلبت من الأمم المتحدة إلغاء قرارها السابق باعتبار الصهيونية حركة عنصرية. وهي التي تجاهلت قرار محكمة العدل الدولية الخاص ببطلان الجدار العازل والمستوطنات التي أقيمت على الأراضي المحتلة، وهي التي أسقطت في مفاوضاتها حق العودة للاجئين وقبلت بتبادل الأراضي. وهي التي قبلت بتجاهل قرارات الأمم المتحدة والمرجعية الدولية، والاحتكام إلى خريطة الطريق الأمريكية التي نصت في أول بنودها على ضرورة تصفية المقاومة. وهي التي دخلت في شبكة التنسيق الأمني مع "الإسرائيليين" ضد المقاومة الفلسطينية. وبعدما اشتركت في حصار غزة فإن ممثل السلطة عارض في الجمعية العامة القرار الذي قدمته قطر وإندونيسيا ودعا إلى اعتبار القطاع منطقة منكوبة. ثم إنها لم تحرك ساكناً حين أبلغت بقرار الكنيست "الإسرائيلي" ببيع أراضي الفلسطينيين وتملكيها لمن يشاء من يهود العالم، بالمخالفة الصارخة للقانون الدولي.

هذه الخلفية التي قفزت بها فوق وقائع أخرى كثيرة تشي بشيء واحد هو أن من كان هذا سجله لا يستكثر عليه أن يتواطأ مع "الإسرائيليين" في حرب غزة. أو أن يمنع إصدار قرار بإحالة جرائم الحرب التي ارتكبتها "إسرائيل" إلى الأمم المتحدة. وإذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما جرى لم يكن منشئاً لوضع مشين فوجئ به الجميع. ولكنه بمثابة حالة تلبس بارتكاب واقعة كاشفة له.

14 منظمة حقوقية فلسطينية:تأجيل مناقشة تقرير غولدستون "أهان الضحايا وتنازل عن حقوقهم"

نددت أربعة عشر منظمة حقوقية فلسطينية بطلب السلطة الفلسطينية إرجاء مناقشة مسودة مشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان يتبنى كافة التوصيات الواردة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق (تقرير غولدستون) حول الحرب على قطاع غزة.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته هذه المنظمات في مدينة غزة، صباح السبت (3/10) .. واعتبرت تلك المنظمات أن "طلب السلطة للتأجيل تم تحت ضغوطات دولية كبيرة"، مؤكدة أن "هذا التأجيل ينكر حق الشعب الفلسطيني في إنصاف قضائي فعال، والمساواة أمام القانون، ويشكل تغليباً للسياسة على حقوق الإنسان واهانة للضحايا وتنازلاً عن حقوقهم".

وأكدت أن هذا الضغط "يتناقض مع الالتزامات الدولية للدول، ويشكل إهانة للشعب الفلسطيني"، معلنة بأنها سنضاعف جهودها سعياً نحو تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة دون تأخير.

وقال البيان: "تشكل الجرائم الموثقة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق أكثر الانتهاكات للقانون الدولي خطورة، حيث خلص القاضي غولدستون إلى أن هنالك أدلة تشير إلى أن جرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبت في قطاع غزة. وتتواصل انتهاكات القانون الدولي إلى يومنا هذا من خلال الحصار الإسرائيلي الجائر المفروض على قطاع غزة، إلى جانب أمور أخرى. وأكدت النتائج التي خلصت إليها البعثة نتائج التحقيقات التي أجرتها منظمات مستقلة فلسطينية وإسرائيلية ودولية".

وقالت: "إن تأجيل العدالة هو إنكار لها، فكافة الضحايا لهم حق مشروع في إنصاف قضائي فعال وفي حماية متساوية أمام القانون. وهذه الحقوق عالمية ولا تخضع للاعتبارات السياسية. وعلى مدار تسعة أشهر منذ عملية الرصاص المصبوب، لم يتم إجراء أي تحقيق قضائي فعال في هذا النزاع،حيث تسود الحصانة. في أوضاع من هذا القبيل، يطالب القانون الدولي باللجوء إلى الآليات القضائية الدولية، ويجب التمسك بحقوق الضحايا ومحاسبة المسئولين".

