أصداء زيارة الهضيبي لبلاد الشام وعالمية منصب المرشد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أصداء زيارة الهضيبي لبلاد الشام وعالمية منصب المرشد


إخوان ويكي

مقدمة

جماعة الإخوان المسلمون هي جماعة إسلامية عالمية، تهدف إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكل مظاهر الحياة من منظور إسلامي شامل في مصر والدول التي تنتشر فيها، وهي جزء من نسيج وكيان الدولة التي تعيش على أرضها وتعمل من أجل سيادتها واستقلالها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا، فهي دعوة عالمية تعمل أينما وجد أي مسلم.

غايتها تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها. وتعتبر مرجعيتها الإسلام ممثلا في القرآن الكريم والسنة المطهرة. ومنصب المرشد العام هو منصب عالمي ليتابع أنشطة الحركة الإنسانية في كل مكان (دون التدخل في شئون البلاد أو سياستها أو أحداثها)

وهو ما جاء على لسان المستشار حسن الهضيبي حينما اعتقل في يناير 1954م والعديد من قيادات الإخوان بعدما قام العسكر بحل الجماعة، فسأله شمس بدران عن اسمه وصفته ليسجل البيانات فقال حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، فهب شمس بدران غاضباً وصاح : ألم تحل الدولة جماعة الإخوان المسلمين.

قال:

لقد حلت الدولة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أما أنا المرشد العام للإخوان في العالم، فبُهت شمس بدران. (1)

وهو ما يجعل من زيارات المرشد العام لأي قطر شيء طبيعي للتزاور وتحقيق الُلحمة بينه وبين أفراد الإخوان في أي قطر.

سفريات المرشدين

سافر الأستاذ حسن البنا إلى الحجاز عدة مرات لأداء فريضة الحج ووتعريف دعوته للناس بعد انتهاء فريضة الحج في الأحفال والمؤاتمرات التي كان يعقدها الملك عبدالعزيز. كما سافر إلى غزة أواخر عام 1947م لزيارة شعبها وشُعبها والشد من أزر المجاهدين أمام العصابات الصهيونية.

كما سافر المستشار حسن الهضيبي إلى سوريا ولبنان والأردن واعتذرت العراق في الفترة التي كانت الأزمة مشددة بين الإخوان وعبدالناصر وهو ما يوضح أن جميع التهم التي ساقها عبدالناصر فيما بعد ما هي إلا كذبة ليبرر انتقامه من قوى المعارضة سواء علمانية او شيوعية أو إسلامية.

ومن بعده اقتصرت زيارات المرشدين على أداء فريضة الحج، وهم الذين قبل تولى المنصب ربما يجولون العالم. (2)

الهضيبي مرشدا عاما

ظل مستشارا حتى بلغ منصب نائب رئيس محكمة النقض، وما ظن في يوم من الأيام أن يحل محل الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، لكونه قاضيا، ولعدم ظهوره أو معرفة كثير من الإخوان به. غير أنه في نهاية عام 1948م (وبإعاز من القوى الغربية) حُلت جماعة الإخوان المسلمين وتبعها اغتيال مؤسسها في أكبر شوارع القاهرة يوم 12 فبراير 1949م، مع اعتقال قادتها والزج بهم في آتون السجون والتعذيب.

لكنهم بعدما خرج الإخوان من السجون سعوا إلى إلغاء القرار العسكري بحل الجماعة وقد أنصفهم القضاء بصدور قرار بإلغاء قرار الحل وعودة الجماعة وجميع ممتلكاتها ومركزها العام. وبقى أن تختار الجماعة مرشدا عاما يقود مسيرتها، خاصة وهي المليئة بالكثير من القادة والعلماء والمصلحين القادرين على حمل المهمة.

