آمال ومعيقات الطالب الجامعي
بقلم : نايف جفال
يحيا طلبة الثانوية العامة أحلاما وردية، وخيال واسع ينسيهم ضغط الدراسة وهمومها وينقلهم الى التفكير والتمعن بالمستقبل المخملي الذي ينتظرهم، تاركين أنظارهم حادقة نحو لحظة إعلان وزارة التربية والتعليم نتائج الثانوية العامة لكي ينطلقوا بعزيمتهم نحو الجامعات، لكي يعيشوا أجمل لحظات حياتهم كما يعلمون، فهم تربوا وسمعوا بأن المرحلة الجامعية خالية من كل أشكال التعب والضيق، فكل ما بها هو الدراسة وازدياد للمعرفة والعلوم، والانتقال إلى مجتمع شبابي واسع ومختلط تتكاثر فيه المهارات والمبادرات الشبابية وتتنوع فيه الإبداعات،تساعدهم على تمتين البنية الثقافية لشخوصهم لكي يستلموا زمام المبادرة والعمل في مجتمعهم، إلى أن يصلوا إلى بوابة التسجيل المشرعة إمام الجميع ويلتطموا بالحقائق التي تبدءا بالظهور من كل جانب فالطالب الجامعي ومنذ إن يملاء إستمارة التسجيل، يبدءا بمواجهة شروط القبول بالجامعات والتي تحدد معدلات لكل تخصص أدناها معدل ال65 و من حقق دون ذلك يحرم عليه الدراسة إلا أن وجد لنفسه مدخل للجامعة ويوفر له المقعد الدراسي(واسطة) كل هذا خاضع لشروط قاسية ومحددة اساسها زيادة الكلفة المالية تحت مسميات برامج استغلالية مبتكرة أوجدتها الجامعات مثل برنامج الموازي، وبرنامج طلبة من هم دون معدل ال65، وهذا يتجلى في اغلب جامعات الوطن ان لم تكن كلها،
وبعد الانتقال من نافذة الاستقبال ويتضح بان معدل الطلب يسمح له بالتسجيل، يلتطم طموحه من جديد في الأعباء المالية التي تشكل سبب رئيسي في اختيار تخصصه الجامعي دون النظر للمهارات والقدرات والميول الشخصي للطالب، فكثير من الطلبة يتجهون نحو تخصصات لا يعلمون بها شيء، لكن الميزانية المنزلية تجبرهم على اختيارها على اعتبارها المتوفرة ما بين يدين الأسرة، هذا إن لم يحرم التعليم بالأصل بسبب الضيق المالي الذي يعانيه، وعند الانتقال من هذه المرحلة يدخل الطلبة في جولات روتينية لا نعلم معناها او مغزاها في تمرير الطلبة على كافة دوائر الجامعة إلى إن يحصل بالنهاية على بطاقته الجامعية ويدخل مستعيدا نشاطه من جديد وباحثا عن المدينة الجامعية الفاضلة التي كان يحلم بها.
من هنا يبداء المشوار الشاق للطلبة الجدد في الجامعات، فكل طالب يتجه نحو مقعده الذي اختاره أو اجبر عليه بهدف إكمال مسيرته التعليمية، فيعود الحلم من جديد بالتنامي بأخذ الدور البنائي في النهاية، وهكذا يلتزم ويواظب الطالب بدراسته ويكتشف بان الكثير مما يدرسه لا يتلاءم مع سوق العمل، وذلك من خلال مقارنته بين ما يدرس وبين ما هو مطلوب لتنمية المجتمع، فهي مسألة بديهية لا تحتاج للكثير من التحليل والدراسة لكي يكتشفها، وهذا ما يدعنا لكي نقف هنا ونقف بكل ثبات لكي نبرر ما هو الهدف الذي يجعل المواد الجامعية تسكن عند حدود حمراء لا يمكن تجاوزها خاصة لطلبة العلوم الإنسانية ؟!!!.
ويستمر سيناريو الحياة الجامعية في بداية كل فصل جديد فبدلا من اخذ قسط من الراحة ما بين الفصل وما يليه يبداء الطالب بالبحث عن القسط الجامعي فيذهب الكثير من الطلبة للبحث عن فرص عمل توفر لهم المبالغ المالية التي تسمح بالتسجيل، هذا إن لم يكن الطالب يعمل خلال دراسته لكي يحقق ما يحتاجه بالدراسة على مدار أعوامه الدراسية المحددة بحسب اختصاصه وخطته، وهذا ما يدعنا نتسائل عن الدور الذي تلعبه وزارة التربية والتعليم العالي بمساهمتها بتوفير السبل التي تتيح للطلبة إكمال مشوارهم العلمي واتخاذ مواقعهم المجتمعية واستمرارهم في دعم مسيرة الشعب الذي ينتظر منهم الكثير، وهنا لا يلقى اللوم على أكتاف وزارة التربية والتعليم فقط، بل تتحمل كافة الهيئات التشريعية والتنفيذية في الوطن المسؤولية، فالمجلس التشريعي الذي اقر قانون صندوق الطالب الجامعي لحد ألان لم يحيله للتنفيذ، وهذا ما يدعينا للتساؤل عن السبب الحقيقي على تركه معلق ما بين قبضتي حافظة الأوراق في دوسيهات المجلس التشريعي؟؟!
