الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ألف يوم في قبضة حماس.. ماذا بعد؟»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(١١ مراجعة متوسطة بواسطة ٥ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
{{مقالة مراجعة أراء}}
'''<center><font color="blue"><font size=5>ألف يوم في قبضة [[حماس]].. ماذا بعد؟</font></font></center>'''


[[ملف:ألف يوم في قبضة حماس.. ماذا بعد؟.jpg|تصغير|<center>'''جلعاد شاليط ..ألف يوم في قبضة [[حماس]] '''</center>]]
==مقدمة==
بغض النظر عما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف عن المآل النهائي للمفاوضات بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى مع [[حركة حماس]]، فإن مسألة أسر الجندي الأشهر عالميا جلعاد شاليط ستسجل في تاريخ [[المقاومة الفلسطينية]] داخل الأرض المحتلة كعلامة فارقة في المواجهة الدائرة مع الكيان الصهيوني .
 
بغض النظر عما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف عن المآل النهائي للمفاوضات بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة [[حماس]]، فإن مسألة أسر الجندي الأشهر عالميا جلعاد شاليط ستسجل في تاريخ [[المقاومة الفلسطينية]] داخل الأرض المحتلة كعلامة فارقة في المواجهة الدائرة مع الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] .


ولئن قدر للصفقة أن تتوقف عند ما أعلنه رئيس الحكومة ذو السجل الأكثر إخفاقا، فربما يحمل قادم الأيام والأسابيع والأشهر تطورات ملفتة على هذا الصعيد، إيجابية أو سلبية، لا سيما أن الصراع المحتدم بين الجانبين، وإن خفت بعض الشيء، آخذ معدله بالازدياد، لأنها سنة الكون في علاقة المحتل بالمقاوم.
ولئن قدر للصفقة أن تتوقف عند ما أعلنه رئيس الحكومة ذو السجل الأكثر إخفاقا، فربما يحمل قادم الأيام والأسابيع والأشهر تطورات ملفتة على هذا الصعيد، إيجابية أو سلبية، لا سيما أن الصراع المحتدم بين الجانبين، وإن خفت بعض الشيء، آخذ معدله بالازدياد، لأنها سنة الكون في علاقة المحتل بالمقاوم.


== مسلسل الأسر ==


[[ملف:ألف يوم في قبضة حماس.. ماذا بعد؟.jpg|تصغير|<center>'''جلعاد شاليط ..ألف يوم في قبضة [[حماس]] '''</center>]]


لا يمكن أن نغض الطرف على مناسبة مرور ألف يوم بالتمام والكمال على وجود شاليط في قبضة مقاتلي [[حماس]] الذي يوافق 20/3/[[2009]] ألف يوم وألف ليلة، من الملاحقة والمتابعة الأمنية على مدار الساعة، وحملات محمومة لتحصيل أي معلومة مهما كانت تافهة، وأجهزة الأمن الإسرائيلية تسلط على [[غزة]] مختلف جواسيسها وتكنولوجيتها وأقمارها الصناعية، دون أن تعثر على خيط رفيع يوصلها لجنديها الذي عرضت على ال[[فلسطين]]يين ملايين طائلة ليدلوا على مكانه!


العودة إلى تاريخ المواجهة بين المقاومة و الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] يشير إلى أن [[حركة حماس]] تعتبر الفصيل الأكثر بروزا الذي تمكن من القيام بعمليات أسر للجنود والمستوطنين داخل الأرض المحتلة، حيث جرت العديد من العمليات النوعية في تاريخ المقاومة لكنها كانت في الخارج، وشكل شاليط آخر حالة وليست الأخيرة في هذا المسلسل المتواصل، وكان الهدف دائما -ولا يزال- الأسرى والمعتقلين في السجون.


== مسلسل الأسر ==
'''وقد نفّذت [[كتائب الشهيد عز الدين القسام|كتائب القسام]] أغلب هذه العمليات، ومن أهمها:'''
 
لا يمكن أن نغض الطرف على مناسبة مرور ألف يوم بالتمام والكمال على وجود شاليط في قبضة مقاتلي [[حماس]] الذي يوافق 20/3/[[2009]] ألف يوم وألف ليلة، من الملاحقة والمتابعة الأمنية على مدار الساعة، وحملات محمومة لتحصيل أي معلومة مهما كانت تافهة، وأجهزة الأمن الإسرائيلية تسلط على [[غزة]] مختلف جواسيسها وتكنولوجيتها وأقمارها الصناعية، دون أن تعثر على خيط رفيع يوصلها لجنديها الذي عرضت على الفلسطينيين ملايين طائلة ليدلوا على مكانه!
 
 
العودة إلى تاريخ المواجهة بين [[المقاومة]] وإسرائيل يشير إلى أن [[حركة حماس]] تعتبر الفصيل الأكثر بروزا الذي تمكن من القيام بعمليات أسر للجنود والمستوطنين داخل الأرض المحتلة، حيث جرت العديد من العمليات النوعية في تاريخ المقاومة لكنها كانت في الخارج، وشكل شاليط آخر حالة وليست الأخيرة في هذا المسلسل المتواصل، وكان الهدف دائما -ولا يزال- الأسرى والمعتقلين في السجون.


'''وقد نفّذت [[كتائب القسام]] أغلب هذه العمليات، ومن أهمها:''' 17/2/[[1988]] ، أسر الرقيب آفي ساسبورتس، 3/5/[[1989]] أسر الجندي إيلان سعدون، 18/9/[[1992]] أسر الجندي آلون كرفاتي، 13/12/[[1992]] أسر الرقيب نسيم طوليدانو، 7/3/[[1993]] أسر الجندي يوهوشع فريدبرغ، 20/4/[[1993]] محاولة أسر الملازم شاهار سيماني، 6/5/[[1993]] محاولة أسر العقيد غول مي، 6/7/[[1993]] أسر الجنديّ أرييه فرنكتال، 5/8/[[1993]] مقتل العريف يارون حيمس بعد مقاومته للأسر، 22/9/[[1993]] مقتل الجندي الاحتياط بيجال فاكنين بعد أسره، 24/10/[[1993]] مقتل الرقيب يهود روك والعريف إيلان ليفي أثناء محاولة أسرهما، 11/10/[[1994]] أسر الجنديّ نخشون فاكسمان، يوليو/تموز [[2003]] مقتل الجندي أوليك شاحيط خلال عملية أسر تعرض لها، 21/9/[[2005]] أسر عضو جهاز الشاباك ساسون نورائيل وقتله، 25/6 /[[2006]] أسر الجندي جلعاد شاليط، 27/6 /[[2006]] أسر الجندي إلياهو بنحاس أشري وقتله.
17/2/[[1988]] ، أسر الرقيب آفي ساسبورتس، 3/5/[[1989]] أسر الجندي إيلان سعدون، 18/9/[[1992]] أسر الجندي آلون كرفاتي، 13/12/[[1992]] أسر الرقيب نسيم طوليدانو، 7/3/[[1993]] أسر الجندي يوهوشع فريدبرغ، 20/4/[[1993]] محاولة أسر الملازم شاهار سيماني، 6/5/[[1993]] محاولة أسر العقيد غول مي، 6/7/[[1993]] أسر الجنديّ أرييه فرنكتال، 5/8/[[1993]] مقتل العريف يارون حيمس بعد مقاومته للأسر، 22/9/[[1993]] مقتل الجندي الاحتياط بيجال فاكنين بعد أسره، 24/10/[[1993]] مقتل الرقيب يهود روك والعريف إيلان ليفي أثناء محاولة أسرهما، 11/10/[[1994]] أسر الجنديّ نخشون فاكسمان، [[يوليو]]/تموز [[2003]] مقتل الجندي أوليك شاحيط خلال عملية أسر تعرض لها، 21/9/[[2005]] أسر عضو جهاز الشاباك ساسون نورائيل وقتله، 25/6 /[[2006]] أسر الجندي جلعاد شاليط، 27/6 /[[2006]] أسر الجندي إلياهو بنحاس أشري وقتله.