إلا ان الأمر انحصر في أربعة اعتذر منهم اثنان وتنافس الأثنين الباقين ولظروف الجماعة في هذا التوقيت، وغموض بعضها، لم يحسم أمر اختيار المرشد مما دفع بأحد أعضاء الهيئة التأسيسية وهو المستشار منير الدلة لأن يقترح بأن يتولى واحد من خارج مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية

حتى تجرى انتخابات شاملة على مكتب الإرشاد ومنصب المرشد، ورشح من اجل ذلك المستشار حسن الهضيبي الذي اعتبره المستشار الشخصي للأستاذ البنا، ولصفاته التي تحلى بها تؤهله لقيادة جماعة الإخوان، وبالفعل وافقت الهيئة التأسيسية فتم اختيار الهضيبي مرشدا عاما في 15 أكتوبر 1951م. (3)

صراع

ترك المستشار الهضيبي منصة القضاء بعدما تم انتخابه مرشدا عاما للإخوان لعدم الجمع بينهما، وفرغ كل وقته للدعوة والتي كانت مقبلة على مرحلة عسيرة لم يتوقعها أحد بهذه الصورة القاسية. بعدما تولى بشهور كان الإعداد والتجهيز لثورة يوليو بين الإخوان والضباط الأحرار والتي ذكر أحداثها الكثير من قادة الضباط الأحرار في مذكراتهم كخالد محي الدين وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم.

ونجحت ثورة الجيش ودعمها الشعب بعدما ظن أن الدنيا ستتغير للأفضل في ظل حكم العسكر، لكن يبدو أن الجميع لم يكن مدرك هذه الخطوة ولم يتعلموا من انقلابات سوريا. وبالفعل دخلت جميع القوى السياسية وبعض فصائل الجيش في صراع مرير مع ديكتاتورية بعض قادة المجلس العسكري، الذين حاولوا أن يديروا المشهد بمعاونة أمريكا من أجل بسط نفوذهم على حكم مصر، فحلت جميع القوى السياسية بما فيهم الإخوان المسلمين على فترات متتالية.

وقدم كثير من القادة السياسيين إلى المحاكمات، كما تم اعتقال المرشد العام ومئات من قادة الإخوان في يناير 1954م دون تهم، لكن لم يتعلم الإخوان من هذا الانقلاب، وظلوا على علاقتهم بالعسكر الذين كانوا يرتبون لانقلاب وإبادة على الإخوان وجميع القوى السياسية والرئيس محمد نجيب.

كان المستشار حسن الهضيبي لديه رؤية لما يفكر فيه عبدالناصر، وكان لا يأمنه في كلامه ولا تفكيره وحذر منه الإخوان إلا أن بعضهم ظنه مؤمنا فعلا بالإنسانية وحقوق الناس فركن إليه، وكانت سنوات عجاف تخبط فيها الجميع، ولم يكن الشعب ذو فاعلية فيما يحدث أو يسن من قوانين، كما لك يكن صاحب القرار وهو الوضع الذي استمر تحت حكم عسكر مصر. (4)

تاريخية زيارة الهضيبي للشام

قرر المستشار الهضيبي المرشد العام زيارة العديد من الدول خاصة الشام والعراق غير أن العراق رفضت وأرجأت الزيارة لوقت أخر (كما زعمت).

المرشد في سوريا ولبنان

توجه الهضيبي إلى سوريا حيث كان في استقباله الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام وقادة الإخوان كبهاء الأميري وعصام العطار وكبار القادة والعلماء. فقد جاء في مجلة (الإخوان المسلمون) السنة الأولي العدد العاشر 22 ذي القعدة 1373 الموافق 22 من يوليو 1954 – وصفا لرحلة الأستاذ المرشد تجنزئ منه هذه السطور.

خرج من دمشق وفد الجماعة الرسمي الذي ذهب لمرافقة فضيلة الأستاذ المرشد في لبنان مؤلفا من فضيلة المراقب العام الدكتور السباعي والأمين العام الأستاذ أديب صالح وأعضاء المكتب ورئيس مركز دمشق والإخوان – وعند الحدود السورية كان وفد رابطة العلماء والتمدن الإسلامي والجمعيات الإسلامية ورئيس مركز حلب ورئيس مركز درعا وفد مركز حماة .

وعندما بلغا دمشق نزل فضيلة المرشد ليستقبل المهنئين في قاعة الجمعية الغراء الكبرى وقد جاءت تسلم عليه من جميع المحافظات وفود الإخوان و في المساء أقيم حفل في الدار نفسها فلم ينفض حتى انتصف الليل . كما استقبل الأستاذ المرشد في بيروت أعظم استقبال حيث كان في استقباله الإخوان والسيد عمر الداعوق رئيس جماعة عباد الرحمن.