فالكثير يتغنى بالمطالبة بإقرار الصندوق الجامعي لكن وبكل حسرة لحد اللحظة لم يرتقي العمل لدرجة تخدم الطلبة، فخلال تنقلي بين محافظات الضفة أرى العديد من اللوحات الإعلانية، واستمع للعديد من الإعلانات الصوتية عبر المذياع عن المطالبة بإقرار الصندوق الجامعي، فراودني سؤال بسيط بان هذه الأموال التي أهدرت على الدعاية لو تحولت للطلبة المحتاجين فما كان بها أن تساعد العديد من لم يستطع التسجيل؟!! فالكل يعلم ما هو حجم التكلفة المالية لهذه الإعلانات.
فهكذا يكون سيناريو الطالب الجامعي، يتحمل أكثر من بطل في إخراج قصته، فإدارات الجامعات ودور المؤسسات التشريعية والتنفيذية الضعيف، يكمله الدور الغائب للنضال الطلابي المتمثل بالحركة الطلابية بسبب التشرذم والضعف الذي أصابها، من فقدت برامجها النقابية واستغنت عن أسلحتها النضالية المطلبية والنضالية، فغالبية الجامعات تتمتع بمجالس طلبة تتكون من لجان خاصة تستوفي كامل احتياجات الطلبة، وتمتلك أموال جنيت أصلا من الطلبة، والدول والمؤسسات الداعمة، إلا أن هذه المجالس تعاني من فقدان للبوصلة المستنيرة، وتسيطر عليها مصالح خاصة تختلف من مكان لآخر، ولكن ما تجمع عليه هو ضياع البوصلة المشيرة نحو مصلحة الطالب، وهذا ما يسوقها للانحدار عن الخط الوطني العام والسقوط في هاوية المصالح الخاصة والأنانية، فغالبية الفعاليات التي تقدمها الأطر الطلابية لا ترتقي لدرجة الرضا النفسي للمنظمين لها، فغالبيتها تبقى في إحياء المناسبات الوطنية،
وإصدار البيانات والتعاميم والنشرات التي يصبغها الطابع الحزبي في اغلب الأحيان، دون الاكتراث لأي مصالح طلابية أو خدمات من الممكن أن تخفف من الهموم الملقاة على كاهل الطلبة.
فهنا يتضح تبدد الحلم الوردي لمن سارع لاتخاذ مكان في جامعته الفاضلة، مما يستدعي اليقظة والتنبه لهموم الطلبة، لكي لا ننهي أهم ركائز مجتمعنا الفلسطيني المتمثل بالشباب الجامعي وهذا ما يتطلب إعادة النظر بالمناهج التي تدرس بالجامعات الفلسطينية وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع الاحتياجات الحقيقية،
وتقنين إعداد القبول للطلبة في البرامج التي أصبح يجتاح صفوفها البطالة، ولسماح للطلبة أصحاب المعدلات المنخفضة بالالتحاق بالجامعات في برامج خاصة يكون أساسها زيادة التركيز التعليمي والعناية بالطلبة ووضع برامج تعليمية مكثفة دون النظر من النافذة المادية فقط ،وضرورة إقرار صندوق الطالب الجامعي بشكله الجدي والمفيد للطلبة، وتفعيله بأقرب وقت ممكن بعيدا عن اعتلائه شعاراً رنان، لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الطلبة، وتشديد الرقابة على فعالية الأطر الطلابية من الطلبة أنفسهم، والعمل على تعزيز الحياة الديمقراطية بالجامعات واعتماد مبداء التمثيل النسبي الكامل لإجراء انتخابات مجالس الطلبة، لكي ننهي التفرد، ونخلق أرضية تعاونية بين الأطر الطلابية لكي يبرز الإبداع ونعود بتاريخ الحركة الطلابية لسابق عهدها، والذي كان يحارب في حينه شراء الذمم،
ويمنع الرشاوى والسرقات، ويعزز الدور الوطني النضالي، ويرفد الثورة الفلسطينية بالعديد من الكوادر التي حققت إنجازات كبيرة على المستوى السياسي والنضالي الفلسطيني، فمجتمعنا شبابي كما تشير كافة الدراسات ولكي يبقى شبابي يجب الابتعاد من كافة الإمراض التي تهرم عقله وجسده سريعا، وتخلق منه جسدا منهك وعقل مبهم لا يقدر على مساعدة نفسه قبل أن يحاول مساعدة الآخرين.
المصدر
- مقال:آمال ومعيقات الطالب الجامعيالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات