أسباب وصول حركات الإسلام السياسي لسدة الحكم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أسباب وصول حركات الإسلام السياسي لسدة الحكم


  • بقلم محمد الشيوخ

توطئة

يقصد بالحركات السياسية الإسلامية أو ما يطلق عليه بالإسلام السياسي، هي تلك الجماعات الإسلامية التي تتطلع للحكم ولديها أهداف مشتركة، نابعة من تصورهم الخاص للإسلام والحياة، ومن ثم تحاول تجسيد تلك القيم على الأرض، من خلال أنشطتها المتنوعة، بشتَّى الوسائل والطرق وفق ما هو متاح لها من إمكانات وقدرات، لتكون هي القيم السائدة والحاكمة في المجتمع.

ويقصد بالنفوذ السياسي، هو ذلك التأثير الذي تحدثه تلك الجماعات الإسلامية في محيطها الاجتماعية أو خارجه، بحيث يمكنها من تنفيذ برامجها وخططها للوصول إلى غاياتها وأهدافها، ومن بينها الوصول إلى مواقع صناعة القرار والسلطة.

فعملية وصول قوى الإسلام السياسي، لا سيما القوى المحسوبة على حركة الإخوان المسلمين، إلى السلطة سواء في ليبيا أو تونس ومصر، بعد سقوط الأنظمة المستبدة مؤخرا، شكل مفاجئة لمن لا يعرف خارطة القوى السياسية والاجتماعية في معظم البلاد الإسلامية.بينما العارف بتفاصيل المشهد الاجتماعي والديني في البلاد الإسلامية ومدى النفوذ السياسي والاجتماعي للحركات الإسلامية فيها، وكذلك طبيعة الشعارات التي رفعها الإسلاميون أثناء عملية الانتخابات التي جرت في دول الربيع العربي، لم يفاجئ بالنتيجة التي حصدها الإسلام السياسي هناك.

إن وصول الإسلام السياسي لسدة الحكم،عكس في جانب منه مدى النفوذ الواسع التي تتمتع به الحركات الإسلامية في محيطها،الى جانب ما تتمتع به تلك القوى من حالة "براغماتية" أبان الثورات العربية. لذلك فإن عدم وصول تلك الحركات لسدة الحكم، في حال إنها جرت انتخابات حرة ونزيهة ولم يتم، سيكون هو المثير للدهشة والاستغراب، وليس العكس.

الاسباب

وقبل التعرض إلى الأسباب التي أدت إلى وصول حركات الإسلام السياسي لسدة الحكم، بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية، نشير إلى بعض الملاحظات ذات الصلة:

1-أن عملية توسع النفوذ للإسلام السياسي أو الوصول إلى سدة الحكم لم يأت فجأة، أي انه ليس وليد فعل الثورات العربية التي اندلعت قبل عامين، وإنما هو نتاج عمل تراكمي سابق، وبالتالي فان عملية الوصول إلى السلطة هو تتويج لذلك العمل النضالي الطويل، كما انه ترجمة حقيقية لمستوى النفوذ الذي تتمتع به تلك الحركات في الوسط الاجتماعي.

2-أنشطة وبرامج الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، تعتبر الرافعة الأساس لها، كما أنها تعطي فكرة عن مدى قوة وفاعلية وديناميكية تلك الحركات في بيئاتها، مع الاقرار بأن لكل حركة خصوصياتها الخاصة وأنشطتها التي تتباين مع بقية أنشطة سائر الحركات الأخرى.

3-لقد سعت قوى الإسلام السياسي جاهدة لتوفير الأسباب الموضوعية الكافية لصعودها إلى سدة الحكم في البلدان العربية التي أجريت فيها لأول مرة انتخابات حرة ونزيهة، بعد الاطاحة بالأنظمة هناك، وتوج ذلك السعي بالفوز الكاسح على مختلف القوى الاجتماعية والسياسية،في الاستحقاق الانتخابي.