إلى جانب سلسلة طويلة من العمليات التي استهدفت أسر جنود ومستوطنين، لكنها لم تكلل بالنجاح لأسباب أمنية في معظم الأحيان، ما دفع الجيش الإسرائيلي في مطلع فبراير/شباط [[2004]] إلى تشكيل ثلاث أفرقة عسكرية مكونة من تسع كتائب تضم أكثر من 1800 جندي للتدرب على سيناريوهات لمواجهة عمليات أسر تقوم بها حركات المقاومة.
إلى جانب سلسلة طويلة من العمليات التي استهدفت أسر جنود ومستوطنين، لكنها لم تكلل بالنجاح لأسباب أمنية في معظم الأحيان، ما دفع الجيش الإسرائيلي في مطلع [[فبراير]]/شباط [[2004]] إلى تشكيل ثلاث أفرقة عسكرية مكونة من تسع كتائب تضم أكثر من 1800 جندي للتدرب على سيناريوهات لمواجهة عمليات أسر تقوم بها حركات المقاومة.


ويأتي لجوء المقاومة إلى عمليات خطف العسكريّين الإسرائيليين في طور إحياء إستراتيجية ثابتة اعتمدتها منذ زمن بعيد، لا سيما أن هناك عوامل متعددة من شأنها أن تساعد في اعتماد هذه الإستراتيجية، كما أن هناك عوامل تعترض سبيل تطبيقها بالشكل المطلوب، خاصة أن مثل هذه العمليات ذات جدوى سياسية ودولية أكبر من باقي أشكال [[المقاومة]] ، وربما أكثر كلفة.
ويأتي لجوء المقاومة إلى عمليات خطف العسكريّين الإسرائيليين في طور إحياء إستراتيجية ثابتة اعتمدتها منذ زمن بعيد، لا سيما أن هناك عوامل متعددة من شأنها أن تساعد في اعتماد هذه الإستراتيجية، كما أن هناك عوامل تعترض سبيل تطبيقها بالشكل المطلوب، خاصة أن مثل هذه العمليات ذات جدوى سياسية ودولية أكبر من باقي أشكال المقاومة، وربما أكثر كلفة.


وبالتالي فلم تكن حادثة أسر شاليط أمرا استثنائيا، ومع ذلك بقي تطبيق هذه الإستراتيجية على الواقع الفلسطيني، وإمكانية التحكم بها كما هو الحال مع المقاومة اللبنانية، مرتبطا بإدارة القضية من قِبَل [[المقاومة]] أمنيا وسياسيا بذكاء، وضمن جغرافيا آمنة وشديدة السرية يمكن أن تُتَوّج بتسجيل نجاح إستراتيجي، يتمثل بالإفراج عن الأسرى.
وبالتالي فلم تكن حادثة أسر شاليط أمرا استثنائيا، ومع ذلك بقي تطبيق هذه الإستراتيجية على الواقع ال[[فلسطين]]ي، وإمكانية التحكم بها كما هو الحال مع المقاومة اللبنانية، مرتبطا بإدارة القضية من قِبَل المقاومة أمنيا وسياسيا بذكاء، وضمن جغرافيا آمنة وشديدة السرية يمكن أن تُتَوّج بتسجيل نجاح إستراتيجي، يتمثل بالإفراج عن الأسرى.


إلى جانب عوامل مهمّة تتمثل في طبيعة التركيبة الجغرافية للأراضي الفلسطينية سواءً في الضفة أو القطاع، ولا تساعد في سهولة إخفاء المختَطَفين من قبَل الاحتلال، أو حتى إمكانية نصب كمائن للاختطاف.
إلى جانب عوامل مهمّة تتمثل في طبيعة التركيبة الجغرافية للأراضي ال[[فلسطين]]ية سواءً في الضفة أو القطاع، ولا تساعد في سهولة إخفاء المختَطَفين من قبَل الاحتلال، أو حتى إمكانية نصب كمائن للاختطاف.


وبدا واضحا قبل وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على [[غزة]] أن حركات [[المقاومة الفلسطينية]] بذلت جهودا حثيثة للنجاح في أسر جنود واحتجازهم كرهائن بهدف استبدالهم بمعتقلين، وهو ما اعترف به ضباط كبار في المنطقة الجنوبية خلال مجريات عملية '''"الرصاص المسكوب"'''.
وبدا واضحا قبل وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على [[غزة]] أن حركات [[المقاومة الفلسطينية]] بذلت جهودا حثيثة للنجاح في أسر جنود واحتجازهم كرهائن بهدف استبدالهم بمعتقلين، وهو ما اعترف به ضباط كبار في المنطقة الجنوبية خلال مجريات عملية '''"الرصاص المسكوب"'''.


كما أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن [[حركة حماس]] تقوم بصورة دائمة بجمع معلومات عن تحركات الجنود وتنقلاتهم المختلفة، ونتيجة لذلك اشتعلت في أوساط المؤسسة الأمنية والعسكرية الأضواء الحمراء من تحذيرات حقيقية تتعلق بنوايا تسلل مقاتلي [[حماس]] إلى قواعد عسكرية، ومحاولة احتجاز قادة وجنود من داخلها كرهائن، وانسجاما مع ذلك يقوم الجيش بين الحين والآخر بتحذير جنوده من مغبة السفر في سيارات مشبوهة.
كما أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن حركة [[حماس]] تقوم بصورة دائمة بجمع معلومات عن تحركات الجنود وتنقلاتهم المختلفة، ونتيجة لذلك اشتعلت في أوساط المؤسسة الأمنية والعسكرية الأضواء الحمراء من تحذيرات حقيقية تتعلق بنوايا تسلل مقاتلي [[حماس]] إلى قواعد عسكرية، ومحاولة احتجاز قادة وجنود من داخلها كرهائن، وانسجاما مع ذلك يقوم الجيش بين الحين والآخر بتحذير جنوده من مغبة السفر في سيارات مشبوهة.
 


== عض الأصابع ==
== عض الأصابع ==


شكلت عملية أسر شاليط تحولا نوعيا من النواحي العسكرية والأمنية والميدانية في عمل [[المقاومة]] ، سواء من الطريقة التي اتبعتها في تنفيذ عملية '''"الوهم المتبدد"'''، أو من النتائج الخطيرة التي أسفرت عنها، ولعل النتيجة الأهم هي نجاح المقاومة في أسر الجندي وإخراجه من ساحة المعركة '''"حيا يرزق"'''، والاحتفاظ به حتى كتابة هذه السطور في منطقة لا تتجاوز مساحتها شارعا فرعيا في عواصم العرب.
[[ملف:29e90d4011813536.jpg|يسار|200بك]]


'''وطوال الألف يوم من أسر الجندي الإسرائيلي ينبغي تسجيل عدة نقاط لصالح [[المقاومة]] ، ما يدفعنا للزعم مسبقا بأن صفقة التبادل التي تعثرت مؤخرا ناجحة سلفا للأسباب التالية:'''
شكلت عملية أسر شاليط تحولا نوعيا من النواحي العسكرية والأمنية والميدانية في عمل المقاومة ، سواء من الطريقة التي اتبعتها في تنفيذ عملية '''"الوهم المتبدد"'''، أو من النتائج الخطيرة التي أسفرت عنها، ولعل النتيجة الأهم هي نجاح المقاومة في أسر الجندي وإخراجه من ساحة المعركة '''"حيا يرزق"'''، والاحتفاظ به حتى كتابة هذه السطور في منطقة لا تتجاوز مساحتها شارعا فرعيا في عواصم العرب.


1- منذ اللحظة التي تمكن فيها المقاومون من تنفيذ عمليتهم في قلب الموقع العسكري الإسرائيلي، وقتل وجرح عدد من الجنود، وتمكنهم من اقتياد أحدهم حيا يرزق على أقدامهم إلى داخل قواعدهم بأعصاب هادئة أثارت أعصاب جنرالات الكيان الصهيوني .
'''وطوال الألف يوم من أسر الجندي الإسرائيلي ينبغي تسجيل عدة نقاط لصالح المقاومة ، ما يدفعنا للزعم مسبقا بأن صفقة التبادل التي تعثرت مؤخرا ناجحة سلفا للأسباب التالية:'''


2- احتفاظ [[حماس]] بالجندي حيا يرزق طوال ألف يوم متواصل بلياليها في بقعة جغرافية لا يتجاوز طولها أربعين كيلومترا، فيما الاحتلال يمتلك أقوى أجهزة المراقبة وأدوات التنصت وطائرات الاستطلاع، ويعجز عن تحديد مكان جنديه الأسير.
:1- منذ اللحظة التي تمكن فيها المقاومون من تنفيذ عمليتهم في قلب الموقع العسكري الإسرائيلي، وقتل وجرح عدد من الجنود، وتمكنهم من اقتياد أحدهم حيا يرزق على أقدامهم إلى داخل قواعدهم بأعصاب هادئة أثارت أعصاب جنرالات الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] .


3- نجاح [[المقاومة]] في إدارة حرب أعصاب حقيقية مع الاحتلال منذ اليوم الأول من خلال '''"الشح"''' المقصود في المعلومات، وتوتير نفوس قادة الجيش الإسرائيلي، فيما تبدي حكومتهم '''"تعطشا مذلا"''' لأي معلومة مهما كانت صغيرة.
:2- احتفاظ [[حماس]] بالجندي حيا يرزق طوال ألف يوم متواصل بلياليها في بقعة جغرافية لا يتجاوز طولها أربعين كيلومترا، فيما الاحتلال يمتلك أقوى أجهزة المراقبة وأدوات التنصت وطائرات الاستطلاع، ويعجز عن تحديد مكان جنديه الأسير.


4- في الوقت الذي تعودت فيه الكيان الصهيوني إطلاق التهديدات والإنذارات، والفلسطينيون عليهم الاستجابة لها والتراجع في اللحظة الأخيرة، تمسكت المقاومة هذه المرة بزمام المبادرة، وأطلقت إنذاراتها، وأمهلت الدولة العبرية عدة فرص، وإلا سيطوى ملف الجندي!
:3- نجاح المقاومة في إدارة حرب أعصاب حقيقية مع الاحتلال منذ اليوم الأول من خلال '''"الشح"''' المقصود في المعلومات، وتوتير نفوس قادة الجيش الإسرائيلي، فيما تبدي حكومتهم '''"تعطشا مذلا"''' لأي معلومة مهما كانت صغيرة.


5- تمكن [[حماس]] من الدخول إلى قلب الساحة الإسرائيلية وإحداث هذه الاختلافات العلنية بين أركان المؤسسة العسكرية والأمنية، بحيث يتبادل الجنرالات والوزراء الاتهامات بشأن التقصير الذي أدى في نهاية الأمر إلى إفشال الصفقة.
:4- في الوقت الذي تعودت فيه الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] إطلاق التهديدات والإنذارات، وال[[فلسطين]]يون عليهم الاستجابة لها والتراجع في اللحظة الأخيرة، تمسكت المقاومة هذه المرة بزمام المبادرة، وأطلقت إنذاراتها، وأمهلت الدولة العبرية عدة فرص، وإلا سيطوى ملف الجندي!


'''وبعد أن أعلن الكيان الإسرائيلي التوقف '''"المرحلي"''' للمفاوضات حول إبرام الصفقة، وعدم إغلاقه الباب كليا لمعاودتها في شروط وظروف أخرى، يصبح من المشروع في هذه العجالة وضع سلة من التوقعات بشأن النهاية المحتملة لهذه الصفقة، على النحو التالي:'''
:5- تمكن [[حماس]] من الدخول إلى قلب الساحة الإسرائيلية وإحداث هذه الاختلافات العلنية بين أركان المؤسسة العسكرية والأمنية، بحيث يتبادل الجنرالات والوزراء الاتهامات بشأن التقصير الذي أدى في نهاية الأمر إلى إفشال الصفقة.


أ- أن يتنازل الكيان الصهيوني وتستجيب لمطالب [[حماس]] وتفرج عن أسرى '''"ثقيلي العيار"'''، وهو احتمال سيبقى قويا طالما أن فرصة عودة الجندي إلى منزله حيا قوية، وبالتأكيد إذا ما وافقت إسرائيل فإن [[حماس]] سيسعدها أن ترمي حبة '''"البطاطا الساخنة"''' من فمها، وتتنازل عن الجندي الذي استجلب لها وجع الرأس، إلا أن العائق الوحيد أمام نجاح هذا السيناريو كما أعلنه مؤخرا أولمرت أنه لن يخضع للابتزاز ولن يفاوض ولن يفرج عن أسرى.
'''وبعد أن أعلن الكيان [[الصهيونية|الصهيونى]] التوقف '''"المرحلي"''' للمفاوضات حول إبرام الصفقة، وعدم إغلاقه الباب كليا لمعاودتها في شروط وظروف أخرى، يصبح من المشروع في هذه العجالة وضع سلة من التوقعات بشأن النهاية المحتملة لهذه الصفقة، على النحو التالي:'''


ب- أن تنزل [[حماس]] عن الشجرة العالية التي وجدت نفسها فوقها، وتتنازل عن الجندي وتعيده سالما مكتفية بما تقدمه إسرائيل من '''"فتات"''' لا يساوي حجم التضحيات وكلفة الدماء التي أريقت خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تبين أن مثل هذا الخيار لم يراود أحدا من آسري الجندي، فضلا عن قيادتهم السياسية، نظرا لتعلق الآلاف من الفلسطينيين بنجاح الصفقة والإفراج عن أبنائهم لاحقا.
- أن يتنازل الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] وتستجيب لمطالب [[حماس]] وتفرج عن أسرى '''"ثقيلي العيار"'''، وهو احتمال سيبقى قويا طالما أن فرصة عودة الجندي إلى منزله حيا قوية، وبالتأكيد إذا ما وافقت الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] فإن [[حماس]] سيسعدها أن ترمي حبة '''"البطاطا الساخنة"''' من فمها، وتتنازل عن الجندي الذي استجلب لها وجع الرأس، إلا أن العائق الوحيد أمام نجاح هذا السيناريو كما أعلنه مؤخرا أولمرت أنه لن يخضع للابتزاز ولن يفاوض ولن يفرج عن أسرى.


ت- أن تسارع إسرائيل لعملية كوماندوز لإنقاذ الجندي من الأسر، وجنرالات الجيش لم يخرجوا هذا الاحتمال أصلا من أجندتهم كما فعلوا في [[1994]] مع الجندي نخشون فاكسمان، لكن التنفيذ الناجح يحتاج معلومات استخبارية دقيقة جدا، وفي هذا المضمار تنتظر المخابرات أن يخطئ الآسرون أي خطأ.
- أن تنزل [[حماس]] عن الشجرة العالية التي وجدت نفسها فوقها، وتتنازل عن الجندي وتعيده سالما مكتفية بما تقدمه إسرائيل من '''"فتات"''' لا يساوي حجم التضحيات وكلفة الدماء التي أريقت خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تبين أن مثل هذا الخيار لم يراود أحدا من آسري الجندي، فضلا عن قيادتهم السياسية، نظرا لتعلق الآلاف من ال[[فلسطين]]يين بنجاح الصفقة والإفراج عن أبنائهم لاحقا.


وفي هذه النقطة بالذات، تشير مصادر الجيش إلى أن الجندي محتجز في منطقة سكانية مكتظة، وليس مثل فاكسمان في قرية صغيرة، وبالتالي سيسارع الفلسطينيون لإعدامه إذا ما شعروا أن الخطر يقترب منهم، ولا يبقى لإسرائيل سوى أن تعيد الجندي جثة هامدة.
:ت- أن تسارع الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] لعملية كوماندوز لإنقاذ الجندي من الأسر، وجنرالات الجيش لم يخرجوا هذا الاحتمال أصلا من أجندتهم كما فعلوا في [[1994]] مع الجندي نخشون فاكسمان، لكن التنفيذ الناجح يحتاج معلومات استخبارية دقيقة جدا، وفي هذا المضمار تنتظر المخابرات أن يخطئ الآسرون أي خطأ.


ث- تجميد القضية لعدة أسابيع أو أشهر، حيث ترتفع حدة ردود الفعل وتنخفض بناء على الآمال الكبيرة التي تم تعليقها على المفاوضات الماراثونية الأخيرة في القاهرة، وحينها قد تلجأ [[حماس]] للمواجهة المستمرة دون النظر إلى مصير الجندي، وستجد نفسها راغبة حينها بإدارة مفاوضة إسرائيل على '''"الطريقة الإيرانية"''' على نار هادئة، أي أن المواجهات العسكرية تبقى مستمرة، في حين ستقوم جهات دولية بالتفاوض السري.
:وفي هذه النقطة بالذات، تشير مصادر الجيش إلى أن الجندي محتجز في منطقة سكانية مكتظة، وليس مثل فاكسمان في قرية صغيرة، وبالتالي سيسارع ال[[فلسطين]]يون لإعدامه إذا ما شعروا أن الخطر يقترب منهم، ولا يبقى لإسرائيل سوى أن تعيد الجندي جثة هامدة.


د- تنازل رمزي وشكلي، بأن يعثر الطرفان على صيغة حل شكلية رمزية كأن يضطر الكيان الصهيوني للإفراج عن بضع مئات من الأسرى '''"غير الخطرين"'''، الذين لا يهدد الإفراج عنهم أمنها، وأن الإفراج عنهم كان لخاطر محمود عباس وليس لعيون [[حماس]]، أو أنها ستفرج لاحقا في وقت غير محدد عن أسرى.
- تجميد القضية لعدة أسابيع أو أشهر، حيث ترتفع حدة ردود الفعل وتنخفض بناء على الآمال الكبيرة التي تم تعليقها على المفاوضات الماراثونية الأخيرة في [[القاهرة]]، وحينها قد تلجأ [[حماس]] للمواجهة المستمرة دون النظر إلى مصير الجندي، وستجد نفسها راغبة حينها بإدارة مفاوضة إسرائيل على '''"الطريقة الإيرانية"''' على نار هادئة، أي أن المواجهات العسكرية تبقى مستمرة، في حين ستقوم جهات دولية بالتفاوض السري.


ذ- استنساخ '''"موديل"''' الطيار المفقود منذ أكثر من عشرين عاما رون أراد، وهناك من يفهم في إسرائيل قول [[حماس]] إن ملف الجندي قد يطوى بأن المقصود تأجيل البحث في أمره لسنوات قادمة، وهو حل منطقي قد يبدو سهلا ل[[حماس]]، فهي لن تضطر للإعلان عن قتله، ولا أن تعيده مجانا.
- تنازل رمزي وشكلي، بأن يعثر الطرفان على صيغة حل شكلية رمزية كأن يضطر الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] للإفراج عن بضع مئات من الأسرى '''"غير الخطرين"'''، الذين لا يهدد الإفراج عنهم أمنها، وأن الإفراج عنهم كان لخاطر [[محمود عباس]] وليس لعيون [[حماس]]، أو أنها ستفرج لاحقا في وقت غير محدد عن أسرى.


