استحقاقات العام القادم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
استحقاقات العام القادم


بقلم : معتصم حمادة

صحيح أن العام 2009 لن يكون نهاية التاريخ. لكن الصحيح أيضاً أن ما سوف يشهده هذا العام من تطورات، وأن الأسلوب الذي سوف تتصدى به الحالة الفلسطينية للاستحقاقات السياسية سوف يرسم نتائجه اللاحقة ربما لسنوات طويلة قادمة يكاد العام 2008 أن ينتهي من حزم حقائبه، ليرحل عن الفلسطينيين دون أن يجد من بينهم من يقف لوداعه آسفاً على أفول شمسه.

فقد حمل العام المذكور في طياته سلسلة من الأحداث بتداعياتها السلبية، لعل أهمها إفشال حماس الدعوة المصرية للحوار الوطني الشامل في القاهرة، وإفشال إسرائيل التهدئة التي انتهت في قطاع غزة منذ أيام.

في الوقت نفسه لا يبدو أن العام 2009 يحمل (هو أيضاً) في طياته تباشير إيجابية، خاصة وأن الملفات التي خلفها العام 2008 مازالت محاطة بالألغام، ويحتاج علاجها إلى فكفكة هذه الألغام بروية وهدوء، وبعيداً عن التشنج ورد الفعل، وفي الوقت نفسه بعيداً عن الخضوع للابتزاز السياسي.

وإذا كان العام الذي هو قيد الرحيل قد نجح في تأجيل بعض الاستحقاقات، فإن العام الذي هو قيد الولادة، لا يستطيع أن يؤجل هذه الاستحقاقات مرة أخرى، لكونها ذات فعل وتأثير (إيجابي أو سلبي طبقاً لتسلسل الأحداث) على الحالة الفلسطينية لا يمكن تجاهلهما.

ويبدو أن العام الجديد سيولد ساخناً ترافقه عواصف سياسية فلسطينية منذ أسبوعه الأول.

@ فهناك، كما هو معروف، الخلاف السياسي حول انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس وادعاء حركة حماس أن يوم 9/1/2009 هو استحقاق سياسي وقانوني تنتقل بموجبه صلاحيات رئيس السلطة، ولمدة ستين يوماً، إلى رئيس المجلس التشريعي أو نائبه، مع التلويح منذ الآن باستحالة تنظيم انتخابات رئاسية جديدة خلال الستين يوماً، الأمر الذي يمهد لإبقاء بحر رئيساً (مؤقتاً!) للسلطة إلى أن نزول الأسباب التي تحول دون تنظيم الانتخابات.

في السياق نفسه لا تخفي مصادر الرئيس عباس قراره باستباق مناورة حركة حماس، وإصدار قرار بالدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، يقال أن موعدها المفترض هو نيسان (أبريل) القادم، ويقال أيضاً أنه حزيران (يونيو).. وهذا يعني، في كل الأحوال، أن الانقسام سيزداد تعميقاً، وان الأزمة الفلسطينية سوف تتفاقم أكثر فأكثر، بكل ما في الأمر من تداعيات ميدانية تنعكس سلبياتها على مجمل الحالة الفلسطينية فتزيدها تمزقاً.

وبالتالي سيبقى استحقاق إنهاء الانقسام مهمة وطنية ملقاة على عاتق القوى الحريصة على المصالح الفلسطينية وعلى مستقبل القضية. ويخطئ من يعتقد أن استمرار الانقسام لعام جديد، لن تكون له المزيد من الآثار الضارة، بما في ذلك خلق وقائع ميدانية في قطاع غزة، تحول مسألة العودة عن هذا الانقسام إلى عملية شديدة التعقيد، وتطرح احتمالات مختلفة بما في ذلك تكريس الانقسام كأمر واقع، كجزء من تسوية ستدفع القضية الوطنية ثمنها غاليا.

وهذا ما يقودنا إلى ضرورة التأكيد على أهمية إعادة إحياء المبادرة المصرية للحوار الوطني الشامل، مع إدراكنا المسبق أن عملية إعادة الأحياء هذه تحيط بها صعوبات وتقف في طريقها عراقيل، بحيث لن تشكل الدعوة الجديدة (إن هي حصلت فعلاً) نسخة طبق الأصل عن الدعوة الماضية.

من هنا نفترض أن على العقل السياسي الفلسطيني أن يتحلى بالقدرة على الإبداع ليصوغ مبادرة سياسية تشتق من سابقاتها، وتأخذ بالاعتبار المستجدات السياسية، بما في ذلك التوتر الذي يخيم على العلاقة بين القاهرة و حركة حماس ، والذي تقرأ علاماته الواضحة في أعمدة الصحف المصرية وافتتاحياتها وصفحات الرأي فيها، كما نقرأها في تصريحات قادة حماس في قطاع غزة والتلويح بتجاوز القاهرة نحو وساطات عربية وأجنبية بديلة.

@ كذلك يحمل العام الجديد، في الشأن الوطني، استحقاقات قرارات الدورة الأخيرة من المجلس المركزي في م.ت.ف. بما في ذلك إصدار قانون جديد لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل، والدعوة لانتخاب هذا المجلس، وتفعيل دوره، ودور دوائره ولجانه المختلفة، بما فيها دوائر م.ت.ف.، وبحيث تستعيد م.ت.ف. موقعها الفاعل في الحالة السياسية إقليمياً ودولياً، بعد أن جرى تهميشها طويلاًَ لصالح السلطة الفلسطينية.