4-هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في وصول حركات الإسلام السياسي لسدة الحكم، في كل من مصر وتونس.لكن سيتم الاكتفاء هنا بالتركيز قدر الامكان، على الأسباب المشتركة التي ادت الى اتساع نفوذ الحركات الإسلامية في مجتمعاتها اولا، مما سهل من عملية وصولها الى سدة الحكم أبان الثورات العربية لاحقا.

  • ويمكن تلخيص ابرز الاسباب فيما يلي:

انسجام خطاب الإسلام السياسي مع البيئة الاجتماعية

بما أن البيئات التي تولدت منها الحركات الإسلامية هي بيئات إسلامية في الاساس، وبما أن الدين يمثل عاملا محوريا ومؤثرا في المجتمعات الإسلامية، لذلك سعت حركات الإسلام السياسي منذ نشوئها الى توظيف الدين لخدمة تطلعاتها،كما تبنت خطابا متسقا مع البيئات التي نشأت فيها وليس مغايرا أو صادما لها، ومن ثم أصبح خطابها ينسجم مع ما يتطلع إليه الإنسان المسلم في بيئته الاجتماعية. وكان لهذا الدور أثرا بالغا في اتساع نفوذ حركات اسلام السياسي في مختلف الساحات الإسلامية.وهي على عكس العديد من الحركات غير الدينية التي تبنت خطابا صداميا مع قناعات المجتمع خصوصا الدينية منها، فأصبحت مرفوضة ومنبوذة ومقاطعة ومعزولة اجتماعيا.

ولا يختلف حال العديد من الحركات اللادينية، بحسب كثيرين،عن تلك الأنظمة السياسية الحاكمة التي فرضت بعض القوانين والأنظمة المعاكسة لقناعات الشعوب العربية والإسلامية والمضادة أحيانا لتوجهاتها الدينية، الأمر الذي أحدث اضطرابا وصراعا داخليا بين الشعوب والأنظمة الحاكمة.شكلت هذه الثغرة فرصة ثمينة لحركات الإسلام السياسي التي رفعت شعارات"تطبيق الشريعة" و"الإسلام هو الحل" في بلدانها، لتطرح نفسها كبديل افضل عن الأنظمة "العلمانية" بحسب وصف الإسلامين لها، فلاقت القبول الاجتماعي الواسع في محيطها.

زد على ذلك فأن حركات الإسلام السياسي في مختلف الساحات الإسلامية تبنت في شعاراتها حمل لواء الدفاع عن كرامة الأمة ليس لأغراض تكتيكية أو أهداف فئوية أو شخصية ضيقة، بحسب شعاراتها،ودفعت ثمن موقفها هذا، وجادت بأرواح خيرة أبنائها في سبيل الدفاع عن الحقوق، فحازت بسبب ذلك على مصداقية عالية من شرائح المجتمع، فكانت بذلك العنوان الحقيقي والممثل الأمين لكرامة الأمة.

بينما كان خصوم الحركة ومناوئيها السياسيون كانوا يقدمون في كل صباح تنازلات جديدة، ويتسابقون للتعاون مع العدو لضربها، وينشرون الإحباط والتثبيط عن المواجهة، بل وفتحوا باب إبعاد الفلسطينيين من وطنهم على مصراعيه، فما كان من الشعوب إلا أن لفظت هؤلاء الخصوم وتشبثت بعنوان الكرامة.

ثم إن خطاب الحركات الإسلامية كان منسجما مع القيم والأخلاق الإسلامية، في الوقت الذي كان خصومها غارقون في الفساد، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ولقد صبرت تلك الحركات على كل أشكال الظلم والقهر التي لم يتردد خصومها في الداخل والخارج من ممارستها ضدها.

فصمودها أمام هذه الاعتداءات المتكررة أضاف إلى رصيدها الاجتماعي الشيء الكبير. وتجدر الإشارة إلى أن الحركات الإسلامية استغلت بشكل جيد اقوي المنابر تأثيرا في المجتمع كالمساجد والمدارس وأدوات الإعلام لتمرير أفكارها ومشاريعها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية. وقد لعب هذا الجانب دورا مهما في هذا السياق.