ح- قتل الجندي بدعوى أن قنبلة إسرائيلية قتلته، كما حصل في التسريبات التي شهدتها حرب [[غزة]] الأخيرة حول إصابة الجندي في إحدى حالات القصف الصهيوني، والنتيجة المتوقعة أن يضرب الكيان الصهيوني رأس [[حماس]] في [[غزة]] أو دمشق إن تأكدت أن جنديها عائد إليها هذه المرة في تابوت أسود.
- استنساخ '''"موديل"''' الطيار المفقود منذ أكثر من عشرين عاما رون أراد، وهناك من يفهم في إسرائيل قول [[حماس]] إن ملف الجندي قد يطوى بأن المقصود تأجيل البحث في أمره لسنوات قادمة، وهو حل منطقي قد يبدو سهلا ل[[حماس]]، فهي لن تضطر للإعلان عن قتله، ولا أن تعيده مجانا.


:ح- قتل الجندي بدعوى أن قنبلة إسرائيلية قتلته، كما حصل في التسريبات التي شهدتها حرب [[غزة]] الأخيرة حول إصابة الجندي في إحدى حالات القصف الصهيوني، والنتيجة المتوقعة أن يضرب الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] رأس [[حماس]] في [[غزة]] أو دمشق إن تأكدت أن جنديها عائد إليها هذه المرة في تابوت أسود.


== ضوابط لازمة ==
== ضوابط لازمة ==


في المقابل، واضح أن [[حماس]] خاضت مفاوضات ماراثونية قيل الكثير عنها لمحاولة تحقيق مطالبها التي يلتف حولها آلاف الأسر والعائلات الفلسطينية، وربما كانت أكثر الأطراف رغبة في وصول المفاوضات إلى مآلها الطبيعي عبر الإفراج عن جملة كبيرة من المعتقلين.
في المقابل، واضح أن [[حماس]] خاضت مفاوضات ماراثونية قيل الكثير عنها لمحاولة تحقيق مطالبها التي يلتف حولها آلاف الأسر والعائلات ال[[فلسطين]]ية، وربما كانت أكثر الأطراف رغبة في وصول المفاوضات إلى مآلها الطبيعي عبر الإفراج عن جملة كبيرة من المعتقلين.


لا سيما أن الأسماء التي تم تسريبها ونوعياتهم وثقلهم المقاوم سيشكل فيما لو نجحت الصفقة، حاليا أو لاحقا، إنجازا تاريخيا للحركة، وتقدم رافعة شعبية وجماهيرية لها في مثل هذه الظروف الحرجة، وتتويجا لها على مواجهة الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
لا سيما أن الأسماء التي تم تسريبها ونوعياتهم وثقلهم المقاوم سيشكل فيما لو نجحت الصفقة، حاليا أو لاحقا، إنجازا تاريخيا للحركة، وتقدم رافعة شعبية وجماهيرية لها في مثل هذه الظروف الحرجة، وتتويجا لها على مواجهة الحرب الإسرائيلية الأخيرة.


''''''وبالتالي'''، يتطلب ذلك من الحركة دراسة الخيارات التالية ووضع عدد من الضوابط اللازمة خلال المرحلة القادمة، بعين فاحصة وقلب مستنير:'''
'''وبالتالي، يتطلب ذلك من الحركة دراسة الخيارات التالية ووضع عدد من الضوابط اللازمة خلال المرحلة القادمة، بعين فاحصة وقلب مستنير:'''
 
1- ليس عيبا ولا خطأ ولا تراجعا، إعادة حسابات الصفقة والمطالب المقدمة. لا يجب أن يفهم من كلامي هذا تقديم تنازلات ما، لكن ربما يكون من الأجدى ل[[حماس]] والقضية العادلة التي تحملها في هذا الملف عدم ترحيل مفاوضات الصفقة للحكومة الإسرائيلية القادمة، لاعتبارات لم تعد تخفى على كاتب هذه السطور وقارئيها، رغم أنني لا أنفي بالمطلق إمكانية خضوع نتنياهو لشروط [[حماس]] لأسباب تخصه بالدرجة الأولى.


2- حتى في ظل تسلم اليمين الديني المتطرف زمام الحكم في إسرائيل، بالإمكان الاستمرار في المفاوضات حول إبرام الصفقة، لا سيما أن بعض صفقات التبادل تمت في الماضي في ظل حكومات اليمين، لكن المقاربات قد تكون مختلفة بعض الشيء هذه المرة في ظل ائتلاف يميني من''' "الليكود وشاس وإسرائيل بيتنا"''' كتب في نصوص تحالفه البرلماني بندا خاصا يطالب بإسقاط حكومة [[حماس]] بالقوة.
::1- ليس عيبا ولا خطأ ولا تراجعا، إعادة حسابات الصفقة والمطالب المقدمة. لا يجب أن يفهم من كلامي هذا تقديم تنازلات ما، لكن ربما يكون من الأجدى ل[[حماس]] والقضية العادلة التي تحملها في هذا الملف عدم ترحيل مفاوضات الصفقة للحكومة الإسرائيلية القادمة، لاعتبارات لم تعد تخفى على كاتب هذه السطور وقارئيها، رغم أنني لا أنفي بالمطلق إمكانية خضوع نتنياهو لشروط [[حماس]] لأسباب تخصه بالدرجة الأولى.


::2- حتى في ظل تسلم اليمين الديني المتطرف زمام الحكم في إسرائيل، بالإمكان الاستمرار في المفاوضات حول إبرام الصفقة، لا سيما أن بعض صفقات التبادل تمت في الماضي في ظل حكومات اليمين، لكن المقاربات قد تكون مختلفة بعض الشيء هذه المرة في ظل ائتلاف يميني من''' "الليكود وشاس و الكيان [[الصهيونية|الصهيوني]] بيتنا"''' كتب في نصوص تحالفه البرلماني بندا خاصا يطالب بإسقاط حكومة [[حماس]] بالقوة.


3- بالإمكان بنوع من الذكاء والحسابات التحالفية الدقيقة البحث عن وسطاء جدد قد يشكلون ثقلا على تل أبيب، مع عدم إغضاب الوسيط الحالي الذي ترى [[حماس]] نفسها مضطرة ومكرهة لإبقائه، وليس بالضرورة طي صفحته في الصفقة، لكن قد يكون استدعاء وسطاء جدد على غرار الألمان والفرنسيين أمرا فيه بعض النتائج الإيجابية.
::3- بالإمكان بنوع من الذكاء والحسابات التحالفية الدقيقة البحث عن وسطاء جدد قد يشكلون ثقلا على تل أبيب، مع عدم إغضاب الوسيط الحالي الذي ترى [[حماس]] نفسها مضطرة ومكرهة لإبقائه، وليس بالضرورة طي صفحته في الصفقة، لكن قد يكون استدعاء وسطاء جدد على غرار الألمان والفرنسيين أمرا فيه بعض النتائج الإيجابية.