وزار وفد ممن بيت تونس في دمشق فضيلة المرشد العام للتسليم عليه والترحيب بمقدمة والتحدث معه في الشئون الإسلامية. وقام الأستاذ المرشد بزيارة القصر الجمهورية وسجل اسمه في سجل التشريفات تم تشرف بمقابلة فخامة رئيس الجمهورية لمدة نصف ساعة وزار أرضا دولة الأستاذ سعيد الغزي رئيس مجلس الوزراء. واستعرض فضيلة المرشد فرق الفتوة للإخوان في سوريا وقد خرجت فرقها لاستقباله خارج دمشق.

وخلال زيارة أ. حسن الهضيبي أسس المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية وكان يمثل سورية فيه بشكل طبيعي الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي ومعه عصام العطار. (5)

ويقول فتحي يكن تحت عنوان (زيارة المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين إلى لبنان عام 1954): زار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي مدينة طرابلس حيث ألقى محاضرة في مركز جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية.

كلف رئيس الجمعية في تلك الفترة الشيخ صلاح الدين أبو علي رئس البعثة الأزهرية في لبنان، المرحوم الدكتور "صبحي الصالح" بتقديم المرشد العام للحضور، وكان يرافق الأستاذ المرشد في جولته تلك "المرحوم صالح أبو رقيق"

ألقى فضيلة المرشد العام كلمة مطولة تناول فيها الأوضاع العامة التي تمر بها بالبلاد في أعقاب هزيمة عام 1945 والانقلاب الذي قاده محمد نجيب ضد الملك فاروق بدعم من جماعة الإخوان المسلمين ، كما تحدث عن لقاءاته مع المسئولين في المملكة العربية السعودية ، ودعا إلى تكاتف العرب والمسلمين ، والى اعتماد الإسلام منهجا لحياة المسلمين.

أذكر أنني وبعض الإخوة رافقناه في جولة قام بها على المؤسسات الإسلامية في المدينة كان منها "كلية التربية والتعليم" وخلال التقاط بعض الصور الفوتوغرافية ابتدر المصور الأستاذ المرشد قائلا : " أرجو من فضيلتكم الانحناء قليلا لتظهر الصورة كاملة" فما كان من فضيلته إلا أن أجابه باللهجة المصرية وعلى الفور: "ما تعود تش" أي أنني لم أتعود الانحناء إلا إلى رب العالمين. (6)

ويقول العقيل:

في عام 1954م عقد المؤتمر الإسلامي المسيحي في بحمدون بلبنان، وشارك فيه السباعي للرد على أعداء الإسلام من المستشرقين والصليبيين، كما حضر الاجتماع الذي دعا إليه الأستاذ حسن الهضيبي ـ المرشد الثاني للإخوان المسلمين ـ في لبنان، حيث ضم قادة الإخوان المسلمين في البلاد العربية، والذي حضره من مصر مع الأستاذ الهضيبي كل من: عبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان وصالح أبو رقيق ومنير الدلة، ومن سورية مصطفى السباعي، ومن الأردن محمد عبد الرحمن خليفة، ومـن السودان علي طالب الله، ومن العراق محمد محمود الصواف، ومن الكويت عبد العزيز المطوع. (7)

ويقول جابر رزق في كتاب الإخوان والمؤامرة على سوريا:

وقد أقيم عام 1954 فى مدينة حمص مخيم ضخم للإخوان حضره المرحوم حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى مصر وجاءت هذه الزيارة لسوريا قبل محنة الإخوان فى مصر بشهور قليلة حتى إن الإخوان المسلمين فى سوريا نصحوا المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي بعدم العودة إلى مصر بعد أن بدت الغيوم تتجمع فى سماء العلاقات بين رجال الانقلاب وقيادات الإخوان فى مصر
ولكن الأستاذ الهضيبي عليه رحمه الله رفض هذه النصيحة وأصر على العودة إلى القاهرة ليكون على رأس الجماعة فى مواجهة العسكرين عام الإخوان المسلمين على مستوي مصر والعالم كله لسوريا ذات أثر كبير فى دفع الأحداث فقد كشفت عن قوة الإخوان المسلمين فى سوريا وعن التجاوب العميق الذي يربط الشعب السوري بالإخوان المسلمين وأظهرت الإخوان فى صورة التحدي السافر للتيار اليساري يحمل لواءه !!
لقد استقلت سوريا الأستاذ الهضيبي عن بكرة أبيها وكان فى استقباله المسيحيون أنفسهم وكانت فرصة عبر فيها المسلمون المضيق عليهم عن عواطفهم الإسلامية الكامنة فى الأعماق وعن وجودهم وتجاوبهم مع الحركة الإسلامية بصورة أذهلت الخصوم وكشفت النقاب عن كمون القوة الإسلامية فى الشعب السوري وأنه لا يزال مستمسكا بعقيدته وبإسلامه وعندما تتاح له أسباب التحريك يظهر على حقيقته بحميته الإسلامية الأصيلة
والعميقة فى مدينة حماة خرج المطران وزعماء الطائفة المسيحية ورجال الكنيسة هناك يستقبلون المرشد العام للإخوان المسلمين الذي أكد لهم تسامح وأهداف الحركة الإسلامية التي تضمن لهم حقوقهم وتضمن لهم حرياتهم ودعوة الإخوان المسلمين تمثل العودة إلى الإسلام الذي ضمن بنصوصه بواقعه التاريخي البقاء لهذه الأقليات وأعطاها حريتها حقوقها وأمورها الخاصة ولولا الإسلام ما بقيت هذه الأقليات وأن بقاء الإخوان المسلمين وبقاء الحركة الإسلامية قوية ينطوي ذلك على الحفاظ على الأقلية المسيحية!!
هذا ما كان يدركه زعماء الطائفة المسيحية فى سوريا أما المتعصبون منهم الذين لا تتجاوز نظرتهم أنوفهم فلا شك أنهم يراهنون لضرب الحركة الإسلامية لأنهم ينظرون بمنظار الخصومة للإسلام دون أن يفطنوا إلى ما يفطن إليه عقلاء المسيحية من أن القضاء على الإسلام فيه قضاء على المسيحية ما عاشت إلا فى ظل قوة الإسلام حينما كان الإسلام قويا فى نفوس المسلمين وفى ظل قوة الإسلام حينما استطاعت المسيحية أن تبقي فى بلاد الإسلام كل هذه القرون).
لقد كان فى استقبال المرشد العام للإخوان المسلمين الذي استقبل به فى سوريا ما أثار حفيظة أعداء الإسلام وعملائهم . وقد كتب يحذر فيه من أنه إذا استمر الوضع فى سوريا على ما هو عليه فسوف يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم فى غضون خمس سنوات !!.
وأحست التنظيمات والأحزاب اليسارية والقومية بهذا الخطر الذي يهددهم ويتمثل فى جماعة الإخوان المسلمين فأخذوا يتكتلون ضد الإخوان ويحيكون الخطط والمؤامرات ضدهم وبدأت الأيدي الخفية تنسج خيوطها حول سوريا فسيقت سوقا بفعل مسلسل الانقلابات الرهيب الذي لم تشاهد دولة عربية أخري مثيلا له فى طريق الاشتراكية وتفريغ الشعب السوري من التيار الإسلامي وإجهاض حميته الإسلامية ووضعت الخطط ودبرت المؤامرات وزرع الجواسيس وهيئت الظروف لتمكين الاشتراكيين من حكم سوريا ولعبت الصهيونية دورها وساندتها الصليبية الأمريكية. (8)

ويقول محمد فاروق البطل (أحد قادة الإخوان بسوريا):

وقد أقيم عام 1954 فى مدينة حمص مخيم ضخم للإخوان بجانب بحيرة قطينة حضره حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى مصر. وكانت الحفاوة البالغة واضحة في استقبال المرشد العام من قيادات جماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية)، وقد كتب آنذاك أحد أعضاء الجماعة مقالاً يبشر فيه من أنه إذا استمر الوضع فى سورية على ما هو عليه فسوف يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم فى غضون خمس سنوات، ويحذر بأن زيارة المرشد إلى سورية وشعبيته الجماهيرية أثارت حفيظة أعداء الإسلام وعملائهم. (9)

وذكرت مجلة الإخوان المسلمون وصفاً لتلك الرحلة قالت فيه:

خرج من دمشق وفد الجماعة الرسمي الذي ذهب لمرافقة فضيلة الأستاذ المرشد في لبنان مؤلفا من فضيلة المراقب العام الدكتور السباعي والأمين العام الأستاذ أديب صالح وأعضاء المكتب ورئيس مركز دمشق والإخوان – وعند الحدود السورية كان وفد رابطة العلماء والتمدن الإسلامي والجمعيات الإسلامية ورئيس مركز حلب ورئيس مركز درعا وفد مركز حماة.

وعندما بلغا دمشق نزل فضيلة المرشد ليستقبل المهنئين في قاعة الجمعية الغراء الكبرى وقد جاءت تسلم عليه من جميع المحافظات وفود الإخوان و في المساء أقيم حفل في الدار نفسها فلم ينفض حتى انتصف الليل. وقام الأستاذ المرشد بزيارة القصر الجمهوري وسجل إسمه في سجل التشريفات تم تشرف بمقابلة فخامة رئيس الجمهورية لمدة نصف ساعة وزار أيضا دولة الأستاذ سعيد الغزي رئيس مجلس الوزراء. استعرض فضيلة المرشد فرق الفتوة للإخوان في سوريا وقد خرجت فرقها لاستقباله خارج دمشق. (10)

في 31 يوليو نشرت صحيفة بيروتية بأحرف ضخمة وعناوين بارزة رأي المرشد العام في الاتفاقية .. والنقاط الأساسية في هذا النقد هي ما يلي :

  1. كان المفروض أن ينتهي أجل معاهدة 1936 بعد أقل من عامين .. وإذ ذاك كان علي بريطانيا أن تجلو عن القاعدة ، وأن تتركها دون أساس قانوني يمكنها من العودة إليها فيما بعد – أما المعاهدة الجديدة فتمنحها هذا الحق باشتمالها علي مادة تسمح بإعادة تشغيل القاعدة في حالة حدوث أي اعتداء علي أي دولة عربية أو علي تركيا .
  2. المادة التي تسمح بإعادة تنشيط القاعدة في حالة الاعتداء علي تركيا تربط مصر والدول العربية بتركيا وبالتالي تربطهم جميعًا بالمعسكر الغربي .
  3. الفقرة التي تسمح لبريطانيا بصيانة القواعد الجوية تمثل تهديدًا لمصر . وهي علي المدى الطويل أداة لدوام السيطرة .
  4. المدنيون الذين سيناط بهم المساعدة في تشغيل المعدات هم بطبيعة الحال شخصيات عسكرية في ثياب مدنية .
  5. جددت الاتفاقية أجل المعاهدة 1936 لفترة خمس سنوات أخرى ، وسمحت بإجراء تشاور لمراجعة الموقف عند انتهاء فترة العمل بها ، وهو نفس النوع من البنود التي تكفل في الواقع الاستمرار الدائم لمعاهدة 1936 .

وقد طلب المرشد العام أن أي اتفاقية بين مصر وحكومة أجنبية ينبغي أن تعرض علي برلمان منتخب بإرادة حرة يمثل إرادة الشعب المصري ، وعلي صحافة متحررة من الرقابة وتملك حرية المناقشة. (11)

يقول الأستاذ محمود عبد الحليم:

في تهيئه لإنجاز اتفاقية للجلاء يحرز بها تعسرًا نصرًا يكون له رصيدًا سياسيًا يقربه إلي نفوس الشعب – وضع خطة يضمن بها تقليم أظافر الإخوان فحال بينهم وبين جميع وسائل التعبير عن الرأي ، وأخذ يتحرش بهم فيعتقل بين يوم وآخر عددًا من شبابهم من النظام الخاص ذوى النشاط في القاهرة
ويسلط عليهم جهازه الإجرامي – البوليس الحربي – الذي يرأسه أحمد أنور ، وصار كل يوم يزيد من عدد المعتقلين من هذا النوع من الشباب ويزيد من ألوان التعذيب .. كل هذا آملاً في أن يشغل الإخوان بأنفسهم فلا يجدون جهدًا ولا وقتًا للنظر فيما سوي ذلك من الأمور السياسية .
وكان في هذه الأثناء جادًا في أسباب الوصول مع الانجليز إلي اتفاقية . وكلما قطعت المفاوضات مرحلة من المراحل زاد ضغطه علي الإخوان وتحرشه بهم ، وكان في حسبانه أنه حتى تصل هذه المفاوضات إلي نهايتها وتنجز الاتفاقية يكون الضغط والتحرش قد قطع أنفاسهم فلا يقوون علي نقد هذه المعاهدة إلا همسًا وأين لهم من وسائل إعلام تنشر همسهم.

ويضيف محمود عبد الحليم:

ولا أعتقد أن نقد اتفاقية يراد إبرامها بين دولة وأخري ، هذا النقد الموضوعي مما يثير شجنًا أو يبعث ضغنًا أو يعتبر انتهاكًا لكرامة حكومة .. فالمفروض أن الحكومات ليست معصومة من الخطأ ، وأن النقد الموضوعي من حق أي مواطن إن لم يكن من واجباته ، ولكن الذي حدث هو أن عبد الناصر اعتبر هذا النقد كبيرة الكبائر ، وهجومًا عليه بسلاح بتار في مقتل .
وقد يكون لعبد الناصر بعض الحذر من وجهة نظره فهو حاكم لا رصيد له من قاعدة شعبية ولا إنجاز سياسي ، وهذا هو العمل السياسي الوحيد الذي يريد أن يكون له رصيدًا ، فمهاجمته فيه يعتبرها بمثابة القضاء عليه سياسيًا . هذا من وجهة نظره ولكن من الوجهة مرفوضة شكلاً وموضوعًا لأن الاتفاقيات تمس كل فرد من أفراد الشعب
فلكل فرد أن ينقدها وأن يعلن وجهة نظره فيها – ولا أنسي أيام تم الاتفاق علي أسس معاهدة 1936 ولم يكن الذي قام بالمفاوضة في شأنها فرد ولا حزب بل مجموعة من الزعماء .. ومع ذلك فقد امتلأت الصحف بمقالات ضافية في نقدها واستمر هذا النقد فترة طويلة ، ومع ذلك لم يغضب الحكام ولا المفاوضون بل انتفعوا بكثير مما جاء في هذا النقد وكان ذلك سببًا في تعديل بنودها حتى صارت أقل إضرارًا بالبلاد .
فماذا كان يضير عبد الناصر أن يتقبل هذا النقد كما تقبله سابقوه وأن يطلق للصحافة الحرية في نقدها هي الأخرى ويستخرج من هذا النقد ما يواجه به الانجليز لتعديل الاتفاقية كما فعل سابقوه ؟ .. ولكن يبدو أنه كان متفهمًا موقفه فهو ليس كسابقيه فهو ليس كسابقيه فهو لا يمثل حزبًا ولا كتلة شعبية ويعرف أن الانجليز يعرفون ذلك .. فلابد أن يرضي بالقليل ولابد أن يوهم الشعب بأن هذا القليل هو الكثير الذي يريده المواطنون. (12)

الأردن وفلسطين

كما زار المستشار الهضيبي الأردن وفلسطين حيث يصف ذلك محمود عبدالحليم بقوله:

غادر مصر في النصف الأخير من شهر يونيو 1954 وزار فلسطين وتناول طعام الغداء علي مائدة الأنبا ياكوريوس مطران النصارى.

حتى أن الأستاذ الهضيبي ذكر ذلك في قوله:

لقد زرت فلسطين ووجدت أشياء تحزن النفس ووجدت أشياء تسر – وأما الذي يحزن فهو الاستكانة التي رانت على القلوب فلم نعمل شيئا من أجل فلسطين منذ عهد هدنة رودس حتى الآن. وقال: لقد أصبحت (فلسطين) (إسرائيلي المزعومة) حقيقة قائمة وأخشي أن أقول أننا نحن أصبحنا مزعومين. إن الدول العربية مشغولة بنفسها وإسرائيل ماضية في عملها.
وقال إن هذا الواقع الأليم جرح عميق في قلوبنا وليس من دواء له إلا الحديد والنار – لا تنتظروا من الحكومات الأجنبية مثل انجلترا وأمريكا شيئا فاعتمدوا على الله ثم على أنفسكم. (13)

زار الأردن صيف عام 1954م فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي ومن ضمن زيارته قام بزيارة مخيم عقبة جبر في اريحا، حيث تفقد جمعية البر بأبناء الشهداء وشعبة الإخوان المسلمين وزار ضريح مؤسس الجمعية والشعبة المرحوم زكي سعيد، ثم تناول طعام الغداء مع أبناء الشهداء وإدارة الشعبة وبعض وجهاء مخيم عقبة جبر وكان طعام الغداء الأكلة الفلسطينية المشهورة المفتول وقامت بصناعة هذا الطعام الوالدة رحمها الله مع بعض النسوة.

كما استقبل الأستاذ عبداللطيف أبو قورة المستشار حسن الهضيبي أثناء زيارته للشام عام 1954م وجلسا معًا في منزل الأستاذ منصور الحياري القيادي بجماعة الإخوان بالأردن. ويصف المهندس حسين منصور الحياري زيارة الأستاذ الهضيبي للأردن عامة والسلط خاصة بقوله: في صيف عام 1954 قام الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين بجولة في بلاد الشام زار خلالها كل من لبنان وسوريا والأردن.

وعندما جاء للأردن قادما من سوريا كان في إستقباله جمع غفير من الناس وطابور طويل من السيارات في مركز حدود الرمثا ورافقه موكب المستقبلبين (الذين حضروا من كل أنحاء الأردن) إلى عمان بموكب مهيب سلك طريق جرش صويلح ثم عمان . وفي عمان كانت هناك جموع كثيرة احتشدت لاستقباله أمام دار الإخوان في شارع السلط .

في اليوم الثاني للزيارة توجه الأستاذ الهضيبي وصحبه إلى مدينة السلط في زيارة خاصة لها وكان معه من الإخوة المصريين:

  1. القاضي مأمون حسن الهضيبي .
  2. المهندس اسماعيل حسن الهضيبي .
  3. المستشار القانوني منير الدلة .
  4. الخبير السياسي في جامعة الدول العربية صالح أبو رقيق .
  5. الأستاذ نجيب جويفل .

وقاد سيارة الأستاذ من عمان الى السلط المرحوم هاني الحاج حسن (أبو عصام). وعند وصولهم إلى دار الإخوان في السلط (والتي كانت في عمارة عبد الرحمن البشير اول شارع الميدان) استقبلتهم فرقة جوالة إخوان السلط بقيادة المرحوم عواد سلامة أبو العثم النسور (أخ غير شقيق للقاضيين فهد وعبد الرزاق ابو العثم حفظهما الله) وكان من أفرادها القاضي عبد الفتاح الظاهر (أبو بلال) أطال الله في عمره .

أعجب الأستاذ الهضيبي كثيرا بالجوالة لحسن هندامهم ووقفتهم الرجولية وترحيبهم الحار به فقال معلقا (ايه دي ؟ دول جوالة ولا عسكر) . وبعد دخوله إلى دار الإخوان وتسليمه على الحضور القيت كلمات ترحيبية بالأستاذ ومرافقيه وكانت أبرزهذه الكلمات كلمة الأستاذ الشاعر سليمان المشيني ابن السلط البار . وبعد أداء صلاة الظهر بدار الإخوان توجه الأستاذ وصحبه مشيا على الأقدام لتناول طعام الغداء في منزل المرحوم عبد الحليم بدران (أبو هشام) القريب من دار الإخوان .