وأضافت: وعلى مدار سنوات طويلة في فلسطين، تمت التضحية بالقانون الدولي وسيادة القانون باسم السياسة، وتمت تنحيتهما لصالح عملية السلام. وقد تمت تجربة هذا المبدأ، إلا أنه قد فشل، حيث تعزز الاحتلال، واستمر توسيع المستوطنات غير القانونية، وأنكر الحق في تقرير المصير، ويعاني المدنيون الأبرياء من العواقب الوخيمة. واعتبرت المنظمات الحقوقية الفلسطينية التبريرات التي قدمتها السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بقرار تأجيل التصويت "غير ملائمة"، وقالت: "إن الادعاء بعدم توفر الإجماع لصالح القرار لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، إذ أن الإجماع ليس متطلباً لصدور القرار عن مجلس حقوق الإنسان، حيث تعمل مؤسسات الأمم المتحدة وفق مبدأ الأغلبية".

وأضافت: "أنه منذ أن احتلت إسرائيل الأرض الفلسطينية في العام 1967 فإن القرارات ذات الصلة الصادرة عن مختلف أجسام الأمم المتحدة لم تصدر بالإجماع إلا فيما ندر".

وأشارت إلى أن الأمم المتحدة أنشئت لتمثل إرادة شعوب العالم ومن المحتم أن يكون هناك عدم توافق أو اعتراض من قبل هذا الطرف أو ذاك، ولأجل ذلك تؤخذ القرارات بالأغلبية.

عشرات المنظمات الأوروبية تصدر بياناً مشتركاً ينتقد موقف السلطة من تقرير "غولدستون"

علمت وكالة "قدس برس" من مصادر حقوقية أن عشرات المنظمات في أنحاء القارة الأوروبية تعتزم إصدار بيان مشترك يعبّر فيه عن "الصدمة" من موقف السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بطلبها من مجلس حقوق الإنسان الدولي إرجاء بحث تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة لمدة ستة أشهر.

وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد قرر تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون الخاص بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة إلى الدورة المقبلة التي تبدأ في شهر آذار (مارس) المقبل.

شريط فيديو أجَّل تقرير غولدستون

حسب شريط الفيديو فإن عباس هو من أقنع باراك بضرورة مواصلة الحرب على غزة

http://aljazeera.net/NR/exeres/C57AF109-F2BD-4960-BEF7-1DF23EE2AD93.htm

نقلت وكالة شهاب الفلسطينية للأنباء عن مصادر وصفتها بالمطلعة في واشنطن قولها إن شريط فيديو كان وراء ما قالت إنه قرار السلطة الفلسطينية سحب تأييدها لمشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدعم تقرير ريتشارد غولدستون حول الانتهاكات في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

وقالت الوكالة إن اجتماعا جرى في واشنطن في الأيام الماضية بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية ووفد إسرائيلي حول الموقف من التقرير، وأشارت المصادر إلى أن ممثلي السلطة رفضوا في البداية بشدة الطلب الإسرائيلي بعدم تمرير التقرير، وتمسكوا بموقفهم، إلى أن جاء العقيد إيلي أفراهام وعرض على جهاز الحاسوب ملف فيديو يعرض لقاء وحوارا دار بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بحضور وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني.

ووفقا للمصدر نفسه ظهر عباس في التسجيل المصور وهو يحاول إقناع باراك بضرورة استمرار الحرب على غزة، فيما بدا باراك مترددا أمام حماسة عباس وتأييد ليفني لاستمرار الحرب.

وأشار المصدر إلى أن أفراهام عرض أيضا على وفد السلطة تسجيلا لمكالمة هاتفية بين مدير مكتب رئاسة الأركان الإسرائيلية دوف فايسغلاس والطيب عبد الرحيم الأمين العام للرئاسة الفلسطينية، الذي قال فيها إن الظروف مواتية ومهيأة لدخول الجيش الإسرائيلي لمخيمي جباليا والشاطئ، مؤكدا أن سقوط المخيمين سينهي حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وسيدفعها لرفع الراية البيضاء.

وحسب تسجيل المكالمة فإن فايسغلاس قال للطيب عبد الرحيم إن هذا سيتسبب في سقوط آلاف المدنيين، فرد عليه عبد الرحيم بأن "جميعهم انتخبوا حماس، وهم الذين اختاروا مصيرهم وليس نحن".

وقال المصدر إن الوفد الإسرائيلي هدد ممثلي السلطة بعرض المواد المسجلة أمام الأمم المتحدة وعلى وسائل الإعلام، ما دفع وفد السلطة للموافقة على الطلب الإسرائيلي، وقام بكتابة تعهد خطي يقر فيه بعدم إعطاء تصريح لأي دولة لاعتماد تقرير غولدستون.