4- لا بد من الآن فصاعدا في ظل تعنت الإسرائيليين وتحميلهم [[حماس]] مسؤولية إعاقة الصفقة وإفشالها، فرض تعتيم إعلامي و'''"رقابة عسكرية حديدية"''' حول كل ما قد يقال عن الجندي وظروفه وأوضاعه، وحظر أي تواصل مع أي منظمة تتستر بالإنسانية والجوانب القانونية، تطلب تسجيلا هنا، وشريط فيديو هناك عن الجندي، والأكثر من ذلك عدم تحويل قضية الجندي إلى '''"بازار"''' إعلامي لكل من هب ودب، يقدم فتواه فيها، في ظل حساسية هذا الملف وخطورة أي معلومة قد تلقى هنا وهناك.
::4- لا بد من الآن فصاعدا في ظل تعنت الإسرائيليين وتحميلهم [[حماس]] مسؤولية إعاقة الصفقة وإفشالها، فرض تعتيم إعلامي و'''"رقابة عسكرية حديدية"''' حول كل ما قد يقال عن الجندي وظروفه وأوضاعه، وحظر أي تواصل مع أي منظمة تتستر بالإنسانية والجوانب القانونية، تطلب تسجيلا هنا، وشريط فيديو هناك عن الجندي، والأكثر من ذلك عدم تحويل قضية الجندي إلى '''"بازار"''' إعلامي لكل من هب ودب، يقدم فتواه فيها، في ظل حساسية هذا الملف وخطورة أي معلومة قد تلقى هنا وهناك.
 
'''أخيرا'''.. ورغم أن الساسة الإسرائيليين يؤكدون أنهم لا يمكن أن يرضخوا لما يسمونها '''"ابتزازات"''' [[حركة حماس]] حين تقوم بأسر جنودهم من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فإن التجربة التاريخية تشير إلى أنهم أجروا مفاوضات سابقة مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية مرات ومرات، لكنهم يبررون رفضهم هذه المرة بأن [[حماس]] عدو يعمل من الداخل، كما يقولون، مما يجعل مبدأ المساومة معها ضربا من المستحيل، والخضوع لمطالبها نوعا من الانكسار الكبير، لكن ذلك ما تم فعلا!


'''أخيرا'''.. ورغم أن الساسة الإسرائيليين يؤكدون أنهم لا يمكن أن يرضخوا لما يسمونها '''"ابتزازات"''' [[حركة حماس]] حين تقوم بأسر جنودهم من أجل مبادلتهم بأسرى [[فلسطين]]يين، فإن التجربة التاريخية تشير إلى أنهم أجروا مفاوضات سابقة مع المقاومتين ال[[لبنان]]ية وال[[فلسطين]]ية مرات ومرات، لكنهم يبررون رفضهم هذه المرة بأن [[حماس]] عدو يعمل من الداخل، كما يقولون، مما يجعل مبدأ المساومة معها ضربا من المستحيل، والخضوع لمطالبها نوعا من الانكسار الكبير، لكن ذلك ما تم فعلا!


'''المصدر : الجزيرة نت'''
'''المصدر : الجزيرة نت'''


[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
سطر ٩٥: سطر ٩٢:
[[تصنيف:أراء وأفكار حول القضية الفلسطينية]]
[[تصنيف:أراء وأفكار حول القضية الفلسطينية]]
[[تصنيف:أحداث فلسطينية]]
[[تصنيف:أحداث فلسطينية]]
[[تصنيف:المقالة الجيدة]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٣:٥٨، ٤ مارس ٢٠١٣

ألف يوم في قبضة حماس.. ماذا بعد؟

مقدمة

بغض النظر عما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف عن المآل النهائي للمفاوضات بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، فإن مسألة أسر الجندي الأشهر عالميا جلعاد شاليط ستسجل في تاريخ المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة كعلامة فارقة في المواجهة الدائرة مع الكيان الصهيوني .

ولئن قدر للصفقة أن تتوقف عند ما أعلنه رئيس الحكومة ذو السجل الأكثر إخفاقا، فربما يحمل قادم الأيام والأسابيع والأشهر تطورات ملفتة على هذا الصعيد، إيجابية أو سلبية، لا سيما أن الصراع المحتدم بين الجانبين، وإن خفت بعض الشيء، آخذ معدله بالازدياد، لأنها سنة الكون في علاقة المحتل بالمقاوم.

مسلسل الأسر

جلعاد شاليط ..ألف يوم في قبضة حماس

لا يمكن أن نغض الطرف على مناسبة مرور ألف يوم بالتمام والكمال على وجود شاليط في قبضة مقاتلي حماس الذي يوافق 20/3/2009 ألف يوم وألف ليلة، من الملاحقة والمتابعة الأمنية على مدار الساعة، وحملات محمومة لتحصيل أي معلومة مهما كانت تافهة، وأجهزة الأمن الإسرائيلية تسلط على غزة مختلف جواسيسها وتكنولوجيتها وأقمارها الصناعية، دون أن تعثر على خيط رفيع يوصلها لجنديها الذي عرضت على الفلسطينيين ملايين طائلة ليدلوا على مكانه!

العودة إلى تاريخ المواجهة بين المقاومة و الكيان الصهيوني يشير إلى أن حركة حماس تعتبر الفصيل الأكثر بروزا الذي تمكن من القيام بعمليات أسر للجنود والمستوطنين داخل الأرض المحتلة، حيث جرت العديد من العمليات النوعية في تاريخ المقاومة لكنها كانت في الخارج، وشكل شاليط آخر حالة وليست الأخيرة في هذا المسلسل المتواصل، وكان الهدف دائما -ولا يزال- الأسرى والمعتقلين في السجون.

وقد نفّذت كتائب القسام أغلب هذه العمليات، ومن أهمها:

17/2/1988 ، أسر الرقيب آفي ساسبورتس، 3/5/1989 أسر الجندي إيلان سعدون، 18/9/1992 أسر الجندي آلون كرفاتي، 13/12/1992 أسر الرقيب نسيم طوليدانو، 7/3/1993 أسر الجندي يوهوشع فريدبرغ، 20/4/1993 محاولة أسر الملازم شاهار سيماني، 6/5/1993 محاولة أسر العقيد غول مي، 6/7/1993 أسر الجنديّ أرييه فرنكتال، 5/8/1993 مقتل العريف يارون حيمس بعد مقاومته للأسر، 22/9/1993 مقتل الجندي الاحتياط بيجال فاكنين بعد أسره، 24/10/1993 مقتل الرقيب يهود روك والعريف إيلان ليفي أثناء محاولة أسرهما، 11/10/1994 أسر الجنديّ نخشون فاكسمان، يوليو/تموز 2003 مقتل الجندي أوليك شاحيط خلال عملية أسر تعرض لها، 21/9/2005 أسر عضو جهاز الشاباك ساسون نورائيل وقتله، 25/6 /2006 أسر الجندي جلعاد شاليط، 27/6 /2006 أسر الجندي إلياهو بنحاس أشري وقتله.