مناهضتها للاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي

لقد قاومت الحركات الإسلامية الأنظمة المستبدة الحاكمة، ودفعت الثمن المقابل لهذه المقامة المتمثل في اعتقال وتعذيب ونفي أفرادها، ولم تكتف بمقاومة الاستبداد الخالي، فهي كانت على الدوام أيضا تقاوم كل أشكال الاحتلال والاستعمار والوصاية الخارجية، مما جعلها مظلة للدفاع عن الأمة وكرامتها ورافعة أساسية لنيل حقوقها وحريتها.

وليس من المبالغة القول بان كل الحركات الإسلامية في العالم العربي التي خاضت معاركا حقيقية مع الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي حظيت بشرعية شعبية كبيرة، الأمر الذي أدى إلى توسع نفوذها الاجتماعي والسياسي. وفي المقابل، فأن فساد الأنظمة وعدم نزاهتها وإفلاسها من البرامج السياسية والاقتصادية، هو الآخر ساهم في دفع المواطنين للتوجه إلى الجماعات الإسلامية بحثاً عن مخرج من هذا الانسداد، مما ساهم في رفع أسهم ورصيد الحركات الإسلامية في مجتمعاتها.

ومما لا شك فيه فأن الحركات الإسلامية تتمتع بقوة شعبية حقيقية واسعة متمثلة في قاعدتها الجماهير العريضة العابرة للحدود، والتي تعبر عن قناعتها ومواقفها في مختلف الظروف الحرجة والاوقات الحاسمة.ففي مصر مثلا، حدث صدام بين متمثلين بالإخوان المسلمين، مع الجمهوريين المصريين،بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ما أدى في النهاية إلى تعاطفٌ الرأي العام العربي معهم، بعد ما أصابهم التنكيل والاضطهاد والتشريد والقتل، على أيدي الجمهوريين الدكتاتوريين، في أنحاء متفرقة من العالم العربي.

فقد تمَّ شنق قيادات الإخوان المسلمين بالجملة على يد الجمهوريين في العام 1955. كما تم شنق سيد قطب في العام 1966، وشنق صالح سرية في العام 1974، وشنق شكري مصطفى في العام 1977، وشنق محمد عبد السلام فرج زعيم تنظيم "الجهاد"، وكذلك قتل الآلاف من الإخوان المسلمين في سوريا، في حوادث حلب وحماة في العام 1982.

وكان لافتا أن الحركات الإسلامية قد استفادت- بدون بذل الكثير من الجهد في الدعاية لنفسها والانتشار- من صدام الأنظمة الحاكمة والحروب التي شنتها القوى الغربية الكبرى على الإسلام ودوله ومؤسساته وأراضيه وثرواته في مختلف بلدان العالم، كما استفادت من الأنظمة العلمانية المدعومة من الغرب التي تسلطت على شعوبها طيلة سنوات ما بعد الاستعمار الغربي.فمن جهة كانت حملات التطهير العرقي في البلقان، وما مورس ضد المسلمين في الشيشان ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وما مارسته وتمارسه إسرائيل من انتهاكات وجرائم في فلسطين، وما ارتكبته أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال وباكستان، وكذلك موجات العداء الغربي والتطاول السافر على مقدسات ورموز الإسلام في وسائل الإعلام والصحف والمجلات الغربية.

كل ذلك أدى إلى غضب جماهيري مضاد، وإلى فوران الحمية الإسلامية، وإلى شعور متنامٍ بالانتماء الإسلامي، وضرورة التمسك بالثوابت والتشبث بالأصول والثقافة والمعاملات الإسلامية - وحتى المظهر الإسلامي - شكلاً من أشكال الدفاع عن الهوية المستهدفة. ومن جهة أخرى، ظل فساد الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية الفاسدة المدعومة من أمريكا والغرب عائقًا أمام الإصلاح والتغيير الذي تنشده الشعوب. وكانت هذه الحركات هي الجبهة المقاومة لهذا التحدي، مما ساهم في رفع رصيدها لأنه كان ولازال ينظر لها على أنها تمثل الجبهة المدافعة عن هوية الأمة من مختلف الأخطار المحدقة.

وكان لدعوات التغريب في المجتمعات الإسلامية، أثر كبير في انتشار الإسلام السياسي، ففي السبعينات وتحديدا في عهد عبد الناصر، والسادات، وحافظ الأسد، زادت حركة التغريب، وكان عبد الناصر يحمل إعجاباً دفيناً بالنموذج الغربي. إجمالا، فان شعور المسلمين بوجود استهداف لهويتهم الإسلامية خلق نوعا من التحدي وشد العصبية.وهذا الشعور بحد ذاته ساهم في تنامي الحركات الإسلامية.ففي الوقت الذي كان فيه الشعور الديني يزداد قوةً، بفعل عوامل متعددة، اصطدم هذا الشعور بما نراه من تسارع الاتجاه نحو التغريب، الذي يؤذي الشعور الديني، ويتحداه. فكان الموقف السياسي الليبرالي العربي تجاه الغرب، يتسمُ بالإعجاب والكراهية في الوقت نفسه:الإعجاب بالتقدم الحضاري، والكراهية للاستعمار.في المقابل فان معظم الحركات الإسلامية آنذاك كانت متوجسة من اتجاهات التغريب في العالم العربي.

الاتكاء على أرضية الدين والعمل التطوعي الإنساني

السمة الأساسية للمجتمعات الإسلامية هي التدين، وان الدين كان ولازال يمثل عاملا أساسيا ومؤثرا في الناس. الحركات الإسلامية هي انعكاس وتجسيد للتدين، لذلك هي متكيفة معه في عملها ومشروعاتها وخطاباتها.وقد شكل الدين للحركات الإسلامية عاملا مهما للتحشيد والتأثير، خصوصا من خلال العمل الدعوي والتطوعي عبر المساجد والمواقع العبادية الأخرى.أن نفوذ الحركات الإسلامية في ساحاتها الاجتماعية، وقدرتها على التمدد والتوسع، يأتي من بوابة الدين أولا، والخدمات المقدمة للمجتمع ثانيا.

فمن خلال البوابة العريضة للعمل الاجتماعي والخيري والتطوعي، استطاعت الجماعات الإسلامية تحفيز وتنظيم المجتمعً، وبأداء رائع منظم يتسم بالانضباط والمتابعة والنفس الطويل وعدم الملل أو الكلل، كما يتسم بالابتكار والإبداع وجودة الإخراج، والعرض بأسلوب شائق وجذاب لقطاع واسع من شرائح المجتمع، خصوصاً بين الشباب والفئات المحتاجه، وفوق كل ذلك ما يظهره المنتمون إلى الجماعات الإسلامية من نظافة يد ونزاهة في التعاملات، ما مكنهم من الوصول إلى ما وصلوا إليه في عدد من الدول.

وهناك نماذج عصرية تقدم مقاربة حقيقية للطريقة التي تتشكل بها الحركات الإسلامية، في كل من مصر والأردن وفلسطين، حيث أصبحت الجماعات الإسلامية قوى مؤثرة وضاغطة على سياسات الحكومات في تلك الدول، وقد وصل بعضها إلى سدة الحكم كما هي الحال مع حماس قبل ربيع الثورات العربية،و الإخوان (1) في مصر، والنهضة (2) في تونس، بعد سقوط بن علي ومبارك.

وقد قدم المحامي منتصر الزيات صورة من الداخل لكيفية تمكن الجماعات الإسلامية من التغلغل في المجتمع المصري، عبر بوابة العمل الاجتماعي التطوعي الخيري، ويشكل كتابه «الجماعات الإسلامية... رؤية من الداخل» منجما مهما للباحث في الجماعات الإسلامية وأساليبها المبتكرة للتأثير في المجتمع، إذ يشرح القدرات التواصلية الهائلة التي تتوافر لهذه الجماعات للتواصل مع بسطاء الناس، وأساليبها في جمع التبرعات وتقديم المساعدات للفقراء، وإنشاء محال البيع المخفضة وتقديم البازارات الاجتماعية للبضائع الأساسية التي تحتاجها الأسر الفقيرة، وإعطاء دروس مجانية لأبناء الفقراء، وكل ذلك في منظومة متكاملة توضح كيف تمكنت تلك الجماعات من السيطرة على النشاط الاجتماعي في المجتمع المصري.

كما يقدم الكاتب بسام بدارين قراءة مفصلة في «إمبراطورية النفوذ الاجتماعي» للحركة الإسلامية في الأردن، وكيف تمكنت هذه الجماعات من إدارة قرابة ألف مسجد، وتعاملت باستثمارات تجاوزت مئات الملايين من الدينارات الأردنية، والإشراف المباشر أو المستتر على500 جمعية خيرية في البلاد. ويقدم الكاتب صورة دقيقة لتغلغل الجماعات الإسلامية في النسيج الاجتماعي الأردني، ويعطي مثلا كيف عينت المجالس البلدية الإسلامية مراقبين حكوميين على المحال التجارية يجرون،باحترام شديد، تفتيشهم الصحي ويتأكدون من سلامة البضائع من دون ان يطلبوا شيئاَ من الباعة ولا يحررون المخالفات بقصد الحصول على رشوة، فيما كان المراقب البلدي في السابق ينغص على هؤلاء الباعة البسطاء حياتهم، إذ يضطرون إلى إعطائه كميات من بضائعهم تجنباً لتحرير المخالفات بحقهم.

ونالت الجماعات الإسلامية بعملها الاجتماعي والخيري الإعجاب الشعبي الكبير من الرعاية الاجتماعية وتأسيس اللجان والجمعيات الخيرية في البلاد الداعمة للفقراء والبسطاء والمحرومين. فالناشطون الاجتماعيون من هذه الجماعات على تماس مباشر بالسواد الأعظم من الناس، وبغالبية الفقراء، ويعرفهم الناس أكثر من الساسة وموظفي الدولة، وأكثر من منظري السياسة ورواد الصالونات الأدبية والاجتماعية والسياسية. والمفارقة ان الجماعات الإسلامية تقصد - باحتراف - عدم تسليط الأضواء على نشاطاتها الاجتماعية الممتدة في المجتمع، والتي تنافس فيها،وبجدارة، المؤسسات الاجتماعية للدولة. فهذه النشاطات تنظم من دون ضجيج، بل ان بعضهم يعتقد ان هذه الجماعات نجحت في التمويه على نشاطاتها الاجتماعية والخيرية عبر تسليط الأضواء بين حين وآخر على نشاطاتها ذات الطابع السياسي التي انشغلت بها الصحافة والحكومة، فيما تجري ترتيبات أكثر عمقاً على المستوى الجماهيري والاجتماعي والخيري لبناء إمبراطوريتها وتوسيع نفوذها.

ووفقاً للكاتب بسام، مولت الجماعات الإسلامية بناء زهاء ألف مسجد من بين2500 مسجد مرخصة من وزارة الأوقاف الأردنية، معظمها بتبرعات أهلية شاركت فيها الجماعات الإسلامية. كما تسيطر اللجان التنظيمية لهذه الجماعات على نشاطات الوعظ والإرشاد، وعلى جمعيات تحفيظ القرآن، وعلى الخطابة في معظم المساجد.

وتدير الجماعات الإسلامية، بنفسها وبكفاءة عالية، استثماراتها التجارية وإمبراطوريتها المالية مستخدمة التعاملات الشرعية التي تقدمها بنوك إسلامية. وتدير العمل الاجتماعي والخيري الإسلامية جمعية خيرية عملاقة تقدر أصولها المالية وعملياتها الاستثمارية بـ 100 مليون دينار أردني «150 مليون دولار». وتدير هذا الجمعية الخيرية أعمالها على أسس تجارية واستثمارية بحتة، وتنفق على نشاطاتها من عوائد استثمارات ضخمة في المجالات الصحية والتعليمية، وتوفر التعليم لعشرات الآلاف من التلاميذ المتفوقين من أبناء الطبقة الفقيرة والمحتاجة. وتدير نشاطات اجتماعية وخيرية خاصة في مجال كفالة الأيتام، وفي شؤون الزواج وتنظم حفلات زواج جماعي.

يتضح من استعراض تجربة الجماعات الإسلامية سواء في مصر والأردن وفلسطين مدى تأثيرها في المشهد السياسي وقدراتها على التغلغل في بنية المجتمعات العربية والإسلامية، ليس بالضرورة عبر البوابة السياسية، اي عن طريق الانتخابات، أو عبر البوابة الثقافية من خلال الكتب والمحاضرات والندوات، أو عبر البوابة الإعلامية من خلال الصحف والبرامج الإذاعية أو ألتلفاز، أو عبر البوابة التعليمية من خلال المناهج والمعلمين، فحسب، وإنما عبر التغلغل العميق في المجتمع من خلال الاتكاء على أرضية الدين، وخدمة الناس، سيما الفقراء. وهو احد اهم الاسباب الذي ساهم بلا شك في تعميق صلة الناس بالحركات الإسلامية والثقة بها وتوسيع نفوذها وترسيخ شعبيتها، ومن ثم إيصالها لسدة الحكم عبر صناديق الانتخابات، بعد سقوط الأنظمة في دول الربيع العربي.

استبداد الأنظمة العربية وفسادها

في الوقت الذي تتمتع الأنظمة العربية بمزيد من القوة الفائضة احيانا على صعيد أجهزتها الامنية والعسكرية والمخابراتية، هي ضعيفة إلى حد الهشاشة على الصعيد الشعبي، بل أن شرعيتها المنقوصة مهزوزة ومهترئة أيضا، وذلك بسبب إيغالها في الفساد بمختلف اشكاله الى جانب احتكارها للسلطة والثروة، وإقصائها للشعب عن المشاركة، في حين انه مصدر الشرعية والسلطة.

عدم مشاركة الشعب في ادارة الدولة، الذي يعني انفراد النخبة الحاكمة بالسلطة، هو مصدر ضعف الأنظمة العربية جميعها، وهو الأمر الذي يقوض شرعيتها، خصوصا اذا ترافق معه الامعان في الفساد والافساد، كما هو حال معظم الأنظمة. لذلك فأن ضعف الأنظمة وعدم مقدرتها على تلبية حاجات المجتمع وإشباعها، إلى جانب فسادها واستئثارها بالسلطة والثرورة، ساهما بشكل كبير في نفور واشمئزاز المجتمع منها.وكانت الحركات الإسلامية، التي طرحت نفسها كبديل واقعي عن الأنظمة القائمة، حتى وان لم تصرح هي بذلك، كانت هي الرابح الأول من تلك السياسات الفاشلة.

ومما لا شك فيه أن تحقيق الجماعات الإسلامية في دول عربية مختلفـة، فيما مضى، لنتائج مفاجئة في الانتخابات التشريعية والبلديـة، وفي انتخابات النقابات المهنية والعمالية، كان له الأثر الكبير في ارتفاع أسهم الإسلام السياسي في الشارع العربي. ولقد تم ذلك في ظل وجود أنظمة سياسية عَلْمانية عربية هشّة وفاسدة، لم تستطيع من خلال سياساتها الفاشلة أن تحقق الحد الادنى من غايات وتطلعات شعوبها، التي اكتوت بنار الفقر والبطالة والحرمان وسوء الاحوال المعيشية، في الوقت الذي كانت فيه الطبقة الحاكمة تتمتع بالثروات الوطنية وتتلاعب بها.

لم تكتف الأنظمة العربية بحالة البدخ وممارسة سياسية التجويع لشعوبها، بل دخلت في صدام مباشرة مع القوى الإسلامية، وزجت ببعض أعضائها في السجون، أو تمَّ طردهم من الحلبة السياسية، أو نفيهم خارج الوطن. السياسات الفاسدة لم تورث الفشل في التنمية والنهوض في الاوطان، وانما خلفت كرها ونفورا شعبيين حيال تلك الأنظمة الحاكمة. في مقابل ذلك، تبنت معظم الحركات الإسلامية في الاوطان العربية أسلوب المواجهة المباشرة لتلك الساسيات والأنظمة الفاسدة، فقوبلت باحتضان شعبي والتفاف جماهيري واسع.وقد أفسحت تلك السياسة المجال أمام الجماعات الإسلامية، لكي تملأ الفراغ في المجتمع وتحوز بثقته.

ولقد خلفت السياسات الفاسدة للانظمة ازمات خانقة ادت الى انتفاضات في أنحاء متفرقـة من العالم العربي. فكانت أولى هذه الانتفاضات في مصر في العام 1977، ثم في السودان في العام 1982، ثم في تونس والمغرب في العام 1984، ثم في الأردن في العام 1989.

وبموجب إحصائيـات العام 1993 بلغت نسبة الأسر العربية التي تعيش تحت خـط الفقر34 بالمائة. وترتفع هذه النسبة في بعض الدولة العربية إلى ستين بالمائة.وأن جُلَّ سكان العالم العربي - باستثناء دول النفط - لا يحصلون إلا على دولار أو اثنين في اليوم، وهو الحد الأدنى لكفـاف الإنسان، حسب مقاييس البنك الدولي.

وكان الجواب عن كل هذه الانتفاضات وتلك الأزمات، أن الحل في الإسلام، وفي التكافل الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي. مما دفع بعض الجماعات الإسلامية إلى إنشاء شركات توظيف الأموال الإسلامية في مصر على وجه الخصوص، ودعم إنشاء البنوك الإسلامية، في أنحاء متفرقة من العـالم العربي، كبديل إسلامي عن الاقتصاد الاشتراكي، الذي خرّب البيت العربي، كما قالت أدبيات الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت.

أن بروز وصعود الإسلام السياسي، ناشئ في الأساس من أرضية الفقر والحرمان والاضطهاد، ويرجع الامين العام لمؤسسة الفكر العربي عبد المنعم أسباب صعود تيار الإسلام السياسي إلى عوامل ثلاثة تتمثل في1/ تفاقم الاوضاع المجتمعية.2/ تفشي الفساد.3/ قمع الأنظمة للاسلاميين (3).

وعليه، فإن ولادة معظم الحركات الإسلامية وزيادة شعبيتها، هو رد فعل على سياسات الأنظمة الحاكمة الاقصائية ونتيجة طبيعية لفسادها.فسياسات الأنظمة الحاكمة، هي التي خلفت اوضاعا سيئة، وهيأت الفرصة الملائمة لتقدم الحركات الإسلامية نفسها كبديل عنها، ما جعل المواطن العربي ينظر إليها بوصفها "خشبة" الخلاص من الواقع الموبوء. وقد ترجم ذلك فعلا، اثناء الانتخابات التي حدثت أبان الثورات العربية، حيث تم منحها غالبية الاصوات اثناء عملية الانتخابات التي تمت في دول الربيع العربي.

الهامش

(1)-حركة الإخوان في مصر، وهي أول جماعة إسلامية تكونت في العـالم العربي عام 1928.

(2)-حركة النهضة في تونس، وهي حركة اخوانية أيضا تأسست عام 1972 وأعلنت رسميا على نفسها في 6 جوان 1981 ولم يتم الاعتراف به كحزب سياسي في تونس إلا في1 مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي.

(3)-عبد المنعم، سليمان"أسباب صعود تيار الإسلام السياسي بعد الربيع العربي"، 2012،