وقد نقلت صحيفة معاريف التقرير الذي نشرته وكالة "شهاب" الفلسطينية للأنباء، وأضافت عليه أنه نقلا عن مصدر سياسي كان سحب تقرير غولدستون يعود إلى تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمحمود عباس بأن عدم سحب التقرير "سيمس مسا خطيرا بالمسيرة السياسية".

لكن الصحيفة أشارت إلى أن الساسة في إسرائيل يفضلون الصمت في هذه القضية، "لأنه لا توجد رغبة في المس بأبو مازن أكثر من الذي تعرض له حتى الآن وخدمة حماس بالتالي".

واعتبرت أن "أبو مازن فعل الأمر السليم من ناحيته"، ونقلت عن مصدر سياسي "لو كان عاند على تقديم مشروع القرار، لمس مسا شديدا بالمسيرة السياسية".

صفقة الخلوي

كما ربطت صحيفة معاريف سحب تقرير غولدستون بمحاولة السلطة الفلسطينية إقامة شبكة خلوي جديدة في الضفة الغربية "الوطنية" التي قالت إن نجل أبو مازن يقف على رأسها.

وتشير الصحيفة نقلا عن مصدر أمني كبير إلى أن الجيش الإسرائيلي عارض إقامة الشبكة الخلوية الجديدة بدعوى أنها تصطدم بموجات بثه، لكن الجيش الإسرائيلي "ألمح لمسؤولين فلسطينيين بأنهم إذا ما سحبوا التأييد لتقرير غولدستون فسيحصلون على مساعدة في دفع المصالح لإقامة شبكة خلوية ثانية في الضفة الغربية".

وكانت الجزيرة نت علمت من مصادر فلسطينية مقربة من عباس قبيل التصويت على تقرير غولدستون الجمعة الماضي أن السلطة ستسحب اعترافها بالتقرير بعد تعرض الرئيس الفلسطيني لضغوط شديدة من رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض.

في السياق ذكرت المصادر للجزيرة نت أن فياض تذرع بالوضع الاقتصادي وإمكانية عرقلة عمل الشركة الجديدة واستغلال إسرائيل والإدارة الأميركية للموافقة الفلسطينية على التقرير بغية التراجع عن تعهدات بالعمل على تسوية سلمية للصراع.

وكانت إسرائيل اشترطت قبل أيام سحب السلطة الفلسطينية موافقتها على التقرير الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب أثناء حربها بغزة مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية جديدة بالعمل وإعطائها الترددات اللازمة.

حرب غزة

في السياق ولغرض تأكيد معلوماتها أشارت وكالة شهاب لما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية بتاريخ 11/5/2009، حول تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي بأن السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها محمود عباس خاضت مع إسرائيل الحرب على غزة.

وأعادت الوكالة التذكير بما نشرته الصحيفة في وقته من أن أشكنازي أرسل رسالة إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية كشف من خلالها عن التعاون غير المسبوق بين الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها عباس أثناء الحرب على غزة.

وكانت الصحيفة قالت إن سلطة رام الله ضغطت على إسرائيل لإسقاط حكم حماس قبل بدء الحرب، كما أشارت إلى وثيقة أعدت في مكتب ليفني تكشف عن ممارسة عناصر فلسطينية رفيعة المستوى ضغوطا على إسرائيل بشكل كبير لإسقاط حكم حماس في غزة.

وحسب الوثيقة دفعت السلطة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي وبقوة لبدء تنفيذ عملية الرصاص المصبوب وضرب حماس، وقالت الصحيفة إن ما دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية للكشف عن هذه الوثيقة هو ما شرعت به شخصيات في السلطة الفلسطينية في أعقاب عملية الرصاص المصبوب، للبدء في التحقيق مع القادة الإسرائيليين في جرائم الحرب التي ارتكبوها أثناء الحرب.

ونوهت وكالة شهاب إلى تصريحات أشكنازي في ذلك التاريخ للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، التي قال فيها لأول مرة "إسرائيل وسلطة رام الله قاتلتا جنبا إلى جنب أثناء عملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة".

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد أطلق تصريحات قبل بضعة أسابيع هدد فيها السلطة الفلسطينية بالكشف عن دورها في الحرب على غزة، إذا أصرت على مواصلة دعم تقرير غولدستون.

وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد أكدت في أعدادها السابقة أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هو من اتخذ قرار مطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتأجيل مناقشة تقرير غولدستون، وذلك بناء على ضغوط أمريكية.

يذكر أن قرار تأجيل ريتشارد غولدستون أثار غضبا فلسطينيا عارما بين جميع الهيئات والفصائل الفلسطينية بما فيها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يرأسها عباس، كما أثار غضب واستهجان المنظمات الحقوقية التي وصفت التقرير بالحيادية والدقة والنزاهة.

هنية: قرار السلطة طلب تأجيل تقرير "غولدستون" يضع عائقا كثيفا أمام استعادة الوحدة

ألمح إسماعيل هنية رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة في غزة، إلى إمكانية أن يؤدي طلب السلطة في رام الله تأجيل عرض تقرير "غولدستون" على الأمم المتحدة إلى تأجيل جلسة المصالحة الفلسطينية المزمع عقدها أواخر الشهر الجاري، وذلك بعدما شن هجوما غير مسبوقا على السلطة ورئيسها محمود عباس على خلفية طلب تأجيل التقرير.

جاء ذلك في كلمة لهنية خلال جلسة خاصة عقدها المجلس التشريعي بمدينة غزة الاثنين (5/10) لعرض تقرير لجنة الرقابة وحقوق الإنسان بشأن تأجيل البحث في تقرير غولدستون، والتي تخللت طلبا واضحا من الدكتور صلاح البردويل الناطق باسم كتلة حماس البرلمانية من مصر بتأجيل جلسة المصالحة.

وقال هنية: "نحن نرى أن خطورة توقيت هذا القرار (طلب السلطة تأجيل تقرير غولدستون) توازي خطورة التوجه السياسي ذاته، فبدلا من أن يوحدوا شعبنا تجاه القدس والوصول لصفقة مشرفة ومصالحة حقيقية أدخلوا الشعب في هذا الجدل، هذا شيء مدبر".

وأضاف: "إن ما حدث نهج يجب أن يتوقف إذا ما أردنا تمتين الوحدة والصمود في وجه الاحتلال (..) إذا لم تزاح هذه القيادة عن مسرح الفعل سنبقى في أتون الفتنة الفلسطينية الداخلية".

واعتبر هنية قرار السلطة تأجيل عرض التقرير بأنه قرارا سياسيا، وأن له أبعادا أمنية ومالية وسياسية ومرتبط بحركة الإدارة الأمريكية ونشاطها بشأن التسوية.

وقال: "الخطورة أن هذا القرار جاء معترضا على استحقاقات وطنية كبرى، موضحا "الاستحقاق الأول هو ما يجري في القدس والأقصى وما يتعرض له أهلنا هناك، وشعبنا موحد ويتحرك من أجل القدس وأهلنا هناك يرابطون من أجل حمايته والدفاع عنه، يأتي هذا القرار ليضع عائقا كثيفا أمام استعادة الوحدة لحماية المسجد الأقصى والقدس".

وأوضح أن هذا الموقف لم يأتِ من فصيل ولا من مؤسسة حقوقية، "بل ممن يقول أنه يمثل الشعب"، وتساءل "كيف يمثل الشعب، وهل يحق لمثل هؤلاء أن يقولوا أننا ممثلون للشعب، هل حدث يوما أن سلطة تريد أن تقصف شعبها بالطيران، أو أن نظاما يقبل أن يموت أطفاله وهو يتفرج، ثم يقول أنا ممثل شرعي للشعب، بأي شكل يمكن أن نستوعب هذا السلوك".

وسخر هنية من ما أعلنته سلطة رام الله حول تشكيل لجنة تحقيق بالأمر، مؤكدا أن الفاعل معروف ولا يحتاج لتشكيل لجان متهما الرئيس عباس بذلك قائلا: "إن عباس هو الذي أعطى أوامره لممثله هناك في مجلس حقوق الإنسان لسحب القرار".

وأضاف: "هذا التلاعب ورمي الكرة ومحاولة التنصل غير مجدية، هذا قرار واضح جدا، إذا كان التشريعي الممثل للشعب المنتخب هو ضد القرار، وإذا كانت اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية ضد القرار وإذا كانت الفصائل ضد القرار، إذن من الذي اتخذ القرار؟ الذي اتخذ القرار هو دايتون، والصهاينة، والذي يتبع هذا النهج".

وكشف هنية عن بعض تفاصيل ما حدث في كواليس مجلس حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن حكومته تواصلت مع بعض الدوائر القريبة من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لمعرفة ما الذي جرى والتي أكدت أن طلب التأجيل جاء برسالة رسمية من قيادة السلطة بعدما رفض ممثل الدول العربية والإسلامية تحمل المسؤولية عن ذلك.