وحضر الغداء معه عدد من قيادي الإخوان بالسلط والأردن كان منهم محمد عبد الرحمن خليفة ومنصور الحياري وسليمان عبد العواد عربيات وحسين محمد السالم الحياصات وغيرهم . وبعد الغداء وشرب الشاي استراح الأستاذ قليلا في بيت ابو هشام . توجه الاستاذ وصحبه بعدها لاداء صلاة العصر في مسجد السلط الكبير وقام رحمه الله بمصافحة أصحاب المحلات في شارع الحمام من بدايته من جهة الميدان الى نهايته بالساحة وكان منظرا جميلا جليلا .

بعد أداء صلاة العصر بالمسجد الكبير توجه الأستاذ إلى محلة آل الخطيب الواقعة خلف السرايا العثمانية حيث التقى في منزل المرحوم عبدالله الخطيب بعدد كبير من ابناء السلط ووجهاءها منهم المرحوم عبد الحليم النمر الحمود (كما أخبرني والدي) والذي جرى بينه وبين الاستاذ الهضيبي نقاش مستفيض عن أحوال الامة واوضاعها السياسية وما يحاك ضدها من مخططات صهيونية استعمارية وكذلك أجاب الاستاذ على العديد من الاسئلة التى وجهت اليه من الحضور .وفي المساء عاد الأستاذ مع صحبه إلى عمان مودعا بنفس الحفاوة التى استقبل بها. (14)

يقول عباس السيسي:

توجه الأستاذ المرشد إلى الأردن وقام بزيارة جلالة الملك حسين في القصر الملكي. وقام بزيارة صور باهر وبيت لحم وقري الخطوط الأمامية في لواء الخليل وتناول طعام الغذاء على مائدة الأنبا يا كوربوس مطران الأقباط – وأدي صلاة الجمعة بالمسجد الأقصي المبارك.
وزار بعد بعد ذلك نابلس ومنطقتها يرافقه عدد من الضيوف كما زار خلال يومين جنين وطولكرم وقلقيلية وغيتا والخطوط الأمامية. كما زار الزرقا وجرش والكرك ومعان ومؤتة – مكان الغزوة الإسلامية بقيادة الصحابة الأجلاء زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحه رضي الله عنهم. (15)

العودة والمحنة

بدأت نذر المحنة تطل برأسها أثناء زيارة المستشار لبلاد الشام حيث بدأت العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر تتوتر فنصح الإخوان المستشار الهضيبي بالبقاء وعدم الرجوع إلى مصر فرفض وقال: لو تعرض الإخوان بمصر لمحنة لكان أولى بي أن أكون وسطهم مشاركا لمحنتهم، فعاد من رحلته يوم 22 من أغسطس عام 1954م بعد أن حققت زيارة الشام أهدافها.

كان يشاركه في هذه الرحلة الأستاذ سعيد رمضان والمستشار منير الدلة والأستاذ عبد الحكيم عابدين وصالح أبو رقيق، حيث بقى عبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان وعاد الباقون، فكانوا على رأس من اعتقل بعد محنة أكتوبر عام 1954م.

المراجع

  1. محمد عبد الحليم حامد: مائة موقف من حياة المرشدين لجماعة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الاسلامية، القاهرة، 1993م.
  2. للمزيد رحلات الأستاذ حسن البنا: موقع إخوان ويكي
  3. محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، جـ2، دار الدعوة، الإسكندرية، 1999م.
  4. محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق.
  5. زيارة المستشار حسن الهضيبي للشام عام 1954م إخوان ويكي، 17 سبتمبر 2011،
  6. زيارة المستشار حسن الهضيبي : مرجع سابق.
  7. عبدالله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، طـ8، دار البشير، طنطا، مصر، 2006م.
  8. جابر رزق: الإخوان والمؤامرة على سوريا، دار الاعتصام، مصر، 1980م.
  9. ميلاد الجماعة في سورية
  10. مجلة الإخوان المسلمون: السنة الأولى، العدد العاشر، بتاريخ 22/07/1954م
  11. محمود عبدالحليم: جـ2، مرجع سابق.
  12. محمود عبدالحليم: جـ2، مرجع سابق.
  13. زيارة المستشار حسن الهضيبي للشام عام 1954م: مرجع سابق.
  14. حسين منصور الحياري: زيارة الهضيبي للسلط عام 1954م، 7 يناير 2019
  15. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، جـ3، دار التوزيع والنشر الإسلامية.