ونخطئ كل من يعتقد أن تفعيل مؤسسات م.ت.ف. يندرج فقط في الرد على سياسة الانقسام ل حركة حماس ، وفي الرد على حالة الجمود التي يعيشها المجلس التشريعي الفلسطيني ولجانه المختلفة، لعل هذين العاملين يلعبان دوراً ضاغطاً لضرورة تفعيل مؤسسات المنظمة، لكن الهدف الحقيقي من مسألة التفعيل هو إصلاح الحالة السياسية الفلسطينية وتكريس مبدأ الشراكة الوطنية بديلاً للتفرد والانقسام، خاصة بعد أن أثبت التفرد أنه مسؤول عما لحق بالحالة الفلسطينية من هزائم ونكسات وأن الانقسام فتح الأبواب على مصراعيها لرياح العبث الإقليمي والدولي لتفعل فعلها في الحالة الفلسطينية، رغم محاولات أصحاب السياسات الانقسامية تغطية سياساتهم بشعارات المقاومة والصمود وغيرها.

@ إن ثمة استحقاقاً لا بد أن يواجهه أصحاب السياسة الانقسامية، في نهاية المطاف، إلا وهو نهاية ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني الحالي مع نهاية العام 2009، وهذا يعني أنه إذا لم يعد ترتيب البيت الفلسطيني، بما في ذلك إنهاء الانقسام، وانتخاب مجلس وطني جديد، وتفعيل مؤسسات م.ت.ف.

وإذا لم تتم مراجعة نقدية شجاعة لمجمل الحالة الفلسطينية فإن مستقبل هذه الحالة سيلفه الغموض، وسيحيط به الضباب من كل جهة، بحيث تصعب الرؤية، ويتعطل عمل البوصلة الوطنية، ومن هنا نعتقد أنه على حماس أن تفكر ملياً في مواقفها المتعنتة، وأن تعيد النظر فيها، وأن تكف عن المراهنة على عوامل تعتقد أن بمقدورها أن تضمن لها بقاء الوضع على ما هو عليه حتى إشعار آخر.

كما نعتقد أن على حماس أن تفكر ملياً في قدرتها على الحفاظ على شعبيتها إن هي استمرت لفترة قادمة في أتباع سياسة الانقسام والتفرد وتعطيل مبادرات الحوار الوطني والمصالحة الوطنية.

@ في قلب هذا كله تحتل مسألة مجابهة الاحتلال والاستيطان، والعمليات العدوانية الإسرائيلية الموقع الأبرز في الواجب السياسي والكفاحي الوطني. وإذا كنا قد أشرنا إلى الاستحقاقات «الداخلية» ـ إن جاز التعبير ـ قبل الإشارة إى استحقاقات مجابهة الاحتلال والاستيطان والعدوان، لإدراكنا أنه بدون ترتيب البيت الفلسطيني، وتنظيم مصالحة وطنية على أسس متكاملة، فإن الخوض في استحقاق مجابهة الاحتلال والاستيطان، ستبدو وكأننا نفضل الوقوف على رأسنا، لا على قدمينا،

إن التجربة الفاشلة للتهدئة في قطاع غزة وعربدة المستوطنين في مدينة الخليل، وجرائم جيش الاحتلال في مدينة نابلس، وسياسات تهويد القدس ونهب أثارها ومعالمها العربية الإسلامية والفلسطينية، كلها تتطلب، لمجابهتها، جسماً فلسطينياً متماسكاً، وقبضات فلسطينية قاسية، وقدرة فائقة على تنظيم عمل المقاومة في غرفة عمليات وبموجب مرجعية سياسية موحدة.

وتحمل تصريحات قادة العدو، واستطلاعات الرأي الإسرائيلي، أن جيش الاحتلال، حين تتوفر له الظروف لن يتوانى عن شن هجمات ضارية ضد قطاع غزة، علماً أنه لم يتوقف عن امتهان الكرامة الوطنية الفلسطينية في الضفة.

كما تؤكد استطلاعات الرأي أن المجتمع الإسرائيلي يتجه يميناً مما بشر بينيامين نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل، دون أن ينسى فلسطيني واحد، التجربة المرة مع نتنياهو وحكومته في انتخابات العام 1996.

وأخيراً وليس آخراً، هناك استحقاق العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي ـ إذ يتوجب على الفلسطينيين أن يقرأوا جيداً التحولات الاقتصادية على الصعيد العالمي، وآثارها ونتائجها السياسية المرتقبة، في وقت مازالت فيه مفاوضاتهم مع إسرائيل تراوح مكانها، دون أية محاولة جادة من الجانب الفلسطيني لإعادة النظر بقواعد اللعبة وتغيير مسارها وإخراجها من حالة المراوحة إلى حالة جديدة.

لا يخفي المفاوض الفلسطيني قلقه من النتائج المرتقبة للانتخابات التشريعية الإسرائيلية والقادمة، وتخوفه من وصول تحالف يميني على رأسه الليكود إلى الحكومة، كما لا يخفي قلقه من أن لا تحتل القضية الفلسطينية الموقع ذاته الذي كانت تحتله في أولويات الإدارة الأميركية بعد رحيل بوش ومجيء أوباما.

إن إصرار المفاوض الفلسطيني على إتباع السياسة نفسها لا تشكل ضمانة للحقوق الوطنية الفلسطينية.

وهذا واحد من أهم الاستحقاقات وأكثر خطورة.

صحيح ـ في الختام ـ أن العام 2009 لن يكون نهاية التاريخ، لكن الصحيح أيضاً أن ما سوف يشهده هذا العام من تطورات، وأن الأسلوب الذي سوف تتصدى به الحالة الفلسطينية للاستحقاقات السياسية، سوف يرسم نتائجه اللاحقة ربما لسنوات طويلة قادمة؟


المصدر