تقرير جولدستون .. رغم كل شيء ما خفي أعظم

أثارت التصريحات التي أطلقتها نيكول جولدستون ابنة القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد جولدستون رئيس لجنة تقصِّي الحقائق - التي شكَّلتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم العدوان الصهيوني على قطاع غزة في ديسمبر ويناير الماضيين - بشأن انتماء والدها للكيان الصهيوني؛ العديد من ردود الأفعال والنقاشات، بشأن الأسباب التي دعته إلى إصدار تقريره الشهير الذي دان فيه الكيان، وأكد ارتكابه جرائم حرب خلال العدوان على غزة.

لكنَّ الدهشة تتراجع إذا ما تابعنا تصريحات نيكول جولدستون التي أكدت - في ردِّها على منتقدي والدها - أنَّه لو كان شخصٌ آخر غير جولدستون هو الذي تولَّى التحقيق في العدوان، لكانت النتيجة أكثر سوءًا بالنسبة للكيان؛ حيث إنَّ حجم ما ارتُكِبَ في غزة من جرائم أكبر بكثير مما احتواه التقرير.

المهم أنه وفي الإطار لم يكن لأحد أن يتصور أن يثير هذا الشخص صاحب الوجه الهادئ كلَّ هذه الضجَّة .. معالم وجهه المندهشة قليلاً ممَّا شاهده عبر سنوات عمله الطويلة كمفوِّض دولي في مجال حقوق الإنسان، والتَّحقيقات التي أجراها في أكثر من موضع في العالم عن الفظائع التي ارتُكبت هناك؛ لا توحي أبدًا بأنه هو ذلك الرجل حديث العالم كله الآن. كان تقريره الصادر في سبتمبر من العام 2009م بشأن العدوان الصهيوني على قطاع غزة أحد أهم التقارير الصادرة ربما في تاريخ "الصراع العربي - الإسرائيلي"؛ حيث يعدُّ ما جاء فيه أقوى إدانة لـ"إسرائيل" تأتي من جهة تابعة للأمم المتحدة، ولذلك كان التقرير في حد ذاته أزمةً، ولذلك أيضًا أثار طلب السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية والإسلامية تأجيل نظر التقرير أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أزمةً أخرى.

التقرير مكوَّن من 574 صفحة، بالإضافة إلى ملخص تنفيذي زاد عن 20 صفحة، وقال بالحرف الواحد: "إن العملية العسكرية الصهيونية استهدفت شعب غزة بأكمله"، واستهدفت "معاقبة سكانه"، كما اعتبر استمرار الحصار الصهيوني على القطاع وإغلاق المعابر بمثابة "عقوبة جماعية، تمثل جريمةً ضد الإنسانية".

وفي توصياته دعا التقرير مجلسَ الأمن الدولي إلى مطالبة الكيان بإجراء تحقيقات مستقلة تتفق مع المعايير الدولية بشأن الجرائم التي ارتكبها الجيش في غزة، وأشار إلى أنه إذا لم يقبل الكيان بذلك "فيجب على مجلس الأمن أن يحيل الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية "لويس مورينو أوكامبو" في لاهاي بموجب القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

جولدستون الذي أثار هذه الضجة الكبرى بحياديته التامة في تقريره هو قاض يهودي من جنوب إفريقيا، وهو من مواليد 26 أكتوبر من العام 1938م، تخرَّج في كلية الحقوق بجامعة وايت ووتر سراند في العام 1962م، وعمل لفترة في سلك المحاماة والقضاء، وكان أعلى منصب تولاه هو قاضي المحكمة العليا في جنوب إفريقيا في العام 1980م؛ حيث خدم تسع سنوات، أُنِيطَ به خلالها مهمة تفسير الدستور الجديد لجنوب إفريقيا، الذي رتب مرحلة ما بعد انتهاء الحكم العنصري الأبيض، والإشراف على الانتقال السلمي للسلطة في البلاد إلى الأغلبية السوداء، وظلَّ في منصبه هذا حتى العام 2003م.

ولكنَّ جولدستون أصبح حديث وسائل الإعلام العالميَّة منذ اختياره في 3 أبريل الماضي رئيسًا للجنة الأممية لتقصِّي الحقائق في قطاع غزة.

وفي النهاية، حتى لو تمَّت المصادقة على تقرير جولدستون عن غزة، وحتى لو دان جولدستون حماس ببعض الاتهامات بسبب انتمائه اليهودي .. لكنْ تبقى له أهميته الكاشفة؛ حيث كشف عن جرائم "إسرائيل" في غزة، كما كشف المتآمرين على حقوق الشعب الفلسطيني ودماء الشهداء!.