إلى جانب سلسلة طويلة من العمليات التي استهدفت أسر جنود ومستوطنين، لكنها لم تكلل بالنجاح لأسباب أمنية في معظم الأحيان، ما دفع الجيش الإسرائيلي في مطلع فبراير/شباط 2004 إلى تشكيل ثلاث أفرقة عسكرية مكونة من تسع كتائب تضم أكثر من 1800 جندي للتدرب على سيناريوهات لمواجهة عمليات أسر تقوم بها حركات المقاومة.

ويأتي لجوء المقاومة إلى عمليات خطف العسكريّين الإسرائيليين في طور إحياء إستراتيجية ثابتة اعتمدتها منذ زمن بعيد، لا سيما أن هناك عوامل متعددة من شأنها أن تساعد في اعتماد هذه الإستراتيجية، كما أن هناك عوامل تعترض سبيل تطبيقها بالشكل المطلوب، خاصة أن مثل هذه العمليات ذات جدوى سياسية ودولية أكبر من باقي أشكال المقاومة، وربما أكثر كلفة.

وبالتالي فلم تكن حادثة أسر شاليط أمرا استثنائيا، ومع ذلك بقي تطبيق هذه الإستراتيجية على الواقع الفلسطيني، وإمكانية التحكم بها كما هو الحال مع المقاومة اللبنانية، مرتبطا بإدارة القضية من قِبَل المقاومة أمنيا وسياسيا بذكاء، وضمن جغرافيا آمنة وشديدة السرية يمكن أن تُتَوّج بتسجيل نجاح إستراتيجي، يتمثل بالإفراج عن الأسرى.

إلى جانب عوامل مهمّة تتمثل في طبيعة التركيبة الجغرافية للأراضي الفلسطينية سواءً في الضفة أو القطاع، ولا تساعد في سهولة إخفاء المختَطَفين من قبَل الاحتلال، أو حتى إمكانية نصب كمائن للاختطاف.

وبدا واضحا قبل وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة أن حركات المقاومة الفلسطينية بذلت جهودا حثيثة للنجاح في أسر جنود واحتجازهم كرهائن بهدف استبدالهم بمعتقلين، وهو ما اعترف به ضباط كبار في المنطقة الجنوبية خلال مجريات عملية "الرصاص المسكوب".

كما أعربت مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن حركة حماس تقوم بصورة دائمة بجمع معلومات عن تحركات الجنود وتنقلاتهم المختلفة، ونتيجة لذلك اشتعلت في أوساط المؤسسة الأمنية والعسكرية الأضواء الحمراء من تحذيرات حقيقية تتعلق بنوايا تسلل مقاتلي حماس إلى قواعد عسكرية، ومحاولة احتجاز قادة وجنود من داخلها كرهائن، وانسجاما مع ذلك يقوم الجيش بين الحين والآخر بتحذير جنوده من مغبة السفر في سيارات مشبوهة.

عض الأصابع

29e90d4011813536.jpg

شكلت عملية أسر شاليط تحولا نوعيا من النواحي العسكرية والأمنية والميدانية في عمل المقاومة ، سواء من الطريقة التي اتبعتها في تنفيذ عملية "الوهم المتبدد"، أو من النتائج الخطيرة التي أسفرت عنها، ولعل النتيجة الأهم هي نجاح المقاومة في أسر الجندي وإخراجه من ساحة المعركة "حيا يرزق"، والاحتفاظ به حتى كتابة هذه السطور في منطقة لا تتجاوز مساحتها شارعا فرعيا في عواصم العرب.

وطوال الألف يوم من أسر الجندي الإسرائيلي ينبغي تسجيل عدة نقاط لصالح المقاومة ، ما يدفعنا للزعم مسبقا بأن صفقة التبادل التي تعثرت مؤخرا ناجحة سلفا للأسباب التالية:

1- منذ اللحظة التي تمكن فيها المقاومون من تنفيذ عمليتهم في قلب الموقع العسكري الإسرائيلي، وقتل وجرح عدد من الجنود، وتمكنهم من اقتياد أحدهم حيا يرزق على أقدامهم إلى داخل قواعدهم بأعصاب هادئة أثارت أعصاب جنرالات الكيان الصهيوني .
2- احتفاظ حماس بالجندي حيا يرزق طوال ألف يوم متواصل بلياليها في بقعة جغرافية لا يتجاوز طولها أربعين كيلومترا، فيما الاحتلال يمتلك أقوى أجهزة المراقبة وأدوات التنصت وطائرات الاستطلاع، ويعجز عن تحديد مكان جنديه الأسير.
3- نجاح المقاومة في إدارة حرب أعصاب حقيقية مع الاحتلال منذ اليوم الأول من خلال "الشح" المقصود في المعلومات، وتوتير نفوس قادة الجيش الإسرائيلي، فيما تبدي حكومتهم "تعطشا مذلا" لأي معلومة مهما كانت صغيرة.
4- في الوقت الذي تعودت فيه الكيان الصهيوني إطلاق التهديدات والإنذارات، والفلسطينيون عليهم الاستجابة لها والتراجع في اللحظة الأخيرة، تمسكت المقاومة هذه المرة بزمام المبادرة، وأطلقت إنذاراتها، وأمهلت الدولة العبرية عدة فرص، وإلا سيطوى ملف الجندي!
5- تمكن حماس من الدخول إلى قلب الساحة الإسرائيلية وإحداث هذه الاختلافات العلنية بين أركان المؤسسة العسكرية والأمنية، بحيث يتبادل الجنرالات والوزراء الاتهامات بشأن التقصير الذي أدى في نهاية الأمر إلى إفشال الصفقة.

وبعد أن أعلن الكيان الصهيونى التوقف "المرحلي" للمفاوضات حول إبرام الصفقة، وعدم إغلاقه الباب كليا لمعاودتها في شروط وظروف أخرى، يصبح من المشروع في هذه العجالة وضع سلة من التوقعات بشأن النهاية المحتملة لهذه الصفقة، على النحو التالي:

أ- أن يتنازل الكيان الصهيوني وتستجيب لمطالب حماس وتفرج عن أسرى "ثقيلي العيار"، وهو احتمال سيبقى قويا طالما أن فرصة عودة الجندي إلى منزله حيا قوية، وبالتأكيد إذا ما وافقت الكيان الصهيوني فإن حماس سيسعدها أن ترمي حبة "البطاطا الساخنة" من فمها، وتتنازل عن الجندي الذي استجلب لها وجع الرأس، إلا أن العائق الوحيد أمام نجاح هذا السيناريو كما أعلنه مؤخرا أولمرت أنه لن يخضع للابتزاز ولن يفاوض ولن يفرج عن أسرى.
ب- أن تنزل حماس عن الشجرة العالية التي وجدت نفسها فوقها، وتتنازل عن الجندي وتعيده سالما مكتفية بما تقدمه إسرائيل من "فتات" لا يساوي حجم التضحيات وكلفة الدماء التي أريقت خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تبين أن مثل هذا الخيار لم يراود أحدا من آسري الجندي، فضلا عن قيادتهم السياسية، نظرا لتعلق الآلاف من الفلسطينيين بنجاح الصفقة والإفراج عن أبنائهم لاحقا.
ت- أن تسارع الكيان الصهيوني لعملية كوماندوز لإنقاذ الجندي من الأسر، وجنرالات الجيش لم يخرجوا هذا الاحتمال أصلا من أجندتهم كما فعلوا في 1994 مع الجندي نخشون فاكسمان، لكن التنفيذ الناجح يحتاج معلومات استخبارية دقيقة جدا، وفي هذا المضمار تنتظر المخابرات أن يخطئ الآسرون أي خطأ.
وفي هذه النقطة بالذات، تشير مصادر الجيش إلى أن الجندي محتجز في منطقة سكانية مكتظة، وليس مثل فاكسمان في قرية صغيرة، وبالتالي سيسارع الفلسطينيون لإعدامه إذا ما شعروا أن الخطر يقترب منهم، ولا يبقى لإسرائيل سوى أن تعيد الجندي جثة هامدة.
ث- تجميد القضية لعدة أسابيع أو أشهر، حيث ترتفع حدة ردود الفعل وتنخفض بناء على الآمال الكبيرة التي تم تعليقها على المفاوضات الماراثونية الأخيرة في القاهرة، وحينها قد تلجأ حماس للمواجهة المستمرة دون النظر إلى مصير الجندي، وستجد نفسها راغبة حينها بإدارة مفاوضة إسرائيل على "الطريقة الإيرانية" على نار هادئة، أي أن المواجهات العسكرية تبقى مستمرة، في حين ستقوم جهات دولية بالتفاوض السري.
د- تنازل رمزي وشكلي، بأن يعثر الطرفان على صيغة حل شكلية رمزية كأن يضطر الكيان الصهيوني للإفراج عن بضع مئات من الأسرى "غير الخطرين"، الذين لا يهدد الإفراج عنهم أمنها، وأن الإفراج عنهم كان لخاطر محمود عباس وليس لعيون حماس، أو أنها ستفرج لاحقا في وقت غير محدد عن أسرى.
ذ- استنساخ "موديل" الطيار المفقود منذ أكثر من عشرين عاما رون أراد، وهناك من يفهم في إسرائيل قول حماس إن ملف الجندي قد يطوى بأن المقصود تأجيل البحث في أمره لسنوات قادمة، وهو حل منطقي قد يبدو سهلا لحماس، فهي لن تضطر للإعلان عن قتله، ولا أن تعيده مجانا.
ح- قتل الجندي بدعوى أن قنبلة إسرائيلية قتلته، كما حصل في التسريبات التي شهدتها حرب غزة الأخيرة حول إصابة الجندي في إحدى حالات القصف الصهيوني، والنتيجة المتوقعة أن يضرب الكيان الصهيوني رأس حماس في غزة أو دمشق إن تأكدت أن جنديها عائد إليها هذه المرة في تابوت أسود.

ضوابط لازمة

في المقابل، واضح أن حماس خاضت مفاوضات ماراثونية قيل الكثير عنها لمحاولة تحقيق مطالبها التي يلتف حولها آلاف الأسر والعائلات الفلسطينية، وربما كانت أكثر الأطراف رغبة في وصول المفاوضات إلى مآلها الطبيعي عبر الإفراج عن جملة كبيرة من المعتقلين.

لا سيما أن الأسماء التي تم تسريبها ونوعياتهم وثقلهم المقاوم سيشكل فيما لو نجحت الصفقة، حاليا أو لاحقا، إنجازا تاريخيا للحركة، وتقدم رافعة شعبية وجماهيرية لها في مثل هذه الظروف الحرجة، وتتويجا لها على مواجهة الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

وبالتالي، يتطلب ذلك من الحركة دراسة الخيارات التالية ووضع عدد من الضوابط اللازمة خلال المرحلة القادمة، بعين فاحصة وقلب مستنير:

1- ليس عيبا ولا خطأ ولا تراجعا، إعادة حسابات الصفقة والمطالب المقدمة. لا يجب أن يفهم من كلامي هذا تقديم تنازلات ما، لكن ربما يكون من الأجدى لحماس والقضية العادلة التي تحملها في هذا الملف عدم ترحيل مفاوضات الصفقة للحكومة الإسرائيلية القادمة، لاعتبارات لم تعد تخفى على كاتب هذه السطور وقارئيها، رغم أنني لا أنفي بالمطلق إمكانية خضوع نتنياهو لشروط حماس لأسباب تخصه بالدرجة الأولى.
2- حتى في ظل تسلم اليمين الديني المتطرف زمام الحكم في إسرائيل، بالإمكان الاستمرار في المفاوضات حول إبرام الصفقة، لا سيما أن بعض صفقات التبادل تمت في الماضي في ظل حكومات اليمين، لكن المقاربات قد تكون مختلفة بعض الشيء هذه المرة في ظل ائتلاف يميني من "الليكود وشاس و الكيان الصهيوني بيتنا" كتب في نصوص تحالفه البرلماني بندا خاصا يطالب بإسقاط حكومة حماس بالقوة.
3- بالإمكان بنوع من الذكاء والحسابات التحالفية الدقيقة البحث عن وسطاء جدد قد يشكلون ثقلا على تل أبيب، مع عدم إغضاب الوسيط الحالي الذي ترى حماس نفسها مضطرة ومكرهة لإبقائه، وليس بالضرورة طي صفحته في الصفقة، لكن قد يكون استدعاء وسطاء جدد على غرار الألمان والفرنسيين أمرا فيه بعض النتائج الإيجابية.
4- لا بد من الآن فصاعدا في ظل تعنت الإسرائيليين وتحميلهم حماس مسؤولية إعاقة الصفقة وإفشالها، فرض تعتيم إعلامي و"رقابة عسكرية حديدية" حول كل ما قد يقال عن الجندي وظروفه وأوضاعه، وحظر أي تواصل مع أي منظمة تتستر بالإنسانية والجوانب القانونية، تطلب تسجيلا هنا، وشريط فيديو هناك عن الجندي، والأكثر من ذلك عدم تحويل قضية الجندي إلى "بازار" إعلامي لكل من هب ودب، يقدم فتواه فيها، في ظل حساسية هذا الملف وخطورة أي معلومة قد تلقى هنا وهناك.

أخيرا.. ورغم أن الساسة الإسرائيليين يؤكدون أنهم لا يمكن أن يرضخوا لما يسمونها "ابتزازات" حركة حماس حين تقوم بأسر جنودهم من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فإن التجربة التاريخية تشير إلى أنهم أجروا مفاوضات سابقة مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية مرات ومرات، لكنهم يبررون رفضهم هذه المرة بأن حماس عدو يعمل من الداخل، كما يقولون، مما يجعل مبدأ المساومة معها ضربا من المستحيل، والخضوع لمطالبها نوعا من الانكسار الكبير، لكن ذلك ما تم فعلا!

المصدر : الجزيرة نت